تراثنا ـ العدد [ 6 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 6 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣١

ويقول السيد شرف الدين : « المسألة الرابعة : نسب إلى الشيعة القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات ...

فأقول : نعوذ بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكل من نسب هذا الرأي إلينا جاهل بمذهبنا أو مفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم والذكر الحكيم متواتر من طرقنا بجميع آياته وكلماته وسائر حروفه وحركاته وسكناته تواتراً قطعياً عن أئمّة الهدى من أهل البيت عليهم السلام لا يرتاب في ذلك إلّا معتوه ، وأئمّة أهل البيت كلّهم أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلّی الله عليه وآله عن الله تعالى ، وهذا أيضاً ممّا لا ريب فيه.

وظواهر القرآن الحكيم فضلاً عن نصوصه أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحقّ بحكم الضرورة الأوليّة من مذهب الإماميّة ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة الطاهرة ، ولذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا يأبهون بها ، عملاً بأوامر أئمّتهم عليهم السلام.

وكان القرآن مجموعاً أيام النبي صلّی الله عليه وآله على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه ، بلا زيادة ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا تبديل ولا تغيير.

وصلاة الإمامية بمجرّدها دليل على ذلك ، لأنّهم يوجبون بعد فاتحة الكتاب ـ في كلّ من الركعة الاُولى والركعة الثانية من الفرائض الخمس ـ سورة واحدة تامّة غير الفاتحة من سائر السور ، ولايجوز عندهم التبعيض فيها ولا القِران بين سورتين على الأحوط ، وفقههم صريح بذلك ، فلولا أنّ سور القرآن بأجمعها كانت زمن النبي صلّی الله عليه وآله على ما هي الآن عليه في الكيفية والكميّة ما تسنّى لهم هذا القول ، ولا أمكن أن يقوم لهم عليه دليل.

أجل ، إنّ القرآن عندنا كان مجموعاً على عهد الوحي والنبوّة ، مؤلَّفاً على ما هو عليه الآن ، وقد عرضه الصحابة على النبي صلّی الله عليه وآله وتلوه عليه من أوله إلى آخره ، وكان جبرائيل عليه السلام يعارضه صلّی الله عليه وآله بالقرآن في كل عام مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته مرّتين ، وهذا كلّه من الاُمور الضرورية لدى المحقّقين من علماء الإمامية ، ولا عبرة ببعض الجاحدين منهم ، كما لا عبرة بالحشويّة من أهل السُنّة

١٤١

القائلين بتحريف القرآن والعياذ بالله فإنّهم لايفقهون.

نعم ، لاتخلو كتب الشيعة وكتب السُنّة من أحاديث ظاهرة بنقص القرآن غير أنّها ممّا لا وزن لها عند الأعلام من علمائنا أجمع ، لضعف سندها ، ومعارضتها بما هو أقوى منها سنداً ، وأكثر عدداً ، وأوضح دلالة ، على أنّها من أخبار الآحاد ، وخبر الواحد إنّما يكون حجّة إذا اقتضى عملاً ، وهذه لاتقتضي ذلك ، فلا يرجع بها عن المعلوم المقطوع به ، فليضرب بظواهرها عرض الحائط » (٣٥).

وسئل السيد محمد هادي الميلاني عن رأيه في المسألة فأجاب بما معرّبه :

« بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدلله وسلام على عباده الّذين اصطفى ، إنّ الذي نقطع به هو عدم وقوع أيّ تحريف في القرآن الكريم ، لا زيادةً ولا نقصاناً ولا تغييراً في ألفاظه ، ولو جاء في بعض الأحاديث ما يفيد التحريف فإنّما المقصود من ذلك ما وقع من تغيير معاني القرآن حسب الآراء السقيمة والتأويلات الباطلة ، لا تغيير ألفاظه وعباراته.

وأمّا الروايات الدالّة على سقوط آيات أو سور من هذه المعجزة الخالدة فمجهولة أو ضعيفة للغاية ، بل إنّ تلك الآيات والسور المزعومة ـ كالسورتين اللتين رواهما في « الإتقان » أو تلك السورة التي رويت في « بستان المذاهب » ، وكذا ماجاء في غيرهما من الكتب ـ هي وحدها تكشف عن حقيقتها ، إذ لا يشكّ الخبير بعد عرضها على اُسلوب القرآن البلاغي في كونها مختلقة باطلة.

هذا على أنّ أحداً لم يقل بالزيادة ، والقول بنقصانه ـ كما توهّمه بعضهم ـ لايمكن الركون إليه ، لاسيّما بعد الإلتفات إلى قوله تعالى « إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ » وقوله تعالى « وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » وقوله تعالى « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ » إلى غيرها من الآيات.

وبهذا الذي ذكرنا صرّح كبار علماء الإمامية منذ الطبقات الاُولى كالشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي ، وهم جميعاً يعتقدون بما صرّح به رئيس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب « الإعتقادات » الذي ألّفه قبل أكثر

____________________________

(٣٥) أجوبة مسائل جار الله : ٢٨ ـ ٣٧ ، وانظر له : الفصول المهمة.

١٤٢

من ألف سنة حيث قال : « إعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمد صلّی الله عليه وآله هو ما بين الدّفتين ، وهو ما في أيدي الناس ، ليس بأكثر من ذلك » إلى أن قال « ومن نسب إلينا أنّا نقول أنّه أكثر من ذلك فهو كاذب ».

والحاصل : إنّ من تأمّل في الأدلّة وراجع تأريخ اهتمام المسلمين في حياة الرسول صلّی الله عليه وآله وبعده بضبط القرآن وحفظه ودراسته يقطع أنّ سقوط الكلمة الواحدة منه محال.

ولو أنّ أحداً وجد حديثاً يفيد بظاهره التحريف وظنّ صحّته فقد أخطأ ، وانّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً » (٣٦).

والسيد أبوالقاسم الخوئي ـ أدام الله ظلّه ـ بعد أن ذكر أسماء بعض النافين للتحريف من أعلام الإمامية قال : « والحقّ بعد هذا كلّه ، إنّ التحريف بالمعنى الذي وقع النزاع فيه غير واقع في القرآن أصلاً بالأدلّة التالية ... » (٣٧) ثمّ بيّن أدلّة النفي من الكتاب والسُنّة وغيرهما.

وللسيد محمد حسين الطباطبائي بحث في « أنّ القرآن مصون عن التحريف » في فصول ، أورده في تفسيره القيّم ، في ذيل تفسير قوله تعالى : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ». (٣٨).

____________________________

(٣٦) طبعت هذه الفتوى في مقدمة مصحف طبعه بعض الإمامية في الباكستان.

(٣٧) البيان في تفسير القرآن : ٢٠٧.

(٣٨) الميزان في تفسير القرآن ج ١٢

١٤٣

الفصل الثاني أدلة الشيعة على نفي التحريف

ذكرنا في الفصل الأول كلمات لأعلام الإمامية في نفي التحريف عن القرآن الكريم ، وقد جاء في بعض تلك الكلمات ـ التي ذكرناها على سبيل التمثيل لا الإستقراء والحصر ـ الإستدلال بوجوه عديدة على ما ذهبوا إليه.

والواقع انّ الأدلة الدالّة على عدم وجود النقص في القرآن الكريم هي من القوّة والمتانة ، بحيث يسقط معها ما دلّ على التحريف بظاهرها عن الإعتبار لو كان معتبراً ومهما بلغ في الكثرة ، ويبطل القول بذلك حتى لو ذهب إليه أكثر العلماء.

وقد عقدنا هذا الفصل لإيراد تلك الأدلة بإيجاز.

(١) آيات من القرآن الكريم

والقرآن الكريم فيه تبيان لكل شيء ، وما كان كذلك كان تبياناً لنفسه أيضاً ، فلنرجع إليه لنرى هل فيه دلالة على نقصانه أو بالعكس.

أجل إنّ في القرآن الحكيم آيات تدل بوضوح على صيانته من كلّ تحريف ، وحفظه من كل تلاعب ، فهو ينفي كل اشكال التصرّف فيه ، ويعلن أنّه لايصيبه ما يشينه ويحط من كرامته حتى الأبد.

وتلك الآيات هي :

١ ـ قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (٣٩).

واذا كان القرآن العظيم لا يأتيه « الباطل » من بين يديه ولا من خلفه فإنّ من

____________________________

(٣٩) سورة حم السجدة ( فصلت ) ٤١ : ٤٠ ـ ٤١.

١٤٤

أظهر مصاديق « الباطل » هو « وقوع النقصان فيه ».

فهو إذاً مصون من قبل الله تعالى عن ذلك منذ نزوله إلى يوم القيامة.

٢ ـ قوله تعالى : « إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (٤٠).

والمراد من « الذِّكْرَ » في هذه الآية الكريمة على الأصح هو « القرآن العظيم » فالله سبحانه أنزله على نبيّه الكريم ، وتعهّد بحفظه منذ نزوله الى الأبد من كل ما يتنافى وكونه منهاجاً خالداً في الحياة ودستوراً عاماً للبشرية جمعاء.

ومن الواضح انّ من أهم ما يتنافى وشأن القرآن العظيم وقدسيته الفذة وقوع التحريف فيه وضياع شيء منه على الناس ، ونقصانه عما أنزله عزوجل على نبيّه صلّی الله عليه وآله وسلّم.

٣ ـ قوله تعالى : « لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ » (٤١).

فعن ابن عباس وغيره في قوله تعالى : « إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ » انّ المعنى : إنّ علينا جمعه ، وقرآنه عليك حتى تحفظه ويمكنك تلاوته ، فلاتخف فوت شيء منه (٤٢).

*         *        *        *        *

(٢) الأحاديث عن النبي والأئمّة عليهم السلام

والمصدر الثاني من مصادر الأحكام والعقائد الإسلاميّة هو السنّة النبوية الشريفة الواصلة إلينا بالطرق والأسانيد الصحيحة.

ولذا كان على المسلمين أن يبحثوا في السنّة عما لم يكن في الكتاب ، وأن يأخذوا منها تفسير ما أبهمه وبيان ما أجمله ، فيسيروا على منهاجها ، ويعملوا على وفقها ، عملاً بقوله سبحانه « مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا » (٤٣) وقوله تعالى

____________________________

(٤٠) سورة الحجر ١٥ : ٩.

(٤١) سورة القيامة ٧٥ : ١٦ ـ ١٩.

(٤٢) مجمع البيان للطبرسي ٥ : ٣٩٧.

(٤٣) سورة الحشر ٥٩ : ٧.

١٤٥

« وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ » (٤٤).

وعلی هذا فإنّا لما راجعنا السنّة وجدنا الأحاديث المتكثرة الدالّة بأقسامها العديدة على إنّ القرآن الكريم الموجود بين أيدينا هو ما اُنزل على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من غير زيادة ونقصان ، وانه كان محفوظاً مجموعاً على عهده ، صلّى الله عليه وآله وسلّم وبقي كذلك حتى الآن ، وانّه سيبقى على ما هو عليه إلى الأبد.

وهذه الأحاديث على أقسام وهي :

القسم الأول أحاديث العرض على الكتاب

لقد جاءت الأحاديث الصحيحة تنصّ على وجوب عرض الخبرين المتعارضين بل مطلق الأحاديث على القرآن الكريم ، فما وافق القرآن اُخذ به وما خالفه اُعرض عنه ، فلولا أنّ سور القرآن وآياته مصونة من التحريف ومحفوظة من النقصان ما كانت هذه القاعدة التي قررها الأئمّة من أهل البيت الطاهرين آخذين إياها من جدهم رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم ولا امكن الركون إليها والوثوق بها.

ومن تلك الأحاديث المذكورة :

قول الإمام الرضا عليه السلام : « ... فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله ، فما كان في كتاب الله موجوداً حلالاً أو حراماً فاتبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن النبي صلّى الله عليه وآله ... » (٤٥).

وقول الإمام الصادق عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام : « إنّ على كلّ حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه » (٤٦).

وقول الإمام الهادي عليه السلام : « ... فاذا وردت حقائق الأخبار والتمست

____________________________

(٤٤) سورة النجم ٥٣ : ٣ ـ ٤.

(٤٥) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢ : ٢٠.

(٤٦) الأمالي للشيخ الصدوق : ٣٦٧.

١٤٦

شواهدها من التنزيل ، فوجد لها موافقاً وعليها دليلاً ، كان الإقتداء بها فرضا لا يتعداه إلّا أهل العناد ... » (٤٧).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فذروه ... » (٤٨).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « ... ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة ، وخالف العامّة فيؤخذ به ، ويترك ما خالف الكتاب والسنّة ووافق العامة ... » (٤٩).

فهذه الأحاديث ونحوها تدل على إنّ القرآن الموجود الآن هو نفس ما أنزله الله عزوجل على النبي ، صلّی الله عليه وآله وسلّم. من غير زيادة ولانقصان ، لانّه لو لم يكن كذلك لم يمكن أن يكون القرآن مرجعاً للمسلمين يعرضون عليه الاحاديث التي تصل إليهم عن النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم فيُعرف بذلك الصحيح ويؤخذ به ، والسقيم فيُعرض عنه ويُترك.

القسم الثاني حديث الثقلين

ولم تَمرّ على النبي الكريم والقائد العظيم محمد صلّی الله عليه وآله وسلّم فرصة إلّا وانتهزها للوصيّة بالكتاب والعترة الطاهرة والأمر باتباعهما والإنقياد لهما والتمسك بها.

لذا تواتر عنه صلّی الله عليه وآله وسلّم حديث الثقلين الذي رواه جمهور علماء المسلمين بأسانيد متكثرة متواترة ، وألفاظ مختلفة متنوعة عن أكثر من ثلاثين صحابي وصحابية ، وأحد ألفاظه :

« اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتّم بهما لن

____________________________

(٤٧) تحف العقول للحراني : ٣٤٣.

(٤٨) الرسائل للشيخ الأنصاري : ٤٤٦.

(٤٩) الرسائل للشيخ الأنصاري : ٤٤٥.

١٤٧

تضلوا بعدي أبدا ... » (٥٠).

وهذا يقتضي أن يكون القرآن الكريم مدوّناً في عهده صلّی الله عليه وآله وسلّم بجميع آياته وسوره حتى يصح إطلاق إسم الكتاب عليه ، ولذلك تكرر ذكر الكتاب في غير واحد من سوره الشريفة.

كما انّه يقتضي بقاء القرآن كما كان عليه على عهده صلّی الله عليه وآله وسلّم إلى يوم القيامة ، لتتمّ به ـ وبالعترة ـ الهداية الأبدية للاُمة الإسلامية والبشرية جمعاء ، ما داموا متمسكين بهما ، كما ينصّ عليه الحديث الشريف بألفاظه وطرقه ، وإلّا للزم القول بعدم علمه صلّی الله عليه وآله وسلّم بما سيكون في اُمته ، أو إخلاله بالنصح التام لاُمته ، وهذا لايقول به أحد من المسلمين.

القسم الثالث الأحاديث الواردة في ثواب قراءة السور في الصلوات وغيرها

وقد وردت طائفة من الأحاديث في فضيلة قراءة سور القرآن الكريم في الصلوات وغيرها ، وثواب ختم القرآن وتلاوته في شهر رمضان وغير ذلك.

ولو كان تطرق النقصان في ألفاظ القرآن لم يبق مجال للإعتماد على شيء من تلك الأحاديث والعمل بها من أجل الحصول على ما تفيده من الأجر والثواب ، لاحتمال أن تكون كلّ سورة أو كلّ آية محرفة عما كانت نازلة عليه.

ومن تلك الأحاديث :

____________________________

(٥٠) حديث الثقلين من جملة الاحاديث التي لايشك مسلم في صدورها من النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم. فقد رواه عنه أكثر من ثلاثين من الصحابة واورده من علماء أهل السنّة ما يقارب الـ ٥٠٠ شخصية من مختلف طبقاتهم منذ زمن التابعين حتى عصرنا الحاضر من مؤرخين ومفسرين ومحدّثين غيرهم.

وهذا الحديث يدل بوضوح على عصمة الأئمة من العترة ووجوب اطاعتهم وامتثال أوامرهم والاهتداء بهديهم فی الاُمور الدينية والدنيوية ، والأخذ بأقوالهم في الأحكام الشرعية وغيرها.

كما يدل على بقائهم وعدم خلو الأرض منهم إلى يوم القيامة كما هو الحال بالنسبة إلى القرآن.

وقد بحثنا هذا الحديث مسنداً ودلالة في ثلاثة أجزاء من كتابنا « خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار » الذي طبع منه حتى الآن تسعة أجزاء.

١٤٨

قول الإمام الباقر عن أبيه عن جده عن رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم :

« من قرأ عشر آيات في ليلة لم يُكتب من الغافلين ، ومن قرأ خمسين آية كُتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كُتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية كُتب من الخاشعين ، ومن قرأ ثلاثمائة آية كُتب من الفائزين ، ومن قرأ خمسمائة آية كُتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كُتب له قنطار ... » (٥١).

وقول الإمام الباقر عليه السلام : « من أوْتَر بالمعوذتين ، وقل هو الله أحد قيل له : يا عبدالله أبشر فقد قبل الله وتِرْك » (٥٢).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « ... وعليكم بتلاوة القرآن ، فان درجات الجنّة على عدد آيات القرآن ، فاذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن إقرأ وارق ، فكلما قرأ آية رقى درجة ... » (٥٣).

وقول الإمام الصادق عليه السلام : « الواجب على كل مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ ليلة الجمعة بالجمعة وسبح إسم ربك الأعلى ... فاذا فعل ذلك فانما يعمل بعمل رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وكان جزاؤه وثوابه على الله الجنة » (٥٤).

وقول الإمام الباقر عليه السلام : « من ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة واقل من ذلك واكثر ، وختمه يوم الجمعة ، كتب الله له من الأجر والحسنات من أول جمعة كانت إلى آخر جمعة تكون فيها ، وان ختمه في سائر الايام فكذلك » (٥٥).

إلى غير ذلك من الأحاديث وما أكثرها ، وقد ذكر الفقهاء ـ رضي الله تعالى عنهم ـ تفصيل ما يستحب أن يُقرأ في الصلوات الخمس من سور القرآن (٥٦).

كما روى الشيخ الصدوق ـ رحمه الله تعالى ـ ثواب قراءة كلّ سورة من القرآن بحسب الأحاديث الواردة عن الأئمّة عليهم السلام (٥٧).

____________________________

(٥١) الأمالي للشيخ الصدوق : ٥٩ ـ ٦٠ ، الكافي ٢ : ٤٤٨.

(٥٢) الأمالي للشيخ الصدوق : ٦٠ ، ثواب الاعمال للشيخ الصدوق ١٥٧.

(٥٣) الأمالي ٣٥٩.

(٥٤) ثواب الأعمال : ١٤٦.

(٥٥) ثواب الأعمال : ١٢٥.

(٥٦) راجع جواهر الكلام ٩ : ٤٠٠ ـ ٤١٦.

(٥٧) ثواب الاعمال : ١٣٠ ـ ١٥٨.

١٤٩

وبهذا القسم من الأحاديث استدل الشيخ الصدوق على ما ذهب إليه من عدم تحريف القرآن (٥٨).

القسم الرابع الأحاديث الآمرة بالرجوع إلى القرآن الكريم واستنطاقه

وهي كثيرة جداً ، نكتفي هنا منها بما جاء في كتب وخطب أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام.

قال عليه السلام في خطبة له ينبّه فيها على فضل الرسول والقرآن :

« أرسله على حين فترة من الرّسل ، وطول هجعة من الاُمم وانتقاض من المبرم فجاءهم بتصديق الذي بين يديه ، والنور المقتدى به ، ذلك القرآن.

فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن اخبركم عنه ، الّا إنّ فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم » (٥٩).

وقال عليه السلام :

« واعلموا ان هذا القرآن هو الناصح الذي لايغش ، والهادي الذي لايضلّ ، والمحدّث الذي لايكذب ، وما جالس هذا القرآن أحد إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان : زيادة في هدى أو نقصان في عمى ، واعلموا انّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ، ولا لاحد قبل القرآن من غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال ، فاسألوا الله به وتوجهوا إليه بحبه ، ولا تسألوا به خلقه ، إنّه ما توجه العباد إلى الله بمثله.

واعلموا إنّه مشفّع مشفّع ، وقائل مصدّق ، وإنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه ، ومن محَلَ به القرآن يوم القيامة صدق عليه ، فإنّه ينادي مناد يوم القيامة : إلّا إنّ كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله ، غير حرثة القرآن ، فكونوا من حرثته واتباعه ، واستدلّوه على ربكم ، واستنصحوه على أنفسكم ، واتهموا عليه أرائكم ،

____________________________

(٥٨) الإعتقادات للشيخ الصدوق : ٩٣.

(٥٩) نهج البلاغة : ٢٢٣ / ١٥٨.

١٥٠

واستغشوا فيه أهواءكم » (٦٠).

وقال عليه السلام في كتاب له إلى الحارث الهمداني ـ رضي الله عنه ـ :

« وتمسّك بحبل القرآن واستنصحه ، واحلّ حلاله ، وحرّم حرامه ... » (٦١).

وقال عليه السلام « ثم أنزل عليه الكتاب نوراً لاتطفأ مصابيحه ، وسراجاً لايخبو توقّده وبحراً لايدرك قعره ، ومنهاجاً لايضل نهجه ، وشعاعاً لايظلم ضوؤه ، وفرقاناً لايخمد برهانه ، وحقاً لاتخذل أعوانه فهو معدن الإيمان وبحبوحته ، وينابيع العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي الإسلام وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر لاينزفه المستنزفون ، وعيون لاينضبها الماتحون ، ومناهل لايغيضها الواردون ، ومنازل لايضل نهجها القاصدون ، جعله الله ريا لعطش العلماء ، وربيعاً لقلوب الفقهاء ومحاج لطرق الصلحاء ، ودواء ليس بعده داء ، ونوراً ليس معه ظلمة وحبلاً وثيقاً عروته ، ومعقلاً منيعاً ذروته ، وعزاً لمن تولّاه ، وسلماً لمن دخله ، وهدى لمن إئتمّ به ، وعذراً لمن إنتحله وبرهاناً لمن تكلم به ، وشاهداً لمن خاصم به ، وفلجاً لمن حاجّ به ، وحاملاً لمن حمله ، ومطيّة لمن أعمله ، وآية لمن توسّم ، وجُنّة لمن إستلام ، وعلماً لمن وعى ، وحديثاً لمن روى ، وحكماً لمن قضى » (٦٢).

وقال عليه السلام : « فالقرآن آمر زاجر ، وصامت ناطق ، حجّة الله على خلقه ، أخذ عليهم ميثاقه ، وارتهن عليه أنفسهم ، أتم نوره ، واكمل به دينه ، وقبض نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به ، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه ، فإنه لم يخف عنكم شيئا من دينه ، ولم يترك شيئا رضيه أو كرهه ، إلّا وجعل له علماً بادياً وآية محكمّة تزجر عنه أو تدعو إليه ... » (٦٣).

فهذه الكلمات البليغة وامثالها تنصّ على إنّ الله تعالى جعل القرآن الكريم نوراً يستضاء به ، ومنهاجاً يعمل على وفقه ، وحكماً بين العباد ، ومرجعاً في المشكلات ، ودليلاً عند الحيرة ، ومتبعاً عند الفتنة.

____________________________

(٦٠) نفس المصدر ٢٠٢ / ١٧٦.

(٦١) نفس المصدر ٤٥٩ / ٦٩.

(٦٢) نفس المصدر ٣١٥ / ١٩٨.

(٦٣) نهج البلاغة ٢٦٥ / ١٨٣.

١٥١

وكل ذلك يقتضي أن يكون ما بأيدينا من القرآن هو نفس القرآن الذي نزل على الرسول الأعظم صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وعرفه أميرالمؤمنين وسائر الأئمّة والصحابة والمسلمون أجمعون.

القسم الخامس الأحاديث التي تتضمن تمسّك الأئمّة من أهل البيت بمختلف الآيات القرآنية المباركة

وروى المحدّثون من الإماميّة أحاديث متكاثرة جداً عن الأئمّة الطاهرين تتضمن تمسّكهم بمختلف الآيات عند المناظرات وفي كل بحث من البحوث ، سواء في العقائد أو الأحكام أو المواعظ والحكم والأمثال.

فهم عليهم السلام تمسّكوا بالآيات القرآنية «في كل باب على ما يوافق القرآن الموجود عندنا ، حتى في الموارد التي فيها آحاد من الروايات بالتحريف ، وهذا أحسن شاهد على إنّ المراد في كثير من روايات التحريف من قولهم عليهم السلام كذا نزل هو التفسير بحسب التنزيل في مقابل البطن والتأويل» (٦٤).

القسم السادس الأحاديث الواردة عنهم عليهم السلام في إنّ ما بأيدي الناس هو القرآن النازل من عند الله

وصريح جملة من الأحاديث الواردة عن أئمّة أهل البيت ، انهم عليهم السلام كانوا يعتقدون في هذا القرآن الموجود بانّه هو النازل من عند الله سبحانه على النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم ، وهذه الأحاديث كثيرة ننقل هنا بعضها :

قال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :

« كتاب ربكم فيكم ، مبيناً حلاله وحرامه ، وفرائضه وفضائله ، وناسخه ومنسوخه ورخصه وعزائمه ، وخاصه وعامه ، وعبره وامثاله ، ومرسله ومحدوده ، ومحكمه

____________________________

(٦٤) الميزان في تفسير القرآن ١٢ : ١١١.

١٥٢

ومتشابهه ، مفسراً مجمله ، ومبيناً غوامضه ، بين مأخوذ ميثاق في علمه ، وموسّع على العباد في جهله ، وبين مثبت في الكتاب فرضه ، ومعلوم في السنّة نسخه وواجب في السنّة أخذه ، ومرخّص في الكتاب تركه ، وبين واجب بوقته ، وزائل في مستقبله ومباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه ، وبين مقبول في أدناه ، موسع في اقصاه » (٦٥).

وقال عليه السلام : « أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه ؟ أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟ أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم عن تبليغه وادائه ؟ والله سبحانه يقول : « مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ » وقال : « تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ». وذكر انّ الكتاب يصدّق بعضه بعضا ، وانّه لا اختلاف فيه ، فقال سبحانه : « وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا » وان القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق لاتفنى عجائبه ، ولا تكشف الظلمات إلّا به » (٦٦).

وعن الريان بن الصلت قال : « قلت للرضا عليه السلام يا إبن رسول الله ما تقول في القرآن ؟

فقال : كلام الله ، لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا » (٦٧).

وجاء فيما كتبه الإمام الرضا عليه السلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين :

« وإنّ جميع ما جاء به محمد بن عبدالله هو الحق المبين ، والتصديق به وبجميع من مضى قبله من رسل الله وانبيائه وحججه.

والتصديق بكتابه الصادق العزيز الذي « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » وانه المهيمن على الكتب كلّها ، وانه حق من فاتحته إلى خاتمته ، نؤمن بمحكمه ومتشابهه ، وخاصه وعامه ، ووعده ووعيده ، وناسخه ومنسوخه ،

____________________________

(٦٥) نهج البلاغة ٤٤ / ١.

(٦٦) نفس المصدر ٦١ / ١٨.

(٦٧) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢ : ٥٧. الأمالي ٥٤٦.

١٥٣

وقصصه واخباره ، لايقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله » (٦٨).

وعن علي بن سالم عن أبيه قال : « سألت الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقلت له : يا ابن رسول الله ما تقول في القرآن ؟

فقال : هو كلام الله ، وقول الله ، وكتاب الله ، ووحي الله وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي « لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ » (٦٩).

القسم السابع قول عمر بن الخطاب : حسبنا كتاب الله

ومن الرزايا العظيمة والكوارث المؤلمة التي قصمت ظهر المسلمين وأدت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى الذي أراده لهم الله ورسوله ، ذلك الخلاف الذي حدث عند رسول الله صلّی الله عليه وآله وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف بين صحابته الحاضرين عنده في تلك الحال.

ومجمل القضية هو : إنّ النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم لما حضرته الوفاة وعنده رجال من صحابته ـ فيهم عمر بن الخطاب ـ قال : هلّم أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ، وفي لفظ اخر : أئتوني بالكتف والدواة ـ أو : اللوح والدواة ـ أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبدا.

فقال عمر : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع (٧٠) ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله !

وفي لفظ آخر : فقالوا : إنّ رسول الله يهجر. ـ من دون تصريح باسم المعارض ـ !

فاختلف الحاضرون ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر !

____________________________

(٦٨) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ٢ : ١٣٠.

(٦٩) الأمالي : ٥٤٥.

(٧٠) قال سيدنا شرف الدين : « وقد تصرّفوا فيه ، فنقلوه بالمعنى ، لانّ لفظه الثابت : انّ النبي يهجر لكنهم ذكروا انّه قال : إنّ النبي قد غلب عليه الوجع ، تهذيباً للعبارة ، واتقاء فظاعتها .. » النصّ والاجتهاد : ١٤٣.

١٥٤

فلما اكثروا ذلك عنده صلّی الله عليه وآله وسلّم قال لهم : قوموا عنّي (٧١).

ولسنا نحن الآن بصدد محاسبة هذا الرجل لكلامه هذا الذي غيّر مجرى التأريخ ، وحال دون ما أراده الله والرسول لهذه الامة من الخير والصلاح والرشاد ، إلى يوم القيامة ، حتى إنّ ابن عباس كان يقول ـ فيما يروى عنه ـ :

« يوم الخميس وما يوم الخميس » ثم يبكي (٧٢).

وكان رضي الله عنه يقول :

« انّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم » (٧٣).

وانّما نريد الإستشهاد بقوله : « إن عندنا القرآن ، حسبنا كتاب الله » الصريح في وجود القرآن عندهم مدوّناً مجموعاً حينذاك ، ويدّل على ذلك انّه لم يعترض عليه أحدٌ ـ لامن القائلين قرّبوا يكتب لكم النبي كتاباً ، ولا من غيرهم ـ بانَّ سور القرآن وآياته متفرقة مبثوثة ، وبهذا تم لعمر بن الخطاب والقائلين مقالته ما أرادوا من الحيلولة بينه صلّی الله عليه وآله وسلّم وبين كتابة الكتاب.

*         *        *

٣ ـ الإجماع

٤ ـ تواتر القرآن

٥ ـ صلاة الإمامية

٦ ـ كون القرآن مجموعاً على عهد النبي

٧ ـ إهتمام النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم والمسلمين بالقرآن

(٣) الإجماع

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن : إجماع العلماء في كل الأزمان (٧٤).

____________________________

(٧١) راجع جميع الصحاح والمسانيد والتواريخ والسير وكتب الكلام تجد القضية باختلاف ألفاظها وأسانيدها.

(٧٢) صحيح البخاري ٢ : ١١٨.

(٧٣) نفس المصدر ج ١ كتاب العلم.

(٧٤) كشف الغطاء وغيره.

١٥٥

ومن المعلوم أنّ الإجماع حجّة لدى المسلمين ، امّا عند الإمامية فلأنّه كاشف عن رأي المعصوم عليه السلام (٧٥).

(٤) تواتر القرآن

ومن الأدلّة على عدم نقصان القرآن تواتره من طرق الإماميّة بجميع حركاته وسكناته ، وحروفه وكلماته ، وآياته وسوره ، تواتراً قطعياً عن الأئمّة الطاهرين عليهم السلام عن جدهم رسول الله صلّی الله عليه وآله وسلّم (٧٦).

فهم يعتقدون بان هذا القرآن الموجود بأيدينا هو المنزل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بلا زيادة ولا نقصان.

(٥) صلاة الإمامية

ومن الأدلّة على إعتقاد الإماميّة بعدم سقوط شيء من القرآن الكريم : صلاتهم لانّهم يوجبون قراءة سورة كاملة (٧٧) بعد الحمد في الركعة الاُولى والثانية (٧٨) من الصلوات الخمس اليوميّة من سائر سور القرآن عدا الفاتحة ، ولايجوز عند جماعة كبيرة منهم القِران بين سورتين (٧٩).

وصلاتهم بهذه الكيفيّة والأحكام دليل ظاهر على إعتقادهم بكون سور القرآن بأجمعها زمن الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم على ما هي عليه الآن ، والّا لما تسنى لهم

____________________________

(٧٥) يراجع بهذا الصدد كتب اُصول الفقه.

(٧٦) أجوبة مسائل جارالله شرف الدين ، مجمع البيان عن السيد المرتضى.

(٧٧) أجوبة مسائل جارالله ، وهذا هو المشهور بين الفقهاء ، بل ادعى جماعة عليه الإجماع.

(٧٨) أما في الثالثه والرابعة فهو بالخيار إن شاء قرأ الحمد وان شاء سبح إجماعاً ، وان اختلفوا في أفضليّة أحد الفردين.

(٧٩) جواهر الكلام والرياض وغيرهما. وقد ذكر جماعة من الفقهاء والمفسرين إستثناء سورتي ( الضحى وألم نشرح ) وسورتي ( الفيل والإيلاف ) من هذا الحكم ، مصرّحين بوجوبِ قران كل سورة منها بصاحبتها.

١٥٦

هذا القول (٨٠).

(٦) كون القرآن مجموعاً على عهد النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم

ومن الأدلّة على عدم وجود النقص في القرآن ثبوت كونه مجموعاً على عهد الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم على ما هو عليه الآن من الجمع والترتيب والتنسيق ، وإنّ جماعة من الصحابة ختموا القرآن على عهده ، وتلوه ، وحفظوه ، يجد اسماءهم من راجع كتب علوم القرآن وإنّ جبرئيل كان يعارضه صلّی الله عليه وآله وسلّم به كل عام مرة ، وقد عارضه به عام وفاته مرتين (٨١).

وكل هذا الذي ذكرنا دليل واضح على إنّ القرآن الموجود بين أيدينا هو نفس القرآن الذي كان بين يدي الرسول صلّی الله عليه وآله وسلّم وصحابته على عهده فما بعد ، من غير زيادة ولا نقصان.

(٧) اهتمام النبي صلّی الله عليه وآله والمسلمين بالقرآن

وهل يمكن لأحد من المسلمين إنكار إهتمام النبي صلّی الله عليه وآله وسلّم بالقرآن ؟

لقد كان حريصا على نشر سور القرآن بين المسلمين بمجرد نزولها ، مؤكداً عليهم حفظها ودراستها وتعلّمها ، مبيناً لهم فضل ذلك وثوابه وفوائده في الدنيا والآخرة.

فحثه صلّی الله عليه وآله وسلّم وترغيبه بحفظ القرآن في الصدور والقراطيس ونحوها ، وامره بتعليمه وتعلّمه رجالاً ونساءً واطفالاً مما ثبت بالضرورة بحيث لامجال لإنكار المنكر وجدال المكابر.

____________________________

(٨٠) أجوبة مسائل جارالله لشرف الدين

(٨١) روى ذلك عن رسول الله صلّی الله عليه واله وذكره ابن ابي الحديد في شرح النهج طبع بيروت ٢ : ٨٦٣.

١٥٧

وأمّا المسلمون ، فقد كانت الدواعي لديهم لحفظ القرآن والعناية به متوفّرة ، ولذا كانوا يقدّمونه على غيره في ذلك ، لانّه معجزة النبوة الخالدة ومرجعهم في الأحكام الشرعيّة والاُمور الدينية ، فكيف يتصور سقوط شيء منه والحال هذه ؟

نعم ، قد يقال : انّه كما كانت الدواعي متوفّرة لحفظ القرآن وضبطه وحراسته ، كذلك كانت الدواعي متوفّرة على تحريفه وتغييره من قبل المنافقين وأعداء الإسلام والمسلمين ، الذين خابت ظنونهم في أن يأتوا بمثله أو بمثل عشر سور منه أو آية من آياته.

ولكن لامجال لهذا الإحتمال بعد تأييد الله سبحانه المسلمين في العناية والإهتمام بالقرآن ، وتعهّده بحفظه بحيث «لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه ، تنزيل من حكيم حميد».

للبحث صلة ...

١٥٨

معجم الرموز والإشارات (١)

الشيخ محمد رضا المامقاني

المقدمة والفوائد

مقدمة

بسم الله الرحمن الرّحيم

لعل من أعسر ما يواجهه الباحث ، ويصطدم به المحقّق ، أو يبتلي به المبتدیء ما درج عليه القدماء من علمائنا ـ رضوان الله عليهم ـ في كتبهم العلمية ومؤلّفاتهم ومجاميعهم الحديثية من الرمز بحروف خاصة أو علامات معيّنة لبعض الأعلام أو الكتب المهمة أو اختصاراً لبعض الجمل والكلمات التي يكثر دورانها ، ويتكرّر ذكرها ، أو لبعض أصحاب الأئمة عليهم السلام ورواتهم ، أو تذكر كلمة مختصرة كالحرف الأول من الجملة أو الكلمة إشارة لتلك الجملة أو الكلمة ، إلى غير ذلك.

ولا بدّ لمن يتصدّى لنشر المخطوطات وتحقيق المصادر والغور في العلوم أن يلمّ بفنون عديدة كعلم الخطوط ، وعلم معرفة المصادر ، وعلم اصطلاحات الناسخين وقواعد التحقيق ، ومصطلحات الفن الذي يبحث عنه ، ومنه رموزه وغيرها ، فضلاً عن إحاطته العامة بالمصطلحات الأوّلية لذلك الفن وأساليبه في التعبير والأداء ، وخصوصياته البديعية والبلاغية والأدبية.

وحيث كثر الإبتلاء للمراجعين لهذه الرموز ، ووقع الخبط والخلط من بعض الكتاب في النقل ، بل وأصبحت تلك الرموز عند البعض طلاسم معقّدة ، ونسخت من الكتب المطبوعة اليوم غالباً وهجرت.

١٥٩

وقد اعددت هذا المعجم مجدولاً على حروف الألفباء ، يحلّ جلّ الرموز المهمّة ، مع الإشارة إلى موارد الإختلاف غالباً ، بعد أن لم أجد من جمعها ولا من تصدّى لاستقصائها ، سوى الرسالة التي كتبها الدكتور حسين علي محفوظ باسم « العلامات والرموز عند المؤلّفين العرب » ، بغداد ١٩٦٤ م ، والتي لم يتسنّ لي رؤيتها ، مع انّي بحثت عنها في المكتبات العامة هنا ، وسألت عنها أكثر من شخص واحد.

ولكي تتمّ الفائدة وتعمّ ، ألحقت بها بعض الرموز المتداولة عند العامّة في كتبهم الرجالية والحديثية.

هذا ، وتجدر الإشارة إلى أنّا حصرنا ما عددنا من الرموز كان منها متداولاً عند القوم وتلقّي منهم بالقبول ، أو عند بعض الأعلام حيث تنقل عباراتهم في المجاميع كابن داود والأردبيلي ـ قدّس سرّهما ـ من الشيعة ، وابن حجر والسيوطي من العامة ، مع الإذعان بأنّ هذه الرموز والإختصارات أكثر ممّا ذكر بكثير ، بل قيل انه لا سبيل إلى حصرها ، كما قاله الدكتور المنجّد في حاشيته على قواعد التحقيق : ٢١.

وعلى هذا فالرموز خاصة وعامة.

وأعني بالخاصة : ما تداوله مصنّف في كتابه أو موسوعته مشيراً إلى ذلك في أوله أو آخره ، ولم يتابعه عليه أحد ، كشيخنا النوري ـ طاب ثراه ـ في « مستدرك الوسائل » في خاتمة الفائدة الخامسة من الخاتمة : ٣ / ٧١١ ـ ٧١٧ ، حيث ذكر (٤٢٥) رمزاً لجماعة من مشايخ الرواة عن شيخ الطائفة ـ أعلى الله مقامهم ـ ونظيره الشيخ عباس القمّي ـ رحمه الله ـ في أول سفينة البحار ، حيث عدّ ثلاثين رمزاً لمجلدات البحار ، والفيض الكاشاني في مقدمته الثالثة من كتابه الوافي وغيرهم.

ولم أعقد هذا المعجم لما ذكره هؤلاء ونظراؤهم ، نعم ذكرت منهم من نقل كلامه في بعض الكتب مع رمزه ، كابن داود في رجاله ، والأردبيلي في جامعه ، وقد تعرضت إلى ذلك خاصة.

وقد وضع العلّامة المجلسي ـ قدّس سرّه ـ في موسوعته العظيمة بحار الأنوار ثمانين رمزاً لأسماء المصادر التي رجع إليها ، وتابعه غيره من نقله الأخبار ، وتعرّضنا لها جميعاً.

وعليه فقد انصبّت عنايتنا أولاً : على الإشارة إلى الرموز العامة المتداولة في أكثر من مصنّف ، وتلقيت بالقبول ، وثانياً : على الإعراض عن الرموز المختصة ببعض الفنون

١٦٠