الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

فعرض عليهم الإسلام ، فأسلموا وحسن إسلامهم ، وأجازهم بخمس أواق فضة كل رجل منهم ، وأعطى زيد الخيل اثنتي عشرة أوقية ونشا.

زاد في الروض الأنف قوله : وكتب لكل واحد منهم على قومه إلا وزر بن سدوس ، فقال : إني أرى رجلا تملّك رقاب العرب. والله لا يملك رقبتي عربي أبدا ، ثم لحق بالشام وتنصر ، وحلق رأسه (١).

وقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ما ذكر رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي إلا ما كان من زيد الخيل ، فإنه لم يبلغ كل ما فيه» (٢).

وسماه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» زيد الخير ، وقطع له فيد وأرضين ، وكتب له بذلك كتابا ، ورجع مع قومه. وفي لفظ : فخرج به من عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» راجعا إلى قومه ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إن ينج زيد من حمى المدينة فإنه» ، أي فإنه قد نال مراده أو نحو ذلك.

فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه يقال له : فردة ـ وفي لفظ فرد ـ أصابته الحمى بها فمات هناك ، وعمدت امرأته بجهلها وقلة عقلها إلى ما

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٨ والروض الأنف ج ٤ ص ٢٢٧ ، والإصابة ج ٦ ص ٤٧٨ ، والأعلام للزركلي ج ٨ ص ١١٥ ، ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٢٥٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٥٨ عن ابن سعد ، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٥٨ والروض الأنف ج ٤ ص ٢٢٧ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ١٩ ص ٥١٩ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٩ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٩.

٦١

كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتب له به فحرقته بالنار (١).

قال في زاد المعاد ، وفي العيون : لما أحس بالموت أنشد يقول :

أمر تحل قومي المشارق غدوة

وأترك في بيت بفردة منجد

ألا رب يوم لو مرضت لعادني

عوائد من لم يبر منهن يجهد

وذكر ابن دريد عن أبي محسن أن زيدا أقام بفردة ثلاثة أيام ومات ، فأقام عليه قبيصة بن الأسود المناحة سنة ، ثم وجه براحلته ورحله وفيها كتاب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلما رأت امرأته الراحلة ليس عليها زيد ضرمتها بالنار ، فاحترقت واحترق الكتاب (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٥٨ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٥٨ وراجع : الإصابة ج ٣ ص ٥٧٣ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٣١٢ عن : العبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ص ٨٣٩ ورسالات نبوية ص ١٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٣ والسيرة النبوية لدحلان (بهامشه) ج ٣ ص ٢٤ والإصابة ج ١ ص ٥٧٣ / ٢٩٤١ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٤١ و ٢٤٢ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٥٦٣ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٦ ص ٣٦ و ٣٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦٣ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ٥٩ وفي (ط بيروت) ج ١ ص ٣٢١ والأغاني ج ١٧ ص ٢٤٩ والمفصل ج ٧ ص ١٤٨ عن تاج العروس في «خيل» وج ٤ ص ٢٢٠ وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٣ ص ١٤٥ والروض الأنف ج ٤ ص ٢٢٧. والوثائق السياسية : ٣٠٢ / ٢٠١ (عن الطبقات ، وسيرة ابن هشام ، والطبري ، والإصابة ، وصحيح البخاري ، والإستيعاب ، ثم قال : انظر كايتاني ١٠ : ٣٥ و ٣٩ واشپرنكر ٣ : ٣٨٧ و ٩٤٦ و ٩٤٧).

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٥٨ عن ابن دريد ، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٥٩ والإصابة ج ٣ ص ٥٧٣ ، وراجع : مكاتيب الرسول ج ١

٦٢

وعن أبي سعيد الخدري : أن عليا كرم الله وجهه «بعث إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها ، فقسمها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بين أربعة نفر : بين عيينة بن بدر ، وأقرع بن حابس ، وزيد الخيل ، وعلقمة بن غيلان» (١).

وعن عبد الله بن مسعود قال : كنا عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأقبل راكب ، فأناخ ، فقال : يا رسول الله ، إني أتيتك من مسيرة تسع ،

__________________

ص ٣١٢ عن : ٢١ : ٣٦٥ وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ص ٨٣٩ ورسالات نبوية ص ١٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٣ ودحلان بهامشه ج ٣ ص ٢٤ والإصابة ج ١ ص ٥٧٣ / ٢٩٤١ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٤١ و ٢٤٢ والاستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ٥٦٣ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٦ ص ٣٦ و ٣٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦٣ والطبقات ج ١ ق ٢ ص ٥٩ وفي (ط بيروت) ج ١ ص ٣٢١ والأغاني ج ١٧ ص ٢٤٩ والمفصل ج ٧ ص ١٤٨ عن تاج العروس في «خيل» وج ٤ ص ٢٢٠ والطبري ج ٣ ص ١٤٥ والروض الأنف ج ٤ ص ٢٢٧. والوثائق ص ٣٠٢ / ٢٠١ (عن الطبقات وسيرة ابن هشام والطبري والإصابة وصحيح البخاري والاستيعاب ثم قال : انظر كايتاني ج ١٠ ص ٣٥ و ٣٩ واشپرنكر ج ٣ ص ٣٨٧ و ٩٤٦ و ٩٤٧) ..

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٥٨ عن البخاري ، ومسلم ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري ج ٥ ص ٣٢٦ (٤٣٥١) ومسلم ج ٢ ص ٧٤٢ (١٤٤ / ١٠٦٤) وراجع : الإصابة ج ١ ص ٥٧٢ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٥٨ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٥١ عن البخاري ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والمحلى لابن حزم ج ١١ ص ٢٢٠ ، وعمدة القاري ج ١٨ ص ٧ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٢٣ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٢٠٦.

٦٣

أنضيت راحلتي ، وأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري لأسألك عن خصلتين أسهرتاني.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ما اسمك»؟

فقال : أنا زيد الخيل.

قال : «بل أنت زيد الخير ، فسل ، فرب معضلة قد سئل عنها».

فقال : أسألك عن علامة الله فيمن يريد ، وعن علامته فيمن لا يريد.

فقال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «كيف أصبحت»؟

فقال : أصبحت أحب الخير وأهله ، ومن يعمل به ، وإن عملت به أيقنت بثوابه ، وإن فاتني منه شيء حننت إليه.

فقال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هذه علامة الله فيمن يريد ، وعلامته فيمن لا يريد ، ولو أرادك بالأهدى هيأ لك لها ثم لا تبالي من (في) أي واد هلكت». وفي لفظ «سلكت» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٥٩ عن ابن شاهين ، وابن عدي ، وابن عساكر ، وفي هامشه عن : حلية الأولياء ج ٤ ص ١٠٩ وراجع ج ١ ص ٣٧٦ ، وذكره الهيثمي في المجمع ج ٧ ص ١٩٧ ، وعزاه للطبراني ، وقال : وفيه عون بن عمارة وهو ضعيف ، وذكره المتقي الهندي في الكنز (٣٠٨٠٨) ، وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٣٧ ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص ١٨١ ، والمعجم الكبير للطبراني ج ١٠ ص ٢٠٢ ، وضعفاء العقيلي ج ١ ص ١٤٦ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ١٩ ص ٥٢٠ ، وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٤٢ ، والإصابة ج ٢ ص ٥١٤.

وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٨ عن ابن شاهين ، وابن عدي ، وراجع : الإصابة ج ١ ص ٥٧٢.

٦٤

ونقول :

إن لنا مع ما تقدم الوقفات التالية :

متى غير اسم زيد الخيل؟! :

إن الرواية ذكرت أن زيد الخيل جاء يسأل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن خصلتين فسأله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن اسمه أيضا ، فأخبره به فغيّره إلى زيد الخير.

وظاهر هذه الرواية : أنه قد جاء إليه وحده ولم يكن معه وفد ، وأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن قد رآه ، لأنه سأله عن اسمه ، ولازم ذلك أن يكون معروفا لدى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين جاء في وفد طيء ، وأن يكون اسمه قد غيّر قبل مجيئه مع وفد طيء ..

فما معنى قولهم : إنه قد غيّر اسمه حين جاء إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع الوفد المذكور؟!

عظمة زيد عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ثم إننا لا ندري ما الذي لفت نظر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في شخصية زيد ، حتى قال : ما ذكر رجل من العرب إلا رأيته دون ما ذكر لي ، إلا ما كان من زيد الخيل ، فإنه لم يبلغ كل ما فيه.

هل رآه متميزا بعلمه ، أم بأخلاقه أم بشجاعته ، أم بعقله ، أم بضخامة جثته.

إننا لم نجد في التاريخ ما يشير إلى امتيازه في شيء في ذلك ، فكيف إذا رأيناه لا يرضى بالإسلام دينا حتى اعتبره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المؤلفة قلوبهم.

٦٥

ثناء النبي على زيد الخيل :

قرأنا فيما تقدم ثناء نبويا عاطرا على زيد الخيل ، مع العلم بأن الحديث المتقدم عن ابي سعيد الخدري قد صرح بأن زيد الخيل كان من المؤلفة قلوبهم ، وذلك مروي في صحاح أهل السنة .. مما يعني : أن هذا الثناء مكذوب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

وقد حاول الزرقاني أن يرد على ذلك : بأن قدوم زيد الخيل في وفد طيء كان سنة تسع.

فقد قال : «هذا يرد على ما في النور : أن زيدا كان من المؤلفة ، لأن المؤلفة من أعطي من غنائم حنين. وكان ذلك سنة ثمان. وقد تقدم : أن الحافظ نقله في سردهم عن التلقيح لابن الجوزي ، وأن الشامي توقف فيه بأنه لم يره في نسختين من التلقيح.

ويقوي ذلك ما في الروض ، من رواية أبي علي البغدادي : قدم وفد طيء ، فعقلوا رواحلهم بفناء المسجد ، ودخلوا ، وجلسوا قريبا من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حيث يسمعون صوته ..

فلما نظر «عليه‌السلام» إليهم ، قال : إني خير لكم من العزى ، ومن الجمل الأسود الذي تعبدون من دون الله ، ومما حازت مناع ، من كل ضار غير نفاع.

فقام زيد زيد الخيل ، وكان من أعظمهم خلقا ، وأحسنهم وجها وشعرا ، وكان يركب الفرس العظيم الطويل فتخط رجلاه في الأرض كأنه حمار.

فقال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولا يعرفه : الحمد لله الذي أتى بك من حزنك وسهلك ، وسهّل قلبك للإيمان. ثم قبض على يده فقال : من أنت؟!

٦٦

فقال : أنا زيد الخيل بن مهلهل ، أنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك عبد الله ورسوله.

فقال له : بل أنت زيد الخير. ما خبرت عن رجل قط شيئا إلا رأيته دون ما خبرت عنه غيرك (١).

ونقول :

أولا : إن حديث كونه من المؤلفة قلوبهم أصح عندهم من غيره ، فلما ذا عدل عنه الزرقاني إلى الأخذ بالحديث الضعيف؟! ..

ثانيا : إن من الواضح : أن ما زعمه الزرقاني من أن اسم المؤلفة قلوبهم لا يطلق إلا على الذين أعطاهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من غنائم حنين ليس له ما يثبته ، بل هم كل من كان يعطيهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليتألفهم على الإسلام قبل حنين وبعدها ، وسهم المؤلفة قلوبهم ثابت في الإسلام والقرآن وإلى يوم القيامة ، وإنما ألغاه أبو بكر.

قال تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢).

ومن الواضح : أن هذه الآية في سورة التوبة ، وهي قد نزلت في ذي الحجة من سنة تسع ، فلو كان الحكم مختصا بأهل حنين لم ينزل هذا الحكم

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٧ وراجع : الأغاني ج ١٦ ص ٥٠ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٦.

(٢) الآية ٦٠ من سورة التوبة.

٦٧

بعد سنة كاملة في الآية التي ذكرناها ..

ولكن لما ولي أبو بكر ، وجاءه المؤلفة قلوبهم لأخذ سهمهم ، كتب لهم بذلك فلقيهم عمر ، فأخذ الكتاب منهم ومزقه ، وقال لهم : لا حاجة لنا بكم ، فقد أعز الله الإسلام ، وأغنى عنكم ، فإن أسلمتم ، وإلا فالسيف بيننا وبينكم. فرجعوا إلى أبي بكر فأمضى ما فعله عمر (١).

وقد عبروا عن هذا الأمر بتعابير قاسية ومهينة للدين وأهله ، فقد قالوا : إن أبا بكر قطع الرشا في الإسلام (٢).

ثالثا : قد ذكر الزرقاني نفسه الرواية التي ترّد ما زعموه : «من أن وفادة زيد الخيل كانت في سنة تسع» ، وأن الحديث المذكور آنفا قد ذكر أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : إن عبادتهم للعزى لا تنفعهم.

ومن المعلوم : أن العزى قد هدمت عقب فتح مكة مباشرة (٣) ، فتكون وفادتهم قبل هدم العزى .. لا في سنة تسع (٤).

__________________

(١) النص والإجتهاد ص ٤٤ عن كتاب الجوهرة النيرة على مختصر القدوري في الفقه الحتنفي ج ١ ص ١٦٤ وراجع : تفسير المنار ج ١٠ ص ٤٩٦ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٢ وأصول الفقه للدواليبي ص ٢٣٩ وشرح نهج البلاغة ج ٣ ص ٨٣ ، وتفسير السمرقندي ج ٢ ص ٦٨ ، والفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد شرف الدين ص ٨٨.

(٢) راجع : الدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٢ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٦ ص ١٨٢٢.

(٣) تاريخ الخميس ج ٢ ص ٩٥.

(٤) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٢ عن البخاري في تاريخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ، و ٥٩٧ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ـ

٦٨

دخول المشركين إلى المسجد :

ربما يدّعي البعض : أن النص المتقدم ، ونظائره يدل على أن المشركين قد دخلوا مسجد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وذلك يدل على جواز دخول الكفار إلى مساجد المسلمين ، حتى إلى مسجد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبذلك يرد على فتوى الفقهاء بحرمة دخول الكافر إلى المسجد ..

وأما بالنسبة لقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) (١) ، فلا دلالة فيه على خلاف ذلك :

فأولا : قد يكون المراد به القذارة المعنوية الروحية ، وهي قذارة الكفر والشرك ، لا القذارة بمعنى النجاسة على حد نجاسة الكلب والخنزير ، والدم وما إلى ذلك.

ثانيا : لو سلمنا أن المراد به النجاسة الحسية بمعناها المصطلح عند أهل الشرع ، فإننا نقول :

من الذي قال : إنه يحرم إدخال النجاسة إلى المسجد ، إذ لا دليل على حرمة إدخال قارورة دم إلى المسجد الحرام ، إذا لم يلحق المسجد منها شيء ..

ثالثا : لعل الحكم بعدم جواز دخول المشركين إلى المسجد الحرام خاص بالمسجد الحرام ، ولا يتعداه إلى سائر المساجد.

__________________

ص ٢٠٨ ، والتنبيه والإشراف للمسعودي ص ٢٣٣ ، والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٦١ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٨٨٨ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٢٠٩ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٢٦٠.

(١) الآية ٢٨ من سورة التوبة.

٦٩

وليكن هذا هو وجه الجمع بين الآية ، وبين ما ثبت من أن نصارى نجران ، وغيرهم من المشركين كانوا يدخلون المسجد النبوي ، ويجادلون النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الدين ، ويسلم بعضهم ، ويصرّ بعضهم على كفره.

ونقول :

إن ذلك كله لا يصح ، وذلك لما يلي :

أولا : إن المحرّم هو دخول الكافر إلى موضع الصلاة من المسجد ، أما دخوله إلى غيرها من قاعات وباحات وساحات لم تعد للصلاة ، فلم يكن ذلك محرما ، فلعل المراد بدخولهم إلى المسجد هو الدخول إلى بعض باحاته وساحاته ، إذ يصح إطلاق اسم الكل على بعض إجزائه ، أو مشتملاته أو على توابعه ..

وقد يشهد لذلك : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بنى موضعا في مسجده يقال له : الصفة ، لينزل ويبيت فيه من لا منزل ولا مال ولا أهل له. ولعل من يبيت هناك يبتلى بالإحتلام والجنابة ، ولم يكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليسمح لهم بالمبيت في الموضع الذي ينبغي تنزيهه عما هو مكروه من نوم أو غيره.

فذلك يشير إلى أن هذا الموضع لم يكن مخصصا للصلاة ، فكان يصح النوم فيه ..

ثانيا : من الذي قال إن ملاك حرمة دخول الكافر للمسجد هو قذارته الجسدية ، فلعل الملاك هو : أن دخول من لا يؤمن بالله إلى بيت الله هتك لحرمة المساجد التي يعبد الله فيها ، وأما إدخال الدم إلى المسجد في قارورة فليس فيه هتك لحرمته ، وليس فيه تنجيس له فلا يحرم.

٧٠

لكن دخول الكلب والخنزير أيضا ـ والعياذ بالله ـ إلى المسجد فيه هتك لحرمة المسجد ، فيحرم من أجل ذلك ، حتى لو لم يوجب دخوله تنجيسا ..

ثالثا : إن الآية الكريمة وإن كانت قد وردت في سورة التوبة التي هي من آخر ما نزل من القرآن (١) ، لكن ذلك لا يمنع من أن يكون الحكم بحرمة دخول الكافر إلى المسجد قد بيّن على لسان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل ذلك بسنوات. وقد تأخر نزول الآية عن ذلك ..

بل لعل نفس تشريع عدم جواز دخول الكافر للمساجد قد تأخر أيضا لحكمة اقتضاها التشريع ، وهي أن يضرب الدين بجرانه ، وتظهر أعلامة وتنتشر شرائعه وأحكامه ، فنزلت في ذي الحجة من السنة التاسعة للبعثة (٢).

وزر بن سدوس ينتصر :

ولا ندري كيف نفسر تصرف وزر بن سدوس الذي رحل إلى الشام ، واختار النصرانية على أن يملك عربي رقبته ، حتى لو كان هو النبي «صلى

__________________

(١) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٨ عن ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبي داود ، والترمذي وحسنه ، والنسائي ، وابن أبي داود في المصاحف ، وابن أبي المنذر ، والنحاس في ناسخه ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل ، والمبسوط للسرخسي ج ١ ص ١٦ ، وعمدة القاري ج ١٨ ص ١٩٥ ، وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٤٤٤ ، وتفسير البيضاوي ج ٣ ص ١٢٦.

(٢) الدر المنثور ج ٣ ص ٢٠٨ عن ابن أبي شيبة ، والبخاري ، والنسائي ، وابن الضريس ، وابن المنذر ، والنحاس في ناسخه ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وأحكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ١٠٣.

٧١

الله عليه وآله» ، فنلاحظ :

١ ـ أننا لم نعهد من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه تصرف مع الناس على أنه مالك لرقابهم ، ولم يدّع هو ذلك لنفسه ، إنما هو يعلن أنه ينفذ ما يأمره به الله.

٢ ـ كما أن هذا الرجل قد ترك مظهر الرحمة الإلهية ، الذي يريد أن يحرره من هيمنة الطواغيت والظلمة والجبارين ، والذي يكون مع المؤمنين كأحدهم ، ولا يرى لأحد فضلا على أحد إلا بتقوى الله ، وذهب إلى الشام ليكون تحت حكم الجبارين ، الذين يتخذون عباد الله خولا ، وماله دولا.

٣ ـ إن ما عرضه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليهم يعود نفعه إليهم في الدنيا والآخرة ، وهو ما تحكم به فطرتهم ، وتقضي به عقولهم ، وهو أن يكونوا عبيدا لله وحده لا شريك له ، وقد بين له بما لا مزيد عليه أنه هو وجميع الناس سواء في هذا الأمر.

وفد بني البكّاء :

قالوا : وفد من بني البكّاء على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سنة تسع ، ثلاثة نفر : معاوية بن ثور بن عبادة البكّائي ، وهو يومئذ ابن مائة سنة ، ومعه ابن له يقال له : بشر ، والفجيع بن عبد الله بن جندح بن البكّاء ، ومعهم عبد عمرو ، وهو الأصمّ. فأمر لهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمنزل وضيافة ، وأجازهم ، ورجعوا إلى قومهم.

وقال معاوية بن ثور للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إني أتبرك بمسّك ، وقد كبرت وابني هذا برّ بي ، فامسح وجهه».

٧٢

فمسح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وجه بشر بن معاوية ، وأعطاه أعنزا عفرا وبرّك عليهن.

قال الجعد : فالسنة ربما أصابت بني البكّاء ولا تصيب آل معاوية.

وقال محمد بن بشر بن معاوية بن ثور بن عبادة بن البكّاء :

وأبي الذي مسح الرسول برأسه

ودعا له بالخير والبركات

أعطاه أحمد إذ أتاه أعنزا

عفرا نواجل لسن باللجنات

يملأن رفد الحي كل عشية

ويعود ذاك الملء بالغدوات

بوركن من منح وبورك مانحا

وعليه مني ما حييت صلاتي

وسمى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عبد عمرو الأصمّ عبد الرحمن ، وكتب له بمائه الذي أسلم عليه بذي القصة. وكان عبد الرحمن من أصحاب الظلّة ، يعني : الصفّة ، صفّة المسجد (١).

التبرك بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد ذكر النص المتقدم : أن معاوية بن ثور قال للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إني أتبرك بمسّك ، ثم طلب منه أن يمسح وجه ابنه ، ففعل «صلى الله

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٨٠ عن ابن سعد ، وابن شاهين ، وأبي نعيم ، وابن منده ، وغير ذلك وعن الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٤٧ و ٤٨ ورسالات نبوية ص ٢٦ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٣١٣ ، ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٣١٧ عن : الطبقات ج ١ ق ٢ ص ٤٧ و ٤٨ والوثائق ص ٣١٣ وص ٢١٧ الف عنه ورسالات نبوية ص ٢٦ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٥ ص ١٢٥.

٧٣

عليه وآله».

وهذا يعطينا :

١ ـ أن سكوت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقبوله بأن يتبرك به ذلك الرجل ، ثم استجابته لطلب معاوية بن ثور بالتبريك على ولده يؤكدان مشروعية التبرك ، وأنه لا صحة لما يدّعيه البعض من عكس ذلك.

٢ ـ إن هذا الطلب من معاوية بن ثور يشير إلى أن إيمان هذا الرجل لم يكن بسبب ترغيب أو طمع ، أو ترهيب ، أو جزع. وإنما هو نتيجة تفاعل روحي ، تجاوز حدود القناعة الفكرية ، وسكن في القلب ، وترسخ في أعماق الوجدان ..

٣ ـ ثم هو من جهة ثالثة : تعبير عن شعور فطري ، لم يقتصر الأمر فيه على هذا الرجل ، بل تجاوزه ليكون ميزة إنسانية تجدها لدى سائر الذين آمنوا برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، مهما اختلفت طبائعهم ، وثقافاتهم ، وأعرافهم ، وبلدانهم ، وعاداتهم ، ومواقعهم الإجتماعية ، وما إلى ذلك ..

وذلك يدل على : أن هذا هو مقتضى الخلق الإنساني ، والطبع البشري ، وهو مقتضى الفطرة والسجية والعفوية ..

٤ ـ إن التبريك على تلك الأعنز أيضا بمبادرة من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه هو الآخر يفتح أمام التأمل أبوابا على آفاق رحبة في هذا الإتجاه ، ويدفع به إلى دراسة أكثر شمولية وعمقا للنهج التربوي ، الذي يعتمد على تجسيد المعاني الغيبية في مفردات واقعية ، لتصبح أكثر قربا للإنسان ، وليسهل عليه وعيها ، والاستفادة منها في حياته العملية ، ولهذا البحث مجال آخر.

٧٤

الفصل الخامس :

وفود سنة تسع قبل شهر رمضان ..

ووفد ثقيف

٧٥
٧٦

وفد بني أسد :

روى ابن سعد عن محمد بن كعب القرظي ، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه قالا : «قدم عشرة رهط من بني أسد بن خزيمة على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في أول سنة تسع ، فيهم حضرمي بن عامر ، وضرار بن الأزور ، ووابصة بن معبد ، وقتادة بن القائف ، وسلمة بن حبيش ، وطليحة بن خويلد ، ونقادة بن عبد الله بن خلف ، ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المسجد مع أصحابه ، فسلموا وقال متكلمهم : يا رسول الله ، إنا شهدنا ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنك عبده ورسوله.

وقال حضرمي بن عامر : «أتيناك نتدرع الليل البهيم في سنة شهباء ، ولم تبعث إلينا بعثا ونحن لمن وراءنا ..» إلى آخر ما قالوا. فنزلت فيهم : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) (١)» (٢).

__________________

(١) الآية ١٧ من سورة الحجرات.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٦٦ والطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٩٢ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ٢١٢ و ٢١٣ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٥ ص ١٥٣ ، وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٩ ، والإصابة ج ٣ ص ٤٤٠ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٠٢ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٧٠ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧١.

٧٧

وسألوا عن مسائل ، ثم جاؤوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فودعوه ، وأمر لهم بجوائز ، وكتب لهم ثم انصرفوا إلى أهليهم (١).

وعن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وبسند حسن عن عبد الله بن أوفى ، قال الأولان : «جاءت بنو أسد إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقالوا : يا رسول الله ، أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك العرب ، وفي رواية : بنو فلان. فأنزل الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) (٢).

قال ابن سعد : وكان معهم قوم من بني الزنية ، وهم بنو مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد. فقال لهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أنتم بن الرشدة».

فقالوا : لا نكون مثل بني محولة ، يعني : بني عبد الله بن غطفان (٣).

وسألوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ يومئذ عن : العيافة ، والكهانة ،

__________________

(١) راجع : مكاتيب الرسول للأحمدي ج ٣ ص ٢٤٤ و ٢٤٥ وقال في هامشه : راجع زاد المعاد ج ٣ ص ٤٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٦٤ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٣٠٣ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ٨٣ والإصابة ج ٣ ص ٦٢٦ وج ١ ص ٣٤١ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٩ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٨٨ وخزانة الأدب للبغدادي ج ٢ ص ٥٦ ورسالات نبوية ص ١٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٦٦ والدر المنثور ج ٦ ص ١٠٠ و ١٠١ عن ابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبزار ، والنسائي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن سعد ، وفتح القدير للشوكاني ج ٥ ص ٦٩ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧١.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٦٦ والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج ١ ص ٢٩٢ وراجع : جمهرة أنساب العرب ص ١٩٣ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٥ ص ١٥٣.

٧٨

وضرب الحصى ، فنهاهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ عن ذلك كله.

فقالوا : يا رسول الله ، إن هذه الأمور كنا نفعلها في الجاهلية ، أرأيت خصلة بقيت؟

قال : «وما هي»؟

قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «الخط ، علمه نبي من الأنبياء ، فمن صادف مثل علمه علم» (١).

ونقول :

يمنون عليك أن أسلموا ، فيمن نزلت؟! :

وقد ذكر النص المتقدم : أن قوله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (٢) قد نزلت في وفد بني أسد.

ويرد عليه :

أولا : ما روي عن جابر : من أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان يوم

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٦٦ عن ابن المنذر ، والطبراني ، وابن مردويه ، والبزار ، والنسائي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وقال في هامشه : أخرجه مسلم بنحوه في كتاب المساجد (٣٣) وكتاب السلام (١٢١) ، والنسائي ج ٣ ص ١٦ ، وأبو داود في كتاب استفتاح الصلاة باب (٥٦) ، وأحمد في المسند ج ٢ ص ٣٩٤ والبيهقي ج ٢ ص ٢٥٠ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٣٠٧ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٢.

وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ٢١٣.

(٢) الآية ١٧ من سورة الحجرات.

٧٩

الخندق ، حيث قال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «احفر».

فغضب عثمان وقال : لا يرضى محمد أن أسلمنا على يده حتى يأمرنا بالكد ، فأنزل الله على نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا) .. (١).

ثانيا : روي أن عثمان مرّ على عمار بن ياسر وهو يحفر الخندق ، وقد ارتفع الغبار من الحفر ، فوضع عثمان كمه على أنفه ومر فقال :

لا يستوي من يعمر المساجدا

يصلي فيها راكعا وساجدا

كمن يمر بالغبار حأيدا

يعرض عنه جاهدا معاندا

فالتفت إليه عثمان فقال : يا بن السوداء ، إياي تعني؟!

ثم أتى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال له : لم ندخل معك لتسبّ أعراضنا.

فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «قد أقلتك إسلامك ، فاذهب» ، فأنزل الله تعالى : (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ..) الآية ..» (٢).

غير أننا نقول :

إن قصة بني أسد قد حصلت سنة تسع ، ولا مانع من نزول الآية مرتين أو أكثر ، إذا كانت المناسبة تقتضيها ، فتنزل في عثمان يوم الخندق ، حيث واجه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أولا ، ثم واجه عمارا ، ثم تنزل مرة أخرى

__________________

(١) البرهان (تفسير) ج ٤ ص ٢١٥ عن الشيخ في مصباح الأنوار ، ومدينة المعاجز للبحراني ج ١ ص ٤٦٧ ، والبحار ج ٣٠ ص ٢٧٤ وج ٣٩ ص ١١٤ وج ١٠٩ ص ٢٩ ، وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج ٢ ص ٦٠٨.

(٢) البرهان (تفسير) ج ٤ ص ٢١٥ عن تفسير القمي ، والبحار ج ٩ ص ٢٣٨ وج ٢٠ ص ٢٤٣ وج ٣٠ ص ١٧٣ وج ٣١ ص ٥٩٩ ، وتفسير القمي ج ٢ ص ٣٢٢ ، والتفسير الصافي ج ٥ ص ٥٧ وج ٦ ص ٥٢٨ ، وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١٠٤.

٨٠