الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

ثمان. وزيد بن ثابت كان من صغار الصحابة سنا ، فكيف بولده عبد الله ، كما أن عددا من الشهود لا نعرف عنهم شيئا. فراجع (١).

آية الكلمة السواء متى نزلت؟!

وقد ذكروا : أن قوله تعالى (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (٢) قد نزل في قصة نصارى نجران. وكانت قصتهم سنة تسع. وقد أدرجها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في كتابهم (٣).

غير أن هذا غير صحيح ، فقد كتب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذه الآية إلى كسرى وقيصر ، والنجاشي ، والمقوقس قبل سنة تسع بعدة سنوات ، فكيف تكون قد نزلت في قصة نجران؟! (٤).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ١٨١ و ١٨٢ ، وراجع المصادر في الهوامش السابقة.

(٢) الآية ٦٤ من سورة آل عمران.

(٣) راجع : البحار ج ٩ ص ٧٠ وج ٢١ ص ٢٨٧ عن إقبال الأعمال ، وراجع : تفسير الكشاف ج ١ ص ٣٧١ والجامع لأحكام القرآن ج ٤ ص ١٠٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢١٣ و ٢١٤ وتفسير الثعالبي ج ١ ص ٢٧٥ وجامع البيان للطبري ج ٣ ص ٤١٠ وتفسير الرازي ج ٨ ص ٩٠ والعجاب للعسقلاني ج ٢ ص ٦٨٨ والدر المنثور ج ٢ ص ٤٠.

(٤) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٩٨ عن المصادر التالة : تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢١٣ وعمدة القاري ج ١ ص ٨٨ وفتح الباري ج ١ ص ٣٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٧٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ٤١٧ و ٤١٨. وتفسير الثعلبي ج ٩ ص ٢٢٠ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٧٧.

٣٢١

إلا أن يكون المقصود : أنها نزلت مرة ثانية في هذه المناسبة.

رجوع وفد نجران إلى بلادهم :

ولما قبض النجرانيون كتابهم انصرفوا إلى نجران ، ومع الأسقف أخ له من أمه ، وهو ابن عمه من النسب ، يقال له : بشر بن معاوية ، وكنيته أبو علقمة. فدفع الوفد كتاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الأسقف ، فبينا هو يقرأه ، وأبو علقمة معه ، وهما يسيران إذ كبت ببشر ناقته ، فتعس بشر غير أنه لا يكني عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال له الأسقف عند ذلك : قد والله تعست نبيا مرسلا.

فقال له بشر : لا جرم والله لا أحل عقدا حتى آتي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فصرف وجه ناقته نحو المدينة وثنى الأسقف ناقته عليه ، فقال له : افهم عني ، إنما قلت هذا ليبلغ عني العرب ، مخافة أن يقولوا : إنّا أخذنا حقه [أو رضينا بصوته] ، أو نجعنا لما لم تنجع به العرب ، ونحن أعزهم وأجمعهم دارا.

فقال له بشر : لا والله ، لا أقبل ما خرج من رأسك أبدا ، فضرب بشر ناقته ، وهو مولي الأسقف ظهره وارتجز يقول :

إليك تعدو قلقا وضينها

معترضا في بطنها جنينها

مخالفا دين النصارى دينها

حتى أتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأسلم ، ولم يزل معه حتى قتل بعد ذلك.

قال : ودخل الوفد نجران ، فأتى الراهب ليث بن أبي شمر الزبيدي ،

٣٢٢

وهو في رأس صومعته.

فقال له : إن نبيا بعث بتهامة ، فذكر ما كان من وفد نجران إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأنه عرض عليهم الملاعنة فأبوا ، وإن بشر بن معاوية دفع إليه فأسلم.

فقال الراهب : أنزلوني ، وإلا ألقيت نفسي من هذه الصومعة.

قال : فأنزلوه ، فانطلق الراهب بهدية إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منها هذا البرد الذي يلبسه الخلفاء ، والقعب والعصا. فأقام الراهب مدة بعد ذلك يسمع الوحي والسنن ، والفرائض والحدود ، ثم رجع إلى قومه ولم يقدر له الإسلام ، ووعد أنه سيعود فلم يعد حتى قبض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وذكر ابن سعد : أن السيد والعاقب رجعا بعد ذلك إلى المدينة وأسلما ، وأنزلهما دار أبي أيوب الأنصاري (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٢٢ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٧١ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٠٦.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٩١ عن ابن سعد ، وفتح الباري ، والإصابة ، وعن المدائني. وفتح الباري ج ٨ ص ٧٤.

٣٢٣
٣٢٤

الفصل العاشر :

وقفات .. مع حديث النجرانيين

٣٢٥
٣٢٦

دعوة النجرانين إلى الإسلام متى كانت؟! :

تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسل إلى النجرانين يدعوهم إلى الإسلام ، ثم بعد أن قدم عليه وفدهم في سنة عشر كتب لهم كتبا أخرى تقدم ذكرها أيضا ..

فقد يقال : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتب إليهم الكتاب الأول الذي يدعوهم فيه إلى الإسلام من مكة ، قبل أن تنزل عليه سورة النمل ، كما دلت عليه بعض الروايات (١). وسورة النمل مكية (٢).

ولكن الصحيح هو أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد كتب إليهم من المدينة بعد الهجرة ، ونستند في ذلك إلى ما يلي (٣) :

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٣٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٥٣ والبحار ج ٢١ ص ٢٨٥ وج ٣٥ ص ٢٦٢ وتفسير الآلوسي ج ٣ ص ١٨٦ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤١٥.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٩٢ عن الإتقان للسيوطي ص ١٠١ وراجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٦ والفهرست لابن النديم ص ٣٦ والغدير ج ١ ص ٢٥٦ وراجع كتب التفسير في ذلك.

(٣) ذكر هذه الأدلة أيضا العلامة الأحمدي في مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٩٧ و ٤٩٨.

٣٢٧

أولا : قد صرحت النصوص المتقدمة بأنه بمجرد وصول كتاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خافوا وأرسلوا وفدهم إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المدينة ، وكانت قصة المباهلة ، فراجع.

ثانيا : صرح ابن طاووس في الإقبال : بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتب إليهم هذا الكتاب ، بعد أن كتب إلى كسرى وقيصر .. وكتابه لهما إنما كان من المدينة.

ثالثا : إنه لا معنى لأن يفزع النجرانيون من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حين كان في مكة ، فإنه لم يكن قادرا على فعل أي شيء يوجب خشيتهم.

كما أنه لا معنى لأن يكتب إليهم : «فإن أبيتم آذنتكم بحرب ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن قادرا آنئذ على أن يحمي نفسه من أهل مكة ، فهل يعقل أن يعلن الحرب على النجرانيين البعيدين عنه مئات الأميال؟!

رابعا : لم تكن الجزية قد وضعت في مكة مطلقا ، وقد نزلت آيات الجزية في سنة تسع أو قريبا منها.

فإن أبيتم فالجزية :

قد أبلغ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أهل نجران بان عليهم الجزية إن أصروا على الإلتزام بدينهم ، وعلى عبادة العباد ، وأبوا عبادة الله.

وهذا النص قد أوضح أن وضع الجزية عليهم إنما هو بإزاء الإصرار على الإستنكاف عن عبادة الله وحده ، وترجيح عبادة العباد .. وذلك يظهر وجود خلل بالمعايير يحتم اتخاذ إجراء ضدهم من شأنه أن يراعي آثار هذا الإخلال ، فيتعامل مع هذا الإستكبار عن عبادة الله من جهة ، ومع ذلك

٣٢٨

الإنقياد والقبول منهم بأن يكونوا في موقع العبودية للعباد من جهة أخرى ، مع إسباغهم صفات الألوهية على أولئك العباد ، بادعاء وجود شبهة لديهم في ذلك ، ناشئة عن ولادة عيسى من دون أب ، أو نحو ذلك مما لم يعد له مجال بعد ظهور الحقيقة بالأدلة القاطعة ، وبالمعجزات الظاهرة ، فلا مبرر للإصرار على ذلك إلا الإستكبار عن الإنقياد للحق ..

فجاء جعل الجزية التي لابد ان يعطوها عن يد وهم صاغرون ، ليكون بمثابة علاج روحي من شأنه أن يطامن نفوسهم ، ويدفعهم لمراجعة حساباتهم ، ليجدوا أنهم لا يربحون من هذا الإستعلاء والإستكبار ، وبذلك يعيد إليهم قدرا من التوازن في نظرتهم إلى القضايا ..

مع ملاحظة : أنه لم يظهر إصرارا على تكذيبهم في دعواهم بقاء الشبهة ، رفقا منه بهم ، وإفساحا للمجال للتروي والتأمل .. بالإضافة إلى مصالح أخرى ربما ترتبط بالسياسة العامة للناس في مجال العلاقة بهم ، والتعامل معهم في الشأن العقيدي.

حوار مكذوب :

ثم إن أساس الخلاف بين نصارى نجران وبين النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو أنهم يعبدون عباد الله ، ولا يعبدون الله ، ولأجل ذلك دعاهم إلى المباهلة ، وذلك يدل على عدم صحة ما رووه عن ابن عباس قال : اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم الا يهوديا ، وقالت النصارى : ما كان إلا نصرانيا.

فأنزل الله عزوجل : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ

٣٢٩

التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) (١).

فقال رجل من الأحبار : أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟

وقال رجل من نصارى نجران : أو ذلك تريد يا محمد وإليه تدعونا؟

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره ، ما بذلك بعثني ولا أمرني».

فأنزل الله عزوجل في ذلك : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٢).

ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آبائهم من الميثاق بتصديقه وإقرارهم به على أنفسهم ، فقال : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) (٣)» (٤).

__________________

(١) الآيات ٦٥ ـ ٦٨ من سورة آل عمران.

(٢) الآية ٨١ من سورة آل عمران.

(٣) الآيتان ٧٩ و ٨٠ من سورة آل عمران.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٢١ عن ابن إسحاق ، وتخريج الأحاديث والآثار ـ

٣٣٠

إذ كيف يصح اتهامهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنه يريد من الناس أن يعبدوه كما يعبد النصارى عيسى «عليه‌السلام» ، مع أنه هو الذي يريد ان يصدهم عنه.

فإن هذه الايات قد وردت في سورة آل عمران ، وهذه السورة قد نزلت قبل قضية المباهلة بسنوات كثيرة. فكيف يقال : أنها قد نزلت في المباهلة في أواخر حياته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

والجواب عن ذلك هو : أن الله تعالى قد أنزل عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذه الآيات مرة ثانية ، حين جاءت مناسبتها ، وذلك غير بعيد ..

لماذا لم يكلمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! :

وقد ذكرت الرواية : أن وفد نجران كلموا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مرات عديدة ، فلم يجبهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حتى أرشدهم علي «عليه‌السلام» إلى ضرورة تغيير ملابسهم الفاخرة ، فحينئذ كلمهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

والسؤال هنا ذو شقين :

أحدهما : هل ارتداء الملابس الفاخرة خطيئة تستوجب الإعتراض المتمثل

__________________

ج ١ ص ١٩١ وتفسير الميزان ج ٣ ص ٢٦٨ وجامع البيان للطبري ج ٣ ص ٤٤١ وتفسير ابن أبي حاتم ج ٢ ص ٦٩٣ وتفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٨٥ والعجاب للعسقلاني ج ٢ ص ٧٠٥ والدر المنثور ج ٢ ص ٤٠ و ٤٦ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٩٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٣٩٥ وعيون الأثر ج ١ ص ٢٨٤.

٣٣١

بهذا الصدود والإعراض؟!

الثاني : وجدنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يكتفي بالإعتراض على آخرين جاؤوه على مثل هذه الحالة ، من دون أن ينتهي الأمر به إلى هذا الحد من التشدد والصدود والإعراض.

ونقول في الجواب :

إن لبس فاخر الثياب ليس حراما إذا جاء على رسله ولم يستبطن معنى آخر مبغوضا ومرفوضا ، مثل أن تكون هذه المظاهر هي مصدر الإعتزاز لدى من يلجأ لممارستها ، أو أنه يريد من خلالها أن يتيه على الآخرين ويؤذيهم بها ، ويسعى لكسب الإمتيازات التي لا يستحقها ..

بل ربما يريد أن يخدع بها الناس ، ويؤثر على نظرتهم حتى في أمور الدين والإعتقاد ، والنظرة والإيحاء لهم بأن غناه إنما هو لقدرات اختص بها دونهم ، وهذا ما حكاه الله تعالى عن قارون بقوله : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ) (١).

وكان قد قال لقومه : (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) (٢).

وربما يؤدي ذلك إلى إيهامهم بأن ما حصل عليه من مال إنما هو لخصوصية في دينه ، فتحت له أبواب الغنى التي حرم منها الآخرون ، لأن

__________________

(١) الآيتان ٧٩ و ٨٠ من سورة القصص.

(٢) الآية ٧٨ من سورة القصص.

٣٣٢

دينهم لم يقدر على تأمينها لهم ، بل ربما كان هو السبب فيما يعانونه من فقر وحاجة ..

وإذا كان هذا الذي يظهر للناس على هذه الحال من رجال الدين فذلك يوحي لهم بأن رسالة الدين هي الإعتزاز بالمال وهو جزء من أهدافه ..

فذلك كله أو بعضه يحتم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعترض على من يسير في هذا الإتجاه ، ولابد أن يكون اعتراضه أشد قسوة حين يكون من يفعل ذلك يقدم نفسه للناس على أنه من القيادات الدينية ، ولا يورد ولا يصدر إلا في الحدود التي يسمح له بها الشرع ، فيؤدي ذلك إلى تكريس هذا الأمر على أساس اعتقادي ديني ، ينسب فيه هذه الأمر إلى الله سبحانه ، وأنه هو الذي اختار ذلك لعباده ..

ما تقول في عيسى؟! :

قد زعمت الرواية : أن الوفد سأل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن عيسى فقال : «ما عندي فيه شيء الخ ..».

ونقول :

إن ذلك موضع ريب وشك :

أولا : لأنه كان قد أخبرهم بما يقوله في عيسى حين أخبرهم بأنه لا يقول بأن لله تعالى ولدا ، كما يقولونه في عيسى ..

ثانيا : إن الآيات في شأن عيسى كانت قد نزلت عليه قبل سنوات من ذلك التاريخ ، فلما ذا لم يبادر إلى قراءتها عليهم. مع أنها هي نفسها التي قرأها عليهم بعد أن استمهلهم؟!

٣٣٣

فقد قرأ ، أو ضمّن كلامه قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ) (١).

وقرأ عليهم آية سورة المائدة : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (٢).

وقوله تعالى في سورة آل عمران : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣).

فلما ذا يؤجل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الإجابة وعنده الآيات الكثيرة التي تتضمن الجواب الكافي والشافي على ذلك السؤال ، ثم إنه حين أجابهم لم يزد على استعادة تلك الآيات وقرائتها عليهم.

ثالثا : إنه حتى لو لم تكن تلك الآيات قد نزلت عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فإن العقل الإنساني يقضي بأن الله لا يمكن ان يكون له ولد ، وبأن خلق آدم أعظم من خلق عيسى .. ولا شك في أن هذا ما يقوله رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فلما ذا لا يذكره لهم ، ما دام أن السؤال موجه مباشرة ، حيث قالوا له : «ما تقول في عيسى بن مريم؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى ، يسرنا إن كنت نبيا أن نعلم قولك فيه».

يصالحهم على ألّا يأكلوا الربا :

هذا .. وقد أعطاهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذمته في أمور كثيرة كلها

__________________

(١) الآية ١٧١ من سورة النساء.

(٢) الآية ١٧ من سورة المائدة.

(٣) الآية ٥٩ من سورة آل عمران.

٣٣٤

لمصلحتهم ، فلا يغيّر أسقف عن أسقفيته ، ولا راهب عن رهبانيته ، وليس عليهم دنية ، ولا دم جاهلية ، ولا يحشرون ولا يعشرون ، ولا يطأ أرضهم جيش ، ولابد أن ينصفوا ، على أن لا يأكلوا الربا.

وهذا يبين مدى حساسية الإسلام من أكل الربا ، فرغم أنه يقرهم على دينهم ، ولا يرضى بالتدخل في شأنهم الديني ، ولو بمستوى تغيير راهب عن رهبانيته ، فإنه يعطيهم هذه الإمتيازات التي كان يستطيع أن يمنعهم بعضها ، من دون أن يخل ذلك بميزان الإنصاف والعدل.

ولكنه آثرهم بذلك كله في مقابل أن لا يأكلوا الربا ، رغم ان أكلهم الربا لا يوجب خللا مباشرا في حياة المسلمين ، وإنما هو يوجب خللا في مجتمعهم هم بالدرجة الأولى ، ولكنه أراد أن يحفظهم هم عن التعرض لسلبيات هذه الخطيئة التي تنال الضعفاء وترهقهم ، وتبدد جهدهم ، وتعطيه لمن لا يستحقه ..

بل إن سلبيات هذه العاهة لا تنحصر في الحالة المالية والمعيشية منها لكي يقال : إنها تصيب الفقراء دون سواهم ، بل تتعداها إلى أضرار روحية ونفسية خطيرة ، حتى على آكل الربا نفسه ، حيث يتحول إلى حيوان كاسر شرس لا يحمل في داخله أي شعور إيجابي تجاه أخيه الإنسان فضلا عن غيره من المخلوقات والكائنات .. بل هو يتحول إلى طاغوت جبار ، ومصاص دماء.

ثم إن من أبسط نتائج هذه العاهة هو أن يفقد الناس أي دافع لعمل المعروف ، فيشعر الفقير بقسوة صاحب المال عليه ، ويرى أنه يمعن في إذلاله واستغلاله ، وصاحب المال لا يجد لديه الحافز لمساعدة الفقير والتخفيف من آلامه ، وتكون النتيجة هي زوال المعروف كما قال الإمام الباقر «عليه

٣٣٥

السلام» : «إنما حرم الله عزوجل الربا لئلا يذهب المعروف» (١).

وقيل للصادق «عليه‌السلام» : «لم حرم الربا؟

قال : لئلا يتمانع الناس المعروف» (٢).

يضاف إلى ذلك : أن شيوع الربا يعطل المال عن اداء دوره في تداول السلع ، وتأثيره في إنعاش الإقتصاد ، ويمنع من نمو الأموال في أيدي الناس بصورة متوازنة ، حيث يؤدي إلى تراكم الأموال في مواقع بعينها ، وزيادة عجز الآخرين عن الحصول على أموال يمكنهم التحرك بها في المجالات المختلفة ، ثم هي تمنع من استحداث أي موقع سواها على مر الأيام ..

ولعل هذا هو ما يشير إليه ، ما روي عن هشام بن الحكم : «قال سألت أبا عبد الله «عليه‌السلام» عن علة تحريم الربا.

قال : إنه لو كان الربا حلالا لترك الناس التجارات ، وما يحتاجون إليه ، فحرم الله الربا لتفر الناس عن الحرام إلى التجارات ، وإلى البيع والشراء ،

__________________

(١) الوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٢ ص ٤٢٥ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٨ ص ١٢٠ القواعد الفقهية للبجنوردي ج ٥ ص ٩٠ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤٨٣ ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٥٦٦ والبحار ج ١٠٠ ص ١٢٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٨ ص ١٣٣ وميزان الحكمة ج ٢ ص ١٠٣٢.

(٢) البحار ج ٧٥ ص ٢٠١ وراجع : فقه الرضا لابن بابويه ص ٢٥٦ والبحار ج ١٠٠ ص ١٢١ والدر المنثور ج ١ ص ٣٦٥ وذيل تاريخ بغداد ج ٣ ص ٢١٤ وتهذيب الكمال ج ٥ ص ٨٨ وسير أعلام النبلاء ج ٦ ص ٢٦٢ ومطالب السؤول للشافعي ص ٤٣٩ وكشف الغمة للإربلي ج ٢ ص ٣٧٠ و ٣٩٩.

٣٣٦

فيتصل ذلك بينهم في القرض» (١).

وعن الإمام الرضا «عليه‌السلام» : «إنما نهى الله عزوجل عنه لما فيه من فساد الأموال ، لأن الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما ، وثمن الآخر باطلا ، فبيع الربا وشراؤه وكس على كل حال على المشتري ، وعلى البائع ، فحظر الله تبارك وتعالى على العباد الربا لعلة كساد الأموال» (٢).

وعلى كل حال ، فإن التعامل بالربا يفسد الأموال ، والأرواح والقلوب على حد سواء ، ويوجب سقوط المعايير ، وينحرف بالفطرة عن الصراط السوي ..

وذلك كله يوصد ابواب الهداية ، ويضعف فرص وصول الإنسان إلى الحق ، وتفاعله معه ، وقبوله به ، وخضوعه له ..

أما حين تستبعد هذه العاهة ، وتمنع من التأثير على واقع المجتمع الإنساني ، فإن صدود النجرانيين عن الحق لبعض الموانع ، أو لتأثرهم

__________________

(١) البحار ج ١٠٠ ص ١٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٢ ص ٤٢٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٨ ص ١٢٠ وشرح اللمعة للشهيد الثاني ج ٣ ص ٣٠٠ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤٨٢ ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٥٦٧.

(٢) البحار ج ١٠٠ ص ١١٩ وشرح اللمعة للشهيد الثاني ج ٣ ص ٣٠٠ وجواهر الكلام للجواهري ج ٢٣ ص ٣٣٣ وعلل الشرائع ج ٢ ص ٤٨٣ وعيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» للصدوق ج ١ ص ١٠٠ ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ٥٦٦ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٨ ص ١٢١ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٢ ص ٤٢٥ وتفسير نور الثقلين للحويزي ج ١ ص ٢٩١.

٣٣٧

بشبهة ، أو بظرف بعينه لا يوصد أمامهم أبواب الهداية إلى الأبد ، بل تبقى الفرصة أمامهم سانحة ما دامت الفطرة سليمة ، مؤيدة بصفاء النفوس ، وطهر الأرواح ، وسلامة وصحة المعايير ..

وبعد كل هذا الذي ذكرناه ، فإن المسلمين كانوا يعيشون بالقرب من مجتمع النصارى ، أو أنهم يخالطونهم ، فلابد من حفظهم وصيانتهم من عدوى أية عاهة قد تصيب تلك الجماعات.

ومن الطبيعي أن تكون حصانتهم من الناحية العقيدية والإيمانية قوية ، بسبب قوة البراهين التي تدعوهم للإيمان والثبات فيه ..

ولكن الحصانة في موضوع الأموال التي يسيل لها لعاب الطامعين والطامحين تبقى أضعف من غيرها. وهي في معرض الإهتزاز ، أو السقوط أمام حب الإنسان للمال ، قال تعالى : (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا) (١). فلابد من تجفيف منابع الإغراء من أصولها ، وجذورها ، فكان هذا الإجراء منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يتوافق مع القاعدة التي تقول : «درهم وقاية خير من قنطار علاج».

مؤنة الرسل وإعارتهم الخيل والدروع :

وقد لاحظنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يضمّن كتاب الصلح بندا يتعلق بمؤنة رسله ، وأن يعيرهم النجرانيون الدروع والخيل. وضمان رسله ما يستعيرونه من ذلك حتى يؤدوه إليهم .. إن اعتبار هذا الأمر بندا إلزاميا في

__________________

(١) الآية ٢٠ من سورة الفجر.

٣٣٨

كتابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأهل نجران يشير على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يريد أن يشعر النجرانيون بأن ما يقدمونه للرسل إنما يتم تحت وطأة الخوف من محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن هذا ابتزاز بعنوان ضيافة.

مع غض النظر عن ذلك فإن شعورهم بأنهم متفضلون على المسلمين قد يغريهم بالتشبث بمفردات الضلال والإنحراف التي يعيشونها ، وقد تعرض لهم حالة من التيه والتعالي تجعلهم يشعرون بعدم الحاجة إلى مراجعة حساباتهم لاكتشاف مواطن الضعف والقوة في مواقفهم.

كما أنه لا يريد لرسله أن يشعروا بمنة هؤلاء الناس عليهم ، وبالمديونية لهم ، ولا أن يعيشوا الحرج النفسي من جراء ذلك.

وكذلك الحال بالنسبة للعارية المضمونة ، سواء بالنسبة للمعير ، أو بالنسبة للمستعير. وقد جاء الحكم بضمان تلك العارية لأصحابها لمنع تكوين أي تصور أو شعور غير مرغوب فيه لدى الفريقين حسبما أوضحناه.

فتلخص أن جعل ذلك حقا مفروضا على هؤلاء ، ومطلوبا لأولئك ، يحسم الأمر في ذلك كله لصالح أهل الإيمان ، ولصالح أهل نجران ، لأن منع حدوث أي نوع من أنواع سوء الفهم ، أو نشوء تخيلات ومشاعر سلبية تعيق عن معالجة قضايا حساسة وأساسية ، بصدق وصفاء ، وتعقل وأناة وروية.

أبو عبيدة أمين هذه الأمة :

وقد رووا عن ابن مسعود : أن السيد العاقب ، وأبا الحارث بن علقمة أتيا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكي يلاعناه ، فقال أحدهما لصاحبه : لا تلاعنه ، فو الله لئن كان نبيا فلا عنته لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا.

٣٣٩

فقالا : يا أبا القاسم ، قد رأينا أن لا نلاعنك ، وأن نتركك على دينك ، ونرجع على ديننا ، ولكن ابعث معنا رجلا أمينا ، ولا تبعث معنا إلا أمينا.

فقال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لأبعثن معكم رجلا أمينا حق أمين».

فاستشرف لها أصحابه.

فقال : «قم يا أبا عبيدة بن الجراح».

فلما قام قال : «هذا أمين هذه الأمة» (١).

وعن ابن عمر : سمعت عمر يقول : ما احببت الإمارة إلا مرة واحدة ، فذكر هذه القصة. وقال في آخرها : فتعرضت أن تصيبني ، فقال : قم يا أبا عبيدة الخ .. (٢).

ونقول :

أولا : إنه لا ريب في أن الأمانة لدى المسلمين لا تنحصر بأبي عبيدة ، فإن

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٢١ عن البيهقي بأسناد صحيح ، وعن البخاري من حديث حذيفة ، وأشار في هامشه إلى البخاري في كتاب أخبار الآحاد (٧٢٥٤) وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٩٠ ومسند احمد ج ١ ص ٤١٤ وصحيح البخاري ج ٥ ص ١٢٠ وفضائل الصحابة للنسائي ص ٢٩ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٢٦٧ وعمدة القاري ج ١٨ ص ٢٧ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٥٧ وتفسير ابن كثير ج ١ ص ٣٧٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٥ ص ٤٥٣ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٥٨٤ وراجع : المصنف ج ٧ ص ٥٣١ وج ٨ ص ٥٦٥ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٤٦٢ وكنز العمال ج ١٣ ص ٢١٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٥ ص ٤٥١.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٩٠ عن أبي يعلى وفتح الباري ج ٧ ص ٧٤.

٣٤٠