الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

المخلوق الأول :

ويبقى هنا سؤال يحتاج إلى جواب ، وهو : أن أحاديث القلم قد صرحت : بأنه هو أول ما خلقه الله تعالى ، مع أن ثمة روايات تفيد غير ذلك ، فقد روي :

١ ـ عن سماعة عن أبي عبد الله «عليه‌السلام» : إن الله عزوجل خلق العقل ، وهو أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش من نوره ، فقال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، فقال الله تبارك وتعالى : خلقتك خلقا عظيما ، وكرمتك على جميع خلقي .. (١).

٢ ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قلت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أول شي خلق الله تعالى ما هو؟ فقال : نور نبيك يا جابر ، خلقه الله ثم خلق منه كل خير (٢).

__________________

(١) راجع : الكافي ج ١ ص ٢٠ والخصال للصدوق ص ٥٨٩ وعلل الشرايع (ط المكتبة الحيدرية) ج ١ ص ١١٤ وشرح أصول الكافي ج ١ ص ١٩٩ ومشكاة الأنوار ص ٤٤١ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٢٩١ والجواهر السنية ص ٣٣١ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٢٩١ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيخ هادي النجفي ج ٢ ص ٤١٢ وج ٦ ص ٢١٠ وج ١٢ ص ١٥٥.

(٢) راجع : البحار ج ١٥ ص ٢٤ وج ٢٥ ص ٢٢ وج ٥٤ ص ١٧٠ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ١٤ وسنن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للطباطبائي ص ٤٠٠ وكشف الخفاء ج ١ ص ٢٦٥ وتفسير الميزان ج ١ ص ١٢١ وتفسير الآلوسي ج ١ ص ٥١ وينابيع المودة للقندوزي ج ١ ص ٥٦ ومجمع النورين للمرندي ص ٢٤ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٢٤٠.

٢٠١

وفي رواية أخرى : أول ما خلق الله نوري ، ابتدعه من نوره ، واشتقه من جلال عظمته (١).

وفي رواية ثالثة : أول ما خلق الله نوري ، ففتق منه نور علي ، ثم خلق العرش واللوح ، والشمس وضوء النهار ، ونور الأبصار والعقل والمعرفة (٢).

ونقول في الجواب :

١ ـ أما بالنسبة للعقل ، فقد صرحت الرواية المتقدمة : أنه أول خلق من الروحانيين.

٢ ـ إن هذه الكلمة : «أول ما خلق الله القلم» لم ترد إلا في رواية القمي عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام. وهي لا تعارض الروايات الآنفة الذكر. فإن روايات القلم قد صرحت : بأنه قد كتب ما كان وما يكون.

وهذا يدل على : أن ثمة ما هو مخلوق وكائن قبل ذلك. وهو نور رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أو النور ، أو العقل أو غير ذلك ..

ولعلك تقول :

إن خلق القلم لا يعني الكتابة ، فلعله خلق القلم أولا ، ثم بعد برهة أمره بكتابة ما كان وجرى ، منذ خلق القلم إلى حين الكتابة به ..

__________________

(١) راجع : البحار ج ١٥ ص ٢٤ و ٩٧ وج ٢٥ ص ٢٢ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ١٤ وسنن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» للطباطبائي ص ٤٠٠ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ٢٤٠ ومشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٥٧.

(٢) راجع : البحار ج ٢٥ ص ٢٢ وج ٥٤ ص ١٧٠ ومستدرك سفينة البحار ج ٢ ص ١٤ والخصائص الفاطمية ج ١ ص ٣١٩.

٢٠٢

فإنه يجاب :

بأن الرواية قد عطفت الأمر بالكتابة على خلق القلم بواسطة الفاء الدالة على التعقيب المباشر ، ومن دون مهلة ..

على أن روايات أولية خلق العقل ، وكذلك روايات خلق النور ، أو خلق نور النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأهل بيته «عليهم‌السلام» لا تتعارض مع روايات أولية خلق القلم ، فإن بعض الروايات قد صرحت بإرادة معان منها ، تؤدي إلى التوافق بينها ، فالقلم ، والعقل ، والنور قد فسرت أو طبقت على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والأئمة «عليهم‌السلام» بصورة أو بأخرى.

ومع غض النظر عن ذلك كله ، فإن وجود هذه الروايات يشير إلى أن المقصود بالأولية هو : الأولية النسبية. أي أنه بالنسبة لتقدير شؤون الخلق ، فالمخلوق الأول هو القلم ولا غيره ..

كما أن المقصود بأولية خلق العقل هو أوليته بالنسبة للروحانيين.

قال المجلسي : «وقيل : أول المخلوقات النار. كما مر ، وقد مر (في) بعض الأخبار : أن أول ما خلق الله النور ، وفي بعضها : نور النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وفي بعضها : نوره مع أنوار الأئمة «عليه‌السلام» ، وفي بعض الأخبار العامية عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أول ما خلق الله روحي ، فيمكن أن يكون المراد بالجميع واحدا ، ويكون خلق الأرواح قبل خلق الماء وسائر الأجسام ، وتكون أولية الماء بالنسبة إلى العناصر والأفلاك ، فإن بعض الأخبار يدل على تقدم خلق الملائكة على خلق العناصر والأفلاك كما مر ، ودلت الأخبار الكثيرة على تقدم خلق أرواحهم وأنوارهم «عليهم

٢٠٣

السلام» على كل شيء» (١).

٣ ـ وفد بني شيبان :

عن قيلة بنت مخرمة العنبرية التميمية (٢) قالت : قدمت على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع وفد شيبان ، وهو قاعد القرفصاء ، فلما رأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» متخشعا في الجلسة أرعدت من الفرق. فقال جليسه : يا رسول الله أرعدت المسكينة.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ ولم ينظر إليّ وأنا عند ظهره ـ : «يا مسكينة عليك السكينة».

فلما قالها أذهب الله ما كان أدخل قلبي من الرعب.

وتقدم صاحبي أول رجل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه ، ثم قال : يا رسول الله ، اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء ، لا يجاوزنا إلينا منهم إلا مسافر أو مجاور.

فقال : «يا غلام ، اكتب له بالدهناء».

فلما رأيته أمر له بأن يكتب له بها شخص بي ، وهي وطني وداري ، فقلت : يا رسول الله ، إنه لم يسألك السوية من الأرض إذ سألك ، إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم ، ونساء تميم وأبناؤها وراء ذلك.

__________________

(١) البحار ج ٥٤ ص ٣٠٩.

(٢) أسد الغابة ج ٥ ص ٥٣٥ والإصابة ج ٤ ص ٣٩١ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٤ ص ٤٩٢ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣١٩ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ١٠٨.

٢٠٤

فقال : «أمسك يا غلام ، صدقت المسكينة ، المسلم أخو المسلم ، يسعهما الماء والشجر ، ويتعاونان على الفتان» (١).

فلما رأى حريث (بن حسان الشيباني وافد بكر بن وائل) أن قد حيل دون كتابه ضرب بإحدى يديه على الأخرى وقال : كنت أنا وأنت كما قيل : «حتفها تحمل ضأن بأظلافها».

فقلت : أما والله إن كنت لدليلا في الظلماء ، جوادا بذي الرحل ، عفيفا عن الرفيقة ، حتى قدمت على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولكن لا تلمني على حظي إذ سألت حظك.

فقال : وما حظك في الدهناء لا أبا لك؟

فقلت : مقيد جملي تسأله لجمل امرأتك.

فقال : لا جرم أني أشهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أني لك أخ ما حييت ، إذ أثنيت هذا عليّ عنده.

فقلت : إذ بدأتها فلن أضيعها.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أيلام ابن ذه أن يفصل الخطة وينتصر من وراء الحجرة» ، فبكيت ثم قلت : «والله ، كنت ولدته يا رسول الله حازما ، فقاتل معك يوم الربذة ، ثم ذهب يحيرني من خيبر فأصابته حماها وترك علي النساء.

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٨ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١١ والمجموع للنووي ج ١٥ ص ٢٢٩ ونيل الأوطار ج ٦ ص ٥٩ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٥٠ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٥٠ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣١٩ والإصابة ج ٨ ص ٢٩٠.

٢٠٥

فقال : «والذي نفس محمد بيده لو لم تكوني مسكينة لجررناك اليوم على وجهك ، أو لجررت على وجهك» شك عبد الله ، «أيغلب أحيدكم أن يصاحب صويحبه في الدنيا معروفا ، فإذا حال بينه وبينه من هو أولى به منه استرجع». ثم قال : «رب أنسني ما أمضيت ، وأعني على ما أبقيت ، والذي نفس محمد بيده إن أحيدكم ليبكي فيستعبر إليه صويحبه ، فيا عباد الله لا تعذبوا إخوانكم».

وكتب لها في قطعة من أديم أحمر لقيلة وللنسوة بنات قيلة : «ألّا يظلمن حقا ، ولا يكرهن على منكح ، وكل مؤمن مسلم لهن نصير ، أحسنّ ولا تسئن» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٨ عن ابن سعد ، وقال في هامشه : أخرجه ابن سعد في الطبقات ج ١ ق ٢ ص ٥٨ ، وذكره الهيثمي في المجمع ج ٦ ص ١٢ ـ ١٥. وقد نقل العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» هذا الكتاب أيضا في مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٣٩٨ عن : كنز العمال ج ٢ ص ٢٨٧ وفي (ط الهند) ج ٤ ص ٢٧٤ (عن الطبراني في الكبير) واللفظ له ، والطبقات الكبرى ج ١ ق ٢ ص ٥٨ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٢ والإصابة ج ٤ ص ٣٩٣ ورسالات نبوية ص ٢٤٦ وبلاغات النساء ص ١٢٧ والعقد الفريد ج ٢ ص ٤٧ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٤٦. ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٥٦ / ١٤٢ (عن الطبقات ، وسنن أبي داود ج ١٩ ص ٣٦ والعقد الفريد ، وقال : قابل الإستيعاب ص ٤٢٩ ، نساء ٢٤٠ ، ومعجم الصحابة لابن قانع (خطية) ورقة ٣١ ـ ألف ـ ب وانظر كايتاني ٩ / ٩١.

٢٠٦

سبب إعطاء الكتاب لقيلة :

وقالوا : إن سبب إعطاء الكتاب لقيلة أنها كانت تحت حبيب بن أزهر ، فولدت له ثلاث بنات ، فتوفي عنها زوجها ، فانتزع ابن أخي زوجها (عمرو بن أثوب بن أزهر) بناتها منها ، فوفدت إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تبتغي الصحبة ، فلما أرادت السفر بكت جويرية منهن ، وهي أصغرهن ، فحملتها معها ، فلما ركبت الطريق ، فإذا أثوب يطلبها ليأخذ الجارية منها ، فأخذها.

فسارت قيلة مع وافد بكر بن وائل إلى أن وردت المدينة ، فكتب لها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذا الكتاب (١).

ونقول :

إن لنا مع هذه النصوص وقفات عديدة :

تشابه الأحداث :

إن ما ذكره آنفا عن قيلة بنت مخرمة يشبه إلى حد بعيد ما ذكروه في وفادة الحارث بن حسان ـ وقد ذكرنا هذه الوفادة في فصل «وفادات الأفراد». بل الظاهر : أن هذه الوفادة هي نفس تلك ، إذ كما كانت مشكلة الحارث بن حسان مع امرأة تميمية وهو بكري ، وكانت المشكلة مع بني تميم ، كذلك الحال بالنسبة لقيلة فإنها تميمية ، ومشكلة حريث كانت مع بني

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٤٠٠ عن المصادر التالية : مجمع الزوائد ج ٦ ص ٩ و ١٠ والإصابة ج ٤ ص ٣٩٣ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ٥٨ ورسالات نبوية ص ٢٤٦ وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٣٥.

٢٠٧

تميم أيضا وحريث أيضا بكري ..

وكما أن الحارث بن حسان قد حمل المرأة التميمية إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وكانت منقطعا بها ، فكذلك الحال بالنسبة لقيلة ، فإن صاحبها هو الذي حملها إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

وإذا كان اسم الأول الحارث بن حسان ، فإن اسم الآخر : حريث بن حسان أيضا ، وكلاهما كان بكريا.

وكما أن الأول تأسف وندم ، واعتبر نفسه مصداقا لمعزى تحمل حتفها .. كذلك فإن هذا الآخر تأسف وندم لأنه فعل ذلك ، واعتبر نفسه كضأن تحمل حتفها بأظلافها.

وكان محور التنازع في تلك هو جعل الدهناء حاجزا لتميم وهذا نفسه هو محور التنازع هنا أيضا ..

فهما واقعة واحدة اشتبه الرواة في بعض عناصرها ، وتطبيقاتها ، ثم جاء جمّاعو الأحاديث فظنوا تعددها ، ودونوها وفق هذا التصور؟!

وربما تكون الأغراض القبلية أو سواها وراء تنقل بعض الأحداث أو بعض الفضائل من شخص إلى شخص أو من موقع إلى موقع ، وفق ما يتيسر لطلابها ، والمستفيدين منها غير أننا لا نشك في أن الكلام في الموردين إنما هو عن واقعة واحدة اشتبه الأمر فيها على بعض قاصري النظر ، فظن تعددها ولا شيء أكثر من ذلك ..

أرعدت من الفرق :

وقد ذكرت الرواية آنفا : أن قيلة بنت مخرمة قد أرعدت من الفرق لما

٢٠٨

رأت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جالسا متخشعا.

ونحن نشك في صحة ذلك ، فإن تخشّع الرجل في جلسته لا يوجب الرعب لدى الآخرين ، ولا يكون سببا في إصابتهم بالرعدة .. يضاف إلى ذلك : أن الناس وإن كانوا يهابون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». لكنها هيبة الإكرام والإحترام ، والمحبة ، والإكبار ، ولم يكونوا يخافون منه إلى حد الرعب ، وإصابتهم بالرعدة من الفرق .. فهو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان بين أصحابه ، بحيث إن الرجل كان يدخل على المسلمين فلا يميز رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من غيره ويسأل أيكم محمد؟ (١) أو أيكم رسول الله؟ (٢)

الطعن في النبوة :

وقد تضمنت الرواية السابقة طعنا في النبوة :

أولا : لأنها تنسب للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التسرع في اتخاذ القرار ،

__________________

(١) الثاقب في المناقب للطوسي ص ٣١٦ والبحار ج ٤١ ص ٢٣٠ وج ٤٣ ص ٣٣٤ وج ٩١ ص ٥ ومسند احمد ج ٣ ص ١٦٨ وج ٥ ص ٦٤ وصحيح البخاري ج ١ ص ٢٣ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٤٩ وسنن أبي داود ج ١ ص ١١٧ وسنن النسائي ج ٤ ص ١٢٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٤ وعمدة القاري ج ١ ص ٢٦٧ وج ٢ ص ١٩ والسنن الكبرى للنسائي ج ٢ ص ٦٢ ومسند أبي يعلى ج ٣ ص ١٧١ وصحيح ابن خزيمة ج ٤ ص ٦٣.

(٢) مسند احمد ج ٣ ص ١٦٨ وج ٥ ص ٦٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٤ وعمدة القاري ج ١ ص ٢٦٧ وج ٢ ص ١٩ وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٣٨٣ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٧ ص ٤٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣ ص ٥١٧ والموضوعات لابن الجوزي ج ١ ص ٢٨٨ وتهذيب الكمال ج ١٩ ص ٢٧٠.

٢٠٩

دون التثبت من أصحاب العلاقة ، واستيضاح الأمر ..

ثانيا : إنها تنسب إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الخطأ ثم التراجع عنه.

ثالثا : إنها تصرح بصدق المرأة ، وصحة رأيها الذي جاء على خلاف رأيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ربما لتصدق مقولة عمر : «امرأة أصابت ورجل أخطأ».

رابعا : إن كلام حريث بن حسان قد تضمن ما يدل على أنه يريد أن يحرم تميما من الدهناء ، وهي مرعى غنمها ، ومقيل جمالها ، ويريد أيضا أن يقيد حريتها في التحرك ، ويحجزها عن بني بكر ، مع أن العدل قد يقضي بعكس ذلك ، أو على الأقل أن يجعل الدهناء نصفين ، فلما ذا يعطي البكريين مواضع يكون التميميون أحق بها؟! ولماذا لم يلتفت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أن حسانا لم يكن عادلا حين لم يطلب منه السوية في الأرض؟! بل طلب أن يعطيه وطن غيره وداره ، مع أن كل أحد يدرك أن هذا الطلب غير منصف.

لو لم تكوني مسكينة :

وأما بالنسبة لتهديد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لقيلة بأنها لو لم تكن مسكينة لجروّها على وجهها ، فهو أعجب وأغرب ..

أولا : لأنها لم ترتكب ذنبا تستحق العقوبة عليه ، بل غاية ما صدر منها هو أنها تحسرت على ابنها الذي قاتل معه يوم الربذة ، ثم ضربته الحمى ، فقتلته ، وترك النساء عبئا عليها. وليس في هذا الكلام أي غضاضة ، أو جرأة أو اعتراض على مقام العزة الإلهية ، ولم يظهر منها أنها تأبى عن

٢١٠

الاسترجاع ، بل فيه تذمر من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقها.

ثانيا : لنفترض أن هذا الكلام تضمن اعتراضا على الله الذي أمات ولدها وترك عليها البنات ، فهل يكون الجر على الوجه من جملة العقوبات التي جاءت بها الشريعة؟!

ثالثا : لم نعرف ما قصدته من يوم الربذة الذي قاتل فيه المسلمون مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وكان ابنها معهم ..

رابعا : هل الفقر يعفي الإنسان من العقوبة على ما يصدر منه من مظالم ومآثم؟! فإن يكن الجواب بنعم ، فلما ذا إذن كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وكذلك كل من جاء بعده لا يفرقون في عقوباتهم بين مسكين وغيره؟ .. وإن كان الجواب بلا ، فلما ذا أعفى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قيلة من العقوبة هنا؟

٤ ـ وفد الأشعريين :

عن معمر قال : بلغني أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان جالسا في أصحابه يوما ، فقال : «اللهم انج أصحاب السفينة». ثم مكث ساعة فقال : «استمدت».

فلما دنوا من المدينة قال : «قد جاؤوا يقودهم رجل صالح».

قال : «والذين كانوا معه في السفينة الأشعريون ، والذين قادهم عمرو بن الحمق الخزاعي».

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من أين جئتم»؟

قالوا : من زبيد.

٢١١

قال : «بارك الله في زبيد».

قالوا : وفي زمع.

قال : «وبارك الله في زبيد».

قالوا : وفي زمع.

قال في الثالثة : «وفي زمع» (١).

ورووا : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «يقدم عليكم قوم هم أرق منكم قلوبا».

فقدم الأشعريون فيهم أبو موسى الأشعري ، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون :

غدا نلقى الأحبة

محمدا وحزبه (٢)

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٣ وفي هامشه عن عبد الرزاق (١٩٨٩٠) والمصنف للصنعاني ج ١١ ص ٥٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٥ ص ٤٩٦ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ١٠٦.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٣ عن ابن سعد ، وأحمد ، والبيهقي ، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٦٤ عن أحمد وغيره ، ومسند احمد ج ٣ ص ١٠٥ وفضائل الصحابة للنسائي ص ٧٣ ومنتخب مسند عبد بن حميد لابن نصر الكسي ص ٤١٣ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٩٣ ومسند أبي يعلى ج ٦ ص ٤٥٤ وصحيح ابن حبان ج ١٦ ص ١٦٥ وكتاب الأوائل للطبراني ص ٤١ وتفسير السلمي ج ١ ص ٦٣ وتفسير البحر المحيط ج ١ ص ٣٤٢ و ٤٧٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٤٨ وج ٤ ص ١٠٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٠ ص ٤٧٥ وتهذيب الكمال ج ١٥ ص ٤٥٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٤ ص ١٤١.

٢١٢

عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول : «أتاكم أهل اليمن ، هم أرق أفئدة ، وألين قلوبا ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، السكينة في أهل الغنم ، والفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر» (١).

وعن جبير بن مطعم قال : كنا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال : «أتاكم أهل اليمن كأنهم السحاب ، وهم خيار من في الأرض».

فقال رجل من الأنصار : إلا نحن يا رسول الله؟

فسكت.

ثم قال : إلا نحن يا رسول الله؟

(وفي الثالثة قال :) فقال : «إلا أنتم كلمة ضعيفة» (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٤ عن البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وقال في هامشه : أخرجه البخاري ج ٥ ص ٢١٩ ، وأحمد في المسند ج ٢ ص ٢٣٥ و ٤٧٤ ، والطبراني في الكبير ج ٢ ص ١٣٤ ، والبيهقي في السنن ج ١ ص ٣٨٦ ، والخطيب في التاريخ ج ١١ ص ٣٧٧ ، وسنن الدارمي ج ١ ص ٣٧ وصحيح مسلم ج ١ ص ٥١ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ٣٨٦ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٥٢٤ ومسند ابن راهويه ج ١ ص ٢٣ وصحيح ابن حبان ج ١٦ ص ٢٨٦ والمعجم الأوسط للطبراني ج ٤ ص ١٣٠ ومسند الشاميين للطبراني ج ٤ ص ١٧٢.

وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٦٥.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٤ وفي هامشه عن : دلائل النبوة ج ٥ ص ٣٥٣ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٦٤ عن أحمد ، والبزار ، والطبراني وراجع : مسند أبي داود الطيالسي ص ١٢٧ وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص ٣١٠.

٢١٣

زاد محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قوله : ولما لقوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أسلموا وبايعوا.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «الأشعريون في الناس كصرة فيها مسك» (١).

قال الزرقاني : ولا إشكال ، لأن المراد في أرضهم (٢).

ونقول :

لا مجال لقبول هذه المدائح لقوم لم يقدموا شيئا للإسلام ، فهي من موضوعات محبيهم لسبب أو لآخر ..

ثم إن مجيء الأشعريين مع أبي موسى كان عند فتح خيبر سنة سبع ، وقد تقدم ذكر ذلك في غزوة خيبر ، غير أننا نذكر هنا ما لم نتعرض له هناك ، فنقول :

هل الأشعريون أفضل أهل الأرض؟! :

زعمت الرواية المتقدمة : أن أهل اليمن ، أو الأشعريين هم خيار أهل الأرض ، وقد سكت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين سأله الأنصاري أن

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٤ عن زاد المعاد ، وقال في هامشه : أخرجه ابن سعد في الطبقات ج ١ ق ٢ ص ٧٩ ، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال (٣٣٩٧٥).

والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٦٤ و ١٦٥ والجامع الصغير للسيوطي ج ١ ص ٤٧٥.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٦٤ و ١٦٥.

٢١٤

يستثني الصحابة أو الأنصار ، ثم استثناهم بعد الإصرار عليه بكلمة ضعيفة ، مع أن من المقطوع به أن في صحابته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من هو أفضل من جميع الأشعريين ، مثل : سلمان ، وعمار ، والمقداد وكثير من غيرهم.

وقد حاول الزرقاني أن يجيب عن ذلك فقال : «وأما سكوته مرتين عن استثناء الأنصار مع أن فيهم من هو أفضل قطعا ، لأن فيهم من هو من أهل بدر وبيعة الرضوان ، فلعله لئلا يغتروا أو يتكلوا على التفضيل. ولذا قال بعد الثالثة كلمة ضعيفة الخ ..» (١).

ونقول :

أولا : إن هذا لا يبرر أن يغمط الناس حقهم ، وتنسب فضائلهم إلى غيرهم.

ثانيا : إذا كان ذلك يضر بحال الأنصار والمهاجرين فهو يضر أيضا بحال اهل اليمن والأشعريين ، إذ قد يتكلون على هذا التفضيل أيضا.

الإيمان والحكمة يمانيان :

وقد يقال : لا مجال لقبول وصف هؤلاء القادمين بأنهم هم أهل الإيمان والحكمة ، وكأن غيرهم لا يدانيهم في هذين الأمرين ، بل لا مجال لقبوله حتى لو كان المراد به أن موطن الإيمان والحكمة اليمن ، وليس كذلك غيرها من البلاد والعباد.

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٦٥.

٢١٥

ونقول :

إن هذا الكلام صحيح في نفسه إن كان المقصود باليمن هو تلك البلاد المعروفة البعيدة عن مكة والمدينة ..

ولا يصلحه ما زعمه الزرقاني من أن هذا الكلام لا مفهوم له (١) ، لأنه هو نفسه قد زعم أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وصف أبا عبيدة بالأمانة ، ووصف غيره بأوصاف أخرى وهذا يفيد : أن له تميزا وخصوصية في الأمر الذي وصفه به (٢).

والصحيح هو : أن المقصود باليمن في كلامه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما يشمل مكة ، إن لم نقل جميع بلاد العرب ..

بيان ذلك :

أولا : قال ابن الأثير : «الإيمان يمان ، والحكمة يمانية». إنما قال ذلك لأن الإيمان بدأ من مكة ، وهي من تهامة من أرض اليمن ، ولهذا يقال : «الكعبة اليمانية» (٣).

ولا ينافي ذلك قوله لعيينة بن حصن حين كان يعرض الخيل : «لولا الهجرة لكنت أمرءا من أهل اليمن» (٤). إذ يمكن أن يكون المقصود لو لا أني

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٦٦.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص.

(٣) النهاية في اللغة ج ٥ ص ٣٠٠ والبحار ج ٢٢ ص ١٣٧ وج ٣٤ ص ٤٥١ وج ٥٧ ص ٢٣٣ وعمدة القاري ج ١٥ ص ١٩٢ وج ١٦ ص ٢٨٣ والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٥ ص ٣٠٠ ومجمع البحرين للطريحي ج ٤ ص ٥٨٣.

(٤) البحار ج ٢٢ ص ١٣٦ وج ٥٧ ص ٢٣٢ و ٢٣٣ والكافي ج ٨ ص ٦٩ ـ ٧٠.

٢١٦

هجرت مكة لكنت اليوم من أهل اليمن. أو لو لا أن الهجرة أشرف لعددت نفسي من اليمن ، ويؤيده قوله في حنين : «لو لا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار» (١).

ثانيا : قيل : أنه قال هذا القول وهو بتبوك ، ومكة والمدينة يومئذ بينه وبين اليمن ، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة» (٢).

ثالثا : قيل : أراد بهذا القول الأنصار ، لأنهم يمانيون ، وهم من نصروا الإيمان والمؤمنين فآووهم ، فنسب الإيمان إليهم (٣).

رابعا : قال الجوهري : «اليمن بلاد العرب» (٤).

خامسا : وما يزيل كل شبهة وريب هنا أن الذي روي في كتاب جعفر بن محمد بن شريح ، هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لعيبينة بن حصن ، حين كان يعرض الخيل : «كذبت ، إن خير الرجال أهل اليمن ، والإيمان يمان

__________________

(١) البحار ج ٢٢ ص ١٣٧ وج ٥٧ ص ٢٣٣ وفتح الباري ج ٧ ص ٨٦ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٨ ص ٤٤.

(٢) النهاية ج ٥ ص ٣٠٠ وشرح مسلم للنووي ج ٢ ص ٣٢ وعمدة القاري ج ١٦ ص ٧٢ وج ٢٠ ص ٢٩٤ والديباج على مسلم للسيوطي ج ١ ص ٦٧ وتحفة الأحوذي ج ٦ ص ٤٢٣ وغريب الحديث لابن سلام ج ٢ ص ١٦٢.

(٣) النهاية ج ٥ ص ٣٠٠ والبحار ج ٢٢ ص ١٣٧ وج ٥٧ ص ٢٣٣ وفيض القدير للمناوي ج ٣ ص ٢٤٢ والديباج على مسلم للسيوطي ج ١ ص ٦٧ وعمدة القاري ج ٢٠ ص ٢٩٤ وشرح أصول الكافي للمازندراني ج ١١ ص ٤٢٨.

(٤) البحار ج ٢٢ ص ١٣٧ وج ٥٧ ص ٢٣٣ وعمدة القاري ج ١ ص ٢٥٤ وج ٢ ص ١٦٨.

٢١٧

وأنا يماني» (١).

الأشعريون والإعتقادات :

قالوا : وقدم نافع بن زيد الحميري وافدا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في نفر من حمير ، فقالوا : أتيناك لنتفقه في الدين ، ونسأل عن أول هذا الأمر.

قال : «كان الله ليس شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، ثم خلق القلم ، فقال له : أكتب ما هو كائن ، ثم خلق السماوات والأرض وما فيهن ، واستوى على عرشه» (٢).

وقد كان قدوم وفد حمير في سنة تسع ، ولهذا اجتمعوا مع بني تميم (٣) ، فيدل هذا :

أولا : على أن الحميريين هم الذين سألوا عن أول هذا الأمر ، فلا يصح قولهم : إن السؤال عن ذلك كان من الأشعريين ، حتى لقد «استنبط بعضهم من سؤال الأشعريين عن هذه القصة «أن الكلام في أصول الدين ، وحدوث العالم مستمر لذريتهم ، حتى ظهر ذلك في أبي الحسن الأشعري» (٤)

__________________

(١) البحار ج ٥٧ ص ٢٣٢ والأصول الستة عشر ص ٨١.

(٢) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٦٣ و ١٦٤ عن كتاب الصحابة لابن شاهين ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٩ ، والإصابة ج ٦ ص ٣٢٠ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤١٥.

(٣) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٦٤ ، وفتح الباري ج ٨ ص ٧٦.

(٤) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٦٧ و ١٦٨ ، وفتح الباري ج ٦ ص ٢٠٧.

٢١٨

ولكن قد ذكرنا بعض الكلام المهم حول حديث كتابة القلم لما كان وما يكون إلى يوم القيامة في موضع آخر من الكتاب ، فراجع (وفود نافع بن زيد الحميري).

وقلنا هناك : إن من التزم بعقيدة الجبر الإلهي إنما استند في ذلك إلى حديث القلم ونظائره.

فظهر من ذلك :

١ ـ أن ما زعمه من أن الكلام في العقائد مستمر في ذرية الأشعريين لا يصح ، لأن هذا الكلام لم يثبت أنه صدر من الأشعريين.

٢ ـ قد تقدم : أن الكثيرين قد سألوا عن أول هذا الأمر ، وعن كثير من الأمور العقائدية ، وكانوا يريدون التفقه في الدين ، فراجع.

ثانيا : إن أبا الحسن الأشعري قد حاول أن يتستر على عقيدة الجبر التي أراد الجبريون تأييدها بحديث القلم ونظائره ، فلجأ إلى التمويه والتعمية ، فجاء بنظرية لا تسمن ولا تغني من جوع ، وهي نظرية الكسب التي اقتصر دورها على كونها قد صعّبت فهم الجبر على السذج والبسطاء من الناس.

قال ابن روزبهان : «مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري : أن أفعال العباد الإختيارية مخلوقة لله تعالى ، مكسوبة للعبد. والمراد بكسبه إياه : مقارنته لقدرته وإرادته ، من غير أن يكون هناك تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلا له» (١).

فوجود قدرة العبد مقارنة لفعل الله وخلقه للفعل كعدمها ، فهي كالحجر

__________________

(١) دلائل الصدق ج ١ ص ٣٢٨.

٢١٩

في جنب الإنسان. والفاعل الحقيقي للطاعات والمعاصي عند هؤلاء هو الله وحده. وليس للإنسان في ذلك أي دور .. وهذا القول باطل بلا ريب فراجع كتاب دلائل الصدق وغيره من الكتب العقائدية والكلامية.

عمرو بن الحمق قائد الأشعريين :

وقالوا : إن عمرو بن الحمق الخزاعي كان قد هاجر إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد الحديبية (١).

وتقدم : أنه هو الذي قاد وفد الأشعريين إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وهذا يلقي ظلالا من الشك على الروايات الأخرى التي تجاهلت ذكر هذا الشهيد السعيد ، الذي وصفه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالصلاح ، وتعمدت ذكر أبي موسى الأشعري ، والتنويه به ، رغم أنه كان الأصغر سنا وربما شأنا في ذلك الوفد الكبير (٢).

__________________

(١) راجع : الإصابة ج ٢ ص ٥٣٣ وج ٤ ص ٥١٤ ، والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٢ ص و (ط دار الجيل) ج ٣ ص ١١٧٣٥٢٤ ، وأسد الغابة ج ٤ ص ١٠٠ ، وفيض القدير ج ١ ص ٣٧٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ١٣٥ عن عدد من المصادر وقد ذكرنا شطرا منها في غزوة خيبر ، وذخائر العقبى ص ٢١٣ وصحيح البخاري ج ٤ ص ٥٥ وج ٥ ص ٧٩ وفتح الباري ج ٧ ص ٣٧١ وعمدة القاري ج ١٥ ص ٦٠ وج ١٧ ص ٢٥١ وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج ٢ ص ١١٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٢ ص ٣١ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٨٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٤٣٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٣٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٨٩.

٢٢٠