تراثنا ـ العدد [ 9 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 9 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣٩

حسن ...» (٤٢) وقال الخونساري : «كان من العلماء المحدثين والعرفاء المقدسين ماهرا في المعقول والمنقول ، جامعا للفروع والأصول (٤٣)

فإنه يستفاد من كلام له في شرح الكافي أخذه بظواهر ما ورد فيه ، وربما ذكر الوجوه والمعاني الأخرى التي ذكرها المحدثون لتلك الأخبار على وجه الاحتمال ، بل رأينا منه أحيانا تكلفا لابقاء بعضها على ظاهره

قال ـ رحمه‌الله في شرح حديث الكليني عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنظي (٤٤) وكأن هذا المصحف المدفوع إليه هو الذي جمعه أمير المؤمنين عليه‌السلام بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأخرجه وقال : هذا هو القرآن الذي أنزله سبحانه ، وردة قومه ولم يقبلوه ، وهو الموجود عند المعصوم من ذريته كما دلت عليه الأخبار»

ثم قال : «وفي هذا الخبر دلالة على وجود مصحف غير هذا المشهور بين الناس ، وعلى وجود التحريف والتغيير والحذف فيما أنزله الله تعالى من القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

ورفعه لا يضر ، لاعتضاده بأخبار أخر من طرقنا ، وهي كثيرة مذكورة في كتاب الروضة وغيره»

قال ـ وهو يقصد تقوية ذلك بأحاديث أهل السنة ـ : «وقد دلت الأخبار من طرقهم أيضا على وقوع التغيير» (٤٥)

وفي كلامه مواقع للنظر :

١ ـ قوله «كأن هذا المصحف المدفوع إليه هو الذي جمعه أمير المؤمنين» استظهار منه ولا دليل عليه ، وإن تم فقد تقدم الكلام على ذلك في فصل الشبهات

__________________

(٤٢) أمل الآمل ٢ : ٢٧٦

(٤٣) روضات الجنات

(٤٤) الكافي ٢ : ٤٦١ ، ونص الحديث :

عن البزنطي ، قال : دفع إلي أبو الحسن ـ عليه‌السلام ـ مصحفا وقال : لا تنظر فيه ، ففتحته وقرأت فيه : «لم يكن الذين كفروا» فوجدت فيها اسم سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قال : فبعث إلي : ابعث إلي بالمصحف

(٤٥) شرح الكافي ١١ : ٧١ ـ ٧٢

١٠١

في القسم السابق من هذا البحث

٢ ـ قوله : «وفي هذا الخبر دلالة» فيه : إن دلالته غير تامة ، كيف والمحدثون أنفسهم يفسرونه بمعان أخر كما تقدم؟!

٣ ـ قوله : «رفعه لا يضر» اعتراف منه بأن حديث البزنظي هذا مرفوع كما تقدم وعدم إضراره محل بحث وخلاف

٤ ـ قوله : «لاعتضاده بأخبار أخر من طرقنا» فيه أن تلك الأحاديث في الأغلب بين ضعيف ومرسل وشاذ نادر ، وهل يعتضد الحديث المرفوع بالضعيف أو بالنادر؟!

٥ ـ قوله : «وهي كثيرة» فيه أنه لو سلم فإن الكثرة من هذا القبيل لا تجدي نفعا ، ولا تفيد لإثبات معتقد أو حكم

٦ ـ قوله : «مذكورة في كتاب الروضة وغيره» فيه : أن مما ذكر في كتاب الروضة هو الحديث الذي يفيد عدم نقصان القرآن في ألفاظه بوضوح ، وقد استشهد به المحدث الكاشاني وغيره كما تقدم

٧ ـ قوله : «وقد دلت الأخبار من طرقهم أيضا» فيه : أن تلك الأحاديث ليست حجة قاطعة علينا ، على أن علماء الشيعة يردون أو يؤولون أحاديثهم الدالة على ذلك ، فكيف بأحاديث أهل السنة؟!

وبعد ، فإنا نستظهر من كلام الشيخ المازندراني أنه من القائلين بنقصان القرآن ، ولكن حكى السيد شرف الدين والشيخ الأوردبادي ـ رحمهما‌الله تعالى ـ أنه قال في شرح الكافي : «يظهر القرآن بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به» فإن كان هذا القول له حقا عد في الطائفة الأولى ، والله العالم

٨ ـ الشيخ ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي ، المتوفى سنة ١٣٢٠ ه ـ ، من أعلام القرن الرابع عشر ، ومن مشاهير محدثي الشيعة الإمامية ، توجد ترجمته في كتب الشيخ آغا بزرك الطهراني ، والشيخ عباس القمي وغيرهما من أصحاب التراجم والرجال

وهو المشتهر بهذا القول في المتأخرين ، وله فيه كتاب «فصل الخطاب»

١٠٢

الذي سبب تنديد بعض الجهلة والأعداء بالشيعة والتهويس عليهم ، ذاهلين عن أنه رأي شخصي من هذا المحدث العظيم وليس رأي الطائفة فإن أساطين هذه الطائفة في القرون المختلفة يذهبون إلى صيانة القرآن عن كل أشكال التلاعب ، وقد أوردنا طرفا من كلماتهم في الفصل الأول.

ويؤكد ما ذكرناه ـ من أنه رأي شخصي ـ أن علماء الشيعة المعاصرين له والمتأخرين عنه تناولوا كتابه بالرد والنقد ، كالسيد محمد حسين الشهرستاني والشيخ محمود العراقي وغيرهما ، وللشيخ البلاغي بعض الكلام في هذا الباب في مقدمة تفسيره «آلاء الرحمن»

(الطائفة الثالثة)

وهم المحدثون الذين أوردوا في مصنفاتهم جميع ما رووه أو طرفا منه مع عدم الالتزام بالصحة سندا ومتنا ودلالة ، فهم يروون أحاديث نقصان القرآن كما يروون أحيانا أحاديث الغلو والجبر والتفويض والتجسيم ، وما شاكل ذلك مما لا يعتقدون به ولا يذهبون إليه ، وقد ذكرنا أن الرواية أعم من الاعتقاد.

وعلى أساس الأمور الأربعة التي ذكرناها من قبل ـ مع الالتفات إلى كلام الصدوق ابن بابويه ... وغير ذلك ـ نقول بعدم صحة نسبة القول بالتحريف إلى هذه الطائفة من الرواة فضلا عن نسبته إلى الطائفة استنادا إلى رواية هؤلاء لتلك الأخبار ، مضافا إلى نقاط متعلقة بهم أو بأخبارهم سنشير إليها

ومن هذه الطائفة :

١ ـ الشيخ محمد بن مسعود العياشي ، صاحب التفسير المعروف ، ترجم له الشيخ النجاشي فقال : «ثقة صدوق ، عين من عيون هذه الطائفة ، وكان يروي عن الضعفاء كثيرا ، وكان في أول عمره عامي المذهب ، وسمع حديث العامة فأكثر» (٤٦) وقال الشيخ الطوسي : أكثر أهل المشرق علما وأدبا وفضلا وفهما ونبلا في زمانه صنف أكثر من مائتي مصنف ، ذكرناها في الفهرست ، وكان له

__________________

(٤٦) رجال النجاشي

١٠٣

مجلس للخاصي ومجلس للعامي ، رحمه‌الله «(٤٧) وقال شيخنا الجد المامقاني : وربما حكي من بعض شراح التهذيب ـ والظاهر أنه المحقق الشيخ محمد نجل الشهيد الثاني ـ أنه قدح في توثيقه بكونه في أول عمره عاميا ، فلا يعلم أن الجرح والتعديل للرجال الذي ينسب إليه هل كان قبل التبصر أو بعده (٤٨)

فهو ـ وإن كان ثقة في نفسه ـ يروي عن الضعفاء كثيرا ، أخبار تفسيره مراسيل كما هو معلوم ، ويتلخص عدم صحة نسبة القول بالتحريف إليه ، وعدم جواز الاعتماد على أخبار تفسيره في هذا المضمار

٢ ـ الشيخ محمد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي ، الثقة الثبت المعتمد عند جمع علماء الرجال ، ولا حاجة إلى نقل نصوص كلماتهم

روى هذا الشيخ بعض الأخبار المذكورة سابقا في كتابه» بصائر الدرجات «ولكن لا وجه لنسبة القول بالتحريف إليه ، وقد تكلمنا هناك على تلك الأخبار سندا ومتنا على ضوء كلمات علماء الحديث والرجال ، ومن الضروري النظر في أسانيد أخبار كتابه» بصائر الدرجات «ومعانيها كسائر الكتب الحديثية

٣ ـ الشيخ أبو عمر ومحمد بن عمر الكشي صاحب كتاب الرجال قال النجاشي» كان ثقة عينا ، روى عن الضعفاء كثيرا ، وصحب العياشي ، وأخذ عنه وتخرج عليه في داره التي كانت مرتعا للشيعة وأهل العلم ، له كتاب الرجال كثير العلم وفيه أغلاط كثيرة (٤٩) وقال الشيخ أبو علي الرجالي : «ذكر جملة من مشايخنا أن كتاب رجاله المذكور كان جامعا لرواة العامة والخاصة ، خالطا بعضهم ، فعمد إليه شيخ الطائفة ـ طاب مضجعه ـ فلخصه وأسقط منه الفضلات» (٥٠)

وعلى ضوء ما تقدم ليس الشيخ الكشي من القائلين بالتحريف ، ولا يجوز الاستناد إلى الأخبار الواردة في (رجاله) لأنه كان يروي عن الضعفاء كثيرا على ما

__________________

(٤٧) رجال الشيخ الطوسي

(٤٨) تنقيح المقال

(٤٩) رجال النجاشي

(٥٠) رجال أبي علي

١٠٤

نص عليه النجاشي ، وكان من أصحاب العياشي ، والمتخرجين عليه كما نصوا عليه ، وقد تقدم أن العياشي ـ وإن كان ثقة جليلا ـ كان يروي عن الضعفاء كثيرا أيضا ، فلا اعتبار بكل أخبار هذا الكتاب حتى بعد تهذيب الشيخ إياه ، لكون نظره إلى الرجال المذكورين فيه لا الأخبار المروية في غضونه.

٤ ـ الشيخ محمد بن إبراهيم النعماني ، الثقة الجليل عند علماء الرجال والجرح والتعديل (٥١)

له في كتابه «الغيبة» رواية صريحة في مخالفة القرآن على عهد الإمام المهدي عليه‌السلام للقرآن الموجود الآن ، وقد بينا في محله وجه التعارض بين روايته تلك مع روايتين أخريين له ، ... ثم نقلنا حديثا عن «روضة الواعظين» يوضح المراد من تلك الأحاديث الثلاثة.

وذكرنا هناك أن سند ذلك الحديث الصريح غير قوي ، كما بينا في الكلام على (الشبهة الثالثة) أنه لا يمكن الاعتماد على ما ظاهره مخالفة القرآن في عهد الإمام المنتظر عجل الله فرجه لهذا القرآن (٥٢)

والحق أنه لا سبيل إلى نسبة القول بالتحريف إليه ، كلامه في مقدمة كتابه لا يدل على التزامه بالصحة وإن توهم ذلك فليراجع.

٥ ـ الشيخ أحمد بن علي الطبرسي ، المتوفى سنة ٥٤٨ صاحب كتاب «الاحتجاج على أهل اللجاج» من مشايخ ابن شهرآشوب ومن أجلاء أصحابنا المتقدمين ، عالم فاضل محدث ثقة (٥٣)

روى في كتابه المذكور ما يفيد التحريف ، ومن ذلك ما رواه في احتجاجات سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام مع المهاجرين والأنصار المتضمن مخالفة مصحفة الذي جمعه المصحف الذي اتخذوه ، وقد أشرنا إلى ذلك في الكلام على (الشبهة الثانية)

__________________

(٥١) تنقيح المقال

(٥٢) أنظر : معالم العلماء أمل الآمل ٢ : ، روضات الجنات ، تنقيح المقال ، الكنى والألقاب ،

(٥٣) راجع القسم الثاني من البحث في نشرة «تراثنا» العدد ٧ ـ ٨

١٠٥

وكتاب الاحتجاج وإن كان من الكتب الجليلة إلا أن أكثر أخباره مراسيل كما صرح بذلك الشيخ المجلسي في مقدمة البحار ، والشيخ الطهراني في الذريعة إلى تصانيف الشيعة.

وعلى هذا فلا يصلح ما رواه في هذا الباب للاعتماد ولا دليل على أن ينسب إليه هذا الاعتقاد ، وإن جاء في كلام بعض علمائنا الأمجاد.

٦ ـ السيد هاشم البحراني ، من مشاهير محدثي الإمامية وكان على جانب عظيم من الجلالة يضرب به المثل في الورع والتقوى ، وله تصانيف كثيرة منها البرهان في تفسير القرآن ، توفي سنة ١١٠٧ ه (٥٤).

روى هذا المحدث الجليل في كتابه المذكور طائفة من الأخبار الظاهرة في نقصان القرآن عن العياشي وأمثاله ، لكن تفسيره المذكور يشتمل على أنواع الأخبار وأقسامها ، وكأنه ـ رحمه‌الله ـ قصد من تصنيفه جمع الروايات الواردة في تفسير الآيات ووضع كل حديث في ذيل الآية التي يناسبها ، بل كانت هذه طريقته في جميع كتبه ، فقد قال المحدث البحراني ما نصه : «وقد صنف كتبا عديدة تشهد بشدة تتبعه واطلاعه ، إلا أني لم أقف له على كتاب فتاوى في الأحكام الشرعية بالكلية ولا في مسألة جزئية وإنما كتبه مجرد جمع وتأليف ، ولم يتكلم في شئ منها مما وقفت عليه على ترجيح في الأقوال أو بحث أو اختيار مذهب وقول في ذلك المجال ، ولا أدري أن ذلك لقصور درجته عن رتبة النظر ولاستدلال أم تورعا عن ذلك ...» (٥٥)

«تحقيق حول رأي الكليني»

إن أشهر رواة الأحاديث التي ذكرناها وغيرها وأعظمهم هو الشيخ محمد ابن يعقوب الكليني المتوفى سنة ٣٢٩ روى تلك الأخبار في كتابه «الكافي» الذي هو أهم الكتب الأربعة المشهور بين الشيعة الإمامية

__________________

(٥٤) أنظر لؤلؤة البحرين : ٦٣ أمل الآمل ٢ : ٣٤١ ، الكنى والألقاب ٣ : ٩٣

(٥٥) لؤلؤة البحرين : ٦٣

١٠٦

لقد كان ـ وما زال ـ التحقيق حول رأي الشيخ الكليني في المسألة موضع الاهتمام بين العلماء والكتاب ، لما له ولكتابه من مكانة مرموقة متفق عليها بين المسلمين ، فنسب إليه بعض المحدثين من الشيعة القول بالتحريف اعتمادا على ظاهر كلامه في خطبة كتابه «الكافي» ، ونفى ذلك آخرون وحاول بعض الكتاب القاصرين نسبة القول بذلك إلى الطائفة عامة والتشنيع عليها ـ بزعمه ـ بعد وصف «الكافي» «الصحيح» ، لكنها محاولة يائسة كما سنرى.

لقد تقدم في القسم الثاني من هذا البحث ذكر أهم الأخبار التي رواها الكليني في «الكافي» وبينا ما في كل منها من مواقع النظر أو وجوه الجواب ، بحيث لا يبقى مجال للقول بأنها تدل على تحريف القرآن.

والتحقيق حول رأي الكليني وما يتعلق بذلك يتم بالبحث في عدة جهات :

أولا : في ترجمته وشأن كتابه

لقد ترجم علماء الشيعة للكليني بكل ثناء وإطراء وتعظيم وتفخيم ، فقد قال أبو العباس النجاشي : «شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني ، يسمى (الكافي) في عشرين سنة» (٥٦) وقال الشيخ الطوسي : «ثقة عارف بالأخبار ، له كتب ، منها كتاب الكافي (٥٧) وقال ابن شهرآشوب :» عالم بالأخبار ، له كتاب (الكافي) يشتمل على ثلاثين كتابا «(٥٨) وقال المامقاني : أمر محمد بن يعقوب في العلم والفقه والحديث والثقة والورع وجلالة الشأن وعظيم القدر وعلو المنزلة وسمو المرتبة أشهر من أن يحيط به قلم ويستوفيه رقم (٥٩).

وقال الشيخ بهاء الدين العاملي :» ولجلالة شأنه عده جماعة من علماء العامة كابن الأثير في كتاب جامع الأصول من المجددين لمذهب الإمامية على رأس المائة

__________________

(٥٦) رجال النجاشي :

(٥٧) الفهرست للطوسي

(٥٨) معالم العلماء :

(٥٩) تنقيح المقال :

١٠٧

الثالثة ، بعد ما ذكر أن سيدنا وإمامنا أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام هو المجدد لهذا المذهب على رأس المائة الثانية» (٦٠).

أما كتابه «الكافي» فهو أهم كتب الشيعة الاثني عشرية وأجلها وأعظمها في الأصول والفروع والمعارف الإسلامية وإليه يرجع الفقيه في استنباطه للأحكام الشرعية ، وعليه يعتمد المحدث في نقله للأخبار والأحاديث الدينية ، ومنه يأخذ الواعظ في ترهيبه وترغيبه.

إلا أنه قد تقرر لدى علماء الطائفة حتى جماعة من كبار الأخباريين لزوم النظر في سند كل خبر يراد الأخذ به في الأصول أو الفروع ، إذ ليست أخبار الكتب الأربعة ـ أولها الكافي ـ مقطوعة الصدور عن المعصومين بل في أسانيدها رجال ضعفهم علماء الفن ولم يثقوا برواياتهم. ومن هنا قسموا أخبار الكتب إلى الأقسام المعروفة ، واتفقوا على اعتبار «الصحيح» وذهب أكثرهم إلى حجية «الموثق» ، وتوقف بعضهم في العمل «الحسن» وأجمعوا على وجود الأخبار «الضعيفة» في الكتب الأربعة المعروفة ، وقد ذكرنا هذه الحقيقة في الأمور الأربعة ببعض التفصيل ، ونزيد تأكيدا هنا بذكر مثالين أحدهما : أن الكليني روى في «الكافي» أن يوم ولادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول  ـ ولذا نسبت إليه القول بذلك ـ ولم يوافقه أحد من علماء الشيعة عليه فيما نعلم ، بل ذهبوا إلى أنه اليوم السابع عشر منه. والثاني : أن الكليني روى في (الكافي) كتاب (الحسن بن العباس بن حريش) في فضل «إنا أنزلناه في ليلة القدر» وقد ضعف الشيخ أبو العباس النجاشي والشيخ ابن الغضائري وغيرهما الرجال وذموا كتابه المذكور (٦١).

وسواء صح ما ذكروا أولم يصح فإن الغرض من ذكر هذا المطلب هو التمثيل لما ذكرناه من رأي أكابر العلماء في روايات الكليني.

وعلى الجملة فإنه ليست أخبار «الكافي» كلها بصحيحة عند الشيعة حتى

__________________

(٦٠) الوجيزة في علم الدراية.

(٦١) أنظر تنقيح المقال ١ : ٢٨٦

١٠٨

يصح إطلاق عنوان «الصحيح» عليه ، بل فيها الصحيح والضعيف وإن كان الصحيح قد لا يعمل به ، «الضعيف» قد يعتمد عليه ، كما هو معلوم عند أهل العلم والتحقيق ... وهذه هي نتيجة البحث في هذه الجهة.

ثانيا : في أنه ملتزم بالصحة أولا

قد ينسب إلى الكليني القول بتحريف القرآن بدعوى اعتقاده بصدور ما رواه عن المعصومين عليهم‌السلام ، لكن هذه الدعوى غير تامة فالنسبة غير صحيحة ، إذ إن الكليني لم ينص في كتابه على اعتقاده بذلك أصلا ، بل ظاهر كلامه يفيد عدم جزمه به ، وإليك نص عبارته حيث قال : «فاعلم يا أخي أرشدك الله أنه لا يسع أحدا تمييز شئ مما اختلف الرواية فيه عن العلماء عليهم‌السلام برأيه إلا على ما أطلقه العالم عليه‌السلام بقوله : اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه وقوله عليه‌السلام : دعوا ما وافق القوم ، فإن الرشد في خلافهم ، وقوله عليه‌السلام : خذوا بالمجمع عليه ، فإن المجمع عليه لا ريب فيه.

ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه‌السلام ، وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليه‌السلام : بأيما أخذتم من باب التسليم وسعكم.

وقد يسر الله وله الحمد تأليف ما سألت وأرجو أن يكون بحيث توخيت « وأشار بقوله هذا الأخير إلى قوله سابقا :

«وقلت : إنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين» (٦٢).

هذا كلامه ـ يرحمه‌الله ـ وليس فيه ما يفيد ذلك ، لأنه لو كان يعتقد بصدور جميع أحاديثه ـ لما أشار في كلامه إلى القاعدة التي قررها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لعلاج الأحاديث المتعارضة وهي عرض الأحاديث على الكتاب والسنة ، كما أشرنا إلى ذلك من قبل.

__________________

(٦٢) الكافي ١ : المقدمة

١٠٩

واستشهاده ـ رحمه‌الله ـ بالرواية القائلة بلزوم الأخذ بالمشهور بين الأصحاب عند التعارض دليل واضح على ذلك ، إذ هذا لا يجتمع مع الجزم بصدور الطرفين عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو الإمام عليه‌السلام.

وقوله ـ رحمه‌الله ـ بعد ذلك : «ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله ، ولا نجد شيئا أحوط ولا أوسع من رد علم ذلك كله إلى العالم عليه‌السلام» ظاهر في عدم جزمه بصدور أحاديث كتابه عن المعصوم عليه‌السلام.

نعم قد يقال : إن أحاديث «الكافي» إن لم تكن قطعية الصدور فلا أقل من صحتها إسنادا ، ذلك لأن مؤلفه قد شهد ـ نتيجة بذله غاية ما وسعه من الجهد في التحريري والاحتياط ـ بصحة جميع أحاديث كتابه حيث قال في المقدمة : «وقلت : أنك تحب أن يكون عندك كتاب كاف يجمع من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلم ، ويرجع إليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعلم به الآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم‌السلام ، والسنن القائمة التي عليها العمل وبها يؤدى فرض الله عزوجل وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٦٣).

فإن ظاهر قوله «بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم‌السلام» اعتقاده بصحة ما أورده في كتابه ولكن هذا ـ بغض النظر عما قالوا فيه (٦٤) ـ لا يستلزم وثوق الشيخ الكليني بدلالة كل حديث موجود في كتابه حتى ينسب إليه بالقطع واليقين القول بمداليل جميع رواياته ، ويؤكد هذا قوله : «ونحن لا نعرف من جميع ذلك» بل ويؤكده أيضا ملاحظة بعض أحاديثه.

توضيح ذلك أنه ـ رحمه‌الله روى ـ مثلا ـ أحاديث في كتاب الحج من فروعه تفيد أن الذبيح كان (إسحاق) لا (إسماعيل) ، ومن تلك الأحاديث ما رواه عن أحدهما عليهما‌السلام : «وحج إبراهيم عليه‌السلام هو وأهله وولده ، فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن هاهنا كان ذبحه».

__________________

(٦٣) الكافي ١.

(٦٤) مفاتيح الأصول معجم رجال الحديث ، وغيرهما ، وقد جاء في المفاتيح عن المحدث الجزائري تصريحه بأنه ليس في كلام الكليني ما يدل حكمه بصحة أحاديث كتابه

١١٠

قال الكليني : «وذكر عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله (عليهما‌السلام) يزعمان أنه إسحاق فأما زرارة فزعم أنه إسماعيل (٦٥).

قال المحدث المجلسي :» وغرضه ـ رحمه‌الله ـ من هذا الكلام رفع استبعاد عن كون إسحاق ذبيحا ، بأن إسحاق كان بالشام والذي كان بمكة إسماعيل فكون إسحاق ذبيحا مستبعد.

فدفع هذا الاستبعاد بأن هذا الخبر يدل على أن إبراهيم عليه‌السلام قد حج مع أهله وولده فيمكن أن يكون الأمر بذبح إسحاق في هذا الوقت (٦٦).

وروى ـ رحمه‌الله في خبر طويل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام «... قال : فلما قضت مناسكها فرقت أن يكون قد نزل في ابنها شئ فكأني أنظر إليها مسرعة في الوادي واضعة يدها على رأسها وهي تقول : رب لا تؤاخذني بما عملت بأم إسماعيل.

قال : فلما جاءت سارة فأخبرت الخبر قامت إلى ابنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشا في حلقه ، ففزعت واشتكت ، وكان بدء مرضها الذي هلكت فيه» (٦٧).

قال المحدث الفيض الكاشاني هنا : «يستفاد من الخبر أن الذبيح إسحاق لأن سارة كانت أم إسحاق دون إسماعيل ، ولقولها : لا تؤاخذني ...» (٦٨).

وروى ـ رحمه‌الله ـ في باب المشيئة والإرادة من كتاب التوحيد عن أبي الحسين عليه‌السلام في حديث قوله : «وأمر إبراهيم أن يذبح إسحاق ولم يشأ أن يذبحه ولو شاء لما غلبت مشيئة إبراهيم مشيئة الله تعالى» (٦٩).

قال السيد الطباطبائي في حاشيته «وهو خلاف ما تظافرت عليه أخبار الشيعة».

فهل هذه الأحاديث صحيحة في رأي الشيخ الكليني؟ وإذا كانت صحيحة

__________________

(٦٥) الكافي ٤ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦

(٦٦) مرآة العقول ٣ : ٢٥٦ ، بحار الأنوار ١٢ : ١٣٥

(٦٧) الكافي ٤ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩

(٦٨) الوافي

(٦٩) الكافي ١ : ١٥١

١١١

ـ بمعنى الثقة بالصدور ـ فهل يثق ويعتقد بما دلت عليه من كون الذبيح إسحاق؟ وإذا كان كذلك فماذا يفعل بالأحاديث التي رواها وهي دالة على كونه إسماعيل؟ وهب أنه من المتوقفين في المقام ـ كما قال المجلسي في نهاية الأمر ـ فهل يلتئم هذا مع الالتزام بالصحة في كل الأحاديث؟

ونتيجة البحث في هذه الجهة : عدم تمامية نسبة القول بالتحريف إلى الكليني استنادا إلى عبارته في صدر «الكافي»

ثالثا : في إمكان نسبة القول بعدم التحريف إلى الكليني

وبعد ، فإن من الجائز نسبة القول التحريف إلى شيخ الكليني  ـ رحمه‌الله ـ لعدة وجوه :

١ ـ إنه كما روى ما ظاهره التحريف فقد روى ما يفيد عدم التحريف بمعنى الاسقاط في الألفاظ ، وهو ما كتبه الإمام عليه‌السلام إلى سعد الخير «وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية» الحديث وقد استدل به الفيض الكاشاني على أن المراد من أخبار التحريف هو تحريف المعاني دون الألفاظ ، فيكون هذا الخبر قرينة على المراد من تلك الأخبار. ولو فرضنا التعارض كان مقتضى فرض الخبرين المتعارضين على الكتاب ـ عملا بالقاعدة التي ذكرها الكليني ولزوم الأخذ بالمشهور كما ذكر أيضا هو القول بعدم وقوع التحريف في القرآن.

٢ ـ إن عمدة روايات الكليني الظاهر في التحريف تنقسم إلى قسمين :

الأول ـ ما يفيد اختلاف قراءة الأئمة القراءة المشهورة.

الثاني ـ ما ظاهر سقوط أسماء الأئمة ونحو ذلك.

أما القسم الأول فخارج عن بحثنا. وأما القسم الثاني ـ فمع غض النظر عن الأسانيد ـ فكله تأويل من أهل البيت عليهم‌السلام ، والتأويل لا ينافي التفسير ، وإرادة معنى لا تضاد إرادة معنى آخر وقد روى الكليني ما هو صريح في هذا الباب عن الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل : الذين يقطعون ما أمر الله به أن

١١٢

يوصل. «إنها نزلت في رحم آل محمد ، وقد يكون في قرابتك ـ ثم قال ـ ولا تكونن ممن يقول الشئ أنه في شئ واحد»

ومقتضى القواعد التي ذكرها الكليني أن لا يؤخذ بظواهر الأخبار من القسم الثاني.

٣ ـ إن كلمات الأعلام والأئمة العظام من الشيعة الإمامية كالصدوق والمفيد والمرتضى والطبرسي الصريحة في أن المذهب هو عدم التحريف وأن القائلين بالتحريف شذاذ من «الحشوية» تقتضي أن لا يكون الكليني قائلا بالتحريف ، لا سيما كلام الصدوق الصريح في «أن من نسب إلينا ... فهو كاذب» وإلا لم يقولوا كذلك إذا لم ينسوا شأن الكليني وعظمته في الطائفة.

٤ ـ إن دعوى الإجماع من جماعة من أعلام الطائفة كالشيخ جعفر كاشف الغطاء وغيره ترجح القول بأن الكليني من نفاذة التحريف وإلا لما ادعوه مع الالتفات إلى شخصية الكليني.

٥ ـ إن الكليني ـ رحمه‌الله ـ روى الأخبار المفيدة للتحريف في (باب النوادر) ، ومن المعلوم أن النوادر هي الأحاديث الشاذة التي تترك ولا يعمل بها كما نص على ذلك الشيخ المفيد (٧٠) فجعله تلك الأحاديث في الباب المذكور يدل على تشكيكه بصحتها وطرحه لها.

قال السيد محمد تقي الحكيم : «ولعل روايتها في (النوادر) من كتابه دليل تشكيكه بصدورها ورفضه لها ، وكأنه أشار بذلك لما ورد في المرفوعة من قوله عليه‌السلام : دع الشاذ النادر» (٧١).

وقال السيد حسين مكي العاملي : «ولأجل ما هي عليه من الضعف وندرتها وشذوذها وغرابتها مضمونا جعلها الإمام الكليني من الأخبار الشاذة النادرة ، فسطرها تحت عنوان (باب النوادر). وهذا دليل على أنه خدش في هذه الأخبار وطعن فيها ولم يعتبرها ، إذ لم يغب عن ذهنه وهو من أكابر أئمة الحديث ـ ما هو معنى

__________________

(٧٠) معجم رجال الحديث ١ : ٤٥.

(٧١) الأصول العامة للفقه المقارن : ١١٠

١١٣

النادر الشاذ لغة وفي اصطلاح أهل الحديث.

فالحديث الشاذ النادر عندنا ، معشر الإمامية الاثني عشرية ، وهو الحديث الذي لا يؤخذ به إذا عارضه غيره من الروايات المشهورة بين أهل الحديث أو خالف مضمونا كتابا أو سنة متواترة أو حديثا مشهورا بين أهل الحديث ...».

قال : «وأما البحث في حكم النادر الشاذ من الأحاديث فهو : أنه إذا خالف الكتاب والسنة أو كان صحيحا في نفسه ولكنه معارض برواية أشهر بين الرواة لا يعمل به ، كما قرره علماؤنا ...» (٧٢).

__________________

(٧٢) عقيدة الشيعة

١١٤

خاتمة الباب الأول

لقد استعرضنا في الباب الأول كل ما يتعلق «الشيعة والتحريف» ، حيث ذكرنا كلمات أعلام الشيعة في نفي التحريف ، وأدلتهم على ما ذهبوا إليه من الكتاب والسنة والاجماع وغيرها. وأجوبتهم عن الروايات الواردة في كتبهم المفيدة بظاهرها لنقصان القرآن وعن الشبهات التي قد تثار حوله على ضوء تلك الرويات.

ولقد لاحظنا أن الروايات الموهمة للتحريف منقسمة إلى ما دل على اختلاف قراءة أهل البيت مع القراء في قراءة بعض الآيات ، وما دل على تأويلات لهم لبعض آخر ، وما دل على سقوط كذا آية من السورة وكذا آية من تلك.

أما القسم الأول فلا ينكر أن الأئمة عليهم‌السلام يختلفون مع القراء في قراءة كثير من الآيات والكلمات ، غير أنهم أمروا شيعتهم بأن يقرأوا كما يقرأ الناس ، وهذا القسم خارج عن بحثنا

وأما القسم الثاني فإنه راجع إلى التأويل ولا ريب في أن أهل البيت عليهم‌السلام أدرى بحقائق القرآن ومعاني آياته من كل أحد. والأدلة على ذلك لا تحصى ، وقد روي عن أبي الطفيل أنه قال : «شهدت عليا يقول : سلوني ، والله لا تسألوني إلا أخبرتكم ، سلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل أم جبل» (٧٣).

وعن ابن سعد : «سمعت عليا يقول : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا» (٧٤).

ولذا رووا عن ابن مسعود أنه قال : «ما من حرف إلا وله ظهر وبطن ،

__________________

(٧٣) طبقات ابن سعد ٢ : ٢٣٨ الإصابة ٤ / ٥٠٣ ، المستدرك ٢ : ٤٦٦ الصواعق ١ : ١٢٧ ، كنز العمال ٦ : ٤٠٥ ، فيض القدير ٣ : ٤٦ ، الرياض النضرة ٢ : ١٨٨.

(٧٤) طبقات ابن سعد ٢ : ٢٣٨ ، كنز العمال ٦ : ٣٩٦ ، الصواعق : ١٢

١١٥

وإن عليا عنده من الظاهر والباطن» (٧٥)

وروى ابن المغازلي : أن الذي عنده علم الكتاب هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٧٦)

ومتى وردت رواية معتبرة تحكي تأويلا أو تفسيرا عنهم لآية وجب الأخذ بها امتثالا لأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأحاديث المتواترة بين المسلمين بالرجوع إليهم والانقياد لهم والأخذ عنهم والتعلم منهم.

وأما القسم الثالث فإن ما تم منه سندا نادر جدا ، على أن أهل السنة يشاركون الشيعة في نقل مثل هذه الروايات كما سنرى.

ومن هنا لاحظنا أن أكثر من ٩٠ % من علماء الشيعة ـ الذين عليهم الاعتماد وإليهم الاستناد في أصولهم وفروعهم ـ ينفون النقصان عن القرآن نفيا قاطعا ولم يقل بنقصانه إلا حوالي ال ٥ % منهم ... وهي آراء شخصية لا تمثل رأي الطائفة.

وتلخص أن مذهب عدم تحريف القرآن بمعنى النقيصة في ألفاظه ، وقد اعترف بذلك عبد العزيز الدهلوي (٧٧) ورحمة الله الهندي (٧٨) وغيرهما من أعلام أهل السنة ، وهذا هو الذي ينسب إلى أئمتنا عليهم‌السلام وعلى رأسهم أمير المؤمنين الذي قال : «إنا لم نحكم الرجال وإنما حكمنا القرآن ، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين ، لا ينطق بلسان ولا بدله من ترجمان».

فلننظر ما هو رأي غيره عليه‌السلام من الصحابة ، وما رأي شيعتهم المنعكس في صحاحهم ومسانيدهم وكتبهم المعتبرة ، في الباب الثاني ...

للبحث صلة ...

__________________

(٧٥) حلية الأولياء ١ : ٦٥

(٧٦) المناقب : ٣١٤.

(٧٧) التحفة الاثنا عشرية : ١٣٩.

(٧٨) إظهار الحق ٢ : ٨٩

١١٦

تفسير ابن فارس

(٢)

الدكتور هادي حسن حمودي

سورة الأنفال

* يسألونك عن الأنفال (٨ / ١)

من الأمر المحتاج إلى بيان ، متصل به ، وهو :

* قل الأنفال لله والرسول (٨ / ١) (١).

* وأصلحوا ذات بينكم (٨ / ١)

أي : الحال بينكم ، وأزيلوا المشاجرة ، وتكون (ذات) كناية عن الحال (٢)

* واضربوا منهم كل بنان (٨ / ١٢)

قال أبو إسحاق إبراهيم بن السرى الزجاج (٣) : واحد البنان. بنانة. ومعناه ، هاهنا : الأصابع وغيرها من الأعضاء. وإنما اشتقاق البنان من قولهم : أبن بالمكان : إذا أقام ، فالبنان به يعتمد كل ما يكون للإقامة والحياة (٤)

* وما ورميت إذ رميت ولكن الله رمى (٨ / ١٧)

قال قوم : (لكن) كلمة استدراك تتضمن ثلاثة معان : منها (لا) وهي نفي ،

__________________

(١) صا ٢٤٠

(٢) صا ١٥٣

(٣) عالم بالنحو واللغة ، ومن أهل الفضل والدين درس على المبرد وله مؤلفات كثيرة معروفة تاريخ بغداد ٦ / ٨٩ معجم الأدباء ١ / ٤٧ طبقات النحويين للزبيدي ٨١ وفيات الأعيان ١ / ٤٩

(٤) مق ١ / ١٩٢

١١٧

والكاف ـ بعدها ـ مخاطبة ، والنون بعد الكاف بمنزلة إن الخفيفة أو الثقيلة ، إلا أن الهمزة حذفت منها استثقالا لاجتماع ثلاثة معان في كلمة واحدة (لا) تنفي خبرا متقدما ، و (إن) تثبت خبرا متأخرا ولذلك لا تكاد تجئ إلا بعد نفي جحد ، كما في الآية (٥).

* وما كان صلاتهم إلا مكاء وتصدية (٨ / ٣٥)

التصدية : التصفيق باليدين (٦)

* واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول (٨ / ٤١)

الغنيمة : إفادة شئ لم يملك من قبل ، ثم يختص به ما أخذ من مال المشركين بقهر وغلبة (٧)

* شرد بهم من خلفهم (٨ / ٥٧)

نكل بهم وسمع (٨)

* وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء (٨ / ٥٨).

أي : إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد ، فخفت منهم خيانة ونقضا فأعلمهم أنك قد نقضت ما شرطته لهم وأذنهم بالحرب لتكون أنت وهم في العلم بالنقض على استواء (٩)

* وإن جنحوا للسلم فاجنح لها (٨ / ٦١)

السلم : هو الصلح وقد يؤنث ويذكر (١٠)

* حرض المؤمنين على القتال (٨ / ٦٥)

قال الشافعي : إنه أراد الذكور دون الإناث ، وقال أبو بكر : هذا من غريب ما يغلط فيه مثله. يقول الله جل ثناؤه : يا بني آدم ، افتراه أراد الرجال دون النساء؟ (١١)

__________________

(٥) صا ١٧٠ ـ ١٧١

(٦) مق ٣ / ٣٤١

(٧) مق ٤ / ٣٩٧

(٨) مج ٣ / ٢١٣

(٩) صا ٤١ (وهو من شواهد على أنه لا يقدر أحد من التراجم على نقل القرآن كما ينبغي).

(١٠) مق ٣ / ٩١.

(١١) صا ٦٥.

١١٨

* حرض المؤمنين على القتال (٨ / ٦٥).

قال بعض أهل العلم : أأمرهم به ، وحرضت فلانا على كذا : إذا أمرته به (١٢) ، ولأنهم إذا خالفوه فقد أهلكوا (١٣)

* حتى يثخن في الأرض (٨ / ٦٧)

أثخنته : أثقلته. والقتيل قد أثقل حتى لا حراك به (١٤).

سورة التوبة

* فسيحوا في الأرض أربعة أشهر (٩ / ٢).

من قولهم : ساح في الأرض ، وهو دال على استمرار شئ وذهابه (١٥)

* كيف يكون للمشركين عهد عند الله؟ (٩ / ٧).

كيف ، بمعني النفي (١٦) ومثله قوله ـ عزوجل ـ : (وكيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم؟) (١٧)

* ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله (٩ / ١٧)

إنما أراد : المسجد الحرام. والعرب تصف الواحد بلفظ الجميع (١٨)

* جنات عدن (٩ / ٢٢) (ومواضع أخر ...).

العدن : الإقامة (١٩)

ولو كره الكافرون (٩ / ٣٢).

بمعني وإن كره (٢٠)

__________________

(١٢) مج ٢ / ٤٤.

(١٣) مق ٢ / ٤١.

(١٤) مق ١ / ٣٧٢.

(١٥) مقا ١١٩ ـ ١٢٠.

(١٦) صا ١٥٩.

(١٧) آل عمران : ٨٦.

(١٨) صا ٢١٣.

(١٩) مج ٣ / ٤٥٤.

(٢٠) صا ١٦٣.

١١٩

* إنما النسئ زيادة في الكفر (٩ / ٣٧).

النسئ ، في كتاب الله ـ جل ثناءه ـ : التأخير. وكانوا إذا صدروا عن منى يقول رجل من كنانة : أنا الذي لا يرد لي قضاء ، فيقولون : أنسئنا شهرا ، أي : أخر عنا حرمة المحرم ، واجعلها في صفر وذلك أنهم كانوا يكرهون أن تتوالى عليهم ثلاثة أشهر لا يغيرون فيها ، لأن معاشهم كان من الغارة فيحل لهم الكناني المحرم (٢١)

* لكن بعدت عليهم الشقة (٩ / ٤٢)

الشقة : مسير بعيد إلى نطية ، تقول : هذه شقة شاقة (٢٢).

* لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا (٩ / ٤٤)

التأويل : لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يقعدوا عن الجهاد (٢٣)

* فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم ، إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا (٩ / ٥٥)

المعنى : لا تعجبك أموالهم ولا أولادهم في الحياة الدنيا (٢٤)

* لولوا إليه وهم يجمحون (٩ / ٥٧).

أراد : يسعون (٢٥)

* منهم من يلمزك في الصدقات (٩ / ٥٨).

يلمزك : يعيبك ، واللمز : العيب (٢٦)

* منهم الذين يؤذون النبي ويقولون : هو أذن ... (٩ / ٦١).

يقال للرجل السامع من كل أحد : أذن (٢٧)

* والله ورسوله أحق أن يرضوه (٩ / ٦٢)

__________________

(٢١) مج ٤ / ٣٣٩.

(٢٢) مق ٣ / ١٧١.

(٢٣) صا ٢٣٦.

(٢٤) صا ٢٤٧.

(٢٥) مج ١ / ٤٥٥ – مق ١ / ٤٧٦.

(٢٦) مج ٤ / ٢٤٩.

(٢٧) مج ١ / ٧٦.

١٢٠