تراثنا ـ العدد [ 6 ]

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم

تراثنا ـ العدد [ 6 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٣١

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUETurathona-part006imagesimage001.gif

١

تراثنا

العدد الأول

السنة الثانية

الفهرس

نظرات سریعة في فنّ التحقیق (٥)

................................................................. أسد مولوي ٧

من المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الکریم (١)

.............................................. عبدالحسین محمد علي البقّال ١٤

موقف الشیعة من هجمات الخصوم

............................................... السید عبدالعزیز الطباطبائي ٣٢

نفس الأمر

............................................. الشیخ حسن حسن زاده الآملي ٦٢

کتب الصید والذبائح عند الشیعة

....................................................... الدکتور پرویز اذکائي ٩٧

التحقیق في نفي التحریف (١)

....................................................... السید علي المیلاني ١٢٧

معجم الرموز والإشارات (١)

................................................. الشیخ محمد رضا المامقاني ١٥٩

٢

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUETurathona-part006imagesimage002.gif

محرّم ـ صفر ـ ربيع الأول

١٤٠٧ هـ. ق.

الإجازات عند علماء الإمامیة

إجازتا الشیخ البهائي للتنکابني

..................................................... الشیخ محمد السمامي الحائري ١٧٢

ما ینبغي نشره من التراث

................................................................................ ١٨٣

من ذخائر التراث

رسالة جواز العدول عن العمرة إلی الإفراد

................................................ السید محمد علي الطباطبائي المراغي ١٨٦

تخمیس لامیّة العجم

..................................................................... أسد مولوي ٢٠١

من أنباء التراث

................................................................................

خلاصة لدراسات ومواضیع العددین ٥ و ٦ ( بالإنکلیزیة )

.............................................................. ترجمة : علي شریف ٢٣٨

٣

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUETurathona-part006imagesrafed.png

٤

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUETurathona-part006imagesimage003.gif

٥
٦

نظرات سريعة في فنّ التحقيق (٥)

أسد مولوي

إختيار الكتاب وجمع نسخه

بعد أن استكمل المحقّق عدّته ، وخبر نفسه ـ وكلّ على نفسه بصيرة ـ فوجدها قادرة على اقتحام هذا الميدان ... يجب عليه أن يؤدّي زكاة علمه ، ويخدم امّته ، ويوفي بعض الدَّيْن إلى المكتبة الإسلامية المجيدة ، التي أمتعته ساعات طوال من عمره ، وفتحت له أبواب رياضها وصدور خزائنها ، وأطلعته على جواهرها وذخائرها.

إذا أراد هذا العامل في سبيل إحياء مجد اُمّته ، أن يسلك في عداد صانعي هذه الثقافة العظيمة ومُيَسِّريها لطلّابها ... وهو قد عدّ نفسه من الغُيُر عليها المحبّين لها الحانين عليها ، الرامين إلى رفعتها وإعلاء شأنها.

عليه ـ وقد وضع نفسه في هذا الموضع ـ أن يتنكّب سبيل الهدّامين العابثين من أعداء الاُمّة الإسلامية أو من أبنائها العققة ، الّذين شغلوا أنفسهم والامة معهم بأخبار المُجّان والملحدين ، وبكتبهم وتراثهم المليء بالسموم ... الضارّ لهذه الاُمّة في حاضرها ومستقبلها ، كما ضرها أعظم الضرر في ماضيها.

وعليه أن يتحرّى في اختيار الكتاب الذي يريد أن يحييه ، أن يكون من الكتب التي تنفع الاُمّة وتهديها في حاضرها ومستقبلها ، أو تحفظ عليها شخصيّتها وأصالتها أو تكبت أعداءها والحاقدين عليها.

والاُمّة المسلمة في حاضرها الراهن ـ وهي في بداية صحوتها ـ قد تكالبت قوى الكفر عليها ، وتجمّع أعداء الإنسانية ضدّها ، وأجلبوا عليها بخيلهم ورَجِلهم وعَددهم

٧

وعُددهم.

الاُمّة المسلمة محتاجة لجهود أبنائها ، فلا يحلّ لأيّ فرد منهم أن يضيع جهوده عبثاً فيما لا طائل تحته ، فضلاً عن أن يكون ظهيراً لأعدائها يصنع لهم ما يعود على أبناء ملّته بالدمار والخسار ، ويعطّل مسيرة اُمّته نحو استعادة مكانتها التي أرادها لها الله ... خير اُمّة اُخرجت للناس.

هذه المرحلة ـ مرحلة اختيار الكتاب المراد إحياؤه ـ أخطر مراحل التحقيق ـ فيما أرى ـ وأدقّها ، تستدعي من المحقّق المسلم النظر الفاحص ، ودقّة الملاحظة ، والوجدان الحيّ ، والغيرة البالغة ... لأنّ ما ورثناه من الكتب منه ما كتبه المخلصون العارفون ، وهو درر خالدة كشجرة طيّبة أصلها ثابت في دين هذه الاُمّة ووجدانها ... وفرعها في السماء متّصل بالمبدأ الأعلى صاحب الجود والفيض والكرم ... تؤتي اُكلها كلّ حين في ماضي الاُمّة وحاضرها ومستقبلها عطاءً ربّانيّاً لا ينقطع بإذن الله تعالى ، وأظهر أمثلة هذا النوع تراث أهل بيت الرحمة عليهم السلام وجدّهم الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله.

وممّا ورثناه ـ أيضاً ـ ما كتبه المنحرفون والضالّون وأعداء الإسلام ، ممّن اجتالته شياطين الإنس والجنّ ، وأمراض النفس ، ومتع الحياة الدنيئة.

وممّا ورثناه ـ كذلك ـ هذا الركام الغثّ الفاسد المفسد من أدب عبيد السلاطين من الشعراء ، وشعرهم الذي قصروه على مدح الطاغوت والضحك على ذقنه ، واستولوا به على أموال الاُمّة يتناهبونه بينهم.

أنظر إلى الشاعر المتملّق يقول وقد حدثت بمصر زلزلة :

بالحاكم العدل أضحى الدينُ معتلياً

نجل الهدى وسليل السادة الصُلَحا

ما زُلزلت مصر من كيد يُراد بها

وإنّما رقصت من عدله فرحا

اُنظر كيف يسقط الإنسان ، وتداس الضمائر ، ويُرقص على أشلاء المستضعفين !.. فالشاعر هنا لم يكتف بمدح طاغوته حتى صوّر الزلزلة المدمّرة بصورة الرقص الخليع الذي اعتاده المترفون. ولم يلتفت إلى المستضعفين الّذين هدمت دورهم على رؤوسهم وأصبحوا بلا مأوى !

ومن هذه البابة تجد مؤرّخي السلاطين ووعّاظ السلاطين وفقهاء

٨

السلاطين ... إلى آخر القائمة المشؤومة.

هذا الركام الغثّ لطخة عار في تاريخنا الثقافي .. لا أظنّ المحقّق المسلم ينحطّ إلى أن يشغل به نفسه ويضيع به عمره.

وتراثنا طيّب مبارك ، شمل مختلف حقول المعرفة ، ولم يقتصر على فرع من فروعها.

فكم هي الفائدة التي يسديها المحقّق إلى اُمّته يختار كتاباً من طبّنا القديم ، فيخرجه إلى الناس سليماً مفسّراً موضحة عبائره ! عقاقيره من إنتاج بلادنا ... إن لم تنفع الجسم لم تضرّه ، لا كالأدوية المجلوبة من مغرب شمس الفضيلة ، التي يصحّ فيها قول الشاعر :

.......................................

وداوني بالتي كانت هي الداءُ

وفي تراثنا الطبّي الكثير الطيّب ، وأودّ أن يعلم أطبّاؤنا الفضلاء أنّ للمعاجم الطبّية ـ التي تصف العقاقير وتذكر مقاديرها عند التركيب ـ ركناً كبيراً في مكتبتنا الإسلامية.

وما أظنّ مريض الطبّ الغربي الحالي أحسن حالاً من مريض الرازي أو ابن سينا.

وقد عادت الصين إلى الوخز بالاُبر ـ طبّها القديم ـ تدرسه وتطبّقه في المستشفيات.

وقبلها الهند أدخلت طبّها القديم مادّة دراسية في جامعاتها ، ومادّة تطبيقية في مستشفياتها.

وقل مثل ذلك في علوم الفلاحة والبيطرة وغيرها.

ونستغني بذلك عن استيراد فسائل النخيل من أمريكا إلى بلاد النخيل !

خلاصة الأمر أنّ حسن الإختيار ـ بل الإجتهاد في الإختيار ـ هنا واجب عيني لا رخصة فيه.

*         *        *

وحين يقع اختيار المحقّق على كتاب لم يحقّق حسب القواعد المتعارفة ، أو كانت لديه زيادة تنقير وتدقيق فاتت المحقّق الأول ، أو ظهرت من الكتاب نسخ

٩

مخطوطة أصيلة تزيد الكتاب ثقة به واطمئناناً إليه واعتماداً عليه ...

حينذاك يبدأ سعي المحقّق في تجميع النسخ ، وهي ـ في الوقت الحاضر ـ مصوّرات كلّما ازدادت وضوحاً في التصوير ازدادت شبهاً بأصلها ، وحلّت محلّه في القراءة وتهيئة النسخة للعمل (١).

وهنا تظهر فائدة فهارس المخطوطات ، لمعرفة أماكن هذه النسخ والسعي في الحصول على مصوّراتها.

ولا ننسى الإستعانة بذوي الخبرة في الهداية إلى مظانّها وتقييمها ، وفي إعانتهم للمحقّق في تحصيلها بما لهم من صلات مع أصحاب الكتب والقائمين عليها.

*         *        *

فحص النسخ وتقييمها

وهنا يأتي دور فحص النسخ لاعتماد ما يجب الإعتماد عليه منها وإهمال ما ينبغي إهماله.

وهذا الدور من أهمّ أدوار هذا الفنّ ، لأنّ نتيجة التحقيق وثمرة جهد المحقّق مبنيّتان عليه.

وقد اعتورت مخطوطاتنا ظروف كانت حسنة حيناً سيّئة أحياناً كثيرة.

وتداولتها ـ بعد أيدي النسّاخ ـ أيدٍ كانت في الغالب غير أمينة :

فمن متولّي وقف حَسّن له الشيطان وألجأه فقر المجتمع المتخلّف إلى بيع ما تحت يده ، فمزّق الورقة الاُولى ليضيع أثر الوقف ، ففوّت علينا معرفة عنوان الكتاب واسم مؤلّفه وفوائد اُخر.

ومن متعصّب ضيّق الاُفق ساءه أن يرى لعالم من غير أهل نحلته أثراً ، فعدا عليه تمزيقاً أو شطباً أو محواً أو تحريفاً لما لا يروقه ...

ومن وارث جاهل صار ما وصل من ذخيرة الاُمّة إليه لعبة لأطفاله ، مبذولاً لكلّ من هبّ ودبّ من معارفه.

ومن .. ومن ..

____________________________

(١) قلنا هذا ، لأنّ اختبار الورق والحبر لا يمكن إلّا على المخطوطة نفسها.

١٠

دع عنك عاديات الطبيعة في النسخ نفسه من سهو وسبق قلم أو نظر ..

وعاديات الطبيعة على الكتاب نفسه ـ ورقاً وحبراً ـ من رطوبة وحشرات لها بالورق المكتوب ولع غريب.

وليس معنى هذا إنكار ما لبعض الأيدي ـ متولّية وقف أو وارثة ـ من الأمانة والحيطة على الكتاب.

وليس هو كذلك إنكار فضل اُولئك النسّاخ العارفين الضابطين ، فأنت تقرأ في ترجمة ياقوت المستعصمي ـ الخطّاط المعروف ـ أنّه كان مولعاً بنسخ نهج البلاغة بخطّه المضبوط الجميل.

وتقرأ في تراجم كثير من العلماء أنّه كان يكتب خطّاً فصيحاً صحيحاً.

هذه النوائب التي حلّت بالكتاب ـ وغيرها كثير ـ توجب على المحقّق أن يكون مدقّقاً منقّباً حذراً ، ينفض النسخة وجهاً لبطن ، عند فحصه لها.

وليعلم أن للنسخ التي وصلت إلينا حالات غريبة منها :

١ ـ أن تكون النسخة كاملة سالمة واضحة الخطّ فصيحته جميلته ، بخطّ مؤلّفها أو خط معتمد موثوق به ، أو تكون منقوطة مشكولة شكلاً كاملاً على الصحّة ، أو تحتوي ـ من الصور أو الرسوم البيانية أو غير ذلك ـ ما يضنّ به على الضياع.

فالأَوْلى طباعة هذه النسخة بالتصوير ، كي لا ندخل عليها من سهو القلم وأخطاء التطبيع ما يشوّه جمالها ويذهب بصحّتها.

ولا يعتذرن ـ هنا ـ بصعوبة الحرف المخطوط ، فإنّه أمر مبالغ فيه ، والمطّلعون يعلمون أنّ في تراثنا مخطوطات رائعة الجمال تزري بالخطّ الطباعي مهما بلغ من الجمال والنظافة ، لأنّ الخطّ الطباعي خطّ ميّت سطرته آلة ميّتة ، وخطّ اليد يستمد حياته من اليد التي كتبته.

والعمل الذي يقوم به المحقّق في هذه النسخة :

أ ـ أن يقدّم لها مقدّمة وافية في ترجمة المؤلف ووصف النسخة وتوثيق نسبتها وبيان أهمّيتها ...

ب ـ أن يذيّلها بهوامش التحقيق الكافية ، وبالفهارس التي توصل القاریء إلى

١١

مطالبها (١).

٢ ـ أن تكون النسخة من المطبوعات القديمة التي ضاعت اُصولها المخطوطة ، وهذه ينبغي الحذر عند تحقيقها والتثبّت البالغ ، وأن يوكل أمرها إلى شيوخ المحقّقين.

٣ ـ المترجمات إلى اللغات الاُخرى ـ غير العربية ـ التي ضاعت اُصولها المخطوطة ، والعمل في هذا النوع ملقى على عاتق المترجم العارف ، ويجدر به أن يستعين في ترجمتها بما سلم من كتب المؤلف باللغة العربية ، وبما نُقل من نصوص الكتاب في الكتب الاُخرى.

وبعد هذه العجالة ـ التي لا يتّسع المقام لأكثر منها ـ نعود إلى التقسيم الإعتيادي للنسخ ، وهو أمر متّفق عليه ـ أو يكاد ـ بين جمهرة المشتغلين بهذا الفنّ.

وعندهم أنّ أعلى النسخ هي النسخة التي كتبها المؤلف في آخر صورة أخرج بها كتابه للناس.

أو كتبت بخطّ معتمد وقرأها المصنّف أو قرئت عليه وسجّلت عليها هذه القراءة.

أو نسخة كتبت من نسخة المصنّف وعورضت بها أو قوبلت عليها.

أو نسخة كتبت في عصر المصنّف وعليها سماعات العلماء.

أو تكون النسخة من النسخ التي حظيت باهتمام العلماء بالقراءة أو الإجازة أو السماع ، وأن يكون فيها ما يدل على التصحيح.

هذه النسخ تقوم إحداها مقام الاُخرى عند فقدانها ، وهي النسخة التي يعبّرون عنها بالأصل أو الاُمّ.

وهذا القول ليس على إطلاقه فإنّ لكلّ نسخة من الخصائص ما يضطرّ المحقّق إلى اعتمادها أو تركها ، فَرُبَّ نسخة لم يشفع لها قدمها أو حسن خطّها أو كتابة عالم معروف لها. ورُبّ نسخة تقدّمت على نسخة أقدم منها أو أحسن خطّاً.

وعند اعتمادنا نسخة أصلاً تكون النسخ الاُخرى مساعدات في القراءة والنقط والضبط وزيادة ما أسقطه السهو ... وأشباه هذه الاُمور.

____________________________

(١) اُنظر في هذا الباب : في منهج تحقيق المخطوطات ـ مطاع الطرابيشي ـ ص ٦٨ ـ ٧٢.

١٢

هذا مجمل القول في نسخة الأصل.

وتبقى عندنا الكثرة الكاثرة من النسخ التي لا تملك من مميّزات النسخة الأصل شيئاً ، أو التي يؤخّرها التقييم عن مرتبة الأصل ، ولكن لها من القرائن الداخلية أو الخارجية ما يمنحها الثقة بها والركون إليها.

هذه النسخ أجود الطرق في تحقيقها الطريقة المعروفة بـ ( التلفيق ) وعلينا ـ والحالة هذه ـ أن نخرج من مجموع هذه النسخ نصّاً مرضيّاً ، نتحرّى فيه الصحّة والكمال جهد الطاقة.

وفي الحواشي مضطرَب واسع لإثبات الإختلافات بين النسخ وتوجيهها ، ولتسجيل ما يعنّ لنا من ملاحظات واستدراكات وتوضيحات. وينبغي أن لا يفوتنا من النسخ شيء ذو فائدة ، فنسجّل كل ما نعثر عليه .. فرُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه.

وفي طريقتَي التحقيق ـ طريقة الأصل أو طريقة التلفيق ـ تجب المحافظة على كل ما كتب في النسخ أو في هوامشها ممّا له علاقة بالكتاب بتسجيله في هوامش التحقيق.

للبحث صلة ...

١٣

من المعجم الموسوعي لألفاظ القرآن الكريم (١)

عبدالحسين محمد علي البقّال

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، وآله الطيّبين ، وصحبه المنتجبين ...

وبعدُ ؛ ...

فالبحث هنا نأتي عليه من خلال :

أولاً : المقدّمة

ـ ١ ـ

إنّ لغتنا الرسالية هي لغة حيّة معطاءة ؛ وليس بكثير عليها إذا قلنا عنها : إنّها تضاهي سائر اللغات العالمية ، إن لم تكن ـ كما هو الواقع ـ السبّاقة والرائدة من بينها.

لغتنا ؛ واُريد بها تلك العربية المبينة التي تخصّنا نحن المسلمين قاطبة ، المجتمعين على رفع راية ؛ لا إلٰه إلّا الله ، محمد رسول الله.

نعم ، لغتنا ، وهي كلمة الربّ إلى جميع عباده ؛ في قرآنه المبين وسُنّته الشريفة ، والروائع من نهج أئمّة أهل بيت رسوله الأمين ، وصحبهم الصلحاء المتّقين.

اللغة النظامية الإنسانية ؛ الشاملة شمول وعموم ودقّة ونظامية وكونية الدين الحنيف ، الذي يسقي الحياة حياة سعيدة ، بفيض كؤوسه وديمومة دواليه.

١٤

ـ ٢ ـ

وهي بعد كذلك ، رموز الفطرة ، وإشارات الخَلَجات النفسية ، فعبارات الروابط الإجتماعية ، إلى كونها مصطلحات في مختلف مجالات العلاقات الدولية ؛ بل ، وإلى شتّى الشؤون العالمية.

هي تاريخ حكاية العقيدة والعاطفة ، الروح والجسد ، في سلوكاتها المَرئيّة وغير المَرئيّة ؛ صائرةً بين الخوف والرجاء ، من الله وإلى الله ؛ ثقة واطمئناناً ؛ حُبّاً ووفاءً ، التزاماً وتضحيةً ؛ سعادةً وخلوداً.

هي قصّة الحضارة والمدنيّة ، ومفردات الصياغة القانونية ، في جميع الميادين ، وسائر التطبيقات.

بل ، هي حروف التربية المسؤولة ، وسطور الإقتصاد المتكافیء ، وتعابير السياسة الدعائية ، وغيرها من بقيّة الظواهر الحياتية.

ـ ٣ ـ

أليست هي لغة الإنسان الرسالي ؛ اللغة الاُمَمِيّة الخالدة خلود شرائع الإسلام ، الهديّة الناطقة بعظمة مُهديها ، والمُنزَّلة إلى خليفته في الأرض ، الذي يفترض فيه أن يكون بمستوی آمالها ؛ ثمّ له بعد أن يُبدع بجديد المعاني ، على ضوءٍ من مواصفاتها وَمجازاتها ...

أليست هي لسان حال الثوّار ، إسماعيل وهود وصالح ، محمد وخديجة ، علي وفاطمة ، سُمَيَّة وعمّار ، زينب والحسين ؟!

وهل مِن شكٍّ ، في أنّها هي هي أصوات سائر المناضلين الأحرار ؛ المدويّة من أجل : إحياء المُثُل والقِيَم ، وتحقيق كرامة بني الإنسان.

ـ ٤ ـ

فيا لَلُغَة القرآن من لغة بنّاءة ـ إنْ هي تُركت كما اُريد لها ـ : وَفِيّةً بشفاء الصدور ، ثريّةً بإعمار القلوب ، ندِيةً بترانيم الحبّ ، زخّارةً بأسباب الوحدة والتوحيد ،

١٥

حَنِيّةً بتطبيب النفوس.

وما أروعها من وسيلة بيان ، ...

ما أدراك بها من وسيلة ، الضرورة تقضي بلزوم فهمها ومتابعتها ؛ ثم وجوبِ اتّحاد النطق تحت لوائها.

ولكن ، ينبغي أن يُفهم ومنذ البداية ؛ أن لا تنافي في الوقت نفسه ، بين وجوب الإلتزام بها ، ووجوب مراعاة الخصوصيّات الإقليمية والقومية وغيرهما ، لتلك اللغات الإنسانية المتوارَثة مِن عداها ، طالما لا تتعارض ومبادیء ، خاتمة الأديان.

وكيف لايجبُ احترامُ تلك المتوارَثة ؛ وهذا القرآن الكريم نفسه بين أيدينا يُعَدُّ التاريخَ الصادق ، لما جاء فيه ـ على قولٍ ليس بالخَفِيّ ـ من نماذجها.

أجل ، بوركت لغتنا ، نحن المسلمين كل المسلمين ، شعوباً وقبائل ، عَرَباً وغير عَرَب ؛ ما كان هناك مكان ، وأنّى بقي في البين زمان.

ـ ٥ ـ

وأمّا المنهج الذي سوف نتّبعه في فهرسة موادّ هذا المعجم ؛ فهو باختصار : الآخذ بالترتيب المزدوج : الإشتقاقيّ منه ، والهيئتيّ.

هو الترتيبُ الآتي على كِلا الحُسْنَيْن ؛ بأن يُفهرس المفردات لأجل دراستها ، ولكن بحسب جذور اُسَرِها الإشتقاقية ، وبذلك يحفظ للكلمة كينونيّتها العائلية.

ويُفهرس الهيئات مجرّدة ، محالة ـ كما هي ـ على موادّها ، بحسب صورها الظاهرية ، وبذلك يتيسّر استخراجها ومعرفة اُصولها بنقلة واحدة ، وخاصة تلك الغربية الإشتقاق منها ، كما هو الحال مَثلاً في طائفة من مفردات افتعل ، اضطرب واضطهد ...

ـ ٦ ـ

وأمّا الكلمة المُنْتَخَبة ، التي سنخصّص لها حلقتنا هذه ؛ فهي : أرائك.

من حيث اشتقاقها ؛ باعتبارها مشتقّة ، مع تحديد مادّتها ، حسب موازين الصرف والصرفيّين.

١٦

ومن حيث معانيها في اللغة ، ثم في القرآن والحديث ؛ ومن ثمّ الكيفية في توحيد تلك المعاني.

وهكذا ، إلى كلّ ما هو متيسّر في مقدورنا من بحث جوانبها ، وبحدود اطّلاعنا من مصادرها ؛ والله من وراء القصد.

ثانيا : الأرائك

ونأتي عليها من خلال الحقول الآتية :

الحقل الأول

في : آياتها المباركة

حيث قد وردت في سورة :

أ. الكهف ، آية : ٣١

ب. يس ، آية : ٥٦

ج. الإنسان ، آية : ١٣

د. المطفِّفين ، آية ٢٣ ، ٣٥

الحقل الثاني

في : المقصد والمستعمل منها

حيث لم ترد مع الأرائك ، من بقيّة المشتقّات من اُسرتها ؛ غيرها.

كذلك ؛ فإنّ لفظ الأرائك ، قد ورد في القرآن الكريم خمس مرّات فقط ؛ وهي جميعاً في وصف أهل الجَنّة (١).

الحقل الثالث

في : الصرف ووجه التسمية

ـ ١ ـ

هكذا وردت بصيغة الجمع ، لِمُفْرَدَة « أريكة » (٢) ؛ وهي التي على زِنة

____________________________

(١) يُنظر : دراسات مقارنة في المعجم العربي : ١٨ ، تأليف الدكتور يعقوب بكر ، جامعة بيروت العربية ، سنة ١٩٧٠ م.

(٢) يُنظر : معجم الفاظ القرآن الكريم : م ١ ص ٣٦.

١٧

فعلية ، مؤنّث فعيل ؛ من الفعل : أَرَكَ بالمكان يأرك : أقامَ به (٣).

وقد تُجْمَع : على : اُرُك ؛ كما يقال : سفينة وسفائن وسُفُن (٤) ؛ وقد تُجْمَع أيضاً على : أرِيك (٥).

ـ ٢ ـ

ووجه التسمية :

إمّا لكونها في الأرض ، متّخَذة من أراكٍ. وهو شَجَرةٌ.

أو لكونها مكاناً للإقامة ؛ من قولهم : أَرَك بالمكان اُروكاً ؛ وأصل الاُروك الإقامة على رعي الأراك ، ثُمّ تُجُوِّزَ به في غيره من الإقامات (٦).

الحقل الرابع

في : قائمة المعاني

وهي كما يلي :

أوّلاً : الوسادة بلحاظ الأريكة ؛ والوسائد بلحاظ الأرائك (٧).

وقيل : الطِنْفَسَة أو الوسادة ، وفُسِّرت الطِنْفَسَةُ بـ : البِساط (٨).

ثانياً : كلُّ ما اتُّكِیء عليه (٩).

أو بتعبير : كلُّ ما يُتَّكَأ عليهِ ، مِن مِسْوَرة وغيرها (١٠).

أو بتعبير : كلُّ ما اتُّكِیء عليهِ ، مِن سرير أو فِراش أو مِنَصَّة ؛ وفي الحديث :

____________________________

(٣) يُنظر : معجم الألفاظ والأعلام القرآنية : ص ٣٦ ، ومجمل اللغة : ١ / ١٨١ ، وأساس البلاغة : ص ٥.

(٤) يُنظر : التبيان : ٨ / ٤٦٨ ، والجامع لأحكام القرآن ـ تفسير القرطبي ـ : ١٥ / ٤٤.

(٥) يُنظر : دراسات مقارنة في المعجم العربي : ص ١٨.

(٦) معجم مفردات ألفاظ القرآن ـ مفردات الراغب الأصفهاني ـ : ص ١٢ ؛ ويُنظر : التحقيق في كلمات القرآن الكريم : ١ / ٥٩ ؛ وفيه : « ... من الأوقات » ، وهو تصحيف.

(٧) يُنظر : التبيان : ٨ / ٤٦٨ ، ومجمع البيان : ٨ / ٤٢٩.

(٨) التحقيق في كلمات القرآن الكريم : ١ / ٥٨ ـ ٥٩.

(٩) الغريبين للهروي : ١ / ٤٠ ، ومجمع البيان : ٨ / ٤٢٩.

(١٠) التبيان : ١٠ / ٢١٣ ، ومجمع البيان : ١٠ / ٤١٠ ؛ والمِسْوَرة : التي يُتَّكَأ عليها ، كما في فقه اللغة وسرّ العربية ـ للثعالبي ـ : ص ٢٤٩.

١٨

« ألا هل عسى رجلٌ يبلغُهُ الحديث عنّي ، وهو مُتَّكِیء على أريكَتِهِ ، فيقول : بيننا وبينكم كتابُ الله » (١١).

ثالثاً : السرير ، بلحاظ الأريكة ؛ والأسِرّة ، بلحاظ الأرائك (١٢).

قال ذوالرمّة :

خدودٌ جَفَت في السير حتى كأنَّما

يُباشِرْنَ بالمَعْزاءِ مَسَّ الأرائكِ (١٣)

وجَفَت ؛ أي : خَشُنَت وصَلُبَت.

والمَعْزاء : الأرض الغليظة ، فيها حَصَى (١٤).

يقولُ : مِن شِدَّةِ الحاجةِ إلى النوم ؛ يَرَوْن الأرضَ الصلبة ذات الحِجارة مثل الفُرُش على الأرائك ـ وهي : السُرُر ـ ؛ ويُرَوى : « خدوداً » ، على أنّه مفعولٌ لِفعلٍ في البيت قبله (١٥).

رابعاً : مَقْعَدٌ مُنَجَّدٌ يُجْلَسُ عليه ، ويكون محوطاً بالستائر والزينة (١٦).

خامساً : الفُرش في الحِجال.

أو بتعبير : الفُرش فوق الأسِرَّة (١٧).

سادساً :

أ ـ سريرٌ في حَجَلة.

أو بتعبير : السريرُ في الحَجَلة ؛ أو : الأسِرَّةُ في الحِجال ؛ أو : سُرُر في الحِجال ؛ أو : السرير في الحَجَلة ؛ من دونه سِترٌ ، ولايُسَمّى منفرداً أريكة (١٨).

يقول ابن فارس : سمعتُ علي بن إبراهيم القطّان ، يقول : سمعتُ ثعلباً ، يقولُ :

____________________________

(١١) النهاية في غريب الحديث والأثر : م ١ ص ٤٠ ؛ ويُنظر : معجم ألفاظ القرآن الكريم : م ١ ص ٣٦.

(١٢) التبيان : ٧ / ٤٠.

(١٣) المصدر نفسه : ٧ / ٤٠ ، و ٨ / ٤٦٨ ؛ ويُنظر : ديوان ذي الرّمة : ص ٤٤٢ ، ومجاز القرآن : ١ / ٤٠١ ، وتفسير الطَبَري : ١٥ / ١٤٨ ، ومجمع البيان : ٦ / ٤٦٦.

(١٤) التقفية في اللغة : ص ٤٦.

(١٥) الجامع لأحكام القرآن : م ١٠ ح ١٩ ص ١٣٧ ( الهامش )

(١٦) معجم الألفاظ والأعلام القرآنية : ص ٣٦.

(١٧) يُنظر : التبيان : ٧ / ٤٠ ، ومجمع البيان : ١٠ / ٤١٠ ، والجامع لأحكام القرآن : م ٥ حـ ١٠ ص ٣٩٨.

(١٨) يُنظر : معجم مقاييس اللغة : ١ / ٨٤ ، والغريبين : ١ / ٤٠ ، والتبيان : ٧ / ٤٠ ، و ١٠ / ٢١٣ ، والنهاية : ١ / ٤٠.

١٩

الأريكة لٰا تكون إلّا سريراً مُنَجَّداً في قُبَّةٍ ، عليه شَوارُهُ ونَجْدُهُ (١٩).

ب ـ الحِجال فيها الأسِرّة (٢٠).

ج ـ وهذه التعابير ، في « أ » و « ب » ؛ كلُّها تَؤُولُ إلى مؤدَّى واحد ؛ تَتَّحِدُ فيه : في وسطه « في » ؛ ثمّ تتوزّعُ بعد ذلك ، لِتتبادَل المراكزَ في طرفيه ، في مُقَوِّمَيْهِ « السرير » و « الحَجَلة ».

وهذه المُداعبة في الألفاظ ـ إن صَحَّ مثلُ هذا القول ـ ؛ ولعلّها من قبيل كون الحركة والاتّجاه :

تارةً من السرير ـ وهو الداخل في ـ ، يمشي برجليه إلى الحَجَلة ـ وهي المدخولُ فيها ـ وتارة من الحَجَلة ـ وهي المدخولُ فيها ـ تُقْبِلُ بوجهها على السرير في مكانِه ، فتحتضِنُهُ ليدخُلَ فيها.

بل ، لعلّه من حيثُ التقديمُ والتأخير ؛ مِن قبيل ما في التعبير القرآني ـ وما أروعه ـ :

« ... مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ... » ؛ في سورة الطور ؛ آية : ٢٠.

و « ... سُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ... » ؛ في سورة الزخرف ؛ آية : ٣٤.

نعم ؛ فَبُورِكْتِ مِنْ حَجَلةِ مسّراتٍ ، على اسم الله ، وبٱسمِ الله ، وفي حُبِّ الله.

نعم ؛ وعندها يحلو القولُ : أريكةٌ ويا لكِ من أريكةٍ ، في شِرعةِ التقى والنُهى.

د ـ وأمّا الحَجَلَة ـ بالتحريك ـ ؛ فهي : « بيت كالقُبَّة يُسْتَرُ بالثياب ، وتكون لُه أزرارٌ كِبار ؛ وتُجْمَعُ على حِجال ».

وأمّا الأعشى ، فقد أنشد :

بين الرواقِ وجانبٍ من سترها

منها وبين أريكةِ الأنضادِ

أي : السرير في الحَجَلة (٢١).

____________________________

(١٩) مُجمل اللغة : ١ / ١٨١ ، ويُنظر : الصاحبي في فقه اللغة : ص ٩٨.

(٢٠) مجمع البيان : ١٠ / ٤١٠.

(٢١) النهاية : ١ / ٣٤٦ ؛ وفي ديوان الأعشى ، القصيدة ١٦ ، البيت الرابع.

إلّا أنّه ينبغي أن يُعلم : أنّ المطبوع في كِلا المصدرين : « .. مِن سيرها منها .. ».

وهو تصحيف ، قد تنبَّه له الدكتور يعقوب بكر ؛ حيث قال في كتابه « دراسات مقارنة في المعجم العربي » ص ١٩ :

٢٠