الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٩

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-201-3
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٣٥

المنفقون في جيش العسرة :

لما عزم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قتال الروم عام تبوك ، وكان ذلك في زمان عسرة من الناس ، وشدة من الحر ، وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار ، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على تلك الحال من الزمان الذي هم عليه (١).

قرر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المسير إلى تبوك وحضّ على الصدقات ، فجاؤوا بصدقات كثيرة ، فكان أول من جاء أبو بكر ، جاء بماله كله أربعة آلاف درهم.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هل أبقيت لأهلك شيئا»؟.

فقال : أبقيت لهم الله ورسوله (٢).

وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله ، فقال رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٤. وتفسير الواحدي ج ١ ص ٤٦٣ و ٤٦٤ ، وزاد المسير ج ٣ ص ٢٩٦ ، وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٥٧ و ٥٨ ، وتفسير ابن زمنين ج ٢ ص ٢٠٥ و ٢٠٦ ، وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٤٦ ، ولباب النقول ص ١١٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٩١ وحياة الصحابة ج ١ ص ٤٢٩ عن ابن عساكر ج ١ ص ١١٠.

١٠١

وآله» : «هل أبقيت لأهلك شيئا»؟

قال : نعم ، مثل ما جئت به.

وحمل العباس ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن عبادة ، وحمل عبد الرحمن بن عوف مائتي أوقية إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وتصدق عاصم بن عدي بسبعين وسقا من تمر (١).

وعند الديار بكري : أن عمر جاء بنصف ماله. وأن طلحة جاء بمال ، وجاء عبد الرحمن بماءتي أوقية من الفضة. وجاء سعد بن عبادة بمال ، وجاء محمد بن مسلمة بمال ، وجاء عاصم بن عدي بتسعين وسقا من تمر (٢) ..

وجعل الرجل من ذوي اليسار يحمل الرهط من فقراء قومه ، ويكفيهم مؤونتهم ، وبعثت النساء بكل ما قدرن عليه من مسك ، ومعاضد ، وخلاخل ، وقرطة ، وخواتيم (٣).

كما أن العباس بن عبد المطلب قد حمل مالا يقال : إنه تسعون ألفا.

وفي نص آخر : جاء بمال كثير (٤).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥. وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٧٧ ، والتفسير الكبير للرازي ج ١٦ ص ١٤٥.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣. وكنز العمال ج ٢ ص ٤٢٨ وج ١٠ ص ٥٦٣ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٣٥ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٤٨.

(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣ وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٤٨.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٤٨ والغدير ج ٩ ص ٣٣٠ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٤٨ والشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ج ١ ص ١١٣ وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٤٢١.

١٠٢

وفي نص آخر : وحمل رجال ، وقوى ناس دون هؤلاء من هم أضعف منهم ، حتى إن الرجل ليأتي بالبعير إلى الرجل والرجلين فيقول : هذا البعير بيننا نعتقبه ، ويأتي الرجل بالنفقة ، فيعطيها بعض من يخرج ، حتى إن النساء كنّ يبعثن بما يقدرن عليه.

وحمل كعب بن عجزة واثلة بن الأسقع (١).

فعن واثلة بن الأسقع قال : نادى منادي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غزوة تبوك ، فخرجت إلى أهلي ـ وقد خرج أول أصحابه ـ فطفت في المدينة أنادي : ألا من يحمل رجلا وله سهمه؟ فإذا شيخ من الأنصار ـ سماه محمد بن عمر : كعب بن عجرة ـ فقال : سهمه على أن تحمله عقبة ، وطعامه معنا؟

فقلت : نعم.

فقال : سر على بركة الله تعالى.

فخرجت مع خير صاحب حتى أفاء الله علينا (٢).

قال الواقدي : بعثه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة.

قال : فأصابني قلائص ـ قال الواقدي : ستة ـ فسقتهن حتى أتيته بهن.

فخرج ، فقعد على حقيبة من حقائب إبله ، ثم قال : سقهن مقبلات ، فسقتهن.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٩١. وراجع :

تاريخ مدينة دمشق ج ٦٢ ص ٣٥٧ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٧٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٦ عن الواقدي ، وأبي داود. وراجع المصادر السابقة.

١٠٣

ثم قال : سقهن مدبرات ، فقال : ما أرى قلائصك إلا كراما.

فقلت : إنما هي غنيمتك التي شرطت لك.

قال : خذ قلائصك يا ابن أخي ، فغير سهمك أردنا (١).

عثمان يجهز جيش العسرة :

وقال الواقدي أيضا : وجهز عثمان بن عفان ثلث ذلك الجيش ، حتى أنه كان يقال : ما بقيت لهم حاجة حتى كفاهم شنق أسقيتهم (٢).

قال الصالحي الشامي :

قلت : كان ذلك الجيش زيادة على ثلاثين ألفا ، فيكون جهز عشرة آلاف (٣).

وذكروا : أن عثمان حمل على تسعمائة بعير ومائة فرس بجهازها.

وقال ابن إسحاق : أنفق عثمان في ذلك الجيش نفقة عظيمة ، لم ينفق أحد مثلها (٤).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٦ عن الواقدي. وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٠٤ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٢٨ ، والآحاد والمثاني ج ٢ ص ١٧٩ ، والمعجم الكبير ج ٢٢ ص ٨١ و ٨٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ عن الواقدي. وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٣٥ إمتاع الأسماع ج ٢ ص ٤٨.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ عن أبي عمرو في الدرر ، وتبعه في الإشارة ، وراجع : الغدير ج ٩ ص ٣٢٩ عن السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٧٢ و (نشر مكتبة محمد علي صبيح) ج ٤ ص ٩٤٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٥٣ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٤٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ـ

١٠٤

وفي نص آخر : أن عثمان أنفق في جيش العسرة ألف دينار. قلت : غير الإبل والزاد ، وما يتعلق بذلك.

قال : فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم ارض عن عثمان ، فإني عنه راض» (١).

وعن عبد الرحمن بن سمرة قال : جاء عثمان إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بألف دينار في كمه حين جهز رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جيش العسرة ، فصبها في حجر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فجعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقلبها بيده ويقول : «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» (٢). يرددها مرارا.

وعن عبد الرحمن بن خباب قال : خطب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

ص ٢٧٧ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١٠٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٦٧ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٩٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٣٣.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ عن ابن هشام ، وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ٧ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٤٥ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦ ، والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١٠٠.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ عن أحمد ، والبيهقي ، والترمذي وحسنه ، وقال في هامشه : أخرجه الترمذي (٣٧٠١) والحاكم ج ٣ ص ١٠٢ وابن أبي عاصم ج ٢ ص ٥٨٧ (٥٩٢) والبيهقي في الدلائل ج ٥ ص ٢١٥ ، وانظر البداية والنهاية ج ٥ ص ٤ ، وراجع : سنن الترمذي ج ٥ ص ٢٨٩ ، وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص ٥٧٣ ، وتفسير السمعاني ج ٥ ص ٣٦٧.

١٠٥

فحثّ على جيش العسرة ، فقال عثمان : عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها.

ثم نزل مرقاة أخرى من المنبر فحث ، فقال عثمان : عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها.

ثم نزل مرقاة أخرى فحث ، فقال عثمان : علي مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها.

فرأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول بيده ـ هكذا ـ يحركها كالمتعجب : «ما على عثمان ما عمل بعد هذا اليوم».

أو قال : بعدها (١).

وعن الأحنف بن قيس قال : سمعت عثمان يقول لسعد بن أبي وقاص ، وعلي ، والزبير ، وطلحة : أنشدكم الله ، هل تعلمون أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «من جهز جيش العسرة غفر الله له» ، فجهزتهم حتى ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟

قالوا : اللهم نعم (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ و ٤٣٦ عن زوائد المسند ، والبيهقي ، والترمذي ، وفي هامشه عن : الترمذي (٣٧٠٠) وأحمد ج ٤ ص ٧٥ وابن سعد ج ٧ ص ٥٥ ، وأبي نعيم في الحلية ج ١ ص ٩٩ ، والدولابي في الكنى ج ٢ ص ١٧ ، والبخاري في التاريخ ج ٥ ص ٢٤٧ ، وراجع : الغدير ج ٩ ص ٣٣١ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٢٨٩ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٧٢ ومسند أبي داود الطيالسي ص ١٦٤ والآحاد والمثاني ج ٣ ص ١٠٣ والمعجم الأوسط ج ٦ ص ٩٨ وكنز العمال ج ١١ ص ٥٩٤. بالإضافة إلى مصادر كثيرة ..

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٦ عن الطيالسي ، وأحمد ، والنسائي ، وفي هامشه ـ

١٠٦

مناقشة النصوص :

ولا بد لنا من وقفة أو وقفات مع النصوص المتقدمة ، لكي ندل على زيف الزائف ، ونأخذ بما هو متيقن أو أرجح ، فنقول :

أبو بكر ينفق ماله كله :

ويستوقفنا هنا حديث نفقة أبي بكر في تبوك ، من عدة جهات ، نذكر منها ما يلي :

١ ـ قولهم إن أبا بكر جاء بماله كله ، أربعة آلاف درهم يجعلنا نتساءل :

لماذا لم ينفق من هذه الأربعة آلاف ولو درهما واحدا ليناجي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين أمر الله تعالى المسلمين بذلك؟! حيث لم يعمل بآية النجوى سوى علي «عليه‌السلام» (١).

__________________

قال : أخرجه البيهقي ج ٦ ص ١٦٧ والدارقطني ج ٤ ص ٢٠٠ والنسائي في الأحباس باب (٤) ، والبيهقي في الدلائل ج ٥ ص ٢١٥. وراجع : مسند أحمد ج ١ ص ٧٠ وسنن النسائي ج ٦ ص ٢٣٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٦٧ ومسند أبي داود الطيالسي ص ١٤ والسنن الكبرى ج ٤ ص ٩٦ وكنز العمال ج ١٣ ص ٧٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٣٣ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٣ ص ١١١٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٨ وج ٧ ص ١٩٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٧.

(١) راجع : الأوائل ج ١ ص ٢٩٧ ودلائل الصدق ج ٢ ص ١٢٠ وتلخيص الشافي ج ٣ هامش ص ٢٣٥ و ٢٣٧ عن العديد من المصادر. وراجع : المستدرك للحاكم ج ٢ ص ٤٨٢ ، وفتح الباري ج ١١ ص ٦٨ ، وتحفة الأحوذي ج ٩ ص ١٣٨ ، وغيرهم.

١٠٧

٢ ـ كيف قبل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منه أن لا يبقي لأهله شيئا؟ فأين رحمة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ورأفته بالمؤمنين؟! ..

ولا سيما إذا كان أبوب بكر يملك بعض الأموال ، إذ إن ذلك يجعله مسؤولا عن نفقة عائلته ، ولا يصح منه تركهم بلا مال ، كما لا يصح أن يكفلهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالطرق الغيبيّة على سبيل الكرامة لأبي بكر ..

٣ ـ على أن لنا أن نسأل : هل أبقى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأهله شيئا أيضا؟

فإن كان الجواب بالإيجاب ، فإن أبا بكر يكون أفضل وأسخى واكثر رغبة بثواب الله من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟ .. ولما ذا لم يقتد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأبي بكر في هذه الحالة؟!!

وإن كان الجواب بالنفي ، فنقول : ألم يكن لأهل أبي بكر حقوق عليه؟! أم أن ذلك لا يعد تفريطا بحقوق الأهل ، وتخليا عن أمر واجب عليه؟!

أم أن الذي سوّغ له ذلك هو تزاحم الواجبات ، فقدّم الأهم على المهم؟! فإن كان الأمر كذلك ، فقد كان يجب على عمر أيضا ، وعلى غيره من الصحابة أن يأتوا بجميع أموالهم.

أم أن القصة مختلقة من أساسها؟!!

٤ ـ لما ذا لم ينزل في هذا الذي أنفق ماله كله شيء من القرآن ، ولو بمقدار نصف آية ، كما نزل في علي «عليه‌السلام» حين نزلت فيه الآيات والسور ، لتثني على تصدقه بخاتم في صلاته ، فنزلت فيه آية الولاية ، وبأقراص شعير فنزلت سورة هل أتى ، وبدرهم ليلا ، ودرهم نهارا ، وبدرهم سرا ، ودرهم

١٠٨

علانية ، فنزلت الآية المشيدة بذلك (١).

فهل اقتضت عدالة الله الثناء على هذا ، وحرمان ذاك ولو من نصف آية رغم بذله لماله كله في سبيل الله؟! ..

واللافت هنا : أن هذه الأربعة آلاف تبقى هي المحور بالنسبة إلى أبي بكر ، كما سنشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى ، فسبحان من يغيّر ، ولا يتغير.

كعب بن عجرة كان عثمانيا :

وعن حديث واثلة بن الأسقع مع كعب بن عجرة ، وأن كعبا حمله إلى تبوك ، ولم يرد إلا ثواب الله نقول :

قد تكون هذه القصة موضوعة إكراما لعيني كعب بن عجرة ، كما أنها قد تكون صحيحة ، ولكن ذلك لا يعني أن تكون عاقبة كعب بن عجرة إلى خير ، فقد ذكر الطبري : أن كعبا هذا كان عثمانيا ، وقد امتنع عن بيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» (٢).

حديثهم يكذب بعضه بعضا :

وبعد ، فإننا إذا أخذنا بحديث مناشدة عثمان لعلي «عليه‌السلام» وسعد ، وطلحة ، والزبير في أنه جهز جيش العسرة حتى ما يفقدون خطاما ولا

__________________

(١) راجع مصادر ذلك في فصل : هجرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في الأجزاء الأولى من هذا الكتاب.

(٢) قاموس الرجال ج ٧ ص ٤٢٣. وأنساب الأشراف للبلاذري ص ٢٩١.

١٠٩

عقالا (١) ، فإنه يدل على ارتفاع حاجة جيش العسرة إلى مال أبي بكر ، وعمر ، وطلحة ، وسعد ، والعباس ، وابن عوف ، وابن مسلمة ، وسواهم من المقربين والمؤيدين للسلطة ، أو من أركانها المنحرفين عن أمير المؤمنين علي وأهل بيته «عليهم‌السلام» ..

وسنشير إلى طائفة من تناقضات رواياتهم هذه فيما يأتي من مناقشة لتجهيز عثمان لجيش العسرة ..

لم يكن في تبوك عسرة مالية :

وجميع دعاواهم هذه ترتكز على دعوى أن غزوة تبوك كانت في شدة من الزمان ، حتى سموا ذلك الجيش بجيش العسرة (٢) ، اقتباسا من الآية القرآنية التي أطلقت هذا الوصف في هذه المناسبة ، فقد قال تعالى في إلماحة منه إلى حالتهم هذه : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٦ عن الطيالسي ، وأحمد ، والنسائي ، وفي هامشه عن : سنن البيهقي ج ٦ ص ١٦٧ ودلائل النبوة للبيهقي أيضا ج ٥ ص ٢١٥ وسنن الدارقطني ج ٤ ص ٢٠٠ والنسائي في الأحباس ، باب ٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٤. وتفسير غريب القرآن للطريحي ص ٢٦٣ ، والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ٢٨٠ وعمدة القاري ج ١٦ ص ٢٠٢ وج ١٨ ص ٢٧٧ وتحفة الأحوذي ج ١٠ ص ١٣٠ ومعاني القرآن للنحاس ج ٣ ص ٢٠٩ وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٧٨ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٣١٥ والمحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي ج ٣ ص ٦٥ وتفسير الرازي ج ١٦ ص ٥٩ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٧٢ و ٣٩١ والنهاية لابن الأثير ج ٣ ص ٢٣٥.

١١٠

اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١).

ثم رتبوا مقولات لا أساس لها عن نفقات هذا الصحابي أو ذاك ، وجعلوا ذلك ذريعة لنسبة الفضائل والكرامات لمن أعوزتهم الفضائل في شتى مجالاتها ومظاهرها.

والحقيقة هي : أنه لم تكن في تبوك عسرة مالية ، ولا احتاج «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أخذ الأموال من أحد ، وهذا هو ما قررته الآيات القرآنية الكثيرة ، التي نزلت لتعالج أمر هذه الغزوة ..

ويدلنا على ذلك أمور :

١ ـ قد ذكرت الآيات والروايات : أن المشكلة الأساسية في حرب تبوك هي الخوف والرعب من بني الأصفر ، ففي بعض النصوص : أن الجد بن قيس مثلا قد اعتذر عن تخلفه بقوله : «ما لي وللخروج في الريح والحر الشديد ، والعسرة إلى بني الأصفر ، فو الله ما آمن خوفا من بني الأصفر ، وأنا في منزلي ، أفأذهب إليهم أغزوهم ، إني والله يا بني عالم بالدوائر» (٢).

٢ ـ إنهم لا يتوقّعون من تلك الغزوة غنائم ولا سبايا ، ولا فتح بلاد ، وهذا هو ما يسعى إليه الكثيرون منهم ، حيث رضوا بالحياة الدنيا ، ولو لا ذلك لسارعوا إلى الخروج ، لأنهم كانوا يعرفون أن الحرب ستكون مع جبار ، لا يسهل الحصول على شيء من ذلك معه.

__________________

(١) الآية ١١٧ من سورة التوبة.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٧.

١١١

وقد رووا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال للجد بن قيس يحرضه على الخروج : «تجهز فإنك موسر ، لعلك تحقب من بنات بني الأصفر» (١).

وقال تعالى مشيرا إلى ذلك ، وإلى كذبهم في تعللاتهم التي يسوقونها للتخلص والتملص من المسير : (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢).

٣ ـ إنهم كرهوا أن ينفروا في الحر ـ بحسب زعمهم ـ قال تعالى : (.. وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (٣).

٤ ـ إنهم قد رضوا بالحياة الدنيا من الآخرة ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (٤).

٥ ـ إنه لا صحة لما يدّعى من وجود شحة في الأموال ، وحاجة إلى النفقات ، ولذلك لم تزل الآيات الكثيرة تنعى عليهم امتناعهم عن الإنفاق في سبيل الله تعالى ، رغم كثرة الأموال لديهم .. ومن ذلك قوله تعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٥).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٣٣ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٤٨.

(٢) الآية ٤٢ من سورة التوبة.

(٣) الآية ٨١ من سورة التوبة.

(٤) الآية ٣٨ من سورة التوبة.

(٥) الآية ٥٥ من سورة التوبة.

١١٢

وقال جل وعلا : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) (١).

وقال سبحانه وتعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ، فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٢).

وقال سبحانه : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) (٣).

وقال تبارك وتعالى : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ).

(وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ) (٤).

٦ ـ قد صرحت الآيات القرآنية في نفس مناسبة غزوة تبوك : بأن الله تعالى لم يطلب من الذين لا يجدون ما ينفقون أن ينفروا للغزو ، فلا معنى للتعلل بفقدان ما يحتاجون إليه من أموال ، قال تعالى : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ

__________________

(١) الآية ٦٩ من سورة التوبة.

(٢) الآيات ٧٥ ـ ٧٧ من سورة التوبة.

(٣) الآية ٨١ من سورة التوبة.

(٤) الآيتان ٨٥ و ٨٦ من سورة التوبة.

١١٣

وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ) (١).

ويقول بعض الإخوة هنا : إن نفس هذه الآيات دليل على أن الأكثيرين كانوا يجدون ما ينفقون ، إذ لا يصح في الحكمة ترخيص غير الواجد إذا كانوا الأكثر ، أو فقل : إذا كانوا بحيث لو رخّصوا لم يبق من يخرج إلا القليل ، ثم هي تدل على أن الآخرين كانوا واجدين من عند أنفسهم ، لا بتبرع فلان وفلان ، وإلا فلماذا الترجيح بجعل هذا واجدا ، وهو لم يجد إلا من التبرعات ، وجعل ذلك فاقدا ثم ترخيصه في العقود؟!

٧ ـ إنه ليس بالضرورة أن يكون المقصود بالآيات التي مدحت اتباع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ساعة العسرة خصوص العسرة المالية ، فإن كون الإسلام والمسلمين في خطر شديد وأكيد من قبل جبار بني الأصفر ، مع ظهور الفشل في أصحابه ، وإصرار المنافقين على المكر به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وبالمسلمين ـ إن ذلك ـ من أعظم موجبات العسر والحرج على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فكيف إذا كان سبب تخلف الكثيرين هو هذه الأمور التافهة ، مثل بعد الشقة ، وكون الجو حارا ، وترك مواسم القطاف للثمار التي أينعت ، وما إلى ذلك؟!

وذلك كله يدل على أن المقصود بقوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِ

__________________

(١) الآيات ٩١ ـ ٩٣ من سورة التوبة.

١١٤

وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ) (١) ، ليس هو العسرة المالية ، بل هو الخطر الشديد والأكيد على الإسلام وأهله ، إذ لو كان المراد العسر المالي ، فالمفروض أنه لم يكلفهم بالمسير معه ، كما أنهم معذورون في التخلف عنه ، ولا مورد لشن هذا الهجوم على المتخلفين ، ولا يحسن تأنيبهم بهذه الحدة والشدة ..

٨ ـ على أنهم يدّعون : أن عثمان وبعضا آخر قد أزاحوا علة الجيش كله من الناحية المالية ، ولم تبق عسرة ، رغم أن الآية المشار إليها آنفا تقول : إن العسرة باقية ، وقد كاد يزيغ قلوب فريق من المهاجرين والأنصار ، لو لا أن الله تعالى قد تداركهم بالتوبة ..

٩ ـ إن الذين تولوا وأعينهم تفيض من الدمع هم أفراد قليلون جدا ، لا يزيدون على سبعة أشخاص معروفة أسماؤهم وقبائلهم (٢).

فإذا كان عثمان وطلحة وعمر وبعض آخر ، قد جهزوا جيش العسرة الذي كان يعد بعشرات الألوف ، فهل عجزوا عن تجهيز سبعة أشخاص ، وتركوهم حتى تولوا وأعينهم تفيض من الدمع؟! ولم يرق لهم قلب ، ولا ارتعش لهم جفن. رغم أن ما سألوه لم يكن هو الدواب والمراكب ، بل مجرد

__________________

(١) الآية ١١٧ من سورة التوبة.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٦٧ و ٢٦٨ عن ابن جرير ، وابن مردويه ، وابن أبي شيبة ، وابن سعد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وابن إسحاق ، وأبي الشيخ ، عن محمد بن كعب ، ومجمع بن حارثة ، ومجاهد ، والزهري ، ويزيد بن يسار ، وعبد الله بن أبي بكر ، وعاصم بن عمرو بن قتادة وغيرهم .. وراجع : تفسير السمرقندي ج ٢ ص ٨١ ، وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٨١.

١١٥

أن يزودوهم بنعال (١) ، أو بالماء والزاد ، كما في بعض الروايات (٢).

إن ذلك كله يدلنا على أن القضية لم تكن هي أن الجيش كله أو جله كان في عسرة من أمره ، بل القضية هي شحة هؤلاء الناس بأموالهم وأنفسهم وسعيهم للتملص من هذا المسير ، الذي كان لازما وضروريا جدا .. وعليه يتوقف حفظ الدين وحياة المسلمين ، في حين أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يذكرهم في كل يوم من على منبره ويقول : «اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض».

تجهيز عثمان لجيش العسرة خرافة :

وأما بالنسبة لحديث تجهيز عثمان لجيش العسرة ، فلا يمكن قبوله ، من الناحية العلمية ، بل الأدلة متضافرة على لزوم رده ، والحكم عليه بأنه موضوع ومصنوع .. وقد تعرّض العلامة الأميني «رحمه‌الله» في كتابه القيم «الغدير» لهذا الحديث ، وبيّن طرفا من تناقضاته ، وأكد عدم صحة أسانيده (٣).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٦٨ عن ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ عن مشيخة من جهينة ، وإبراهيم بن أدهم ، والحسن. وراجع : تفسير ابن أبي حاتم ج ٦ ص ١٨٦٣ ، وفتح القدير ج ٢ ص ٣٩٤ ، وتفسير الآلوسي ج ١٠ ص ١٥٩ ، وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٨١ ، وأسباب نزول الآيات ص ١٧٤ ، وتفسير البيضاوي ج ٣ ص ١٦٥ ، وغيرهم.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٦٨ عن ابن أبي حاتم عن أنس.

(٣) راجع : الغدير (ط مركز الغدير للدراسات الإسلامية سنة ١٤١٦ ه‍ قم ـ إيران) ج ٩ ص ٤٤٧ ـ ٤٧٢.

١١٦

ونحن نذكر هنا بعض تناقضات هذا الحديث ، ثم نعقّب ذلك ببعض ما يفيد ويزيد في جلاء الحق ، وسطوع شمس الحقيقة ، فنقول :

تناقض الروايات :

قال ابن هشام : أنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة ، لم ينفق أحد مثلها ، حدثني من أثق به : أن عثمان بن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار.

زاد الصالحي الشامي قوله : غير الإبل والزاد (١) ..

وأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم ..

وعند الكلبي : جهزهم بألف بعير بأقتابها وأحلاسها ، زاد قتادة عليها سبعين فرسا أيضا (٢) ..

وعند البلاذري : جهزهم بسبعين ألفا (٣) ..

وعند الطبراني : جهزهم بماءتي بعير بأحلاسها وأقتابها ، ومائتي أوقية

__________________

(١) السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٦١ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣ والسيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍) ج ٣ ص ١٤٨ وابن أبي عاصم ج ٢ ص ٥٨٧ ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٠٢ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٢١٥ وحلية الأولياء ج ١ ص ٥٩ ومسند أحمد ج ٦ ص ٥٥ حديث رقم ٢٠١٠٧ ، وقرة العيون المبصرة ج ١ ص ١٧٩ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٥٨٥.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣. وعمدة القاري ج ٨ ص ٢٩٧ ، وأسباب نزول الآيات للواحدي ص ٥٥.

(٣) أنساب الأشراف ج ٦ ص ١١٢.

١١٧

من الذهب (١).

وعند أبي يعلى : سبع مائة أوقية من الذهب (٢).

وعند ابن عدي : بعشرة آلاف دينار (٣).

وعند ابن حنبل : بثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما على عثمان ما عمل بعد هذا (٤).

وعند ابن عساكر : جهز ثلث الجيش (٥).

وعند ابن الأثير : جهز نصف جيش العسرة (٦).

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣ وراجع : الغدير ج ٩ ص ٣٢٩ عن الطبراني.

(٢) فتح الباري ج ٥ ص ٣٠٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٨٥ والغدير ج ٩ ص ٣٢٩.

(٣) الكامل ج ١ ص ٣٤٠ وراجع : السيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍) ج ٣ ص ١٤٨ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٢٣٨ وفتح الباري ج ٨ ص ٤٠٨ وج ٧ ص ٥٤ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٦٢٧ وشرح المواهب ج ٣ ص ٦٥ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣ والغدير ج ٩ ص ٣٢٩.

(٤) مسند أحمد ج ٥ ص ٢٨ و ٣٨ وحلية الأولياء ج ١ ص ٥٩ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ و ٤٣٦ وابن سعد ج ٧ ص ٥٥ والتاريخ الكبير للبخاري ج ٥ ص ٢٤٧ والدولابي في الكنى ج ٢ ص ١٧ والترمذي رقم ٣٧٠٠.

(٥) السنن الكبرى ج ٦ ص ١٦٧ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ وسنن الدارقطني ج ٤ ص ١٢٤ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٣٤٨ والمعجم الأوسط ج ٢ ص ٣٩ وموارد الظمآن ج ٧ ص ١٢٠.

(٦) أسد الغابة ج ٣ ص ٥٨٢ ومسند أحمد ج ١ ص ٥٩ وسنن النسائي ج ٦ ص ٢٣٦ وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص ٥٨١ والسنن الكبرى ج ٤ ص ٩٨ وسنن الدارقطني ج ٤ ص ١٢٤ وكنز العمال ج ١٣ ص ٦٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٣٣٩.

١١٨

وفي الكامل في التاريخ : قيل كانت ثلاث مئة بعير وألف دينار (١).

وعند عماد الدين العامري : أنفق ألف دينار ، وحمل على تسعمائة بعير ، ومائة فرس. والزاد ، وما يتعلق بذلك ، حتى ما تربط به الأسقية (٢).

وفي الحلبية أيضا : عند بعض أعطى ثلاث مئة بعير بأحلاسها وأقتابها وخمسين فرسا (٣).

وعن أبي عمرو في الدرر : أن عثمان حمل على تسعماية بعير ومئة فرس بجهازها (٤).

أبو بكر أعطى ماله كله :

تقدم : أنهم يقولون : إن أبا بكر قد أعطى في هذه الغزوة ماله كله (٥).

وقالوا : إنه ـ يعني مال أبي بكر ـ كان أربعة آلاف درهم (٦).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ج ١ ص ٦٣٥ والغدير ج ٩ ص ٣٢٩ عنه.

(٢) السيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍ مطبعة مصطفى محمد بمصر) ج ٣ ص ١٤٨ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١٠٠ والغدير ج ٩ ص ٣٢٩ عنه.

(٣) راجع : الغدير ج ٩ ص ٤٤٨ و ٤٤٩ ، والسيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍) ج ٣ ص ١٤٨ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١٠٠.

(٤) الدرر لابن عبد البر ص ٢٣٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٤٩ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١٠٠.

(٥) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣ وتاريخ ابن عساكر ج ١ ص ١١٠ ، وشرح المواهب للزرقاني ج ٣ ص ٦٤ والسيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍ بمصر) ج ٣ ص ١٤٨ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١٠٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٣٥.

(٦) حياة الصحابة ج ١ ص ٤٢٩ عن ابن عساكر ج ١ ص ١١٠ وسبل الهدى والرشاد ـ

١١٩

ونحن وإن كنا قد أثبتنا قبل صفحات يسيرة عدم صحة ذلك ، ولكننا نقول :

إنه على فرض صحة ذلك ، وإلزاما لهؤلاء القائلين بما ألزموا به أنفسهم نسأل : ألم يكن من حمل ماله كله أولى من عثمان بالإعلان بشأنه ، والدعاء له ، والثناء عليه؟! وإذا كانت النفقات العظيمة لا تختص بعثمان ، فلما ذا يفوز عثمان وحده بالأوسمة ، والألقاب ، دون غيره. ممن أنفق وساهم من الرجال والنساء؟!.

فإن الثناء على الرجل بملاحظة مستوى تضحيته أولى من الثناء عليه بملاحظة مقدار ما يبذله من مال!. لا سيما وأن الثناء إنما جاء من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذي لا ينطق عن الهوى ..

حديث المناشدة باطل :

ثم إنهم يقولون : إن جيش العسرة ـ كما يقولون ـ كان ثلاثين ألفا وكان معهم من الإبل اثنا عشر ألف بعير ، وعشرة آلاف فرس ، وعند أبي زرعة كانوا سبعين ألفا ، وفي رواية أربعين ألفا (١).

__________________

ج ٥ ص ٤٣٥ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٩١ والسيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍) ج ٣ ص ١٤٨ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١٠٠ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٣.

(١) راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد : رقم التسلسل ٦٨٣ ، وتاريخ ابن عساكر ج ١ ص ١١١ وإمتاع الأسماع ص ٦٥٠ وفتح الباري ج ٨ ص ٩٣ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٧٣ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٤٣٨ وشرح بهجة المحافل ج ٢ ص ٣٠ والغدير ج ٥ ص ٤٥٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٤٢ والسيرة الحلبية (ط سنة ١٣٩١ ه‍) ج ٣ ص ١٤٩ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٢٥ وراجع : سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٤٢.

١٢٠