الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

وذنب عمرو بن الحمق الذي استحق به هذا التجاهل أمران :

أحدهما : أنه كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» وليا.

والآخر : أنه كان معاديا للنهج الأموي المعادي للإسلام وأهله ، ويوضح ذلك : أنه كان لعلي «عليه‌السلام» كما كان سلمان لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١) ، وكان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، وكان من حوارييه وأصفيائه (٢).

وقد قال لأمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، في كلام له : «أولى الناس بالناس ، وزوج فاطمة سيدة نساء العالمين ، وأبو الذرية التي هي بقية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأعظم سهما في الإسلام من المهاجرين والأنصار.

والله ، لو كلفتني نقل الجبال الرواسي ، ونزح البحور الطوامي أبدا حتى يأتي عليّ يومي ، وفي يدي سيفي أهز عدوك ، وأقوي به وليك ، ويعلو (ويعلي) الله به كعبك ، ويفلج به حجتك ، ما ظننت أني أديت من حقك كل الذي يجب لك علي».

فقال «عليه‌السلام» : «اللهم نور قلبه ، واهده إلى الصراط المستقيم ، ليت أن في شيعتي مائة مثلك» (٣).

__________________

(١) البحار ج ٣٤ ص ٢٧٤ والإختصاص ص ٧ و ١٤ وقاموس الرجال ج ٨ ص ٨٢ وشجرة طوبى ج ١ ص ٨١ ومعجم رجال الحديث ج ١٤ ص ٩٩ والإختصاص للمفيد ص ٧.

(٢) رجال الكشي ص ٩ و ٣٨.

(٣) قاموس الرجال ج ٨ ص ٨٢ و ٨٣ عن صفين للمنقري ص ١٠٣ والبحار ج ٣٤ ص ٢٧٦.

٢٢١

وجاء في رسالة أرسلها الإمام الحسين «عليه‌السلام» إلى معاوية قوله : «أولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! العبد الصالح الذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه ، واصفر لونه ، بعدما آمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربك ، واستخفافا بذلك العهد» (١).

وكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام (٢).

وكان معاوية قد حبس زوجة عمرو بن الحمق زمانا ، فلما جيء برأس زوجها أرسله إليها فألقي في حجرها ، فارتاعت (٣).

__________________

(١) قاموس الرجال ج ٨ ص ٨٧ عن رجال الكشي ص ٤٧ ـ ٥٢ وعن الإمامة والسياسة ج ١ ص ١٨٠ والإحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٢٠ والبحار ج ٤٤ ص ٢١٣ وإختيار معرفة الرجال للطوسي ج ١ ص ٢٥٣ والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص ٥٣٣ وصلح الحسن «عليه‌السلام» للسيد شرف الدين ص ٣٤٥.

(٢) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٣ ص ٥٢٤ وأسد الغابة ج ٤ ص ١٠١ وشرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج ٢ ص ٣٢ والبحار الأنوار ج ٣٤ ص ٣٠١ وج ٤١ ص ٣٤٢ والغدير ج ١١ ص ٤١ وكتاب الأوائل للطبراني ص ١٠٧ والإستيعاب ج ٣ ص ١١٧٤ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ٢٩٠ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٦ ص ٢٥ والثقات لابن حبان ج ٣ ص ٢٧٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٩ ص ٤٠ وأسد الغابة ج ٤ ص ١٠١ وبلاغات النساء لابن طيفور ص ٥٩ والكامل في التاريخ ج ٤ ص ٨٣.

(٣) أسد الغابة ج ٤ ص ١٠١ وبلاغات النساء ص ٥٩ والإختصاص ص ١٧ وأعيان الشيعة ج ٢ ص ٩٥ وراجع : الأعلام للزركلي ج ١ ص ٢٦.

٢٢٢

وكان معاوية قد أمر بأن يطعنوه تسع طعنات كما طعن عثمان ، ففعل به ذلك ، فمات في الأولى منهن أو الثانية (١).

وهو أحد الأربعة الذين دخلوا الدار على عثمان (٢) ، ووثب فجلس على صدره ، وبه رمق فطعنه تسع طعنات ، وقال : أما ثلاث منهن ، فإني طعنتهن إياه لله ، وأما ست فأني طعنتهن إياه لما كان في صدري عليه (٣) ، وصار من شيعة علي ، وشهد معه مشاهده كلها (٤).

دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لزبيد :

وقد زعموا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد دعا لزبيد بالبركة ، ولكنه لم يرض بالدعاء لزمع رغم إصرارهم عليه حتى راجعوه ثلاث مرات ..

ونحن نشك في صحة أمثال هذه الأقاويل ، فإن زبيدا لم تسلم إلا بعد

__________________

(١) الكامل في التاريخ ج ٣ ص ٤٧٧ وقاموس الرجال ج ٨ ص ٨٩ و ٩٠ والغدير ج ١١ ص ٤١ وتاريخ الطبري ج ٤ ص ١٩٧ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٤٧٧.

(٢) أسد الغابة ج ٤ ص ١٠٠ والغدير ج ٩ ص ٤٦ والإستيعاب ج ٣ ص ١١٧٤ والبداية والنهاية ج ٨ ص ٥٢.

(٣) تاريخ الأمم والملوك ج ٤ ص ٣٩٤ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ١٧٩ والغدير ج ٩ ص ٢٠٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢ ص ١٥٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٧٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٩ ص ٤٠٩ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٤٢٤ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ١٧٩ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٢٠٧.

(٤) أسد الغابة ج ٤ ص ١٠٠ والمعارف لابن قتيبة ص ٢٩١ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٤٦٢ والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد على خان المدنى ص ٤٣٢ وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي ج ٤ ص ٨٨ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٤٦٢.

٢٢٣

قتال ، وقتل وأسر ، وبغض النظر عن ذلك ، فإنهم كانوا كغيرهم من الناس ، ولم يظهر لهم أي تميز في الإلتزام بالشرع وبالعمل على حفظ هذا الدين والدفاع عنه ، فضلا عن حمل علومه ، والدعوة إليه ونشره.

فهل يصح الثناء على قوم ، والدعاء لهم ، من دون أن يقدموا أي شيء يبرر ذلك؟!

وأما زمع فلما ذا وبماذا استحقوا هذا الجفاء ، وامتناع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن الدعاء لهم بالبركة؟!

ولماذا يثير «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حولهم علامات استفهام؟! وما هو المبرر لفضحهم بين الناس؟ وهم لم يعملوا شيئا بعد .. ولماذا؟! ولماذا؟!

٥ ـ وفود بني حنيفة ومسيلمة الكذاب :

وفي سنة عشر (١) ، أو في سنة تسع (٢) ، وقيل : في سنة ست أو سبع (٣) ، قدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وفد بني حنيفة (وهي قبيلة تسكن في اليمامة بين مكة واليمن) فيهم مسيلمة بن حبيب الكذاب ، وكان منزلهم في دار امرأة من الأنصار من بني النجار ، هي رملة بنت الحدث بن ثعلبة بن

__________________

(١) الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ١٤٦ وتاريخ ابن خلدون ج ٢ ق ٢ ص ٥٦.

(٢) راجع : فتح الباري ج ٨ ص ٦٨ وعمدة القاري ج ١٦ ص ١٥١ والتنبيه والإشراف للمسعودي ص ٢٣٩ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٨ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٩٩.

(٣) فتوح البلدان للبلاذري ص ١١٨.

٢٢٤

الحارث بن زيد ، زوجة معاذ بن عفراء.

فأتوا بمسيلمة إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يستر بالثياب ـ تعظيما له ـ ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جالس مع أصحابه ، في يده عسيب من سعف النخل ، فلما انتهى إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وكلمه مسيلمة وسأله (أن يجعل له الأمر من بعده).

فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتكه» (١).

قال ابن إسحاق : فقال لي شيخ من أهل اليمامة من بني حنيفة أن حديثه كان على غير هذا ، زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وخلّفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا له مكانه ، فقالوا : يا رسول الله ، إنّا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وركابنا ، يحفظها لنا.

فأمر له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بمثل ما أمر للقوم ، وقال : «أما إنه ليس بشركم مكانا» (٢). يعني حفظه ضيعة أصحابه وهي حوائجهم

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٦ عن زاد المعاد ، عن ابن إسحاق ، وقال في هامشه : أخرجه البيهقي في الدلائل ج ٥ ص ٣٣٠ وابن كثير في البداية ج ٥ ص ٥٠ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٨٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦١ وج ٦ ص ٢٢٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٩٨ وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٢٨٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٩٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٤ والدرر ص ٢٥٤.

وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٤٦ و ١٤٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٦ وقال في هامشه : أخرجه البيهقي في الدلائل ج ٥ ـ

٢٢٥

وظهرهم. [وذلك الذي يريد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»].

قال : ثم انصرفوا عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وجاؤوا بالذي أعطاه. فلما قدموا اليمامة ارتد عدو الله ، وتنبأ وقال : إني قد أشركت في الأمر معه ، ألم يقل لكم حين ذكرتموني له : «أما إنه ليس بشركم مكانا»؟ وما ذاك إلّا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه.

ثم جعل يسجع فيقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن. لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشا (١).

ووضع عنهم الصلاة ، وأحل لهم الخمر والزنا (٢) ، وهو مع ذلك يشهد

__________________

ص ٣٣١ وابن كثير في البداية ج ٥ ص ٥٢ ، وعمدة القاري ج ١٦ ص ١٥١ والدرر ص ٢٥٤ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٣ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٢٢٩ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٨٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٩٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٤.

وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٤٧.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٦ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٤٨ والدرر ص ٢٥٤ وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٤٢٥ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٤ و ٤٩٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٨٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦١ وج ٦ ص ٣٥٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٩٩ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٨٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٩٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٥ وراجع : الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٦ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٢٤٢.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٨٦ عن المصادر التالية : زاد المعاد ج ٣ ص ٣١ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٣ ص ٢٢ والبداية والنهاية ـ

٢٢٦

لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه نبي ، فأصفقت معه بنو حنيفة على ذلك.

قال ابن إسحاق : وقد كان كتب لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله : أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأمر ، وليس قريش قوما يعدلون». فقدم عليه رسوله بهذا الكتاب. فكتب إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب : سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» (١). وكان ذلك في آخر سنة عشر.

__________________

ج ٥ ص ٥١ و ٥٢ والعقد الفريد ج ٢ ص ٦٦ والبيان والتبيين ج ١ ص ٣٥٩ متنا وهامشا ، والمفصل ج ٨ ص ٧٥٥ ـ ٧٥٩ وج ٧ ص ٢٩٦ وج ٦ ص ٩٢ والمنتظم ج ٤ ص ٢١ و ٢٢ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٥.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٦ وقال في هامشه : ذكره ابن كثير في البداية والنهاية ج ٦ ص ٣٨٤. والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٥١ و ١٥٢ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٨٣ و ٣٨٤ عن المصادر التالية : تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٤٠٠ وفي (ط أخرى) ج ٣ ص ١٤٦ وفتوح البلدان للبلاذري ص ٩٧ وفي (ط أخرى) ص ١٢٠ والطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٧٣ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ٢٦ والمفصل ج ٨ ص ٧٥٧ والكشاف ج ١ ص ٦٤٥ في تفسير الآية ص ٥٤ وتفسير النيسابوري (بهامش الطبري) ج ٦ ص ١٦٣ وتفسير الرازي ج ١٢ ص ١٩ وسيرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لإسحاق بن محمد همداني قاضي أبرقوه ص ١٠٥٩ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١٥ عن الطبراني ، وكنز العمال ج ١٧ ص ١٦١ و ٥٦٣ وفي (ط أخرى) ج ١ ص ٢٧٣ والكافي ج ٢ ص ١١٥ وفي (ط أخرى) ص ٣٠٠ ونهاية الإرب للقلقشندي

٢٢٧

وعن نعيم بن مسعود قال : سمعت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين جاءه رسولا مسيلمة الكذاب بكتابه يقول لهما : «وأنتما تقولان بمثل ما يقول»؟

قالا : نعم.

__________________

ص ٢٢٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٥١ وج ٦ ص ٢٠٠ و ٣٤١ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٩ وفي (ط أخرى) ص ١٢٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٧٢ وفي (ط أخرى) ص ٢٤٧ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٣ وإعلام السائلين ص ٣٦ والمحاسن والمساوي للبيهقي ص ٣٣ وفي (ط أخرى) ج ١ ص ٤٩ والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ص ٨٣٩ وفي (ط أخرى) ج ٢ ق ٢ ص ٥٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٥٧ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٢٢ وفتوح البلدان لدحلان ص ١٤ ورسالات نبوية ص ٢٦٠ / ٩٤ والبدء والتأريخ ج ٥ ص ٩٥ وصبح الأعشى ج ٦ ص ٣٨١ وفي (ط أرى) ص ٣٦٧ والبحار ج ٢١ ص ٤١٢ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٦٧ وزاد المعاد ج ٣ ص ٣١ والمفصل ج ٦ ص ٩١ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٦٤ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٥٧٢ وراجع : الجمهرة لهشام الكلبي ص ١٥٤ والمنتظم ج ٤ ص ٢٢ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٤٧ والوثائق السياسية ص ٣٠٥ / ٢٠٦ عن جمع ممن تقدم ، وعن إمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ ص ٥٠٨ و ٥٠٩ وقال : قابل طبقات ابن سعد ج ١ ق ٢ ص ٢٥ ومعجم الصحابة لابن قانع (خطية) ورقة ١٨٢ ـ ألف ، وتاريخ الردة من الإكتفاء للكلاعي (ط الهند) ص ٥٨ وانظر كابتاني ج ١٠ ص ٦٩ واشپرنكر (التعليقة الأولى) ج ٣ ص ٣٠٦ وراجع أيضا ص ٧٢١ عن تاريخ المدينة لابن شبة.

٢٢٨

فقال : «أما والله لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» (١).

عن عبد الله [بن مسعود] قال : جاء ابن النواحة ، وابن أثال رسولين لمسيلمة إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال لهما : «تشهدان أني رسول الله»؟

فقالا : نشهد أن مسيلمة رسول الله.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «آمنت بالله ورسوله ، ولو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما» (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٧ عن ابن إسحاق ، وفي هامشه عن : أبي داود (١٦٥) ، والبيهقي ج ٩ ص ٢١١ ، وكنز العمال (١٤٧٧٩) ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٥١. وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٢ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٨٢ ومسند احمد ج ٣ ص ٤٨٨ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٢٨ ومستدرك الحاكم ج ٢ ص ١٤٣ وج ٣ ص ٥٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٢١١ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١٥ والآحاد والمثاني ج ٣ ص ٢٤ وشرح معاني الآثار لابن سلمة ج ٣ ص ٣١٨ وكنز العمال ج ٦ ص ٤٥ وتفسير مقاتل بن سليمان ج ١ ص ٣٦٠ وتفسير الثعلبي ج ٤ ص ٧٧ وتهذيب الكمال ج ٢٩ ص ٤٩٣ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٤٠٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٨٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦٢ وراجع : تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٥٠ والإصابة ج ٦ ص ٣٦٣ وتفسير الآلوسي ج ٦ ص ١٦١ وأسد الغابة ج ٥ ص ٣٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٧ عن ابي داود ، والطيالسي في مسنده ، وعن مسند أحمد ج ١ ص ٣٩١ و ٣٩٦ و ٤٠٤ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٢ والمجموع للنووي ج ١٤ ص ٤٢ وج ١٩ ص ٢٩٦ ونيل الأوطار للشوكاني ج ٨ ص ١٨١ ومسند احمد ج ١ ص ٣٩٦ وعون المعبود للعظيم ـ

٢٢٩

قال عبد الله [بن مسعود] : «فمضت السنّة بأن الرسل لا تقتل» (١).

وعن أبي رجاء العطاردي قال : لما بعث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فسمعنا به لحقنا بمسيلمة الكذاب بالنار ، وكنّا نعبد الحجر في الجاهلية ، فإذا وجدنا حجرا هو أحسن منه ألقينا ذلك وأخذناه ، فإذا لم نجد حجرا جمعنا حثية من تراب ، ثم جئنا بغنم فحلبناها عليه ثم طفنا به ، وكنا إذا دخل رجب قلنا : جاء منصّل الأسنة ، فلا ندع سهما فيه حديدة ولا حديدة في رمح إلا نزعناها وألقيناها (٢).

وعن ابن عباس قال : قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فجعل يقول : إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته ، وقدمها في بشر كثير من قومه ، (قال الواقدي : عدد من كان معه سبعة عشر

__________________

آبادي ج ٧ ص ٣١٥ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٨٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٩٨ وراجع : تذكرة الفقهاء (ط. ج) للعلامة الحلي ج ٩ ص ٦٨ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢٣٥ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١٤ ومسند أبي يعلى ج ٩ ص ٣١ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ١٢٣.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٧ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٢ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٤ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٩٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٧ عن البخاري ج ٦ ص ٤ (٤٣٧٦) وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٨٥ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٣٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٦٢.

٢٣٠

نفسا) (١).

فأقبل إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ومعه ثابت بن قيس بن شماس ، وفي يد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة في أصحابه ، فقال : «لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها ، ولن تعدو أمر الله فيك. ولئن أدبرت ليعقرنك الله ، وإني لأراك الذي أريت فيه ما رأيت ، وهذا ثابت بن قيس يجيبك عني» (٢). ثم انصرف عنه.

قال ابن عباس : فسألت عن قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إنك أرى الذي أريت فيك ما رأيت» ، فأخبرني أبو هريرة : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب ، فأهمني شأنهما ، فأوحي إلي في المنام : أن انفخهما فطارا ، فأولتهما : كذابين يخرجان من

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٢ وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٨٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٧ عن الصحيحين ، وفي هامشه عن البخاري ج ٥ ص ٥٤ (٣٦٢١) والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٥٢ و ١٥٣ عن البخاري في علامات النبوة ، وفي المغازي ، وعن مسلم في الرؤيا. وفتح الباري ج ٨ ص ٧٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٨٤ وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٨٢ وج ٥ ص ١١٨ وصحيح مسلم ج ٧ ص ٥٧ وعمدة القاري ج ١٦ ص ١٥١ وجزء مؤمل لابن إيهاب الرملي ص ١٢٥ والمعجم الكبير للطبراني ج ١٠ ص ٣٠٨ ودلائل النبوة للأصبهاني ج ٣ ص ٨٢٩ ودفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي ص ٣٠ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ١ ص ٤٤٣ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٥٧٣ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٥٣٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٧.

٢٣١

بعدي ، أحدهما : العنسي صاحب صنعاء ، والآخر : مسيلمة صاحب اليمامة» (١).

ومن حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض ، فوضع في كفي سواران من ذهب ، فكبرا عليّ ، فأوحي إلي أن أنفخهما فنفختهما فذهبا ، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما صاحب صنعاء ، وصاحب اليمامة (٢).

وصاحب صنعاء هو الأسود العنسي وهو عيهلة صاحب صنعاء ، وقتله فيروز الديلمي في مرض موت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قبل وفاته

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٧ وقال : هذا أصح من حديث ابن إسحاق المتقدم. وقال في هامشه : أخرجه البخاري ج ٥ ص ٢١٦ ومسلم (١٧٨١) وكنز العمال (٣٨٣٦١) والبداية والنهاية ج ٥ ص ٤٩ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٥٣ ـ ١٥٨ وفتح الباري ج ٨ ص ٧٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٨٤ وصحيح مسلم ج ٧ ص ٥٧ وعمدة القاري ج ١٦ ص ١٥١ وجزء مؤمل لابن إيهاب الرملي ص ١٢٥ والمعجم الكبير للطبراني ج ١٠ ص ٣٠٨ ودلائل النبوة للأصبهاني ج ٣ ص ٨٢٩ ودفع شبه التشبيه بأكف التنزيه لابن الجوزي ص ٣٠ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ١ ص ٤٤٣ وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٥٧٣ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٥٣٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٢٨ عن الصحيحين والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٥٣ ـ ١٥٨. ومسند احمد ج ٢ ص ٣١٩ وصحيح البخاري ج ٥ ص ١١٩ وصحيح مسلم ج ٧ ص ٥٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ١٧٥ وعمدة القاري ج ١٨ ص ٢٤ وصحيفة همام بن منبه ص ٤٤.

٢٣٢

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» بيوم وليلة ، فأتاه الوحي ، فأخبر أصحابه بذلك.

وأما مسيلمة فقد ادّعى النبوة في حياة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وشهد له الرحال الحنفي زورا بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد شرّكه معه في النبوة.

وكان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رأى الرحال مع فرات بن حيان وأبي هريرة ، فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ضرس أحدكم في النار مثل أحد». فما زالا خائفين حتى ارتد الرحال ، وآمن بمسيلمة ، وشهد له زورا كما أسلفنا.

ثم أرسل أبو بكر جيشا إلى مسيلمة فقتل هو وجميع أصحابه (١).

هل رأى مسيلمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قال الزرقاني : إن قلت : كيف يلتئم خبر ابن إسحاق في كون مسيلمة لم يجتمع بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بل بقي في الرحال ، مع الحديث الذي يقول : بأنه اجتمع به ، وقد قال له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : بأنه لو سأله السعفة التي في يده ما أعطاه إياها؟!

فالجواب : أن الأخذ بالرواية الثانية أولى لصحة سندها ، وقد وردت في صحيح البخاري. أما خبر ابن إسحاق فضعيف منقطع.

ويمكن الجمع بينهما بأن من المحتمل أن يكون قدم مرتين : إحداهما كان فيها تابعا ، والأخرى كان فيها رئيسا متبوعا ..

__________________

(١) راجع فيما تقدم : شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٥ والشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض ج ١ ص ٣٤٢.

٢٣٣

ويرد على هذا الجمع : أن أمر مسيلمة كان أكبر من ان يكون تابعا ، فقد كان يقال له منذ الجاهلية : رحمان اليمامة.

ويمكن أن يقال : إن إقامته في رحله كانت أنفة منه واستكبارا من أن يكون هو الساعي إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

ونقول :

لعل الأولى أن يقال : إنه لم يلق النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في بادئ الأمر ، ثم لقيه بعد ذلك كما سنوضحه عن قريب إن شاء الله.

تعظيم مسيلمة خرافة :

ادعت الروايات المتقدمة : أن مسيلمة جاء مع وفد بني حنيفة إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكان يستر بالثياب تعظيما له ، وأنهم خلفوه في رحالهم (وزعم بعضهم : أنه استكبر عن السعي إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»).

ونحن لا نستطيع أن نؤكد صحة هذا الزعم :

فأولا : إن من يكون بهذه المكانة في قومه فالمتوقع هو أن يكتفي هو بإرسال الوفود ، ولا يفد هو بنفسه.

ثانيا : لو كان بهذه المثابة ، فإنهم لا يخلّفونه في رحالهم ليحفظها لهم ، حسبما تقدم التصريح به ..

ثالثا : ما زعمه البعض من أنه تخلف في رحالهم ، استكبارا عن السعي

__________________

(١) المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٦ عن العسقلاني.

٢٣٤

إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. لا يمكن قبوله ، إذ لماذا لم يستكبر عن السعي من اليمامة (وهي بين مكة واليمن) إلى المدينة ، ثم يستكبر عن هذه الخطوات اليسيرة من موضع نزوله في المدينة إلى مسجدها؟!

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يفضح نوايا مسيلمة :

والذي نظنه هو أنه تخلف في بادئ الأمر عن الذهاب معهم إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لكي يتحاشى أن يكشف النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمره ، بما أعطاه الله من علم الغيب ، لكي يتمكن بعد ذلك من أن يتدبر الأمر مع الرحال الحنفي ، ليشهد له زورا أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أشركه معه في النبوة (١).

من أجل ذلك نقول :

إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ضيع الفرصة على مسيلمة ، حيث إنه حينما أخبروه بأن أحدهم قد بقي في الرحال أمر له من العطاء بمثل ما أمر لهم .. وقال : «أما إنه ليس بشركم مكانا».

أي أن وجوده في الرحال لا يجعله في موضع يوجب حرمانه من العطاء ، ليكون وجودهم مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» امتيازا لهم يخولهم أخذ العطاء دونه ، فإن استحقاق العطاء وعدمه له موازين أخرى غير هذا ، إذ هو يرتبط بالمعطي الذي يريد أن يعم عدله وفضله الجميع ، ويريد أيضا أن يشجع الناس على الثبات على طريق الحق ، ونبذ كل ما هو

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٥٥.

٢٣٥

انحراف وشر ، وتكون له الحجة عليهم ، ولا يكون لأحد أية حجة عليه ..

كما أنه يرتبط فيما يظهره الآخذ من مواقف ، وما ينتهجه من سلوك يبرر إعطاءه ، ولو في خصوص تلك البرهة التي نال فيها من العطاء ما نال.

أما بعد تلك البرهة ، فإن الإنسان الذي استفاد من عطاء النبوة ، ورأى من خلقها الرفيع ما رأى ، وعرف من سيرتها ومبادئها ، وشرائعها ما قامت به الحجة عليه ، هو الذي يكون مسؤولا عما يصدر منه في ضوء هذا كله.

فاتضح أن كلمة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن مسيلمة : «ليس بشركم مكانا» قد جاءت في السياق الصحيح والمؤثر ، الذي يعطي الضابطة الحاسمة والدقيقة في موضوع القيم ، وفي الأخلاق ، ليصبح سبيلا لإقامة الحجة ، وسطوع البرهان على الحق لمن أراد أن يستنير بنور الحق.

فما زعمه مسيلمة بعد رجوعه إلى اليمامة من أنه إشرك في النبوة معه استنادا إلى قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنه : «ليس بشركم مكانا» مما لا ريب في بطلانه ، فإن قول القائل : فلان ليس بشركم مكانا يغني : أنه مساو لكم ، وقد أراد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنكم لا تمتازون عنه في موضوع العطاء.

وليس معناه : أنه شريك في النبوة أو في غيرها ، ولا يشير إلى شيء من ذلك من قريب ، ولا من بعيد.

مسيلمة يريد ولاية الأمر بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ولا نريد أن ننأى بأنفسنا عن قبول الرواية التي تقول : إنهم جاؤوا بمسيلمة إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهو يستر بالثياب ، فسأله أن يجعل له الأمر من بعده ، فقال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لو سألتني هذا

٢٣٦

العسيب الذي في يدي ما أعطيتكه».

وهذا أقوى تصريح من شأنه أن يحصن الناس من خداع مسيلمة ، فإنه بهذه الكلمة قد نفى إشراكه في النبوة ، ونفى أهلية مسيلمة لأدنى شيء يمكن أن يخطر على قلب بشر ، فإنه إذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المتصل بالغيب الإلهي ، وأحلم الناس ، وأكرمهم ، وأرحمهم ، وأحسنهم أخلاقا ، واكثرهم رفقا بالناس ، ومراعاة لمشاعرهم ـ إذا كان ـ يجبه مسيلمة بهذه الحقيقة ، فذلك يعني أن مسيلمة كان يستحق هذه الإهانة حين صدورها من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأنه كان ينطوي على أمر عظيم ، لا بد من فضحه فيه ويجب على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعريه أمام الناس ، ويكشف عن حقيقته ، ويبين قيمته لكل أحد.

بل إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس فقط لا يراه أهلا للعسيب ، بل هو يرى أنه لا يجوز حتى أن يعطى ذلك العسيب ، رغم أن الكريم قد يعطي من لا يستحق أيضا ..

وهذا يكشف لنا عن خبث عظيم يجعل من إعطاء العسيب له ولو تفضلا وكرما جريمة عظيمة ، لا يمكن أن تصدر عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

مسيلمة يستثير الغرائز والأهواء :

وقد سار مسيلمة «لعنه الله» في خططه التفصيلية في ثلاثة اتجاهات :

الأول : تأييد دعواه بأكاذيب ينسبها إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وشهادات يزورها عليه ، وبذلك يكون قد حفظ لنفسه العنصر الغيبي الذي يخضع له الناس بصورة تلقائية .. فاستمر يشهد لرسول الله

٢٣٧

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالنبوة ، ويزعم أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أشركه معه فيها ، واستشهد على ذلك الرحال الحنفي كما تقدم ..

ولم يأبه لتكذيب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وجميع المسلمين لمزاعمه هذه .. ثم كتب إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأنه أشرك في الأمر معه ، وليس قريش قوم يعدلون .. وقد تقدم ذلك ..

الثاني : إنه خاطب غرائز الناس ، واستثار شهواتهم ، وأرضى ميولهم حين وضع عنهم الصلاة ، التي يراها أهل الدنيا عبئا ثقيلا ، يودون التخلص منه ، ثم هو قد أباح لهم الزنا وشرب الخمر ، وذلك يرضي غرائزهم ، ويتناغم مع شهواتهم وأهوائهم التي تريد التفلت من كل قيد في مثل هذه المجالات ..

الثالث : إنه استفاد من بعض الألاعيب التي كان الناس يجهلون رمزها وسرها ، لكي يوهمهم بأنه قادر على اجتراح المعجزات ، مثل وضعه البيضة في الكلس مدة حتى تلين ، ويسهل التصرف فيها ، ثم يدخلها في زجاجة ويتركها لتعود إلى حالتها الأولى ، ثم يريهم إياها ، فيثير ذلك عجبهم ، فإن عنق الزجاجة ضيق ، ولا يمكن أن تمر فيه البيضة من دون أن تنكسر .. فيتأكد لديهم الشعور بأن لديه قدرات خارقة ، ويتوهمون أن ذلك من دلائل صحة ما يدعيه ..

مفارقة مثيرة :

وإننا في حين نرى مسيلمة يقر للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالنبوة ، ويدّعي لنفسه الشراكة معه ، ويكتب له : ان الأمر بينه وبينه ، ولكن قريشا

٢٣٨

قوم لا يعدلون ..

نرى أن رسولي مسيلمة اللذين جاءا إليه ـ على الظاهر ـ بنفس هذا الكتاب إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يرضيا بالإقرار والشهادة بالنبوة لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

الأرض لله يورثها من يشاء :

وعن جواب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على رسالة مسيلمة نقول :

١ ـ إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سلّم على من اتبع الهدى .. ولا ريب في أن مسيلمة الكذاب لم يكن من هؤلاء ، ولكن ليس من حق أحد أن يمنعه من اتخاذ قرار العودة إلى سلوك طريق الهداية.

وانطلاقا من مسؤولية النبوة في فتح أبواب الهداية أمام جميع البشر ، جاء التلويح حتى لمسيلمة الكذاب بأن باب الهداية مفتوح أمامه ، فما عليه إلا أن يلجه ، كي يشمله الله بسلامه الغامر وبنور الهداية الباهر ..

٢ ـ هناك نص يقول : إن مسيلمة كتب إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إن لنا نصف الأمر».

ونص آخر يقول : «إنه كتب إليه أن الأرض لي ولك نصفان» ، وجواب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يشير إلى صحة النص الثاني دون الأول.

٣ ـ نلاحظ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يقل لمسيلمة : بل الأرض لي ، وأنت ليس لك شيء ، بل أرجع الأمر إلى من يكون البشر جميعا سواسية أمام عظمته ، وفي قبضته ، وفي ملكه ، ولا فرق في ذلك بين نبي وغيره ، ولا بين مطيع وعاص ، ولا بين كبير وصغير ، ولا بين ملك أو سوقه ، قوي وضعيف.

٢٣٩

ولم يكن بإمكان مسيلمة أن ينكر أو حتى أن يناقش في هذا الأمر.

٤ ـ وإذا بلغ الأمر هذا الحد ، فالنتيجة الطبيعية لذلك هي : أن يكون الأمر يرجع إلى المالك الحقيقي ، فهو الذي يجعل ذلك لمن يشاء من عباده ، فليس لأحد أن يفتئت عليه في ذلك ، لا في الأرض كلها ، ولا في نصفها ، ولا في أي شيء منها ، وهذا هو المقصود بقوله : يورثها من يشاء من عباده ..

٥ ـ وإذا كان ذلك كله يظهر تعدي مسيلمة على العزة الإلهية ، والتصرف بما لا يحق له التصرف فيه ، فذلك يعني أمرين :

أحدهما : أنه كاذب فيما يدّعيه من نبوة ، فإن من يجترئ على الله سبحانه لا يصلح لشيء مهما كان تافها ، فضلا عن أن يصلح لمقام النبوة الأسمى ..

الثاني : أن ابتعاده عن خط التقوى يحرمه من أن يمنحه الله شيئا من الأرض .. وهذا ما أشار إليه قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : والعاقبة للمتقين ..

تهديد الرسولين :

إن تهديد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لرسولي مسيلمة لمجرد قولهما إنهما يقولان بمثل ما يقول مسيلمة ، يشير إلى أنهما كانا قد أسلما ثم ارتدا ، فاستحقا هذا الوعيد والتهديد ، إذ لا يمكن أن نتصوره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يواجههما بهذه الحدة والشدة قبل أن يقيم الحجة عليهما ، ثم من دون أن تظهر عليهما بعدها أمارات التحدي والمحاربة.

مع العلم بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قد استقبل الكثيرين من الرسل ، ولم نجده سألهم عما يشبه ذلك في موضوع الإيمان والكفر ، فضلا عن أن يكون قد واجههم بمثل هذه الشدة.

٢٤٠