الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

فعاد أبو لبابة لقوله ، وعاد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لدعائه.

فعاد أبو لبابة أيضا ، فقال : التمر في المربد يا رسول الله.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم اسقنا ، حتى يقوم أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره» (١).

قالوا : ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت.

قال : فلا والله ، ما رأينا الشمس سبتا.

وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره ، لئلا يخرج التمر منه.

فجاء ذلك الرجل أو غيره ، فقال : يا رسول الله ، هلكت الأموال ، وانقطعت السبل.

فصعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المنبر فدعا ، ورفع يديه حتى رئي بياض إبطيه ، ثم قال : «اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب ، وبطون الأودية ، ومنابت الشجر ، فانجابت السحابة عن المدينة

__________________

(١) الثاقب في المناقب للطوسي ص ٩٠ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ٣٥٤ ، ودلائل النبوة للأصبهاني ج ٢ ص ٧٦٠ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٣ ص ٢٠٠ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٢٨٥ ، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٦ ص ١٠٠ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٥ ص ١٣٠ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٣٠٦ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٩٤ وج ٩ ص ٤٤٢ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٦٨ ، وغريب الحديث لابن سلام ج ٣ ص ٩٦ ، ولسان العرب ج ١ ص ٢٣٨ ، وتاج العروس ج ١ ص ٣٣٤.

٤١

انجياب الثوب» (١).

ونقول :

إن هذا النص قد تضمن أمورا أشرنا إليها في العديد من الموارد ومع ذلك نشير إلى ما يلي :

ويضحك ربنا :

قد ذكرت الرواية المتقدمة : أن الله تبارك وتعالى يضحك ، وقد تعجب الأعرابي من ذلك ، حيث وجد فيه ما يصادم فطرته ويناقض حكم عقله ..

وقد تحدثنا حين ذكر وفود أبي رزين عن هذا الموضوع ، وبيّنا : أنه من دسائس أهل الكتاب القائلين بالتجسيم الإلهي ، وكانوا مهتمين بإشاعة عقائدهم بين المسلمين ، وكان كثير من المسلمين مبهورين بهم ، آخذين عنهم ، وقد تكلم عن هذا الموضوع أيضا الشيخ محمود أبي ريّا في كتابه : «أضواء على السنة المحمدية». وكتاب «شيخ المضيرة (أبو هريرة)». فلا بأس بمراجعة ما قال.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٩٤ و ٣٩٥ إمتاع الأسماع للمقريزي ج ٥ ص ١٣٠ ، والمجموع للنووي ج ٥ ص ٩٦ ، وفتح الوهاب للأنصاري ج ١ ص ١٥٣ ، والمغني لابن قدامه ج ٢ ص ٢٩٨ ، والشرح الكبير لابن قدامه ج ٢ ص ٢٩٨ ، ونيل الأوطار للشوكاني ج ٤ ص ٤٠ ، وبدائع الصنائع للكاشاني ج ١ ص ٢٨٣ ، وسبل السلام للكحلاني ج ٢ ص ٨١ ، ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ١ ص ٨٣.

٤٢

سؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن حال بلاد فزارة :

وقد لاحظنا هنا أيضا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سأل وفد فزارة عن حال بلادهم ، فأخبروه بمعاناتهم ، وطلبوا منه أن يدعو لهم الله ليغيثهم ، ويشفع لهم عند ربهم.

فدعا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فنزل الغيث ، حتى شكوا ذلك إليه ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم حوالينا ولا علينا الخ ..» فانجابت السحابة عن المدينة انجياب الثوب ..

ولسنا بحاجة إلى إعادة ما قلناه : من أن ذلك يدل على : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يريد أن يعرفهم معنى النبوة ، ويفهمهم أنه معني بقضاياهم ، فهو ليس مجرد رسول يبلغهم ما جاء به ، وينتهي الأمر عند هذا الحد ..

كما أن ذلك الوفد قد عبر عن إيمانه بأن الأنبياء يشفعون عند الله .. وطلبوا منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يطلب من ربه أن يتولى حل مشكلاتهم ..

فاستجاب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمطلبهم.

أين نزل المطر؟! :

لقد صرحت الرواية : بأن سحابة قد جاءت من جهة سلع ، مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ، ثم أمطرت. مما يعني : أن المطر قد نزل في المدينة ، مع أن المحتاجين إلى المطر هم بنو فزارة ، وإنما يسكنون بين

٤٣

خيبر وفدك ، ومنطقة جنفا هي أحد مياههم هناك (١).

ليشفع ربك إليك :

ذكرت الرواية المتقدمة : أنهم قالوا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «واشفع لنا إلى ربك ، وليشفع لنا ربنا إليك».

فاستنكر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قولهم هذا ، قائلا : «فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه ، لا إله إلا هو العلي العظيم ، وسع كرسيه السماوات والأرض ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد ..».

ونقول :

إننا لا نرتاب في : أن هذا النص مكذوب على لسان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأن قولهم هذا ليس فيه أي اشكال. إذا كانوا يرون : أنهم قد أذنبوا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بتكذيبهم إياه ، وممالأتهم عدوه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٦٩ ، والمجموع للنووي ج ٥ ص ٩٦ ، والمغني لابن قدامه ج ٢ ص ٢٩٧ ، والشرح الكبير لابن قدامه ج ٢ ص ٢٩٧ ، وسبل السلام للكحلاني ج ٢ ص ٨١ ، ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للكوفي ج ١ ص ٨٢ ، وصحيح البخاري ج ٢ ص ١٦ ، وصحيح مسلم ج ٣ ص ٢٤ ، وسنن النسائي ج ٣ ص ١٦٢ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٣ ص ٣٥٥ ، وفتح الباري ج ٢ ص ٤١٩ ، وعمدة القاري للعيني ج ٧ ص ٣٨ ، والسنن الكبرى للنسائي ج ١ ص ٥٦٠ ، وصحيح ابن خزيمة ج ٣ ص ١٤٥ ، وشرح معاني الآثار ج ١ ص ٣٢٢ ، وكتاب الدعاء للطبراني ص ٢٩٧ ، والأذكار النووية ص ١٨٣ ، ونصب الراية للزيلعي ج ٢ ص ٢٨٣ ، والبداية والنهاية ج ٦ ص ٩٦ و ١٠٠ و ٣١١ ، وإمتاع الأسماع ج ٥ ص ١٢٠.

٤٤

عليه ، فشعروا أنهم بحاجة إلى من يشفع لهم عنده. وهذا نظير من يقسم على غيره بالله أو برسول الله ، لكي يعفو عن إساءته أو ليقضي حاجته .. أو يجعل الله شافعا له عنده ، ووسيلة إليه من أجل ذلك ..

ويكفي أن يكون هذا المعنى من محتملات كلامهم هذا ، فما معنى أن يواجههم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالملامة والتقريع بهذه الصورة؟!

ألا يدل ذلك على : أن نسبة هذا الأمر له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غير صحيحة؟!

إعتراض أبي لبابة على الله ورسوله :

ويواجهنا في النص المتقدم : إصرار أبي لبابة على الإعتراض ثلاث مرات على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وهذا ما لا يمكن قبوله من صحابي مؤمن بنبوة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبعصمته ، وحكمته ، وبأنه : (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) (١).

فما معنى : أن يراجع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عدة مرات ، ولماذا لا يرضى بما يرضاه الله ورسوله؟!

عري أبي لبابة :

ثم ما معنى قول الرواية : فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا ، يسد ثعلب مربده». فكان كما قال .. حيث قام عريانا يسد ثعلب مربده بإزاره؟! إذ متى تعرّى أبو لبابة .. حتى اضطر إلى

__________________

(١) الآية ٣ من سورة النجم.

٤٥

القيام عريانا؟! فإن الوقت كان قصيرا جدا ..

فإن السحاب قد لبّى الطلب ، وبدأ هطول الأمطار مباشرة .. إلا إن كان أبو لبابة قد حضر بين ذلك الجمع ، وهو عريان!!

وألم يسمع أبو لبابة كلام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وحديثه عن عريه؟! فلما ذا لم يحتط لنفسه ، ويبقى لابسا ثيابه؟!

إلا أن يكون غير مؤمن بأن الله سوف يستجيب دعاء نبيه الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ولو أنه لم يكن مصدقا بذلك ، فلما ذا اعترض على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثلاث مرات؟!

اللهم حوالينا .. لا علينا :

وحول دعاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقوله : «اللهم حوالينا ، ولا علينا. اللهم على الآكام والظراب ، وبطون الأودية ومنابت الشجر» ، فانجابت السحابة الخ .. نقول :

إن ذلك يشير إلى : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يمارس التصرف في أمور ترتبط بالظواهر الكونية العامة ، فيطلب الناس منه المطر ، فيلبي طلبهم ، ويأتيهم به ، ثم يطلبون منه الصحو في مكان ، وحصر المطر في غيره ، فيلبي طلبهم أيضا ..

ولم يقل لمن كانوا يطلبون منه هذه التصرفات : إن هذا ليس من صلاحياتي ، بل أنا مجرد رسول ، ومعلم للشريعة ، ومربّ ، وسياسي ، ومصلح اجتماعي ، وقاضي ، وقائد جيوش ، أو نحو ذلك ..

٤٦

كما أن الناس كانوا على اختلاف أذواقهم ، ومشاربهم ، وثقافاتهم ، ومواضع سكناهم ، وطبقاتهم الإجتماعية ، يرون : أن هذا الذي يطلبونه منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو من حقهم وأن المفروض بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يلبي طلبهم ..

كان لا يرفع يديه في الدعاء :

زعم النص المتقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الإستسقاء. ومثله في الصحيحين من حديث أنس (١).

ولكن ذلك غير دقيق ، فقد قال الزرقاني : إن العسقلاني قال : هو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع (أي برفع اليدين) في غير الإستسقاء.

وفي سبل السلام : أن المراد به المبالغة في الرفع وأنه لم يقع إلا في الإستسقاء (٢).

وقد تقدم : أنها كثيرة ، وأفردها البخاري بترجمته في كتاب الدعوات ، وساق فيه عدة أحاديث ..

فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى. وحمل حديث أنس على نفي رؤيته. وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره ..

وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس لأجل الجمع ، بحمله على نفي

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٠٩ ، وعمدة القاري ج ٧ ص ٥٢ وج ١٦ ص ١١٤ ، والدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر ج ١ ص ١٥٢ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٠ ص ٤٣٣ ، وسنن الدارمي ج ١ ص ٣٦١.

(٢) سبل السلام ج ٤ ص ٢١٩.

٤٧

الرفع البالغ إلا في الإستسقاء ، ويدل عليه قوله : حتى رؤي الخ ..

ويؤيده : أن غالب الأحاديث الواردة في رفع اليدين في الدعاء : المراد به مدّ اليدين وبسطها عند الدعاء. وكأنه عند الإستسقاء زاد ، فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حاذتاه ، وبه حينئذ يرى بياض أبطيه.

أو على صفة اليدين في ذلك ، لما في مسلم عن أنس : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» استسقى ، فأشار بظهر كفه إلى السماء ..

ولأبي داود عن أنس : كان يستسقي هكذا ، ومد يديه ، وجعل بطونها مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه ..

قال النووي : قال العلماء : السّنّة في كل دعاء لرفع بلاء : أن يرفع يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء ، وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء الخ ..

وتعقب الحمل الثاني : بأنه يقتضي أنه يفعل ذلك ، وإن كان استسقاؤه للطلب كما هنا ، مع أنه نفسه ذكر : أن ما كان لطلب شيء كان ببطون الكفين إلى السماء ..

والظاهر : أن مستند هذا استقراء حاله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في دعاء الإستسقاء وغيره (١) ..

ونقول :

إن خير كلمة نقولها هي :

إننا لم نزل نسمع : أن الفاخوري يضع أذن الجرّة في المكان وبالكيفية

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢١٠.

٤٨

التي تروق له .. ولكن الفاخوري ـ وهو الزرقاني هنا ـ قد عجز عن الإمساك بالجرّة وبأذنها ، لأن مرض الرعاش قد أسقطهما من يده فتحطمتا بمجرد محاولته الإمساك بهما ، فلم يعد هناك من جرّة تحتاج إلى أذن .. ولا تجد بعد أذنا لتبحث لها عن جرّة ..

وخلاصة القول : إن ما ذكره الزرقاني من وجوه جمع وتأويلات وافتراضات لا يسمن ولا يغني من جوع .. بل هو مضر جدا ، لأنه يفسح المجال أمام أهل الأهواء ليتلاعبوا بالنصوص ، من دون أي وازع أو رادع ، لأن هذه التأويلات والوجوه التي ذكرها ، ما هي إلا افتراضات واحتمالات لا شاهد لها ، ولا تستطيع ألفاظ الحديث أن تدل أو أن تشير إلى شيء منها ..

فإذا جاز التعلق بمثل هذه الإفتراضات والتأويلات ، فسيكون بالإمكان تحريم الحلال وتحليل الحرام ، وقلب الأمور رأسا على عقب في مختلف المواضع ، إذ لا يعقل أن تكون باء هؤلاء تجرّ ، وباء غيرهم لا تجرّ ، فإن الباء باء أينما كانت ، وحيثما وجدت.

فإذا قيل : كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الإستسقاء .. فلا يمكن تفسير هذا بأنه كان لا يرفع يديه رفعا بالغا.

كما لا يصح القول : بأن المراد أن المتكلم لم يره يفعل ذلك ..

كما أنه لا يدل على ذلك كون المراد برفع اليدين مدهما وبسطهما في غالب أحاديث رفع اليدين .. إذ من الذي قال : إن المراد بالرفع في تلك الأحاديث هو : المد والبسط ، فإن الرفع يصدق على هذا المستوى من الرفع ، وعلى غيره ، فما الذي أوجب تعيّن هذه المرتبة من الرفع دون سواها ..

وأما حمل رفع اليدين في الإستسقاء على إرادة الإشارة بظهر كفية إلى

٤٩

السماء ، وجعل بطونهما إلى الأرض فهو لا يحل المشكلة ، فإن رفع اليدين الذي أثبته أو نفاه يصدق على كل رفع لهما سواء أكانت بطون الكفين حال الرفع إلى جهة السماء ، أو إلى جهة الأرض ، فالرفع منفي في هذه الرواية بجميع أشكاله ومثبت في غيرها .. وليس في المنفي والمثبت إشارة إلى خصوصية في هذا أو في ذاك ..

وفود بني كلاب :

عن خارجة بن عبد الله بن كعب قال : قدم وفد بني كلاب في سنة تسع على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهم ثلاثة عشر رجلا فيهم لبيد بن ربيعة ، وجبّار بن سلمى ، فأنزلهم دار رملة بنت الحدث ، وكان بين جبار وكعب بن مالك خلة ، فبلغ كعبا قدومهم فرحب بهم ، وأهدى لجبار وأكرمه ، وخرجوا مع كعب ، فدخلوا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فسلموا عليه بسلام الإسلام ، وقالوا : إن الضحاك بن سفيان سار فينا بكتاب الله وبسنتك التي أمرت بها ، وإنه دعانا إلى الله ، فاستجبنا لله ولرسوله ، وإنه أخذ الصدقة من أغنيائنا ، فردها على فقرائنا (١).

ونقول :

١ ـ إن هذا الوفد قد أخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بسيرة الضحاك في بني كلاب ، إذ إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما رجع من الجعرانة بعثه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٠١ عن ابن سعد في الصبقات الكبرى (ط ليدن) ج ٢ ص ٦٤.

٥٠

على بني كلاب يجمع صدقاتهم (١).

وروي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتب إليه أن ورّث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها (٢).

وقال ابن سعد : كان ينزل نجدا في موالي ضرية ، وكان واليا على من أسلم هناك من قومه (٣).

وبعثه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا عينا إلى قومه يتجسس أخبارهم (٤).

ولعله ولاه على من أسلم ، وجعله عينا على من لم يسلم ، ليخبره بكل تحركاتهم التي تعني المسلمين بنحو أو بآخر.

٢ ـ إن ما قاله الوفد لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يؤيد أن الضحاك لم يكن مجرد جامع للصدقات بل هو كان يتولى أمورهم ، ويسير فيهم بكتاب الله ، وسنة نبيه ، وكان يدعو الناس إلى الإسلام ، وقد استجاب له فريق من قومه ، ومنهم الوفد الذي نتحدث عنه.

__________________

(١) الإصابة ج ٢ ص ٢٠٦.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ٢٠٦ ، والمجموع للنووي ج ١٨ ص ٤٣٧ ، والمبسوط للسرخسي ج ١٠ ص ١٦٦ ، والمغني لابن قدامه ج ١١ ص ٤٥٧ ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٨٣ ، وسنن الترمذي ج ٣ ص ٢٨٨ ، والمصنف لابن أبي شيبة ج ٦ ص ٣٧٣ ، والآحاد والمثاني ج ٣ ص ١٦٦ ، والسنن الكبرى للنسائي ج ٤ ص ٧٨ ، والمعجم الكبير للطبراني ج ٨ ص ٣٠٠ ، والإستذكار لابن عبد البر ج ٨ ص ١٣٣ ، والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص ٧ ، وأسد الغابة ج ١ ص ٩٩.

(٣) الإصابة ج ٢ ص ٢٠٦.

(٤) النهاية لابن الأثير.

٥١

٣ ـ إن مبادرة الوفد لإعلام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بهذا الأمر يشير إلى رضاهم وسعادتهم به ، وأنهم يشعرون بقيمة الإلتزام بأحكام الكتاب ، وسنة الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وما إلى ذلك لأنهم عاينوا عن قرب الفرق الشاسع بين ما كانوا عليه وما صاروا إليه .. فهم يتحسسون لذة هذا الواقع الجديد ، وهم مشدودون إليه بكل وجودهم ..

وفود الداريين :

قالوا : قدم وفد الداريين على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منصرفه من تبوك ، وهم عشرة نفر ، منهم : تميم ، ونعيم ابنا أوس ، ويزيد بن قيس بن خارجة ، والفاكه بن النعمان بن جبلة ، وأبو هند ، والطيب ابنا ذر ، وهو عبد الله بن رزين ، وهانئ بن حبيب ، وعزيز ومرة ابنا مالك بن سواد بن جذيمة. فأسلموا ، وسمى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الطيب : عبد الله ، وسمى عزيزا : عبد الرحمن.

وأهدى هانئ بن حبيب لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أفراسا وقباء مخوصا بالذهب ، فقبل الأفراس والقباء ، [وأعطاه العباس بن عبد المطلب] ، فقال : «ما أصنع به»؟

قال : انتزع الذهب ، فتحلّيه نساءك ، أو تستنفقه ، ثم تبيع الديباج فتأخذ ثمنه.

فباعه العباس من رجل من يهود بثمانية آلاف درهم.

وقال تميم : لنا جيرة من الروم ، لهم قريتان يقال لإحداهما : حبرى ، والأخرى : بيت عينون ، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي.

٥٢

قال : «فهما لك». فلما قام أبو بكر أعطاه ذلك ، وكتب له به كتابا (١).

وأقام وفد الداريين حتى توفي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأوصى لهم بجادّ (وهو النخل الذي يجد. أي تقطع ثمرته) مائة وسق أي من خيبر (٢).

ونقول :

لماذا تغيير الأسماء؟! :

ذكرت الرواية المتقدمة : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد غير اسم الطيب إلى عبد الله ، وسمى عزيزا عبد الرحمن ، ونحن نشك في ذلك ، إذ :

١ ـ لماذا لم يغير اسم مرة أيضا ، مع أن المروي عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن أقبح الأسماء حرب ومرة ، وفي نص آخر : شر الأسماء : ضرار ، ومرة ، وحرب ، وظالم (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٣٤ عن الطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٠٧ وفي (ط دار صادر) ج ١ ص ٣٤٤ وراجع : الإصابة ج ٣ ص ٥٦٦ و ٥٦١ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٦٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٣٤ وأسد الغابة ج ٥ ص ١١٨ والطبقات الكبرى (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٧٥ والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٦٩٥ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٣٦٧ و ٣٦٨ ، ونيل الأوطار ج ٥ ص ٣٧ وج ٦ ص ١٤٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٢٦٦ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٦٩ وإمتاع الأسماع ج ٩ ص ٢٨٣ وج ١٤ ص ٤٨٤ وراجع : الإصابة ج ٦ ص ٥٢٦.

(٣) السنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٣٠٦ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٣٠٧ والإستيعاب ترجمة أبي وهب ج ٤ ص ١٧٧٥ وزاد المعاد لابن القيم ج ١ ص ٢٥٨ و ٢٦٠ والبحار ج ١٠١ ص ١٢٧ والخصال ج ١ ص ١٧١ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٥ ص ١٣١.

٥٣

وروي : أن أبا مرة هي كنية إبليس (١).

٢ ـ إننا نلاحظ : أن أكثر الموارد التي زعموا أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد غيّر فيها الأسماء ، كان الاسم الذي اختاره فيها هو «عبد الرحمن» ، ولا ندري سر التركيز على هذا الاسم دون سواه ، فهل هذا من التسويق السياسي لاسم بعينه أحبه الرواة ، لأجل قيامه بعمل كبير أثلج صدورهم؟!

ككونه قتل غدرا إماما يعتبرونه عدوا لهم كان يصلي في مسجد الكوفة ، ولم يكونوا قادرين على الجهر بحب هذا القاتل إلا بهذه الطريقة؟!

٣ ـ لماذا غيّر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» اسم الطيب؟ هل كان هذا من الاسماء القبيحة التي كان يغيرها؟ (٢). أليس هذا من الأسماء الحسنة التي ورد الحث على التسمية بها؟! (٣). وألم يكن للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولد

__________________

(١) تاج العروس ج ٢ ص ٥٣٩ ولسان العرب ج ٧ ص ١٨ وقاموس اللغة ج ٢ ص ١٣٣ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٥ ص ١٣١ عن الكافي (الفروع) ج ٢ ص ٨٧ ، والغدير ج ٦ ص ٣١٣.

(٢) البحار ج ٢٣ ص ١٢٢ وج ١٠١ ص ١٢٧ وقرب الإسناد ص ٤٥ (ط حجرية) والوسائل ج ١٥ ص ١٢٤ عنه أيضا.

(٣) سنن أبي داود ج ٢ ص ٣٠٧ وسنن البيهقي ج ٩ ص ٣٠٦ ومصابيح السنة ج ٢ ص ١٤٨ ومجمع الزوائد ج ٨ ص ٤٧ وزاد المعاد لابن القيم ج ١ ص ٢٥٨ والبحار ج ١٠١ ص ١٣١ وعدة الداعي ص ٦٠ ومكارم الأخلاق ص ٢٢٠ والجعفريات ص ١٨٩ وفقه الرضا ص ٣١ ومستدرك الوسائل ج ١٥ ص ١٢٧ و ١٢٨ و ١٣٢ وعن لب اللباب للراوندي ، والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٥ ص ١٢٢ و ١٢٣ و ١٢٤ وفي هامشه عن : الكافي ج ٢ ص ٨٦ و ٨٧ وعن التهذيب للشيخ الطوسي ج ٢ ص ٢٣٦ وعن من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٢٤١.

٥٤

اسمه الطيب؟! (١). وقد ولد له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد البعثة.

تاريخ وفادة الداريين :

زعموا : أن الداريين وفدوا على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل الهجرة ، فقد ذكروا : أن تميم الداري وأخاه نعيم الداري وأربعة آخرين وفدوا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل الهجرة ، وطلبوا منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعطيهم أرضا من أرض الشام ، فتشاوروا فيما بينهم فسألوه بيت جيرون وكورتها ، فكتب لهم بها.

ثم قال : انصرفوا حتى تسمعوا أني هاجرت (٢).

ونقول :

إن هذه الرواية تتناقض مع ما قدمناه ، لأن هذه الرواية تقتضي أن الداريين أسلموا قبل الهجرة ، مع أن ما قدمناه يتضمن التصريح بأنهم قد أسلموا سنة تسع.

__________________

(١) الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٠٧ وراجع : إعلام الورى (ط دار المعرفة) ص ١٤٦ وعيون الأثر (ط دار الحضارة) ج ٢ ص ٣٦٣ و ٣٦٤ والبدء والتاريخ ج ٤ ص ١٣٩ وج ٥ ص ١٦ عن كتاب ابن إسحاق ، والإستيعاب ج ٤ ص ١٨١٨ ، وتفسير القرطبي ج ١٤ ص ٢٤٣.

(٢) راجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥١٧ و ٥١٨ عن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٠ وعن السيرة النبوية لدحلان ج ٣ ص ٧ وصبح الأعشى ج ١٣ ص ١٢٥ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ١٤٤ وكنز العمال ج ٣ ص ٥٢٧ وعن ابن عساكر ج ٣ ص ٣٥٥.

٥٥

ولو قبلنا أن الداريين قد وفدوا إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مرتين ، فالسؤال هنا هو : لماذا تأخرت وفادتهم الثانية إلى سنة تسع بعد الهجرة ، مع أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لهم : «انصرفوا حتى تسمعوا أني هاجرت».

فهل هم لم يسمعوا بهجرته طيلة هذه السنين؟! أو أنهم سمعوا بها وتهاملوا في تنفيذ أمر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! أو أنهم نسوا هذا الأمر ، ثم تذكروه بعد كل هذه السنين ، وما هو الشاهد على أي من هذه الإحتمالات أو غيرها؟! نقول هذا ، لأننا نستبعد أن يفدوا إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو في مكة : ولو أنهم فعلوا ذلك لوجدت المشركين يتحلقون حولهم ، ويضايقونهم ويؤذونهم ، ولكان ذلك قد تناقلته الرواة على نطاق واسع.

إقطاع قريتين لتميم :

ولابد من الإشارة هنا إلى أن إقطاع قريتين معمورتين ، ولهما أهل لتميم ولمن معه ليس بالأمر الذي يمكن قبوله بعفوية وسذاجة ، وذلك للأسباب التالية :

أولا : لأن الإقطاع إنما كان للأرض الموات ونحوها مما هجره أهله ، إذ لا معنى لإعطاء قريتين لهما غلة حاضرة ، ونفع ظاهر لرجل واحد ، وحرمان سائر المسلمين منهما ، فكيف إذا كان ذلك قبل أن تفتح تلك البلاد ، وقبل أن يأخذها المسلمون.

ثانيا : من الذي يضمن أن تصبح هاتان القريتان في قبضة المسلمين بحيث يصح منحهما لهذا أو ذاك ، إذ لعل أهلها يسلمون عليها ، وتبقى لهم وفي يدهم.

٥٦

ثالثا : إن النص المتقدم يقول : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعطى بيت عينون ، وحبرى أو جيرون لتميم الداري (١). ونص الكتاب في بعض صيغة يقتصر على ذكر تميم أيضا (٢).

مع أن ثمة نصوصا لكتاب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بإعطائهم تقول : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعطى القريتين للداريين (٣).

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٤٤ و ٢٦٧ وج ٧ ص ٤٠٨ ، وراجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٧ نقلا عن : شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٣ ص ٢٥٨ ، وأسد الغابة (ترجمة تميم الداري) ، وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٦٣ ، وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٤٤٣ ، وفتوح البلدان للبلاذري ج ١ ص ١٥٣ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٦١٢ ، وتاج العروس ج ٦ ص ٢٣٥.

(٢) راجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥١٠ و ٥١١ عن صبح الأعشى ج ١٣ ص ١٢٨.

(٣) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٥ ، وقد ذكر أيضا المصادر التالية : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٠ والسيرة النبوية لزيني دحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ٧ والمناقب لابن شهر آشوب (ط حجري) ج ١ ص ٧٦ وفي (ط قم) ج ١ ص ١١٢ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٧١ و ٧٢ وصبح الأعشى ج ١٣ ص ١٢٦ و ١٢٧ و ١٢٨ و ١٢٩ والمواهب اللدنية شرح الزرقاني ج ٣ ص ٣٥٨ وكنز العمال ج ٢ ص ١٩٠ وج ١٤ ص ٣٢٢ و ٣٢٣ وفي (ط أخرى) ج ٣ ص ٥٢٧ و ٦٩ وج ٥ ص ٣١٨ ورسالات نبوية ص ١٢٦ والمعجم الكبير للطبراني ج ٢ ص ٤٧ والبحار ج ١٨ ص ١٣٥ (عن المناقب) ومآثر الأنافة ج ٣ ص ٢١٠ و ٢١١ و ٢١٢ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٤٣ و ١٤٤ و ١٥٢ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٦٦ ومجموعة الوثائق السياسية ص ١٢٩ / ٤٣ و ١٣٠ / ٤٤ عن المواهب اللدنية ج ١ ص ٢٩٦ وعن دحلان ، ورسالات نبوية ، والضوء الساري لمعرفة

٥٧

رابعا : لعل البلد يفتح عنوة وبسيوف المسلمين ، فلا يكون حكمه حكم ما أفاء الله على رسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من دون أن يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، بل لا بد من أن يستفيد منه المسلمون الفاتحون أيضا ..

خامسا : قد لاحظنا : أن بعض نصوص الكتاب الذي زعموا أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتبه للداريين يتضمن أخطاء في النحو ، لا يمكن أن تصدر عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كقوله : إني أنطيكم بيت عينون ، وجيرون ، والمرطوم ، وبيت إبراهيم عليه الصلاة والسلام برمتهم ، وجميع ما فيهم .. مع أن الصحيح هو أن يقول : «برمتها وجميع ما فيها» (١).

__________________

خبر تميم الداري للمقريزي ورقة ٨٨ ـ ب (مخطوطة پاريس) وورقة ٩٠ والسيرة الحلبية ، ثم قال : قابل الإصابة (إلى أبي هند الداري) ، والتمهيد لتقي الدين السبكي ، وبحث إقطاع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لتميم الداري. والأموال لأبي عبيد ص ٣٨٨ و ٣٨٩ وفتوح البلدان ص ١٧٦ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٨ والفضل العميم في إقطاع بني تميم للسيوطي خطية في مدارس بالهند وفي مصر ، والجمهرة لابن حزم ص ٤٢٢ والإشتقاق لابن دريد ص ٣٧٧. ومعجم البلدان ج ٢ ص ٢١٢ و ٢١٣ في «حبرون» والخراج لأبي يوسف ص ٢٣٤ والأموال لابن زنجويه ج ٢ ص ٦١٧ وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج ٣ ص ٣٥٤ و ٣٥٥ و ٣٥٦ و ٣٥٧ وإعلام السائلين ص ٥٠ وجامع مسانيد الإمام الأعظم ج ١ ص ٥٣ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٥٦ والأعلام للزركلي ج ٢ ص ٨٧ وراجع أسد الغابة ج ٤ ص ٣١٩. وج ١ ص ٢١٥ وج ٣ ص ٦٩ وج ٥ ص ٣١٨ وعن الخرائج لأبي يوسف ص ١٣٢ ومجموعة المكتوبات النبوية للديبلي ص ٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ٧٥ و ٢١ و ٢٢ وج ٧ ق ٢ ص ١٢٩.

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٩.

٥٨

سادسا : هناك اختلافات كبيرة بين نصوص الكتاب ، فمثلا تارة يقول : إنه لتميم ، وأخرى : أنه له ولذريته ، وثالثة يقول : هو لتميم وإخوته ، ورابعة : للدارين الخ ..

وتارة يقول : إن الكاتب هو شرحبيل بن حسنة.

وأخرى يقول : هو معاوية.

وثالثة يقول : هو علي «عليه‌السلام» ..

وتارة يقول : إنه كتب الكتاب لتميم.

وأخرى : إنه كتبه لنعيم بن أوس الداري (١).

وسائر الإختلافات بين نصوص الكتاب تعرف بالمراجعة والمقارنة ..

سابعا : قد ذكر في الشهود اسم عتيق بن أبي قحافة.

فإن كان هذا إشارة إلى ما زعموه من أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد لقبه بذلك لكونه عتيقا من النار ، فنقول فيه :

لو سلمنا بأن إثبات هذه الفضيلة ممكن ، فإنه لا يستحسن من الإنسان أن يوقع على الوثائق بما فيه مدح وثناء على نفسه.

وإن كان قد أطلق عليه لعتاقة وجه أبي بكر وجماله ، فقد قدمنا في هذا الكتاب : أن أبا بكر لم يكن له حظ من شيء من الجمال ، مهما كان ضئيلا ، بل كان على عكس ذلك تماما ..

ثامنا : هذا كله عدا عن أن في جملة الشهود المذكورين الخلفاء الأربعة ، وقد وردت أسماؤهم مرتبة حسب توليهم للخلافة ، وهو أمر يوجب

__________________

(١) راجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥١٦ و ٥١٧.

٥٩

الريب بلا شك.

تاسعا : إن بعض نصوص الكتاب قد صرحت : بأن من آذى الداريين فقد آذى الله ، وهذا معناه : أنهم قد بلغوا درجة العصمة. لأن غير المعصوم قد يؤذي ، لأجل منعه من ارتكاب المعاصي ، أو لأجل أخذ الحق منه ..

فإن كان يحرم إيذاؤه مطلقا ، فإما أن يكون الحق أصبح باطلا ، والطاعة معصية ، أو أن الله تعالى يرضى بالباطل وبالمعصية ويحبهما والعياذ بالله.

عاشرا : قد ذكرت بعض نصوص الكتاب : قوله ونفذت وسلمت ذلك لهم ، ولأعقابهم ، فكيف نفذ ذلك وسلمها للداريين ، والحال أن تلك القرى كانت لا تزال بيد أهلها.

وفود طيء مع زيد الخيل :

وفي سنة تسع جاء وفد طيء (١).

وكانوا : خمسة عشر رجلا ، رأسهم وسيدهم زيد الخيل بن مهلهل من بني نبهان ، وفيهم وزر بن جابر بن سدوس ، وقبيصة بن الأسود بن عامر من جرم طيء ، ومالك بن عبد الله بن خيبري من بني معن ، وقعين بن خليف من جديلة ، ورجل من بني بولان.

فدخلوا المدينة ، ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المسجد ، فعقلوا رواحلهم بفناء المسجد ، ثم دخلوا ، فدنوا من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ،

__________________

(١) راجع : الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ١ ص ٥٦٣ والإصابة ج ١ ص ٥٧٢ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٧ ، وعمدة القاري ج ١٨ ص ٨ ، والإستيعاب ج ٢ ص ٥٥٩.

٦٠