الآداب الطبّيّة في الإسلام

السيد جعفر مرتضى العاملي

الآداب الطبّيّة في الإسلام

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : الطّب
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٧٩

١١ ـ ان لا يتم الاستعمال للمبنى ولغرفه ، الا بعد تجصيصه ، وبعد وضع الابواب والستائر للغرف (١). ولا يكون فيه آثار الخراب. راجع : اولين دانشكاه ج ٢ ص ١٨٦.

١٢ ـ ان لا يزيد ارتفاع سقف الغرف ـ بل البناء مطلقا ـ على ثمانية اذرع (٢) ، ولا يكون عدة طبقات ايضا.

١٣ ـ ان لا تكون الشرف والميازيب ظاهرة الى الطريق ، فقد ورد انه : « اذا قام القائم عليه‌السلام : ... ووسع الطريق الاعظم ، وكسر كل جناح خارج في الطريق ، وابطل الكنف والميازيب الى الطرقات » (٣). كما ان عليا عليه‌السلام ـ كما روى ـ كان يأمر بالمثاعب والكنف تقطع عن طريق المسلمين (٤).

والمثعب : الميزاب ، او مسيل الحوض. والكنف. جمع الكنيف ، وهو السقيفة او الظلة تكون فوق باب الدار.

جيم : ما يرتبط بأوضاع المستشفى الداخلية ، ونشير الى :

١ ـ ان تكون الغرف حسنة الترتيب ، من حيث وضع الوسائل المحتاج اليها فيها (٥).

٢ ـ نظافة كل ما يستعمله المريض من فراش ، ولحاف وثياب يلبسها

____________

(١) الكافي ج ٦ ص ٥٣٣ والوسائل ج ٣ ص ٥٧٧ والبحار ج ٧٩ ص ٣٠٣ / ٣٠٤ وج ٧٦ ص ١٥٧ وفي هامشه عن قرب الاسناد ص ٩٠ وعن فقه الرضا ص ٤٨.

(٢) المحاسن ص ٦٠٨ ـ ٥١٠ ومكارم الاخلاق ص ١٢٦ و ١٢٧ والكافي في ج ٦ ص ٥٢٩ والوسائل ج ٣ ص ٥٦٥ ـ ٥٦٧.

(٣) الارشاد للشيخ المفيد ص ٤١٢ والوسائل ج ١٧ ص ٣٤٧ واولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ٢ ص ١٩٣ والبحار ج ٥٢ ص ٣٣٣ و ٣٣٩ والغيبة للشيخ الطوسي ص ٢٨٣.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ج ١٠ ص ٧٢.

(٥) راجع مكارم الاخلاق ص ١٢٦.

١٤١

ونحو ذلك (١).

٣ ـ كنس الغرف وتنظيفها ، سواء من الوسخ ، او من حوك العنكبوت (٢).

٤ ـ ان لا تبيت القمامة والتراب في الغرف خلف الباب مثلا ، بل لا بد ان تخرج نهارا (٣).

٥ ـ تنظيف افنية المستشفى ، وكل ما يتصل به من ساحات ومرافق ، بل لقد اعتبر عدم نظافة الافنية من التشبه باليهود (٤).

٦ ـ ان لا يكون في السقوف صور ، ولا يوضع في الغرف اي نوع من انواع التماثيل لذوات الارواح ، وقد تقدم ...

__________________

(١) قرب الاسناد ص ٣٤ وامالي الطوسي ج ١ ص ٢٨١ ، وكنز الكراجكي ص ٢٨٣ والوسائل ج ١ ص ٤١٧ وفي هامشه عن الفروع ج ٢ ص ١٥ والبحار ج ٧٦ ص ٢٢ و ٨٤ و ٨٥ و ١٤١ و ١٧٦ وج ٧٨ ص ٩٣ و ج ٧٩ ص ٣٠٠ و ٢٩٧ وفي هامشه عن الخصال ج ٢ ص ١٥٦ و ١٦٠ وغيره.

(٢) الوسائل ج ٣ ص ٥٧١ و ٥٧٤ ، ٥٧٥ ، والكافي ج ٦ ص ٥٣١ و ٥٣٢ ومرآة الكمال للمامقاني ص ٤١ ، والمحاسن للبرقي ص ٦٢٤ والبحار ج ٧٦ ص ٣١٤ و ٣١٥ و ٣١٦ و ١٧٥ و ١٧٧ وج ٦٦ ص ١٧٦ وفي هوامشه عن : قرب الاسناد ص ٣٥ وعن الخصال ج ٢ ص ٩٣ وعن جامع الاخبار ، وعن دعوات الراوندي والتراتيب الادارية ج ١ ص ٨٧.

(٣) الكافي ج ٦ ص ٥٣١ والمحاسن ص ٦٢٤ والوسائل ج ٣ ص ٥٧١ و ٥٧٢ والبحار ج ٧٦ ص ١٧٧ و ١٧٥ وعن امالي الصدوق ص ٢٥٤ ، وراجع المصنف لعبد الرزاق ج ١١ ص ٣٢.

(٤) امالي الطوسي ج ١ ص ٢٨١ ومكارم الاخلاق ص ١٢٦ و ١٢٧ والكافي ج ٦ ص ٥٣١ والوسائل ج ٣ ص ٥٧١ ، والمحاسن ص ٦٢٤ وطب الصادق ص ٧٦ عن الاثنى عشرية ، ورسالة آداب المتعلمين للمحقق الطوسي ، بهامش جامع المقدمات ص ١٩٨ والبحار ج ٦٦ ص ٤٠٤ وج ٧٩ ص ٣٠٠ و ٣٠٣ و ٣٠٤ وج ٧٦ ص ١٤١ و ١٧٦ و ٣١٥ و ٣١٦ و ٣١٨ وفي هامشه عن فقه الرضا ص ٤٨ وعن دعوات الراوندي ، وعن الخصال ج ١ ص ٢٨ و ٥٤ وج ٢ ص ٩٣ وعن جامع الاخبار وغيرها. واولين دانشكاه ج ٢ ص ١٨٧ و ١٩٧ و ١٩٥ والطب النبوي لابن القيم ص ٢١٦ عن مسند البزار ، وراجع النهاية ج ٤ ص ١٤٧.

١٤٢

٧ ـ ان تكون الثياب المستعملة في المستشفى لينة ، لانها تسمن البدن ، ويفرح بها الجسم (١).

٨ ـ ان لا يكون في المستشفى روائح كريهة (٢).

٩ ـ ان تكون الاسرة بحيث يكون المريض مستقبل القبلة ، نائما كان او مستيقظا (٣).

١٠ ـ ان يكون لكل مريض منديل يختص به (٤).

١١ ـ ان لا يكون في الغرفة نار مشبوبة؟ حين نوم المريض (٥).

اضواء على بعض ما تقدم :

ان المحافظة على المريض ، وضمان عدم تعرضه لاية نكسة من اي نوع

__________________

(١) البحار ج ٧٩ ص ٢٩٩ وج ٧٦ ص ١٤١ وج ٧٢ ص ١٩٠ و ٦٢ ص ٢٦١ و ٢٩٥ وفي هوامشه عن : فقه الرضا ص ٤٦ وعن الخصال ج ١ ص ٧٤ وج ٢ ص ٣٩ وعن طب المستغفري.

(٢) قرب الاسناد ص ١٣ وامالي الطوسي ج ١ ص ٢٨١ ، والخصال ج ٢ ص ٦٢٠ والبحار ج ٧٦ ص ٨٤ و ١١٩ و ١٧٦ و ١٤١ وج ٧٩ ص ٣٠٠ عن امان الاخطار وغيره. والوسائل ج ١ ص ٤٣٤ ، والكافي ج ٥٦ ص ٤٩٢ وفيه : رواجبكم. بدل روائحكم ، والرواجب هي : اصول الاصابع.

(٣) مشكاة الانوار ص ٢٠٤ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٧٦ عنه وعن لب اللباب ، وعن كتاب الغايات والبحار ج ٧٥ ص ٤٦٩ وج ٧٧ ص ١٣٠ وتحف العقول ص ٢٠ وقصار الجمل ص ١٠٦ ج ١.

(٤) فقد كان لامير المؤمنين عليه‌السلام خرقة يمسح بها وجهه اذا توضأ ، ثم يعلقها على وتد ، ولا يمسها غيره. راجع : المحاسن ص ٤٢٩ والبحار ج ٨٠ ص ٣٣٠.

(٥) مكارم الاخلاق ص ١٢٨ والوسائل ج ٣ ص ٥٧٧ والمصنف ج ١١ ص ٤٦ وفي هامشه قال : اخرجه الشيخان والترمذي ٣ : ٨٥.

١٤٣

كانت ، ثم تهيئة الاجواء الملائمة والمناسبة للاتجاه بالمريض نحو الصحة والسلامة .. لايمكن ان يكون سهلا وميسورا كما ربما يبدو لاول وهلة ، بل هو امر صعب يحتاج الى معاناة ، والى جد وعمل ومثابرة ... ونحن في مجال اعطاء لمحة عامة عن بعض المواصفات التي تقدمت ، والتي ينبغي توفرها في المستشفيات من وجهة نظر اسلامية .. نشير الى النقاط التالية :

١ ـ انه لابد وان يكون المستشفى في الموضع الذي تشتد فيه حاجة الناس اليه ، ويمكن ان نفهم هذا ورجحان تكثير المستشفيات او الاستعاضة عنها بالمستوصفات العامة في الاماكن المختلفة ، من الرواية المتقدمة في آخر الفصل السابق ، والتي يأمر فيها لقمان ابنه ، بحمل الادوية معه في السفر ، حتى اذا احتاج احد المسافرين اليها ؛ فانها تكون في متناول يده ، الامر الذي يعكس مدى اهتمام الاسلام بصحة الناس وسلامتهم البدنية ...

كما اننا يمكن ان نستفيد من ذلك : ان الاسلام يريد تعميم الطب ، وتيسير الوصول اليه والحصول عليه لكل احد ، في كل وقت ، ودون مشقة ..

ولا بد وان نفهم من ذلك ايضا : ان الشارع يهتم في ان لا يكون في المستشفيات اية تعقيدات ادارية تعيق المراجعين عن الوصول الى الطبيب والى الدواء بالسرعة الممكنة ..

٢ ـ كما ان بعض ما تقدم وما سيأتي يجعلنا نبادر الى القول : بأن المستشفيات لابد وان تخلو من كل ما يوجب سخط الله سبحانه وتعالى ، والحرمان من رحمته وغفرانه ، لان المريض يعيش الحالة التي هي رحمة الهية ، وكرامة ربانية ، ومن موجبات زكاة النفس ، والطهارة من الذنوب ، كما صرحت به الروايات الكثيرة التي لا مجال لنقلها هنا ... هذا من الناحية السلبية.

ومن الناحية الايجابية فانه لا بد وان تتوفر في هذه المستشفيات حالة روحية

١٤٤

تنسجم مع ما اخبر عنه المعصومون بالنسبة لدرجات القرب ، والرحمة والغفران للمريض ، ولكل من يقوم بخدمته ، او يسعى لعيادته. كما سنشير اليه ان شاء الله تعالى ...

٣ ـ وبعد هذا ... فلا بد من توفير عنصر الهدوء في المستشفيات ، فلا ضجة ، ولا ضوضاء فيها ... الامر الذي يستدعي اضجار المريض ، وازعاجه وتبرمه ، وهو من احوج الناس الى الراحة والطمأنينة ، هذا بالاضافة الى وجوب توفر عنصر الرحمة له ، واللطف به ، فلا يصح اثارة عواطفه ولا اغضابه ...

وقد ورد عن ابي عبد الله الصادق عليه‌السلام قوله : « ثلاثة دعوتهم مستجابة : الحاج ، والغازي ، والمريض ؛ فلا تغيظوه ، ولا تضجروه ». او « ولا تزجروه » (١) وقد ورد في القرآن الكريم الامر بغض الصوت على لسان لقمان في نصائحه لابنه :.

« واغضض من صوتك ، ان انكر الاصوات لصوت الحمير » (٢).

وقد نعى القرآن ايضا على الذين يرفعون اصواتهم فوق صوت النبي (ص) .. ويستفاد هذا المعنى ـ اي حسن غض الصوت ـ من آيات اخرى كذلك ...

يقول الدكتور باك نجاد رحمه الله تعالى : « لقد اثبتت التجارب على الحيوان ان الضجيج يزيد من حساسيتها تجاه الميكروب ، ويوجب مرض الكلى ، وقرحة المعدة ، بل يوجب الموت العاجل سواء بالنسبة للانسان ، او بالنسبة لغيره » (٣).

ويقول : « قد ثبت لدى العلماء : ان السبب في ازدياد تناول الاقراص المهدئة للاعصاب هو الضجيج الناشىء عن الكثافة السكانية ، وبالخصوص ؛ فان وجود العمارات

__________________

(١) اصول الكافي ط المكتبة الاسلامية ج ٢ ص ٣٦٩ ، والبحار ج ٨١ ص ٢٢٥ عن عدة الداعي ، والوسائل ج ٢ ص ٦٣٧ وج ٤ ص ١١٦٢ عن اصول الكافي.

(٢) لقمان ١٩.

(٣) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج ١٥ ص ١٦٢.

١٤٥

الشاهقة ، وناطحات السحاب له اثر حتمي في تحطيم الاعصاب » (١) .. ويقول الدكتور هال : « يبدو ان السكنى في الطبقات العليا من البنايات لها مدخلية فيما يعانيه الساكن من غم ويأس. اما الذين يعيشون في غرف لا منافذ لها ، ولا يتصلون بالفضاء الخارجي الا قليلا ، فانهم يرتكبون خطأ اكبر (٢) ».

وذلك يوضح عدم صحة كون المستشفى مؤلفا من طبقات عديدة ؛ فان ذلك يضر بحالة المريض ، كما يضر من نواح اخرى لا مجال لها ... وقد نهى الائمة عليهم‌السلام عن رفع البناء .. فعن الصادق (ع) انه قال : اذا بنى الرجل فوق ثمانية اذرع نودى : يا افسق الفاسقين اين تريد؟. وبمعناه غيره (٣).

كما ان ذلك يوضح ضرورة بعد المستشفى عن الاماكن ، والشوارع المزدحمة بالناس وبالسيارات ، حيث العجيج والضجيج ، ويؤكد على لزوم كونه في مكان مطمئن وهادىء .. كما انه لايمكن السماح بأي نوع من انواع الضجيج في داخل المستشفى ، ولا سيما في اوقات نوم المرضى ، فان النوم راحة الجسد (٤) ؛ فلا بد من تمكين الجسد من التمتع بهذا القسط من الراحة.

٤ ـ لا بد وان تكون غرف المستشفى بحيث تتسع لاكثر من سرير واحد ، وذلك لورود النهي الاكيد عن نوم الانسان منفردا ... ولا بد وان يتأكد ذلك النهي بالنسبة الى المريض الذي يتعرض لحالات طارئة ، بسبب مضاعفات المرض غير المتوقعة في احيان كثيرة .. الامر الذي يحتم وجود آخرين معه من المرضى انفسهم ، حيث لا يمكن السماح للاصحاء بالتواجد معه في كثير من الاحيان ...

__________________

(١) المصدر السابق ج ٢ ص ١٨٤.

(٢) المصدر السابق ج ٢ ص ١٨٢.

(٣) المحاسن للبرقي ص ٦٠٨ والوسائل ج ٣ ص ٥٦٦ و ٥٦٥.

(٤) طب الصادق ص ٧٧ عن امالي الصدوق.

١٤٦

كما ان الراحة النفسية للمريض تحتم سعة غرفته ، وسعة الساحة التي يشرف عليها ، هذا عدا عن ان الحث على عيادة المريض يفرض ان تكون الغرف بحيث تتسع لاستقبال زائريه ، من دون ان يضر ذلك بحالته ، او يؤدي الى اضجاره وازعاجه بأي نحو كان .. كما لابد للمريض من ان يشرف على فضاء ارحب ، وتكون الساحة الخارجية للمستشفى قادرة على تأمين ذلك بالاضافة الى قدرتها على تأمين الاحتياجات الطبيعية لمؤسسة كهذه ... والروايات تهتم كثيرا بالتأكيد على لزوم السعة في المنزل ، وفي الساحة ...

٥ ـ لا بد من رسم اوقات للعيادة ، بحيث تكون في كل ثلاثة ايام مرة ، مع مراعاة عدم اطالة فترتها ـ وسنشير الى الروايات المرتبطة بذلك في الفصل الاتي ان شاء الله.

٦ ـ وبعد .. فقد ورد في الروايات التأكيد الشديد على النظافة ، واعتبرت من الايمان. ،. وان الله يكره من عباده القاذورة .. وقد ورد : ان غسل الثياب يذهب بالهم والحزن (١) وعن علي عليه‌السلام : من نظف ثوبه قل همه (٢).

ومعلوم : ان هذا الامر ـ يعني الهم ـ سيىء الاثر والعاقبة على المريض ؛ اذ ان الهم نصف الهرم ، كما عن علي عليه‌السلام (٣) .. وعن النبي (ص) : من كثر همه سقم بدنه (٤) .. وعن الكاظم (ع) : كثرة الهم يورث الهرم (٥).

نعم .. وقد اثبتت البحوث العلمية صحة هذا الامر ، فان الهم يرهق الاعصاب

__________________

(١) البحار ج ٧٦ ص ٨٤ و ٢٢ وفي هامشه عن الخصال ج ٢ ص ١٥٦ و ١٦٠.

(٢) كنز الفوائد للكراجكي ص ٢٨٣ ، والبحار ج ٧٨ ص ٩٣ عنه.

(٣) كنز الفوائد للكراجكي ص ٢٨٧ والخصال ج ٢ ص ٦٢٠ والبحار ج ٧٨ ص ٩٣ عن الاول.

(٤) امالي الطوسي ج ٢ ص ١٢٥ والبحار ج ٧٧ ص ١٢٦.

(٥) تحف العقول ص ٣٠١ والبحار ج ٧٨ ص ٣٢٦ عنه.

١٤٧

ويترك اثرا كبيرا على نشاط الجسم وحيويته ، واستمرار ذلك يؤدي الى السقم والمرض ... وتفصيل ذلك موكول الى اهل الاختصاص في محله.

واما بالنسبة لنظافة الغرفة ، وجميع ما فيها من وسائل ، وعدم ابقاء القمامة فيها ليلا .. وكذلك نظافة الساحات والافنية والمرافق ، فقد ورد التأكيد عليها كثيرا في كلامهم عليهم الصلاة والسلام بالنسبة الى بيت السكنى ، وواضح ان تأكد ذلك بالنسبة للمستشفيات والمستوصفات اكثر وضوحا ، مادام ان ذلك يمس سلامة المريض النفسية ، هذا عدا عما له من آثار جسدية ايضا بملاحظة : ان التساهل والاهمال في هذا الامر لربما يكون له مضاعفات لا تحمد عقباها بالنسبة للمرضى الذين يفترض الاهتمام بمعالجتهم ، وبابعاد كل ما يمكن ان يحمل ميكروباً عنهم ، لا بزيادة مشاكلهم ، ومتاعبهم وآلامهم ..

٧ ـ وبعد هذا .. فانه اذا كانت النار المتوقدة في الغرفة تساهم في تقليل كمية الاوكسجين فيها ، فان من الطبيعي ان يترك ذلك اثرا على تنفس المريض ، حيث تقل كمية الاوكسجين التي تصل الى الجسم. ويمكن ان يترك ذلك اثرا سيئا على الحالة الصحية العامة للمريض ، ويحدث له مشاكل ومضاعفات جديدة ، كان في غنى عنها ، ولعل هذا هو بعض السر في نهيهم عليهم‌السلام عن النوم في الغرفة التي فيها نار مشبوبة.

٨ ـ واما بالنسبة لكون المكان كثير العشب والشجر (١) .. فان الامر فيه

__________________

(١) ان اهتمام الاسلام بالشجر والخضرة واضح جدا حتى لقد حرم على الحجاج قطع شجر الحرم ، وجعل عليهم الكفارة في ذلك .. كما ان النبي (ص) كان يوصى المقاتلين بأن لا يقطعوا شجرا ، ولا يتلفوا زرعا .. وفي وصية علي عليه‌السلام لولده : « وان لا يبيع من اولاد نخيل هذه القرى ودية ، حتى تشكل ارضها غراسا » قال الرضى : « والمراد : ان الارض يكثر فيها غراس النخل ، حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها ؛ فيشكل عليه امرها ، ويحسبها غيرها .. » راجع نهج البلاغة بشرح محمد عبده ج ٣ ص ٢٦. وقال تعالى : « لقد

١٤٨

واضح ؛ فعدا عن ان النظر الى الخضرة من شأنه ان يبعث البهجة والارتياح في النفس ، ويجلو البصر .. فان هذه الاشجار والاعشاب بالذات هي التي تجعل الهواء طريا وصافيا ، بالاضافة الى انها تغنيه بمادة الاوكسجين التي تفرزها ، والتي هي بمثابة الغذاء للجسم ، وتصل اليه عن طريق التنفس وعن طريق خلايا الجسم الظاهرة ، التي اهتم الاسلام بالمحافظة على قدرتها على القيام بوظيفتها عن طريق الامر بالنظافة والغسل ، وغير ذلك من امور ضرورية لذلك ..

٩ ـ اما وضع الاسرة في المستشفى ، بحيث يكون المريض مستقبلا للقبلة في مجلسه وفي حال نومه .. فانه هام ايضا ؛ حيث ان ذلك يمكن الجسم ـ بسبب ملاحظة بعض التوازنات بالنسبة للدورة الدموية وللجاذبية وغيرها ـ من ان يحتفظ بذرات الحديد المتواجدة فيه في حالة متوازنة. وقد شرح ذلك المرحوم الشهيد الدكتور باك نجاد في كتابه اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ، فراجع ..

وحسبنا ما ذكرناه هنا .. فان استقصاء الكلام في تلك الخصوصيات يحتاج الى وقت طويل وتأليف مستقل ، وغرضنا هنا هو الاشارة الى بعض ذلك ، لا كله .. وللتوسع مجال آخر ..

علاقة الطبيب بالممرض :

واما عن العلاقة بين الممرض والطبيب ، فيجب ان تحكمها الروح الاسلامية والانسانية ..

__________________

كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال ، كلوا من رزق ربكم ، واشكروا له ، بلدة طيبة ورب غفور » سبأ ١٥.

وهذا كثير جدا .. وهو يعطي حقيقة القيمة التي يعطيها الاسلام للشجرة حتى ليهتم بتعويد الناس على المحافظة على الشجر والزرع ولو عن طريق وضع العقاب على المخالفة في ذلك ، وحتى في حال الحرب مع العدو.

١٤٩

وعلى الطبيب ان لا يرهق الممرض ، ويجعله يتضايق نفسيا ، لان ذلك يمكن ان يؤثر على معاملته واخلاقياته مع المريض ، وبالتالي على مستوى خدمته له ونوعيتها.

كما ان على الممرض ان يحترم الطبيب ، ويسارع الى تلبية طلباته ؛ لانها انما تكون من اجل المريض وفي سبيله ، وليست طلبات شخصية له ..

واذا كان كل من الطبيب والممرض يسعيان الى هدف واحد ، وهو انقاذ المريض ، والتخفيف من آلامه ، ثم الحصول عن طريق ذلك على رضا الله سبحانه ؛ فلماذا لا يتعاونان على الوصول الى ذلك الهدف ، الذي يرضى الله ، والضمير ، والوجدان الانساني؟!.

الممرض في المستشفى :

وبعد كل ما تقدم .. فان العلاقة بين الممرض والمريض تصبح واضحة ، وكذا السلوك العام للممرض في مختلف احواله ومواقفه ؛ فان كل ذلك يجب ان يكون اسلاميا بكل ما لهذه الكلمة من معنى ؛ وما ذلك الا لان المريض ـ كما قدمنا ـ قريب من الله ، ومن رحمته وغفرانه ، وهو مستجاب الدعوة ، وليس مرضه الا كرامة ربانية ، ورحمة الهية.

واننا بملاحظة ما تقدم وغيره نستطيع ان نشير الى النقاط التالية :

١ ـ ان على الممرض ان لا يزعج المريض ولا يغيظه ، بل يحافظ على مشاعره ، ويهتم براحته النفسية بكل ما اوتي من قوة وحول .. ولا يحق له ان يزجره او ينتهزه بأي وجه ..

كما ان عليه ان لا يضجره كذلك .. وذلك عملا بقول الصادق عليه‌السلام : « فلا تزعجوه ولا تضجروه » ، او « ولا تزجروه » .. وعنه عليه‌السلام : « اسماع الاصم

١٥٠

من غير تضجر صدقة هنيئة » (١). وهذا يتأكد بالنسبة الى الممرض الذي ربما ينفد صبره احيانا ، بسبب المتاعب التي يتعرض لها في عمله.

نعم .. وهذا هو ما تفرضه الاخلاق الانسانية الفاضلة ، والتعاليم الالهية الكريمة السامية ، وتضافرت عليه النصوص والاثار بالنسبة لغير المريض ايضا ، فكيف بالنسبة اليه :

نعم .. وهكذا الحال بالنسبة الى غير ذلك من اخلاق اسلامية وانسانية ، يفترض في كل مسلم ان يتحلى بها ، ويعامل اخوانه المؤمنين على اساسها ..

٢ ـ ان لا يكون ثمة تمييز بين الغني والفقير ـ سواء في قبول المستشفى لهما ، ام في العناية والخدمات التي يفترض بالمستشفى والممرض ان يقدمها لكل منهما ، وقد تقدم ما يشير الى ذلك في الفصل السابق.

٣ ـ ان يكون الممرض نظيفا حسن المظهر ، بالاضافة الى الاهتمام البالغ بالنظافة سواء بالنسبة للمريض ، او المستشفى بصورة عامة ، ثم تصريفه لجميع الشؤون المطلوبة منه ، والتي يحتاج المستشفى الى تصريفها بالسرعة الممكنة ، والاتقان والجد اللازمين.

٤ ـ انه لابد للذين يشرفون على المريض من ان لا يديموا النظر اليه ، وان لا يسمعوه الاستعاذة من البلاء فان ذلك يجعله يلتفت الى نفسه ، وما حاق بها من بلاء ـ ولا سيما اذا كان مبتلى بعاهة ظاهرة ـ ويعتبر ان هذا النظر اليه انما هو ليتجلى للناظر ذلك النقص الذي يحب هو اخفاءه. ولا بد وان يقايس هذا المبتلى بين النقص الذي يحيق به ، وبين كمال ذلك الناظر اليه ، وهنا لابد وان يتملكه حزن عميق ، وشعور قوي بالمرارة والكآبة ..

وقد « كان محمد بن علي لا يسمع المبتلى الاستعاذة من البلاء » (٢) والمراد

__________________

(١) البحار ج ٧٤ ص ٣٨٨ وثواب الاعمال ص ١٦٨.

(٢) البيان والتبيين ج ٣ ص ٢٨٠ و ١٥٨ وعيون الاخبار ج ٢ ص ٢٠٨.

١٥١

بمحمد بن علي الإمام الباقر عليه‌السلام.

وروى عن ابي عبد الله الصادق عليه‌السلام : لاتنظروا الى اهل البلاء ؛ فان ذلك يحزنهم (١).

وفي نص آخر عن النبي (ص) : اقلوا النظر الى اهل البلاء .. او : لا تديموا النظر الخ ... (٢).

وفي حديث آخر عنه (ص) : لا تديموا النظر الى المجذومين (٣).

وواضح : ان هذا لا يختص بالمشرفين على شؤون المريض ، بل يعم كل ناظر اليه من غيرهم ايضا .. وان كان هؤلاء يتعرضون لهذا الامر اكثر من غيرهم ..

٥ ـ هذا ،. ولابد من توفر عنصر حسن القيام على المرضى ، وحسن معاملتهم ، كما امر به علي عليه‌السلام مولاه قنبرا ، ثم الاهتمام بقضاء حوائجهم ، فلا يكلفون القيام اليها بأنفسهم .. وقد كان الامام الباقر عليه‌السلام اذا اعتل جعل في ثوب ، وحمل لحاجته ـ يعني الوضوء ـ وذلك انه كان يقول : ان المشي للمريض نكس ، كما تقدم.

وبعد .. فان المبادرة الى قضاء حاجات المريض تستدعي حصول الرضا منه ، والدعاء له منه ، وسيأتي : ان دعاء المريض مستجاب ، كدعاء الملائكة .. هذا كله عدا عن ان ذلك يوفر له الراحة والطمأنينة النفسية ، الامر الذي يجعله اقوى على مواجهة المرض الذي يلم به .. كما هو معلوم ..

واذا كان المريض من اهل بيته ؛ فانه يكون اعظم قربة واجرا عند الله تعالى ؛ فعن النبي (ص) : « من قام على مريض يوما وليلة بعثه الله مع ابراهيم خليل الرحمان ،

__________________

(١) مشكاة الانوار ص ٢٨ ، والبحار ج ٧٥ ص ١٦ وطب الائمة ص ١٠٦ وقصار الجمل ج ١ ص ١٦٤.

(٢) طب الائمة ص ١٠٦ والبحار ج ٧٥ ص ١٥ وج ٦٢ ص ٢١٣.

(٣) الطب النبوي لابن قيم الجوزية ص ١١٦ عن ابن ماجة وفي هامشه عن احمد والطيالسي ، والطبراني والبيهقي ، وابن جرير والتراتيب الادارية ج ٢ ص ٣٤٢.

١٥٢

فجاز على الصراط كالبرق اللامع ». (١)

وروى علي بن ابراهيم في تفسيره ، في قوله تعالى : انا نراك من المحسنين ، قال : كان يقوم على المريض (٢).

وعن الصادق عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن النبي (ص) : من سعى لمريض في حاجة ، قضاها ، او لم يقضها ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه. فقال رجل من الانصار ، بأبي انت وامي يارسول الله ، فان كان المريض من اهل بيته ، او ليس ذلك اعظم اجرا اذا سعى في حاجة اهل بيته؟ قال : نعم (٣).

ومن الطبيعي : ان المريض يصير حساسا جدا ، نتيجة لاحساسه بالضعف ، وبحاجته الى الاخرين ؛ فيتأثر ، ويشعر بالمرارة لاقل شيء .. كما ان الناس الذي يقومون عليه ، انما يخدمونه وهم يرون فيه عبئا ثقيلا على كواهلهم ..

واما اولئك الذين يكلفون بنظافته ، وابعاد القذارات عنه ، فان احساسهم بالتبرم والتضجر منه يزيد ، وشعورهم بالقرف والاشمئزاز من حالاته ينمو ويتعاظم .. هذا بالاضافة الى انفعالاتهم النفسية ، تجاه معاناته للالام والمصائب التي يرونها ؛ فمن يقوم على المريض يوما وليلة ؛ فانه لا بد وان يتحمل ويصبر ، ويكبت عواطفه ، ويتحمل المشقات الروحية والجسدية ، فيكون كابراهيم الخليل ، الذي كبت عواطفه وتحمل المحنة في ولده الذبيح.

هذا .. وقد ورد نص بالخصوص بالنسبة للسعي في قضاء حاجة الضرير ؛ فعن النبي (ص) : من كفى ضريرا حاجة من حوائج الدنيا ، ومشى فيها حتى يقضى

__________________

(١) عقاب الاعمال ص ٣٤١ والوسائل ج ١١ ص ٥٦٥ ومستدرك الوسائل ج ١ ص ٨٦ عن اعلام الديلمي ، والبحار ج ٨١ ص ٢٢٥ و ج ٧٦ ص ٣٦٨.

(٢) مستدرك الوسائل ج ٢ ص ٦١.

(٣) امالي الصدوق ص ٣٨٧ ومن لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ١٠ وعقاب الاعمال ص ٣٤١ والوسائل ج ٢ ص ٦٤٣ وج ١١ ص ٥٦٥ والبحار ج ٨١ ص ٢١٧ وج ٧٦ ص ٣٦٨ و ٣٣٥ / ٣٣٦.

١٥٣

الله له حاجته ، اعطاه الله براءة من النفاق ، وبراءة من النار ، وقضى له سبعين حاجة من حوائج الدنيا ، ولا يزال يخوض في رحمة الله حتى يرجع (١).

هذا كله .. عدا عن الروايات الكثيرة ، التي تحث على قضاء حاجات المؤمنين ومعونتهم ، وتعد بالاجر الجزيل ، والثواب الجميل على ذلك ..

وبعد .. فان ذلك هو ما تقتضيه الرحمة الانسانية ، التي تنشأ عن رؤية عجز وضعف الاخرين. وقد اشار الصادق عليه‌السلام الى ذلك ـ كما روى عنه ـ فقال : لا تنظروا في عيوب الناس كالارباب ، وانظروا في عيوبهم ، كهيئة العبيد ، انما الناس رجلان ، مبتلى ، ومعافى ، فارحموا المبتلى ؛ واحمدوا الله على العافية (٢). كما ورد ان الله انما يقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمته ... الى ان قال : ويكسو العاري ، ويرحم المصاب (٣) ..

بقي ان نشير اخيرا الى انه لا مانع من ان تمرض الحائض ، المريض (٤) ... والذي ورد النهي عنه هو ان تحضره حال احتضاره لا اكثر.

٦ ـ وبكلمة جامعة ،. لابد ان يكون المحيط في المستشفيات والمستوصفات انسانيا ، واسلاميا اليها بكل ما لهذه الكلمة من معنى .. وعلى ذلك .. فلا بد من الاهتمام بالمحافظة على قواعد الشرع ، والتوجيهات الواردة عن المعصومين

__________________

(١) امالي الصدوق رحمه الله تعالى ص ٣٨٦ / ٣٨٧ ومن لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ٩ ، وعقاب الاعمال ص ٣٤٠ ، والوسائل ج ٢ ص ٦٤٣ ، والبحار ج ٧٤ ص ٣٨٨ ، وج ٧٦ ص ٣٣٥ و ٣٣٦.

(٢) تحف العقول ص ٢٢٥ ، والبحار ج ٧٨ ص ٢٨٤ وراجع ج ٨١ ص ١٧٣ عن دعوات الراوندي.

(٣) تحف العقول ص ٢٢٦ ، والبحار ج ٧٨ ص ٢٨٥ عنه.

(٤) الكافي ج ٣ ص ١٣٨ ، والبحار ج ٨١ ص ٢٣٠ ، والوسائل ج ٢ ص ٥٩٥ و ٦٧١ وفي هامشه عن التهذيب ج ١ ص ١٢١ وقرب الاسناد ص ١٢٩.

١٥٤

ـ وقد تقدم بعضها ـ بدقة وامانة في مختلف المظاهر والمجالات.

تمريض ومعالجة الرجل للمرأة والعكس :

ويواجهنا هنا سؤال ، وهو : هل للرجل ان يتولى علاج ، وتمريض المرأة؟ وهل للمرأة ذلك بالنسبة للرجل ام لا ، واذا كان ذلك جائزاً ، فالى اي مدى؟

وفي مقام الاجابة على هذا السؤال نقول :

اننا اذا راجعنا احاديث جواز النظر لكل من الرجل والمرأة الى الاخر ، مع الاية الكريمة الامرة بغض البصر من قبل كل منهما عن الاخر. فاننا نخرج بنتيجة : ان اختلاط الرجال بالنساء وعكسه ، فضلا عن المعالجة والتمريض بالنظر او باللمس امر مرجوح ومرغوب عنه شرعا ، ولكن لابد لنا هنا من التكلم في ناحيتين :

الاولى : في مداواة المرأة للرجل. ونشير الى :

١ ـ اننا نجد في التاريخ : انهم يذكرون : ان عددا النساء كن يداوين المرضى والجرحى ، كما سنرى ان شاء الله.

٢ ـ عن علي بن جعفر ، عن اخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون بأصل فخذه ، او اليته الجرح ، هل يصلح للمرأة ان تنظر اليه ، او تداويه؟ قال : اذا لم يكن عورة فلا بأس (١).

والمراد هنا : العورة بالمعنى الاخص ، لا ما كان عورة بالنسبة الى الجنس الاخر ، كما هو ظاهر.

__________________

(١) قرب الاسناد ص ١٠١ / ١٠٢ والبحار ج ١٠٤ ص ٣٤ عنه ، والوسائل ج ١٤ ص ١٧٣.

١٥٥

٣ ـ قد تقدمت الرواية عن علي ابن ابي حمزة ، قال : قلت لابي الحسن عليه‌السلام : المرأة تقعد عند رأس المريض ـ وهي حائض ـ في حد الموت؟ قال : لا بأس ان تمرضه ؛ فاذا خافوا عليه ، وقرب ذلك ؛ فلتنح عنه وعن قربه ؛ فان الملائكة تتأذى بذلك (١).

وهذه الرواية هي العمدة. ولا يضر وجود علي ابن ابي حمزة في سندها ؛ لاننا نطمئن الى ان الشيعة ما كانوا يروون عنه الا ايام استقامته ، اما بعد انحرافه ووقفه ؛ فقد كان الواقفة عند الشيعة منبوذين مبعدين كالكلاب الممطورة على حد بعض التعابير. وقد بحثنا هذا الموضوع في كتاب ولاية الفقيه في صحيحة عمر بن حنظلة ، فليراجع.

واحتمال .. انصراف هاتين الروايتين الى تمريض ومداواة النساء والمحارم للرجل .. لايمكن قبوله ، لعدم الشاهد على انصراف كهذا .. ولا سيما في رواية علي بن جعفر.

نعم يمكن ان يقال : انه لابد من حملها على صورة الضرورة ، وانه هو المنصرف منها ، كما سيأتي في روايات معالجة الرجل للمرأة ، على اعتبار : ان الحكم الاولى المشترك بين الرجل والمرأة ، والثابت بالايات والروايات ، مطلق ، ولم يفرق بين تطبيب الرجل للمرأة وعكسه ..

ويمكن ان يؤيد هذا الانصراف بأنه لو كان هناك طبيبان احدهما امرأة وامامهما رجل مريض ، فلو تولت المرأة معالجته فان الناس ينتقدون ذلك ، ويستنكرونه ويستغربونه.

ويمكن ان يؤيد ذلك ايضا بالرواية الاتية في النظر الى الخنثى ، حيث وافق الامام عليه‌السلام فيها على عدم جواز نظر المرأة للرجل وعكسه ، وحكم بلزوم النظر في المرآة ..

__________________

(١) قد تقدمت المصادر لهذه الرواية آخر الحديث على عنوان : الممرض في المستشفى.

١٥٦

الا ان الانصراف المذكور غير سليم عن المناقشة ، فان التمثيل بالطبيبين الذين احدهما امرأة لايدل على ذلك ، اذ من القريب جداً : ان يكون ذلك قد انغرس في اذهان الناس بسبب فتاوى العلماء على مر العصور ، من دون ان يتصل بزمان المعصوم ، فلا يكون ذلك كاشفا عن رأي الشارع ..

واما بالنسبة الى الخنثى ، فان الرواية المذكورة ناظرة الى صورة النظر الى العورة منها ، وكلامنا انما هو في النظر الى ما سوى العورة .. كما ان تلك الرواية لم ترد في بيان التكليف في مقام المعالجة او التمريض ، وانما في مقام بيان الطريقة التي يتم بها التعرف على حقيقة الخنثى لاجل الارث ..

وعدا عن ذلك .. فاننا يمكن ان ندعي أن السيرة كانت قائمة في زمن النبي (ص) وبعده على تولي النساء معالجة وتمريض الرجال ..

فقد كان لرفيدة خيمة في المسجد تعالج فيها المرضى ، وتداوى الجرحى ، ولما جرح سعد بن معاذ امر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يجعل في خيمتها حتى يعوده ، وكان (ص) يعوده في الصباح والمساء (١) .. كما انها كانت تداوى جرحى المسلمين يوم بني قريظة (٢).

وقيل : ان كعيبة بنت سعيد الاسلمية كانت تكون لها خيمة في المسجد لمداواة المرضى والجرحى ، وكان سعد بن معاذ عندها تداوى جرحه حتى مات. وهي

__________________

(١) سيرة ابن هشام ج ٣ ص ٢٥٠ ، والاصابة ج ٤ ص ٣٠٢ و ٣٠٣ عن ابن اسحاق ، وعن البخاري في الادب المفرد ، وفي التاريخ بسند صحيح ، واورده المستغفري من طريق البخاري ، وابو موسى من طريق المستغفري والتراتيب الادارية ج ٢ ص ١١٣ وج ١ ص ٤٦٢ و ٤٥٣ / ٤٥٤ عمن تقدم ، والاستيعاب بهامش الاصابة ج ٤ ص ٣١١ ، والمفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج ٨ ص ٣٨٧ عن الاصابة.

(٢) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج ٨ ص ٣٨٧ عن نهاية الارب ج ١٧ ص ١٩١.

١٥٧

اخت رفيدة (١) ولعل خيمتهما واحدة.

وكانت كل من : ليلى الغفارية ، وام كبشة القضاعية ، وأم سلمة ، ومعاذة الغفارية ، وام سليم ، وربيع بنت معوذ ، وام زياد الاشجعية في ست نسوة ، وام ايمن ، وام سنان الاسلمية ، وام عطية الانصارية (٢) كن كلهن يخرجن معه (ص) في الغزوات لمداواة الجرحى ، ومعالجة المرضى .. بل ان ام عطية قد خرجت معه (ص) في سبع غزوات من اجل ذلك (٣) وامرأة اخرى خرجت معه في ست غزوات من اجل ذلك ايضا (٤).

وعن انس ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغز وبأم سليم ونسوة معها من الانصار ، يسقين الماء ، ويداوين الجرحى (٥).

وعن ربيع بنت معوذ : كنا مع النبي (ص) نسقى ونداوى الجرحى ، ونرد القتلى (٦). وعن حشرج ابن زياد الاشجعي ، عن جدته ام ابيه ، انها قالت : انها خرجت في

__________________

(١) الاصابة ج ٤ ص ٣٩٦ ، والتراتيب الادارية ج ٢ ص ١١٣ وج ١ ص ٤٥٤.

(٢) راجع فيما تقدم ، كلا او بعضا : التراتيب الادارية ج ٢ ص ١١٣ ـ ١١٦ ومسند احمد ج ٥ ص ٢٧١ و ٨٤ وج ٦ ص ٤٠٧ وفي ج ٦ ص ٣٥٨ عن امرأة غفارية انها خرجت معه (ص) لذلك ، وقاموس الرجال ج ١١ ص ٣٣ و ٤٨ ، وسنن البيهقي ج ٩ ص ٣٠ ، والاصابة ج ٤ ص ٤٠٢ و ٣٠١ و ٤٣٣ و ٤٨٧ و ٤٥٤ وفيها عن ابي داود والنسائي ، وابن ابي عاصم ، والاستيعاب بهامش الاصابة ج ٤ ص ٣١١ و ٤٧٢ و ٤٠٤ ، واسد الغابة ج ٥ ص ٥٤٣ و ٤٥١ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ترجمة ام سنان الاسلمية ، وصحيح البخاري ج ٢ ص ٩٧ ط سنة ١٣٠٩ وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢١٠ ، وسائر المصادر التي في الهوامش التالية ، وفي تراجم المذكورات في كتب الرجال ..

(٣) صحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٩ ومسند احمد ج ٥ ص ٨٤.

(٤) المسند للحميدي ج ١ ص ١٧٥ والبخاري ج ١ ص ١١٥ ط سنة ١٣٠٩ وفي موضع آخر ؛ ومسند احمد ج ٥ ص ٨٤.

(٥) المنتقى لابن تيمية ج ٢ ص ٧٦٨ عن مستدرك الحاكم ، واحمد ، ومسلم ، وسنن البيهقي ج ٩ ص ٣٠.

(٦) صحيح البخاري ، هامش فتح الباري ٦ ص ٦٠ وفتح الباري ج ١٠ ص ١١٥ ، واسد الغابة ج ٥ ص ٤٥١ ، والاصابة ج ٤ ص ٣٠١.

١٥٨

خيبر مع خمس نسوة اخريات لاجل مداواة الجرحى وغير ذلك ، فاسهم لهن (ص) تمرا (١).

وعن ام سلمة ، قالت : كان رسول الله (ص) يغزو بنا نسوة من الانصار نسقى ونداوى الجرحى (٢).

وعن الزهري : كانت النساء تشهدن مع النبي (ص) المشاهد ، ويسقين الماء ويداوين الجرحى (٣). ومثل ذلك عن مالك في العتيبة (٤).

وسئل ابراهيم عن جهاد المرأة ، فقال : كن يشهدن مع رسول الله (ص) ، فيداوين الجرحى ، ويسقين المقاتلة (٥).

وكتب ابن عباس في جواب نجدة الحروري : كتبت اليّ تسألني : هل كان رسول الله (ص) يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن ، فيداوين الجرحى (٦).

وعن يوم عماس يقول المسعودي وغيره : « واقبل المسلمون على قتلاهم ، فأحرزوهم ، وجعلوهم وراء ظهورهم ، وكان النساء والصبيان يدفنون الشهيد ،

__________________

(١) راجع : مسند احمد ج ٥ ص ٢٧١ ، والتراتيب الادارية ج ٢ ص ١١٥ عن ابي داود ، وفيه : حنين ، بدل خيبر وهما تكتبان في القديم على نحو واحد ، وبلا نقط ، وهو سبب الاشتباه.

(٢) التراتيب الادارية ج ٢ ص ١١٥ عن السيرة الشامية ، عن الطبراني.

(٣) التراتيب الادارية ج ٢ ص ١١٥ عن عبد الرزاق.

(٤) التراتيب الادارية ج ٢ ص ١١٦.

(٥) مصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٢٩٨ وفي هامشه عن الشيخين بمعناه عن انس ومسلم عن ابن عباس. والمنتقى ج ٢ ص ٧٦٨ ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٥٢.

(٦) الام للشافعي ج ٤ ص ٨٨ ، وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٩٧ ، وسنن البيهقي ج ٩ ص ٣٠ ، ومسند احمد ج ١ ص ٢٢٤ : و ٣٠٨ والمنتقى ج ٢ ص ٧٦٨ عن احمد ومسلم ، وابن ماجة ، والترمذي ج ٤ ص ١٢٦.

١٥٩

ويحلمون الرثيث الى النساء ، ويعالجونهم من كلومهم الخ .. » (١)

فكل ذلك يكون مؤيدا لجريان السيرة على تمريض النساء للرجال ، كما دل عليه خبر علي ابن ابي حمزة ، وعلي بن جعفر .. هذا .. ولكننا نجد في مقابل ذلك :

١ ـ ما رواه الطبراني من ان امرأة من عذرة استأذنت النبي (ص) ، ان تخرج في جيش كذا وكذا ، فلم يأذن لها ، فقالت : يا رسول الله ، انه ليس اريد ان اقاتل ، وانما اريد ان اداوي الجرحى والمرضى ، او اسقى المرضى؟!

قال : لولا ان تكون سنة ، ويقال : فلانة خرجت لاذنت لك ، ولكن اجلسي (٢).

وروى بهذا المضمون له (ص) مع ام كبشة القضاعية (٣) ..

٢ ـ كما انه (ص) لم يأذن لام ورقة الانصارية بالغزو معه ، لمداواة الجرحى ، وتمريض المرضى (٤).

ولكن الحقيقة هي : ان هذا لا يضر في دلالة كل ما سبق ، بل هو مؤيد له ، لانه قد علل منعه لها في الاولى بأنه : لايحب ان يكون ذلك سنة ، فهو لا يحب ان تجرى العادة على اخراجهن في الغزو كذلك ، ولولا ذلك لاذن لهن.

__________________

(١) مروج الذهب ج ٢ ص ٣١٧. وراجع : الفتوحات الاسلامية لدحلان ج ١ ص ١١٤ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٥٨ والكامل لابن الاثير ج ٢ ص ٤٧٧ والعبر لابن خلدون ج ٢ قسم ٢ ص ٩٧ و ٩٨.

(٢) مجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٢٣ وقال : رواه الطبراني في الكبير والاوسط ، ورجالهما رجال الصحيح ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٦١٨ عن المجمع ..

(٣) الاصابة ج ٤ ص ٤٨٧ والتراتيب الادارية ج ٢ ص ١١٥.

(٤) الاصابة ج ٤ ص ٥٠٥ والاستيعاب بهامشها نفس الجلد والصفحة ، والتراتيب الادارية ج ١ ص ٤٧ عن طبقات ابن سعد ، وعن السيوطي في الجمع ، وعزاه لابن راهويه ، وابي نعيم في الحليية ، والبيهقي ، قال : وروى ابو داود بعضه ، ومسند احمد ج ٦ ص ٤٠٥ وسنن ابي داود كتاب الصلاة ص ٦١.

١٦٠