الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٨

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-200-5
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٩

وكان فيما سألوا أن يدع لهم الطاغية وهي اللّات ، ولا يهدمها ثلاث سنين ، حتى سألوه شهرا ، فأبى عليهم أن يدعها شيئا مسمى ، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام. فأبى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة لهدمها.

وقد كانوا سألوه أن يعفيهم من الصلاة ، وألا يكسروا أوثانهم بأيديهم. فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم منه ، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه».

فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتابا ، أمّر عليهم عثمان بن أبي العاص بإشارة أبي بكر كما عن ابن إسحاق (١) ، وكان من أحدثهم سنا ، وذلك أنه كان من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن. (٢).

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٢٥ ، وسبل السلام للكحلاني ج ١ ص ١٢٧ ، والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ مقدمة التحقيق ص ٤٢ نقلا عن الطبري ، والبحار ج ٢١ ص ٣٦٤ والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص ٣٦١ ، ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٣١ عن اليعقوبي ج ٢ ص ٦٦ وج ١ ص ١٦٩ عن تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٨١ ، ومسند احمد ج ٤ ص ٢١ و ٢١٦ ، وصحيح مسلم ج ٢ ص ٤٣ ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ١١٧٤ ، وسنن أبي داود ج ١ ص ١٣٠ ، والمستدرك للحاكم ج ١ ص ١٩٩ و ٢٠١ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ٤٢٩ وج ٣ ص ١١٨ ، وشرح مسلم للنووي ج ٤ ص ١٨٥ ، وفتح الباري ج ٢ ص ١٦٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٦ و ٢٩٧ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٢٤ و ١٢٥ ، ومسند احمد ج ٤ ص ٢١٨ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ١ ص ٢٧٧.

١٠١

وروي عنه أنه قال : قدمت في وفد ثقيف حين قدموا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». فلما حللنا بباب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قالوا : من يمسك رواحلنا؟ فكل القوم أحب الدخول على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وكره التخلف عنه ، وكنت أصغرهم ، فقلت : إن شئتم أمسكت لكم على أن عليكم عهد الله لتمسكن لي إذا خرجتم.

قالوا : فذلك لك.

فدخلوا عليه ثم خرجوا ، فقالوا : انطلق بنا.

قلت : إلى أين؟

قالوا : إلى أهلك.

فقلت : «ضربت من أهلي حتى إذا حللت بباب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرجع ولا أدخل عليه؟ وقد أعطيتموني ما علمتم»؟!.

قالوا : فاعجل ، فإنا قد كفيناك المسألة ، لم ندع شيئا إلا سألناه.

فدخلت فقلت : يا رسول الله ، ادع الله تعالى أن يفقهني في الدين ويعلمني.

قال : «ماذا قلت»؟

فأعدت عليه القول.

فقال : «قد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد من أصحابك ، اذهب فأنت أمير عليهم وعلى من تقدم عليه من قومك».

وفي رواية : فدخلت على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فسألته

١٠٢

مصحفا كان عنده فأعطانيه (١).

ونص آخر يقول :

وكانوا يغدون على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في كل يوم ، ويخلفون عثمان بن أبي العاص على رحالهم ، لأنه أصغرهم. فلما رجعوا عمد إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فسأله عن الدين ، واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم. فأعجب ذلك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأحبه. فمكث الوفد يختلفون إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو يدعوهم إلى الإسلام ، فأسلموا.

فقال كنانة بن عبد ياليل : هل أنت مقاضينا حتى نرجع إلى قومنا؟

قال : نعم ، إن أنتم أقررتم بالإسلام أقاضيكم ، وإلا فلا قضية ولا صلح بيني وبينكم.

قالوا : أفرأيت الزنا؟ فإنا قوم نغترب لابد لنا منه.

قال : وهو عليكم حرام ، إن الله عزوجل يقول : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) (٢).

قالوا : أفرأيت الربا فإنه أموالنا كلها؟

قال : لكم رؤوس أموالكم ، إن الله تعالى يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٧ عن الطبراني ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٧١ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٢٤٤ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٧١ ، والآحاد والمثاني للضحاك ج ١ ص ٤٠ وج ٣ ص ١٩١ ، والمعجم الكبير للطبراني ج ٩ ص ٦١.

(٢) الآية ٣٢ من سورة الإسراء.

١٠٣

اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (١).

قالوا : أفرأيت الخمر فإنه لابد لنا منها؟

قال : إن الله تعالى قد حرمها وقرأ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢).

فارتفع القوم وخلا بعضهم ببعض ، وكلموه ألّا يهدم الربة ، فأبى ، فقال ابن عبد ياليل : إنّا لا نتولى هدمها.

فقال : «سأبعث إليكم من يكفيكم هدمها». وأمر عليهم عثمان بن أبي العاص كما تقدم لما علم من حرصه على الإسلام. وكان قد تعلم سورا من القرآن قبل أن يخرج لما سألوه أن يؤمّر عليهم (٣).

هدم الطاغية :

وقالوا أيضا : لما توجه أبو سفيان والمغيرة إلى الطائف لهدم الطاغية أراد المغيرة أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ذلك أبو سفيان عليه وقال : ادخل أنت على قومك. وأقام أبو سفيان بماله بذي الهرم (٤).

__________________

(١) الآية ٢٧٨ من سورة البقرة.

(٢) الآية ٩٠ من سورة المائدة.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٨ وراجع : شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٢٥ و ١٢٦ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٤١ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦٢.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٧ عن زاد المعاد عن ابن إسحاق وغيره والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٢٥ ، والدرر لابن عبد البر ص ٢٤٩ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٦٦ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٤٠ ، والسيرة النبوية لابن هشام

١٠٤

فلما دخل المغيرة علاها ليضربها بالمعول ، وقام قومه دونه ، بنو معتب ، خشية أن يرمى أو يصاب كما أصيب عروة. فلما هدمها المغيرة ، وأخذ مالها وحليّها أرسل أبا سفيان بمجموع مالها من الذهب والفضة والجزع (١).

الوفد العائد :

ولما رجع الوفد خرجت ثقيف يتلقونهم ، فلما رأوهم ساروا العنق ، وقطروا الإبل قال بعضهم لبعض : ما وفدكم بخير ، وقصد الوفد اللات ، ونزلوا عندها.

فقال ناس من ثقيف : إنهم لا عهد لهم برؤيتنا ، ثم رحل كل رجل منهم إلى أهله ، فسألوهم : ما ذا جئتم به؟

قالوا : أتينا رجلا فظا غليظا ، قد ظهر بالسيف ، وداخ له العرب ، قد عرض علينا أمورا شدادا : هدم اللات.

فقالت ثقيف : والله لا نقبل هذا أبدا.

فقال الوفد : أصلحوا السلاح ، وتهيأوا للقتال.

فمكثت ثقيف كذلك يومين أو ثلاثة يريدون القتال ، ثم ألقى الله في قلوبهم الرعب ، فقالوا : والله ، ما لنا به من طاقة ، فارجعوا فاعطوه ما سأل.

__________________

ج ٤ ص ٩٦٨ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٢٧٣ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦١ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٤.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٧ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٦٦ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٤٠ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٦٨ ، وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٧٣ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦١.

١٠٥

فلما رأى الوفد أنهم قد رغبوا واختاروا الإيمان قال الوفد : فإنّا قاضيناه وشرطنا ما أردنا ، ووجدناه أتقى الناس ، وأوفاهم ، وأرحمهم ، وأصدقهم ، وقد بورك لنا ولكم في مسيرنا إليه ، فاقبلوا عافية الله.

فقالت ثقيف : فلم كتمتونا هذا الحديث؟

فقالوا : أردنا أن ننزع من قلوبكم نخوة الشيطان ، فأسلموا مكانهم ، ومكثوا أياما. ثم قدم رسل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعمدوا إلى اللات ليهدموها ، فهدمها المغيرة حسبما تقدم (١).

وقال عثمان بن أبي العاص ، كما رواه عنه أبو داود : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمره أن يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم.

وقال عثمان : إنما استعملني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأني كنت قرأت سورة البقرة ، فقلت : يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني ، فوضع يده على صدري وقال : «يا شيطان ، اخرج من صدر عثمان». فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٨ و ٢٩٩ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٢٥ و ١٢٦ و ١٢٧ ، وتاريخ المدينة للنميري ج ٢ ص ٥٠٥ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٧١ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٤١ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٨ و ٢٩٩ عن أبي داود ، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٢٦ و ١٢٧ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣ ، والمعجم الكبير للطبراني ج ٩ ص ٤٧ ، والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص ١٣٧ ، وتاريخ المدينة ج ٢ ص ٥٠٨ ، وإمتاع الأسماع ج ٤ ص ٣٩٥ ج ١١ ص ٣٢٢ و ٣٢٥.

١٠٦

وعن عبد الرحمن بن أبي عقيل الثقفي قال : انطلقت في وفد ثقيف إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأتيناه فأنخنا بالباب ، وما في الناس رجل أبغض إلينا من رجل نلج عليه ، فلما خرجنا بعد دخولنا عليه فخرجنا وما في الناس أحب إلينا من رجل دخلنا عليه قال : فقال قائل منا : يا رسول الله ، ألا سألت ربك ملكا كملك سليمان؟

قال : فضحك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ثم قال : «فلعل لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان «عليه‌السلام» ، إن الله عزوجل لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة ، فمنهم من اتخذ بها دنيا فأعطيها ، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه ، فأهلكوا بها ، وإن الله عزوجل أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة (١).

كتاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لوفد ثقيف :

وعاد وفد ثقيف ، وقد حصل على كتاب من رسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهو التالي :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله «صلى

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٥ عن البخاري في تاريخه ، والحارث بن أبي أسامة ، وابن مندة ، والطبراني ، والبزار ، والبيهقي ، ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٧٤ عن الطبراني والبزار برجال ثقات ، والمستدرك للحاكم ج ١ ص ٦٨ ، ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٧١ ، والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٤٣٢ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٠٠ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٣ ص ٢٨٤ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٦٥.

١٠٧

الله عليه وآله» لثقيف :

كتب أن لهم ذمة الله الذي لا إله إلا هو ، وذمة محمد بن عبد الله النبي على ما كتب عليهم في هذه الصحيفة.

أن واديهم حرام محرم لله كل عضاهه وصيده ، وظلم فيه ، وسرق فيه ، أو إساءة.

وثقيف أحق الناس بوجّ ، ولا يعبر طائفهم ، ولا يدخله عليهم أحد من المسلمين يغلبهم عليه ، وما شاؤوا أحدثوا في طائفهم من بنيان أو سواه وبواديهم.

لا يحشرون ، ولا يعشرون ، ولا يستكرهون بمال الأنفس.

وهم أمة من المسلمين يتولجون من المسلمين حيث ما شاؤوا ، وأين تولجوا ولجوا.

وما كان لهم من أسير فهو لهم ، هم أحق الناس به حتى يفعلوا به ما شاؤوا.

وما كان لهم من دين في رهن فبلغ أجله ، فإنه لواط (لياط) مبرأ من الله ، وما كان من دين في رهن وراء عكاظ ، فإنه يقضى إلى عكاظ رأسه.

وما كان لثقيف من دين في صحفهم اليوم الذي أسلموا عليه في الناس فإنه لهم.

وما كان لثقيف من وديعة في الناس أو مال أو نفس غنمها مودعها أو أضاعها ألا فإنها مؤداة.

وما كان لثقيف من نفس غائبة أو مال ، فإن له من الأمن ما لشاهدهم.

وما كان لهم مال بلّية فإن له من الأمن ما لهم بوجّ.

١٠٨

وما كان لثقيف من حليف أو تاجر فأسلم فإن له مثل قضية أمر ثقيف.

وإن طعن طاعن على ثقيف أو ظلمهم ظالم ، فإنه لا يطاع فيهم في مال ولا نفس ، وأن الرسول ينصرهم على من ظلمهم والمؤمنون.

ومن كرهوا أن يلج عليهم من الناس فإنه لا يلج عليهم.

وأن السوق والبيع بأفنية البيوت.

وأنه لا يؤمّر عليهم إلا بعضهم على بعض ، على بني مالك أميرهم ، وعلى الأحلاف أميرهم.

وما سقت ثقيف من أعناب قريش فإن شطرها لمن سقاها.

وما كان لهم من دين في رهن لم يلط ، فإن وجد أهلها قضاء قضوا ، وإن لم يجدوا قضاء ، فإنه إلى جمادى الأولى من عام قابل ، فمن بلغ أجله فلم يقضه فإنه قد لاطه.

وما كان لهم في الناس من دين فليس عليهم إلا رأسه.

وما كان لهم من أسير باعه ربه فإن له بيعه ، وما لم يبع فإن فيه ست قلائص نصفين : حقاق ، وبنات لبون ، كرام سمان.

ومن كان له بيع اشتراه فإن له بيعه (١).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٦ و ٥٧ و ٦٥ و ٦٦ عن المصادر التالية : الأموال لأبي عبيد ص ١٩٠ وفي (ط أخرى) ص ٢٧٦ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٣٦.

ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٨٤ والخراج لقدامة ورقة ١٢٣ ، والسهيلي ج ٢ ص ٦٢ و ٣٢٧ والعباب للصاغاني (خطية) مادة «ليط» ، والكامل لابن الأثير ج ١ ص ٢٤٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٥ ص ٥١٠ وعن ص ٣٧٢ وج ١ ص ٢٨٥ وعن ج ٤ ق ١ ص ٦٩ والوثائق ص ٧٢٠ عن ابن شبة ، ونشأة الدولة ـ

١٠٩

كتاب آخر لوفد ثقيف :

وسأل وفد ثقيف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يجعل وجّا حمى لهم ، فأجاب طلبهم ، وكتب لهم الكتاب التالي :

«بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد النبي رسول الله إلى المؤمنين : إن عضاه وجّ وصيده حرام لا يعضد [ولا يقتل صيده] ، فمن وجد يفعل شيئا من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، ومن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ النبي محمدا ، وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله. وكتب خالد بن سعيد بأمر من محمد بن عبد الله رسول الله [فلا يتعدّه أحد فيظلم نفسه فيما

__________________

الإسلامية ص ٣١٥. وراجع : فتوح البلدان ص ٦٧ وفي (ط أخرى) ص ٧٥ والإصابة ج ١ ص ١٨٤ / ٨٣٩ في ترجمة تميم بن جراشة الثقفي ، وأنساب الأشراف (تحقيق محمد حميد الله) ص ٣٦٦ وأسد الغابة ج ١ ص ٢١٦ وج ٣ ص ٣٧٣ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٧٤ عن السهيلي ، والثقات لابن حبان ج ٢ ص ١١٢ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٥٠٧ و ٥١٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٣ ص ١٩٧ وغريب الحديث لأبي عبيد ج ٣ ص ١٩٨ والفائق للزمخشري ج ٣ ص ٥٨ و ٢٣٨ والنهاية ، ولسان العرب في ليط ، وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٣ ص ٨٣ و ٩٩ ورسالات نبوية ص ١٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٣٤٣ والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ص ٨٢٣ والأموال لابن زنجويه ج ٢ ص ٤٥٣ وحياة الصحابة ج ١ ص ١٦٥ و ١٦٦ والعقد الفريد ج ٢ ص ٣٥ ومعجم البلدان ج ٤ ص ١٢ في «الطائف» ، والدر المنثور ج ١ ص ٣٦٤ ومعجم قبائل العرب ج ١ ص ١٥٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٨٤ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٦٧ وراجع : مجمع الزوائد ج ٤ ص ١١٩.

١١٠

أمر به محمد رسول الله لثقيف]».

وشهد على نسخة هذه الصحيفة صحيفة رسول الله التي كتب لثقيف علي بن أبي طالب ، وحسن بن علي ، وحسين بن علي ، وكتب نسختها لمكان الشهادة (١).

واستعمل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سعد بن أبي وقاص على حمى وجّ (٢).

وذكر ابن سعد في الطبقات شهادة الحسنين «عليهما‌السلام» على

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٨ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٢ و ٧٣ عن المصادر التالية : الأموال لأبي عبيد ص ١٩٣ وفي (ط أخرى) ص ٢٧٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٨٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٣٤٤ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٩٣ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٨٥ وفي (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٣٣ وعن ج ٤ ق ١ ص ٦٩ وإعلام السائلين ص ٥٠ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٥٢ عن المواهب اللدنية شرح الزرقاني ج ٤ ص ١٠ ورسالات نبوية ص ٣٠٧ / ١١٤ والأموال لابن زنجويه ج ٢ ص ٤٥٢ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٧٣ وزاد المعاد لابن القيم ج ٢ ص ١٩٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٤ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ١١ والمواهب اللدنية ج ١ ص ٢٣٦ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٣٥ وسيرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لإسحاق بن محمد الهمداني قاضي أبرقوه ص ٩٩٧ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٨٧ / ١٨٢ عن مجموعة المكتبات للديبلي / ١٧ وابن هشام ، وابن سعد ، والواقدي ، وابن كثير ، والقسطلاني في المواهب ، ورسالات نبوية ، وزاد المعاد ، والأموال لأبي عبيد ، وابن زنجويه ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ١ ص ٤٩٣ و ٤٩٤ ثم قال : قابل سنن أبي داود ، ووفاء الوفا ص ١٠٣٦ وانظر كايتاني ص ٥٨٩ التعليقة الرابعة واشپربر ص ٧٢ واشپرنكر ج ٣ ص ٤٨٦.

(٢) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٧٣ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ٨٨.

١١١

الكتاب الأول ، دون الثاني (١).

ونقول :

إن لنا مع ما تقدم وقفات ، نجملها فيما يلي :

إيضاحات لابد منها :

وقبل أن نشرع في بيان ما ربما يكون بيانه مفيدا نشير إلى بعض الإيضاحات لنصوص الكتابين المذكورين آنفا ، فنقول :

ثقيف قبيلة من هوازن ، وهم قسمان : الأحلاف ، وبنو مالك. وكانوا يعبدون اللات ، ويسمونها الربة.

العضاه : كل شجر ذي شوك ، وقد ذكر الكتاب : أنه لا يجوز ظلم ثقيف في واديهم ، ولا السرقة ، ولا الإساءة.

لا يعضد : لا يقطع.

وجّ : بفتح الواو وتشديد الجيم : قال في القاموس : «اسم واد بالطائف ، لا بلد به. وغلط الجوهري [وهو ما بين جبلي المحترق والأحيحدين] ومنه آخر وطأة وطئها الله تعالى بوجّ ، يريد غزوة حنين لا الطائف وغلط الجوهري.

وحنين : واد قبل وجّ ، أما غزوة الطائف ، فلم يكن فيها قتال». انتهى.

قال في النور : قوله لم يكن فيها قتال ، فيه نظر ، إلا أن يريد توجهه [إلى موضع العدو وإرهابه] (٢).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٧٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٠٢ والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٢٧ و ١٢٨.

١١٢

لا يعبر طائفهم : أي بغير إذنهم ، ولا يدخل فيه أحد بغير إذنهم.

لا يحشرون : أي لا تضرب عليهم البعوث ، أو لا يحشرون إلى عامل الزكاة ، بل يأخذها في أماكنها.

ولا يعشرون : أي لا يؤخذ منهم عشر أموالهم كضريبة كانت معروفة قبل الإسلام ، وإنما تؤخذ منهم الصدقة الواجبة.

يلجون : أي يدخلون بلاد المسلمين حيث شاؤوا.

وما كان لهم من أسير : أي أسروه في الجاهلية ، فهو لهم حتى يأخذوا فديته ، فإن الإسلام أقرّ الناس على ما في إيديهم من مال ، وأرض ، وعبيد وإماء. وجعل لهم أن يفادوا أسراهم وحدد فداء كل أسير بست قلائص ، وليس لهم بيعه بعد هذا العهد ، أما ما بيع قبله ، فبيعه صحيح.

واللياط : الإلصاق ، إي أنهم قد ألصقوا الربا بالبيع ولاطوه به ، ولأجل ذلك حكم أنه إذا كان الدين إلى عكاظ ، فإنه يقضي برأسه أي برأس المال ، ويسقط الربا.

وكانت ثقيف تريد أن يبيح النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لها الربا الذي كانت تتعامل به بكثرة ، وكانت تملك أموالا طائلة فتقرض وترهن.

وقد حكم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أيضا بأن المديون لهم يعطيهم الدين ، ولا يعطيهم الربا ، فإن الربا قد ألصق بالبيع وبالرهن بغير وجه حق.

لية ـ بكسر اللام ـ : واد لثقيف قرب الطائف.

القلوص : الناقة الشابة.

الحقة : الناقة التي دخلت في الرابعة.

وبنت اللبون : الناقة التي دخلت في الثالثة.

١١٣

إلغاء سوق عكاظ :

ويلاحظ هنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صرح بأن عليهم البيع بالأفنية. أي في الساحات المتسعة أمام دورهم أو في بلدهم ..

فهل هذا يهدف إلى تثبيطهم عن الإرتحال إلى سوق عكاظ الذي كان يشتمل على المفاسد ، لما يكون فيه من هجاء ، وافتخار بمآثر الجاهلية ، وتشبيب بالنساء ، وغير ذلك مما من شأنه أن يترك آثارا سيئة على العلاقات بين الناس ، وعلى أخلاقهم ، وعلى حالاتهم الإجتماعية.

شهادة الحسنين عليهما‌السلام على كتاب ثقيف :

وقد تقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أشهد الحسنين «عليهما‌السلام» على كتاب ثقيف ، وكان عمرهما في سنة تسع خمس وست سنين ، وفي هذا تعظيم لشأنهما ، وإظهار لفضلهما.

وفيه أيضا : دلالة على أن الحسنين «عليهما‌السلام» قادران على حفظ حقوق الناس ، حتى وهما في هذه السنّ ، لأنهما يملكان من الوعي والإدراك والعقل وسداد الرأي ، والإتزان وقوة الإلتزام ، ما يكفي لذلك ، وهذه ميزة لم تكن لغيرهما ممن هو أكبر منهما سنا ..

على أن من الواضح : أن هذه الشهادة قد كانت على أمر يرتبط بمصير جماعة كبيرة من الناس ، فإنهما لم يشهدا على ملكية شاة أو دار ، أو قطعة أرض ، بل على ما هو أجل وأخطر من ذلك بكثير ..

مع ملاحظة : أن شهادتهما قد أثبتت إلى جانب شهادة أبيهما في أمر يرتبط بسياسة العباد ، وبالتعهدات الملزمة فيما بين إمام المسلمين وبين جماعة

١١٤

من الناس أصرت على مناوأة الإسلام وأهله حقبة من الزمن.

وقد أثبتت شهادتهما مع أبيهما ، دون غيرهم من المسلمين ، كبيرهم وصغيرهم ، مع أن الجميع كانوا موجودين ، أو غير بعيدين ..

فما هو السبب في ذلك يا ترى؟! فهل يراد الإلماح إلى أن من يفي بهذا العهد ، ويكون المسؤول عنه هو القائم بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو علي «عليه‌السلام» ثم الحسن ، ثم الحسين صلوات الله وسلامه عليهما؟! ..

ملك سليمان :

وتقدم : أن أحد أعضاء وفد ثقيف قال لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : لو سألت ربك ملكا كملك سليمان؟!

فضحك «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وقال : فلعل لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان الخ ..

ومن الواضح : أن هؤلاء الناس يرون أن العظمة والمقام والفضل إنما يكون بالملك والسلطان في الدنيا .. وأن المثل الأعلى لذلك بنظرهم هو ملك سليمان ..

وقد ضحك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ضحك الإستهانة بهذه النظرة ، ثم أوضح لهم أن الأمر ليس كما يظنون ، فإن الملك الحقيقي والعظيم والجليل ، قد لا يكون ظاهرا لهم ، وأن من يرونه فاقدا للملك قد يكون هو الأغنى ، والأعظم ملكا ، والأوسع نفوذا ، وسلطانا ، والأقوى شوكة ، والأجل مقاما ، والأكرم والأفضل ، فإن المعيار في الملك والكرامة

١١٥

هو ما أعده الله تعالى لعباده ، فاذا كان الناس لا يدركون بواطن الأمور فلا يحق لهم إصدار الأحكام ، وليس لهم أن يقولوا :

هذا واجد ، وهذا فاقد .. وعليهم أن يتوقعوا أن يكون الأمر حين تتكشف لهم الأمور على خلاف ما هي عليه في ظاهر الحال ..

ثم أخبرهم زيادة على ذلك بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يملك دعوة قد خبأها لأمته ، وأن ما ناله سليمان إنما ناله بدعوة مثلها ، أما نبينا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فلعل الله تعالى قد أعطاه بالإضافة إلى تلك الدعوة ملكا أعظم من ملك سليمان .. وقد أبقى دعوته لأمته ، وبذلك يكون قد بلغ منتهى الفضل ، وأقصى غايات الكرامة ..

علم عثمان بن أبي العاص :

وقد ذكر في ما تقدم : أن عثمان بن أبي العاص بعد أن رجع الوفد من عند رسول الله عمد إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فسأله عن الدين ، واستقرأه القرآن حتى فقه وعلم .. فمكث الوفد عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى قبلوا الإسلام ..

ونقول :

إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن قد فرّغ نفسه لتعليم عثمان بن أبي العاص ، وكان من عادته أن يدفع من يريد التفقه في الدين إلى بعض أصحابه ليتولى هو ذلك.

ولو فرض أنه قد أعطاه من وقته ، فإن هذه الأيام اليسيرة جدا لم تكن تكفي لأن يفقه عثمان ويعلم ..

١١٦

على أن الرواية الأخرى تكاد تكون صريحة في أن الوفد التقى بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلما حصل على ما أراد ، خرج من عنده عازما على السير ، ولم يرضوا إلا بإعطاء فرصة يسيرة جدا لعثمان بن أبي العاص ليلتقي برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأمروه بالعجلة ، ومعنى هذا هو أنه لم يمكث عند النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لا أياما ولا ساعات فكيف يفقه ويعلم ، بتعليم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!.

لا خير في دين لا صلاة فيه :

والصلاة هي الصلة بين العبد وربه ، وهي تمثل فرصة لإظهار العبودية لله ، وتبلور الشعور بألوهيته وهيمنته وقاهريته ، والحاجة إليه ، والإحساس برقابته ، وهي تهدف إلى دفع العبد نحو عمل الخير ، والإبتعاد عن المنكر ، والفحشاء .. فمن أجل ذلك وسواه قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا خير في دين لا صلاة فيه».

لا مساومة على أحكام الله :

وقد رفض «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يساوم وفد ثقيف على شيء من أحكام الله تبارك وتعالى ، بحيث يصدر هو قرارا بتجويز ارتكاب تلك المحرمات لهم .. لأن ذلك نقض لأحكام الله ، وتضييع لشرائعه.

أما حين يبقى حكم الله تعالى ثابتا ، ويريد هذا أو ذاك أن يخالفه ، فان الأمر يصبح أقل سوءا وخطرا ، لأن ذلك العاصي المتعمد يكون قد آذى نفسه بتعريضها لعقوبة الله تبارك وتعالى ، وللمفاسد التي تنشأ عن تلك المخالفة .. كما أن المضطر للمخالفة فإنه وإن كان يعرض نفسه للمفسدة في الدنيا ، أو

١١٧

يفوّت على نفسه أجرا أو منفعة ، لكن اضطراره يسقط عنه عقوبة الآخرة ..

ولأجل ذلك نلاحظ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يجبرهم على هدم صنمهم بأيديهم ، ولكنه لم يفرط بالحكم الإلهي القاضي بلزوم هدمه ، كما هو ظاهر لا يخفى ..

جمع القرآن في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد تقدم : أن عثمان بن أبي العاص حين قدم على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في وفد ثقيف سأل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مصحفا كان عنده ، فأعطاه إياه ..

وهذا يدل على أن القرآن قد جمع في عهد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وجعل مصحفا يراه ويطلبه هذا الرجل من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فيعطيه إياه ..

وهذا يكذب ما زعموه : من أن القرآن قد جمع في عهد أبي بكر بشهادة رجلين ، ورجل واحد أحيانا.

ولعل أبا بكر ، أو أبا بكر وعمر كانا لا يملكان مصحفا ، ولم يرضيا بالمصحف الذي جاءهم به علي «عليه‌السلام» ، وكان قد كتب فيه التنزيل والتأويل ، والمحكم ، والمتشابه ، ومتى نزلت الآيات وفي من نزلت.

نعم .. لم يرضوا بهذا المصحف ، لأن ذلك يحرجهم في كثير من الأمور ، وفي الأشخاص والرموز التي يراد إشراكها في القرار ، وفي السلطة ..

فلم يكن لهم من خيار سوى تكليف زيد بن ثابت بجمع مصحف لهما ، يكون خاليا عن ذلك كله ، ففعل ، فقيل : إن القرآن قد جمع على عهد أبي بكر ..

١١٨

وقد تكلمنا حول هذا الموضوع بنوع من التفصيل في كتابنا «حقائق هامة حول القرآن الكريم».

ادع الله أن يفقهني ، ويعلمني :

وقد طلب عثمان بن أبي العاص من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يفقهه في الدين ، ويعلمه .. وهذا يستثير سؤالا هاما جدا ، يحتاج إلى الإجابة الصريحة ، والواضحة وهو :

إنه لا شك في أن هذا الطلب قد جاء في آواخر حياة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولم يستطع عثمان أن يجالس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سوى فترة قصيرة جدا ، ثم انصرف إلى عمله في إدارة شؤون قومه ..

ولا شك في أن العلم والفقه في الدين يحتاج إلى معلم ، ولا يناله عثمان ولا غيره بالوحي ، ولا يراه في المنام ، فلما ذا لم يرشده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى من يعلمه عقائده وشرائع دينه بعد وفاته؟!

وأليس ذلك يدل على لزوم وجود من يرجع الناس إليه بعد وفاة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟!

عثمان بن أبي العاص يمدح نفسه :

قد تقدم : أن عثمان بن أبي العاص يتحدث عن نفسه بما يشير إلى خصوصية وفضيلة له .. ونحن لا ننكر أن يكون النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ولّاه على الطائف ، غير أننا نقول :

إن تولية النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له لا تعني أنه كان من الأخيار الأبرار ، فقد ولى من لم يكن بذاك ..

١١٩

ومن جهة أخرى : فقد كان عثمان هذا موضع اهتمام من قبل الحاكمين ، فقد استعمله أبو بكر وعمر (١) ، واستعمله عمر على عمان والبحرين (٢).

المغيرة يقدم أبا سفيان ، فيرفض :

وعن محاولة المغيرة تقديم أبي سفيان ليكون هو الذي يواجه ثقيف ، حين هدم الطاغية ، فلعله أراد أن يحرج أبا سفيان بهذا الأمر ، ويخفف من حدة نظرة قومه إليه ، بإظهاره أنه جاء تابعا لأبي سفيان ، ولكن أبا سفيان قد تلافى هذا الموقف بأن ترك المغيرة يدخل وحده على قومه ، ويذهب هو إلى موضع له ، وينزل فيه.

وهذا يدل على أن أبا سفيان والمغيرة كانا بعيدين عن دائرة الإيمان الصافي والصادق .. كما هو ظاهر لا يخفى.

توضيحات عن وفد ثقيف :

قد تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد فتح الطائف ، وأسقط مقاومة ثقيف ، ولعل الذين أسلموا منهم كانوا ثلة قليلة لعلها لم تستطع

__________________

(١) راجع : مجموعة الوثائق السياسية ص ٣٩٥ والكامل لابن الأثير ج ٣ ص ٢٨٤ و ٤٢١ والإصابة ج ٢ ص ٤٦٠ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٩١ واسد الغابة ج ٣ ص ٣٧٣ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٦٣ و ٩٦٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٩٩ و ٥٩٧ ، وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٧٤ ، والإصابة ج ٤ ص ٣٧٤ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٤ ص ٢٧٠.

(٢) المعارف لابن قتيبة ص ١٥٣ ، وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٣٧٤ ، والإصابة ج ٤ ص ٣٧٤ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٤ ص ٢٧٠.

١٢٠