الآداب الطبّيّة في الإسلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الآداب الطبّيّة في الإسلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : الطّب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٩

يعتقدون في غير المسلمين ، وبالاخص الجنديشابوريين منهم ، كما ارادوا هم لانفسهم واراد لهم الحكام المتسلطون.

وقد كان العلماء يلومون الخلفاء والوزراء في تعظيمهم النصارى للتطبب ، كما قدمنا ...

ولكننا لو راجعنا الوقائع التاريخية ، واردنا ان نحكم عليها حكم المنصف والمتجرد عن كل هوى وتعصب ، فاننا نجد :

انه لم يكن لدى الاطباء غير المسلمين تلك البراعة الخارقة للعادة في صناعة الطب ، وان كان لهم الفضل في نقل تراث الامم الاخرى الى لغة الاسلام ..

وكمثال على ذلك نذكر : ان سلمويه يعتبر يوحنا بن ماسويه مثلا وهو اشهر طبيب في عهد المأمون من اجهل خلق الله بمقدار الداء والدواء (١).

كما ان ابا قريش (٢) قد كان عند المهدي : « نظير جرجس بن جبرائيل في المرتبة ، بل اكبر منه حتى تقدمه في المرتبة ، وتوفى المهدي واستخلف هارون الرشيد ، وتوفى جرجس ، وسار ابنه ( اي بختيشوع ) تبع ابي قريش في خدمة الرشيد. (٣) »

ولكن التجليل والتعظيم ، والصيت الواسع كان لبختيشوع ، دون ابي قريش .. كما اننا نجد ان هذا الصيت العظيم للاطباء من غير المسلمين ، قد اثر على التاريخ كما يظهر ذلك من ملاحظة الموسوعات ، وكتب التراجم. فانهم يهتمون جدا في ترجمة الاطباء غير المسلمين ويطنبون فيها كثيرا .. اما الطبيب المسلم الحاذق

__________________

الهادي سنة ٢ عدد ٢ ص ٦٢.

(١) تاريخ الحكماء ص ٣٨٥ وعيون الانباء ص ٢٣٧.

(٢) يقال : ان المهدي كناه بهذا اشارة الى عظمته التي جعلته بمنزلة اب للعرب كلهم حين يكون ابا لقريش ـ راجع عيون الانباء ص ٢١٦.

(٣) عيون الانباء ص ٢١٦.

٤١

العظيم فان ترجمته لاتتجاوز الاسطر القليلة ، الا اذا كان مثل الرازي ، وابن سينا اللذين لايمكن تجاهلهما ...

يكفى ان نذكر : اننا نلاحظ : انهم يترجمون الزهراوي الذي اعتمد عليه الاوروبيون في الطب الجراحي وغيره لم يترجم الا بثلاثة اسطر ، وكذا بالنسبة لعلي بن العباس وقد اشرنا الى ذلك فيما تقدم.

وقد بدا ان اهل جنديشابور كانوا مغرورين بأنفسهم جدا ، وقد تجاوزوا الواقع في تصوراتهم لقدراتهم الحقيقية ، حتى ليقول القفطي :

« ان الجنديشابوريين كانوا يعتقدون انهم اهل هذا العلم ، ولا يخرجونه عنهم وعن اولادهم وجنسهم » (١) :

نعم ... ولكن نجم جنديشابور قد افل ، واشعاعها قد خبا ، بنبوغ مهرة الاطباء ، افذاذ الفن واساطينه من المسلمين ـ وما اكثرهم ... وآخر من ورد اسمه كرئيس لمستشفى جنديشابور هو سابور بن سهل المتوفى سنة ٢٥٥ (٢).

وأخر وقعة ورد فيها اسم جنديسابور هي ما بين سنة ٢٦٢ ـ ٢٦٥ حيث يذكرون ان يعقوب بن ليث الصفار قد جعل جنديشابور مقرا له ، حينما تأهب لفتح خوزستان (٣)

__________________

(١) تاريخ الحكماء ص ١٧٤ ومجلة الهادي السنة ٢ عدد ٢ ص ٦٢ في مقال للدكتور محمدي بعنوان : جامعة جنديشابور.

(٢) راجع : الفهرست لابن النديم ص ٤١٣.

(٣) تاريخ الطبري مطبعة الاستقامة ج ٨ ص ٣٤ وعنه في مجلة الهادي سنة ٢ عدد ٥٦ مقال الدكتور محمدي ومعجم البلدان ج ٢ ص ١٧٠ و ١٧١ وفيه ان يعقوب بن الليث مات بها سنة ٦٥ وقبره بها ..

٤٢

حركة التأليف ، وازدهار الطب عند المسلمين :

وكانت العلوم في فترة حركة الترجمة تنضج شيئا فشيئا لدى المسلمين ، وبدأت منذ عصر الترجمة حركة التأليف شيئا فشيئا ، ونشطت كثيرا في النصف الثاني من القرن الثالث ، وبدأ دور الترجمة بالتراجع والتقلص بنسبة ازدياد النشاط العلمي والتأليفي في البلاد.

ويظهر : ان التأليف الاسلامي قد بدأ من النصف الاول من القرن الثالث ، حيث نجدهم يذكرون بعض المؤلفات لعلي بن ربن الطبري وغيره من الاطباء المسلمين ، الذين عاشوا في القرن الثاني ومطلع القرن الثالث ، هذا ... ان لم نقل : ان الحارث بن كلدة ـ اول مسلم الف في الطب ... على فرض ثبوت ذلك ... كما اشرنا اليه فيما تقدم ... (١).

والمهم هنا هو اننا نلاحظ : ان المسلمين قد عنوا بالطب عناية فائقة ، ونبغ منهم علماء كبار ، وجهابذة افذاذ انسوا من كان قبلهم ، ومهدوا السبيل لمن جاء بعدهم ، وعلى اساس نظرياتهم ، وابتكاراتهم ، ومنجزاتهم كانت النهضة الكبرى في القرن العشرين ، اي الرابع عشر الهجري .. فهم وحدهم آباء هذا العلم ـ كما كانوا آباء غيره من العلوم ـ في العصر الحديث.

كما اننا نجد : ان بغداد مقر الخلافة العباسية لم تعد هي المركز الطبي الوحيد ، فان انقسام الدولة الاسلامية الى ممالك صغيرة مستقلة قد حمل معه ظاهرة تكون مراكز كثيرة للعلوم الطبية في مختلف انحاء العالم الاسلامي ، كغزنة ، والقيروان ، ومصر وغيرها ؛ الامر الذي هيأ الجو لظهور نوابغ في هذا العلم في مختلف ارجاء الدولة الاسلامية ... ومهد السبيل لتخرج اعداد هائلة من الاطباء

__________________

(١) وقد الف اسحاق بن حنين كتاب : تاريخ الاطباء ( الفهرست لابن النديم ص ٤٢٩ ) ولعله من اول من صنف في موضوع تاريخ الطب ، ان لم يكن هو الاول ...

٤٣

من مختلف الاختصاصات. ومن ثم انتاج اعداد ضخمة جدا من المؤلفات في هذا العلم ، لم يستطع المؤلفون في التراجم والموسوعات حتى احصاء اسمائها ، مع شدة عنايتهم بذلك ، واصرارهم عليه .. وعلى مؤلفات المسلمين ، ومنجزاتهم العلمية كانت النهضة الطبية المعاصرة ، كما سنشير اليه ... ونستطيع ان نجمل مظاهر الحضارة الاسلامية في المجال الطبي واثر المسلمين في النهضة الطبية الكبرى في العناوين والبحوث التالية :

المؤلفات الطبية ، واثرها في النهضة الاخيرة :

يقول الدكتور فيليب حتى : « في القرن العاشر للميلاد ظهر اطباء مسلمون من المرتبة العالية اغنوا بمؤلفاتهم التراث الطبي في الشرق وفي الغرب. ، وكان معظم اولئك الاطباء من الفرس انما كانوا يؤلفون كتبهم باللغة العربية » (١).

وعن كتاب القانون لابن سينا يقول : « وقد ترجمه الى اللاتينية جرارد الكرموني في طليطلة في القرن الثاني عشر ، فاحتل بذلك محل الكتب المدرسية الطبية السابقة ، وظل كتابا مدرسيا قرونا عديدة.

اما في الشرق فقد ظل كتاب القانون في الطب المرجع الاوحد في الطب ، الى ان حل محله الكتب الطبية العصرية التي ظهرت في القرن التاسع عشر » (٢).

اما محمد الخليلي ، فيقول : انه قد نشر من كتاب القانون طبعة عربية في روما سنة ١٥٩٣ م وفي بولاق مصر سنة ١٨٧٧ م وفي الهند سنة ١٣٢٣ م.

وظهرت له في اوربا عدة شروح ، وترجمت اجزاء اخرى منه الى اللغة الافرنسية ، والالمانية ، والانجليزية ، وغيرها من لغات اوربا ، كما ترجمت الى التركية ، والفارسية.

وبالجملة : فقد كان القانون من اجل الكتب التي تدرس في جامعتي ( مونبليه )

__________________

(١) موجز تاريخ الشرق ص الادنى ١٩٢.

(٢) المصدر السابق ص ١٩٤.

٤٤

و ( لوفان ) الى اواسط القرن السابع عشر ، كما كان البرنامج الطبي في قينا سنة ١٥٢٠ م وفي فرنكفورت سنة ١٥٥٨ م اكثره على القانون ، وعلى المنصوري.

قال العلامة ساربوري في كتابه : تاريخ العلم : كان كتاب القانون ذلك المعلم الطبي العظيم توراة الطب ، اي دستوره المقدس.

وقال الدكتور ( ماكس ما يرهوف ) في كتابه : تراث الاسلام : ان ابن سينا قد جمع في قانونه تراث اليونان الى اختبار العرب ، فكان اسمى ما بلغه من التنظيم العلمي العربي. ثم قال في موضع آخر : والمرجح انه لم يوضع في تاريخ الطب كتاب عنى العلماء بدراسته كهذا الكتاب ، اي القانون.

ولكن منذ القرن السابع عشر الى التاسع عشر وضعت كتب افرنجية زاحمت القانون في نفوذه ، وان كان تأثيره لم ينقطع تماما ... (١) انتهى.

والخلاصة : ان اوربا قد ظلت قرونا عديدة وكتب الشيخ الرئيس مرجعها الوحيد في الدراسة الطبية والفلسفية (٢). وكان ابن سينا يلقب في اوربا بملك الاطباء ، وظل كتابه يدرس الى سنة ١٦٥٠ م في جامعة لوون في بلجيكا ، ومنبلييه في فرنسا (٣) ..

ويقول فيليب حتى عن كتاب « الملكي » لعلي بن العباس : انه الكتاب الوحيد الذي نقله الصليبيون الى اللغة اللاتينية. وقد ظل كتابا مدرسيا في الشرق والغرب الى ان حل محله الكتاب الذي وضعه ابن سينا ، وهذا اشبه بموسوعة طبية » (٤).

__________________

(١) راجع : معجم ادباء الاطباء ج ١ ص ١١٦.

(٢) المصدر السابق ج ١ ص ١١٥.

(٣) تاريخ طب در ايران ج ٢ ص ٥٦٩.

(٤) موجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩٣ وراجع : تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص ١٩٩.

٤٥

ويذكر كوستاف لوبون : ان كتاب الملكي قد ترجم سنة ١١٢٧ وطبع في سنة ١٥٢٣ م (١).

كما ان كتاب الحاوي للرازي قد ترجم الى اللاتينية ، وطبع مرارا « يستعمل ككتاب مدرسي في المعاهد الطبية الاوربية ، ان علم الرازي وفضله على العلوم الطبية يرفعان من قدره ، ويجعلانه يحتل مرتبة بين عظماء المفكرين الخلاقين في اوربا الوسيطة .. » (٢).

وعلى كل حال .. فان كتب الرازي قد بقيت مدة طويلة جزءاً من الكتب الدراسية حتى القرن السابع عشر. وكذلك كتب ابن سينا ، ويوجد بها فرمان لمدرسة دار الفنون مؤرخ في سنة ١٦١٧ ميلادية (٣).

ولم يقتصر الامر على كتاب الحاوي من مصنفات الرازي ؛ بل ان اكثر مصنفاته قد ترجمت الى اللاتينية وطبعت مرارا ابتداء من سنة ١٥٠٩ ميلادية (٤).

اما كوستاف لوبون فقد اجمل ما تقدم بقوله : « لقد ترجمت كتب ابن سينا الى مختلف لغات الدنيا ، وبقيت حوالي ستة قرون تعتبر اصول ومباني الطب ، كما ان مدارس الطب ، وخصوصا دار الفنون في فرنسا وايطاليا كانت تقتصر على تدريس كتبه ، ولم يمض خمسون سنة ، على خروج كتبه من الدراسة في فرنسا ..

ولايقصر عن ذلك اهتمام الاروبيين بكتب الرازي ترجمة وتدريسا. وهناك كتب ابن رشد الطبية التي طبعت مرارا في اوربا ، كذلك كتاب علي بن عباس ...

واكثر من ذلك ، فان كل الجراحين الذين جاؤا بعد القرن الرابع عشر للميلاد قد اعتمدوا ـ كما يقول هالر ـ على كتب الزهراوي الاندلسي ( المعروف

__________________

(١) تمدن اسلام وعرب ص ٦١١.

(٢) راجع : موجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩٣.

(٣) راجع : تمدن اسلام وعرب ص ٦١٠.

(٤) المصدر السابق ...

٤٦

بالبقاسس ) المتوفى سنة ١١٠٧ ميلادية ، صاحب كتاب : التصريف لمن عجز عن التأليف ، وقد اخترع هذا العالم بنفسه كثيرا من آلات الجراحة ، وبحث عن تفتيت الحصاة بشكل كامل ، مع ان هذا يعد « غلطا » من الاعمال الجديدة ، واول طبعة لكتابه باللاتينية كانت سنة ١٤٩٧ وآخرها سنة ١٨٦١ ميلادية الخ كلامه (١).

وهناك ايضا كتاب التيسير لابن زهر الاندلسي ، الذي عاش في القرن السادس للهجرة ، وقد استفاد منه الافرنج في نهضتهم الحديثة (٢) ويقول بروكلمان عن كتاب الزهراوي المنسوب الى الزهراء ضاحية في قرطبة ، والمتوفى سنة ١٠٢٣ : « والحق ان الاجيال التالية احتفلت احتفالا خاصا بالجزء المفرد للجراحة في هذا الكتاب بما يشتمل عليه من وصف مفصل للالات الجراحية ، فنقل الى اللاتينية في القرن الخامس عشر ، ونشر في طبعات عدة » (٣).

هذا ... وبمراجعة بسيطة الى لوائح مؤلفات الاطباء المسلمين والفروع التي تطرقوا اليها يعرف الى اي حد بلغ الطب عندهم في تشعباته وفروعه المختلفة ... ويكفى ان نذكر ان البعض يعتبر انه بعد ان شرع المسلمون يعملون مستقلين ، برز عطاؤهم المبتكر بصورة خاصة في حقل التطبيب ، وفي الرياضيات والجغرافيا (٤).

وقد فاته انهم قد برز عطاؤهم المبتكر في غير ذلك من العلوم ايضا كالكيمياء وغيرها ، وقد يكون من بينها ما ابدعوا فيه اكثر من ابداعهم في هذه العلوم التي اشار اليها.

واخيرا ... فان كوستاف لوبون يقول : بما ان الكتب الطبية العربية قد

__________________

(١) تمدن اسلام وعرب ص ٦٠٩ ـ ٦١٤ بتصرف وتلخيص ..

(٢) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص ٢٠٠.

(٣) تاريخ الشعوب الاسلامية ص ٣١٤.

(٤) موجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩١.

٤٧

ترجمت عموما الى اللغات الاوربية ، فانها لم تتعرض للضياع كثيرا ، كما كان الحال بالنسبة لسائر الكتب (١).

ولكن الحقيقة هي : ان من يراجع كتب الموسوعات والتراجم يجد اسماء آلاف من الكتب الطبية فيها ـ وهم لم يذكروا الا قسما محدودا منها ـ ولم يوجد لها في هذه الايام عين ولا اثر ، فليراجع على سبيل المثال : كتاب : كشف الظنون ، وعيون الانباء ، وتاريخ الحكماء ، والفهرست لابن النديم وغيرها ليجد ان معظم الكتب الطبية الاسلامية ولا تعرف الا اسماء عدد محدود منها.

بعض منجزات المسلمين الطبية :

انه لا ريب في ان الطب كان يعتبر في شرق البلاد الاسلامية وغربها من ارفع العلوم شأنا ، واسماها مقاما ، كما اشار اليه البعض (٢).

كما انه لا ريب في ان للمسلمين بحوثا عميقة في الطب ، وحصلوا على نتائج كبيرة فيه (٣) وقد طوروا علم الطب ، وفن الجراحة الى اعلى الدرجات (٤).

وبقيت اوربا تعتمد على تصانيفهم في الجراحة حتى الازمنة المتأخرة ، وكذا استعمالهم البنج في الجراحة ، وغير ذلك كثير ... وقد اكتشفوا الكثير من المعالجات التي لا تزال متداولة الى اليوم (٥).

كما ان الرازي هو اول من استعمل السبيرتو ، والفتيلة ذات الطرفين في معالجة الجراح ، كما انه اول من استعمل الماء البارد في الحمى الدائمة (٦).

__________________

(١) تمدن اسلام وعرب ص ٦٠٨.

(٢) تاريخ الشعوب الاسلامية لبروكلمان ص ٣١٤.

(٣) تمدن اسلام وعرب ص ٦٠٨.

(٤) مختصر تاريخ العرب ص ٢٨٣. وتمدن اسلام وعرب ص ٦١٦.

(٥) راجع : تمدن اسلام وعرب ص ٦١٦.

(٦) تمدن اسلام وعرب ص ٦٠٩.

٤٨

قال محمد الخليلي عن الرازي : « هو اول من اكتشف زيت الزاج المسمى اليوم حامض الكبريتيك ، ويدعى في اللغة العربية الزاج الاخضر ، وكان قبلا يسمى زيت الرازي ، وقد استخرجه من كبريتات الحديد ، وطريقة استعماله لا تزال مستعملة كما هي ، وهو اول من استخرج الكحول « اي السبيرتو » ، واستحضرها من المواد النشوية والسكرية المختمرة : وهو اول من عرف الجدري وعزل المصابين به في مستشفاه ، وامر بعزلهم في البيوت. وهو اول من عرف الامراض السارية ، وهو اول من اخترع الخلال المعروف عند اطباء العرب ، وهو ان يثقب الجلد ، ويمرر فيه غليظ ليسيل الصديد من الدنبلة ، او اي ورم اخر ... انتهى » (١).

وعلى كل حال فان في اكتشاف الرازي للسبيرتو ، واسيد السولفوريك يكون قد اسدى خدمة جلى للطب (٢).

اما الفتائل ذات الطرفين ، والمشار اليها آنفاً ، فانها كانت لا تزال مستعملة الى اواسط النصف الاول من القرن الرابع عشر الهجري.

كما ان الرزاي هو اول من شرح تشعبات الاعصاب في الرأس والرقبة بشكل واف وواضح ، وهو اول من اجرى عملية خياطة جرح المعدة بواسطة المصران المعوج في الغنم ، كما انه اول من اكتشف الطب المفصلي ، واستعمل القطن (٣).

ويقول فيليب حتى : « ... وقد الف الرازي اقدم كتاب طبي يميز فيه سريريا بين الحصبة والجدري ، ولسنا نعلم : ان الاغريق او غيرهم من الشعوب توصل الى هذه المعرفة قبل عهد الرازي » (٤).

__________________

(١) معجم ادباء الاطباء ج ٢ ص ٧٤.

(٢) تاريخ طب در ايران ج ٢ ص ٤١٤.

(٣) راجع : تاريخ طب در ايران ج ٢ ص ٤٢٨ و ٤٢١.

(٤) موجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩٢ ، وراجع تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص ٢٠٣.

٤٩

ويضيف : « ان علم الرازي وفضله على العلوم الطبية يرفعان من قدره ويجعلانه يحتل مرتبة بين عظماء المفكرين الخلاقين في اوربا الوسيطة. » (١)

ولست ادري اين هؤلاء العظماء الخلاقون في اوربا الوسيطة؟! وهل كان في اوربا آنذاك عظيم؟! او ليست اوربا لا تزال تعتمد على علم الرازي وامثاله من علماء المسلمين حتى الامس القريب؟! ..

او ليس يقولون؟ ان محمد بن احمد الحتاتي الذي نشأ في القاهرة ، والمتوفى سنة ١٠٥٢ هـ قد : « رحل الى الروم ، ومكث بها مدة طويلة ، ولم يسعفه الدهر بما يروم ، فتنقل في المدارس حتى صار رئيس الاطباء في اسكى سرايا ثم رجع الى القاهرة؟ (٢) ».

ويدعى فيليب حتى : ان من مبتكرات كتاب الملكي لعلي بن العباس « اشارة الى وجود الحركة الدموية الشعرية ، والى ان الطفل عند الولادة لا يخرج من تلقاء نفسه ، بل بفضل تقلصات عضلية الرحم (٣) ».

وقد فاته ان الحقيقة هي : ان الامام الصادق عليه‌السلام هو اول من نبه الى حقيقة الدورة الدموية وشرحها واوضحها بشكل واف وكامل ، كما اثبته محمد الخليلي في كتابه : « طب الامام الصادق عليه‌السلام » (٤) وقرر انه قد سبق هارفي ، الذي لايزال الكثيرون يهللون ويكبرون ويهتفون باسمه على انه هو مكتشف الدورة الدموية ، وقد سبق بها غيره ...

المنجرات الطبية لابن سينا :

وعن ابن سينا وقانونه في الطب ، نجدهم يقولون : ان من حسنات

__________________

(١) موجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩٣.

(٢) معجم ادباء الاطباء ج ٢ ص ٥٥ تأليف محمد الخليلي.

(٣) موجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩٣.

(٤) طب الامام الصادق (ع) ص ٣٠ / ٣١.

٥٠

هذا الكتاب : انه يميز بين التهاب المنصف الصدري ( الحيزوم ) وبين ذات الجنب ، وينص كذلك على ان السحاق ينتقل بالعدوى ، وان عدوى الامراض تسرى بواسطة الماء والتراب » (١).

قال الاستاذ محمد الخليلي : « لقد امتاز الرئيس ابن سينا على ابقراط وارسطو وجالينوس بدقته في مناقشة الحالات المرضية ، ومهارته في فن التشخيص ، ومبحث اسباب الامراض.

فهو اول من وصف الالتهاب السحائي ، اي البرسام الحاد ، وميزه عن سائر الامراض الحادة المصحوبة بالهذيان. وقد كان ذلك يشتبه على اليونانيين ، وهو اول من اوضح ان التهاب البلورا « ذات الجنب » ، والتهاب الرئة « ذات الرئة » قد تنتج عنهما اعراض سر سامية ، وان التهاب السحايا في تلك الحالات يعتبر نذيرا بالموت.

وهو اول من اجاد في شرح امراض الجهاز التنفسي ، واتقن وصف الامراض العصبية. وله الفضل في ابتكار كثير من طرق العلاج النفساني.

وهو اول من اختص بالقول : بأن الحصبة اكثر ما تكون عدواها في الربيع والخريف ، وانها اكثر وقوعا في هذين الفصلين ، وان الاطفال اكثر اصابة بهما. وهو اول من وصف علاج البواسير بالشق.

وهو اول من اكتشف اندعام عضلات العين ، وادخل من انواع العقاقير الطبية في العلاج كثيرا لم يكن مستعملا من ذي قبل.

وهو او من اكتشف الطفيلية اي الدودة الموجودة في الانسان المسماة اليوم في اصطلاح الطب الحديث « انكلستوما » وقد ذكرها في فصل ديدان المعدة ، من كتاب القانون. وقد اعاد اكتشافها « زوييني » الايطالي في القرن التاسع عشر ( اي القرن الثالث عشر الهجري ) ، اي بعد اكتشاف ابن سينا بتسع

__________________

(١) موجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩٤.

٥١

قرون ، وقد اخذ جميع مؤلفي الغرب بهذا الرأي في مؤلفاتهم الحديثة سيما في مؤسسة ( روكفلر ) معترفين لابن سينا بالفضل في سبقه.

وهو اول من اكتشف الالة المسماة اليوم ( الوارنية ) وهي الالة المستعملة لقياس الاطوال بالدقة المتناهية.

وهو اول من شرح قلب الجنين ، وقسمه الى الاقسام المعروفة عندنا اليوم ، ووصف الثقب الموجود في الجدار الفاصل بين الاذنين ، وقال : ان هذا الثقب يسد حالا عندما يتنفس المولود لاول مرة ، وبذلك تبتدىء الدورة الدموية الرئوية ... » (١)

وما قاله ابن سينا في تشريح العين ، ووصف عضلات الحدقة مطابق تماما لما توصل اليه الطب في هذه الايام ، كما انه قد ادرك اهمية عصب العين ، وهو اول من تنبه لذلك فيما نعلم ..

كما ان ما ذكره ابن سينا عن مرض السل ، ومرض آسم ( وهو الربو ) هو نفس ما توصل اليه اطباء اليوم (٢).

ويقول جرجي زيدان وكذلك هم يقولون : « اما ما احدثوه من عند انفسهم رأساً ؛ فالاحاطة به من الامور الشاقة التي يعسر تحقيقها ، فنذكر ما ثبت عندنا حدوثه على سبيل المثال :

من ذلك : انهم احدثوا في الطب آراء جديدة ، تخالف آراء القدماء في تدبير الامراض ، وان لم يصلنا الا خبر القليل منها ، مثل نقلهم تدبير اكثر الامراض التي كانت تعالج قديما بالادوية الحارة على اصطلاحهم الى

__________________

(١) معجم ادباء الاطباء ج ١ ص ١١٧ / ١١٨.

(٢) تاريخ طب در ايران ج ٢ ص ٥٨٩ و ٥٩٢ وفي ص ٦٠٠ ـ ٦٠٥ يذكر بعض ما ذكره ابن سينا مما لا يزال معترفا به حتى الان وايدته التجارب الحديثة.

٥٢

التدبير البارد ، كالفالج ، واللقوة ، والاسترخاء ، وغيرها ... والعرب (١) اول من استخدم المرقد ( البنج ) في الطب ... وهم اول من استخدم الخلال ... وقد وجد محققوا الافرنج ان العرب (٢) اول من استخدم الكاويات على نحو استخدامها اليوم ، وانهم اول من وجه الفكر الى شكل الاظافر في المصدرووين ، ووصفوا علاج اليرقان ، والهواء الاصفر. واستعملوا الافيون بمقادير كبيرة لمعالجة الجنون. ووصفوا صب الماء البارد لقطع النزف. وعالجوا خلع الكتف بالطريقة المعروفة في الجراحة برد المقاومة الفجائي. ووصفوا ابرة الماء الازرق ، وهو قدح العين. واشاروا الى عملية تفتيت الحصاة » (٣).

ويضيف كوستاف لوبون : ان المسلمين كانوا يقومون بعلميات جراحية لاخراج الماء من العين ، ويقومون باخراج « جليدية » منها .. كما ان الزهراوي قد قدم شرحا وافيا عن عملية تفتيت الحصاة ، واستعمال الماء البارد لقطع نزف الدم ، واستعمال المكويات والفتائل للجراح ، والكي بالنار.

وكان المسلمون يعتمدون على قوانين الوقاية الصحية كثيرا ومعرفتهم بها كانت كاملة ، ويستفيدون من الطبيعة اكثر ، ومسألة الحمية التي هي من التعاليم الاكيدة في الطب الحديث كانت اصلا عندهم ، وكانوا موفقين جدا في ممارساتهم الطبية بالقياس الى هذا العصر ، بل لم يكن الاطباء المسلمون في القرن العاشر الميلادي يقدمون من الضحايا بقدر ما يقدمه اطباء اليوم ، والاحكام القرآنية ، كالوضوء ، والغسل ، والتيمم ، وتحريم المسكرات ، وترجيح الاغذية النباتية على اللحوم في المناطق الحارة كانت حكيمة ونافعة جدا في الوقاية. كما ان

__________________

(١) و (٢) لم يكن العرب اهل ابداع وعلم قبل الاسلام .. والاسلام هو الذي صنع منهم ومن غيرهم المعجزات ، والمسلمون هم اكتشفوا في مجال الطب وفي غيره ، وحققوا اعظم المنجزات ...

(٣) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص ٢٠٢ / ٢٠٣.

٥٣

التعاليم الصحية التي جاءت عن نفس النبي (ص) قد كانت في غاية الدقة والمتانة ، ولا يمكن الاعتراض عليها ، وقد وردت على شكل كلمات قصار يسهل حفظها على كل احد (١).

الصيدلة :

لقد نبغ المسلمون في الصيدلة ، واهتموا بالنباتات ، ومعرفة خواصها ، وممن نبغ منهم في علم النبات ، ابن الصوري ، وابن البيطار ، وابن ابي اصيبعة ، وغيرهم ، ويقولون ايضا : انهم هم الذين اخترعوا فن الصيدلة ، وانشأوا حدائق نظامية لدراسة علم النبات والاعشاب في بغداد ، وغيرها من المدن (٢). وقد ادخل المسلمون في المادة الطبية كثيرا من انواع الاعشاب والمعادن ، مما لو يكن معروفا لغيرهم (٣).

وكان رشيد الدين ابن الصوري ، المتوفى سنة ٦٣٩ ، صاحب كتاب الادوية المفردة الذي استقصى فيه ذكر الادوية المفردة ، وذكر فيه ادوية اطلع على معرفتها ، ومنافعها لم يذكرها المتقدمون (٤) ـ كان رشيد هذا ـ يخرج لدرس الحشائش في منابتها ، ويستصحب مصورا معه الاصباغ والليق على اختلافها ، وتنوعها ، ويتوجه الى المواضع التي بها النبات في جبل لبنان وغيره من المواضع ؛ فيشاهد النبات ويحققه ، ويريه المصور ؛ فيعتبر لونه ، ومقدار ورقه ، واغصانه واصوله ، ويصور بحسبها بالدقة.

ثم انه سلك في تصوير النبات مسلكا مفيدا ، وذلك انه كان يرى النبات للمصور في ابان نباته وطراوته فيصوره. ثم يريه اياه ايضا ، وقت كماله وظهور

__________________

(١) راجع : تمدن اسلام وعرب ص ٦١٦ و ٦١٥ و ٦١٤ بتصرف.

(٢) مختصر تاريخ العرب ص ٢٨٣ ، وراجع تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني.

(٣) دائرة معارف القرن العشرين ج ٥ ص ٦٦٦.

(٤) عيون الانباء ص ٧٠٣.

٥٤

بزره ، فيصوره تلو ذلك. ثم يريه اياه ايضا في وقت ذواه ويبسه ، فيصوره ، فيكون الدواء الواحد شاهده الناظر اليه في الكتاب وهو على انحاء ما يمكن ان يراه في الارض ، فيكون تحقيقه له اتم ، ومعرفته له ابين (١) ، قال زيدان : وذلك غاية ما يفعله الباحثون في هذا العلم اليوم (٢).

ويقول ابن ابي اصيبعة : « واطلع رشيد الدين ابن الصوري ايضا على كثير من خواص الادوية المفردة ، حتى تميز على كثير من اربابها ، واربى على سائر من حاولها ، واشتغل بها » (٣).

والظاهر ان ابن الصوري كان من الشيعة ، لانه من اهل صور في جبل عامل ، الذي كان شيعيا من قديم الايام.

وعلى كل حال : .. فقد كان للمسلمين : فضل كبير في الصيدلة ، وقد بذلوا الجهد في استجلاب العقاقير من الهند وغيرها ، منذ ايام يحيى بن خالد البرمكي. وهم واضعوا اسس فن الصيدلة ، وهم اول من اشتغل في تحضير الادوية والعقاقير ، فضلا عما استنبطوه من الادوية الجديدة ، وهم اول من الف الاقرباذين (٤).

وكانوا يعتمدون اولا على اقرباذين سابور بن سهل المتوفى سنة ٢٥٥ هـ حتى ظهر اقرباذين امين الدولة ابن التلميذ ، المتوفى ببغداد سنة ٥٦٠ هـ (٥).

وفي حقل النبات لابد وان نذكر هنا ابن البيطار الذي راح يقوم هو

__________________

(١) عيون الانباء ص ٧٠٣ ، وراجع تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص ٢٠٥.

(٢) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص ٢٠٥.

(٣) عيون الانباء ص ٧٠٠.

(٤) عن طبقات الاطباء ج ١ ص ١٨٣.

(٥) عيون الانباء ص ٣٧١ ، وتاريخ الحكماء ص ٢٠٧ ، والكلام قد كان هنا لجرجي زيدان في تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص ٢٠٣.

٥٥

بذاته بدراسة النبات في اسبانيا ، وشمال افريقيا ، ومصر ، وسورية ، وآسيا الصغرى ، وقد ذكر في كتابه ١٤٠٠ نبتة ، منها مئتان جديدة ، لا عهد للناس بها من قبل (١).

وعلى كتاب ابن البيطار المالقي في النبات ، والفريد في بابه كان معول اهل اوربا في نهضتهم الحديثة ، كما يقوله جرجي زيدان.

كما انه يقول : ان اسماء العقاقير التي اخذها الافرنج عن العرب لا تزال عندهم باسمائها العربية ، او الفارسية ، او الهندية ، كما اخذوها عن العربية (٢).

بل : « ان اعظم العلماء والنباتيين في بولندا يعتمدون في مؤلفاتهم بشكل كامل على مؤلفات ابن سينا ، مثل : شيمون لونج ، عالم النبات البولندي الكبير .. كما ان البروفسور آنانباچ زايا چوفسكي استاذ جامعة وارشو ، ورئيس اتحاد الشرق الاوسط في بولندا له تحقيقات قيمة حول كتب ابن سينا وخصوصا النباتات الطبية في كتاب القانون (٣) ».

كما ان كوستاف لوبون يقول : « الرقى الطبي عند العرب كان في فن الجراحة ، وعلائم الامراض ، واقرباذين الادوية اكثر منه في غيره ، وقد اكتشفوا الكثير من المعالجات التي لا تزال متداولة الى اليوم ، كما ان اكثر الادوية التي ركبوها لا تزال مستعملة حتى اليوم ، وكذا فان لهم اكتشافات في كيفية استعمال الادوية ، وبعضها يعد ـ غلطا ـ من المكتشفات الحديثة ... الخ (٤) ».

واخيرا ... فانهم يقولون : ان المسلمين هم اول من انشأ حوانيت

__________________

(١) موجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩٤ / ١٩٥.

(٢) تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص ٢٠٣.

(٣) تاريخ طب در ايران ج ٢ ص ٦٠٥.

(٤) تمدن اسلام وعرب ص ٦١٦ باختصار.

٥٦

الصيدلة على هذه الصورة (١) ، كما ان الشيخ الرئيس ابن سينا قد ذكر الكثير من المواد الطبية ، التي لم تكن معروفة للقدماء ، وهي من مكتشفات ابن سينا نفسه ، والقسم المربوط بالنباتات الطبية المستعملة في امراض الكبد ممتاز جدا ، وهو مطابق تماما مع الطب اليوم ، كما ان آثار الادوية في الطب من حيث وظائف الاعضاء وقراباذين الادوية صحيحة جدا (٢).

كما ان الصيدلة تعتمد كثيرا على صناعة الكيمياء ، وقد قطع المسلمون شوطا كبيرا في هذا المجال ، الامر الذي مكنهم من اختراع الكثير من الادوية التي لا تزال مستعملة حتى اليوم.

امتحان الصيادلة :

ولقد كان الصيادلة كثارا ، وشاع الغش منهم في الادوية ، فدعت الضرورة الى امتحانهم ، واعطاء الاجازات او المنشورات الى من تثبت اهليته وامانته وحرمان الاخرين ، ومنعهم من مزاولة هذه الصنعة.

ولقد التفتوا الى هذا الامر في وقت مبكر ، اي من زمن المأمون ، الذي كتب اسما لا يعرف ولا واقع له ، وارسله الى الصيادلة ليبتاع منهم ، فكلهم ذكر : ان هذا الدواء عنده ، واخذ الدواء واعطاه شيئا من حانوته ، فصاروا الى المأمون باشياء مختلفة ، فمنهم من اتى ببعض البزور ، ومنهم من اتى بقطعة من حجر ، ومنهم من اتى بوبر.

وفي زمن المعتصم قال الافشين لزكريا الطيفوري : « يا زكريا ضبط هؤلاء الصيادلة عندي اولى ما تقدم فيه ، فامتحنهم ، حتى نعرف الناصح منهم من غيره ، ومن له دين ، ومن لا دين له ».

فامتحنهم الافشين بمحنة المأمون ، فوقعوا فيما وقعوا فيه اولا ، فكانت

__________________

(١) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص ٢٠٣.

(٢) تاريخ طب در ايران ج ٢ ص ٥٧١ و ٥٨٧.

٥٧

النتيجة ان نفي الافشين من وقع في الفخ عن العسكر ، ونادى المنادي بنفيهم وباباحة دم من وجد منهم في عسكره (١).

__________________

(١) راجع : عيون الانباء ص ٢٢٤ / ٢٢٥ ، وتاريخ الحكماء ص ١٨٨ / ١٨٩ ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص ٢٠١ عن ابن العبري ، وراجع مختصر تاريخ الدول ص ١٤٠ / ١٤١.

٥٨

الفصل الثالث :

الطب كمظهر حضاري

٥٩
٦٠