دروس في علم الأصول - ج ٢

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٨
الجزء ١ الجزء ٢

لوحظا في زمانٍ واحدٍ دون أن يقيّد أحدهما بزمان الآخر بعنوانه.

فعلى الأول لا يجري استصحاب بقاء الجزء في جميع الصور ؛ لأنّه يفترض تقيّده بزمان الجزء الآخر بهذا العنوان ، وهذا التقيّد لا يثبت بالاستصحاب ، وقد شرطنا منذ البداية في جريان استصحاب الجزء في باب الموضوعات المركّبة عدم أخذ التقيّد بين أجزائها في موضوع الحكم.

وعلى الثاني لا يجري استصحاب بقاء الجزء فيما إذا كان زمان الارتفاع معلوماً ولنفرضه الظهر ؛ لأنّ استصحاب بقائه إلى زمان وجود الملاقاة ـ التي هي الجزء الآخر في المثال ـ إن اريد به استصحاب بقائه إلى الزمان المعنون بأنّه زمان الملاقاة بما هو زمان الملاقاة فهذا الزمان بهذا العنوان وإن كان يشكّ في بقاء عدم الكّرية إلى حينه ولكنّ المفروض أنّه لم يؤخذ عدم الكرّية في موضوع الحكم مقيّداً بالوقوع في زمان الجزء الآخر بما هو كذلك.

وإن اريد به استصحاب بقائه إلى واقع زمان الملاقاة على نحوٍ يكون قولنا : «زمان الملاقاة» مجرّد مشيرٍ إلى واقع ذلك الزمان فهذا هو موضوع الحكم ، ولكنّ واقع هذا الزمان يحتمل أن يكون هو الزوال ؛ للتردّد في زمان الملاقاة ، والزوال زمان يعلم فيه بارتفاع عدم الكرِّية ، فلا يقين إذن بثبوت الشكّ في البقاء في الزمان الذي يراد جرّ المستصحَب إليه.

وعلى هذا الضوء نعرف أنّ ما ذهب اليه القول الثاني من عدم جريان استصحاب بقاء الجزء في صورة العلم بزمان ارتفاعه هو الصحيح بالبيان الذي حقّقناه.

ولكنّ هذا البيان يجري بنفسه أيضاً في بعض صور مجهولي التأريخ ، كما إذا كان زمان التردّد فيهما متطابقاً ، كما إذا كانت الملاقاة مردّدةً بين الساعة الواحدة والثانية ، وكذلك ارتفاع عدم الكرّيّة بحدوث الكرّيّة ، فإنّ هذا يعني أنّ

٥٢١

ارتفاع عدم الكرّيّة بحدوث الكرّيّة مردّد بين الساعة الاولى والثانية ، ولازم ذلك أن تكون الكرّيّة معلومةً في الساعة الثانية على كلّ حال ، وإنّما يشكّ في حدوثها وعدمه في الساعة الاولى ، ويعني أيضاً : أنّ الملاقاة متواجدة إمّا في الساعة الاولى ، أو في الساعة الثانية ، فإذا استصحبت عدم الكرّيّة إلى واقع زمان تواجد الملاقاة فحيث إنّ هذا الواقع يحتمل أن يكون هو الساعة الثانية يلزم على هذا التقدير أن نكون قد تعبّدنا ببقاء عدم الكرّيّة إلى الساعة الثانية ، مع أنّه معلوم الانتفاء في هذه الساعة.

ومن هنا يتبيّن : أنّ ما ذهب اليه القول الثالث من عدم جريان استصحاب بقاء عدم الكرّيّة في صورة الجهل بالزمانين وصورة العلم بزمان ارتفاع هذا العدم معاً هو الصحيح.

وأمّا صورة الجهل بزمان الارتفاع مع العلم بزمان الملاقاة فلا بأس بجريان استصحاب عدم الكرّيّة فيها إلى واقع زمان الملاقاة ، إذ لا علم بارتفاع هذا العدم في واقع هذا الزمان جزماً.

ولكنّنا نختلف عن القول الثالث في بعض النقاط ، فنحن ـ مثلاً ـ نرى جريان استصحاب عدم الكرّيّة في صورة الجهل بالزمانين مع افتراض أنّ فترة تردّد زمان الارتفاع أوسع من فترة تردّد حدوث الملاقاة في المثال المذكور ، فإذا كانت الملاقاة مردّدةً بين الساعة الاولى والثانية ، وكان تبدّل عدم الكرِّية بالكرِّية مردّداً بين الساعات الاولى والثانية والثالثة فلا محذور في إجراء استصحاب عدم الكرِّية إلى واقع زمان الملاقاة ؛ لأنّه على أبعد تقديرٍ هو الساعة الثانية ، ولا علم بالارتفاع في هذه الساعة ؛ لاحتمال حدوث الكرّية في الساعة الثالثة ، فليس من المحتمل أن يكون جرّ بقاء الجزء إلى واقع زمان الجزء الآخر جرّاً له إلى زمان اليقين بارتفاعه أبداً.

٥٢٢

شبهة انفصال زمان الشكّ عن زمان اليقين :

بقي علينا أن نشير إلى أنّ ما اخترناه وإن كان قريباً جدّاً من القول الثالث الذي ذهب اليه صاحب الكفاية غير أنّه ـ قدّس الله نفسه ـ قد فسّر موقفه واستدلّ على قوله ببيانٍ يختلف بظاهره عمّا ذكرناه ، إذ قال : بأنّ استصحاب عدم الكرّية إنمّا لا يجري في حالة الجهل بالزمانين ؛ لعدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ، وقد فُسِّر هذا الكلام بما يمكن توضيحه كما يلي :

إذا افترضنا أنّ الماء كان قليلاً قبل الزوال ثمّ مرّت ساعتان حدثت في إحداهما الكرّية وفي الاخرى الملاقاة للنجاسة فهذا يعني أنّ كلاًّ من حدوث الكرّية والملاقاة معلوم في إحدى الساعتين بالعلم الإجمالي ، فهناك معلومان إجماليّان ، وإحدى الساعتين زمان أحدهما ، والساعة الاخرى زمان الآخر ، وعليه فالملاقاة المعلومة إذا كانت قد حدثت في الساعة الثانية فقد حدثت الكرّية المعلومة في الساعة الاولى ، واستصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة على هذا التقدير يعني أنّ زمان الشكّ الذي يراد جرّعدم الكرّية اليه هو الساعة الثانية ، وزمان اليقين بعدم الكريّة هو ما قبل الزوال ، وأمّا الساعة الاولى فهي زمان الكرّية المعلومة إجمالاً ، وهذا يؤدّي إلى انفصال زمان اليقين بعدم الكرّية عن زمان الشكّ فيه بزمان اليقين بالكرّية ، وما دام هذا التقدير محتملاً فلا يجري الاستصحاب ؛ لعدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين.

ونلاحظ على ذلك :

أوّلاً : أنّ الساعة الاولى على هذا التقدير هي زمان الكرّية واقعاً ، لا زمان الكرّية المعلومة بما هي معلومة ؛ لأنّ العلم بالكرّية كان على نحو العلم الإجمالي من ناحية الزمان ، وهو علم بالجامع فلا احتمال للانفصال إطلاقاً.

وثانياً : أنّ البيان المذكور لو تمّ لمنع عن جريان استصحاب عدم الكرّية

٥٢٣

حتى في الصورة التي اختار صاحب الكفاية جريان الاستصحاب فيها ، وهي صورة الجهل بزمان حدوث الكرّية مع العلم بزمان الملاقاة وأ نّه الساعة الثانية مثلاً ؛ لأنّ الكرّية معلومة بالإجمال في هذه الصورة ويحتمل انطباقها على الساعة الاولى ، فإذا كان انطباق الكرّية المعلومة بالإجمال على زمانٍ يوجب تعذّر استصحاب عدم الكرّية إلى ما بعد ذلك الزمان جرى ذلك في هذه الصورة أيضاً ، وتعذّر استصحاب عدم الكرّية إلى الساعة الثانية ؛ لاحتمال الفصل بين زمان اليقين وزمان الشكّ بزمان العلم بالكرّية.

وهناك تفسير آخر لكلام صاحب الكفاية أكثر انسجاماً مع عبارته ، ولنأخذ المثال السابق لتوضيحه ، وهو الماء الذي كان قليلاً قبل الزوال ثمّ مرّت ساعتان حدثت في إحداهما الكرّية وفي الاخرى الملاقاة للنجاسة ، وحاصل التفسير : أنّ ظرف اليقين بعدم الكرّية في هذا المثال هو ما قبل الزوال ، وظرف الشكّ مردد بين الساعة الاولى بعد الزوال والساعة الثانية ؛ لأنّ عدم الكرّية له اعتباران ، فتارةً نأخذه بما هو مقيس إلى قطعات الزمان وبصورةٍ مستقلّةٍ عن الملاقاة. واخرى نأخذه بما هو مقيس إلى زمان الملاقاة ومقيّد به.

فإذا أخذناه بالاعتبار الأول وجدنا أنّ الشكّ فيه موجود في الساعة الاولى وهي متّصلة بزمان اليقين مباشرة ، فبالإمكان أن نستصحب عدم الكرّية إلى نهاية الساعة الاولى ، ولكنّ هذا لا يفيدنا شيئاً ؛ لأنّ الحكم الشرعي ـ وهو انفعال الماء ـ ليس مترتّباً على مجرّد عدم الكرّية ، بل على عدم الكرّية في زمان الملاقاة.

وإذا أخذنا عدم الكرّية بالاعتبار الثاني ـ أي مقيساً ومنسوباً إلى زمان الملاقاة ـ فمن الواضح أنّ الشكّ فيه إنمّا يكون في زمان الملاقاة ، إذ لا يمكن الشكّ قبل زمان الملاقاة في عدم الكرّية المنسوب إلى زمان الملاقاة ، وإذا تحقّق أنّ زمان الملاقاة هو زمان الشكّ ترتّب على ذلك أنّ زمان الشكّ مردّد بين الساعة

٥٢٤

الاولى والساعة الثانية تبعاً لتردّد نفس زمان الملاقاة بين الساعتين ، وهذا يعني عدم إحراز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ؛ لأنّ زمان اليقين ما قبل الزوال وزمان الشكّ محتمل الانطباق على الساعة الثانية ، ومع انطباقه عليها يكون مفصولاً عن زمان اليقين بالساعة الاولى.

ونلاحظ على ذلك :

أولاً : أنّ الأثر الشرعي إذا كان مترتّباً على عدم الكرّية المقيّد بالملاقاة ـ أي على اجتماع أحدهما بالآخر ـ فقد يتبادر إلى الذهن أنّ الشكّ في هذا العدم المقيّد بالملاقاة لا يكون إلاّفي زمان الملاقاة ، وأمّا الشكّ ـ قبل زمان الملاقاة ـ في عدم الكرّية فهو ليس شكّاً في عدم الكرّية المقيّد بالملاقاة.

ولكنّ الصحيح : أنّ الأثر الشرعي مترتّب على عدم الكرّية والملاقاة بنحو التركيب بدون أخذ التقيّد والاجتماع ، وإلاّ لمَا جرى استصحاب عدم الكرّية رأساً ، كما تقدم. وهذا يعني أنّ عدم الكرّية بذاته جزء الموضوع ، [و] لا فرق في ذلك بين ما كان منه في زمان الملاقاة أو قبل زمانها ، غير أنّه في زمانها يكون الجزء الآخر موجوداً أيضاً ، وعليه فعدم الكرّية مشكوك منذ الزوال وإلى زمان الملاقاة.

وإن كان الأثر الشرعي لا يترتّب فعلاً إلاّإذا استمرّ هذا العدم إلى زمان الملاقاة فيجري استصحاب عدم الكرّية من حين ابتداء الشكّ في ذلك إلى الزمان الواقعي للملاقاة ، وبهذا نثبت بالاستصحاب عدماً للكرّية متّصلاً بالعدم المتيقّن. وإن كان الأثر الشرعي لا يترتّب على هذا العدم إلاّفي مرحلةٍ زمنيةٍ معيّنةٍ قد تكون متأخّرةً عن زمان اليقين فإنّ المناط اتّصال المشكوك الذي يراد إثباته استصحاباً بالمتيقّن ، لا اتّصال فترة ترتّب الأثر بالمتيقّن ، فإذا كنتَ على يقينٍ من اجتهاد زيدٍ فجراً وشككتَ في بقاء اجتهاده بعد طلوع الشمس ، ولم يكن الأثر

٥٢٥

الشرعي مترتّباً على اجتهاده عند الطلوع ، إذ لم يكن عادلاً وإنمّا أصبح عادلاً بعد ساعتين أفلا يجري استصحاب الاجتهاد إلى ساعتين بعد طلوع الشمس؟! فكذلك في المقام.

ثانياً : أنّ ما ذكر لو تمّ لمَنع عن جريان استصحاب عدم الكرّية فيما اذا كان زمان حدوثها مجهولاً مع العلم بتأريخ الملاقاة ، كما اذا كان عدم الكرّية وعدم الملاقاة معلومَين عند الزوال وحدثت الملاقاة بعد ساعةٍ ولا يدرى متى حدثت الكرّية ، فإنّ استصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة يجري عند صاحب الكفاية ، مع أنّه يواجه نفس الشبهة الآنفة الذكر ؛ لأنّ الشكّ في عدم الكرّية المنسوب إلى زمان الملاقاة إنمّا هو في زمان الملاقاة بحسب تصور هذه الشبهة ، أي بعد ساعةٍ من الزوال مع أنّ زمان اليقين بعدم الكرّية هو الزوال.

ولا نرى حاجةً للتوسّع أكثر من هذا في استيعاب نكات الاستصحاب في الموضوعات المركبة. كما أنّ ما تقدّم من بحوث الاستصحاب أحاط بالمهمِّ من مسائله ، وهناك مسائل في الاستصحاب لم نتناولها بالبحث هنا ، كالاستصحاب في الامور التدريجية ، والأصل السببي والمسبّبي ؛ وذلك اكتفاءً بما تقدم من حديثٍ عن ذلك في الحلقة السابقة. وبذلك نختم الكلام عن الاصول العملية.

٥٢٦

٢ ـ الجزء الثاني

الخاتمة

في تعارض الأدلّة

تمهيد.

١ ـ قاعدة الجمع العرفي.

٢ ـ التعارض المستقرّ على ضوء دليل الحجّية.

٣ ـ حكم التعارض على ضوء الأخبار الخاصّة.

٥٢٧
٥٢٨

تمهيد

ما هو التعارض المصطلَح؟

التعارض المصطلَح : هو التنافي بين مدلولي الدليلين ، ولمَّا كان مدلول الدليل هو الجعل فالتنافي المحقِّق للتعارض هو التنافي بين الجعلين دون التنافي بين المجعولين أو الامتثالين ؛ لخروج مرتبة المجعول ومرتبة الامتثال عن مفاد الدليل ، كما تقدم في الحلقة السابقة (١).

ولا يقع التعارض المصطلح إلاّبين الأدلّة المحرزة ؛ لأنّ الدليل المحرز هو الذي له مدلول وجعل يكشف عنه ، وأمّا الأدلّة العملية المسمّاة بالاصول العملية فلا يقع فيها التعارض المذكور ، إذ ليس للأصل العملي مدلول يكشفه وجعل يحكي عنه ، بل الأصل بنفسه حكم شرعيّ ظاهري.

وحينما نقول في كثيرٍ من الأحيان : إنّ الأصلين العمليّين متعارضان لا نقصد التعارض المصطلَح بمعنى التنافي بينهما في المدلول ، بل التعارض في النتيجة ؛ لأنّ كلّ أصلٍ له نتيجة معلولة له من حيث التنجيز والتعذير ، فإذا كانت

__________________

(١) في أوّل بحث التعارض ، تحت عنوان : التعارض بين الأدلّة المحرزة.

٥٢٩

النتيجتان متنافيتين كان الأصلان متعارضين ، وكلّما كانا كذلك وقع التعارض المصطلَح بين دليليهما المحرزين ، لوقوع التنافي بينهما في المدلول.

ومن هنا نعرف أنّ التعارض بين أصلين عمليّين مردّه إلى وقوع التعارض المصطلَح بين دليليهما ، وكذلك الأمر في التعارض بين أصلٍ عمليٍّ ودليلٍ محرزٍ فإنّ مردّه إلى وقوع التعارض المصطلَح بين دليل الأصل العملي ودليل حجّية ذلك الدليل المحرز. وهكذا نعرف أنّ التعارض المصطلَح يقوم دائماً بين الأدلّة المحرزة.

ثمّ إنّ الدليلين المحرزين إذا كانا قطعيّين فلا يعقل التعارض بينهما ؛ لأنّه يؤدّي إلى القطع بوقوع المتنافيين. وكذلك لا يتحقّق التعارض بين دليلٍ قطعيٍّ ودليلٍ ظنّي ؛ لأنّ الدليل القطعي يوجب العلم ببطلان مفاد الدليل الظنّي وزوال كاشفيته فلا يكون دليلاً وحجّة ؛ لاستحالة الدليلية والحجّية لمِا يعلم ببطلانه.

وإنمّا يتحقّق التعارض بين دليلين ظنّيّين ، وهذان الدليلان إمّا أن يكونا دليلين لفظيّين ، أو غير لفظيّين ، أو مختلفين من هذه الناحية.

فإن كانا دليلين لفظيّين ـ أي كلامين للشارع ـ فالتعارض بينهما على قسمين :

أحدهما : التعارض غير المستقرّ ، وهو التعارض الذي يمكن علاجه بتعديل دلالة أحد الدليلين وتأويلها بنحوٍ ينسجم مع الدليل الآخر.

والآخر : التعارض المستقرّ الذي لا يمكن فيه العلاج. ففي حالات التعارض المستقرّ يسري التعارض إلى دليل الحجّية ؛ لأنّ ثبوت الحجّية لكلٍّ منهما كما لو لم يكن معارضاً يؤدّي إلى إثبات كلٍّ منهما ونفيه في وقتٍ واحد ؛

٥٣٠

نظراً إلى أنّ كلاًّ منهما يثبت مفاد نفسه وينفي مفاد الآخر ، ويبرهن ذلك على استحالة ثبوت الحجّيتين على نحو ثبوتهما في غير حالات التعارض ، وهذا معنى سراية التعارض إلى دليل الحجّية لوقوع التنافي في مدلوله.

وأمّا في حالات التعارض غير المستقرِّ فيعالج التعارض بالتعديل المناسب في دلالة أحدهما أو كليهما ، ومعه لا يسري التعارض إلى دليل الحجّية ، إذ لا يبقى محذور في حجّيتهما معاً بعد التعديل.

ولكنّ هذا التعديل لا يجري جزافاً ، وإنمّا يقوم على أساس قواعد الجمع العرفي التي مردّها جميعاً إلى أنّ المولى يفسِّر بعض كلامه بعضاً ، فإذا كان أحد الكلامين صالحاً لأن يكون مفسِّراً للكلام الآخر جمع بينهما بالنحو المناسب. ومثل الكلام في ذلك ظهور الحال.

وإن كان الدليلان معاً غير لفظيّين أو مختلفين كان التعارض مستقرّاً لا محالة ؛ لأنّ التعديل إنمّا يجوز في حالة التفسير ، وتفسير دليلٍ بدليلٍ إنمّا يكون في كلامين وما يشبههما ، وإذا استقرّ التعارض سرى إلى دليلي الحجّية ، فإن كانا لفظيّين لوحظ نوع التعارض بينهما ، وهل هو مستقرّ أوْ لا ، وإن لم يكونا كذلك فالتعارض مستقرّ على أيِّ حال.

والبحث في تعارض الأدلّة يشرح أحكام التعارض غير المستقرّ والتعارض المستقرّ معاً.

الورود والتعارض :

وعلى ضوء ما تقدّم نعرف أنّ الورود ـ بالمعنى الذي تقدّم في الحلقة

٥٣١

السابقة (١) ـ ليس من التعارض ، سواء كان الدليل الوارد محقِّقاً في مورده لفردٍ حقيقيٍّ من موضوع الدليل المورود ، أو نافياً في مورده حقيقةً لموضوع ذلك الدليل.

أمّا في الأول فواضح. وأمّا في الثاني فلأنّ التنافي إنمّا هو بين المجعولين والفعليّتين ، لا بين الجعلين ، فالدليلان (الوارد والمورود) كلاهما حجّة في إثبات مفادهما ، وتكون الفعلية دائماً لمفاد الدليل الوارد ؛ لأنّه نافٍ لموضوع المجعول في الدليل الآخر.

وعلى هذا صحّ القول بأنّ الدليلين إذا كان أحدهما قد اخذ في موضوعه عدم فعلية مفاد الدليل الآخر فلا تعارض بينهما ، إذ لا تنافي بين الجعلين ، ويكون أحدهما وارداً على الآخر في مرحلة المجعول والفعلية.

ثمّ إنّ ورود أحد الدليلين على الآخر يتمّ ـ كما عرفت ـ برفعه لموضوعه ، وهذا الرفع على أنحاء :

منها : أن يكون رافعاً له بفعلية مجعوله ، بأن يكون مفاد الدليل المورود مقيّداً بعدم فعلية المجعول في الدليل الوارد.

ومنها : أن يكون رافعاً له بوصول المجعول لا بواقع فعليته ولو لم يصل.

ومنها : أن يكون رافعاً له بامتثاله ، فما لم يمتثل لايرتفع الموضوع في الدليل المورود.

ومثال الأول : دليل حرمة إدخال الجُنُب في المسجد الذي يرفع بفعلية مجعوله موضوع صحة إجارة الجنب للمكث في المسجد ، إذ يجعلها إجارةً على

__________________

(١) في أوائل بحث التعارض ، تحت عنوان : التعارض بين الأدلّة المحرزة.

٥٣٢

الحرام ، ودليل صحة الإجارة مقيّد بعدم كونها كذلك.

ومثال الثاني : دليل الوظيفة الظاهرية الذي يرفع بوصول مجعوله عنوان المشكل المأخوذ في موضوع دليل القرعة.

ومثال الثالث : دليل وجوب الأهمّ الذي يرفع بامتثاله موضوع دليل وجوب المهمّ ، كما تقدم في مباحث القدرة (١).

وقد يتّفق التوارد من الجانبين ، وبعض أنحاء التوارد كذلك معقول ويأخذ مفعوله في كلا الطرفين ، وبعض أنحائه معقول ويكون أحد الورودين هو المحكّم دون الآخر ، وبعض أنحائه غير معقول فيؤدّي إلى وقوع التعارض بين الدليلين المتواردين.

فمثال الأول : أن يكون الحكم في كلٍّ من الدليلين مقيَّداً بعدم ثبوت الحكم الآخر في نفسه ، وحينئذٍ حيث إنّ كلاًّ من الحكمين في نفسه ولولا الآخر ثابت فلا يكون الموضوع لكلٍّ منهما محقّقاً فعلاً ، وهذا معنى أنّ التوارد نفذ وأخذ مفعوله في كلا الطرفين.

ومثال الثاني : أن يكون الحكم في أحد الدليلين مقيَّداً بعدم ثبوت حكمٍ على الخلاف ، وأمّا الحكم الثاني فهو مقيّد بعدم امتثال حكمٍ مخالف ، ففي مثل ذلك يكون دليل الحكم الثاني تامّاً ومدلوله فعلياً ، وبذلك يرتفع موضوع دليل الحكم الأول. وأمّا دليل الحكم الأول فيستحيل أن ينطبق مدلوله على المورد ؛ لأ نّه إن اريد به إثبات مفاده حتّى في غير حال امتثاله فهو مستحيل ؛ لأنّ غير حال

__________________

(١) في بحث الدليل العقلي من الجزء الأوّل من الحلقة الثالثة ، تحت عنوان : شرطيّة القدرة بالمعنى الأعمّ.

٥٣٣

امتثاله هو حال فعلية الحكم الثاني التي لا يبقى معها موضوع للحكم الأول. وإن اريد به إثبات مفاده في حال امتثاله خاصّةً فهو مستحيل أيضاً ؛ لامتناع اختصاص حكمٍ بفرض امتثاله ، كما هو واضح.

ومثال الثالث : أن يكون الحكم في كلٍّ من الدليلين مقيَّداً بعدم حكمٍ فعليٍّ على الخلاف ، ففي مثل ذلك يكون كلّ منهما صالحاً لرفع موضوع الآخر لو بدأنا به ، ولمّا كان من المستحيل توقّف كلٍّ منهما على عدم الآخر يقع التعارض بين الدليلين على الرغم من ورود كلٍّ منهما على الآخر ، ويشملهما أحكام التعارض.

وسنتكلّم في ما يأتي عن أحكام التعارض ضمن عدّة بحوث :

٥٣٤

ـ ١ ـ

قاعدة الجَمع العُرفي

ونتكلّم في بحث هذه القاعدة عن النظرية العامة للجمع العرفي ، وعن أقسام الجمع العرفي ـ أو أقسام التعارض غير المستقرِّ ـ وملاك الجمع في كلّ واحدٍ منها وتكييفه على ضوء تلك النظرية العامة ، وعن أحكامٍ عامةٍ للجمع العرفي تشترك فيها كلّ الأقسام ، وعن نتائج الجمع العرفي بالنسبة إلى الدليل المغلوب ، وعن تطبيقاتٍ للجمع العرفي وقع البحث فيها. فهذه خمس جهاتٍ رئيسية نتناولها بالبحث تباعاً :

١ ـ النظرية العامّة للجمع العرفي

تتلخّص النظريّة العامّة للجمع العرفي في : أنّ كلّ ظهورٍ للكلام حجّة ما لم يعدّ المتكلّم ظهوراً آخر لتفسيره وكشف المراد النهائي له ، فإنّه في هذه الحالة يكون المعوَّل عقلائياً على الظهور المعَدّ للتفسير وكشف المراد النهائي للمتكلّم ، ويسمّى بالقرينة ، ولا يشمل دليل الحجّية في هذه الحالة الظهور الآخر.

وهذا الإعداد تارةً يكون شخصياً وتقوم عليه قرينة خاصّة ، واخرى يكون نوعياً ؛ بمعنى أنّ العرف أعدَّ هذا النوع من التعبير للكشف عن المراد من ذلك النوع

٥٣٥

من التعبير وتحديد المراد منه ، والظاهر من حال المتكلّم الجري وفق الإعدادات النوعية العرفية ، فمن الأول قرينية الدليل الحاكم على المحكوم ، ومن الثاني قرينية الخاصِّ على العامّ.

وكلّ قرينةٍ إن كانت متّصلةً بذي القرينة منعت عن انعقاد الظهور التصديقي أساساً ولم يحصل تعارض أصلاً.

وإن كانت منفصلةً لم ترفع أصل الظهور ، وإنمّا ترفع حجّيته ؛ لِمَا تقدّم ، وهذا هو معنى الجمع العرفي.

والقرينية الناشئة من الإعداد الشخصي يحتاج إثباتها إلى ظهورٍ في كلام المتكلّم على هذا الإعداد ، من قبيل أن يكون مسوقاً مساق التفسير للكلام الآخر مثلاً.

والقرينة الناشئة من الإعداد النوعي يحتاج إثباتها إلى إحراز البناء العرفي على ذلك ، والطريق إلى إحراز ذلك غالباً هو : أن نفرض الكلامين متّصلين ونرى هل يبقى لكلٍّ منهما في حالة الاتّصال اقتضاء الظهور التصديقي في مقابل الكلام الآخر ، أوْ لا؟

فإن رأينا ذلك عرفنا أنّ أحدهما ليس قرينةً على الآخر ؛ لأنّ القرينة باتّصالها تمنع عن ظهور الكلام الآخر وتعطِّل اقتضاءه. وإن رأينا أنّ أحد الكلامين بطل ظهوره أساساً عرفنا أنّ الكلام الثاني قرينة عليه.

وعلى هذا الضوء نعرف أنّ القرينية مع الاتّصال توجب إلغاء التعارض ونفيه حقيقةً ، ومع الانفصال توجب الجمع العرفي بتقديم القرينة على ذي القرينة ؛ لما عرفت. كما أنّ بناء العرف قائم على أنّ كلّ ما كان على فرض اتّصاله هادماً لأصل الظهور فهو في حالة الانفصال يعتبر قرينةً ويقدَّم بملاك القرينية.

هذه هي نظرية الجمع العرفي على وجه الإجمال ، وستتّضح معالمها

٥٣٦

وتفاصيلها أكثر فأكثر من خلال استعراض أقسام التعارض غير المستقرِّ التي يجري فيها الجمع العرفي.

٢ ـ أقسام الجمع العرفي والتعارض غير المستقرِّ

الحكومة :

من أهمّ أقسام التعارض غير المستقرّ أن يكون أحد الدليلين حاكماً على الدليل الآخر ، كما في «لا ربا بين الوالد وولده» (١) الحاكم على دليل حرمة الربا ، فإنّه في مثل ذلك يقدَّم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم. والحكومة تعبير عن تلك النكتة التي بها استحقّ الدليل الحاكم التقديم على محكومه ، فلكي نحدِّد مفهومها لابدّ أن نعرف نكتة التقديم وملاكه ، وفي ذلك اتّجاهان :

الاتّجاه الأول لمدرسة المحقّق النائيني (٢) قدّس الله روحه ، وحاصله : أنّ الأخذ بالدليل الحاكم إنمّا هو من أجل أنّه لا تعارض في الحقيقة بينه وبين الدليل المحكوم ؛ لأنّه لا ينفي مفاد الدليل المحكوم ، وإنمّا يضيف اليه شيئاً جديداً ، فإنّ مفاد الدليل المحكوم مردّه دائماً إلى قضيةٍ شرطيةٍ مؤدّاها في المثال المذكور : أنّه إذا كانت المعاملة رِباً فهي محرَّمة. وكلّ قضيةٍ شرطيةٍ لا تتكفّل إثبات شرطها ، ولهذا يقال : إنّ صدق الشرطية لا يستبطن صدق طرفيها. ومفاد الدليل الحاكم قضية منجّزة فعلية مؤدّاها في المثال نفي الشرط لتلك القضية الشرطية ، وأنّ معاملة الأب مع ابنه ليست ربا ، فلابدّ من الأخذ بالدليلين معاً.

__________________

(١) انظر وسائل الشيعة ١٨ : ١٣٥ ، الباب ٧ من أبواب الربا ، الحديث ١ و ٣.

(٢) راجع فوائد الاصول ٤ : ٧١٠ ، وأجود التقريرات ٢ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦.

٥٣٧

وهذا الاتّجاه غير صحيح ؛ لأنّ دليل حرمة الربا موضوعه ما كان رباً في الواقع ، سواء نفيت عنه الربوية إدّعاءً في لسان الشارع أوْ لا ، والدليل الحاكم لا ينفي صفة الربوية حقيقةً ، وإنمّا ينفيها ادّعاءً ، وهذا يعني أنّه لا ينفي الشرط في القضية الشرطية المفادة في الدليل المحكوم ، بل الشرط محرز وجداناً ، وبهذا يحصل التعارض بين الدليلين ، فلابدّ من تخريجٍ لتقديم الدليل الحاكم مع الاعتراف بالتعارض.

الاتّجاه الثاني : وهو الصحيح ، وحاصله : أنّه بعد الاعتراف بوجود التعارض بين الدليلين يقدَّم الدليل الحاكم تطبيقاً لنظرية الجمع العرفي المتقدمة ؛ لأنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ، وهذا النظر ظاهر في أنّ المتكلّم قد أعدّه لتفسير كلامه الآخر فيكون قرينة ، ومع وجود القرينة لايشمل دليل الحجّية ذا القرينة ؛ لأنّ دليل حجّية الظهور مقيّد بالظهور الذي لم يعدَّ المتكلّم قرينةً لتفسيره ، فبالدليل الناظر المعدِّ لذلك يرتفع موضوع حجّية الظهور في الدليل المحكوم ، سواء كان الدليل الحاكم متّصلاً أو منفصلاً ، غير أنّه مع الاتّصال لا ينعقد ظهور تصديقي في الدليل المحكوم أصلاً ، وبهذا لا يوجد تعارض بين الدليلين أساساً ، ومع الانفصال ينعقد ولكن لا يكون حجّة. لِمَا عرفت.

ثمّ إن النظر الذي هو ملاك التقديم يثبت بأحد الوجوه التالية :

الأول : أن يكون مسوقاً مساق التفسير ، بأن يقول : أعني بذلك الكلام كذا ، ونحو ذلك.

الثاني : أن يكون مسوقاً مساق نفي موضوع الحكم في الدليل الآخر ، وحيث إنّه غير منتفٍ حقيقةً فيكون هذا النفي ظاهراً في ادّعاء نفي الموضوع وناظراً إلى نفي الحكم حقيقةً.

الثالث : أن يكون التقبّل العرفي لمفاد الدليل الحاكم مبنيّاً على افتراض

٥٣٨

مدلول الدليل المحكوم في رتبةٍ سابقة ، كما في «لا ضرر» ، أو «لا ينجِّس الماء مالا نفس له» بالنسبة إلى أدلّة الأحكام وأدلّة التنجيس.

وإذا قارنّا بين الاتّجاهين أمكننا أن ندرك فارقين أساسيّين :

أحدهما : أنّ حكومة الدليل الحاكم على الاتّجاه الثاني تتوقّف على إثبات النظر ، وأمّا على الاتّجاه الأول فيكون الدليل الحاكم بمثابة الدليل الوارد ، وقد مرّ بنا في الحلقة السابقة (١) أنّه لا يحتاج تقدّمه على دليلٍ إلى إثبات نظره إلى مفاده بالخصوص ، بل يكفي كونه متصرّفاً في موضوعه.

والفارق الآخر : أنّ الاتّجاه الثاني يفسّر حكومة مثل «لا حرج» ، و «لاضرر» ، و «لا ينجِّس الماء مالانفس له» ؛ لوجود النظر فيها ، وأمّا الاتّجاه الأول فلا يمكنه أن يفسّر الحكومة إلاّفيما كان لسانه لسان نفي الموضوع للدليل الآخر.

التقييد :

إذا جاء دليل مطلق ودليل على التقييد فدليل التقييد على أقسام :

القسم الأول : أن يكون دالاًّ على التقييد بعنوانه ، فيكون ناظراً بلسانه التقييدي إلى المطلق ، ويقدَّم عليه باعتباره حاكماً ويدخل في القسم المتقدم.

القسم الثاني : أن يكون مفاده ثبوت سنخ الحكم الوارد في الدليل المطلق للمقيّد ، كما إذا جاء خطاب «أعتق رقبة» ، ثمّ خطاب «أعتق رقبةً مؤمنة».

وفي هذه الحالة إن لم تعلم وحدة الحكم فلا تعارض ؛ وإن علمت وحدة الحكم المدلول للخطابين وقع التعارض بين ظهور الأول في الإطلاق بقرينة

__________________

(١) في بحث التعارض ، تحت عنوان : الحكم الأوّل قاعدة الجمع العرفي.

٥٣٩

الحكمة وظهور الثاني في احترازية القيود ، وحينئذٍ فإن كان الخطابان متّصلين لم ينعقد للأول ظهور في الإطلاق ؛ لأنّه فرع عدم ذكر ما يدلّ على القيد في الكلام ، والخطاب الآخر المتّصل يدلّ على القيد ، فلا تجري قرينة الحكمة لإثبات الإطلاق.

وإن كان الخطابان منفصلين انعقد الظهور في كلٍّ منهما ـ لِمَا تقدم (١) في بحث الإطلاق من أنّ الإطلاق ينعقد بمجرّد عدم مجيء القرينة على القيد في شخص الكلام ـ وقدِّم الظهور الثاني ؛ لأنّه قرينة بدليل إعدامه لظهور المطلق في فرض الاتّصال. وقد تقدم أنّ البناء العرفي على أنّ كلّ ما يهدم أصل الظهور في الكلام عند اتّصاله به فهو قرينة عليه في فرض الانفصال ويقدّم بملاك القرينية.

وهناك اتّجاه يقول : إنّ دليل القيد حتّى لو كان منفصلاً يهدم أصل الظهور في المطلق ، وهذا الاتّجاه يقوم على الاعتقاد بأنّ قرينة الحكمة التي هي أساس الدلالة على الإطلاق متقوّمة بعدم ذكر القيد ولو منفصلاً ، وقد تقدّم (٢) في بحث الإطلاق إبطال ذلك.

القسم الثالث : أن يكون مفاده إثبات حكمٍ مضادٍّ في حصّةٍ من المطلق ، كما إذا جاء خطاب «أعتق رقبة» ، ثمّ خطاب «لا تعتق رقبةً كافرة» ، على أن يكون النهي في الخطاب الثاني تكليفياً ، لا إرشاداً إلى مانعية الكفر عن تحقّق العتق الواجب ، وإلاّ دخل في القسم الأول.

وهذا القسم يختلف عن القسم السابق في أنّ التعارض هنا محقَّق ـ على أيّ

__________________

(١) في الجزء الأوّل من الحلقة الثالثة ، في ذيل البحث الوارد تحت عنوان : احترازيّة القيودوقرينة الحكمة.

(٢) المصدر نفسه.

٥٤٠