إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل

محمّد بن عبدالله الأكراوي القلشقندي الشافعي

إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل

المؤلف:

محمّد بن عبدالله الأكراوي القلشقندي الشافعي


المحقق: محمّد كاظم الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: نگار
الطبعة: ١
ISBN: 964-8889-64-3
الصفحات: ١٥٠

بالاستقراء ؛ معالجة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشد (١).

الحديث الثاني :

عنه أيضا أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«فاطمة بضعة منّي ، يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها ، وأنّ الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي» (٢).

رواه الإمام أحمد والحاكم.

الحديث الثالث :

عنه أيضا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّما فاطمة شجنة (٣) منّي ، يبسطني ما يبسطها ، ويقبضني ما يقبضها» (٤).

رواه الحاكم والطبراني.

__________________

«يؤذيني ما يؤذيها» ، «يقبضني ما يقبضها» ، «من آذاها فقد آذاني» رواها أعلام المحدّثين من أهل الصحاح والسنن ، مثل مسلم والبخاري والترمذي والطبراني وأحمد والنسائي والديلمي والحاكم والسيوطي وغيرهم بأسانيد صحيحة ذكرناها في محلّها.

(١) هذا الكلام لابن حجر نقله عنه المناوي في فيض القدير ٤ : ٤٢١ في شرح الحديث رقم ٥٨٣٣ ، وقاله أيضا في عون المعبود ٦ : ٥٧.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٢ رقم ٤٧٤٧ وقال : «حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرّجاه» ، كنز العمّال ١٢ : ١٠٨ رقم ٣٤٢٢٣ وزاد في آخره : «سببي وحسبي» ، الجامع الصغير ٢ : ٦٥٣ رقم ٥٨٥٩ وقال : «صحيح».

(٣) قال الجوهري : «الشجنة والشجنة : عروق الشجر المشتبكة ، ويقال : بيني وبينه شجنة رحم وشجنة رحم ، أي :

قرابة مشتبكة. وفي الحديث : «الرحم شجنة من الله» أي : الرحم مشتقّة من الرحمن ، يعني : أنّها قرابة من الله ، مشتبكة كاشتباك العروق» (الصحاح ٥ : ٢١٣٤).

(٤) مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٨ رقم ٤٧٣٤ وقال : «صحيح الإسناد ، ولم يخرّجاه» ، المعجم الكبير ٢٠ : ٢٥ رقم ٣٠ و ٢٢ : ٤٠٥ رقم ١٠١٤ ، كنز العمّال ١٢ : ١١١ رقم ٣٤٢٤٠ ، ورواه في مسند أحمد ٤ : ٣٣٢ ، الآحاد والمثاني ٥ : ٣٦٢ رقم ٢٩٥٦.

٦١

الحديث الرابع :

عن أبي حنظلة ـ مرسلا ـ أنّه عليه الصلاة والسلام قال :

«إنّما فاطمة بضعة منّي ـ أي قطعة لحم ـ فمن آذاها فقد آذاني» (١).

رواه الحاكم.

الحديث الخامس :

عن عبد الله بن الزبير قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّما فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما يغضبها» (٢).

رواه أحمد والترمذي والحاكم والطبراني بأسانيد صحيحة.

الحديث السادس :

عن ابن مسعود عنه عليه الصلاة والسلام :

«إنّ فاطمة أحصنت فرجها ، وإنّ الله أدخلها بإحصان فرجها وذرّيتها الجنّة» (٣).

رواه الطبراني في الكبير بإسناد فيه ضعف (٤).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٣ رقم ٤٧٥٠ وفيه : «إنّما فاطمة مضغة منّي» ، ورواه في السنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ٢٠١ وقال : «رواه البخاري في الصحيح عن ابن الوليد ، ورواه مسلم عن معمر عن سفيان» ، كنز العمّال ١٢ : ١١١ رقم ٣٤٢٤١ ، فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٧٥٥ رقم ١٣٢٤.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٣ رقم ٤٧٥١ قال : «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرّجاه» وفيه :

«وينصبني ما ينصبها» ، المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٥ رقم ١٠١٣ ، فضائل الصحابة لأحمد ٢ : ٧٥٦ رقم ١٣٢٧ ، الجامع الصحيح للترمذي ٥ : ٦٩٨ رقم ٣٨٦٩ وقال : «حديث حسن صحيح».

(٣) المعجم الكبير ٣ : ٤١ رقم ٢٦٢٥ وفيه : «حصّنت» ، كنز العمّال ١٢ : ١١١ رقم ٣٤٢٣٩ وفيه : «حصّنت» أيضا ، ورواه في الجامع الصغير ١ : ٢٧٠ رقم ٢٣٢٤ بتفاوت يسير ، فيض القدير ٢ : ٤٦٢ ذكره في ضمن شرح الحديث رقم ٢٣٠٩.

(٤) سيأتي الكلام عن سند الحديث في الحديث السابع.

٦٢

الحديث السابع :

عنه أيضا :

«إنّ فاطمة حصّنت (١) فرجها ، فحرّمها الله وذرّيتها على النار» (٢).

رواه الحاكم وأبو يعلى والطبراني بإسناد ضعيف (٣) ، لكن عضده في رواية البزّار له بنحوه (٤) ، وبه صار حسنا.

والمراد بالنار نار جهنّم ، فأمّا هي وابناها فالمراد في حقّهم التحريم المطلق (٥).

أمّا الحديث فهو محمول على أولادها فقط ، وبه فسّره أحد روايتي أبو كريب وعلي بن موسى الرضا عليه‌السلام : ذكروا أنّ زيد بن موسى الكاظم خرج على المأمون ، فظفر به ، فبعث به لأخيه علي الرضا ، فوبّخه الرضا وقال له : يا زيد ، ما أنت قائل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سفكت الدماء ، وأخفت السبل ، وأخذت المال من غير

__________________

(١) في النسخة (ز) : أحصنت.

(٢) مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٥ رقم ٤٧٢٦ قال : «هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرّجاه». وفيه : «أحصنت» ، المعجم الكبير ٣ : ٤٢ رقم ٢٦٢٥ و ٢٢ : ٤٠٦ رقم ١٠١٨ ، كنز العمّال ١٢ : ١٠٨ رقم ٣٤٢٢٠ وفيه : «أحصنت» ، ورواه في الجامع الصغير ١ : ٢٧٠ رقم ٢٣٢٤ وفيه : «أحصنت» ، كشف الأستار عن زوائد البزّار ٣ : ٢٣٥ رقم ٢٦٥١ ، ذخائر العقبى : ٩٥ وقال : «أخرجه تمام في فوائده ، وتمام هو الحافظ أبو القاسم تمام بن محمّد بن عبد الله الرازي» ، نور الأبصار : ٥٢.

(٣) وضعفه لأجل عمرو بن غياث فقط ، قال المناوي : «ضعّفه الدار قطني ، وكان من شيوخ الشيعة» (فيض القدير ٢ :

٤٦٣). وقال ابن حجر في ترجمته في لسان الميزان : «وهو من شيوخ الشيعة من أهل الكوفة». فالضعف المزعوم إنّما هو لأجل مذهب الرجل ، فلا عبرة إذا بهذا التضعيف. وقد أنصف الحاكم حيث قال : «هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرّجاه» (المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٥).

هذا وقد عضده البزّار من طريق آخر ، وعدّه المصنّف حسنا.

(٤) مسند البزّار ٥ : ٢٢٣ رقم ١٨٢٩ من حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّم الله ذرّيتها على النار» ، وراجع مختصر زوائد البزّار للعسقلاني ٢ : ٣٤٣ رقم ١٩٨٩.

(٥) وهو قول المناوي في فيض القدير ٢ : ٤٦٢ في شرح الحديث رقم ٢٣٠٩.

٦٣

حلّه؟! غرّك أنّه قال : «إنّ فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّمها الله وذرّيتها على النار؟» إنّ هذا لما خرج من بطنها فقط (١).

وأخرج أبو نعيم والخطيب عن محمّد بن يزيد قال : كنت ببغداد ، فقال : هل لك في من يدخلك إلى علي ابن الرضا عليه‌السلام؟ قلت : نعم ، فأدخلني ، فسلّمنا عليه وجلسنا ، فقلت له : حديثا : «إنّ فاطمة أحصنت فرجها .....» إلى آخره ، عامّ أو خاصّ؟

فقال عليه‌السلام : بل خاصّ بالحسن والحسين (٢).

الحديث الثامن :

عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة :

«إنّ الله غير معذّبك ولا ولدك ـ يعني الحسن والحسين ـ بالنار» (٣).

رواه الطبراني.

الحديث التاسع :

عن عمر بن الخطاب عنه عليه الصلاة والسلام :

«إنّ فاطمة وعليا والحسن والحسين في حظيرة القدس ، في قبّة بيضاء ، سقفها عرش الرحمن» (٤).

__________________

(١) فيض القدير ٢ : ٤٦٢ رقم ٢٣٠٩.

(٢) تاريخ بغداد ٣ : ٥٤ رقم ٩٩٧ ، ورواه في فيض القدير ٢ : ٤٦٢ في شرح الحديث رقم ٢٣٠٩.

(٣) المعجم الكبير ١١ : ٢١٠ رقم ١١٦٨٥ ، وراجع كنز العمّال ١٢ : ١١٠ رقم ٣٤٢٣٦ ، ومجمع الزوائد ٩ : ٣٢٦ رقم ١٥١٩٨ وقال : «رواه الطبراني ورجاله ثقات» ، وسبل الهدى ١١ : ٥ ، والسيّدة الزهراء : ٧٤ و ١٦١.

أقول : إنّ الحديث مطلق ، والتفسير بالحسن والحسين من أحد الرواة وهو أبو كريب ، والجميع رووه من دون عبارة «يعني الحسن والحسين» ويدلّ على ما نقول : تصريح الصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد ١١ : ٥ حيث قال : «زاد ابن كريب : الحسن والحسين».

(٤) كنز العمّال ١٢ : ٩٨ رقم ٣٤١٦٧ وقال : «رواه ابن عساكر عن عمر ، وفيه : عمرو بن زياد الثوباني ، قال

٦٤

رواه ابن عساكر بإسناد ضعيف جدا ، بل قيل بوضعه (١).

الحديث العاشر :

عن المسوّر بن مخرمة قال : إنّ عليا خطب بنت أبي جهل ، فقال المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«إنّ فاطمة بضعة منّي ، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها ، وإنّي لست أحرّم حلالا ولا أحلّ حراما ، لكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد أبدا» (٢).

رواه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة.

الحديث الحادي عشر :

عن المسوّر بن مخرمة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول وهو على المنبر :

إنّ بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن لهم ، ثمّ لا آذن لهم ، ثمّ لا آذن لهم ، إلّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، وإنّي لست أحرّم حلالا ولا أحلّ حراما ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله أبدا.

رواه الشيخان (٣). زاد في رواية : «فإنّما فاطمة بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها» (٤).

__________________

الدار قطني : يضع الحديث». هذا وذكره ابن حبّان في الثقات ٨ : ٤٨٨ ، وابن حجر في لسان الميزان ٥ : ٣٠٥ رقم ٦٣٢٦ وقال : «ذكره ابن حبّان في الثقات».

(١) لم ينصّ أحد على أنّ هذا الحديث موضوع ، كما ولم يذكر في كتب الموضوعات ، ووصفه بالضعيف إنّما هو لأجل عمرو بن زياد الثوباني ، وقد ذكره ابن حبّان في الثقات ٨ : ٤٨٨ كما تقدّم.

(٢) كنز العمّال ١٢ : ١٠٦ رقم ٣٤٢١٢. وسيأتي الكلام حول هذا الحديث والحديث الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر عند الحديث الرابع عشر ، لأنّ موضوعها واحد ، وهو قصّة خطبة علي لابنة أبي جهل.

(٣) صحيح البخاري ٥ : ٢٠٠٤ رقم ٤٩٣٢ باب : ذبّ الرجل عن ابنته ، صحيح الترمذي ٥ : ٦٩٨ رقم ٣٨٦٧.

(٤) صحيح البخاري ٥ : ٢٠٠٤ رقم ٤٩٣٢ ، المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٤ رقم ١٠١٠ و ١٠١١.

٦٥

الحديث الثاني عشر :

عن سرير بن عقلة (١) قال :

خطب علي بنت أبي جهل ، فاستشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : عن حسبها تسألني؟ قال : لا ، ولكن أتأمرني بها؟ قال : لا ، فاطمة بضعة منّي ، ولا أحسب إلّا أنّها تحزن أو تجزع ، فقال علي : لا آتي بما تكرهه (٢).

الحديث الثالث عشر :

عن أسماء بنت عميس قالت :

خطبني علي ، فبلغ ذلك فاطمة ، فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقالت : إنّ أسماء متزوّجة عليا ، قال : ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله.

رواه الطبراني (٣).

الحديث الرابع عشر :

عن ابن عباس :

إنّ عليا خطب بنت أبي جهل ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن كنت تزوّجتها فردّ علينا ابنتنا. والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله تحت رجل واحد.

رواه الطبراني في معاجيمه (٤) ... (٥)

__________________

(١) في النسخة (ز) : سويد بن غفلة. وهذا هو الصحيح والمطابق لكتب الحديث.

(٢) مصنّف ابن أبي شيبة ٧ : ٥٢٧ باب : مناقب فاطمة.

(٣) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٥ رقم ١٠١٥.

(٤) المعجم الصغير ٢ : ١٦.

(٥) إنّ هذه الأخبار المتقدّمة ، والّتي تتحدّث عن قصة خطبة علي لابنة أبي جهل ، ما هي إلّا أخبار موضوعة

٦٦

__________________

وغير معروفة عند أهل النقل ، ولإثبات ذلك يقع الكلام في ضمن نقاط :

الأولى : من جهة تاريخية

ذكر ابن حجر : أنّ حادثة الخطبة كانت في السنة السابعة أو الثامنة. (تهذيب التهذيب ١٠ : ١٣٨) مع أنّ جويرية بنت أبي جهل كانت في ذلك الزمان كافرة ، وكانت بمكّة ، ولم تسلم إلّا بعد عام الفتح الّذي هو بالاتّفاق بين المسلمين سنة ثمان للهجرة!

قال في شرح النهج : «عند ما دخل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى مكة عام الفتح كانت من الكفّار ، ولمّا أذّن بلال قالت : أمّا الصلاة فسنصلّي ، ولكن والله لا نحبّ من قتل الأحبّة أبدا!» (شرح النهج ١٧ : ٢٨٣).

فجويرية كانت كافرة ، وكانت في المدينة إلى عام الفتح. والخطبة المزعومة كانت في السنة السابعة أو الثامنة على قول ابن حجر ، فكيف وقعت الخطبة؟! هذا مضافا إلى التصريح بأنّها كانت تبغض عليا.

والثانية : من جهة السند

لنتكلّم أولا عن الرواة المباشرين ، والذين يدّعى أنّهم سمعوه من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ورووه بلا واسطة ، ثم نتحدّث بعد ذلك عن الرواة غير المباشرين.

(أولا) : الرواة المباشرين والذين يدّعى أنّهم سمعوه من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

١ ـ عبد الله بن الزبير

قال الواقدي : «إنّه ولد في السنة الثانية للهجرة» (الإصابة ٢ : ٣٠٩)

وفي أسد الغابة ٣ : ٢٤٢ : «أنّه ولد في السنة الأولى أو بعد عشرين شهرا من الهجرة». وفي تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٣ إنّه كان غلاما في خلافة عمر». وفي الرسالة للشافعي : «إنّ عبد الله بن الزبير كان له عند موت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله تسع سنين». (الإصابة ٢ : ٣١٠).

فتكون ولادته على قول الشافعي في السنة الثالثة للهجرة ، وقصة خطبة بنت أبي جهل كانت في السنة السابعة أو الثامنة للهجرة على ما تقدّم من قول ابن حجر في التهذيب ، فيكون عمر ابن الزبير في تلك السنة هو خمس سنين على قول الواقدي ، وأمّا على قول الشافعي والمزي في تهذيب الكمال فسيكون عمره ثلاث أو أربع سنين فقط!!

فكيف سمع من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بتلك السنّ ، وحدّث به مع وجود المئات من الصحابة من مشايخهم وشبّانهم ولم يسمعوه ولم يحدّثوا به؟! مع أنّ الخبر يقول : «إنّ النبيّ صعد المنبر وقال ...» ، فهل كان المسجد خاليا من الأصحاب إلّا من صبي لا يتجاوز من العمر الخمس سنين؟!

وأمّا حال عبد الله بن الزبير وموقفه من علي بن أبي طالب وأهل البيت عليهم‌السلام ، قال في شرح النهج : «كان يبغض عليا وينتقصه ، وينال من عرضه ، وروى الواقدي والكلبي أنّه ترك أيام ادّعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلّي على النبيّ ، وقال : إنّ له أهيل سوء ينغضون رءوسهم عند ذكره!! (شرح النهج ٤ : ٦٢).

٦٧

__________________

وكان يقول لابن عباس : إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة! (نفس المصدر). وروى عمر بن شبّة عن سعيد بن جبير قال : «خطب عبد الله بن الزبير فنال من علي ، فبلغ ذلك محمّد بن الحنفية ، فجاء إليه وهو يخطب .....» (المصدر) وقال : «وكان يلعن ويسبّ علي بن أبي طالب» (المصدر : ٧٩).

فمثل هذا الرجل الّذي كان ينال منه ومن عرضه ، وعرض علي هي فاطمة ، وقد تقدّم عن السهيلي والمناوي وابن حجر أنّ من سبّها يكفر ، فلا يقبل قوله ؛ لأنّه أوّل المتّهمين بوضع هذه الأخبار ، مع أنّ عمره في ذلك الزمان كان أقلّ من خمس سنين.

وأمّا شهادات الآخرين بحقّ عبد الله بن الزبير :

* قول معاوية له : «لو لا بغض علي بن أبي طالب لجررت برجلي عثمان». (تاريخ دمشق ٢٨ : ٢٠١).

* وقول معاوية أيضا وقد سافر معه : «إنّما أنت يا ابن الزبير ثعلب روّاغ ، تدخل من جحر وتخرج من جحر» (المصدر السابق).

* وقول عثمان له حين حوصر وقد طلب منه ابن الزبير الخروج إلى مكة ، قال عثمان : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يلحد بمكة كبش من قريش ، اسمه عبد الله ، عليه مثل أوزار الناس ، ولا أراك إلّا إيّاه». المصدر المتقدّم : ٢١٩) وقد رواه ابن عساكر بطرق أخرى عن عبد الله بن عمر وعن عبد الله بن عمرو بن العاص.

* ونقل ابن قتيبة : «إنّ أوّل شهادة زور وقعت في الإسلام كانت شهادة عبد الله بن الزبير ، حين حلف لعائشة في مسير البصرة ، حين نبحتها كلاب الحوأب ، فحلف لها ابن الزبير بالله أنّه خلفه أوّل الليل» (الإمامة والسياسة ١ : ٥٧).

* ونقل في الإصابة : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال له وهو صغير : «الويل للناس منك» (الإصابة ٢ : ٣٧).

* وقال علي بن زيد الجرجاني عنه : «كان بخيلا سيّئ الخلق ، حسودا كثير الخلاف». (الاستيعاب ٣ : ٤٠).

وأخيرا نقول : إنّ عبد الله بن الزبير لم يسمع من النبيّ ؛ لأنّه كان في سنّ لا تسمح له بالسماع والتحديث ، وكان بشهادة ابن قتيبة من الكذّابين ، وحذّر منه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة رواية عثمان وخبر الإصابة.

٢ ـ عروة بن الزبير

ولد في خلافة عمر سنة ١٩ ه‍ كما في تقريب التهذيب ٢ : ٢٢.

وقال المزي في تهذيب الكمال : «إنّه ولد سنة ثلاث وعشرين. وقال خليفة بن خياط : في آخر خلافة عمر.

وقال الغلابي : ولد لستّ سنين خلت في خلافة عثمان. وقال الأنطاكي : ولد سنة تسع وعشرين».

(تهذيب الكمال ٢٠ : ٢٢).

فالكلّ متّفقون على أنّ عروة بن الزبير ولد في خلافة عمر أو في خلافة عثمان ، فكيف سمع من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمّا حال عروة فهو حال أخيه :

* روى عاصم عن يحيى بن عروة أنّه قال : «كان أبي إذا ذكر عليا نال منه». (شرح النهج ٤ : ١٠٤).

٦٨

__________________

* وروى جرير عن محمّد بن شيبة قال : «شهدت مسجد المدينة فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليا وينالان منه». (المصدر : ١٠٢).

وقد شهد الزهري بذلك وهو صاحبه في البغض والعداء ، فقد روى عبد الرزاق عن معمر قال : «كان عند الزهري حديثان عن عروة وعائشة في علي عليه‌السلام ، فسأله عنهما يوما ، فقال : ما تصنع بهما وبحديثهما؟ الله أعلم بهما أنّي لأتّهمها في بني هاشم!» (المصدر : ٦٤).

* ونقل العسقلاني : «إنّ عروة كان يحدّث بحديث ينتقص به فاطمة ، فبلغ ذلك علي بن الحسين ، فانطلق إلى عروة فقال : ما حديث بلغني عنك تحدّث به تنتقص فيه حقّ فاطمة ...» (مختصر زوائد البزّار ٢ : ٣٥٨ رقم ٢٠٠٩).

* وقال ابن حجر : «حضر الجمل مع عائشة وكان صغيرا». (تهذيب التهذيب ، ٧ : ١٦١).

٣ ـ المسوّر بن مخرمة

وأكثر طرق الحديث تنتهي إلى المسوّر هذا ، وقد زعم هو أنّه سمع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنبر يقول ... ، كما تقدّم.

وقد قال في الاستيعاب : «قبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسوّر ابن ثمان سنين». (الاستيعاب ٣ : ٤٥٥) فتكون ولادته في السنة الثالثة للهجرة.

وقال الذهبي : «ولد بعد الهجرة بعامين». (سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩٤) ومثله في تهذيب التهذيب ١٠ : ١٣٨.

وتقدّم عن ابن حجر أنّ الخطبة كانت في السنة السادسة للهجرة ، فيكون عمر المسوّر آنذاك أربع سنين على رواية الذهبي ، وعلى رواية الاستيعاب عمره سنة واحدة! وعلى كلا التقديرين لم يسمع المسوّر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأمّا حال المسوّر فهو حال خليليه : عبد الله وعروة ابنا الزبير. فقد انحاز مع ابن الزبير إلى مكة ، وكان ابن الزبير لا يقطع أمرا دونه على حدّ قول الذهبي. (سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩٣).

وقال : «والمرء على دين خليله ، وقتل مع ابن الزبير في مكّة ، وقد أصابه حجر المنجنيق بالكعبة. وكان المسوّر يرى رأي الخوارج الذين يكفّرون عليا ، وكانوا يعظّمونه ويأخذون برأيه. قال الزبير بن بكّار : كانت الخوارج تغشاه وينتحلونه». (سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩١).

وفي الاستيعاب قال : «كانت تغشاه الخوارج ، وتعظّمه ، وتبجّل رأيه». (٣ : ٤٥٦).

وقال عنه صاحبه عروة بن الزبير : «فلم أسمع المسوّر ذكر معاوية إلّا صلّى عليه!» (سير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩٢).

وقد أنصف ابن حجر هنا حيث قال : «وهو مشكل المأخذ ؛ لأنّ المؤرّخين لم يختلفوا أنّ مولده كان بعد الهجرة ، وقصّة الخطبة كانت بعد مولد المسوّر بنحو ستّ سنين أو سبع ، فكيف يسمّى محتلما؟!» (تهذيب التهذيب ١٠ : ١٣٩).

٤ ـ سويد بن غفلة

قال ابن حجر في التقريب : «قدم المدينة يوم دفن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١ : ٣٢٨).

٦٩

__________________

وقال في تهذيب التهذيب : «قدم المدينة حين نفضت الأيدي من دفن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٤ : ٢٥٢).

فسويد إذا لم يلق النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم يره ، ولم يسمع منه شيئا.

٥ ـ عامر الشعبي

قال ابن حجر : «المشهور أنّ مولده كان لستّ سنين خلت من خلافة عمر». (تهذيب التهذيب ٥ : ٦٢) فالشعبي لم ير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ونقل المزي في تهذيب الكمال : «إنّ الشعبي كان من أعوان بني أمية ، وتولّى لهم القضاء» (١٤ : ٣٦).

مع أنّ بني أمية وعمّالهم ووعّاظهم هم أوّل المتّهمين بوضع الأحاديث في النيل من علي عليه‌السلام وولده ، وسيرتهم شاهد صدق على ذلك.

(ثانيا) : الرواة غير المباشرين

١ ـ محمّد بن مسلم الزهري

قال الذهبي : «كان يدلّس». (ميزان الاعتدال ٤ : ٤٠).

وقال ابن معين : «الزهري يعمل لبني أمية». (تهذيب التهذيب ٤ : ٢٠٤).

وشهد الذهبي بذلك فقال : «إنّ البعض لم يأخذ عن الزهري لكونه مداخلا للخلفاء». (سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٣٩). هذا ويذكر الذهبي أنّ يزيد بن عبد الملك قد جعله قاضيا في الشام. وجعله هشام بن عبد الملك معلّما لأولاده ، وكان الزهري يقول : نشأت وأنا غلام ، ثمّ دخلت على عبد الملك بن مروان ، ثمّ لزمت هشام بن عبد الملك. (سير أعلام ٥ : ٣٣١ ، ٣٣٧).

وكان مكحول يقول : «أفسد نفسه بصحبة الملوك». (المصدر السابق : ٣٣٩).

هذا وروى جرير بن عبد الحميد عن محمّد بن شيبة قال : «شهدت مسجد المدينة ، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليا عليه‌السلام فنالا منه». (شرح النهج ٤ : ١٠٢).

٢ ـ زكريا بن أبي زائدة الّذي يروي خبر الخطبة عن الشعبي.

قال أبو حاتم : «إنّه لم يسمع من الشعبي». (تهذيب الكمال ٩ : ٣٦٢).

وقال أبو زرعة : «يدلّس كثيرا عن الشعبي». (المصدر : ٣٦١).

وقال ابن حجر : «ليّن الحديث». (تهذيب التهذيب ٣ : ٢٩٣).

٣ ـ سفيان بن عيينة الّذي يروي خبر الخطبة عن الزهري.

قال الذهبي : «وكان سفيان مشهورا بالتدليس». (سير أعلام النبلاء ٨ : ٤٦٥).

وقال أحمد : «دخل سفيان بن عيينة على معن بن زائدة ، ولم يكن سفيان تلطّخ بعد بشيء من أمر السلطان».

(المصدر السابق : ٤٥٩).

فهذه شهادة من الإمام أحمد عليه ، بل أنّ عبارته «تلطّخ» تدلّ على أكثر من الدخول في أمر السلطان.

٧٠

__________________

٤ ـ عبد الله بن أبي مليكة الّذي يروي الخبر عن المسوّر بن مخرمة.

والرجل كان على رأي عبد الله بن الزبير ، وكان قاضيه ومؤذّنه على ما ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء ٥ : ٨٩.

٥ ـ عبيد الله بن تمام أبو عاصم الّذي يروي الخبر عن الحذّاء عن عكرمة عن ابن عباس.

قال ابن حجر : «ضعّفه الدار قطني وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم ، وقال أبو حاتم : روى أحاديث منكرة. وقال الساجي : كذّاب ، يحدّث بمناكير عن يونس وخالد. وذكره ابن الجارود والعقيلي في الضعفاء». (لسان الميزان ٤ : ٥٢٦ رقم ٥٤٣٧).

كما ذكره ابن حبّان في المجروحين وقال : «لا يحلّ الاحتجاج بخبره». (المجروحين ٢ : ٦٧) ، وابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين ٣ : ١٦١ رقم ٢٢٣٤ ، والذهبي في ديوان الضعفاء ٢ : ١٣٥ رقم ٢٦٨٨ ، وفي المغني في الضعفاء ٢ : ١٦ رقم ٣٩١٥.

هذا وسئل أبو زرعة عن عبيد الله بن تمام ، فقال : ضعيف الحديث ، وأمر أن يضرب على حديثه. (الجرح والتعديل للرازي ٥ : ٣٠٩ رقم ١٤٧١).

٦ ـ عبد الله بن لهيعة الّذي يروي الخبر عن ابن أبي مليكة المتقدّم.

قال الذهبي : «روى المناكير ، أعرض أصحاب الصحاح عن رواياته ، وكان يحيى بن سعيد القطّان لا يراه شيئا ، وقال النسائي : ليس بثقة. وقال يحيى بن معين : لا يحتجّ به. وقال ابن حبّان : سبرت أخبار ابن لهيعة ، فرأيته كان يدلّس عن أقوام ضعفى». (سير أعلام النبلاء ٨ : ١٤).

٧ ـ سليمان بن قرم بن معاذ الضبي

وهو من رواة الحديث الثالث عشر الّذي يحكي خطبة علي لأسماء بنت عميس.

قال ابن أبي حاتم عن الدوري : «سمعت يحيى بن معين يقول : سليمان بن معاذ ليس بشيء ، وهو ضعيف».

(الجرح والتعديل ٤ : ١٣٦).

ونقل ابن حجر : «قال ابن معين : ضعيف ، وقال النسائي : ضعيف». (تهذيب التهذيب ٤ : ١٩٣ رقم ٢٦٩٤).

هذا وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء ١ : ٤٤٢ رقم ٢٦١٣.

والنقطة الثالثة : من جهة متن الخبر

يوجد تهافت واضح بين هذه الأخبار من جهات عدّة :

الأولى : تناقض في كيفية الخطبة ، فإنّ بعضها يقول : «خطب علي» وبعضها : «ذكر علي ابنة أبي جهل» وبعضها بلفظ : «إنّ أهل المخطوبة استأذنوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله»! مع أنّ قصة الخطبة لم تتكرّر ، بل هي واقعة واحدة.

الثانية : تناقض في كيفية سماع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخطبة ، فإنّ بعض هذه الأخبار تقول : «استأذنوني أهل المرأة» ، وبعضها : «إنّ عليا استأذن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وبعضها : «إنّ فاطمة أخبرت النبيّ» ، وبعضها : «إنّ الناس قالوا للنبي : ألا تغار لبناتك»!!

٧١

__________________

الثالثة : تناقض من جهة الحكم الصادر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في الجمع بين بنت رسول الله وبنت عدو الله ، ففي بعضها قال : «لا تجتمع» وهو ليس صريحا في التحريم ، وفي بعضها قال : «ليس لأحد» وهذا ظاهر في الحرمة لعموم المسلمين ، وفي بعضها قال : «لم يكن له ذلك» وهذا حكم يختصّ بعليّ فقط.

فهل يعقل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في حادثة واحدة ، وكلام واحد ، وفي قضية واحدة ، يعطي ثلاثة أحكام متناقضة؟! حاشا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والنقطة الرابعة : في حال بنت أبي جهل

١ ـ ذكر ابن حجر وغيره : أنّ اسمها «جويرية». (الإصابة ٤ : ٢٦٥).

٢ ـ أنّها تلقّب بالعوراء ، وهذا اللقب ورد في رواية مصنّف عبد الرزاق ٧ : ٣٠٠ رقم ١٣٢٦٦ قال : «إنّ عليا خطب العوراء»! وواضح أنّ المقام هنا ليس مقام المدح ، بل هو مقام الذم ، وكانت العرب تستعمله للذمّ وللتشاؤم ، قال الزبيدي في تاج العروس : «الأعور هو الرديّ من كلّ شيء ، ويقال للغراب : أعور على التشاؤم ، لأنّ الأعور عندهم مشئوم ، ويقال : الكلمة العوراء ، أي القبيحة ، وفلاة عوراء ، أي : لا ماء بها».

والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ما يتحدّث أمام الجموع وهو على المنبر ويقول «العوراء» فلا بد أنّ الجميع يفهمون ما المراد ، ومن هي العوراء ، ومعنى ذلك أنّها كانت مشهورة بالقبح والشؤم بين العرب!

٣ ـ أنّها أسلمت بعد عام الفتح ، أي سنة ثمان للهجرة ، وكانت قبل ذلك من الكفّار. راجع شرح النهج ١٧ : ٢٨٣.

وقصة الخطبة كانت في السنة السابعة للهجرة ، كما في تهذيب التهذيب ١٠ : ١٣٨.

وهذا وحده كاف في الحكم على هذا الخبر بالوضع ، لأنّها كانت في السنة السابعة من الكفّار في مكّة ، وحرمة نكاح الكفّار معلوم عند الجميع ، فكيف يخفى على رجل مثل عليّ وهو نفس النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟!

٤ ـ أنّها كانت من المبغضين لعلي عليه‌السلام. قال في شرح النهج ١٧ : ٢٨٣ : «ولمّا أذّن بلال قالت : أمّا الصلاة فسنصلّي ، ولكن والله لا نحبّ من قتل الأحبّة أبدا.

والنقطة الخامسة : أنّ رواية «فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني أو من آذاها آذاني» مروية في الصحاح والمسانيد وكتب الحديث ، من دون قصة الخطبة ، فقد رواها البخاري بحاشية السندي ٢ : ٥٥٠ رقم ٣٧٦٧ ، ورواه في باب : مناقب قرابة الرسول رقم ٣٧١٤ ، وقال ابن حجر في فتح الباري ٧ : ٤٧٧ : «أخرجه الترمذي وصحّحه» ، المعجم الكبير للطبراني : ٢٢ : ٤٠ رقم ١٠١٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ : ٥٢٦ باب : مناقب فاطمة ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ٩٧ رقم ٨٣٧٢ ، كنز العمّال ١٢ : ١٠٨ رقم ٣٤٢٢٢ ، البيان والتعريف ١ : ١١٦ رقم ٢٧١ وقال : «أخرجه الشيخان وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم» ، الفردوس ٣ : ١٦١ رقم ٤٢٨٢ ، سبل الهدى ٥ : ٩ و ١٠ : ٣٢٧ ، تهذيب الكمال ٣٥ : ٢٥٠ ، تاريخ دمشق ٣ : ١٥٦ وقال : «رواه مسلم في صحيحه» ، كشف الخفاء ٢ : ٨٠ رقم ١٨٢٩ وقال : «رواه الشيخان عن المسوّر بن مخرمة ، ورواه أحمد والحاكم والبيهقي».

وغير ذلك من كتب الحديث والمناقب والتراجم ؛ كالجامع الصغير للسيوطي ، والآحاد والمثاني ، وفضائل

٧٢

الحديث الخامس عشر :

عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة :

«إنّ الله يرضى لرضاك ، ويغضب لغضبك» (١).

رواه الطبراني بإسناد حسن.

__________________

الصحابة لأحمد ، ومصابيح السنّة للبغوي ، وشرح السنّة ، وفيض القدير ، والإصابة ، ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ، وأمالي أبي نعيم الأصبهاني ، وينابيع المودّة ، وغيرها.

والنقطة السادسة :

أنّ خبر الخطبة تكذّبه سيرة علي وفاطمة عليهما‌السلام.

فعليّ لم يعهد منه أنّه خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوما ، ولم ينقل التاريخ أنّه عمل عملا يكرهه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف بأمر يؤذي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! وهذا الأمر معلوم لمن راجع سيرته مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. وأمّا الزهراء ، فإنّ الله هو الّذي اختار لها عليا وزوّجها به ، والله لا يختار لها من يؤذيها بشيء أبدا.

ثمّ هي سيدة نساء أهل الجنّة ، وسيدة نساء المؤمنين ، ولازم ذلك أنّها أفضل نساء المؤمنين ونساء أهل الجنّة علما وعقلا ، ودينا وتقوى ، وورعا وفهما ، فكيف يخاف النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تفتن في دينها كما تقول القصة؟! وحاشاه من ذلك.

ثمّ إنّ القصة تسيئ للنبي أيضا ، فالزواج من أربع نسوة حلال محلّل ، فكيف يتأذّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله منه؟!

ولو قيل : إنّ الحكم هو : حرمة الجمع بين بنت نبي الله وبين بنت عدوّ الله ، فهذا يكذّبه ويردّه : أنّ عثمان بن عفّان تزوّج رملة بنت عدوّ الله شيبة على رقية بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ٨ : ٢٣٩ ، وأسد الغابة ٥ : ٤٥٩ ، والإصابة في ترجمة رملة بنت شيبة. فلما ذا لم ينه النبيّ عن ذلك؟ ولما ذا لم يخف على رقية أن تفتن في دينها؟!

وإذا قيل : إنّ هذا الحكم مختصّ بعلي وفاطمة فقط ، نقول : أولا : أنّه لا دليل على الاختصاص ، وثانيا : لو سلّم به ، كيف لم يعلم به الإمام علي وهو باب مدينة علم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعيبة علمه ، وهو القائل صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أعلمكم علي» ، و «أقضاكم علي» ، و «علي مع الحقّ والحقّ مع علي ، يدور معه حيثما دار» ، و «علي يؤدّي عنّي»؟!

(١) المعجم الكبير ١ : ١٠٨ رقم ١٨٢ بتقديم وتأخير ، و ٢٢ : ٤٠١ رقم ١٠٠١ ، ورواه في مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٧ رقم ٤٧٣٠ قال : «حديث صحيح ولم يخرّجاه». كنز العمّال ١٣ : ٦٧٤ رقم ٣٧٧٢٥ ، الآحاد والمثاني ٥ : ٣٦٣ رقم ٢٩٥٩ ، ذخائر العقبى : ٨٢ ، نظم درر السمطين : ١٧٧ ، مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٨ رقم ١٥٢٠٤ قال : «رواه الطبراني وإسناده حسن».

٧٣

الحديث السادس عشر :

عن فاطمة الزهراء قالت : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يا فاطمة ، أما ترضين أن تأتي يوم القيامة سيدة نساء المؤمنين» (١).

رواه الديلمي.

الحديث السابع عشر :

عن أبي هريرة قال : قال عليه الصلاة والسلام :

«يا فاطمة ، اشتري نفسك من الله ولو بشقّ تمرة» (٢).

رواه الديلمي أيضا.

الحديث الثامن عشر :

عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يا فاطمة ، اصبري على مرارة الدنيا» (٣).

رواه ابن لال (٤) في المكارم.

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٢٣١٧ كتاب الاستئذان ، صحيح مسلم ٧ : ١٤٣ باب : فضائل فاطمة ، سنن ابن ماجة ١ : ٥١٨ رقم ١٦٢١ باب : مرض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مسند ابن راهويه ٥ : ٧ رقم ٢١٠٢ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ٩٦ رقم ٨٣٦٨ ، مسند أبي يعلى ١٢ : ١١٢ رقم ٦٧٤٥ ، رياض الصالحين : ٣٤٥ رقم ٦٨٧ قال : «متّفق عليه ، وهذا لفظ مسلم» ، كنز العمّال ١٢ : ١٠٧ رقم ٣٤٢١٦ ، سبل الهدى ١٠ : ٣٢٦ قال : «حديث صحيح». الآحاد والمثاني ٥ : ٣٦٧ رقم ٢٩٦٧ ، تهذيب الكمال ٣٥ : ٢٤٩ رقم ٧٨٩٩ ، تاريخ دمشق ٣ : ١٥٥ ، ذخائر العقبى : ٨٤ ، ينابيع المودّة ٢ : ٧٥ ، نظم درر السمطين : ١٧٩.

(٢) روى المتقي الهندي في الكنز ١٦ : ١٩ رقم ٣٤٧٥٢ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قاله لعمّته صفية.

(٣) كنز العمّال ١٢ : ٤٢٢ رقم ٣٥٤٧٥ قال : «رواه ابن لال وابن مردويه وابن النجّار والديلمي».

(٤) في نسخة (ز) : ابن بلال. والصحيح هو ابن لال ، كما في كنز العمّال ، وابن لال هو أحمد بن علي بن لال الهمداني الشافعي ، ترجم له الذهبي مفصّلا في سير أعلام النبلاء ١٧ : ٧٥.

٧٤

الحديث التاسع عشر :

عن عكرمة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«يا فاطمة ، إنّي ما أليت أن انكحتك خير أهلي» (١).

رواه ابن سعد عنه مرسلا.

الحديث العشرون :

عن أبي هريرة ، عنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال :

«يا فاطمة ، ما لي لا أسمعك بالغداة والعشي تقولين : يا حيّ يا قيّوم ، برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كلّه ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين» (٢)

رواه الخطيب.

الحديث الحادي والعشرون :

عن أبي هريرة ، عنه عليه الصلاة والسلام قال :

«يا فاطمة بنت محمّد ، اشتري نفسك من النار ، فإنّي لا أملك لك من الله شيئا» (٣).

رواه البيهقي.

الحديث الثاني والعشرون :

عن ابن مسعود قال : أصابت فاطمة صبيحة العرس رعدة ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

(١) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى : ٨ : ٢٠ مسندا إلى أم أيمن ، ورواه في كنز العمّال ١١ : ٦٠٦ رقم ٣٢٩٣٠.

(٢) تاريخ بغداد ٨ : ٤٨ رقم ٤١٠٦ ترجمة الحسين بن سعيد بن سابور ، وليس فيه «طرفة عين». ورواه في كنز العمّال ٢ : ١٦٩ رقم ٣٦٠٦ وليس فيه «طرفة عين» أيضا.

(٣) كنز العمّال ١٦ : ١٩ رقم ٤٣٧٥٢ وهو طرف من حديث طويل ، نظم درر السمطين : ٢٣٧.

٧٥

«يا فاطمة زوجك سيّد في الدنيا ، وإنّه في الآخرة لمن الصالحين» (١).

[رواه أبو نعيم في الحلية] (٢).

الحديث الثالث والعشرون :

عن أنس عنه عليه الصلاة والسلام قال :

«يا فاطمة ، ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به ، أن تقولي : يا حيّ يا قيّوم ، برحمتك أستغيث ، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، واصلح لي شأني كلّه» (٣).

[رواه البيهقي وابن عدي] (٤).

الحديث الرابع والعشرون :

عن أم سلمة قالت :

بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيتي إذ قال الخادم : إنّ عليا وفاطمة بالسدّة (٥) ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : قومي فتنحّي عن أهل بيتي. فدخل علي وفاطمة ومعهما الحسن والحسين ، فأخذ الصبيّين فوضعهما في حجره ، واعتنق عليا بإحدى يديه وفاطمة بالأخرى ، فقبّل فاطمة وقبّل عليا ، فأغدف (٦)

__________________

(١) تاريخ بغداد ٤ : ١٢٩ رقم ١٨٠٥ ترجمة أحمد بن أبي الاخيل ، وفيه : «زوّجتك سيدا» ، تاريخ دمشق ٤٢ : ١٢٨ وزاد في آخره : «قالت أم سلمة : فلقد كانت فاطمة تفخر على النساء حين أوّل» ، المعتصر من المختصر ٢ : ٢٤٧ وفيه : «زوّجتك سيدا في الدنيا وسيّدا في الآخرة ، ولا يبغضه إلّا منافق» ، كشف الغمة ١ : ٣٥٩.

(٢) ما بين المعقوفتين أثبتناه من النسخة (ز).

(٣) الأذكار النووية : ٨٣ رقم ٢٣٠ بتفاوت يسير ، السنن الكبرى للنسائي ٦ : ١٤٧ رقم ١٠٤٠٥ بتفاوت يسير.

(٤) ما بين المعقوفتين أثبتناه من النسخة (ز).

(٥) السدّة : باب الدار.

(٦) أغدف : أرسل وأرخى ، أي : غطّاهم بثوب.

٧٦

عليهم خميصة (١) سوداء ، وقال : «اللهم إليك لا إلى النار ، أنا وأهل بيتي» (٢).

رواه أحمد وغيره.

الحديث الخامس والعشرون :

عن زينب بنت أم سلمة (٣) :

إنّ المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله دخل عليه الحسن والحسين وفاطمة ، فجعل الحسن من شقّ ، والحسين من شقّ ، وجعل فاطمة في حجره ، وقال :

«رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، إنّه حميد مجيد» (٤).

رواه الطبراني وغيره.

الحديث السادس والعشرون (٥) :

عن أبي الحمراء قال :

رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب فاطمة ستة أشهر ، فيقول : (أَنَّما يُرِيدُ

__________________

(١) الخميصة : قال الأصمعي : ثوب من صوف أو خزّ معلّم ، وعن بعض الأعراب : هي الملاءة الليّنة. راجع الفائق في غريب الحديث ٢ : ١٣١. وفي عون المعبود ٣ : ١٢٨ : الخميصة كساء مربّع له علمان أو هي ثوب خزّ أو صوف.

(٢) مسند أحمد ٦ : ٢٩٦ و ٣٠٥ ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ : ٥٠١ رقم ٤١ باب : فضائل علي بن أبي طالب ، المعجم الكبير ٣ : ٥٤ رقم ٢٦٦٧ وفيه : «عطف عليهم خميصة» ، ذخائر العقبى : ٥٦ ، كنز العمّال ١٣ : ٦٤٤ رقم ٣٧٦٢٨ ، وقريب منه رقم ٣٧٦٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٢ رقم ١٤٩٦٩.

(٣) في كنز العمّال وغيره : «زينب بنت أبي سلمى» ، لكن الصحيح هو : بنت أبي سلمة ، كما في ترجمتها في سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٠٠ وكذا في الاستيعاب وأسد الغابة عند ترجمتها.

(٤) المعجم الكبير ٢٤ : ٢٨١ ، كنز العمّال ١٣ : ٦٤٢ رقم ٣٧٦٢٥ ، ورواه في سير أعلام النبلاء ٣ : ٢٠١ ، تاريخ دمشق ٣ : ٢٠٩ و ١٤ : ١٤٦ ، سبل الهدى ١١ : ١٩٠ ، ينابيع المودّة ٢ : ٢٥٥ رقم ٦٣٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٦ رقم ١٤٩٨٤.

(٥) هذا الحديث أثبتناه من النسخة (ز) ، لوجود مسح في نسخة الأصل (ص).

٧٧

اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١).

رواه الطبراني.

__________________

(١) المعجم الكبير ٣ : ٥٦ رقم ٢٦٧٢ ، ومثله برقم ٢٦٧١ عن أنس ، و ٢٢ : ٤٠٢ رقم ١٠٠٢ بطريق آخر عن أنس.

ورواه في مستدرك الحاكم ٣ : ١٧٢ رقم ٤٧٤٨ من حديث أنس ، وقال : «حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرّجاه» ، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ : ٥٢٧ باب : مناقب فاطمة ، مسند الطيالسي : ٢٧٤ رقم ٢٠٦٠ عن أنس وفيه :

«إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يمرّ على باب فاطمة أشهرا» ، مسند أحمد ٣ : ٢٥٩ ، الجامع الصحيح للترمذي ٥ : ٣٥٢ رقم ٣٢٠٦ ، كنز العمّال ١٣ : ٦٤٦ رقم ٣٧٦٣٢ ، مسند أبي يعلى ٧ : ٥٩ رقم ١٢٢٣ ، تحفة الأحوذي ٩ : ٦٦ رقم ٣٢٠٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٧ رقم ١٤٩٨٥ وبرقم ١٤٩٨٦ من حديث أبي برزة ، أسد الغابة ٧ : ٢١٨ ، الدرّ المنثور ٦ : ٦٠٧ ، الآحاد والمثاني ٥ : ٣٦٠ رقم ٢٩٥٣ ، تاريخ دمشق ٤٢ : ١٣٧ وفيه : «تسعة أشهر» ، فتح القدير ٤ : ٢٨٠ ، ميزان الاعتدال ٢ : ٣٨١ وفيه : «سبعة أشهر أو تسعا» ، مناقب الخوارزمي : ٦٠ وفيه : «أربعين صباحا» ، ذخائر العقبى : ٦٠ من حديث أنس ، وقال : «أخرجه أحمد من حديث أبي الحمراء ، وأخرجه عبد الحميد» ، مناقب ابن مردويه : ٤٠٣ رقم ٤٨٩ بلفظ : «رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة فقال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)» ، وأخرجه ابن مردويه برقم ٤٨٦ من حديث أنس ، ورقم ٤٨٧ من حديث أبي سعيد الخدري ، ورقم ٤٩٢ من حديث ابن عباس ، ورقم ٤٨٨ بطريق آخر من حديث أنس.

ولا يخفى أنّ التأكيد من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على تلاوة آية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) بمسمع ومرأى من الصحابة ، وتكرار ذلك الفعل بشكل متواصل ويومي ، ولمدة ستة أو سبعة أو تسعة أشهر أو أربعين صباحا ، وفي وقت الصلاة الّذي يكون عادة حضور الأصحاب فيه متكاملا ، له من المداليل المهمّة. والمظنون قويا أنّ هذا الفعل قد تكرّر من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقد فعله أربعين صباحا ، ثمّ فعله ستة أشهر ، ثمّ سبعة أشهر ، وهكذا ، والّذي يدلّ على ذلك كثرة نقل الواقعة ، ومن أصحاب متعدّدين ، مع تعدّد الفترة واختلاف زمان الفعل.

وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على تأكيد من النبيّ لبيان اختصاص عنوان أهل البيت بهم وحدهم دون غيرهم ، وكذلك بيان اختصاص إذهاب الرجس والتطهير بهم. وبيان أنّ شأن نزول هذه الآية ومن نزلت فيهم هم : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

ويدلّ على ذلك أيضا جملة روايات واردة في شأن نزول آية التطهير ، منها :

(١) عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «نزلت هذه الآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فيّ وفي علي وفاطمة وحسن وحسين». (مجمع الزوائد ٩ : ٢٦٤ رقم ١٤٩٧٦ ، ومثله برقم ١٤٩٩٧ ، ومختصر البزّار للعسقلاني ٢ : ٣٣٢ رقم ١٩٦٢).

(٢) عن سعد بن عامر قال : نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الوحي ، فأدخل علي وفاطمة وابنيهما تحت ثوبه ، ثمّ

٧٨

الحديث السابع والعشرون :

فاطمة الزهراء قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

«كلّ بني آدم ينتمون إلى عصبة (١) ، إلّا ولد فاطمة ، فأنا وليّهم ،

__________________

قال : «اللهم هؤلاء أهلي وأهل بيتي» (مستدرك الحاكم ٣ : ١٥٩ رقم ٤٧٠٨).

(٣) عن أم سلمة قالت : في بيتي نزلت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وفي البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين ، فجلّلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكساء كان عليه ، ثمّ قال : «هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

قال الشوكاني في فتح القدير ٤ : ٢٧٩ : «أخرجه الترمذي وصحّحه وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصحّحه وابن مردويه والبيهقي في سننه من طرق عن أم سلمة». وقال أيضا : «وقد ذكر ابن كثير في تفسيره لحديث أم سلمة طرقا كثيرة في مسند أحمد وغيره». وقد أطال الشوكاني فيه استعراض الطرق للحديث ، تجدر مراجعه.

وكذا فعل السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور ٦ : ٦٠٣ حيث روى حديث أم سلمة وذكر طرقه مفصّلا ، ورواه في تحفة الأحوذي ٩ : ٦٥ رقم ٣٢٠٥ ، والجامع الصحيح للترمذي ٥ : ٣٥١ رقم ٣٢٠٥ في تفسير سورة الأحزاب ، ومسند أحمد ٦ : ٢٩٢.

وما يؤكّد ذلك أيضا : تلاوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لهذه الآية على علي وفاطمة والحسن والحسين دوما أمام زوجاته وأصحابه ، وبكيفيات مختلفة ، والروايات من هذا القبيل كثيرة جدا ، منها :

(١) كان صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا جاء علي وفاطمة والحسن والحسين ألقى عليهم كساء ، ثمّ قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا».

رواه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ : ٦٦ رقم ١٥٩ و ١٦٠ ، وأحمد في المسند ٤ : ١٠٧.

(٢) وعن عائشة قالت : خرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات غداة وعليه مرط مرجل في شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله معه ، ثمّ جاء الحسين فأدخله معه ، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها معه ، ثمّ جاء علي فأدخله معه ، ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً).

السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ١٤٩ باب : فضائل أهل البيت ، صحيح مسلم بشرح النووي ١٥ : ١٦٠ رقم ٦٢١١ ، ومسند ابن راهويه ٣ : ٦٧٨ ، وشرح السنّة للبغوي ٨ : ٨٧ رقم ٣٩١٠ ، والسنّة لابن أبي عاصم : ٩٠١.

وراجع أيضا : المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٥٣ رقم ٢٦٦٦ و ٣ : ٥٤ رقم ٢٦٦٨ و ٣ : ٥٥ رقم ٢٦٦٩ و ٢٦٧٠ ، ومسند أحمد ٤ : ١٠٧ ، وينابيع المودّة ٢ : ٢٢ رقم ٦٢٩ إلى ٦٤٣. وراجع أيضا كتب التفسير ، عند تفسير الآية ٣٣ من سورة الأحزاب.

(١) العصبة : القرابة من قبل الأب ، والعصبة : العشرة فما فوقها ، ومنه قوله : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) وقيل : العشرة إلى

٧٩

وأنا عصبتهم» (١). رواه الطبراني وأبو يعلى.

الحديث الثامن والعشرون :

عن عليّ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«أنا وفاطمة وعلي مجتمعون ومن أحبّنا يوم القيامة ، نأكل ونشرب حتّى يفرق بين العباد».

فبلغ ذلك رجلا من الناس ، فقال : كيف بالعرض والحساب؟ فقال :

كيف بصاحب يس (٢) حين أدخل الجنّة من ساعته (٣).

رواه الطبراني.

الحديث التاسع والعشرون :

عن حذيفة عنه عليه الصلاة والسلام قال :

__________________

الأربعين ، وعصبة الرجل : أولياؤه من الذكور من ورثته. راجع الفروق اللغوية لابن هلال العسكري : ١٠٧ ، وغريب الحديث لابن قتيبة ١ : ٤٤.

(١) المعجم الكبير ٣ : ٤٤ رقم ٢٦٣٢ وفيه : «كلّ بني أم ينتمون ....» ، مسند أبي يعلى ١٢ : ١٠٩ رقم ٦٧٤١ وفيه : «كلّ بني أم ....» ، وراجع في الجامع الصغير ٢ : ٧٠٤ رقم ٦٣١٨ ، كشف الخفاء ٢ : ١١٠ رقم ١٩٦٦ وقال : «له شواهد أيضا عند الطبراني عن جابر مرفوعا : إنّ الله جعل ذرّية كلّ نبي في صلبه ، وإنّ الله جعل ذرّيتي في صلب علي». ورواه في تاريخ بغداد ١١ : ٢٨٥ رقم ٦٠٥٤ في ترجمة عثمان بن محمّد المعروف بابن أبي شيبة ، فيض القدير ٥ : ١٧ رقم ٦٢٩٣.

(٢) صاحب يس هو الّذي ورد ذكره في سورة يس ، والّذي قال : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) فسبق قومه إلى الإيمان فقتلوه ، فأدخله الله الجنّة من ساعته ، فقال : (يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ* بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) ، واسمه حبيب النجّار وقد ورد في الأخبار : «السبّاق ثلاثة : سبق يوشع إلى موسى ، وصاحب يس إلى عيسى ، وعلي إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله». رواه في الآحاد والمثاني ١ : ١٥٠ رقم ١٨٢. وفي كنز العمّال ١١ : ٦٠٣ رقم ٣٢٨٩٨ : «الصدّيقون ثلاثة : حبيب النجّار مؤمن آل يس الّذي قال : يا قوم اتّبعوا المرسلين ، وحزقيل مؤمن آل فرعون الّذي قال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم» رواه أبو نعيم في المعرفة وابن عساكر ، وبرقم ٣٢٨٩٦ رواه ابن مردويه عن ابن عباس.

(٣) المعجم الكبير ٣ : ٤١ رقم ٢٦٢٣ ، وراجع كنز العمّال ١٢ : ٩٨ رقم ٣٤١٦٦ وقال : «رواه ابن عساكر عن علي».

٨٠