الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

رجلا يقيم أمرهم.

فقال مخربة العبدي ـ واسمه مدرك بن خوط ـ : ابعثني إليهم ، فإن لهم عليّ منة ، أسروني يوم جنوب ، فمنوا عليّ. فوجهه معهم إلى عمان.

وقدم سلمة بن عياذ الأزدي (ملك عمان) في أناس من قومه ، فسأل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، عما يعبد وما يدعو إليه ، فأخبره رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال : «ادع الله لي أن يجمع كلمتنا وألفتنا». فدعا لهم ، وأسلم سلمة ومن معه (١).

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «نعم الوفد الأزد ، طيّبة أفواههم ، برّة أيمانهم ، تقيّة قلوبهم» (٢).

ونقول :

إننا لا نستطيع أن نؤكد صحة هذه المدائح أو الذموم التي ينقلونها عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حق بعض القبائل أو الفئات ، أو البلاد ، فإنها مظنة الجعل والإفتراء لدوافع لا تخفى ..

غير أننا قد لا نتحفظ كثيرا ، إذا كان ما يذكرونه عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قد قاله في أعقاب عمل صالح صدر عنهم ، وإساءة اقترفوها ، فيأتي المدح للترغيب في تلك ، وللردع عن هذه.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٦٤ عن ابن سعد ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٥١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٦٤ عن أحمد بسند حسن ، وراجع : كنز العمال ج ١٤ ص ٨٥ ، وأسد الغابة ج ١ ص ٢٧٦.

١٨١

غير أن المدح الذي ذكر في النص الآنف الذكر إنما هو لأناس بأعيانهم ، وهم خصوص أعضاء الوفد الذين قدموا عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. فلعل هذا الوفد بالخصوص كان يتشكل من رجال صالحين ، يستحقون هذا الثناء النبوي الكريم مع بقاء احتمال الكذب فيه قائما ..

وفد الأزد في حديث آخر :

عن سويد الأزدي : أنه كان سابع سبعة من قومه وفدوا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». فقال : ما أنتم؟!.

قلنا : مؤمنون.

فتبسم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقال : إن لكل قول حقيقة ، فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟!

قلنا : خمس عشرة خصلة : خمس منها أمرتنا رسلك أن نؤمن بها ، وخمس أمرتنا أن نعمل بها ، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية ، فنحن عليها إلا أن تكره منها شيئا.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي؟!

قلنا : أمرتنا ان نؤمن بالله وملائكته ، وكتبه ورسله ، والبعث بعد الموت.

قال : وما الخمس التي أمرتكم أن تعملوا بها؟.

قالوا : أمرتنا أن نقول : لا إله إلا الله ، ونقيم الصلاة ، ونؤتي الزكاة ، ونصوم رمضان ، ونحج البيت إن استطعنا إليه سبيلا.

قال : وما الخمس التي تخلقتم بها في الجاهلية؟

قالوا : الشكر عند الرخاء ، والصبر عند البلاء ، والرضا بمر القضاء ،

١٨٢

والصدق في مواطن اللقاء ، وترك الشماتة بالأعداء.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حكماء علماء ، كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء ، ثم قال : وأنا أزيدكم خمسا فتتم لكم عشرون خصلة إن كنتم كما تقولون ، فلا تجمعوا ما لا تأكلون ، ولا تبنوا ما لا تسكنون ، ولا تنافسوا في شيء أنتم عنه غدا زائلون ، واتقوا الله الذي إليه ترجعون وعليه تعرضون ، وارغبوا فيما أنتم عليه تقدمون وفيه تخلدون ، فانصرفوا وقد حفظوا وصيته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعملوا بها (١).

وما قلناه حول صحة هذا النقل أو عدم صحته هو نفس ما قلناه في سابقه ، فإنه زاد على سابقه ثناء آخر وهو أنهم كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء قبل أن يعملوا بالخمس التي زادهم إياها ..

ولسنا ندري إن كانوا بعد أن عملوا بالخمس الباقية هل وصلوا إلى مقام النبوة أم لا؟! غير أننا لم نجد لهؤلاء الناس أي نشاط يميزهم عن غيرهم ممن لم يكن مثلهم في الفقه والحكمة والعلم ..

٢ ـ وفود مهرة :

قالوا : قدم وفد مهرة. عليهم مهري بن الأبيض ، فعرض عليهم رسول

__________________

(١) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ٢٢٧ ـ ٢٣٠ ومعجم قبائل العرب ج ١ ص ١٦ والإصابة ج ٢ ص ٩٨ عن أبي أحمد العسكري ، والرشاطي ، وابن عساكر ، وأبي سعيد النيسابوري في شرف المصطفى ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٤١ ص ١٩٨ و ٢٠١ ، وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ١٠٩ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٨١.

١٨٣

الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الإسلام ، فأسلموا ووصلهم وكتب لهم :

«هذا كتاب من محمد رسول الله لمهري بن الأبيض على من آمن به من مهرة : ألا يؤكلوا ولا يعركوا ، وعليهم إقامة شرائع الإسلام ، فمن بدل فقد حارب ، ومن آمن به فله ذمة الله وذمة رسوله ، اللقطة مؤداة ، والسارحة منداة ، والتفث السيئة ، والرفث الفسوق». وكتب محمد بن مسلمة الأنصاري.

وعن عمران المهري قال : وفد إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رجل من مهرة يقال له : زهير ـ وفي لفظ : ذهبن ـ ابن قرضم بن العجيل [ابن قثات] ، فكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يدنيه ويكرمه لبعد مسافته ، فلما أراد الإنصراف بتّته وحمله ، وكتب له كتابا فكتابه عندهم [إلى اليوم] (١).

لا يعركون : أي لا يحملون ما يوجب عدمهم.

منداة : أي لا تمنع من الرعي والسقي.

ثم فسر لهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معنى كلمتي : التفث الرفث.

قدوم نافع بن زيد الحميري :

عن أياس بن عمرو الحميري : أن نافع بن زيد الحميري قدم وافدا على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في نفر من حمير ، فقالوا : أتيناك لنتفقه في الدين ، ونسأل عن أول هذا الأمر.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤١٤ عن ابن سعد في الطبقات (ط ليدن) ج ٢ ص ١١٧ و (ط دار صادر) ج ١ ص ٢٨٦ و ٣٥٥ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٥١ ورسالات نبوية ص ٢٨٧ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٣٩ وراجع : البداية والنهاية ج ٥ ص ٣٥٤ والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٤ ص ١٩٩.

١٨٤

قال : «كان الله ولا شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، ثم خلق القلم فقال : اكتب ما هو كائن ، ثم خلق السماوات والأرض وما بينهما ، واستوى على عرشه» (١).

ونقول :

١ ـ إن وفد حمير قد جاء إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليتفقهوا في الدين ، احتياطا منهم لأنفسهم ، ولدينهم ، فإن وجوب التعلم لما به تكون النجاة من العقاب ، مما تحكم به الفطرة ويحتمه الوجدان ، وتقضي به العقول.

حديث القلم .. والجبر والعدل :

قد ذكر آنفا : حديث كتابة القلم ما هو كائن إلى يوم القيامة .. ولهذا الحديث ألفاظ مختلفة منها ما رواه أبو هريرة قال : قال لي النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «جف القلم بما أنت لاق» (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤١٥ عن ابن شاهين ، وراجع : جمهرة أنساب العرب ص ٤٤٠.

(٢) راجع : البحار ج ٥٤ ص ٣٦٢ وج ٥٧ ص ٩٣ والسنن الكبرى ج ٩ ص ٣ وفتح الباري ج ٦ ص ٢٠٦ ونسخة وكيع ص ٥٦ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٧٩ وكتاب السنة ص ٤٨ و ٤٩ وكنز العمال ج ١ ص ١٢٦ وج ٦ ص ١٢٢ وتفسير القرآن للصنعاني ج ٣ ص ٣٠٧ وجامع البيان ج ٢٩ ص ١٨ و ١٩ و ٢١ وتفسير السمرقندي ج ٣ ص ٢٠٩ و ٤٥٨ وتفسير الرازي ج ١٣ ص ٢٢٨ وج ٣٠ ص ٧٨ وتفسير القرطبي ج ١ ص ٢٥٧ وج ١٨ ص ٢٢٥ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٤٢٧ و ٤٢٨ وتاريخ بغداد ج ٩ ص ٦٠ وتهذيب الكمال ج ١٨ ص ٤٥٧ وتاريخ الأمم والملوك ج ١ ص ٢٢ و ٣٤ و ٣٥.

١٨٥

ومنها ما روي : من أن «أول ما خلق الله القلم ، فقال : اكتب.

فقال : ما أكتب؟

قال : اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة» (١).

وفي نص آخر : فجرى من ذلك اليوم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، ثم طوى الكتاب وارتفع القلم (٢).

وقال سراقة بن جشعم : يا رسول الله ، بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن ، فيما العمل اليوم؟

أفيما جفت به الأقلام ، وجرت به المقادير؟! أم فيما نستقبل؟!

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٢٢٢ و (ط دار الفكر) ج ٦ ص ١١٩ وج ٧ ص ٢١٠ وسنن النسائي ج ٦ ص ٥٩ وج ٧ ص ٧٩ وفتح الباري ج ١١ ص ٤٣١ وعمدة القاري ج ٢٠ ص ٧٣ وج ٢٣ ص ١٤٧ وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص ٥١ والسنن الكبرى للنسائي ج ٣ ص ٢٦٤ والمعجم الأوسط ج ٧ ص ٤٩ ومسند الشهاب لابن سلامة ج ١ ص ٣٥٣ وتغليق التعليق لابن حجر ج ٤ ص ٣٩٦ وكنز العمال ج ١ ص ١١٦ و ٣٥٨ وكشف الخفاء ج ١ ص ٣٣٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥ ص ٧ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٢٩٠ والدر المنثور ج ٦ تفسير سورة القلم ، عن ابن جرير ، والطبراني ، وابن مردويه ، وعن الترمذي (القدر) باب ١٧.

(٢) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٤٩ عن عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، وابن ابي حاتم ، وأبي الشيخ في العظمة ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، وتاريخ بغداد للخطيب ، والضياء في المختارة ، وفتح القدير للشوكاني ج ٥ ص ٢٦٩ وتفسير ابن أبي حاتم ج ١٠ ص ٣٣٦٤ والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ٤٩٨.

١٨٦

قال : لا ، بل فيما جفت فيه الأقلام ، وجرت به المقادير (١).

وعنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في تفسير قوله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ). والقلم الذي خط به ربنا عزوجل القدر ، خيره وشره ، ونفعه وضره (٢).

وعن أبي هريرة عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن أول شيء خلق الله القلم ، ثم خلق النون وهي الدواة ثم قال له : اكتب.

قال : وما أكتب؟

قال : ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة ، من عمل ، أو أثر ، أو رزق ، فكتب ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وذلك قوله : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (٣) ثم ختم عليه في القلم ، فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة. ثم خلق الله العقل (٤).

__________________

(١) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٤٩ ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٩٣ وصحيح مسلم ج ٨ ص ٤٧ والديباج على مسلم ج ٦ ص ١١ ومسند ابن أبي الجعد ص ٣٨٤ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٤٩٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٢٢٦ ، وحديث خيثمة للأطرابلسي ص ١٨٧ ، وصحيح ابن حبان ج ٩ ص ٢٢٧ ، والمعجم الكبير للطبراني ج ٧ ص ١٢١ و ١٢٨ ، وفوائد العراقيين للنقاش ص ٤٢ ، وإرواء الغليل للألباني ج ٤ ص ٢٠٤ ، وتفسير البغوي ج ٤ ص ٤٩٢ ، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص ٢٧٥ ، وراجع : سنن ابن ماجة ج ١ ص ٣٥ ، وفتح الباري ج ١١ ص ٤٣١.

(٢) راجع : البحار ج ٥٧ ص ٩٣ والدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٠ ، وفتح القدير ج ٥ ص ٢٧٠.

(٣) الآية ١ من سورة القلم.

(٤) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص عن الحكيم الترمذي ، وأدب الإملاء والإستملاء للسمعاني ص ١٧٧ ، وكشف الخفاء للعجلوني ج ١ ص ٢٦٤ ، وتفسير الميزان ـ

١٨٧

وفي نص آخر : أنه سبحانه وتعالى أخذ القلم بيمينه ـ وكلتا يديه يمين ـ وخلق النون ، وهي الدواة ، وخلق اللوح فكتب فيه (١).

والروايات حول القلم التي تذكر : أنه كتب ما كان وما يكون إلى يوم القيامة كثيرة ، فراجع على سبيل المثال ، ما أورده السيوطي منها في كتابه الدر المنثور عن ابن عباس ، وأبي هريرة. وعن قرة ، وعبادة بن الصامت (٢).

استفادة الجبرية من أحاديث القلم :

وقد ضم أنصار عقيدة الجبر الإلهي ، وهم غير الشيعة ، إلى أحاديث القلم المذكورة ، روايات أخرى نسبوها إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وخرجوا بنتيجة تقضي بتعميم القدر والجبر الإلهي لأفعال العباد أيضا ..

ولكنهم يرفضون تسميتهم ب «الجبرية» و «القدرية» و «المجبرة» ، لكي يتفادوا انطباق حديث : «القدرية مجوس هذه الأمة» عليهم.

رغم أن الخلّال ، وهو أحد علماء الحنابلة قد أطلق كلمة «القدرية» على القائلين بالجبر (٣).

__________________

ج ١٩ ص ٣٧٧ ، وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ٣٠٤ ، وتفسير القرطبي ج ١٨ ص ٢٢٣ ، وتفسير الثعالبي ج ٥ ص ٤٦٤ ، والدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٢٥٠ ، والكامل لابن عدي ج ٦ ص ٢٦٩ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٥ ص ١٧٤ وج ٥٦ ص ٢٠٨ وج ٦١ ص ٣٨٥.

(١) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٥٠ عن ابن أبي شيبة ، وابن المنذر.

(٢) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٢٤٩ و ٢٥٠.

(٣) درء تعارض العقل والنقل ص ٦٦ عن الخلّال.

١٨٨

لماذا كانت القدرية مثل المجوس؟! :

ووجه الشبه بين القدرية والمجوس : أن المجوس يقولون بإلهين مؤثرين ، والقدرية يقولون : بأن الله تعالى مؤثر ، وخالق ، ورازق ، وشاف وغير ذلك ..

والقدر أيضا مؤثر ، حيث إنه يجري حتى على أفعال الله تعالى ، فهو تعالى محكوم بقدره مكره على إجرائه ، فإن عليه أن يجري ما كتبه القلم ، ثم إنه لما جف القلم أصبح الله غير قادر على فعل أي شيء.

والقدر الذي ـ كتبه القلم ـ هو الذي حرم ناسا من الجنة ، وأدخل آخرين النار ..

نماذج من أحاديث الجبر :

ومما أوردوه للتدليل على ما يذهبون إليه من جبر وقدر :

١ ـ أن آدم «عليه‌السلام» قد احتج على موسى «عليه‌السلام» بقوله : أتلومني على أمر (عمل) قدّر الله عليّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة .. أو قبل أن يخلق الله السماوات والأرض (١).

٢ ـ جاء في أحاديث عالم الذر : «خلقت هؤلاء للجنة ولا أبالي ، وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي» (٢).

__________________

(١) راجع : صحيح البخاري ج ٧ ص ٢١٤ ، وصحيح مسلم (بشرح النووي) ج ١٦ ص ١٩٦ والجامع الصحيح للترمذي ج ٣ ص ٣٠١ ،

(٢) المستدرك للحاكم ج ١ ص ٣١ وشرح مسلم للنووي ج ١٥ ص ١٤٥ وراجع : فيض القدير ج ٢ ص ٢٩٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٢٧٩ وأسد الغابة ـ

١٨٩

٣ ـ روايات كيفية خلق الخلق ، وأنه بعد نفخ الروح في الإنسان «يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي ، وسعيد. زاد في نص آخر : ثم تطوى الصحف ، فلا يزاد بها ولا ينقص» (١).

__________________

ج ٥ ص ٢٤٣ والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج ٧ ص ٢١٥ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج ١ ص ١٠٠ وقصص الأنبياء لابن كثير ج ١ ص ٤٩ ، وكتاب الموطأ لمالك ج ٢ ص ٨٩٩ ، والبحار ج ٥ ص ٢٦٩ ، ومسند احمد ج ١ ص ٤٤ ، وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٤ ، وسنن الترمذي ج ٤ ص ٣٣١ ، والمستدرك للحاكم ج ٢ ص ٣٢٥ و ٥٤٤ ، وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص ٨٧ ، والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٣٤٧ ، وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ٣٨ ، والإستذكار لابن عبد البر ج ٨ ص ٢٦٠ ، والتمهيد لابن عبد البر ج ٦ ص ٢ وج ١٨ ص ٨٣ ، وموارد الظمآن للهيثمي ج ٦ ص ٣٨ ، وكنز العمال ج ١ ص ١١٣ وج ٢ ص ٤٠٩ ، وجامع البيان للطبري ج ٩ ص ١٥٢ ، وتفسير ابن أبي حاتم ج ٥ ص ١٦١٢ ، وتفسير السمرقندي ج ١ ص ٥٧٧ ، وتفسير السمعاني ج ٦ ص ١٧١ ، وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢١١ ، وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٣٣٣ ، وتفسير الرازي ج ١٥ ص ٤٦ ، وتفسير القرطبي ج ٧ ص ٣١٤ وج ١٤ ص ٢٨ ، ودقائق التفسير لابن تيمية ج ٢ ص ١٦٨ ، وتفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٧٣ ، والدر المنثور ج ٣ ص ١٤٢ ، وتفسير أبي السعود ج ٣ ص ٢٩٠ ، وفتح القدير ج ٢ ص ٢٦٣ ، وتفسير الآلوسي ج ٩ ص ١٠٣ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٤ ص ٧٠ ، وتاريخ الطبري ج ١ ص ٩١ ، والبداية والنهاية ج ١ ص ٩٩ ، وقصص الأنبياء لابن كثير ج ١ ص ٤٨ ، وشرح العقيدة الطحاوية ص ٢٦٦.

(١) راجع : صحيح مسلم (ط دار الفكر) ج ٨ ص ٤٤ و ٤٥ وشرح صحيح مسلم للنووي (ط دار الكتب العلمية) ج ١٦ ص ١٩٠ و ١٩١ والمحلى لابن حزم ـ

١٩٠

٤ ـ أحاديث : أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة ، حتى ما يكون بينه وبينها غير ذراع أو ذراعين ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار ، فيدخلها (١).

__________________

ـ ج ١١ ص ٣٤ ومغني المحتاج للشربيني ج ٣ ص ٣٣٨ وراجع : نيل الأوطار للشوكاني ج ٤ ص ٨٣ وسنن الترمذي ج ٣ ص ٣٠٢ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٨ وتحفة الأحوذي ج ٤ ص ١٠٢ وتفسير الميزان ج ١٤ ص ٣٥٤ وتفسير القرطبي ج ١ ص ١٩٤ وج ١٢ ص ٧ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٥٢٠ وراجع ج ٣ ص ٢١٧ والدر المنثور ج ٤ ص ٣٤٥ وفتح القدير ج ٣ ص ٤٣٨ وتفسير الآلوسي ج ٧ ص ٨٧ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ٢٧٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٤ ص ١٩٥ وراجع : الديباج على مسلم ج ٦ ص ٧ وتفسير البغوي ج ١ ص ٢٧٨ وج ٣ ص ٢٣.

(١) صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٤ ص ٧٩ و ١٠٤ وج ٧ ص ٢١٠ وج ٨ ص ١٨٨ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج ٨ ص ٤٤ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢٩ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٥ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٤٢١ وج ١٠ ص ٢٦٦ وشرح مسلم للنووي ج ١٦ ص ١٩٢ وعمدة القاري ج ١٥ ص ١٢٩ و ١٣٠ و ٢١٣ وج ٢٣ ص ١٤٥ وج ٢٥ ص ١٣٩ والديباج على مسلم ج ٦ ص ٥ ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٩ ومسند ابن الجعد ص ٣٨٠ وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص ٧٧ والتمهيد لابن عبد البر ج ١٨ ص ١٠١ والأذكار النووية ص ٤٠٦ ورياض الصالحين ص ٢٣٤ والجامع الصغير للسيوطي ج ١ ص ٣٣٣ وجامع بيان العلم وفضله ج ٢ ص ١١٤ وفيض القدير ج ٢ ص ٢٢٤ وج ٦ ص ٣١٤ وفتح القدير ج ٣ ص ٤٣٨ وتفسير الميزان ج ١٤ ص ٣٥٤ وتفسير ابن زمنين ج ٢ ص ٣٠٩ وتفسير السلمي ج ١ ص ٣٣٨ ـ

١٩١

وقد سئل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : فلم يعمل العاملون؟

فقال : كل يعمل لما خلق له ، أو لما يسّر له (١). أو اعملوا فكل ميسّر لما خلق له (٢).

__________________

وتفسير السمعاني ج ٢ ص ١٧٧ وتفسير البغوي ج ١ ص ٢٧٨ وأحكام القرآن لابن عربي ج ٢ ص ٣٣٥ وتفسير الرازي ج ٢ ص ٤٧ وتفسير القرطبي ج ١ ص ١٩٤ وج ١٨ ص ١٣٢ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ١٩١ وج ٢ ص ٢١٨ وج ٣ ص ٢٥١ و ٢٥٩ والدر المنثور ج ٤ ص ٣٤٥ والكامل لابن عدي ج ٣ ص ٢٩٩ وكنز العمال ج ١ ص ١١٢ و ١٢٢ و ٣٦٠ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٨ ص ١٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٤ ص ١٩٥ وتهذيب الكمال ج ١٠ ص ١١٤.

(١) صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٧ ص ٢١٠ وفتح الباري ج ١١ ص ٤٣٢ وعمدة القاري ج ٢٣ ص ١٤٨ والمعجم الكبير ج ١٨ ص ١٣١ ومسند احمد ج ٤ ص ٤٢٧ ومسند ابي داود الطيالسي ص ١١١ وراجع : منتخب مسند عبد بن حميد ص ٣٧ وسنن أبي داود (مطبوع مع عون المعبود) ج ١٢ ص ٤٥٨ و ٤٧٦ والذهب الأبريز ص ٢٦.

(٢) صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج ٦ ص ٨٦ وج ٨ ص ٢١٥ وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج ٨ ص ٤٧ و ٤٨ ومسند أحمد ج ١ ص ٦ و ٨٢ و ١٥٧ وج ٣ ص ٣٠٤ وج ٤ ص ٦٧ و ٤٣١ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٣٠ و ٣٥ ج ٢ ص ٧٢٥ وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤١٥ وسنن الترمذي ج ٣ ص ٣٠٢ وشرح مسلم للنووي ج ١٦ ص ٢١٤ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ١٨٧ و ١٨٩ و ١٩٤ و ١٩٥ وفتح الباري ج ١١ ص ٤٣٥ وعمدة القاري ج ٢٥ ص ١٩٥ والديباج على مسلم ج ٦ ص ١٠ ومسند أبي داود ص ١١٣ والأدب المفرد للبخاري ص ١٩٣

١٩٢

أي أنه إذا كان قد خلق للعمل الصالح ، فإن العمل الصالح هو الذي يكون ميسورا له ، ويكون هو قادرا عليه ، ولا يقدر على غيره ، وكذلك الحال لو كان قد خلق للعمل السيء ، فإنه يكون قادرا عليه ، ولا يقدر على عمل الخير ..

الشيعة بريئون من الجبر :

ومهما يكن من أمر ، فإن طائفة كبيرة من المسلمين ترى أن القدر يشمل أفعال العباد ، بل يشمل أفعال الله أيضا .. وينكر الشيعة ذلك في الموردين ، فيرون ـ وفقا لتعاليم أئمتهم «عليهم‌السلام» ـ أن الله قادر على إجبار عباده ، ولكنه لا يفعل ذلك .. كما أن له المشيئة فيما قضاه وقدره تبارك وتعالى .. وليس محكوما بقدره.

من سلبيات تعميم القدر لأفعال العباد :

ومن الواضح : أن تعميم القدر إلى جميع افعال العباد ، يجعل كل كفر وشرك ، ومعصية ، بقدر وبقضاء حتمي ، ولا يمكن لأي عبد أن يتخلف عما قدره الله تعالى له.

__________________

وخلق أفعال العباد للبخاري ص ٥٣ والسنن الكبرى للنسائي ج ٦ ص ٥١٧ والمعجم الأوسط ج ٤ ص ١٤٤ وج ٥ ص ١٣٥ والمعجم الصغير ج ١ ص ٢٥٥ والمعجم الكبير ج ١ ص ٦٤ و ٢٣٧ وج ٧ ص ١١٩ و ١٢٠ و ١٢١ وج ١٨ ص ١٢٩ و ١٣٠ و ١٣١ وعوالي اللآلي ج ٤ ص ١٢٢ والبحار ج ٤ ص ٢٨٢ وج ٦٤ ص ١١٩ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ٥٩٠ ومصادر أخرى كثيرة.

١٩٣

وقد صرح الأشعري بذلك ، حين أعلن توبته عن مذهب الإعتزال والتزام خط أهل السنة ، التي هي عقائد أهل الحديث ، مع شيء من التلطيف والتخفيف ، والعدول عن التصريح إلى التلويح ، فقد قال إنه تاب عن قوله : «إن أفعال الشر أنا أفعلها» (١).

فهذا يشير إلى أنه أصبح يرى أن الله هو الذي يفعل أفعال الشر.

وصرحوا أيضا : بأنه «لا خالق إلا الله ، وأن سيئات العباد يخلقها الله» (٢). فإذا كان القدر حاكما على تلك الأفعال ، التي هي في الحقيقة أفعال الله ، لأنه هو خالقها ، فالقدر حاكم على الله مباشرة ، وقد سلبه الإختيار ، ولم يعد قادرا إلا على فعل ما جرى به القدر ، على قاعدة : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) (٣).

قال ابن الحجاج :

المجبرون يجادلون بباطل

وخلاف ما يجدونه في القرآن

كل مقالته الإله أضلني

وأراد بي ما كان عنه نهاني

أيقول ربك للخلائق آمنوا

جهرا ويجبرهم على العصيان

إن صح ذا فتعوذوا من ربكم

وذروا تعوذكم من الشيطان (٤)

__________________

(١) الفهرست لابن النديم ص ٢٣١ ووفيات الأعيان لابن خلكان ج ٣ ص ٢٨٥ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢٤ ص ١٥٥ والوافي بالوفيات ج ٢٠ ص ١٣٧.

(٢) مقالات الإسلاميين ج ١ ص ٣٢١ والإلهيات للسبحاني ص ٦٠٨.

(٣) الآية ٦٤ من سورة المائدة.

(٤) راجع : الطرائف لابن طاووس ص ٣٢٠.

١٩٤

وما أجرأهم أيضا بقول الآخر :

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له :

إياك إياك أن تبتل بالماء

الجبر واليهود ، والمشركون :

وقد ذكرنا في كتابنا : «أهل البيت في آية التطهير» : أن عقيدة الجبر هي من بقايا عقائد أهل الكتاب ، وقد صرحت بها كتبهم المحرفة بصورة واضحة ، فراجع : التوراة ، والتلمود ، والإنجيل ، قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (١).

وقد كان سكان الجزيرة على احتكاك متواصل باليهود ، الذين يعتقدون بالجبر ، وخصوصا الفريسيين منهم ، فقد كان : «الفريسيون من اليهود لا يرون للإنسان إرادة ، ولا اختيارا ، ولا تأثيرا ، ولا جزءا كسبيا ، ولذا لا يرونه جديرا بالمدح والثناء ، لأن فعل الله فعل بيده» (٢).

الحكّام ومقولة الجبر :

وقد راقت مقولة الجبر الإلهي هذه للحكام والمتسلطين ، فسعوا إلى نشرها ، وحمل الناس عليها ، لأن هذه العقيدة تجعل الناس يستكينون لحكمهم ، ويخضعون لسلطانهم ، مهما صدر منهم من ظلم وعسف ، وبه

__________________

(١) الآية ٣٥ من سورة النحل.

(٢) هل نحن مسيرون أم مخيرون للزعبي ص ٢٦.

١٩٥

يبررون للناس كل ما ارتكبوه من جرائم وموبقات ، وهم يفرضون على الناس من خلال هذه العقيدة كل ما يحلو لهم ، أو يخطر على بالهم ، وبه احتج معاوية لصحة ما أقدم عليه من فرض ولده يزيد المجرم والطاغي والفاسد ، على الناس من بعده ، فقد قال لعائشه تارة ولابن عمر أخرى : «وإن أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء ، وليس للعباد خيرة في أمرهم» (١).

واحتج به عمر بن سعد «لعنه الله» لقتله الإمام الحسين «عليه‌السلام» ، فقد قال له ابن مطيع : أخترت همدان والريّ على قتل ابن عمك؟!

فقال عمر بن سعد «لعنه الله» : كانت أمورا قضيت من السماء. وقد أعذرت إلى ابن عمي قبل الوقعة (٢).

وحين ذكرت عائشة لأبي قتادة ما قاله النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في حق الخوارج ، وأن الذي يقتلهم أحبهم إليّ ، أحبهم إلى الله.

فقال لها أبو قتادة : يا أم المؤمنين ، فأنت تعلمين هذا فلم كان منك؟!

قالت : يا أبا قتادة! (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (٣)» (٤).

__________________

(١) الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ١٨٢ و ١٨٣ و (ط مؤسسة الحلبي) تحقيق الزيني ج ١ ص ١٥٨ و ١٦١ و (ط أمير قم) تحقيق الشيري ج ١ ص ٢٠٥ و ٢١٠ والغدير ج ١٠ ص ٢٤٩.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ١١٠ و (ط دار صادر) ص ١٤٨ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٥ ص ٥٥.

(٣) الآية ٣٨ من سورة الأحزاب.

(٤) تاريخ بغداد (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ١٧٢ والمحاسن والمساوئ للبيهقي ج ١ ص ٤٧١ وشواهد التنزيل للحسكاني ج ٢ ص ٣٨ و ٣٩ ونور الثقلين ـ

١٩٦

فهي تبرر حرب الجمل وقتل المئات أو الألوف من المسلمين بالقدر الإلهي!!

وحين سألت أم الحارث الأنصارية عمر بن الخطاب عن سبب فراره يوم حنين ، قال : أمر الله (١). وأجاب نسيبة بنت كعب المازنية بذلك أيضا (٢) ، وكذا الحال بالنسبة لأبي قتادة الأنصاري (٣).

وبهذه العقيدة استدل خالد بن الوليد لقتل مالك بن نويرة ، وبرر بها عثمان تمسكه بالحكم إلى أن قتل ، وبرر بها معاوية والمنصور منع الناس

__________________

(تفسير) ج ٤ ص ٢٧٦ ومجمع البيان ج ٨ ص ٣٥٧ والبحار ج ٣٥ ص ٢٢٢ وعن الطرائف ص ٣٠ ، والدر النظيم ص ٣٣٥.

(١) راجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٤ وراجع ص ٦٢٣ عن البخاري ، وبقية الجماعة ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٦ وتفسير القمي ج ١ ص ٢٨٧ والبحار ج ٢١ ص ١٥٠ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٠٤.

(٢) تفسير القمي ج ١ ص ٢٨٧ والتفسير الصافي ج ٢ ص ٣٣١ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٣٠٨ والبحار ج ٢١ ص ١٥٠ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٦ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ١٩٩.

(٣) السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١٠٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٠٨ و (ط دار المعرفة) ص ٦٥ والآحاد والمثاني ج ٣ ص ٤٣٥ والمنتقى من السنن المسندة ص ٢٧٠ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٢٢٦ وصحيح ابن حبان ج ١١ ص ١٣١ و ١٦٨ ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج ٥ ص ١١٧ والإستذكار ج ٥ ص ٥٩ والتمهيد ج ٢٣ ص ٢٤٢ ونصب الراية ج ٤ ص ٢٩٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ١٤٧ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٢٣.

١٩٧

حقوقهم في بيت مال المسلمين ..

وبها برر عمر بن الخطاب تمزيقه لكتاب كان قد كتبه في إرث الجدة.

إلى غير ذلك من موارد كثيرة .. لا مجال لحصرها ، غير أننا ذكرنا طائفة من المصادر لها في كتابنا : «أهل البيت في آية التطهير» (١).

والبحث في هذه الموضوعات طويل ومتشعب ، نكتفي منه بما ذكرناه ..

رواية أهل البيت عليهم‌السلام لحديث جف القلم :

وبعد .. فإن جميع ما ذكرناه لا يعني أن حديث «جف القلم» مكذوب ومختلق من أساسه.

إذ إن أهل البيت «عليهم‌السلام» وهم سفينة نوح ، قد رووا لنا النص الصحيح لأحاديث القلم (٢) ، وفسروه وبينوا معناه ، فأخذه عنهم شيعتهم ، فأمنوا من الوقوع في الشبهات ..

__________________

(١) راجع : أهل البيت في آية التطهير (الطبعة الثانية) ص ١٣٠ و ١٣١.

(٢) راجع : تفسير القمي (مطبعة النجف) ج ٢ ص ١٩٨ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٥٨٣ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيخ هادي النجفي ج ٩ ص ١٩٣ والتفسير الأصفى ج ٢ ص ١٣٤ والتفسير الصافي ج ٤ ص ٢١٠ وج ٥ ص ٢٠٧ وج ٦ ص ٨٠ وج ٧ ص ٢٥٨ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٥١٩ وج ٥ ص ٣٨٩ وراجع ج ١ ص ٤٣٢ وراجع : علل الشرايع (ط المكتبة الحيدرية) ج ١ ص ١٩ والبحار ج ١١ ص ٢٢٣ وج ٥٤ ص ٣٦٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ٢٠ ص ٣٩٤ وتفسير كنز الدقائق ج ٢ ص ٣٤٠ ومعاني الأخبار ص ٢٣ ومجمع البيان ج ١٠ ص ٨٨.

١٩٨

ولكن غير أتباع أهل البيت «عليهم‌السلام» لم يوردوا الحديث على وجهه ، بل قد زيد فيه ونقّص ، أو أعطي معنى غير معناه.

إذ إن بعض الروايات عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» قد صرحت بما يدفع شبهة الجبر الإلهي ، وبتخطئة من حاول أن يلصق هذه العقيدة بمعنى هذا الحديث.

فقد روى محمد بن مروان عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» ، أنه قال في تفسير قوله تعالى : (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) (١). نهر في الجنة أشد بياضا من اللبن. قال : فأمر الله القلم ، فجرى بما هو كائن ، وما يكون فهو بين يديه موضوع ، ما شاء منه زاد فيه ، وما شاء نقص منه ، وما شاء كان ، وما لا يشاء لا يكون (٢).

وهذا يدل على : أن ما جرى به القلم إنما هو ما تقتضيه السنن التي أودعها الله تعالى في الكائنات ، بحسب ما لها من استعدادات ، ووفق اقتضاء ما فيها من ميزات وخصائص ..

غير أن هذه السنن لا تمنع من التدخل الإلهي ، ولو من خلال الهيمنة عليها بسنن أرقى منها ، فيكون البداء فيها حتى لو كتبها القلم في لوح المحو والإثبات ..

أما ما كتبه القلم في أمّ الكتاب ، وهو الكتاب المكنون ، والمطابق لعلمه

__________________

(١) الآية ١ من سورة القلم.

(٢) راجع : تفسير العياشي ج ١ ص ٤٧ و (ط المكتبة العلمية الإسلامية) ص ٣٠ ومدينة المعاجز ج ٥ ص ١٨٩ والبحار ج ٥٤ ص ٣٦٩ وج ٩٦ ص ٢٠٤ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٥٨٤.

١٩٩

تعالى وهو أمّ الكتاب ، والأصل الذي يقاس عليه ما سواه ، فإنه لا بداء فيه ، بل يكون البداء منه ، ويجب مطابقة ما في لوح المحو والإثبات له .. من حيث إجراء السنن أو التحكم فيها.

ولأجل ذلك نلاحظ : أن الروايات قد صرحت : بأنه بعد أن يكتب القلم فيه يختم على فم القلم ، فلا ينطق أبدا .. وهذا ما أشارت إليه رواية عبد الرحيم القصير عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» (١).

ورواية يحيى بن أبي العلاء (٢) ، فراجع.

فتلخص أن روايات أهل البيت «عليهم‌السلام» تفيد : أن للقلم كتابتين في لوحين :

إحداهما : في لوح المحو والإثبات ، وفيه يكون البداء. ولا يكون منه.

والأخرى : في الكتاب المكنون ، الذي هو أم الكتاب ، ومنه يكون البداء .. ولا يكون فيه.

__________________

(١) راجع : تفسير القمي ج ٢ ص ٣٧٩ والبحار ج ٥٤ ص ٣٦٦ ومستدرك البحار ج ٨ ص ٥٨٣ وتفسير الميزان ج ٨ ص ١٦٩ وج ١٨ ص ١٨٢ وج ١٩ ص ٣٧٦ والتفسير الصافي ج ٥ ص ٩ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٥١٨ وج ٥ ص ٥ و ٦ و ٢٢٥ و ٣٨٨ ، ومجمع البحرين للطريحي ج ٤ ص ٢٥٨.

(٢) راجع : علل الشرايع ج ٢ ص ١٠٥ و (ط المكتبة الحيدرية) ص ٤٠٢ والبحار ج ١١ ص ١٠٨ وج ٥٤ ص ٣٦٧ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيخ هادي النجفي ج ٩ ص ١٩١ والتفسير الصافي ج ٥ ص ٢٠٧ وج ٧ ص ٢٥٧ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٥١٨ وج ٥ ص ٦١ و ٣٨٧.

٢٠٠