الآداب الطبّيّة في الإسلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الآداب الطبّيّة في الإسلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : الطّب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٩

أما الصائم فانه يستاك اي النهار شاء. (١) وكان علي يستاك في اول النهار وفي آخره ، في شهر رمضان (٢). ولكن لم يرجع له الاستياك بسواك رطب ايضا (٣) .. ولعل ذلك من اجل ان لا يجعل الصائم في حرج من جهة صومه ، مع الحرص على القيام بعملية السواك حتى في حال الصوم ..

ونحن نشير هنا الى :

ان وفود الجراثيم الى الفم لا ينحصر في تخمر فضلات الطعام فيه ، لان من الممكن ان تصل الى الفم عن طريق ملامسة بعض الاجسام الاخرى غير الطعام .. بل ومن الطعام نفسه اذا كان ملوثا بما هو خارج عنه .. كما ان من الممكن ان تتوافد الى الفم عن طريق الهواء غير النقي ، الذي يصل الى الفم ، والى غيره من اجهزة الجسم عن طريق التنفس.

ولاجل هذا .. فقد اختلفت الميكروبات التي يعاني منها الفم وتنوعت ، ولا يضاهيه في اختلافها وتنوعها اي عضو آخر في الانسان على الاطلاق .. وهو اكثر الاعضاء قابلية لاسقبالها ، وهو المكان الامثل لنموها وتكاثرها .. لان اللعاب الذي يتدفق باستمرار ـ وان كان في حالة سلامة الجسم ـ يمكنه ان يقضى على

____________

(١) الكافي ج ٣ ص ٢٣ ، والمحاسن ص ٥٦٣ والبحار ج ٧٦ ص ١٣٦ و ١٣٤ ومن لا يحضره الفقيه ج ١ ص ٣٣ والاستبصار ج ١ ص ٩١ ومكارم الاخلاق ص ٤٩ والوسائل ج ١ ص ٣٦٠ و ٥٧ و ٥٨ والبخاري نشر دار الفكر العربي ج ٢ ص ٢٣٤ وسنن ابي داود ج ٢ وسنن ابن ماجة ..

(٢) الوسائل ج ٧ ص ٦٠ وفي هامشه عن قرب الاسناد ص ٤٣.

(٣) الاستبصار ج ٢ ص ٩١ / ٩٢ والوسائل ج ١ ص ٣٦٠ وج ٧ ص ٥٥ و ٥٩ و ٥٨ وفي هوامشه عن العديد من المصادر.

٢٤١

كثير من انواع الميكروبات ـ (١) الا انه في غير هذه الحالة يمثل الدرع الواقي والغطاء الطبيعي لها ، الذي يمكنه ان يحميها من كثير من العوارض .. بل انه يمثل الغذاء لها لو حرمت الغذاء .. واذا لاحظنا مدى حساسية هذا العضو ـ الفم ـ بالنسبة لسائر اجهزة الجسم الاخرى .. فاننا نعرف السر في تجويز الاستياك للصائم .. وفي دعوة الاسلام للاستياك في الاوقات المختلفة المتقدم ذكرها ..

اضف الى ذلك : ان بقاء محيط الفم لعدة ساعات في حالة هدوء معناه : انه اذا كان فيه شيء من الفضلات المتبقية فان التخمير يتم فيه بيسر وسهولة حينئذ ، كما انه لو كانت بعض الجراثيم متخلفة في الفم فانها تستطيع مهما كانت ضئيلة ومحدودة ان تقوم بنشاط واسع من دون وجود اي وازع او رادع.

فاذا استاك قبل النوم فانه يقضى بذلك على كل ذلك ، ولا يبقى ثمة فرصة لنشاط الجراثيم ، ولا لتخمر الفضلات ..

كما ان السواك بعد النوم يقضى على الجراثيم الوافدة الى الفم عن طريق التنفس وغيره. ويقول البعض : « ان تدفق اللعاب باستمرار في الفم عامل مهم في منع اصابة الاسنان بالتسوس والخراب ، لان اللعاب يؤثر في تنظيفها ميكانيكيا ، وحيث انه يقل تدفق اللعاب ليلا ، فان قابلية الاسنان للتعرض للخراب تزيد طبعا ، وهذا ما يؤكد الحاجة للسواك بعد النوم كما قلنا » (٢) .. كما ان السواك يقضى على الميكروبات التي يمكن ان تكون قد نشطت اثناء النوم ، وعلى بعض الفضلات لو فرض تخلفها في تجاويف الفم ، فيما لو كان السواك قبل النوم غير فعال ، بسبب التقصير في الاستقصاء فيه .. نعم .. ولعل ما ذكرناه يلقى بعض الضوء على ما تقدم من قولهم عليه‌السلام :

__________________

(١) فان لم يمكن فان اسيد المعدة يقضى عليها ، فان لم يمكن قضت عليها تركيبات الصفراء ( راجع : اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ١٢ ص ١٢٢ و ١٢٦ ).

(٢) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ١٢ ص ١٥٥ / ١٥٦.

٢٤٢

لو علم الناس ما في السواك لاباتوه معهم في لحاف .. وهذا ما يؤكد لنا عظمة الاسلام ، وانسجامه مع الحاجات الطبيعية ، التي تكتنف وجود هذا الكائن ، وتهيمن عليه ..

جرح اللثة ..

ويلاحظ هنا : ان جرح اللثة بالسواك ثم تعفنها غير وارد هنا بالنسبة للانسان السليم .. وذلك لان الفم يتمتع بمناعة خاصة ضد تعفن جراحة الفم ، ولعل هذا هو السر في اعتبار الاسلام الفم طاهرا ، مطهرا ، بحيث لو ظهر فيه دم فانه يطهر بنفسه بمجرد ذهاب آثاره .. كما ان اللعاب نفسه قاتل للميكروب لدى الرجال الاصحاء ، كما قدمنا (١).

ولكن ذلك لايعنى عدم تولد ملايين الجراثيم في الفم بفعل التخمر الذي تغلفه اغشية تمنع من تأثير اللعاب في مكافحتها عادة .. كما اشرنا اليه من قبل ..

المساويك المختلفة :

هذا .. ونجد : ان الرضا عليه‌السلام يستاك في كل مرة بأكثر من مسواك واحد ، ولعله لاجل ان يتلافي ما يمكن ان يعلق بكل واحد منها اثناء عملية السواك هذه ، ثم يمضغ الكندر بعد سواكه ..

فقد ورد : ان الرضا عليه‌السلام كان اذا صلى الفجر جلس في مصلاه الى ان تطلع الشمس. ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك ، فيستاك بها واحدا بعد واحد ، ثم يؤتى بكندر فيمضغه الخ. (٢) ولعل مضغه للكندر بهدف تطييب رائحة فمه ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه اجمعين ..

__________________

(١) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ١٢ ص ١٢٢ و ١٢٦ وراجع : من امالي الامام الصادق ج ١ ص ١٠٠.

(٢) الوسائل ج ١ ص ٣٦٠ والبحار ج ٦٧ ص ١٣٧ ومكارم الاخلاق ص ٥٠ ، وعن التهذيب ج ١ ص ١٦٣ واولين دانشكاه ج ١٢ ص ١٣٢.

٢٤٣

السواك : والتلوثات الخارجية :

لقد ورد عن الصادق عليه‌السلام : ان رسول الله (ص) كان اذا صلى العشاء الآخرة امر بوضوئه وسواكه ، فيوضع عند رأسه مخمرا ، فيرقد ما شاء الله ، ثم يقوم ، فيستاك الخ (١).

كما .. وتقدم : ان الرضا عليه‌السلام كان وهو بخراسان اذا صلى الفجر جلس في مصلاه الى ان تطلع الشمس ، ثم يؤتى بخريطة فيها مساويك ، فيستاك بها واحدا بعد واحد ، ثم يؤتى بكندر الخ ..

وهذا يعكس رغبة النبي (ص) والامام عليه‌السلام بالمحافطة على المساويك ، ولو بجعلها في خريطة ، او الاحتفاظ بها مغطاة الى وقت الحاجة .. حتى لا يصل اليها اي من انواع الجراثيم من اي سبب كان ، حتى من الهواء ، فضلا عن ملامسة اي شيء آخر لها .. وهذا هو منتهى المداقة في المحافظة على سلامة البدن .. ولا سيما اذا لاحظنا : ان الرضا عليه‌السلام نفسه يجعل لكل صلاة مسواكا خاصا بها ، من اجل ان لا يبقى في المسواك حين استعماله للمرة الثانية اي اثر للرطوبة من العملية السابقة ، لان الرطوبة يمكن ان تنسجم مع حياة بعض الجراثيم التي ربما تعلق بها (٢) ، ويكون اللعاب حاجزاً من تأثير المواد التي في المسواك في اهلاكها وابادتها ..

استحباب الوضوء للطعام :

هذا .. وقد ورد في الاحاديث ما يفيد استحباب الوضوء قبل الطعام ، وقد تقدم : ان السواك مستحب عند كل وضوء ، وهذا يعني ان السواك سيسبق الطعام ووضوءه ،

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٤٤٥ والوسائل ج ١ ص ٣٥٦ واولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ٢ ص ١٢٩.

(٢) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ١٢ ص ١٣٢.

٢٤٤

واذن فلا مجال بعد لتلوث الطعام ، ثم وروده الى المعدة مصاحبا للجراثيم ، فيضر بها كما تقدم. اما السواك بعد الطعام ، فقد استغنى الاسلام عن النص عليه بسبب تشريعه السواك في فترات كثيرة ، طيلة اليوم والليل ، بحيث يصير تخمر الفضلات امرا غير معقول ولا ممكن ..

الخلال بعد الطعام :

وكثيرا ما لا تخرج بعض الفضلات المتخلفة في تجاويف الاسنان بالمضمضة بل ربما يعسر اخراجها بواسطة السواك ايضا .. فتمس الحاجة الى استعمال وسيلة اخرى لاستكراه تلك الفضلات على الخروج ، حتى لا تتحول بفعل التخمير الى مناطق موبوءة ، تضج بالجراثيم ، وتؤثر في التهابات اللثة ، وخراب الاسنان وغير ذلك من اعراض تقدمت الاشارة اليها في بحث السواك .. وقد ورد الامر بالخلال في الاسلام بانحاء مختلفة .. كما وبين النبي (ص) والائمة عليهم‌السلام ما يترتب عليه من الفوائد ، بالاضافة الى ذكر الوسائل التي لا يصح استعمالها في هذا المجال .. الى غير ذلك مما سيتضح من النصوص التالية.

ولسوف لن نصغى الى اولئك الذي يقولون : ان الخلال يهيىء الفرصة للابتلاء بالتهابات اللثة وتقيحها ، وخراج السن الموجب لقلعه (١) .. فان الخلال الموجب لذلك هو خصوص الخلال العنيف الذي تستعمل فيه الوسائل الحادة التي تجرح اللثة وجدار السن ، الامر الذي ينشأ عنه ما ذكر .. وقد نبه النبي (ص) والائمة عليهم‌السلام لهذه الجهة ، وارشدوا الى ما يمنع من ظهورها ، وسنرى .. حين الكلام على وسائل الخلال بعض ما ورد عنهم في ذلك ..

كما انه مع تعدد عملية الخلال والسواك والمضمضة يوميا ، فانه لاتبقى فرصة لظهور مرض كهذا على الاطلاق (٢).

__________________

(١) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ١٢ ص ١٧٢.

(٢) المصدر السابق ..

٢٤٥

الخلال في الاعتبار الشرعي :

عن النبي (ص) : رحم الله المتخللين من امتي في الوضوء والطعام (١) وعنه (ص) : حبذا المتخلل من امتي (٢).

عن ابي الحسن عليه‌السلام عنه (ص) : رحم الله المتخللين. قيل : يا رسول الله ، وما المتخللون؟ قال : يتخللون من الطعام ، فانه اذا بقى في الفم شيء تغير فآذى الملك ريحه (٣). وليراجع ما عن سعد بن معاذ عنه (ص) (٤).

وبمعناه عن الباقر عليه‌السلام عنه (ص) ، وفيه ، فليس اثقل على ملكى المؤمن من ان يريا شيئا من الطعام في فيه وهو قائم يصلي (٥).

وعنه (ص) : والخلال يحببك الى الملائكة ، فان الملائكة تتأذى بريح من لا يتخلل بعد الطعام (٦).

__________________

(١) مكارم الاخلاق ص ١٥٣ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٦ و ٤٣٢ عنه وعن الدعائم والشهاب وفي الهامش عن الدعائم ج ٢ ص ١٢٠ / ١٢١ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠٠ و ١٠١.

(٢) مكارم الاخلاق ص ١٥٣ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٦ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٣) المحاسن للبرقي ص ٥٥٨ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٩ عنه ، وليراجع مجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٩ / ٣٠ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣٢.

(٤) مكارم الاخلاق ص ١٥٢ عن الفردوس والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٦ عن المكارم ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠٠.

(٥) راجع : البحار ج ٦٦ ص ٤٣٦ و ٤٤٢ وج ٨٠ ص ٣٤٥ عن دعائم الاسلام ج ١ ص ١٢٣ وليراجع مكارم الاخلاق ص ١٥٣ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠٠.

(٦) تحف العقول ص ١٢ والبحار ج ٧٢ ص ١٣٩ وج ٧٧ ص ٦٩ والوسائل ج ١ ص ٣٥٢.

٢٤٦

وعنه (ص) : نزل علي جبرئيل بالخلال (١).

وعن الصادق عليه‌السلام : نزل جبرئيل بالسواك والخلال والحجامة (٢).

وقد تقدم نفس هذا المعنى حين الكلام على السواك في حديث شكوى الكعبة الى الله ما تلقاه من انفاس المشركين فراجع ..

وعن الامام الكاظم عليه‌السلام : ينادى مناد من السماء : اللهم بارك في الخلالين والمتخللين .. الى ان قال : والذين يتخللون ، فان الخلال نزل به جبرئيل مع اليمين والشهادة من السماء (٣).

وقد جعل الخلال من العشرة اشياء التي هي من الحنيفية ، التي انزلها الله على ابراهيم (٤).

الى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه (٥) ..

التأسي برسول الله (ص) :

ونلاحظ هنا : ان الائمة عليهم‌السلام لم يكتفوا باثبات اهمية الخلال بالاخبارات عن اهميته لدى الشارع ، حتى ان جبرئيل هو الذي نزل به .. بل تعدوا ذلك ، فوجهوا الناس نحو التأسي ، والاقتداء برسول الله (ص) ، فعن وهب بن عبد ربه ،

__________________

(١) المحاسن ص ٥٥٨ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٩ والكافي ج ٦ ص ٣٧٦ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣١.

(٢) من لايحضره الفقيه ج ١ ص ٣٢ والكافي ج ٦ ص ٣٧٦ والمحاسن ص ٥٥٨ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣٢ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٩.

(٣) السرائر ، قسم المستطرفات ص ٤٧٦ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣٣ والبحار ج ٦٦ ص ٤٤١ / ٤٤٤ ، ومكارم الاخلاق ص ١٥٣.

(٤) مجمع البيان ج ١ ص ٢٠٠ والبحار ج ٧٦ ص ٦٨ وبهامشه عن تفسير القمي ص ٥٠ والوسائل ج ١ ص ٤٢٤.

(٥) راجع : المصادر المتقدمة وغيرها ..

٢٤٧

قال : رأيت ابا عبد الله يتخلل ، فنظرت اليه : فقال : ان رسول الله (ص) كان يتخلل (١).

الحرج في ترك الخلال :

وبعد هذا .. فقد تعدى الامر ذلك الى التلويح بما يترتب على ترك الخلال من عواقب سيئة ، فقد روى عن ابي عبد الله عليه‌السلام ، انه قال : من اكل طعاما فليتخلل ، ومن لم يفعل فعليه حرج (٢).

الخلال للمحرم :

هذا .. وقد وردت الرخصة بالخلال للمحرم ، مع انه يحتمل ادماء اللثة فعن عمار بن موس ى ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المحرم يتخلل؟ قال : لابأس (٣).

فوائد الخلال :

واما عن فوائد الخلال ، ومضار تركه ، فيمكن ان نستخلصها من الروايات على النحو التالي :

١ ـ يطيب الفم.

٢ ـ مصحة ( او مصلحة ) للفم ، والنواجذ.

٣ ـ ينقى الفم.

٤ ـ مصحة ( او مصلحة ) للثة والنواجذ.

__________________

(١) المحاسن ص ٥٥٩ و ٥٦٠ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٩ والكافي ج ٦ ص ٣٧٦ وزاد فيه « وهو يطيب الفم » والوسائل ج ١٦ ص ٥٣١ وفي هامشه عن الفقيه ج ٢ ص ١١٥.

(٢) الوسائل ج ١٦ ص ٥٣٣ والبحار ج ٦٦ ص ٤٤١ والمحاسن للبرقي ص ٥٦٤.

(٣) الوسائل ج ٩ ص ١٧٩ وفي هامشه عن : الفروع ج ١ ص ٦٦ ، وعن التهذيب ج ١ ص ٢٦٦ وعن الاستبصار ج ٢ ص ١٨٣.

٢٤٨

٥ ـ يجلب الرزق على العبد.

٦ ـ هو نظافة.

٧ ـ يذهب بالبادجنام ، وهو حمرة منكرة على الوجه والاطراف ، كما سيأتي ..

٨ ـ يمنع من حدوث الروائح الكريهة في الفم.

وقد وردت هذه الفوائد في العديد من النصوص ، مثل ما روى عن الصادق عليه‌السلام : من ان الخلال يطيب الفم (١). وعن النبي (ص) : تخللو على اثر الطعام فانه مصحة للفم والنواجذ ، ويجلب الرزق على العبد. وفي نص آخر : انه (ص) ناول جعفراً خلالا وامره بالتخلل ، معللا له ذلك بما ذكر (٢).

وعنه (ص) : تخللوا ، فانه من النظافة ، والنظافة من الايمان ، والايمان مع صاحبه في الجنة (٣). وقد تقدم : ان الكعبة شكت الى الله ما تلقاه من انفاس المشركين ، فأوحى الله لها : انه مبدلها بهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر الخ ..

قال الشهيد رحمه‌الله : « والتخلل يصلح اللثة ، ويطيب الفم » (٤).

وروى ان النبي (ص) قال لعلي عليه‌السلام : عليك بالخلال ، فانه يذهب بالبادجنام الخ. (٥) قال المجلسي : البادجنام : كانه معرب بادشنام. وهو على ما ذكره الحكماء

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٧٦ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣١ وفي هامشه عن الفقيه ج ٢ ص ١١٥.

(٢) مكارم الاخلاق ص ١٥٣ والبحار ج ٦٢ ص ٢٩١ وج ٦٦ ص ٤٣٦ عنه وص ٤٤٢ و ٤٤١ عن الدعائم ج ٢ ص ١٢٠ / ١٢١ وعن طب المستغفري والمحاسن ص ٥٥٩ و ٥٦٤ والكافي ج ٦ ص ٣٧٦ وراجع الوسائل ج ١٦ ص ٥٣٢ و ٥٣٣ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠٠ عن الجعفريات وص ١٠١ عن المستغفري.

(٣) البحار ج ٦٢ ص ٢٩١ عن طب المستغفري ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٤) البحار ج ٦٦ ص ٤٤٣ عن الدروس.

(٥) بحار الانوار ج ٦٦ ص ٤٣٧ عن دعوات الراوندي ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠٠.

٢٤٩

حمرة منكرة شبه حمرة من يبتدىء به الجذام ، ويظهر على الوجه والاطراف ؛ خصوصا في الشتاء والبرد ، وربما كان معه قروح .. (١)

وفي رواية عنه (ص) : من استعمل الخشبتين امن من عذاب الكلبتين (٢).

ولسنا بحاجة الى التعليق على ما ذكر للخلال من فوائد ، فقد تقدم في بحث السواك ما يوضح كثيرا مما ذكر هنا ، فلا حاجة لاعادته ..

الا انه ما ذكر من انه يجلب الرزق .. لعله ناظر الى انه إذا كان يوفر على العبد الكثير من المتاعب الجسدية ، بالاضافة الى انه يفسح المجال امام الملائكة لان تقترب من العبد ، فانه ـ ولا شك ـ سيوفر على العبد الكثير من النفقات ، كما انه يعطيه نشاطا ، بل وروحية جديدة يستحق معها الالطاف الالهية ، والعنايات الربانية ، ومنها تهيئة موارد الرزق له ايضا.

وأما بالنسبة للحمرة المشار اليها فلم نستطيع حتى الان ان نعرف السر في ذلك .. ولعل تقدم العلم الطبي في المستقبل يفسح المجال للتعرف على الكثير من القضايا التي لا تزال رهن الابهام والغموض ان شاء الله تعالى ..

لزوم لفظ ما يخرج بالخلال

هذا .. وقد ورد في الاحاديث الكثيرة لزوم لفظ ما يخرج بواسطة الخلال من بين اضعاف الاسنان ، أما ما كان على اللثة ، او في اللهوات والاشداق ، مما يتبع اللسان ، فقد رخص في اكله (٣).

__________________

(١) البحار ج ٦٦ ص ٤٣٧.

(٢) البحار ج ٦٢ ص ٢٩١ عن طب المستغفري.

(٣) راجع الاحاديث في ذلك في : المحاسن للبرقي ص ٤٥١ و ٥٥٩ و ٥٦٠ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٨ و ٤٣٦ و ٤٠٨ و ٤٠٧ و ٤٤٠ و ٤٤١ و ٤٢١ ومكارم الاخلاق ص ١٥٢ و ١٥٣ و ١٤٥ والكافي ج ٦ ص ٣٧٧ و ٣٧٨ والوسائل ج ١٦ ص ٥٤٢ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

٢٥٠

وما ورد : من انه لاحرج من بلع ما يخرج بواسطة الخلال (١) فهو ناظر الى الحرج من حيث العقاب في الاخرة. أما الحرج والضرر الدنيوي فهو موجود ، ولهذا .. فقد امر بلفظ ما يخرج بالخلال في هذه الرواية بالذات ، فضلا عن غيرها ..

والسر في ذلك واضح ، فان ما يستكره بالخلال مما يكون عالقا في تجاويف الاسنان يكون عرضة للتلوث بالجراثيم المتواجدة في تلك الامكنة ، التي يصعب الوصول اليها على وسائل التنظيف ، ولربما لا تصل اليها اطلاقا ..

اما ما كان في مقدم الفم ، او في اللهوات والاشداق ، او حيث يمكن للسان ان يستخرجه حين يدار في جنبات الفم .. فانه يكون في مواضع لا يمكن لشيء ان يستقر فيها ، وحيث يتدفق اللعاب باستمرار .. فلا يكون ثمة اية فرصة لتخمرها وتكاثر اي نوع من انواع الجراثيم فيها.

هذا .. وقد ذكر الدكتور باك نجاد : ان من يداوم على اكل ما يخرج بالخلال ، فانه يخشى عليه من قرحة الاثنى عشري والمعدة .. (٢) ولذا فلا يجب ان نعجب اذا رأينا رواية عن الامام الصادق عليه‌السلام تقول : لا يزدردن احدكم ما يتخلل به ، فانه يكون منه الدبيلة (٣).

والدبيلة : خراج ودمل كبير يظهر في الجوف ، فتقتل صاحبها غالبا (٤) وهو ما يعبر عنه الان بقرحة الاثنى عشري او المعدة ، كما هو معلوم ..

__________________

(١) المحاسن ص ٥٥٩ / ٥٦٠ والبحار ج ٦٦ ص ٤٤٠ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣٦ وراجع الهوامش.

(٢) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ٢ ص ١٧٠.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٧٨ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣٥.

(٤) النهاية لابن الاثير ج ٢ ص ٩٩.

٢٥١

المضمضة بعد الخلال :

لقد روى المستغفري في طب النبي : تخللوا على الطعام وتمضمضوا ، فانها مضجعة ( الصحيح : مصحة ) الناب والنواجذ (١). وعن الحسين عليه‌السلام : كان امير المؤمنين يأمرنا : اذا تخللنا ان لا نشرب الماء حتى نمضض ثلاثا (٢).

وما ذلك الا لان التخلل وحده لا يكفي لاخراج الفضلات من الفم .. وقد لا تخرج بتمامها في المرتين الاولى والثانية ، فيحتاج الى الثالثة ، وذلك من اجل تفادي وفود الجراثيم الى المعدة ، الامر الذي يتسبب بالكثير من المضاعفات السيئة حسبما قدمناه في بحث السواك ، فلا نعيد ..

وسائل لا يصح استعمالها في الخلال :

ونجد في الروايات المنع عن استعمال بعض الوسائل في عملية الخلال ، وواضح ان المنع عن استعمال بعضها انما من اجل انها يمكن ان تجرح اللثة ، واما البعض الآخر ، فيمكن ان يكون من اجل وجود مواد كيميائية معينة يمكن ان تضر بصحة الانسان عموما .. ونشير في هذا المجال الى النصوص التالية :

عن الرضا عليه‌السلام : لا تخللوا بعود الرمان ، ولا بقضيب الريحان ، فانهما يحركان عرق الجذام. وفي نص آخر : « الاكلة » (٣).

وعن الدعائم وغيره : « ونهى (ص) عن التخلل بالقصب ، والرمان ، والريحان

__________________

(١) مستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤٢٥ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٨ وفي هامشه عن الصحيفة ص ٣٧.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٣٧٧ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣٣ و ٥٣٤ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١ عن الدعائم والجعفريات ومكارم الاخلاق ص ١٥٢ و ١٥٣ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٦ و ٤٣٧ عنه وعن الخصال ص ٦٣ وعن مجالس الصدوق ص ٢٣٦ وعن علل الشرايع ج ٢ ص ٢٢٠ والمحاسن ص ٥٦٤ وروضة الواعظين ص ٣١١.

٢٥٢

وقال : ان ذلك يحرك عرق الجذام » ، او الاكلة (١).

وعن علي عليه‌السلام : التخلل بالطرفاء يورث الفقر (٢).

وقال الشهيد رحمه‌الله : يكره التخلل بقصب ، او عود ريحان ، او آس ، او خوص ، او رمان (٣).

وكان رسول الله (ص) يتخلل بكل ما اصاب ما خلا الخوص والقصب (٤).

وفي رواية : من تخلل بالقصب لم تقض له حاجة سبعة ( او ستة ) ايام (٥).

وعن الصادق عليه‌السلام : لا تخللوا بالقصب ، فان كان ولا محالة فلتنزع الليطة (٦). الليطة : قشر القصبة (٧).

وعن الصادق عليه‌السلام : نهى رسول الله ان يتخلل بالقصب والريحان ( او : والرمان ) ، وزاد في اخرى : ( الاس ) ، وقال : « وهن يحركن عرق الاكلة (٨) ».

المحافظة على اللثة :

لقد رأينا آنفاً : النهى عن التخلل بالقصب ، فان كان ولا محالة ، فلتنزع الليطة. يعنى قشر القصبة ..

__________________

(١) البحار ج ٦٦ ص ٤٤٢ و ٤٤٣ عن الدعائم ج ٢ ص ١٢٠ / ١٢١ وعن الدروس ومكارم الاخلاق ص ١٥٣ عن الفقيه ، ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٢) مكارم الاخلاق ص ١٥٢ و ١٥٣ والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٦ و ٤٣٨ عنه وعن الخصال ص ٥٠٥ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣٤ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٣) البحار ج ٦٦ ص ٤٤٣ عن الدروس وراجع مكارم الاخلاق ص ١٥٣ عن الفقيه وراجع مستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٤) المحاسن ص ٥٦٤ ومكارم الاخلاق ص ١٥٢ و ١٥٣ والبحار ج ٦٦ ص ٤٤١ و ٤٣٦ والكافي ج ٦ ص ٣٧٧ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٥) المحاسن ص ٥٦٤ ومكارم الاخلاق ص ١٥٣ ، والبحار ج ٦٦ ص ٤٣٦ و ٤٤١ والكافي ج ٦ ص ٣٧٧ والوسائل ج ١٦ ص ٥٣٣ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٦) البحار ج ٦٦ ص ٤٣٦ ومكارم الاخلاق ص ١٥٣ ومستدرك الوسائل ج ٣ ص ١٠١.

(٧) محيط المحيط ص ٨٣٣.

(٨) البحار ج ٦٦ ص ٤٤١ والمحاسن ص ٥٦٤ والكافي ج ٦ ص ٣٧٧ وراجع الوسائل ج ١٦ ص ٥٣٤.

٢٥٣

كما وروى عن الامام الكاظم عليه‌السلام في حديث ـ : ثم اتى بالخلال فقلت : ما حدّ هذا؟. قال : ان تكسر رأسه ، لانه يدمى اللثة (١).

الخلال للضيف :

واخيراً .. فقد لا يتمكن الضيف من تهيئة الخلال المناسب ، ومن هنا .. فقد روى عن النبي (ص) : ان من حق الضيف ان يعد له الخلال (٢).

وقد حكم بعض الفقهاء باستحباب اعداده له ايضا (٣).

كلمة اخيرة هنا :

وهكذا .. يتضح اخيرا : ان السواك والخلال يؤثران في مظهر الانسان ، وفي سلامته البدنية ، بل وحتى النفسية ، والعقلية والروحية الى آخر ما تقدم .. فما احرانا : ان نلتزم به ، ونستفيد منه الكثير مما عرفنا ، ومما لم نعرف بعد .. حيث ان ما ذكرناه وعرفناه يمكن ان يكون بالنسبة لما لم نذكره ولم نعرفه بمثابة غيض من فيض .. كما انه ليس الا بمثابة خطوة اولى على طريق التعرف على كافة الحقائق التي تربط بهذا الموضوع ، الذي هو واحد من تلك التعاليم الاسلامية السامية الى اهملناها ، ولم نعد نلتفت اليها ، واصبحنا نستوردها ـ فيما نستورد مهما كانت هزيلة وممسوخة ـ من اوربا وغيرها من مناطق العالم ..

ولا يسعنا هنا الا ان نذكر بقوله تعالى : ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض .. صدق الله العلي العظيم ..

____________

(١) البحار ج ٦٦ ص ٤٢٣ ومكارم الاخلاق ص ١٥٢ و ١٥٣.

(٢) المحاسن ٥٦٤ والبحار ج ٧٥ ص ٤٥٥ وج ٦٦ والوسائل ج ١٦ ص ٤٦٠ وراجع هوامشه ..

(٣) البحار ج ٦٦ ص ٤٤٣ عن الدروس للشهيد ..

٢٥٤

کلمة ختامينة

وأخيراً ... فانني أرجو أن اكون قد وفقت لانجاز هذا العمل على النحو المرضى والمقبول .. وأن يجد القارىء فيه الملامح الكافية لاظهار الصورة الحقيقية لهذا الموضوع ، من دون أي نقص أو تشويه ..

واذا ما وجد القارىء الكريم في ثنايا هذا البحث بعض الهنات أو القصور ، فان رجائي الاكيد منه هو : أن يلتمس لي العذر ن وأن ينبهني الى ذلك ، وله منى جزيل الشكر والتقدير ، وخالص المحبة والعرفان ..

وفي الختام .. فانني أسأل الله أن ينفع بهذا الجهد المتواضع ، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم .. ويجعل ثوابه لشهاداء الاسلام الابرار ، لا سيما في ايران الاسلام والثورة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

جعفر مرتضى العاملي

٢٥٥
٢٥٦

الفهارس

١ ـ المصادر والمراجع.

٢ ـ فهرست اجمالي للكتاب.

٣ ـ محتويات الكتاب بالتفضيل.

٢٥٧
٢٥٨

المصادر .. والمراجع

لقد اعتمدنا في هذا الكتاب على المصادر الثالية :

القرآن الكريم

الف

١ ـ آداب المتعلمين

للمحقق الطوسي

٢ ـ الارشاد

للمفيد

٣ ـ ارشاد الساري

للقسطلاني

٤ ـ الاستبصار

للطوسي

٥ ـ الاستيعاب

لابي عمر

٦ ـ أسد الغابة

لابن الاثير

٧ ـ الاشتقاق

لابن دريد

٨ ـ الاصابة

للعقسلاني

٩ ـ الاغاني

لابي الفرج

١٠ ـ الام

للشافعي

٢٥٩

١١ ـ الامالي

للصدوق

١٢ ـ الامالي

للطوسي

١٣ ـ الامالي

للمرتضى

١٤ ـ الامالي

للمفيد

١٥ ـ الانوار النعمانية

للجزائري

١٦ ـ الاوائل

للعسكري

١٧ ـ اولين دانگاه وآخرين پيامبر

لپاد نجاد

باء

١٨ ـ البحار

للمجلسي

١٩ ـ البحر الزخار

لابن المرتضى

٢٠ ـ البخلاء

للجاحظ

٢١ ـ البيان والتبيين

للجاحظ

تاء

٢٢ ـ تاريخ الامم والملوك

للطبري

٢٣ ـ تاريخ التمدن الاسلامي

لزيدان

٢٤ ـ تاريخ الحكماء

للقفطي

٢٥ ـ تارخ الخميس

للدياربكري

٢٦ ـ تاريخ الشعوب الاسلامية

لبرو كلمان

٢٧ ـ تاريخ طب در ايران

لنجم آبادي

٢٨ ـ تاريخ العلم

لسارتون

٢٩ ـ تاريخ مختصر الدول

لابن العبري

٢٦٠