تراثنا ـ العدد [ 6 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 6 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣١

والأنضاد : جمع نَضَد : وهو ما يوضَعُ عليه الثياب (٢٢).

سابعاً :

أ ـ الحِجال على السُرُر (٢٣).

يقول ابن فارس : « الأريكة : الحَجَلة على السرير ، لٰا تكونُ إلّا كذلك » (٢٤).

ب ـ السُرُر عليها الحِجال (٢٥).

ج ـ وأغلَبُ الظنّ : أَنّ التوجيه هنا ، لِما بين تعبيري « أ » و « ب » ، من تقديم وتأخير ؛ هو من قبيل ما ذُكِرَ ، في رقم « سادساً » السابق.

ولَعلَّهُ يُرادُ به في « أ » : جَلبُ الإنتباه إلى الحِجال ، لِحِكمةٍ اقتضته مهمّةُ الكاتب.

ولَعلَّهُ يُرادُ به في « ب » : لفتُ النظر إلى السُرُر ، لِغايةٍ في نفس يعقوب ، كما يقولون.

د ـ وأمّا الطُرْفَةَ بين تعبير : « السرر في الحجال » ؛ وتعبير « الحِجال على السُرر » فيما أحسب ...

نعم ، فالأمر فيما يبدو من قبيل : الفرق بين البناء العموديّ ، والبناء الاُفُقِيّ ، من قبيل : الشُقق في عمارة ، والبيوت متجاورة.

بلى ، هو من قبيل : داخلٍ ومدخولٍ فيه ، في خَطٍّ اُفُقِيّ.

وفوق وتحت ، في خطٍّ عموديّ.

____________________________

« الرواق : مُقَدَّمُ البيت. الأنضادُ : جمع نَضَد : وهو ما نُضِدَ من متاع : أي ما جُعِلَ بعضُه فوق بعض. سترها : ستر الحبيبة. فيها : في الخيمة.

وفي المطبوع : ( من سَيْرها منها ) ، وقد أصلحناه كما تَرى ».

يُنظر : التبيان : ٧ / ٤٠ ، وديوان الأعشيين ـ طبع بيانه ـ : ص ٣٤٤ ، وتفسير الطبري : ١٥ / ١٤٨ ، ومجاز القرآن : ١ / ٤٠١.

(٢٢) يُنظر : فقه اللغة وسِرّ العربية ـ طبع البابي الحلبي ـ : ب ٢٣ ف ١٨ ص ٢٥٠ ، والنهاية في غريب الحديث والأثر : ٥ / ٧١ ، ومعجم مفردات ألفاظ القرآن : ص ٥١٧.

(٢٣) التبيان : ٨ / ٤٦٨.

(٢٤) مجمل اللغة : ١ / ١٨١.

(٢٥) مجمع البيان : ٨ / ٤٢٩.

٢١

هـ ـ ثمّ إنّ الشيخ الطوسيّ ـ رحمه الله ـ قال : « الحَجَلة ؛ كالقُبَّة على الأسِرّة » (٢٦).

بينما الشيخ الثعالبي يقول : « ولٰا يُقالُ : أريكة ؛ إلّا إذا كان عليها حَجَلة ؛ وإلّا ، فهي سرير » (٢٧).

كما قال نفسه أيضاً : « فصل في السرير ... ؛ فإذا كان للعروس وعليه حَجَلة ، فهو أريكة » (٢٨).

الحقل الخامس

في : هُويّة الكلمة

ـ ١ ـ

قيل : إنّ لفظ الأرائك من كلام أهل اليمن ؛ حيثُ نُقِلَ عن الحسن البصري قوله : « كُنّا لاندري ما الأرائك ، حتى لَقِينا رجلاً من أهل اليمن ، فأخْبَرَنا : أنّ الأريكة عندهم : الحَجَلة فيها سرير » (٢٩).

ـ ٢ ـ

وذكر السيوطي : أنّ ابن الجوزي حكى في كتابه « فنون الأفنان في علوم القرآن » : انّ الأرائك هي السُرُر بالحبشية.

ونقول : إنّه ليس في الحبشيّة شيء من ذلك (٣٠).

ـ ٣ ـ

وقال يعقوب بكر : ويزعم جَفْري : ص ٥٣ : أنّ لفظ الأرائك من أصلٍ

____________________________

(٢٦) التبيان : ١٠ / ٣٠٢.

(٢٧) فقه اللغة وسِرّ العربية : ب ٣ ق ١ ص ٥٠.

(٢٨) المصدر نفسه : ب ٢٣ ف ١٨ ص ٢٥٠.

(٢٩) الصاحبي ـ طبعه الشُوَيمي بيروت ١٩٦٤ م ـ : ص ٥٨.

(٣٠) يُنظر : الإتقان في علوم القرآن : ١ / ١٣٧.

٢٢

إيراني « مفقود ».

ولكن ؛ « مادّة أرك » ، التي اشتُقّت منها « أريكة » ، « عربيّة ساميّة » (٣١).

ـ ٤ ـ

وأقولُ : هي عربيّةٌ.

وذلك ، لوجود جذرها واشتقاقاتِها ومصاديق خارجية لهيئاتها ومعانيها ، كما أسلَفنا في ذكرِ البعض منها.

علماً ؛ بأنّ قولَنا هذا ، لٰا يتنافى وكونها مستعملة يمانية وحبشية ؛ وحتى فارسية ـ هذا على فرض صِحّة ما استدلّ بهِ عليها ـ.

حيثُ أنّ هجرةَ اللغات وتزاوجها ، هو أمر واقع منذ القدم في التاريخ ، وحتى يومنا الحاضر.

كما أنّ له من واقعنا المعاصر ، أكثرُ مِن مثالٍ ومثالٍ ومثال.

ـ ٥ ـ

هذا ، إذا لم نذهب مع مَن يقول : إنّ اللغة العربية منشأ اللغات الحيّة ، كلّ اللغات.

وأمّا على مقولة مَن يقول : إنّ إسماعيل وإسحاق ، رَجُلَي اللغتين ـ والحديث هنا عنهما ـ العربية والفارسية ؛ هما ولدا الخليل ( عليهم السلام ) وإنّ خليل الله نبيُّ عربيّ ؛ فالمسألة عندئذ بمثل هذا الرجوع التاريخي محلولة.

ـ ٦ ـ

وبالمناسبة ، فإنّ في النفس شيءٌ من مقولة البصريّ ـ إن صَحَّ النقل عنه ـ : « كُنّا لاندري ... ».

____________________________

(٣١) دراسات مقارنة في المعجم العربي : ص ١٩.

٢٣

حيث أنّي أعتقد : أنّ الدرايةَ في لغة القرآن ، ورواية كلّ ما يَمُتُّ لها بصلة ؛ حصلت تامّةً شاملةً ؛ في زمن الرسول نفسه ( صلّی الله عليه واله وسلّم )

نعم ، كونُها غامَت ، أو حصَلَ لها ما يحجبُها ، فتلك مسألةٌ اُخرى.

ولكن ، مِن جهة ثانية ، الأمرُ جدّ بسيطٍ وسهل ، إن هو بُحِث عنه عند الاخذين بحجزةِ مَن لاينطق عن الهوى ، وخاصّة عند أئمّة العصمة ( عليهم السلام ).

وهم جميعاً بلاشكّ موجودون ؛ والبصري ـ وأمثاله ـ لايخفى عليه ذلك ، إن صدق ما نُسِبَ إليه.

الحقل السادس

في : توحيد الاُصول

والبحث فيه بحث عن :

أ ـ مقولة ابن فارس

قال ابن فارس : « الهمزة والراء والكاف : أصلان ؛ عنهما يتفرّع المسائل :

أحدهما : شجر

والآخر : الإقامة » (٣٢).

وقال أيضاً : « ... والأصل الثاني : الإقامة ؛ حدّثني ابن البُستي ، عن ابن مسبِّح ، عن أبي حنيفة ، قال :

جعلَ الكسائيّ : الإبل الأراكية ؛ من الاُروك ، وهو : الإقامة.

قال أبوحنيفة : وليس هذا مأخوذاً من لفظ الأراك ، ولٰا دالّاً على أنّها مقيمةٌ في الأراك خاصّة ؛ بل ، هذا لكلّ شيء ، حتى في مُقام الرجل في بيته ؛ يُقال : منه « أرَكَ يأرَكُ ويأرُكُ اُروكاً ؛ وقال كُثَيِّر في وصف الظُعُن :

وفوق جمالِ الحيِّ بيضٌ كأنّها

على الرَّقم أرْآمُ الأثيل الأواركُ

والدليل على صِحّة ما قاله أبوحنيفة ؛ تسمِيَتُهم السرير في الحَجَلة : أريكة » (٣٣).

____________________________

(٣٢) معجم مقاييس اللغة : م ١ ص ٨٣.

(٣٣) المصدر نفسه : م ١ ص ٨٤.

٢٤

ب ـ مقولة الراغب الأصفهاني

قال الراغب : « وأصلُ الاُروك : الإقامة على رعي الأراك ؛ ثُمَّ تُجُوِّزَ بهِ في غيره من الإقامات » (٣٤).

ج ـ مقولة الدكتور يعقوب بكر

قال الدكتور : وتدلّ مادّة « أَرَك » على معنى الطول ، في كثيرٍ من اللغات الساميّة ، ونلحظ هذا المعنى في هذا الجزء من مادّة « أَرَك » كما أوردها صاحب اللسان : « أرَك الرجلُ بالمكانِ يأرُك ويأرَِكُ اُرُوكاً ، وأرِكَ أرَكاً ؛ كِلاهما : أقامَ بِه.

وأركَ الأمَر في عُنُقِه : ألزمَهُ إيّاه » ؛ فلَعَلّ معنى الطول لوحِظَ في الأريكة بالمعنى المذكور ، فهي مبسوطةٌ ممدودة (٣٥).

كما يُعَقِّب على تعليل الراغب الأصفهاني : « ... أو لكونها مكاناً للإقامة » : يُعَقِّب بقوله : « والإقامة كما قلنا فيها معنى الطول » (٣٦).

د ـ مع الدكتور وطول الإقامة

وأقول : إنّي وإن كنت أتّفق والاُستاذ الدكتور ، من حيث التأصيل إلى المعنى الواحد.

بيد أنّي أعتقد : أنّ المصير إلى « إقامة » ، هو أدلّ معنى وأكثر واقعيةً وأشدّ جاذبيّة وحيويّة.

ناهيك عن ضرورة مراعاة المفهومية ، في الصيرورة إلى معنى الطول ؛ حيث هي تتّسع في أبعادها للطول وغيره ، كما سنرى.

بل ، وهذا البُعد يُفهم كذلك من نفس نصّ الدكتور ؛ حيث يقول : « والإقامة كما قُلنا فيها معنى الطول ».

هـ ـ مقولة المصطفوي

قال الاُستاذ : « والذي يظهر من هذه الكلمات ، ومن موارد استعمال هذه المادّة :

____________________________

(٣٤) معجم مفردات ألفاظ القرآن : ص ١٢.

(٣٥) دراسات مقارنة في المعجم العربي : ص ١٩.

(٣٦) المصدر نفسه.

٢٥

أنّ الأصل الواحد فيها : هو الإقامة والسكون ؛ والأريكة ـ فعيلة ـ : مايُقام ويُهَيّأ ؛ كالفريضة : لما يُفْرَض من الحكم والصدقة ؛ والسكينة : لِما يُسكَن من الوقار والطمأنينة ؛ والحديقة : لِما يُطاف ويُحاط.

ومن هذا المعنى ؛ ما يُقام ويُهيّأ ويُزيَّن للعروس ، حتى تقوم فيها ما كانت عروساً.

فهذا المعنى يشمل مجموعَ ما يُهيّأ بهذا المنظور ؛ من السرير والفرش والكرسيّ والبساط والستر ؛ ويُعَبَّر عنها بالحَجَلة ؛ فتخصيصُ الأريكة بالسرير أو بالبساط أو الفراش أو غيرها ، غير وجيه.

ولا يبعدُ أن يكون الأراك : وهو الشجر الذي يُستاكُ بفروعه وأطيب ما رعته الماشية ، أيضاً مأخوذاً من هذا المعنى.

فاللفظ في الأصل ، كان صِفَة على وزن جَبان.

أو مَصدَراً ؛ ومعناه : المُقيم الساكن ؛ باعتبار كون الشجرة خضراء ناعمة ، كثيرة الورق والأغصان ؛ أو باعتبار إقامة الناس عندها لاتّخاذ المساويك ، والماشية للرعي ؛ فهو بمعنى المفعول » (٣٧).

و ـ كلمة تعقيب

وحيثُ أنّ الصياغة فارسية بعض الشيء ، في نصّ الاُستاذ المصطفوي ؛ فلذا جاء كلامه مُغلقاً إلى حدّ ما ، ...

ذلك أنّ عبارة : « هو الإقامة والسكون » ؛ يبدو من الأفصح أن تكون « الإقامة والسُكنى ».

وعبارة : « حتى تقوم فيها » ؛ تُبدَل إلى : « حتى تقوم فيه ».

وعبارة : « بهذا المنظور » ؛ تُبدَل إلى : « بهذا المنظار ».

وعبارة : « غير وجيه » ؛ تُبدَل إلى : « ترجيح مِن غير مرجِّح ».

وعبارة « وأطيب ما رعته الماشية » ؛ إلى : « وهو أطيب ما رَعَتهُ الماشية ».

*         *        *

____________________________

(٣٧) التحقيق في كلمات القرآن الكريم : م ١ ص ٥٩ ـ ٦٠.

٢٦

الحقل الأخير

في : الرأي المختار

وأستعرضُهُ من خلال ما يأتي :

ـ ١ ـ

ومن البداية ؛ حيثُ المبحوثُ عنه :

أصلان ؛ كما هو الحال عند ابن فارس ؛ والذي هو ـ بحدود اطّلاعي ـ : الرائد لفكرة تأصيل المفردات ، على مستوى مُعجَمي :

وأصل واحد ، كما يُسْتَشَفّ من كلام الدكتور يعقوب بكر ، وإن كان بمعنى الطول فيما يرى.

وأصل واحد ؛ كما هو الحال عند المصطفوي ، والذي هو ـ بحدود اطّلاعي أيضاً ـ أوَّل من يوحِّد بين ذينك الأصلين ، المنقولين عن ابن فارس.

وحقيقة ومجاز ؛ كما يفهم من قول الراغب الأصفهاني ، باعتبار : أنّ الإقامة هي الأصل ، وما عداه تُجُوِّزَ به.

هكذا يبدو.

ـ ٢ ـ

ويبدو لي : أنّ الوسط ؛ وهو الذي يذهب إلى كون الأصل واحداً ؛ هو الأضبط.

كما وأنّه بتعبير آخر : يُرادِف الحقيقة.

ـ ٣ ـ

نعم ، الحقيقة تكمن في البداية ، وهي الأصل.

نعم ، تبدأ من : أرك ﹹِ اُروكاً ... . ، في معنى : الإقامة.

ثمّ صارت إلى المشتقّات ...

ثمّ تجسَّدَت شعاراً في الشجر الأراك ، تحملُ حروفَ الفعلِ ، الشجر ذي

٢٧

المواصفات المعيَّنة : باعتباره عاملاً مساعداً ومشجِّعاً على السكنى والإستقرار ولو وقتيّاً.

وذلك ، نظراً لأهميّته الخاصّة ، في سكن الإنسان ، وانتفاعه منه صحّيّاً ومعيشيّاً ؛ وبالخصوص ، في وسطٍ صحراويّ قاحل ، بساطُه الرمضاء ، وظلالُه الشمس المحرِقة ، ونسيمُه السَموم اللاهبة.

أجل ، تكونُ فيه مثلُ هذه الشجرة المِسواك ، الوارِفةِ الضِلال نسبِيّاً ؛ ما أعزَّهُ وأثمنه مِن مسكَنٍ يُقامُ فيه ، طلباً للراحة ، ومأكلاً للراحلة.

وهل يقوى البدويّ في صحرائه على الإقامة ، في غير الأراك ، وفي أرائك الأراك ؟!

ـ ٤ ـ

وهكذا انتقلت عدوى الإقامة ؛ من فعل الأراك ، إلى شجر الأراك ، إلى كلّ أريكة يستريحُ إليها الإنسان ؛ كلٌّ حسبَ ظروفِه المادّية ، ومقوِّماته الحضاريّة ، وعاداتهِ البلديّة.

فأريكة الفقير غير أريكة متوسّط الحال ، وهي عند متوسّط الحال غيرها عند الثريّ.

ثمّ هي في الصحراء غيرها في الريف ، وفي الريف غيرها في المدينة ؛ بل ، هي المدن ذاتُها تتفاوت في أرائكها.

ناهيك عن دور الذوق ، وبُلَهنِية العيش ، ونفس ساكن الأريك في إقبال الدُنيا عليه ... ، كلٌّ له مدخليّته في التنويع ، والتزويق ، والتجميل.

فأريكة المحبوب غير أريكة السلطان.

وأريكة التقي غير أريكة الشيطان.

وأريكة الجائع غير أريكة الشبعان.

وأريكة الأراك غير أريكة الأرضين « ما بين صنعاء إلى أيلَة وما بين عَدَن إلى الجابية » (٣٨) في تراث الأقدمين.

وأريكة الأرضين غير أريكة جنان الخالدين ؛ فتلك لَئِن كانت مصنوعة ـ ورُبَّما

____________________________

(٣٨) الجامع لأحكام القرآن : م ٥ حـ ١٠ ص ٣٩٨.

٢٨

كان أصلُ سريرِها من الأراك ـ من الخشب والفُرش والثياب ...

فإنّ هذه المعدَّة للمؤمنين المتّقين ، معمولة من الذهب ؛ وهي مكلَّلَة بالدرّ والياقوت .... (٣٩).

ـ ٥ ـ

ليس هذا فقط ؛ مصاديق حِسّية ومعنوية ، على تنويع الأرائك ، بعد استفادة معنى الإقامة منها.

وإنّما الإقامة تُسْتَفادُ من نفس الصيغة ؛ حيث أنّ صيغة فعيل ، هي واحدة من الصفات التي استعملتها العرب ، وأقرّها القرآن الكريم ، وأنّها تعني فيما تعني : الدلالة على ثبوت النسبة.

طبعاً ، الإقامة المستفادة هنا هي : الإقامة المكانية.

ـ ٦ ـ

وهكذا نعود إلى عالم المعاني.

فبلحاظ الوسادة والفرش والسرير ؛ فإطلاق الأريكة عليها ، من باب إطلاق الكلّ على الجزء.

وبلحاظ « السرير في الحَجَلة » فإنّ إطلاق الأريكة عليها ؛ إنّما هو من حيث كون العِلاقة بين « السَرير » و « الحَجَلة » هي علاقة داخلٍ ومدخولٍ فيه.

وبلحاظ « الحجلة على السرير » ، فإنّ إطلاق الأريكة عليها ، إنّما هو من حيث كون العِلاقة بين « الحَجَلة » و « السَرير » ، هي علاقةُ فوقٍ وتحت.

ـ ٧ ـ

ثمّ هي الأريكة ؛ إنْ هي نُظِرَ إليها ، بلحاظ فعل الاُروك ، الذي استُعمِل في إرادة الإقامة حقيقةً.

____________________________

(٣٩) يُنظر : المصدر السابق نفسه ، والتبيان : ١٠ / ٣٠٢.

٢٩

فهي من قبيل المجاز « المحقَّق » ، إن جازَ مثلُ هذا التعبير ؛ بمعنى : أنّها صُيِّرت حقيقةً ، بعدما كانت أساساً مَجازاً ، حيث هي أحدُ مصاديق طيب الإقامة.

وعليه ؛ فالفرق بين أريكة المجاز المحقَّق ، وفعل اُروك الإقامة ؛ إنّما هو من قبيل الفرق بين المفهوم والمصداق ، كما هو متعارف بين الاُصوليّين والمناطقة.

ليس هذا فقط ؛ وإنّما وَصَلَ الحالُ عند مَن يعيش عيشة الأرائك ، أن اُضْربَ عنده عن ذلك المعنى المجازيّ ونُسِي ؛ بل ، تَسَنَّمَ مرتبة الحقيقي ؛ بينما ذلك الفعل الحقيقي ، تسافل مع الأيام عن واقعه الأصلي ، ليعيشَ غريباً في ذِمَّةِ التراث.

ـ ٨ ـ

وأمّا المعنى المجازي ، في أرائك القرآن الكريم ، تلك التي اُعِدَّت للمتّقين ؛ فهو الذي سيُصار به إلى حقيقة الحقيقة.

وهذا هو بيتُ القصيد ؛ حيث يُرَكِّزُ كتابُ الله ، على ذلك الحُلُم ، الذي سيكونُ حقيقة ، فتكون الأرائك حيالها :

أرائك ؛ نِعْم الثواب ...

أرائك ؛ لَمّ شمل الأحِبّة ...

أرائك ؛ نظرة النعيم ...

أرائك ؛ لٰاشمس ولٰا زمهرير ...

أرائك ؛ استعراض التثويب ...

بل ، تلك هي الأرائك المَطْمَح ؛ والتي تتصاغر عندها أرائك الملوك وأرباب الملوك وحَفَدة الملوك ، ومَن تَشَبَّه بهم ...

وتنكسف قبالها : كلُّ الألوان المبهرجة ، والأضواء المزيّفة ، كلّ ما يَمُتّ إلى هذه الحياة ـ أعني غير المشروعة ـ الدنيا بِصِلة.

فتستريح عندها الأوردة المذبوحة ظلماً ، والقلوب المتعَبَة قسراً ، والكرامات المهدورة تجبّراً ، والأعصاب المرهقة عدواً.

وإنّما هي ظِلال ونسائم وأحاديث الحبيب.

وعندها يحلو وصل الحبيب ، حبيب الرحمن.

٣٠

فتحقَّق كلمات السلام.

فكل الوجود يُصَفِّق لأرائك السلام ويقول :

ياسَلام !

للبحث صلة ...

٣١

موقف الشيعة من هجمات الخصوم وخلاصة عن كتاب عبقات الأنوار

السيد عبدالعزيز الطباطبائي

نشأ الصراع الفكري حول خلافة أميرالمؤمنين عليه السلام واستحقاقه لها منذ عهد الصحابة ، ومن نماذج ذلك ما كان يجري من محاورات بين عمر وابن عبّاس (١) ثم تطوّر هذا الصراع الفكري حيث كان الواجهة النظرية للصراع السياسي ، فسرعان ما تطوّر إلى صراع دموي وملاحقة لشيعة علي عليه السلام ومحبيه بالقتل والإبادة ، وذلك منذ عهد معاوية والحكم الاُموي حتى القرن الخامس والعهد السلجوقي.

وإليك نماذج للعهدين :

فممّا في عهد معاوية ما رواه المدائني في كتاب « الأحداث » ، قال : « ثمّ كتب [ معاويةَ ] إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : اُنظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّاً وأهل بيته ، فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاءه ورزقه.

وشفع ذلك بنسخة اُخرى : من اتّهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنَكِّلوا به ، واهدموا داره ... » (٢).

وأمّا في العهد السلجوقي ـ بل ومن قبله نحو قرن ـ كانت المعارك الدموية والمجازر الطائفية تتجدّد في بغداد كل سنة ، خاصّة في شهري محرّم وصفر ، حيث كانت الشيعة تعقد مجالس العزاء للحسين عليه السلام وتقيم له المآتم فتثور ثائرة اشياع

____________________________

(١) راجع : تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٤٩ و ٢٥٩ ، تاريخ الطبري ٤ : ٢٢٧ ، شرح ابن أبي الحديد ١ : ١٨٩ و ١٩٤ و ٢ : ٥٧.

(٢) شرح ابن أبي الحديد ١١ : ٤٥.

٣٢

آل أبي سفيان فتهاجمهم بالقتل والحرق والنهب.

راجع « المنتظم » لابن الجوزي ، و « الكامل » لابن الأثير ، و « عيون التواريخ » لابن شاكر ، و « مرآة الزمان » لسبط ابن الجوزي ، و « تاريخ الإسلام » للذهبي ، و « البداية والنهاية » لابن كثير ، وغيرها من المصادر التاريخية التي تتحدّث عن الحوادث والكوارث حسب السنين سنةً فسنة.

وفي بعض تلك السنين كانت الكارثة تتجاوز الأحياء إلى الإعتداء على الأموات وقبورهم ، ومن الشيعة إلى الأئمّة عليهم السلام أنفسهم.

يقول سبط ابن الجوزي في حوادث سنة ٤٤٣ هـ ـ بعد ما يؤرّخ مادار فيها من المعارك الدامية والفظيعة ـ :

وأتى جماعة إلى مشهد موسى بن جعفر رضي الله عنهما فنهبوه وأخذوا ما فيه ، وأخرجوا جماعة من قبورهم فأحرقوهم مثل العوني الشاعر والناشیء والحدوجي ، وطرحوا النار في ضريح موسى ومحمد ، فاحترق الضريحان والقباب الساج ، وحفروا ضريح موسى ليخرجوه ويدفنوه عند الامام أحمد بن حنبل !! (٣)

وتكرّر إحراق مشهد الإمامين عليهما السلام في عام ٤٤٨ هـ أيضاً ، قال في « مرآة الزمان » : « وفي صفر كُبست دار أبي جعفر الطوسي فقيه الشيعة بالكرخ ، واُخذ ما كان فيها من الكتب وغيرها ، وكرسيّ كان يجلس عليه للكلام ، ومناجيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة المشهدين ، فاُحرق الجميع في سوق الكرخ ...

وفي مستهلّ ربيع الآخر قصد الزهري وابن البدن وجماعة من أهل باب البصرة والحربية ونهر طابق ودرب الشعير والعلايين مشهدَ موسى بن جعفر ومعهم فيه [ كذا ] بقصائد في حريق المشهد وسنّموا قبور المشهد وفعلوا كلّ قبيح ، وانتقل العلويون منه ولم يبق فيه إلّا القليل ، فمن القصائد :

يا موقد النيران في المشهدِ

بورك في كَفَّيْك من موقدِ !

____________________________

(٣) وراجع « الكامل » لابن الأثير ، حوادث ٤٤٣ هـ ، ج ٩ ص ٥٧ ـ ٥٧٧ ، قال : « وجرى من الفظائع ما لم يجرِ مثله في الدنيا ».

٣٣

( إلى آخر القصيدة ) ، ومن اُخرى :

سل دارسات الطلولِ

كم بينها من قتيلِ

( إلى آخرها ) ، قال :

وفي ثامن ربيع الآخر عاد الزهري وابن البدن والجماعة المقدَّم ذكرهم إلى المشهد وسنّموا ضريح موسى بن جعفر والجواد وجميع القبور ، وصعد على ضريح الإمام رجل وقال : يا موسى بن جعفر ، إن كنت تحبّ أبابكر وعمر فرحمك الله ، وإن كنت تبغضهما فـ ...

وصعد آخر يعرف بابن فهد فركض عليه ، فيقال إنّه انتفخت قدماه ... ».

ونعود فنقول : إنّهم قد :

أسفوا على أن لايكونوا شاركوا

في قتله فتتبّعوه رميما

ولسنا نؤرّخ هذا النوع من الصراع اللا إنساني ، وإنّما أشرنا إليه كي نبرهن أنّ اليأس من الغلبة الفكرية تلجیء اليائس البائس إلى ... ؟

نعم ، ظهر في النصف الأول من القرن الثالث كتاب « العثمانية » للجاحظ يهاجم فيه الشيعة ، وينكر الضروريّات ، ويجحد البديهيات ، كمحاولته لجحود شجاعة أميرالمؤمنين عليه السلام ! ممّا وصفه المسعودي بقوله في مروج الذهب ٣ : ٢٣٧ : « طلباً لإماتة الحقّ ومضادّة لأهله ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ».

فسرعان ما انثالت عليه ردود كثيرة ، ونقضه عليه قوم حتى من غير الشيعة وممّن يشاركه في نحلته ، بل نقضه الجاحظ هو بنفسه ، فإنّه كان صحفيّاً يُستخدم لأغراض إعلامية لقاء اُجور معيّنة ، فيكتب اليوم شيئاً ويكتب في غده خلاف ذلك الشيء بعينه.

ولعلّه كان هو اول من نقضه ، فقد ذكر له النديم في « الفهرست » ص ٢١٠ كتاب « الردّ على العثمانية » وهذا غير كتابه الآخر « فضل هاشم على عبد شمس » (٤).

وما إن ظهر هذا الكتاب ـ العثمانية ـ إلّا وانثالت الردود عليه في حياة الجاحظ

____________________________

(٤) اُنظر كتاب « الفهرست » للنديم ص ٢٠٩ ، وأدرجه القيرواني في « زهر الآداب » ١ : ٥٩ ، والأربلي في «كشف الغمّة » ، والقندوزي في « ينابيع المودّة » في الباب ٥٢.

وطبع بالقاهرة سنة ١٩٣٣ ضمن « رسائل الجاحظ » جمع السندوبي من ص ٦٧ ـ ١١٦ ونشر في مجلة

٣٤

من كل حدب وصوب ، ومن كل الطوائف المسلمة ، فمنها ـ سوى ما تقدّم ـ :

٢ ـ « نقض العثمانية » لأبي جعفر الاسكافي البغدادي المعتزلي ، المتوفّى سنة ٢٤٠ هـ ، وقد نشره ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة ، وطبع مستقلاً مع « العثمانية » في مصر.

٣ ـ « نقض العثمانية » لأبي عيسى الوراق محمد بن هارون البغدادي ، المتوفّى سنة ٢٤٧ هـ.

٤ ـ « نقض العثمانية » لثُبيت بن محمد أبي محمد العسكري ، مؤلف « توليدات بني اُميّة في الحديث » [ النجاشي رقم ٢٩٩ ، الذريعة ٢٨٨ : ٢٤ ].

٥ ـ « نقض العثمانية » للحسن بن موسى النوبختي ، ذكره المسعودي في مروج الذهب ٣ : ٢٣٨.

٦ ـ « الردّ على العثمانية » لأبي الأحوص المصري المتكلّم [ الذريعة ١٠ : ٢١١ ].

٧ ـ « نقض العثمانية » للمسعودي ، مؤلف مروج الذهب ، قال فيه ٢ : ٣٣٨ : « وقد نقضت عليه ما ذكرناه من كتبه ككتاب العثمانية وغيره ، ونقضها جماعة من متكلّمي الشيعة ... والمعتزلة تنقض العثمانية.. ».

٨ ـ « نقض العثمانية » للمظفّر بن محمد بن أحمد أبي الجيش البلخي المتكلّم ، المتوفّى سنة ٣٦٧ هـ [ النجاشي : رقم ١١٢٨ ، الذريعة ٢٤ : ٢٨٩ ].

٩ ـ « نقض العثمانية » لأبي الفضل أسد بن علي بن عبدالله الغساني الحلبي ( ٤٨٥ ـ ٥٣٤ هـ ) عمّ والد ابن أبي طيّ الحلبي [ لسان الميزان ١ : ٣٨٣ ].

١٠ ـ « بناء المقالة الفاطمية ( العلوية ) في الردّ على العثمانية » للسيد ابن طاووس وهو جمال الدين أبوالفضائل أحمد بن موسى الحسني الحلّي ، المتوفّى سنة ٦٧٣ هـ.

____________________________

« لغة العرب » البغدادية ٩ : ٤١٤ ـ ٤٢٠ بعنوان « تفضيل بني هاشم على من سواهم »

وطبعه عمر أبوالنصر في مطبعة النجوى ببيروت سنة ١٩٦٩ م ضمن كتابه « آثار الجاحظ » من ص ١٩٣ ـ ٢٤٠.

وراجع مجلة « المورد » البغدادية ، المجلّد السابع العدد الرابع ، وهو عدد خاصّ بالجاحظ ص ٢٨٩.

٣٥

نسخة منه مكتوبة في حياته بخطّ تلميذه ابن دواد ـ صاحب « الرجال » ـ فرغ منها في شوّال سنة ٦٦٥ هـ ، في مكتبة الأوقاف في بغداد ، رقم ٦٧٧٧.

وعنها مصوّرة في المكتبة المركزية بجامعة طهران ، رقم الفلم ٩٧٦ ، كما في فهرس مصوّراتها ١ : ٢٩١.

ونسخة في كليّة الحقوق في جامعة طهران ، كتبت سنة ١٠٩١ هـ ، رقم ٧٠ د ، ذكرت في فهرسها ص ٢٦١.

وعنها مصوّرة أيضاً في المكتبة المركزية لجامعة طهران ، رقم الفلم ١٣٧٥ ، مذكورة في فهرسها ١ : ٢٩١.

ونسخة في مكتبة السيد الحكيم العامة ، في النجف الأشرف ، رقم ٤٦٢ ، كتبت سنة ١٣٤٧ هـ.

وطبعته دار الفكر الأردنية في عمّان سنة ١٤٠٥ هـ ، في جزءين بتحقيق الدكتور إبراهيم السامرائي.

وحقّقه العلّامة السيد علي العدناني وسوف يقدّمه للطبع قريباً إن شاء الله تعالى.

ويستمر الصراع الفكري والحرب الباردة بين الطوائف المتخاصمة والمبادیء المتضاربة وإن تخلّلتها نماذج من الصراع الدموي.

وموقفَ الشيعة كان في هذه القرون الأربعة من كل ذلك موقف الدفاع وصدّ الهجمات ، فظهرت الكتب تهاجم الشيعة ، وألّفت الشيعة كتباً تردّ عليها وتدافع عن مبدئها وكيانها.

وإليك نماذج من ذلك ، ولا نذكر لكلّ قرن إلّا نموذجاً واحداً فإنّه لا مجال هنا لأكثر من ذلك ، وأمّا استيعاب ذلك فيملأ مجلّدات ، وربّما كان ما يخصّ قرننا الذي نعيش فيه يشكل بمفرده مجلّداً ! إذ صدر أخيراً في الباكستان وحدها زهاء مائتي كتاب يهاجم الشيعة ! وإلى الله المشتكى.

ففي القرن السادس

كتب بعض أحناف الريّ من بني المشّاط ـ وجَبُن أن يصرّح باسمه ـ كتاباً

٣٦

سمّاه « بعض فضائح الروافض » هاجم فيه الشيعة وتحامل عليهم ، فردّ عليه معاصره نصيرالدين عبدالجليل القزويني الرازي بكتاب سمّاه « بعض مثالب النواصب » نقض عليه كل ما جاء به وفنّده واشتهر باسم « النقض » وهو مطبوع مرتين بتحقيق المحدّث الاُرموي رحمه الله.

ومنه مخطوطة في مكتبة البرلمان الإيراني السابق ، كتبت في القرن الثامن.

وفي القرن السابع

مُنِيَ الناس بالغزو المغولي فذُهلوا عن كلّ شيء.

وفي القرن الثامن

ظهر ابن تيميّة فتحدّى كل المذاهب وعارضها ، فكفّره أعلام عصره ، وألّف ـ فيما يخصّ الشيعة ـ كتاب « منهاج السُنّة » فدلّل على جهله وانحرافه عن علي عليه السلام ، وبغضه له ، وهو آية النفاق.

فكتب بعض معاصريه كتاباً في الردّ عليه سمّاه « الإنصاف والإنتصاف لأهل الحقّ من الإسراف » تمّ تأليفه سنة ٧٥٧ هـ.

ونسخة عصر المؤلف موجودة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد ، برقم ٥٦٤٣.

ونسخة اُخرى في دار الكتب الوطنية في طهران ( كتابخانه ملّي ) ، رقم ٤٨٥ ع.

واخرى في كلية الحقوق بجامعة طهران ، رقم ١٣٠ ج.

وفي القرن التاسع

ألّف يوسف بن مخزوم الأعور الواسطي كتاباً هاجم فيه الشيعة ، وهو الذي ترجم له السخاوي في الضوء اللامع ١٠ : ٣٣٨ وقال : « يوسف الجمال أبوالمحاسن الواسطي الشافعي ، تلميذ النجم السكاكيني ...

رأينا له مؤلَّفاً سمّاه : الرسالة المعارضة في الردّ علی الرافضة ».

٣٧

فردّ عليه الشيخ نجم الدين خضر بن محمد الحبلرودي (٥) في سنة ٨٣٩ هـ في الحلّة فألّف كتاباً سمّاه « التوضيح الأنور بالحجج الواردة لدفع شبه الأعور » (٦).

وكتب بعد ذلك بسنة ـ سنة ٨٤٠ هـ ـ في الحلّة أيضاً الشيخ عزّالدين الحسن بن شمس الدين محمد بن علي المهلّبي الحلّي كتاباً في الردّ على الأعور بأمر الشيخ جمال الدين ابن فهد ، وسمّاه « الأنوار البدرية في كشف شبه القدرية » (٧).

وفي القرن العاشر

ألّف ابن حجر الهيتمي ـ المتوفّى سنة ٩٧٣ هـ ـ كتابه « الصواعق المحرقة » ألّفه سنة ٩٥٠ هـ في مكّة المكرّمة وقد أثارته كثرة الشيعة والرافضة بها كما ذكر في خطبة الكتاب.

فردّ عليه في الديار الهندية القاضي نورالله التستري ، الشهيد سنة ١٠١٩ هـ بكتاب سمّاه « الصوارم المهرقة » وقد طبع في إيران سنة ١٣٦٧ هـ واُعيد طبعه بالاُفست فيها أيضاً مؤخّراً.

وردّ عليه بالديار اليمنية أحمد بن محمد بن لقمان ، المتوفّى سنة ١٠٢٩ هـ بكتاب سمّاه « البحار المغرقة » ذكره الشوكاني في البدر الطالع ١ : ١١٨.

وفي القرن الحادي عشر

طمع السلطان مراد الرابع العثماني ( ١٠٣٢ ـ ١٠٤٩ هـ ) في العراق ـ وكان تحت سلطة الدولة الصفوية ـ فعزم على حرب إيران وهو يعلم أنّه لاقِبلَ له بالحكم الصفوي ، فلجأ إلى إثارة الطائفية من جديد ، واستنجد بعلماء السوء علماء البلاط ، ليفتوه بجواز إثارة الحرب الداخلية بين المسلمين ، وإباحة سفك الدماء المحرّمة وقتل النفوس

____________________________

(٥) حبلرود : من قرى الريّ ، في شرقيّها ، في طريق مازندران (طبرستان).

(٦) منه نسخة كتبت سنة ١٠٠١ هـ ، في مكتبة أميرالمؤمنين عليه السلام العامة في النجف الأشرف.

ونسخة في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد ، رقم ٣٩٨.

(٧) منه نسخة في مكتبة آية الله الحكيم العامة في النجف الأشرف ، رقم ١٩٧.

٣٨

المحترمة ، فلم يجرأ أحد منهم على ذلك إلّا شابّ (٨) يدعى نوح أفندي ، من أذناب المنافقين ، ومن دعاة التفرقة ، حريص على الدنيا ، فأفتى حسب ما يهواه السلطان وباع دينه بدنيا غيره ، فأصدر فتوى بتكفير الشيعة تحت عنوان : من قتل رافضيّاً واحداً وجبت له الجنّة !! سبّبت قتل عشرات الاُلوف ، فدارت رحى الحرب الداخلية تطحن المسلمين من الجانبين طيلة سبعة أشهر ، إبتداءً من ١٧ رجب سنة ١٠٤٨ ـ ٢٣ محرّم سنة ١٠٤٩ = ١٥ / ١١ / ١٦٣٨ ـ ١٧ / ٥ / ١٦٣٩ حيث عقدت معاهدة الصلح في مدينة قصر شيرين وأدّت إلى انتهاء الحرب.

ولكن ما إن خمدت نيران الحرب إلّا وأشعلوا نيران الفتن لإبادة الشيعة داخل الرقعة العثمانية استناداً إلى هذه الفتوى ، فأخذ السيف منهم كلّ مأخذ ، وأفضعها مجزرة حلب القمعية ، فكانت حلب أشدّ البلاد بلاءً وأعظمها عناءً لأنّها شيعية منذ عهد

____________________________

(٨) توفّي نوح أفندي الحنفي في عام ١٠٧٠ هـ ، ولم يؤرّخوا ولادته ، فلو قُدِّر أنّه عاش سبعين سنة فعند الفتوى ـ في سنة ١٠٤٨ هـ ـ يكون ابن ٤٨ سنة ، ولو كان عُمِّرَ ثمانين سنة يكون عندها ابن ٥٨ سنة ، ولاشك أنّه كان يتواجد عند ذاك من شيوخ الإسلام ومشيخة الدولة العثمانية عشرات العلماء ممّن هو مقدَّم على نوح في سنّه وعلمه وفقهه وشعبيّته ، ولكنّهم صمدوا أمام ضغط البلاط ولم يجرأ أحد منهم على إصدار كلمة واحدة توجب الشقاق والتفريق بين المسلمين وتُتّخذ ذريعة لسفك الدماء ، وسبي النساء ، وذبح الأبرياء وهتك الأعراض ، ونهب الأموال ، وقد قال صلّی الله عليه وآله وسلّم : « من أعان على دم امریءٍ مسلم ، ولو بشطر كلمة ، كُتِب بين عينيه يوم القيامة : آيس من رحمة الله » [كنز العمّال ١٥ : ٣١ بألفاظ مختلفة ومصادر شتّى ، عن أبي هريرة وابن عمر وابن عبّاس ].

وفي رواية : « لو أنّ أهل السماوات وأهل الأرض اجتمعوا على قتل مسلم لَكَبَّهم الله جميعاً على وجوههم في النار ، لو أنّ أهل السماء والأرض اجتمعوا على قتل رجل مسلم لعذّبهم الله بلاعدد ولاحساب » [ كنز العمّال ١٥ : ٣٣ ].

وهذا أمر متسالم عليه بين الفريقين ، مرويٌ بالطريقين ، فقد روى الكليني في الكافي ٢ : ٢٧٤ / ٣ ، والصدوق في كتاب من لايحضره الفقيه ٤ : ٦٨ / ٢٠١ ، وفي عقاب الأعمال : ٣٢٦ ، والبرقي في كتاب المحاسن ، ١٠٣ / ٨٠ ـ وفيه عن أبي جعفر عليه السلام ـ ، والشيخ الطوسي في أماليه ١ : ٢٠١ ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، « من أعان على [ قتل ] مؤمن بشطر كلمة لقي الله عزّوجلّ يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمتي ».

وروى الكليني في الكافي ٧ : ٢٧٢ / ٨ ، والصدوق في كتاب من لايحضره الفقيه ٤ : ٧٠ / ٢١٤ ، وفي عقاب الأعمال : ٣٢٨ ، عن النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم : « والذي بعثني بالحقّ لو أنّ أهل السماء والأرض شركوا في دم امریءٍ مسلم [ أ ] ورضوا به لأكَبَّهم الله على مناخرهم في النار ».

وما رواه الفريقان في هذا المعنى كثير ، راجع « وسائل الشيعة » ٨ : ٦١٧ ـ ٦١٨ و ١٩ : ٨ ـ ٩ ، و « مستدرك الوسائل » ٣ : ٢٥٠ ـ ٢٥١.

٣٩

الحمدانيّين ، فجرّدوا فيهم السيف قتلاً ونهباً وسبياً وسلباً ، فلم يبق منهم إلّا من لجأ إلى القرى والضواحي.

والفتوى ـ بنصّها العربي ـ مدرجة في كتاب « العقود الدُريّة في تنقيح الفتاوى الحامدية » ص ١٠٢ من الجزء الأول (٩) ، جاء فيها :

« ومن توقّف في كفرهم وإلحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم ، فهو كافر مثلهم ! ... » إلى أن يقول في ص ١٠٣ : « فيجب قتل هؤلاء الأشرار الكفّار ، تابوا أولم يتوبوا ... ولا يجوز تركهم عليه بإعطاء الجزية ، ولا بأمان مؤقّت ولا بأمان مؤبّد ... ويجوز استرقاق نسائهم ، لأنّ استرقاق المرتدّة بعدما لحقت بدار الحرب جائز ، وكلّ موضع خرج عن ولاية الإمام الحقّ ! فهو بمنزلة دار الحرب ، ويجوز استرقاق ذراريهم تبعاً لاُمّهاتهم ».

أقول : « كُبُرَتْ كلمةً تخرجُ من أفواههم إنْ يقولون إلّا كَذِباً تكادُ السمواتُ يتفطّرْنَ منه وتنشقُّ الأرضُ وَتخِرُّ الجِبالُ هَدّاً » فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .. الله يعلم كم سَفَكتْ هذه الفتوى من دم حرام ، وقَتلتْ من نفوس محترمة ، فقد راح ضحيّتها في مجزرة حلب القمعيّة وحدها أربعون ألفاً من الشيعة ، وفيهم الاُلوف من الشرفاء من ذرّيّة رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم.

فأرسل السيد شرف الدين علي بن حجّة الله الشولستاني ـ من علماء النجف الأشرف آنذاك ـ هذه الفتوى إلى إيران للسعي في وضع حدّ لهذه المجازر.

فتصدّى له الشيخ عزّالدين علي نقي الطغائي الكَمَري ، قاضي شيراز ، وشيخ الإسلام بأصفهان ، المتوفّى سنة ١٠٦٠ هـ ، فألّف في الردّ عليه وفي تفنيد مزاعمه وإبطال مفترياته كتاباً حافلاً سمّاه « الجامع الصفوي » (١٠).

____________________________

(٩) ونسخة الأصل من نصّ الفتوى الصادرة بالتركية لازالت محفوظة في خزائن البلاط العثماني ، ونشرت في الفترة الأخيرة في الجزء الثاني من كتاب « لامذهب لرى » وقد طبع في إسلامبول باللغة التركية ، وطبعت فيه الفتوى عن النسخة الأصلية المحفوظة في مركز الوثائق في مكتبة طوپ قپوسراي ، وهي مكتبة البلاط.

(١٠) من « الجامع الصفوي » نسختان في مكتبة الإمام الرضا عليه السلام ، في مشهد ، برقم ١٢٧ ورقم ٩٧٧٣ ، ذكرتا في فهرسها ١١ : ١١٧.

وفي مكتبة السيد المرعشي العامة ، في قم ، ثلاث نسخ بالأرقام ٢٩٠ و ٣٦٥٤ و ٤٠٤٦ ، مذكورة في فهرسها ١ : ٣٣٥ و ١٠ : ٤٩ و ١١ : ٤٦.

٤٠