مراصد الإطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع - المقدمة

مراصد الإطّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الطبعة: ٠
الصفحات: ٨

١
٢

بسم الله الرّحمن الرحيم

تقديم

هذا كتاب أريد به أن يكون مختصرا لمعجم البلدان الذي ألّفه ياقوت. ومنهجه فى التأليف ـ كما يظهر من مقدمته ـ تخليص هذا المعجم مما حشر فيه وزيد عليه فى غير موضوعه ؛ ليكون مقصورا على «مالا بد منه مما يحتاج إليه فى معرفة الأسماء الواردة فى الأخبار والآثار وكتب المغازى والفتوح وغير ذلك ، بحيث يتمكّن القارئ لها من ضبط الأسماء والتكلّم فيها على الصواب ، ويعلم جهاتها ومواقعها من أقطار الأرض (١)».

أما ما اشتمل عليه معجم ياقوت من الاشتقاقات التى ذكرها فى كثير من الأسماء ، وطوالع البلدان وأطوالها ، والمنسوبين إلى الأماكن ... فقد أهملت فى هذا الكتاب ؛ لأنها «علم زائد عن المطلوب ، فهو خارج عن الغرض (٢)».

فهذا الكتاب قصد به إلى تصفية المعجم مما علق به من الزوائد ، وعرضه بحيث يتمكن الناظر فيه من الإفادة منه ـ بعد حذف فضوله وحشوه.

ومؤلفه ـ مع ذلك ـ تعقّب هذا المعجم ، ورسم منهجه فى ذلك فقال :

«فقيّدت ما قيّده ، وأهملت ما أهمله ؛ لعدم تمكّنى فى الوقت من تحصيله ، وربما زدته بيانا في بعض المواضع ، أو أصلحت ما تنبّهت عليه فيه من خلل وجدته في ذكره لبعض الأماكن ، إمّا لأنه نقله عن غيره على ذلك الوجه وهو خطأ أو ظنه كذلك ؛ وقد عرفته أنا وحققته ، وسألت عنه أهل المعرفة من سكانه ومجاوريه والمسافرين إلى جهته ، وقد يكون مما رأيت في سفرى واجتزت به ، وخاصة في أعمال بغداد ؛ فإنه كثير الخطأ فيها (٣)».

فليس هذا الكتاب ، مختصرا للمعجم وحسب ؛ ولكنه اشتمل مع ذلك على إصلاح لبعض ما فيه من خلل ، وتحقيق لما به من خطأ.

__________________

(١) انظر المقدمة.

٣

وقد طبع هذا الكتاب في ليدن سنة ١٨٥٠ ، ويظهر من الاطلاع على هذه المطبوعة أنها روجعت على عدة نسخ ، ولكن فيها بعض الهفوات التى تدقّ على غير أهل اللغة ، من هؤلاء لمستشرقين.

ولهذا الكتاب منزلة علمية ؛ فقد أشاد به العلامة دوزى في أثناء حديثه عن معجم البكرى ، فقال :

«ومؤلفه ـ أى معجم البكرى ـ أديب وجغرافىّ كان جديرا كل الجدارة بالقيام بهذه المهمة الشاقة ؛ فإنّ غيره من الجغرافيين يكدسون الأخطاء فوق الأخطاء ويأتون بالمتناقضات بعد المتناقضات ؛ فإذا أخذت اسم مكان ورد في قصيدة قديمة وحاولت البحث عنه في أى كتاب خلا «مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع» فإنه في هذا الباب فوق كل نقد ، فإنك تجد ... (١).

هذا إلى أن رجوع الزبيدى إليه فى «تاج العروس» مما يزيد في قيمته ويوثقه.

وعند ما صحّ عزمى على إخراج هذا الكتاب بحثت عن نسخه المخطوطة فلم يصل علمى إلا إلى نسخة مخطوطة بدار الكتب تحت رقم ٥ جغرافيا. وقد كتبت هذه النسخة بخط عبد الهادى ابن عبد الباقى ، بمدينة بروسة ، وفرغ من كتابتها في يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر ربيع الثانى سنة ١١٠٨ ه‍ ، وعدد أوراقها ٢٧٧ ، وهى مكتوبة بقلم تعليق.

ومما لفت نظرى أن غلاف هذه المخطوطة قد كتب عليه : مختصر معجم البلدان لياقوت ، وصدر مقدمتها يدل أيضا على أن الكتاب لياقوت.

وحين رجعنا إلى كتب التراجم وكشف الظنون وغيرها وجدنا أن مؤلف الكتاب غير ياقوت :

فقد جاء في كشف الظنون جزء ٥ صفحة ٦٢٥ : «ومختصره لصفى الدين عبد المؤمن ابن عبد الحق البغدادى المتوفى سنة ٧٣٩ ه‍».

وفي شذرات الذهب في وفيات سنة ٧٣٩ ه‍ : «عالم بغداد ، صفى الدين عبد المؤمن بن الخطيب

__________________

(١) مقدمة معجم ما استعجم ، صفحة (ز).

٤

عبد الحق بن عبد الله بن على بن مسعود البغدادى الحنبلى الإمام المتقن ولد في ٧ جمادى الآخرة سنة ٦٥٨ ه‍ ، ببغداد ، اختصر معجم البلدان لياقوت وتوفى سنة ٧٣٩ ه‍».

وفي تاريخ أدب اللغة العربية لجورجى زيدان جزء ثالث صفحة ٨٩ : «وقد لخص هذا المعجم صفى الدين بن عبد الحق المتوفى سنة ٧٣٩ ه‍ ، فاقتصر منه على الجغرافية ، وسماه مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع ، طبع في ليدن سنة ١٨٥٠ في أربعة مجلدات».

ويخيّل إلىّ أنّ كاتب هذه النسخة قد اختلط عليه الأمر فنقل أول هذه المقدمة من مقدمة كتاب آخر ؛ لأن جزأها الأول يختلف عن المطبوعة ، وجزأها الأخير يتفق مع ما جاء في هذه المطبوعة كل الاتفاق. ويدل على ذلك ما في هذه المقدمة من اضطراب ؛ فهو يقول فيها أولا : «وأتمت هذا الكتاب ـ يقصد معجم البلدان ـ فجاء مطوّلا ، وفي حمله مثقلا ، فاستخرت الله سبحانه وتعالى ، واقتبست من مشكاته ما اتفق من أسماء البقاع لفظا وخطّا ، وأوفق شكلا ونقطا ، وزدت ما احتاج إلى الزيادة ، وتركت ما تكرّر في اللفظ والمعنى ، ولم يحتج إلى الإعادة ، ووضعت في كتابى هذا ما يكتفى به من طالعه واقتفى أثره بحيث أنه يستخرج منه ما في الممالك من المدن والقرى وغير ذلك ... (١)».

ثم يقول في النصف التالى من هذه المقدمة :

«وأصلحت ما تنبهت عليه فيه من خلل ، ووجدته في ذكره لبعض الأماكن ، إمّا لأنه نقله عن غيره على ذلك الوجه ، وهو خطأ أو ظنه كذلك ، وقد عرفته أنا وحقّقته وسألت عنه أهل المعرفة من سكانه ومجاوريه والمسافرين إلى جهته ؛ وقد يكون مما رأيته في سفر واجتزت به وخاصة في أعمال بغداد فإنه كثير الخطأ فيها ، ولم أقبل منه شرطه ولا التزمت حظره الذي حظره في اختصاره وتغييره فإن ذلك شرط لا يلزم (٢)».

فهذا كلام لا يتفق أوله مع آخره ؛ فأوله يدلّ على أنّ مؤلف الكتاب ومختصره واحد،

__________________

(١) مقدمة المخطوطة.

(٢) مقدمة المخطوطة والمطبوعة في ليدن ، وهنا اتفقت المقدمتان.

٥

هو ياقوت. وآخره يتفق مع مقدمة المطبوعة في ليدن كل الاتفاق ، ويدل على أن مختصر الكتاب غير مؤلفه.

لذلك كله تابعنا النسخة المطبوعة في ليدن ، ونسبنا الكتاب إلى صفى الدين عبد المؤمن ؛ وقد اطمأننّا إلى ذلك بعد بحث وطول أناة.

بقى أن نذكر أننا رجعنا في تحقيق هذا الكتاب إلى النسخة المخطوطة التى سبقت الإشارة إليها ، وقد رمزنا إليها بالحرف (ا) ؛ وإلى النسخة المطبوعة في ليدن وقد رمزنا إليه بالحرف (م) ؛ وإلى أصله ، وهو معجم البلدان ، ومعجم ما استعجم ، والمسالك ، وغيرها من كتب البلدان ، وكتب اللغة ، ولا سيما تاج العروس الذي ينقل عنه وينص على ذلك.

ولو أخرجنا الكتاب كما صنعه مؤلفه لكان ـ فى رأينا ـ ناقصا ؛ لأنه أغفل كل الشواهد الأدبية ؛ وهى تهدى في كثير من الأحيان إلى ضبط الأماكن وتحديدها ، كما أنها مادة أدبية يحتاج إليها الباحثون حين تضطرب عليهم مسالك البحث ، لذلك أثبتّ في هامشه أكثر الشواهد الأدبية التى وردت في معجم البلدان ، ومعجم ما استعجم ، وتاج العروس واللسان ، لتتم به الفائدة.

وبذلك جمع هذا الكتاب كل ما في معجم البلدان مما يحتاج إليه الباحث والأديب ، ولم ينقص عنه إلا ما جرّد منه من حشو وفضول.

هذا ، وقد وضعنا للكتاب فهارس تعين على تبين معالمه ، وتهدى إلى البحث فيه.

والله أسأله التوفيق فيما أقدمت ؛ والنفع بما قدّمت.

على محمد البجاوى

٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة

الحمد لله على ما تواتر من آلائه ، وله الشكر على ما تظافر من نعمائه ، حمدا يليق بجلاله ، ويوازى ما تتابع من أفضاله ، والصلاة والسلام على من ختم الرسل بإرساله ، وكمل أمّته بإكماله محمد المصطفى وعلى جميع أهله وآله.

وبعد فإن الغرض من وضع الكتب إنما هو بيان علم مقصود به ؛ فلذلك لا ينبغى أن يخلط به غيره مما يبيّن في علم آخر لئلا يتشعّب الفهم ، وينبو عنه السمع ، ويطول الكلام فيه فيؤدّى إلى الإملال في سماعه : وقد لا ينهض بكتابته لطوله فيعجز عن تحصيله.

وهذه حال الكتاب المسمى بمعجم البلدان ؛ فإن الغرض المقصود منه إنما هو معرفة أسماء الأماكن والبقاع التى على الربع المسكون من الأرض مما ورد به خبر أو جاء في شعر ، وبيان جهته من الأرض وموضعه من أصقاعها ، فما زاد على هذا القدر فهو فضل لا حاجة إليه فى المقصود منه ، فهو وإن كان فيه علم زائد عن المطلوب فهو خارج عن الغرض ، وذلك مثل الاشتقاقات التى ذكرها في كثير من الأسماء عربية كانت أو عجميّة ، يعلم من أكثرها قطعا أن ذلك في أصل الوضع ليس مشتقا من ذلك ليكون علة في جعل الاسم علما لذلك الموضع ، وإنّ الاسم لا يكون مشتقا إلا إذا كان في المسمّى صفة يشتقّ الاسم منها ليدلّ على وجودها في ذلك المسمّى ، كما سمّى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ المدينة طيبة ، لما فيها من الطيب والفضل به ، ورغب عن يثرب ، لما فيه من لفظ التثريب.

وفي البلدان أسماء أعجميّة يعلم قطعا أنها ليست مشتقة اشتقاق العربية ، فلم يبق إلّا اشتقاق اللفظ لا بالنسبة إلى ما سمّى به ، وذلك علم برأسه تشتمل كتب اللغة وعلم الأبنية عليه ، فخلطه بهذا تطويل لا حاجة إليه ، وكذلك ما ذكره من طوالع البلدان فأكثره لا يصحّ

٧

إلا أنّ ذكر طول البلد وعرضه قد يعلم منه المقصود ، لكن أكثر ما ذكره يحتاج إلى تحقيق ، وكذلك ذكر المنسوبين إلى الأماكن إنما موضعه الكتب الموضوعة في معرفة الرجال ، واستقصاؤه غير ممكن ، وذكر ذلك كلّه ووضعه في كتابه مما طال به الكتاب حتى جاء فى مجلّدات كثيرة أتعبت الناظر وأملّت الكاتب ، وعسر بذلك تحصيله على الطالب.

وقد كتبت منه في كتابى هذا ما لا بدّ منه مما يحتاج إليه في معرفة الأسماء الواردة فى الأخبار والآثار وكتب المغازى والفتوح وغير ذلك بحيث يتمكّن القارئ لها من ضبط الأسماء (١) والتكلم فيها على الصواب ، ويعلم جهاتها ومواقعها من أقطار الأرض معتمدا فيه على الكتاب المذكور ، فقيّدت ما قيّده ، وأهملت ما أهمله لعدم تمكّنى في الوقت من تحصيله ، وربما زدته بيانا في بعض المواضع ، أو أصلحت ما تنبّهت عليه فيه من خلل وجدته في ذكره لبعض الأماكن ؛ إمّا لأنّه نقله عن غيره على ذلك الوجه وهو خطأ أو ظنّه كذلك ، وقد عرفته أنا وحقّقته وسألت عنه أهل المعرفة من سكّانه ومجاوريه والمسافرين إلى جهته ، وقد يكون مما رأيته في سفرى واجتزت به وخاصة في أعمال بغداد فإنه كثير الخطأ فيها ولم أقبل منه شرطه الذي شرطه ، ولا التزمت حظره الذي حظره في اختصاره وتغييره ؛ فإن ذلك شرط لا يلزم ، ومظنّة الفائدة تقدّم ، فجاء بحيث يتمكن الناظر من اطّلاعه ، ولا تشقّ كتابته ؛ رغبة في نشر العلم ومثابرة على تسهيل الفائدة وسميته ، «مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع».

ومن الله تعالى أسأل التوفيق لإتمامه وحسن المثوبة عليه ، فإنه ولىّ ذلك.

__________________

(١) من هنا تتفق هذه المقدمة مع مقدمة المخطوطة.

٨