الآداب الطبّيّة في الإسلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الآداب الطبّيّة في الإسلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : الطّب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٩

كما ان اكرام بني هاشم ، الذين يتعرضون الى مختلف انواع الاضطهاد والتنكيل ، ويتحملون المصاعب والمصائب بسبب ارتباطهم بالرسول (ص) ، وانتسابهم اليه ، هذا الاكرام يكون من اقرب القربات ، ولعل هذا يفسر لنا ماروي عن الإمام الكاظم عن آبائه عليهم‌السلام ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

« عيادة بني هاشم فريضة ، وزيارتهم سنة » (١).

عيادة الأقارب :

وقد ورد في وصية امير المؤمنين عليه‌السلام لولده : « واكرم عشيرتك فانهم جناحك .. الى ان قال : واكرم كريمهم ، وعد سقيمهم » (٢).

استحباب الهدية للمريض :

ولان المريض يحتاج الى اظهار المحبة والعطف ، ولان ذلك يربط على قلبه ، ويجعله يطمئن الى محبة الاخرين له ، فان الهدية له تكون تعبيرا عن هذا الحب ، وهذا العطف.

وقد روى بعض موالي الإمام الصادق عليه‌السلام قال : مرض بعض مواليه ، فخرجنا اليه نعوده ، ونحن عدة من موالي جعفر ، فاستقبلنا جعفر في بعض الطريق ، فقال لنا : اين تريدون؟ فقلنا : نريد فلانا نعوده ، فقال قفوا ، فوقفنا ..

فقال : مع احدكم تفاحة ، او سفرجلة ، او اترجة ، او لعقة من طيب ، او قطعة من عود بخور؟

فقلنا ، ما معنا شيء من هذا.

فقال : اما تعلمون ان المريض يستريح الى كل ما ادخل به عليه؟ (٣)

____________

(١) مستدرك الوسائل ج ١ ص ٨٣ عن البحار ، عن كتاب الامامة والتبصرة.

(٢) كشف المحجة ص ١٧٣ ، والبحار ج ٧٧ ص ٢١٨ عنه.

(٣) الوسائل ج ٢ ص ٦٤٣ والكافي ج ٣ ص ١١٨ ومكارم الاخلاق ص ٢٣٦ ، والبحار ج ٨١ ص ٢٢٧ عنه.

١٨١

عدم شكوى المريض الى عواده :

لقد ورد في كثير من النصوص الدعوة الى كتمان المرض ، واعتبار ذلك من كنوز البر (١) ، وان من كتم وجعا اصابه ثلاثة ايام من الناس ، وشكا الى الله عز وجل كان حقا على الله ان يعافيه منه (٢) ، وان من مرض ليلة ولم يشك ما اصابه فيها الى احد كتب الله له عبادة ستين سنة (٣) ، وان المريض في سجن الله ما لم يشك الى عواده (٤).

وقد مدح امير المؤمنين عليه‌السلام رجلا ، فكان مما قال : « وكان لا يشكو وجعا الا عند برئه » (٥).

وهناك مضامين اخرى في هذا المجال ، لا مجال لتتبعها ، فلتراجع في

__________________

(١) امالي المفيد ص ٤ ، والمواعظ العددية ص ٦ ، وتحف العقول ص ٢١٦. والبحار ج ٨٢ ص ١٠٣ وج ٨١ ص ٢٠٨ وج ٧٨ ص ١٧٥ ، وص ٣٦ / ٣٧ و ١٣٧ لكنه عبر بكتمان المصيبة هنا وج ٧٧ ص ٤٢٣ عن المصادر التالية : دعوات الراوندي ، وشهاب الاخبار ، وارشاد المفيد ص ١٤٠ وبعض من تقدم. وغرر الحكم ج ١ ص ٣٦٤.

(٢) الوسائل ج ٢ ص ٦٢٨ وفي هامشه عن الخصال ج ٢ ص ١٦٦ والبحار كتاب الايمان والكفر باب ١٢ حديث ٥٤ وج ٨١ ص ٢١١ و ٢٠٣ وج ٦٢ ص ٢٨٧ عن الشهيد رحمه‌الله وعن معاني الاخبار والخصال وغرر الحكم ج ٢ ص ٦٤٦.

(٣) مشكاة الانوار ص ٢٨١ والكافي ج ١ ص ١١٥ و ١١٦ والوسائل ج ٢ ص ٦٢٧ وراجع البحار ج ٨١ ص ٢١٥ عن ثواب الاعمال ص ١٧٥.

(٤) مستدرك الوسائل ج ١ ص ٨١ / ٨٢ عن الدعائم والبحار ج ٨١ ص ٢١١ وفي الهامش عن الدعائم ص ٢١٧ وعن النهج وبمعناه غيره فراجع البحار ، فصل : عيادة المريض.

(٥) نهج البلاغة ، قسم الحكم ، الحكمة رقم ٢٨٩ والبحار ج ٨١ ص ٢٠٤ / ٢٠٥.

١٨٢

مظانها (١).

ونريد ان نشير هنا : الى ان هذه النصوص ناظرة الى الكتمان الذي يكون من اجل الاعتماد على كرم الله سبحانه ، والطافه ، ويعطى المريض دفعة روحية قوية ، تكون ثمرتها القرب من درجة المتوكلين ، التي هي من اعظم الدرجات. والتي يفوز من وصل اليها ، ويرتاح ويسعد من حصل عليها ..

واكثر من ذلك ، فان الانسان يصير مقتنعا تماما بأن الله وحده هو الذي يملك النفع والضرر. وهو الشافي ، ومنه الشفاء ، وبه الشفاء. وان كل من سواه لا يستطيعون بدونه حيلة ، ولا يهتدون سبيلا.

نعم .. يمكن ان يكونوا واستطة لافاضة الخير من قبل الله تعالى ، مالك كل شيء وخالقه ..

ولعل الى هذا يشير ما ورد في النصوص المتقدمة من التأكيد على لزوم كون الشكوى الى الله سبحانه لا الى غيره ..

فان ذلك ليس الا من اجل ان يمر هذا الانسان بالتجربة الروحية التي تصهره في بوتقتها ، وتنفى كل خبث عنه ، وليخرج بعد ذلك طاهرا مطهرا نقيا ..

وما احلى التجربة ، وما انجحها وانجعها في هذا الوقت الذي يشعر فيه الانسان بالضعف وبالحاجة ، ويبقى ثلاثة ايام يعيش في الاجواء الالهية ؛ مع الله الغني والقوي

__________________

(١) المحاسن للبرقي ص ٩ ، والبحار ج ٧٦ ص ٣٣٥ وج ٨١ ص ٢٠٣ و ٢٠٨ ، و ٢٠٦ و ١٧٧ عنه وعن دعوات الراوندي ، ومجالس الصدوق ص ٢٥٨ / ٢٥٩ ، ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٨١ ، والوسائل ج ٢ ص ٦٢٨ و ٦٢٧ ومن لايحضره الفقيه ج ٤ ص ٩ / ١٠ والكافي ج ١ ص ١١٦ و ١١٥ ومجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٩٥ عن الطبراني ، والاوسط ، ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٣٤٩ وتلخيصه للذهبي ، بهامش نفس الصفحة ؛ والترغيب والترهيب ج ٤ ص ٢٩٢ وغرر الحكم ج ٢ ص ٦٦٢.

١٨٣

والمالك لكل شيىء .. وتكون ظروفه الخاصة هذه ، وهذه الاجواء التي يعيشها سببا في ان يخرج من مرضه هذا بروحية جديدة ، تؤثر على كل حالاته ، ومجمل سلوكه تأثيرا قويا وبعيدا وشاملا في احيان كثيرة. ولربما يعادل الرقي الروحي والانساني الذي يحصل عليه خلال ليلة واحدة فقط ما يحصل عليه من عيادة ستين سنة ، كما جاء في الرواية ..

وبملاحظة النصوص التي وردت في هذا المجال نعرف : ان الشكوى التي ورد الترغيب في الابتعاد عنها هي الشكوى التي تستبطن استدرار عطف المشكو اليه ، نتيجة لشعوره بضعف الشاكي وعجزه ، والله لا يريد لعبده ان يكون ضعيفا وعاجزا الاّ امام الله عز وجل ...

ومن الجهة الاخرى ، فان الله تعالى لا يريد لعبده ان يعتقد بأن غير الله تعالى يملك له شيئا من النفع او الضر ، فان هذا امر مرغوب عنه ومرفوض ، لان الله وحده هو مالك كل شيء ، وبيده النفع والضرر ؛ وهو الكبير المتعال ..

وكذلك .. فان الشكوى التي تستبطن استعظام الامر الذي نزل بالشاكي واعتباره ان ذلك ينافي عدل الله سبحانه وتعالى ولطفه ورحمته .. ان هذه الشكوى مرغوب عنها شرعا ، ومرفوضة جملة وتفصيلا ، بل لابد من الصبر والتسليم ؛ فعن الصادق عليه‌السلام : من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها ، وادى الى الله شكرها كانت له كفارة ستين سنة ، قال : قلت : وما قبلها بقبولها؟ قال صبر على ما كان فيها (١) .. وعنه عليه‌السلام ، ايما رجل اشتكى ، فصبر واحتسب ، كتب الله له من الاجر اجر الف شهيد (٢) .. وعن النبي (ص) ، انه قال : يكتب انين المريض

__________________

(١) البحار ج ٨١ ص ٢٠٥ وفي الهامش عن ثواب الاعمال ص ١٧٥.

(٢) طب الائمة ص ١٧ والبحار ج ٨١ ص ٢٠٦ عنه وعن اعلام الدين.

١٨٤

حسنات ما صبر ، فان جزع كتب هلوعاً (١).

وورد : ان الصادق عليه‌السلام سئل عن حد الشكاية للمريض ، فقال : ان الرجل يقول : حممت اليوم ، وسهرت البارحة ، وقد صدق ، وليس هذا شكاية ، وانما الشكوى ان يقول : قد ابتليت بما لم يبتل به احد ، ويقول : لقد اصابني ما لم يصب احدا (٢) ..

قال المجلسي رحمه الله تعالى : « هذا تفسير للشكاية التي تحبط الثواب ، والاّ فالافضل : ان لا يخبر به احدا ، كما يظهر من الاخبار السابقة. ويمكن حمله على الاخبار لغرض كاخبار الطبيب مثلا » (٣).

فالإخبار بالمرض لايلازم الشكوى ، كما دل عليه الخبر الانف .. وقد تقدم ايضا : ان المريض في سجن الله ما لم يشك على عواده. وان من مرض يوما وليلة فلم يشك الى عواده ، بعثه الله يوم القيامة مع خليله ابراهيم. وانه ما من عبد ابتليته ببلاء فلم يشك الى عواده الا ابدلته لحماً خيراً من لحمه (٤) الخ .. وكل ذلك يدل على ان الإخبار بالمرض شيء ، والشكوى المرغوب عنها شيء آخر .. وأما اختلاف الروايات في الترغيب بعدم الشكوى ليلة ، او ثلاثة ايام ، او مطلقا ، فيحمل على اختلاف درجات الفضل فيها ..

واما رواية من كتم وجعا اصابه ثلاثة ايام الخ .. فيمكن ان يقال ؛ ان المراد فيها ، ان اخباره لاخوانه بعد الثلاثة يصير له فضل. او ان المراد بالكتمان

__________________

(١) البحار ج ٨١ ص ٢١١ وفي هامشه عن الدعائم ص ٢١٧.

(٢) الكافي ج ٣ ص ١١٦ ومشكاة الانوار ص ٢٧٩ وراجع : البحار ج ٨١ ص ٢٠٢ وفي هامشه عن معاني الاخبار ص ١٤٢ و ٢٥٣.

(٣) هامش الكافي ج ٣ ص ١١٦ عن مرآة العقول ، وراجع : البحار ج ٨١ ص ٢٠٢.

(٤) راجع المصادر المتقدمة من اول البحث عن شكوى المريض على عواده وحتى الان ، لتجد هذه النصوص وغيرها.

١٨٥

عدم الشكوى ، لاعدم الإخبار بالمرض مطلقا ؛ بقرينة قوله فيها ، « وشكا الى الله عز وجل » فتكون كغيرها من الروايات.

وأما الرواية التي تجعل كتمان المرض من كنوز البر ، فلابد وان تحمل على ما ذكر ايضا. او على صورة الشفاء السريع ، حيث لا يطول المرض ، او على ما ذكره المجلسي آنفا ..

ويبقى ان نشير الى ان ما ورد من قول الإمام الصادق عليه‌السلام للحسن بن راشد : يا حسن اذا نزلت بك نازلة ، فلا تشكها الى احد من اهل الخلاف ، ولكن اذكرها لبعض اخوانك ، فانك لن تعدم من خصال اربع : اما كفاية ، واما معونة بجاه ، او دعوة تستجاب ، او مشورة برأي (١).

وكذا ما عن الصادق (ع) ، من شكا الى مؤمن فقد شكا الى الله عز وجل ، ومن شكا الى مخالف فقد شكا الله عز وجل (٢).

فان الظاهر هو انها ناظرة الى شكوى غير المرض ، وحيث لا تستبطن الشكوى ايا من المعاني المرغوب عنها شرعا ..

ويشير الى ذلك قوله : « اما كفاية » وذلك لان المرض لاتتأتى فيه الكفاية ، وأما ما بعد هذه الفقرة كالمعونة بالجاه مثلا فيمكن ان تتأتى فيه ، بأن يستعمل نفوذه لايصاله الى الطبيب الفلاني ، او ادخاله المستشفى الفلاني ، وما اشبه ذلك وبالنسبة للمشورة بالرأي واستجابة الدعاء ، فالامر فيهما واضح ...

__________________

(١) البحار ج ٧٨ ص ٢٦٥ عن التحف وج ٨١ ص ٢٠٧ عن كتاب الاخوان للصدوق ص ٣٤ ، والوسائل ج ٢ ص ٦٣١ عنه وروضة الكافي ص ١٧٠ والفصول المهمة ص ٥٠٢ ، وتحف العقول ص ٢٨٤.

(٢) الوسائل ج ٢ ص ٦٣٢ والبحار ج ٨١ ص ٢٠٧ ومعاني الاخبار ج ٢ ص ٣٨٧ وبمعناه عن قرب الاسناد ص ٥٢ وراجع غرر الحكم ج ٢ ص ٦٨٣.

١٨٦

وأما الحديث الثاني ، فهو مطلق ، ولعله يشير الى ما تضمنه حديث الحسن بن راشد ، لان السياق منسجم معه اكثر من غيره ، حيث ان المريض قد منع من الشكوى حتى الى عواده ، وان كانوا من اخوانه ، كما اشرنا اليه ..

عدم اسماع المريض التعوذ من البلاء :

وقد تقدم : ان محمد بن علي (ع) كان لايسمع المبتلى التعوذ من البلاء ، وتقدم ما يشير الى الحكمة في ذلك حين الكلام على موضوع « الممرض في المستشفى ».

عدم اطالة الجلوس عند المريض :

وان عوارض المرض ، والحالات المتغيرة ، التي تطرأ على المريض ، لربما تفرض عليه احيانا : ان يكون في وضع لايرغب ان يراه عليه احد ..

كما ان نفس الحالة العلاجية له لربما يكون اطلاع الغير عليها موجبا لتألم المريض نفسيا .. واذا كانت العيادة ضرورية ايضا ، فوجه الجمع هو عدم اطالة مكث العائد عند المريض حتى لايزيد في احراجه ، او في المه النفسي.

ومن هنا .. فقد ورد عنهم عليهم‌السلام استحباب عدم اطالة الجلوس عند المريض ، حتى عبر عنها الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه ـ كما روى ـ بقوله :

« العيادة قدر فواق ناقة » (١).

وعن امير المؤمنين عليه‌السلام ، قوله : ان من اعظم العواد اجراً لمن اذا عاد اخاه خفف الجلوس الا اذا كان المريض يحب ذلك ويريده ، ويسأله ذلك الخ

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ١١٧ / ١١٨ والوسائل ج ٢ ص ٦٤٢.

١٨٧

وفي معناه غيره (١).

فانه اذا كان المريض يريد ذلك ، فان الاستجابة له يكون فيها تقرب الى الله تعالى من جهة ، كما ان طلبه هذا .. يكشف عن عدم وجود ما يحتمل ان يكون موجبا للحرج بالنسبة اليه .. من جهة اخرى ..

وضع اليد على المريض ، والجلوس عند رأسه :

ولعل لاجل ان يطمئن المريض الى انه لايزال مقبولا لدى الاخرين ، ولاتنفر النفوس منه ، وكذلك الحال بالنسبة للعائدة نفسه ... نلاحظ : ان ثمة اوامر بوضع العائد يده على المريض ، واعتبر ان الذي يخالف ذلك يكون من الحمقى ، وعيادة الحمقى اشد على المريض من وجعه ، حيث يتسبب الاحمق بكثير من الآلام النفسية للمريض ، بسبب تصرفاته غير اللائقة ، والمشعرة للمريض بضعفه ونقصه ..

وقد ذكر البعض : ان النبي (ص) كان اذا عاد مريضا وضع يده على جبتهه ، وربما وضعها بين ثدييه ، ويدعو له (٢).

وقد روي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : تمام العيادة للمريض : ان تضع يدك على ذراعه وتعجل القيام من عنده ، فان عيادة النوكي اشد على المريض من وجعه (٣) ..

__________________

(١) راجع الوسائل ج ٢ ص ٦٤٢ ، والكافي ج ٣ ص ١١٨ / ١١٩ وقرب الاسناد ص ٨ والبحار ج ٨١ ص ٢١٤ و ٢٢٧ وسفينة البحار ج ٢ ص ٢٨٥ ومجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٩٦ عن البزار ومصنف عبد الرزاق ج ٣ ص ٥٩٤ وكشف الاستار ج ١ ص ٣٦٩.

(٢) الطب النبوي لابن القيم ص ٩٢ وراجع البخاري ، المرضى ١٣.

(٣) الكافي ج ٣ ص ١١٨ والوسائل ج ٢ ص ٦٤٢ والبحار ج ٨١ ص ٢٢٧ وفي هامشه عن مكارم الاخلاق ص ٤١٥.

١٨٨

وفهم الشهيد رحمه‌الله : ان وضع اليد على ذراعه هو حال الدعاء له (١).

ولكن قد ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : قوله : من تمام العيادة للمريض ان يضع العائد احدى يديه على الاخرى ، او على جبهته (٢). وفهم المجلسي رحمه‌الله : ان المقصود هو ان يضع العائد يده على جبهة نفسه ، واحتمل ان يكون ذلك لاجل اظهار الحزن والتأسف على مرضه ، كما هو الشايع ، فلا يبعد ان يكون ذكرهما على سبيل المثال (٣) ..

ولكن الاظهر هو ما تقدم من انه يضع يده على المريض نفسه ، او على ذراعه ... ( وذكر الذراع للمثال على الظاهر ) .. ويمكن حمل هذه الرواية على ذلك ، لانها ليست نصا فيما ذكره المجلسي ، فيمكن ارجاع الضمير على المريض فيها ، ويشير الى ذلك بالاضافة الى النصوص المتقدمة ما عن النبي (ص) : ان من تمام عيادة المريض : ان يدع احدكم يده على جبهته او يده فيسأله كيف هو ، وتحياتكم بينكم بالمصافحة (٤) .. وكذا قوله : (ص) من تمام عيادة المريض اذا دخلت عليه ان تضع يدك على رأسه ، وتقول : كيف اصبحت (٥).

فانها ظاهرة في ان يضع يده على المريض ـ كما اعترف به المجلسي قدس‌سره ، ولكنه اورد عليه : بأنه وان كان اظهر معنى ، ولكنه ـ بمعنى هذا الاخير

__________________

(١) البحار ج ٨١ ص ٢٢٧ عن الدروس.

(٢) قرب الاسناد ص ٨ وسفينة البحار ج ٢ ص ٢٨٥ والكافي ج ٣ ص ١١٩ والوسائل ج ٢ ص ٦٤٢ والبحار ج ٨١ ص ٢١٤.

(٣) البحار ج ٨١ ص ٢١٤.

(٤) امالي الطوسي ج ٢ ص ٢٥٣ ، ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٨٦ والبحار ج ٨١ ص ٢٧٣ و ٢٢٦ كلاهما عنه وعن مكارم الاخلاق ص ٤١٤.

(٥) سفينة البحار ج ٢ ص ٢٨٥ والبحار ج ٨١ ص ٢٢٣ وامالي الطوسي ج ٢ ص ٢٥٣ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٨٦.

١٨٩

والذي قبله ـ عاميان (١) ..

ولكننا نقول : ان الرواية الاخرى التي تقول : تمام العيادة ان تضع يدك على المريض اذا دخلت عليه (٢) ، ورواية وضع اليد على الذراع ليستا بعاميتين ، وهما تؤيدان ارادة هذا المعنى ، وهو وضع العائد يده على يد المريض ، او على جبهته.

وثمة احاديث اخرى في وضع العائد يده على المريض ، او على جبهته ، فمن ارادها فليراجعها (٣). واخيرا .. فقد روى عن ابن عباس : ان النبي (ص) كان اذا عاد المريض جلس عند رأسه (٤).

دعاء المريض للعائد والعكس :

وحيث ان المريض يكون في هذه الحالة اقرب الى الله تعالى منه في غيرها ، فان دعاءه يكون اقرب الى الاستجابة ، ولاجل ذلك .. ولاجل ان يشعر انه ايضا يملك في مرضه هذا امتياز يفقده الاخرون ، فلا يجب ان يشعر بالذل والضعف ، فانه كما هو محتاج الى غيره ، كذلك ، فان غيره محتاج اليه .. من اجل ذلك ، نجد : انه قد روي عن ابي عبد الله عليه‌السلام قوله : اذا دخل على اخيه عائدا له فليسأله يدعو له ، فان دعاءه مثل دعاء الملائكة .. (٥)

__________________

(١) البحار ج ٨١ ص ٢٢٣.

(٢) الكافي ج ٣ ص ١١٨ والوسائل ج ٢ ص ٦٤٢ عنه وعن قرب الاسناد ص ٨.

(٣) مجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٩٨ وسنن ابي داود ج ٣ ص ١٨٧ وسنن البيهقي ج ١ ص ٣٨١ و ٣٨٢ ومستدرك الحاكم ج ١ ص ٣٤٢ وتلخيصه للذهبي بهامشه.

(٤) مجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٩٧ عن ابي يعلى.

(٥) الكافي ج ٣ ص ١١٧ والبحار ج ٨١ ص ٢١٩ وفي هامشه عن المنتهى للعلامة ص ٤٢٥ ، والوسائل ج ٢ ص ٦٣٧ ، ومكارم الاخلاق ص ٢٣٦ ط قديم وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٦٣ ، والترغيب والترهيب ج ٤ ص ٣٢٢. وجواهر الاخبار والآثار ، بهامش البحر الزخار ج ٣ ص ٨٧.

١٩٠

وثمة احاديث اخرى بهذا المعنى ، فليراجعها من اراد (١).

كما انه يستحب ان يدعو العائد للمريض ايضا ، فعن زرارة ، عن احدهما : اذا دخلت على مريض ، فقل : اعيذك بالله العظيم الخ .. (٢) وقد تقدم : انه يستحب للمريض ان يأذن لاخوانه بالدخول عليه ، فانه ما من احد الا وله دعوة مستجابة ..

دعاء المساكين للمريض :

وعن الصادق عليه‌السلام لاتستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم ، فانه يستجاب لهم فيكم ، ولا يستجاب لهم في انفسهم (٣) .. وعن الصادق عليه‌السلام : يستحب للمريض : ان يعطسي السائل بيده ، ويأمر السائل ان يدعو له (٤).

سؤال المريض عن حاله ، وعما يشتهي :

ويذكر البعض : انه (ص) كان يسأل المريض عن شكواه ، وكيف يجده ،

__________________

(١) راجع ، ثواب الاعمال ص ٣٠ ، والبحار ج ٨١ ص ٢١٧ و ٢٢٥ عنه وعن عدة الداعي ، وعن الكافي ج ٢ ص ٥٠٩. وسفينة البحار ج ٢ ص ٢٨٥ ، ومكارم الاخلاق ص ٢٣٦ ، ط قديم ومجمع الزوائد ج ٢ ص ٢٩٥ عن الطبراني في الاوسط ، والترغيب والترهيب ج ٤ ص ٣٢٢ عن ابن ماجة والطبراني ، وابن ابي الدنيا ، والوسائل ج ٢ ص ٦٣٧ / ٦٣٨ وفي هامشه عن بعض من تقدم وعن الاصول ص ٣٥٦ ، وعن المنتهى للعلامة ص ٤٢٥ ، وعن الخصال والدعائم.

(٢) البحار ج ٨١ ص ٢٢٨ و ٢٢٥ وفي هامشه عن مكارم الاخلاق ص ٤٥٠ وعن اعلام الدين.

(٣) البحار ج ٦٢ ص ٢٧٦ عن السرائر ، باب الاطعمة والاشربة.

(٤) البحار ج ٨١ ص ٢٠٩ عن دعوات الراوندي.

١٩١

ويسأله عما يشتهي (١) وهذا يعبر للمريض عن الاهتمام بأمره ، وبما يعاني فيسر لذلك ، ويرتاح له ، ويطمئن به ..

التأميل بالصحة والسلامة :

والمريض يحتاج الى بعث الثقة في نفسه ليقوى على المرض ، ولا ينهار امام عوارضه وعواديه التي لا يجد فيها حيلة ، ولا لدفعها عن نفسه سبيلا .. ولعل هذه يفسر لنا ماروي عنه (ص) : اذا دخلتم على المريض فنفّسوا له في الاجل ، فان ذلك لا يرد شيئا ، ولكنه يطيب النفس (٢).

والمراد بالتنفيس : التوسعة ، اي وسعوا له في الاجل ، واملوه بالصحة والسلامة ، كأن يقول له : لابأس عليك ، وستشفى ان شاء الله قريبا (٣).

وقد ذكر البعض : ان النبي (ص) كان ربما قال للمريض : « لابأس عليك طهور ان شاء الله » (٤).

الاكل عند المريض :

عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، انه قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ان يأكل العائد عند المريض ، فيحبط الله اجر عيادته (٥) .. ولماذا لا ..

__________________

(١) الطب النبوي لابن القيم ص ٩٢.

(٢) البحار ج ٨١ ص ٢٢٥ عن كنز الكراجكي. وسفينة البحار ج ٢ ص ٢٨٥ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٩٦ ، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٦٢ ، والطب النبوي لابن القيم ص ٩٢ ، وفي هامشه عن الترمذي وسنن الترمذي ج ٤ ص ٤١٢ ومصابيح السنة ج ٢ ص ٧٨ والبحار الزخار ج ٣ ص ٨٦ و ٨٧.

(٣) راجع : البحار ج ٨١ ص ٢٢٥ وسفينة البحار ج ٢ ص ٢٨٥.

(٤) الطب النبوي لابن القيم ص ٩٣ ، ومصابيح السنة ج ٢ ص ٧٦.

(٥) سفينة البحار ج ٢ ص ٢٨٥ و ٥٣٥ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٩٦ و ١٢٧ عن الجعفريات والدعائم. والبحار ج ٨١ ص ٢٢٨ وفي هامشه عن دعائم الاسلام ج ١ ص ٢١٨.

١٩٢

مادام انه لربما يكون المريض ممنوعا عن طعام كهذا ، فاذا أكل عنه ، فانه يجعله يشتيهيه ، ويتحسر على قدرته على تناول مثله .. فيكون قد زاده بعيادته له الماً ، بدل ان يخفف عنه.

ما يقال للمريض بعد شفائه :

ولقد كان امير المؤمنين عليه‌السلام ، اذا رأى المريض قد برىء قال : يهنك الطهر من الذنوب (١) ..

وعن الحسن بن علي عليه‌السلام : انه قال لرجل ابلّ من علته : ان الله قد ذكرك فاذكره ، واقالك فاشكره .. وروى ذلك عن علي امير المؤمنين ايضا (٢).

وعن السجاد عليه‌السلام ما جمع فيه بين ما تقدم عن عمه الحسن ، وما تقدم عن جده أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣).

نعم .. وما احسنها من كلمة! .. منسجمة كل الانسجام مع الروحية التي يهتم الاسلام بتقويتها ، ومع الاهداف التي يحاول ان يوجه اليها الانسان الذي يتعرض الى الابتلاء بالمرض ، ومتاعبه ، ومضاعفاته .. تلك الروحية ، وهاتيكم الاهداف التي نطقت بها الروايات ، ودلت عليها التوجيهات التي صدرت عنهم عليهم‌السلام للمريض ، ولعواده ، كما قدمنا بعضا من الاشارة اليها فلا نعيد ..

__________________

(١) كتاب ابي الجعد ص ٢١ ، وامالي المفيد ص ٢٥ ، وامالي الطوسي ج ٢ ص ٢٤٤ ، ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٧٩ و ٨٠ / ٨١ والبحار ج ٨١ ص ٢٢٤ و ١٨٦ و ٨٦ عن دعوات الراوندي ، وامالي المفيد.

(٢) تحف العقول ص ١٦٥ والبحار ج ٧٨ ص ١٠٦ وشرح النهج للمعتزلي ج ٢٠ ص ٢٠٩ وقصار الجمل ج ٢ ص ٢٣٨ عنه.

(٣) تحف العقول ص ٢٠٣ والبحار ج ٧٨ ص ١٣٨.

١٩٣

وحسبنا ما ذكرناه هنا فان فيما ذكرناه كفاية لمن اراد الرشد والهداية ..

والحمد لله ، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى ، محمد وآله الطاهرين.

١٩٤

القسم الثالث :

الوقاية الصحية :

الفات نظر :

كانت النية متجهة الى الكتابة في موضوع الوقاية الصحية .. ولكننا .. وبعد كتابة الفصل الاول منه وجدنا انه يمكن الاكتفاء بما كتبه الشهيد السعيد الدكتور باك نجاد ، فآثرنا الانصراف الى ما هو اهم ، وبذل الجهد في معالجته اولى ..

ولكننا احببنا ان نورد هنا ما كنا قد كتبناه في هذا المجال ـ وان كان ناقصا ـ كما هو ، ومن دون اي تصرف فيه ، على امل ان ينفع الله به .. وهو الموفق والمسدد ..

١٩٥
١٩٦

الفصل الاول :

المقدمات

١٩٧
١٩٨

الوقاية الصحية في مجالها الاوسع :

لقد اهتم الاسلام بصحة الانسان اهتماما بالغا ، حتى لقد روي ان النبي (ص) قال : ان في صحة البدن فرح الملائكة ، ومرضاة الرب ؛ وتثبيت السنة (١). وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا خير في الحياة الا مع الصحة .. (٢)

وقد تقدم : ان الاسلام قد اعتبر العلم علمين : علم الاديان ، وعلم الابدان. والروايات في هذا المجال كثيرة ، لا مجال لتتبعها ..

كما ان الاسلام قد اهتم بأن يوجه الانسان نحو الوقاية الصحية ، حتى لا يقع في براثن المرض اصلا ، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام : « ان عامة هذه الارواح من المرة الغالبة ، او دم محترق ، او بلغم غالب ، فليشتغل الرجل بمراعاة نفسه قبل ان تغلب عليه شيء من هذه الطبايع ، فيهلكه .. ». (٣)

وفسر المجلسي كلمة الارواح بقوله : « وكأن المراد هنا : الجنون ، والخيل ، والفالج ، واللقوة ، بل الجذام والبرص ، واشباهها (٤) ».

__________________

(١) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ٢ ص ٣٨٠ عن : آئين جاويدان ص ٣٢٢.

(٢) اولين دانشكاه ج ٢ ص ٣٨٢ عن نهج الفصاحة.

(٣) طب الائمة ص ١١٠ والبحار ج ٦٢ ص ٢٦٤ عنه.

(٤) البحار ج ٦٢ ص ٢٦٤.

١٩٩

وروى : لاتأكل ما قد عرفت مضرته ، ولاتؤثر هواك على راحة بدنك (١) وعن الرضا عليه‌السلام : « ان الجسد بمنزلة الارض الطيبة الخراب ، ان تعوهدت بالعمارة والسقي ، من حيث لا تزداد الخ (٢) ».

وان القاء نظرة اجمالية على شمولية وسعة موضوع الوقاية الصحية في الاسلام ليعطينا :

ان الحديث عن هذا الموضوع بشكل علمي دقيق ومستوعب ليس سهلا وميسوراً وانما هو امر بالغ الصعوبة .. وذلك لانه يدخل فيه العديد من الموضوعات الواسعة والمتشعبة جدا .. وقد يضطر الباحث فيما لو اراد استيفاء الحديث في هذا الاتجاه الى الاستشهاد بأحاديث ربما تتجاوز المئات الى الآلاف ، فضلا عن العشرات من المصادر الاسلامية الموثوقة ، ان لم نقل عن المئات ايضا .. كما ان ذلك يحتاج الى كتابة مجلدات كثيرة ، ووقت طويل يبذله القارىء والباحث على حد سواء ..

كما اننا لا يجب ان ننسى : ان استيعاب هذا الموضوع ، واستيفاء البحث فيه من جميع جوانبه ، يحتاج الى الكفاءات والاختصاصات المتنوعة ، التي تمتلك خبرات كبيرة في مجالات اختصاصها من جهة ، ثم في مجال الاطلاع على النصوص الاسلامية في القرآن والسنة النبوية واهل البيت ، وفهم تلك النصوص ، والاستفادة منها في الموقع المناسب ، من الجهة الاخرى ..

البحث في خصائص الاشياء :

وعلى ضوء ما تقدم ؛ فاننا نجد انفسنا مضطرين الى حصر البحث في الموضوعات الاكثر الحاحاً في هذا المجال ..

__________________

(١) البحار ج ٦٢ ص ٢٦٩.

(٢) الرسالة الذهبية ص ١٣ / ١٤.

٢٠٠