الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

وآله» ، فقال له رجل منهم : هل تعرف قس بن ساعدة؟

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ليس هو منكم ، هذا رجل من إياد ، تحنّف في الجاهلية ، فوافى عكاظا والناس مجتمعون ، فكلمهم بكلامه الذي حفظ عنه».

وكان في الوفد بشير بن الخصاصية ، وعبد الله بن مرثد ، وحسان بن حوط ، وقال رجل من ولد حسان :

أنا ابن حسان بن حوط وأبي

رسول بكر كلها إلى النبي

وقدم معهم عبد الله بن أسود بن شهاب بن عوف بن عمرو بن الحارث بن سدوس ، وكان ينزل اليمامة ، فباع ما كان له من مال باليمامة ، وهاجر وقدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بجراب من تمر ، فدعا له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالبركة (١).

وفود الصدف :

عن جماعة من الصدف قالوا : قدم وفدنا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهم بضعة عشر رجلا ، على قلائص ، لهم أزر وأردية ، فصادفوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فيما بين بيته وبين المنبر ، فجلسوا ولم يسلموا.

فقال : «أمسلمون أنتم»؟

قالوا : نعم.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٨١ وتهذيب تاريخ دمشق ج ١٠ ص ١٦٦ وعن الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٢ ص ٧٩. وفي (ط دار صادر) ج ١ ص ٣١٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٠ ص ٣٠٦.

٢٦١

قال : «فهلا سلمتم»؟

فقاموا قياما ، فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

فقال : «وعليكم السلام ، اجلسوا».

فجلسوا ، وسألوا رسول الله «عليه‌السلام» عن أوقات الصلاة ، فأخبرهم بها (١).

ونقول :

قد يقال : إننا لا نرى مبررا لعدم مبادرة هذا الوفد إلى السلام على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلا عدم معرفتهم بتحية الإسلام ، وخوفهم من أن تكون تحية الجاهلية مرفوضة ، فآثروا السكوت.

ولكن هذا التبرير لا يكفي لتفسير فعلهم هذا ، فإنهم حين عاتبهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يعتذروا له بجهلهم بتحية الإسلام ، ولا سألوا غيره عن كيفية تحية أهل الإسلام ..

إلا أن يدّعى : أنهم توهموا أن تكون تحية الإسلام بالسلام قد استبدلت بسواها .. أو أنهم ظنوا : أنهم سيتعرضون لسوء ، أو أن ذلك كان سوء أدب ، وجهلا منهم .. وكلها احتمالات ليس لها ما يؤيدها.

غير أن مما لا شك فيه : أنه لم تكن لديهم أية نوايا سيئة ، كما أظهره تصرفهم بعد مطالبة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهم بذلك.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٣ و ٣٥٢ عن ابن سعد ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٤٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١١٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٨١.

٢٦٢

وفود بني سحيم :

عن أبي عبيدة : أن الأسود بن سلمة قدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في وفد بني سحيم ، فأسلم ، فردهم إلى قومهم وأمرهم أن يدعوهم إلى الإسلام ، وأعطاهم أداوة ماء قد تفل فيها ، أو مج ، وقال : «فلينضحوا بهذه الأداوة مسجدهم ، وليرفعوا رؤوسهم» إذا رفعها الله تعالى ، فما تبع مسيلمة منهم رجل ، ولا خرج منهم خارجي قط (١).

ونقول :

إن الدعوة حين تأتي من خارج القبيلة تبقى هناك حالة من التراخي في مناصرتها ، ولا تحظى بالحرص والإندفاع الذي تحظى به لو كانت نابعة من الداخل ، ومن خلال الإحساس بضرورة تلك الدعوة ، وبالحاجة لها ..

كما أن ذلك يوفر لدى القبيلة مستوى من الإطمئنان ، والإحساس بالأمن والسكينة معها ، حيث لا يتوجس أحد من أهل القبيلة أي نوع من الخوف من تسريب ثمراتها ومنافعها ، أو تسريب جزء منها إلى خارج القبيلة.

وكل ذلك يوضح لنا السبب في إرسال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أبناء القبائل لدعوة قومهم وقبائلهم ..

وفود بني سدوس :

عن عبد الله بن الأسود قال : كنا عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٢ عن الرشاطي. والإصابة ج ١ ص ٢٥٧.

٢٦٣

وفد بني سدوس ، فأهدينا له تمرا ، فنثرناه إليه على نطع ، فأخذ حفنة من التمر ، فقال : «أي تمر هذا»؟

فجعلنا نسمي حتى ذكرنا تمرا ، فقلنا : هذا الجذامي ، فقال : «بارك الله في الجذامي ، وفي حديقة يخرج هذا منها ، أو جنة خرج هذا منها» (١).

ونقول :

لا شك في أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان عارفا بالتمر الذي كان يسألهم عنه ، وقد ذكر لوفد آخر جميع أنواع التمر حتى أدركوا أنه أعرف بأنواع التمر ممن عاش في بلاد هجر ، ولكن سؤاله هذا يؤكد لهم بشريته ، ويدفع عنهم الأوهام التي ربما تكون قد علقت في أوهامهم ، من خلال ما سمعوه من شياطين أهل الشرك ، والكفر : من أن الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لابد أن يكون ملكا ، أو ما إلى ذلك ..

ثم هو يزيل حزازة ربما تكون قد نشأت عن تداعي المعاني ، بصورة قهرية ، حيث يستذكر الإنسان مرض الجذام الذي تنفر منه النفوس ، وتقشعر له الأبدان ، فإذا عرّفهم بقيمة هذا التمر ، وبأن الحديقة التي يخرج منها ، أو الجنة التي خرج منها مباركة ، فإن الرغبة به ستتضاعف ، والرضا به سوف يتنامى ويتأكد.

على أن من الواضح : أن نفس هذا الثناء على هذا النوع من التمر يشير إلى

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٣ عن البزار ، وقال في هامشه : ذكره الهيثمي في المجمع ج ٥ ص ٤٣ وعزاه للبزار ، والطبراني بنحوه ، وقال : وفيه جماعة لم يعرفهم العلائي ولم أعرفهم. وكنز العمال ج ١٢ ص ٣٤٢ وج ١٤ ص ١٨٩.

٢٦٤

معرفته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» به ، وإلى أن سؤاله عنه كان يهدف إلى استحضار المعنى ، وتأكيد تصورهم له ، والتفاتهم إلى ما يريد أن يقول لهم عنه ..

وكيف لا يعرف «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنواع التمر ، وهو يعيش في بلاد التمر ، وهو من طعامه المفضل ، ويتعامل مع الناس به ..

وفد الجشمي ، أو الجيشاني :

عن عمرو بن شعيب قال : قدم أبو وهب الجيشاني على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في نفر من قومه ، فسألوه عن أشربة تكون باليمن.

قال : فسموا له البتع من العسل ، والمزر من الشعير.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هل تسكرون منها»؟

قالوا : إن أكثرنا سكرنا.

قال : «فحرام قليل ما أسكر كثيره».

وسألوه عن الرجل يتخذ الشراب ، فيسقيه عماله.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «كل مسكر حرام» (١).

والبتع : شراب يتخذ من العسل.

والمزر : نبيذ الشعير والحنطة ، والحبوب.

ويلاحظ هنا ما يلي :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣١٨ وفي هامشه عن : الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٢ ص ١٢١ و (ط دار صادر) ج ١ ص ٣٥٩ وراجع : الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٢١٦ عن سنيد ، عن الأوزاعي.

٢٦٥

الجيشاني أم الجشمي؟! :

إن أبا عمر ابن عبد البر قال عن أبي وهب الجيشاني : «لا أدري اهو الجشمي أم لا. وقال فيه : الجيشاني كما ترى. والصواب عندهم الجشمي ..

إلى أن قال : وأما أبو وهب الجيشاني فرجل من التابعين ، من أهل مصر الخ ..» (١).

سؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن البتع :

إنه لا شك في : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يعرف معاني الألفاظ التي كان يخاطب بها. في الوقت الذي كان يكلم كل أهل لسان بلسانهم ، بل كان يعرف لغة الطير وسائر المخلوقات ، ولكن إذا كان لبعض المفردات معان مختلفة ، أو مصاديق متفاوتة ، فلا بد من استنطاق من يخاطبه عن المعنى الذي يقصده منها ليتم تحديده بدقة ، خاصة إذا اختلفت أحكام تلك المعاني باختلافها ، لكي لا تساء الإستفادة من إطلاق الجواب ، وتسجيل الحكم على موضوع غائم ، أو مطاط ، ينتهي بالناس إلى الخطأ في فهم مرادات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبالتالي الخروج على الثوابت الشرعية ، أو الإيمانية ، أو غيرها مما يتعرض له النص.

ومن المعلوم : أن المياه في كثير من المناطق العربية كانت وشلة غير صالحة للشرب ، فكانوا يحاولون تحليتها وتغيير طعمها بتمر أو عسل ، أو

__________________

(١) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٢١٦ والإستيعاب (ط دار الجيل) ج ٤ ص ١٧٧٥ وأسد الغابة ج ٥ ص ٣٢٢.

٢٦٦

غير ذلك. فمنها ما كان يتخمر حتى يصبح مسكرا ، ومنها ما كانوا يشربونه بمجرد وضعها فيه وهذا معناه : أن بعض الأنبذة حرام. وهو خصوص ما يتخمر ، ويصنّع ، ليصبح مسكرا .. وبعضها حلال وهو ما كان يحلى بالعسل أو غيره ويشرب مباشرة ، من دون أن يعرّضوه للتصنيع والتخمير.

ولذلك كان لابد من تحديد معنى البتع ، حتى لا يظن ظان : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أحل لهم ما يكون منه مسكرا.

وفود بهراء :

عن كريمة بنت المقداد قالت : سمعت أمي ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب تقول : قدم وفد بهراء من اليمن على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكانوا ثلاثة عشر رجلا. فأقبلوا يقودون رواحلهم ، حتى انتهوا إلى باب المقداد بن عمرو ، ونحن في منازلنا ببني حديلة (بطن من الأنصار).

فخرج إليهم المقداد ، فرحب ، وأنزلهم ، وقدم لهم جفنة من حيس (١).

قالت ضباعة : كنّا قد هيأناها قبل أن يحلّوا لنجلس عليها ، فحملها المقداد وكان كريما على الطعام. فأكلوا منها حتى نهلوا ، وردت إلينا القصعة وفيها شيء ، فجمع في قصعة صغيرة ، ثم بعثنا بها مع سدرة مولاتي إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فوجدته في بيت أم سلمة.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ضباعة أرسلت بهذا»؟

قالت سدرة : نعم يا رسول الله.

__________________

(١) الحيس : تمر يعجن بسمن وأقط.

٢٦٧

قال : «ضعي».

ثم قال : «ما فعل ضيف أبي معبد»؟

قلت : عندنا. فأصاب منها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو ومن معه في البيت حتى نهلوا ، وأكلت معهم سدرة.

ثم قال : «اذهبي بما بقي إلى ضيفكم».

قالت سدرة : فرجعت بالقصعة إلى مولاتي. قالت : فأكل منها الضيف ما أقاموا. فرددها عليهم وما تغيض ، حتى جعل الضيف يقولون : يا أبا معبد ، إنك لتنهلنا من أحب الطعام إلينا ، وما كنا نقدر على مثل هذا إلا في الحين.

وقد ذكر لنا : أن بلادكم قليلة الطعام ، إنما هو العلق أو نحوه ، ونحن عندكم في الشبع.

فأخبرهم أبو معبد بخبر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنه أكل منها وردها ، وهذه بركة أصابعه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فجعل القوم يقولون : نشهد أنه رسول الله ، وازدادوا يقينا ، وذلك الذي أراد «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فأتوه ، فأسلموا ، وتعلموا الفرائض ، وأقاموا أياما. ثم جاؤوا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يودعونه ، فأمر لهم بجوائز ، وانصرفوا إلى أهليهم (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٨٤ عن الواقدي ، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ٢١٣ و ٢١٤. وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٣٠٨.

٢٦٨

ونقول :

١ ـ إن ما فعله المقداد لم يكن مجرد كرم وسخاء ، بل هو إيثار تعلمه من مدرسة الإيمان والقرآن ، فجزاه الله خيرا ، ورضي‌الله‌عنه وأرضاه.

٢ ـ قد أشارت الرواية إلى : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يظهر لهؤلاء الوافدين الكرامة الإلهية ، لكي يلمسوها بأنفسهم ، ليسهل عليهم أمر الإيمان بالغيب ، وبالرعاية الإلهية ، فإن الكثيرين من أهل بلاد العرب ومن غيرها في مختلف الدهور ، وعلى مر العصور ليسوا قادرين على محاكمة الأمور بطريقة عقلية وعلمية صحيحة ، بسبب محدودية معارفهم التي تستفيد منها عقولهم في الوصول إلى النتائج الصحيحة والواضحة ، فلا يكفي أن يقرأ عليهم القرآن ليدركوا إعجازه ، ويؤمنوا بالله وبرسوله ، بل هم يحتاجون إلى ما هو أيسر من ذلك ، وأقرب إلى الحس.

ومن الواضح : أن أقرب الأشياء على تفكيرهم ، وأشدها لصوقا بأحاسيسهم ، هي تلك التي يشعرون بها من خلال حاجة الجسد ، ودعوته لهم لتلبيتها بما يثيره فيهم من الشعور بالخطر على الحياة ، أو التماس اللذة ، أو سد الحاجة وليس ذلك إلا ما يتصل بالطعام والشراب ، الذي به قوام الجسد ، وحفظ الوجود.

فإذا جاءت المعجزة لتلبي لهم هذه الحاجة بالذات ، فإن التفاعل معها ، وإدراك قيمتها لابد أن يعطي الإيمان الناشئ عنها عمقا ورسوخا في الروح ، وتجذرا في الوجدان قد يتجاوز في مداه وفي قدرته ما تعطيه المعادلات الفكرية ، والبراهين العقلية.

وهذا يؤكد لنا قيمة ما ورد في النص المذكور ، «فجعل القوم يقولون :

٢٦٩

نشهد أنه رسول الله ، وازدادوا يقينا ، وذلك الذي أراد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأتوه وأسلموا ، وتعلموا الفرائض الخ ..».

وفود بارق :

قال ابن سعد : قدم وفد بارق على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فدعاهم إلى الإسلام ، فأسلموا ، وبايعوا ، وكتب لهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هذا كتاب من محمد رسول الله لبارق. لا تجذ ثمارهم ، ولا ترعى بلادهم في مربع ولا مصيف إلّا بمسألة من بارق ، ومن مر بهم من المسلمين في عرك أو جدب فله ضيافة ثلاثة أيام ، وإذا أينعت ثمارهم فلابن السبيل اللقاط ، بوسع بطنه من غير أن يقتثم» شهد أبو عبيدة بن الجراح ، وحذيفة بن اليمان ، وكتب أبي بن كعب (١).

ونقول :

بنو بارق بطن من خزاعة. وقال السمعاني : نسبوا إلى بارق ، جبل ينزله الأزد ـ فيما أظنه ـ ببلاد اليمن.

وجذ الثمار : قطعها. أي ليس لأحد قطع ثمارهم ، ورعي بلادهم ، لا في المربع. أي في مكان نزولهم في الربيع ، ولا في المصيف. أي مكان نزولهم في الصيف.

والعرك : الخصب.

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٧ والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٣٥ و ٨١ وفي (ط دار صادر) ج ١ ص ٢٨٦ ورسالات نبوية ص ١١٦ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٤١.

٢٧٠

اشتراط ضيافة المسلمين :

كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يشترط ضيافة جيوش المسلمين في الكتب التي كان يكتبها لوفود قبائل العرب. وقد يكون سبب ذلك أمورا مجتمعة أو متفرقة .. مثل :

١ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يخفف عن تلك الجيوش التي تجوب البلاد طولا وعرضا ، فلا تكلف بحمل زادها ، الذي يحتاج إلى المزيد من الإبل ، وإلى جهد ، وتعب ، وإلى تفرغ فريق يتولى هذه المهمة .. وإلى ..

وإلى ..

٢ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يريد من تلك القبائل أن تشارك في الجهد والجهاد ، وتضحي من أجل هذا الدين ، وتترسخ محبتها للمجاهدين ، الذين يحملون دماءهم على أكفهم ، ويبذلون مهجهم من أجل ان يعيش الناس كلهم بما فيهم تلك القبائل بأمن وسلام.

كما أن جهاد هؤلاء المجاهدين لابد أن يثمر لأهل الإيمان كلهم عزة وكرامة ، وشوكة ، ورفعة شأن ..

٣ ـ إن هذه التضحيات منهم في سبيل إخوانهم من شأنها أن ترسخ علاقة الأخوة في المجتمع الإسلامي ، وتزيل من القلوب أنواعا من المشاحنات ، والأحقاد ، وربما حالات الحسد ، وما إلى ذلك .. ولابد من أن يحقق ذلك انسجاما أعمق ، وعلاقات أوثق. تساعد على نقل المعارف والثقافات ، والتجارب من قبيلة إلى قبيلة ، ومن فريق إلى فريق.

٢٧١

وفود عمرو بن معدي كرب الزبيدي

قالوا : قدم عمرو بن معدي كرب في أناس من بني زبيد على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأسلم ، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي ـ وهو ابن أخته ـ : يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا : أن رجلا من قريش يقال له : محمد ، قد خرج بالحجاز يقول : إنه نبي ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فإن كان نبيا كما يقول فإنه لن يخفى عنك ، إذا لقيناه اتبعناه ، وإن كان غير ذلك علمنا علمه.

فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه ، فركب عمرو بن معدي كرب حتى قدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأسلم وصدقه وآمن به. فلما بلغ ذلك قيسا أوعد عمروا (وتحطم عليه وقال : خالفني وترك رأيي).

فقال عمرو في ذلك شعرا أوله :

أمرتك يوم ذي صنعا

ء أمرا باديا رشده

قال ابن إسحاق : فأقام عمرو بن معدي كرب في قومه من بني زبيد وعليهم فروة بن مسيك ، فلما توفي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ارتد عمرو.

قال ابن سعد : ثم رجع إلى الإسلام ، وأبلى يوم القادسية وغيرها (١).

ونقول :

إن هذه الحكاية موضع شك :

أولا : قال الخطيب عن عمرو : قيل : لم يلق رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٨٦ والإصابة ج ٣ ص ١٨ والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج ١ ص ٣٢٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٦ ص ٣٧٢.

٢٧٢

وآله» ، وإنما قدم المدينة بعد وفاته (١).

ثانيا : أننا قد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد وجه عليا «عليه‌السلام» ، وخالد بن سعيد إلى اليمن ، فأسرا جماعة من بني زبيد قوم عمرو بن معد يكرب ، فقال عمرو : دعوني آتي هؤلاء القوم ، فإني لم اسمّ لأحد قط إلا هابني ، فلما دنا منهما وعرفهما بنفسه ، ابتدراه كل منهما يقول : خلني وإياه.

فقال عمرو : العرب تفزّع بي ، وأراني لهؤلاء جزرا ، فانصرف (٢).

وفي نص آخر : أن خالد بن سعيد سبى قوم عمرو ، ثم كلمه عمرو فيهم ، فوهبهم له ، فوهبه عمرو سيفه ، ومدحه في شعره (٣).

فإن كان عمرو بن معدي كرب قد وفد مع بعض بني زبيد على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأسلم على يديه ، فإنما كان ذلك بعد قصته مع أمير المؤمنين ، ومع خالد بن سعيد بن العاص .. ولا يصح قوله لقيس بن مكشوح : قد ذكر لنا : أن رجلا من قريش يقال له : محمد ، قد خرج بالحجاز الخ ..

بل قد يكون ثمة رغبة في إعطاء عمرو بن معدي يكرب وسام الصحبة مكافأة له على مشاركته في الحروب في عهد عمر بن الخطاب ، ومنها حرب القادسية.

__________________

(١) الإصابة ج ٣ ص ١٨ عن المتفق والمفترق للخطيب وج ٤ ص ٥٦٩.

(٢) ذكرنا مصادر ذلك في موضعه من السرايا ، وراجع : الإصابة ج ٣ ص ١٨ عن مناقب الشافعي لابن شاكر.

(٣) تقدمت مصادر ذلك ، وراجع : الإصابة ج ٣ ص ١٨ عن ابن أبي شيبة

٢٧٣

وفود طارق بن عبد الله :

عن طارق بن عبد الله قال : «إني لقائم» بسوق ذي المجاز إذ أقبل رجل عليه جبة له ، وهو يقول : أيها الناس ، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، ورجل يتبعه ، يرميه بالحجارة يقول : أيها الناس ، إنه كذاب ، فلا تصدقوه.

فقلت : من هذا؟

فقالوا : هذا غلام من بني هاشم يزعم أنه رسول الله.

قال : فقلت : من ذا الذي يفعل به هذا؟

قالوا : عمه عبد العزى.

قال : فلما أسلم الناس وهاجروا خرجنا من الربذة نريد المدينة ، نمتار من تمرها. فلما دنونا من حيطانها ونخلها قلنا : لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه ، فإذا رجل في طمرين له ، فسلم وقال : من أين أقبل القوم؟

قلنا : من الربذة.

قال : وأين تريدون؟

قلنا : نريد المدينة.

قال : ما حاجتكم فيها؟

قلنا : نمتار من تمرها.

قال : ومعنا ظعينة لنا ، ومعنا جمل أحمر مخطوم ، فقال : أتبيعوني جملكم هذا؟

قالوا : نعم ، بكذا وكذا صاعا من تمر.

قال : فما استوفينا مما قلنا شيئا حتى أخذ بخطام الجمل وانطلق به ، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها ، قلنا : ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن نعرف ، ولا أخذنا له ثمنا.

٢٧٤

فقالت المرأة التي معنا : لا تلاوموا ، فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر بكم ، والله لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر ، أنا ضامنة لثمن جملكم.

إذ أقبل رجل فقال : أنا رسول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليكم ، هذا تمركم ، فكلوا واشبعوا ، واكتالوا واستوفوا.

فأكلنا حتى شبعنا ، واكتلنا واستوفينا ، ثم دخلنا المدينة ، فلما دخلنا المسجد فإذا هو قائم على المنبر يخطب الناس ، فأدركنا من خطبته وهو يقول : «تصدقوا ، فإن الصدقة خير لكم ، اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول : أمك وأباك ، وأختك وأخاك ، وأدناك أدناك».

فأقبل رجل في نفر من بني يربوع ، أو قام رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ، إن لنا في هؤلاء دما في الجاهلية.

فقال : «لا تجني أم على ولد» ثلاث مرات (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٥٧ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٩٩ ـ ٢٠٢ عن البيهقي ، والحاكم وذكره الهيثمي في المجمع ج ٦ ص ٢٥ وعزاه للطبراني وقال فيه : أبو حباب الكلبي وهو مدلّس وقد وثقه ابن حبان ، وبقية رجاله رجال الصحيح. وتغليق التعليق لابن حجر ج ٣ ص ٢٣٨ وراجع : كنز العمال ج ٦ ص ٣٨١ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ١٦٩ وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٨٩٠ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ٦١٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٢١ والسنن الكبرى للنسائي ج ٤ ص ٢٤٣ والمفاريد عن رسول الله (ص) لأبي يعلى الموصلي ص ١٠٩ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ٥١٩ وإمتاع الأسماع ج ٨ ص ٣١٥ وسيرة ابن إسحاق ج ٤ ص ٢١٦.

٢٧٥

ونقول :

إننا نشك في هذه المزاعم ، وذلك لما يلي :

أولا : إن النبي الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن ليخرج وحده إلى خارج المدينة ، يتجاوز حيطانها (أي بساتينها) ونخلها دونما سبب يدعوه إلى إيثار هذه الوحدة ..

ثانيا : إنه لا يأخذ منهم الجمل بطريقة غير مألوفة ، وكأنه يقتنصه منهم اقتناصا ، بخطامه ، وانطلق به دون أن يدفع لهم من ثمنه شيئا ، بل دون أن يفاوضهم على زمان الدفع ومكانه ..

فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يقدم على مخالفة حكم الشريعة ، حتى لو على سبيل الإحتمال ، إذ لعلهم لا يرضون بأخذ الجمل منهم دون أن يدفع ثمنه ، لا سيما وأنهم لا يعرفون شيئا عن المشتري.

ثالثا : ما معنى أن تدرك المرأة صفات وميزات ذلك المشتري ، وتلاحظ : أن وجهه كأنه شقة قمر ، وأن وجهه وجه من لا يغدر بالناس. ولا يدرك الآخرون من الرجال الحاضرين ذلك؟!

رابعا : إذا كان طارق قد رأى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذي المجاز ، فلابد أن يعرفه حين التقى به خارج المدينة ، حتى لو فصل بين رؤيته الأولى ، والثانية حوالي عشر سنوات ، فإن الملامح لا تتغير في هذا السن بصورة كبيرة ، ولعل التعبير عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنه غلام قد يكون هدفه التغرير بالناس وإيهامهم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان صغير السن وقد تغيرت ملامحه ، فلم يعرفه طارق لأجل ذلك ..

وقد فاته : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أصبح رسولا وهو في سن

٢٧٦

الأربعين ، وأن كلمة غلام تطلق على الشاب وعلى الشيخ ، فراجع.

وفود عنزة :

عن سلمة بن سعد : أنه وفد على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو وجماعة من أهل بيته وولده ، فاستأذنوا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فدخلوا ، فقال : «من هؤلاء»؟

فقيل له : هذا وفد عنزة.

فقال : «بخ بخ بخ بخ» ـ أربعا ـ «نعم الحي عنزة ، مبغي عليهم منصورون ، مرحبا بقوم شعيب ، وأختان موسى ، سل يا سلمة عن حاجتك».

قال : جئت أسألك عما افترضت علي في الإبل والغنم.

فأخبره ، ثم جلس عنده قريبا ، ثم استأذنه في الإنصراف. فما عدا أن قام لينصرف ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم ارزق عنزة كفافا ، لا فوت ولا إسراف» (١).

ونقول :

١ ـ إننا لا نستطيع أن نؤكد أو أن ننفي وصدور هذه الكلمات عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقد قلنا : إن ما يرتبط بمدح القبائل والبلدان يبقى في موقع التهمة ، حتى تظهر الدلائل التي تؤكده أو تنفيه ..

ثم إن الناس بشر يخطئون ويصيبون ، ويطيعون ويعصون ويقعون تحت

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٨٨ عن مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٥٤ عن الطبراني ، والبزار ، والإصابة ج ٢ ص ٦٥ عن الطبراني ، وابن قانع. والمعجم الكبير للطبراني ج ٧ ص ٥٥ وكنز العمال ج ١٢ ص ٦٥.

٢٧٧

تأثير الأهواء ووساوس الشيطان ..

٢ ـ لم يظهر لي وجه تخصيص عنزة بهذا الترحيب والثناء ، ولم أعرف من الباغي على عنزة ، الذي ينصرون عليه ، ومتى كان ذلك .. ولماذا كانوا قوم شعيب ، وأختان موسى «عليه‌السلام» ..

٣ ـ إن القادمين على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هم : سلمة وأهل بيته وولده ، وهم أهل بيت واحد ، فأين كان سائر رجال قبيلة عنزة ، فلما ذا لم يفد منهم أحد؟!

وفود بني سعد هذيم :

روى محمد بن عمر الأسلمي ، عن ابن النعمان ، عن أبيه قال : قدمت على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وافدا في نفر من قومي ، وقد أوطأ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» البلاد غلبة ، وأذاخ (١) العرب.

والناس صنفان : إما داخل في الإسلام راغب فيه ، وإما خائف من السيف ، فنزلنا ناحية من المدينة ثم خرجنا نؤم المسجد حتى انتهينا إلى بابه ، فنجد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يصلي على جنازة في المسجد ، فقمنا خلفه ناحية ولم ندخل مع الناس في صلاتهم ، وقلنا : حتى نلقى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ونبايعه.

ثم انصرف «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فنظر إلينا فدعا بنا فقال : «ممن أنتم»؟

قلنا : من بني سعد هذيم.

__________________

(١) لعل الصحيح : أذاح العرب. أي فرقهم وبددهم.

٢٧٨

فقال : «أمسلمون أنتم»؟

قلنا : نعم.

قال : «فهلا صليتم على أخيكم»؟

قلنا : يا رسول الله ، ظننا أن ذلك لا يجوز لنا حتى نبايعك.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أينما أسلمتم ، فأنتم مسلمون».

قال : فأسلمنا وبايعنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأيدينا على الإسلام ، ثم انصرفنا إلى رحالنا وقد كنا خلّفنا عليها أصغرنا.

فبعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في طلبنا ، فأتي بنا إليه ، فتقدم صاحبنا فبايعه على الإسلام ، فقلنا : يا رسول الله ، إنه أصغرنا وإنه خادمنا.

فقال : «أصغر القوم خادمهم ، بارك الله عليه».

قال : فكان والله خيرنا ، وأقرأنا للقرآن ، لدعاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له ، ثم أمّره رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» علينا ، فكان يؤمنا.

ولما أردنا الإنصراف أمر بلالا فأجازنا بأواقي من فضة لكل رجل منا ، فرجعنا إلى قومنا ، فرزقهم الله عزوجل الإسلام (١).

أول جنازة صلى عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قال في النور : يحتمل أن صاحب الجنازة سهيل بن بيضاء ، فإن قدوم هذا الوفد كان في سنة تسع ، وسهيل توفي فيها في مقدمه من تبوك ، ولا

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٣ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٠٤ ـ ٢٠٦ وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٣٠٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٦٧.

٢٧٩

أعلمه صلى في جنازة في المسجد إلا عليه.

ووقع في صحيح مسلم : أنه صلى على سهيل وأخيه في المسجد.

ففيه : أنه إن كان المراد به سهلا فلا يصح ، لأنه مات بعد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما قاله محمد بن عمر [الواقدي].

وكونه صفوانا فيه نظر أيضا ، لأنه استشهد ببدر.

والصواب : حديث عبادة في مسلم الذي فيه إفراد سهيل لا الحديث الذي بعده.

هذا في المسجد النبوي. وقد صلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مسجد بني معاوية على أبي الربيع عبيد الله بن عبد الله بن ثابت بن قيس ، وكان قد شهد أحدا (١).

غير أننا نقول :

إن الذين يعيشون في المدينة من المسلمين كانوا كثيرين ويعدون بالمئات ، بل قيل : يعدون بالألوف ، فهل كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقصد بيوت من يموت منهم ليصلي على جنائزهم فيها؟ أم أنه كان يصلي عليها بالبقيع ، أو في ساحات أخرى من المدينة؟! أم كانوا يأتون بجنائزهم إليه ، ليصلي عليها في المسجد؟! أم أنه لم يمت أحد في المدينة طيلة تلك السنوات منذ الهجرة؟! أم أن الناس كانوا يصلون على جنائزهم بأنفسهم من دون الرجوع إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لذلك؟!

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٤ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٠٥ وحواشي الشرواني ج ٣ ص ١٩٠.

٢٨٠