إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل

محمّد بن عبدالله الأكراوي القلشقندي الشافعي

إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل

المؤلف:

محمّد بن عبدالله الأكراوي القلشقندي الشافعي


المحقق: محمّد كاظم الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: نگار
الطبعة: ١
ISBN: 964-8889-64-3
الصفحات: ١٥٠

عن دينه ، إنّي لأول من أسلم ، فقال سعد : عزمت عليك لتفرجها عنّي ، فإن لي في ذلك فرجا ، قال : أقول ما ذا؟ قال : تقول : جئت خاطبا إلى الله ورسوله ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : مرحبا ، كلمة ضعيفة.

ثمّ رجع إلى سعد فقال له : لم يزد على أن رحّب بي ، كلمة ضعيفة ، قال : أنكحك والّذي بعثه بالحقّ ، إنّه لا خلف ولا كذب عنده ، أعزم عليك فلتأتينه غدا ، فأتاه فقال : يا نبي الله ، متى تبنيني؟ قال : الليلة إن شاء الله ، ثمّ دعا ثلاثا فقال : زوّجت ابنتي ابن عمي ، وأنا أحبّ أن يكون سنّة أمتي الطعام عند النكاح ، فخذ شاة وأربعة أمداد ، واجعل قصعة اجمع عليها المهاجرين والأنصار ، فإذا فرغت فآذني ، ففعل.

ثمّ أتاه بقصعة فوضعها بين يديه ، فطعن في رأسها وقال : أدخل الناس زفّة بعد زفّة (١) ، فجعلوا يردّون ، كلّما فرغت زفّة وردت أخرى حتّى فرغوا ، ثمّ عمد إلى ما فضل منها ، فتفل فيها فوضعها بين يديه وبارك ، وقال : احملها إلى أمهاتك ، وقل لهنّ : كلن وأطعمن من غشيكنّ.

ثمّ قام فدخل على النساء ، فقال : زوّجت بنتي ابن عمي ، وقد علمتنّ منزلتها منّي ، وأنا دافعها إليه ، فدونكنّ ، فقمن فطيّبنها من طيبهنّ وألبسنها من ثيابهنّ وحليّهنّ.

فدخل ، فلمّا رأته النساء ذهبن ، وتخلّفت أسماء بنت عميس (٢)

__________________

(١) أي : طائفة بعد طائفة.

(٢) المراد من «أسماء» في روايات تزويج فاطمة هي أسماء بنت يزيد الأنصارية ، أو سلمى بنت عميس أخت

٤١

فقال : على رسلك ، من أنت؟ قالت : أنا الّتي أحرس ابنتك ، إنّ الفتاة ليلة زفافها لا بدّ لها من امرأة قريبة منها ، إن عرضت لها حاجة أو أرادت أمرا أفضت إليها به ، قال : فإنّي أسأل إلهي أن يحرسك من بين يديك ومن خلفك ، وعن يمينك وشمالك من الشيطان الرجيم.

ثمّ خرج بفاطمة ، فلمّا رأت عليا بكت ، فخشي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يكون بكاؤها أنّ عليا لا مال له ، فقال لها : ما يبكيك؟ ما ألومك (١) في نفسي وقد أصبت لك خير أهلي ، والّذي نفسي بيده ، لقد زوّجتك سيّدا في الدنيا ، وإنّه في الآخرة من الصالحين. فدنا منها وقال : يا أسماء ، آتيني بالمخضب فاملئيه ماء ، فأتت أسماء به فمجّ فيه ، ثمّ دعا فاطمة فأخذ كفّا من ماء فضرب على رأسها وبين قدميها (٢) ثمّ التزمها ، فقال : اللهم إنّها منّي وإنّي منها ، اللهم كما أذهبت عنّي الرجس وطهّرتني فطهّرها. ثمّ دعا بمخضب آخر فصنع بعليّ كما صنع بها ، ثمّ قال : قوما جمع الله شملكما ، وأصلح بالكما ، ثمّ قام وأغلق عليهما بابهما.

رواه الطبراني بإسناد ضعيف (٣).

وعن بريدة قال :

قال نفر من الأنصار لعلي عليه‌السلام : عندك فاطمة فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

__________________

أسماء بنت عميس ، لأنّ أسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر الطيار في الحبشة ، ولم تعد إلى المدينة المنوّرة إلّا عام خيبر. راجع : كشف الغمة ١ : ٣١٦ وذكر : سلمى بنت عميس ، والصحيح من السيرة ٥ : ٢٨٤.

(١) في نسخة (ز) : ما ألوتك.

(٢) في نسخة (ز) : بين ثدييها.

(٣) المعجم الكبير ٢٢ : ٤١٠ برقم ١٠٢٢ ، ورواه الصنعاني في المصنّف ٥ : ٤٨٦ برقم ٩٧٨٢ ، ومجمع الزوائد ٩ : ٣٣٣ برقم ١٥٢١٣.

٤٢

ما حاجة ابن أبي طالب؟ فقال : يا رسول الله ذكرت فاطمة ، فقال : مرحبا وأهلا ، لم يزد عليها ، فخرج علي بن أبي طالب إلى رهط من الأنصار ينتظرونه ، فقالوا : ما وراءك؟ قال : ما أدري ، غير أنّه قال : مرحبا وأهلا ، قالوا : يكفيك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إحداهما ، أعطاك الأهل والمرحب.

فلمّا كان بعد ما زوّجه ، قال : يا علي ، إنّه لا بدّ للعروس من وليمة ، فقال سعد : عندي كبش ، وجمع الأنصار أصوعا من ذرّة ، فلمّا كان ليلة البناء قال : لا تحدث شيئا حتّى تلقاني ، فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بماء فتوضّأ منه ، ثمّ أفرغه على عليّ فقال : اللهم بارك فيهما ، وبارك لهما في بنائهما.

رواه الطبراني بإسناد صحيح (١).

هل هناك تعارض بين الأحاديث

ولا يعارضه ما سبق : أنّ الّذي نبّهه لذلك العمران (٢) ، وما في حديث ابن عباس : أنّه سعد ؛ لجواز أنّهما خرجا منه ثمّ لقيه سعد فحثّه عليه ، من غير أن يعلم أحدهم بما فعله الآخر. ولا حديث أسماء ، إذ مرادها بوليمة عليّ ما قام به بنفسه ، غير ما جاء به الأنصار وسعد ، أو أنّ الوليمة تعدّدت ، فما دفعه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله للنساء ، وذاك للرجال ، وبقية حديثها يشهد له. ولا حديث أنس المصرّح بإيقاع الماء عليهما ؛ لتغيّر الكيفية ، كما أفاده المحبّ الطبري (٣).

__________________

(١) المعجم الكبير ٢ : ٢٠ برقم ١١٥٣ ، وراجع كنز العمّال ١٣ : ٦٨٠ برقم ٣٧٧٤٥ ، ومجمع الزوائد ٩ : ٣٣٥ برقم ١٥٢١٤.

(٢) أي أبي بكر وعمر.

(٣) ذخائر العقبى : ٧٥ باب تزويج فاطمة.

٤٣

وعن جابر :

لمّا حضرنا عرس علي وفاطمة عليهم‌السلام ، فما رأينا عرسا كان أحسن منه ، حشونا الفراش الليف ، وأتينا بتمر وزبيب فأكلنا ، وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش.

رواه البزّار ، وفيه ضعف (١).

وعن علي عليه‌السلام قال : خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالت لي مولاة لي : هل علمت أنّ فاطمة خطبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قلت : لا ، قالت : فقد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيزوّجك؟ فقلت : أو عندي شيء أتزوّج به؟ فقالت : إنّك إن جئته زوّجك.

فو الله ، ما زالت ترجيني حتّى دخلت عليه ـ وكانت له جلالة وهيبة ـ فلمّا قعدت بين يديه أفحمت ، فما استطعت أن أتكلّم جلالة وهيبة ، فقال : ما جاء بك ألك حاجة؟ فسكتّ ، فقال : لعلّك جئت تخطب فاطمة؟ قلت : نعم ، قال : وهل عندك من شيء تستحلّها به؟ فقلت : لا والله يا رسول الله ، فقال : ما فعلت درعك سلّحتكها (٢)؟ فو الّذي نفس علي بيده إنّها لحطمية ، ما قيمتها أربعة دراهم ، فقلت : عندي ، فقال : قد زوّجتكها ؛ فابعث بها إليها ، فاستحلّها بها ، فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

__________________

(١) كشف الأستار عن زوائد البزّار ٢ : ١٥٣ برقم ١٤٠٨ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٦ برقم ١٥٢١٥.

(٢) سلّحته وأسلحته : إذا أعطيته سلاحا.

(٣) رواه البيهقي في دلائل النبوّة ٣ : ١٦٠ ، وفي السنن الكبرى ٧ : ٢٣٤ كتاب الصداق ، والمتقي الهندي في كنز العمّال ١٣ : ٦٨٢ برقم ٣٧٧٥١ وقال : «رواه البيهقي في الدلائل والدولابي في الذرّية الطاهرة» ، وابن الأثير الجزري في أسد الغابة ٧ : ٢١٧.

٤٤

[رواه البيهقي في الدلائل] (١).

قال المحبّ الطبري : يشبه أنّ العقد وقع على الدرع ، وبعث بها علي ثمّ ردّها إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليبيعها ، فباعها وأتاه بثمنها (٢).

ثمّ هذه الأحاديث وقائع حال فعلية محتملة ، فعدم تصريح علي بالقبول فيها لا يدلّ على عدم اشتراطه ؛ لاحتمال أنّه قبل ما شاء لمن شاء.

ولا تدلّ أيضا على عدم وجوب تسمية المهر في العقد ، بدليل ما رواه أبو داود :

عن ابن عباس قال : لمّا تزوّج علي فاطمة قال له المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعطها شيئا ، قال : ما عندي شيء ، قال : أين درعك الحطمية؟ (٣)

فقوله : «لمّا تزوّج» فيه تصريح بأنّه إنّما ذكر ذلك بعد وقوع العقد.

وروى إسحاق بسند ضعيف :

عن علي عليه‌السلام : أنّه لمّا تزوّج فاطمة قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اجعل عامة الصداق في الطيب (٤).

وعن أبي يعلى بسند ضعيف :

عن عليّ قال : خطبت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنته فاطمة ، قال : فباع علي درعا ، وبعض ما باع من متاعه ، فبلغ أربعمائة وثمانين درهما ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب ، ومجّ في جرّة من ماء ، وأمرهم أن يغتسلوا به ، وأمرها أن لا تسبقه برضاع

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة في نسخة (ز).

(٢) كلام المحبّ الطبري ذكره الزرقاني في شرح المواهب اللدنية ٢ : ٣٦٤.

(٣) والخبر يروى أيضا في السنن الكبرى للنسائي ٣ : ٣٣٣ برقم ٥٥٦٨ ، والسنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ٢٦٩ باب متاع البيت ، وكنز العمّال ١٣ : ٦٨٢ رقم ٣٧٧٤٧ ، وصحيح ابن حبّان ١٥ : ٣٩٦ برقم ٦٩٤٥ باب مناقب علي ، ومسند أبي يعلى ٤ : ٣٢٨ برقم ٢٤٣٩ ، والطبقات الكبرى ٨ : ١٨ من حديث عكرمة.

(٤) كنز العمّال ١٣ : ٦٧٩ برقم ٣٧٧٣٩ ، سبل الهدى ١١ : ٣٨.

٤٥

ولدها ، فسبقته برضاع الحسين ، وأمّا الحسن فإنّه عليه الصلاة والسلام صنع في فيه شيئا لا ندري ما هو ، فكان أعلم الرجلين (١).

وعن علي بن أحمد اليشكري (٢) :

أنّ عليا تزوّج فاطمة ، فباع بعيرا له بثمانين وأربعمائة درهم ، فقال المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله : اجعلوا ثلثين في الطيب ، وثلثا في الثياب.

رواه ابن سعد في الطبقات (٣).

وهذا لا ينافيه ما مرّ أنّه أصدقها ذلك الدرع ، لأنّ الدرع هو الصداق ، وثمن البعير قام بما لها ممّا عليه من حقوق الوليمة واللوازم العرفية والعادية ونحو ذلك.

وعن حجر بن عنبس ـ وكان قد أدرك الجاهلية لكنّه لم ير المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قال :

خطب أبو بكر وعمر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة ، فقال رسول الله : هي لك يا علي.

رواه الطبراني بإسناد صحيح (٤).

وعن حجر المذكور قال :

خطب علي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : هي لك يا علي لست بدجّال ـ أي لأنّه كان قد وعده ـ فقال : إنّي لا أخلف الوعد.

رواه البزّار ، ورجاله ثقات (٥).

__________________

(١) مسند أبي يعلى ١ : ٢٩١ برقم ٣٥٣ ، وراجع كنز العمّال ١٣ : ٦٨٠ برقم ٣٧٧٤٢ ، سبل الهدى ١١ : ٣٨. ويذكر أنّ هذه الرواية غير موجودة في النسخة (ز).

(٢) في النسخة (ز) : علي بن احمر اليشكري.

(٣) الطبقات الكبرى ٨ : ١٦ ـ ١٨ وفيه : علي بن أحمر ، وراجع كنز العمّال ١٦ : ٣٠٥ رقم ٤٤٦١٣.

(٤) المعجم الكبير ٤ : ٣٤ رقم ٣٥٧١ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٩ رقم ١٥٢٠٧ وقال : «رجاله ثقات» ، وكنز العمّال ١٣ : ٦٨٠ رقم ٣٧٧٤٦ ، ورواه في الطبقات الكبرى ٨ : ١٦ ، وفي كشف الأستار عن زوائد البزّار ٢ : ١٥١ وفيه :

«قال البزّار : وحجر لا نعلم روى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا هذا ، وقوله هذا يدلّ على أنّه رأى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٥) كشف الأستار عن زوائد البزّار ٢ : ١٥١ رقم ١٤٠٦ ، ورواه في المعجم الكبير ٤ : ٣٤ رقم ٣٥٧٠ وفيه : «هي لك

٤٦

وظاهر حديث حجر الأول أنّ المصطفى لمّا خطبها الشيخان ابتدأ (١) عليا فزوّجه إيّاها بغير طلب.

وظاهر الباقي أنّه لمّا خطباها علم علي فجاء فخطبها ، فأجابه ، ويدلّ عليه كثير من الأخبار المارّة.

والظاهر أنّ الواقعة تعدّدت ، فخطباها فلم يجب ولم يردّ ، فجاء علي فوعده وسكت ، فلم يعلما بوعده فأعاد ، فابتدر وزوّجها من علي لسبق إجابته له.

وفي حديث عكرمة : أنّه استأذنها قبل تزويجها منه (٢).

فقد روى ابن سعد عن عطاء قال :

خطب علي فاطمة ، فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ عليا يريد يتزوّجك ، فسكتت ، فزوّجها (٣).

ففيه : أنّه يستحبّ استئذان البكر ، وأنّ إذنها سكوتها ، وعليه الشافعي (٤).

وروى ابن أبي حاتم عن أنس وأحمد عنه بنحوه ، قال :

جاء أبو بكر وعمر يخطبان فاطمة إلى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فسكت ولم

__________________

على أن تحسن صحبتها» ، وفي مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٩ رقم ١٥٢٠٦ وقال : «رواه البزّار» ، وفي الطبقات الكبرى ٨ : ١٦ وقال : «يعني لست بكذّاب ؛ لأنّه قد وعد علي بها قبل أن يخطبها».

(١) في نسخة (ز) : ابتدر.

(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٨ : ١٦.

(٣) نفس المصدر السابق ، وفيه : «أنّ عليا يذكرك».

(٤) ذكر مذهب الشافعي في استحباب الاستئذان في البكر ، وأنّ إذنها هو سكوتها في :

المجموع للنووي ١٦ : ١٦٩ باب : ما يصحّ به النكاح للولي ، وفي المدوّنة الكبرى ٢ : ١٥٧ ، والسنن الكبرى للنسائي ٣ : ٢٨١ رقم ٥٣٧٥ و ٥٣٧٧ وفيه : «وكيف إذنها؟ قال : أن تسكت ، وإذنها صماتها» ، وكنز العمّال ١٣ : ٥٣٢ رقم ٤٥٧٧٧.

وهو ما ذهبت إليه الإمامية ؛ لما روي في صحيح البزنطي عن عليّ عليه‌السلام قال : «في المرأة البكر إذنها صماتها ، والثيّب أمرها إليها» راجع وسائل الشيعة ١٤ : ٢٠٦ الباب ٥ حديث ١. وفي العروة الوثقى ٢ : ٦٤٧ مسألة ١٥ :

«ورد في الأخبار أنّ إذن البكر سكوتها عند العرض عليها ، وأفتى به العلماء».

٤٧

يرجع إليهما شيئا ، فانطلقا إلى عليّ يأمرانه (١) يطلب ذلك. قال علي عليه‌السلام : فنبّهاني لأمر ، فقمت أجرّ ردائي حتّى أتيته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : تزوّجني فاطمة؟ قال : وعندك شيء؟ قلت : فرسي وبدني قال : أمّا فرسك فلا بدّ لك منه ، وأمّا بدنك ـ أي درعك ـ فبعها ، فبعتها بأربعمائة وثمانين ، فجئته بها فوضعها في حجره ، فقبض منها قبضة فقال : أي بلال ، ابتع بها طيبا. وأمرهم أن يجهّزوها ، فجعل لها سريرا مشروطا ووسادة من أدم حشوها ليف ، وقال لي : إذا أتيت فلا تحدثنّ شيئا حتّى آتيك.

فجاءت أم أيمن فقعدت في جانب البيت وأنا في جانب ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هاهنا أخي؟ قالت أم أيمن : أخوك وتزوّجه ابنتك؟ قال : نعم ، فدخل فقال لفاطمة : آتيني بماء ، فقامت فأتت بقعب ـ أي : قدح ـ في البيت ، فأتته فيه بماء ، فأخذه ومجّ فيه ، ثمّ قال لها : تقدّمي ، فتقدّمت ، فنفخ بين يديها (٢) وعلى رأسها وقال : اللهم إنّي أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم ، ثمّ قال : ادبري ، فأدبرت ، وصبّ بين كتفيها ، ثمّ فعل مثل ذلك مع عليّ ثمّ قال له : ادخل بأهلك باسم الله والبركة (٣).

وأخرج الخطيب البغدادي في كتاب (التلخيص) عن أنس قال :

بينما أنا عند المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ غشيه الوحي ، فلمّا سري عنه قال لي :

__________________

(١) ليس المراد من الأمر هنا هو الالزام والإيجاب ، بل المراد الطلب أو أحد معانيه الأخرى كالترجّي مثلا. وقد تقدّم في رواية الطبراني : أنّ سعد بن معاذ طلب من عليّ ذلك ، وفي رواية بريدة : أنّ نفرا من الأنصار ، وفي رواية أخرى : مولاة لهم. هذا وروى ابن سعد في الطبقات ٨ : ١٦ «أنّ أهل علي قالوا لعلي : أخطب فاطمة».

(٢) في نسخة (ز) : ثدييها.

(٣) مجمع الزوائد ٢ : ٣٣١ رقم ١٥٢١٠ ، ورواه القندوزي في ينابيع المودّة ٢ : ١٢٦ مع تفاوت يسير بالألفاظ.

٤٨

تدري ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ، انطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وعدّة من الأنصار.

فلمّا اجتمعوا وأخذوا مجالسهم ، وكان علي غائبا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحمد لله المحمود بنعمته ، المعبود بقدرته ، المطاع سلطانه ، المرهوب من عذابه وسطوته ، النافذ أمره في سمائه وأرضه ، الّذي خلق الخلق بقدرته ، وميّزهم بأحكامه ، وأعزّهم بدينه ، وأكرمهم بنبيّهم محمّد.

إنّ الله تبارك اسمه وتعالت عظمته جعل المصاهرة نسبا لاحقا ، وأمرا مفترضا ، أوشج به الأرحام ـ أي : ألّف بينها ـ وجعلها مختلطة مشتبكة ، قال عزّ من قائل : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (١) فأمر الله مجرى (٢) إلى قضائه ، وقضاؤه مجرى (٣) إلى قدره ، ولكلّ قدر أجل ، ولكلّ أجل كتاب ، يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ، ثمّ إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي ، فاشهدوا عليّ أنّي قد زوّجته على أربعمائة مثقال فضّة إن رضي علي بذلك.

ثمّ دعا بطبق من بسر ، ثمّ قال : انتهبوا ، فانتهبنا ، ودخل علي ، فتبسّم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في وجهه ثمّ قال : إنّ الله أمرني أن أزوّجك فاطمة على أربعمائة مثقال فضّة ، أرضيت؟ فقال : رضيت.

زاد ابن شاذان في رواية له : ثمّ خرّ علي ساجدا شكرا لله تعالى ،

__________________

(١) الفرقان : ٥٤.

(٢) في نسخة (ز) : يجري.

(٣) في نسخة (ز) : يجري.

٤٩

فقال المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله : جمع الله شملكما ، وبارك عليكما ، وأخرج منكما نسلا طيّبا.

زاد في رواية ابن شاذان : وجعل نسلكما مفاتيح الرحمة ، ومعدن الحكمة (١).

وهذه واقعة حال محتملة ـ كما مرّ ـ لأن يكون عليّ قبل لمّا حضر وعلم. وقوله :

«إن رضي» صورة تعليق لا حقيقة ؛ لأنّ الأمر منوط برضا الزوج.

على أنّ هذا الحديث قد حكم ابن الجوزي بوضعه ، وتبعه الذهبي ، وقالا : هو من وضع محمّد بن دينار (٢).

ورواه ابن عساكر بنحوه ، وقال : غريب لا أعلمه (٣).

قال ابن طاهر المقدسي : محمّد بن دينار روى عن هشيم عن يونس عن الحسن عن أنس : تزويج فاطمة ، والراوي عنه فيه جهالة (٤). ورواه ابن قانع وغيره من طريق محمّد بن دينار عن جابر.

قال ابن الجوزي : وضع ابن دينار هذا الحديث ، فوضع الطريق الأول إلى أنس ، ووضع الطريق الثاني إلى جابر (٥).

__________________

(١) تاريخ دمشق ٥٢ : ٤٤٤ رقم ٦٣٣٨ ، ورواه القندوزي في ينابيع المودّة ٢ : ٦١ حديث ٤٨.

(٢) يذكر أنّ الموجود في الموضوعات لابن الجوزي ١ : ٤١٨ : «وضعه محمّد بن زكريا ، فوضع الطريق الأول إلى جابر ، ووضع الطريق الثاني إلى أنس». وأمّا الذهبي في الموضوعات : ١٤٨ فقال : «موضوع فيه من الركّة». ولم ينسب الوضع إلى محمّد بن دينار.

(٣) تاريخ ابن عساكر ٥٢ : ٤٤٤ ونصّ كلامه : «غريب لا أعلم يروى إلّا بهذا الإسناد».

(٤) اللآلي المصنوعة ١ : ٣٩٧.

(٥) الموضوعات لابن الجوزي ١ : ٤٨ لكن فيه : «وضعه محمّد بن زكريا ، فوضع الطريق الأول إلى جابر ، ووضع هذا الطريق إلى أنس».

٥٠

وأقرّه على الجزم بوضعه الجلال السيوطي فيما تعقّبه (١) عليه مع تحرّيه الاجتهاد في أحكامه ما وجد بذلك سبيلا (٢).

والحاصل : أنّ هذه الكيفية من الخطبة عند العقد والاجتماع كذلك ، لا أصل له بالكلّية (٣).

وأمّا وقوع التزويج بالأمر الإلهي لعليّ ، وخطبة الشيخين لها قبل ذلك ، وجعل الدرع صداقا ، فلا شكّ فيه ؛ لوروده من طرق بأسانيد صحيحة (٤).

وأمّا ما زعمه الشيخ شهاب الدين ابن حجر من أنّ لذلك أصلا فممنوع ، وما تمسّك به من كلام الحافظ ابن حجر في اللسان (٥) فممنوع ، فإنّ الحافظ لم يقل فيه : إنّه غير موضوع (٦).

__________________

(١) اللآلي المصنوعة ١ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨ وفيه : «محمّد بن زكريا بن دينار» ونبّه على ذلك فقال : «نسب في الطريق الأول إلى جدّه».

(٢) ما يجدر ذكره هنا هو أنّ محمّد بن دينار اسم يعود إلى رجلين ، أحدهما : الغلابي الّذي ذكره العجلي في الثقات وقال : «لا بأس به» (معرفة الثقات ٢ : ٢٣٧ رقم ١٥٩٢) ، وفي الجرح والتعديل ٧ : ٢٤٩ رقم ١٣٦٧ قال : «سئل يحيى بن معين عن محمّد بن دينار ، فقال : ليس به بأس. وسئل أبو زرعة عنه قال : صدوق». ووثّقه عمر بن شاهين في تاريخ أسماء الثقات : ٢١.

وقال ابن عدي في الكامل : «ينفرد بأشياء ، وهو صدوق» ، وقال النسائي : «ليس به بأس» ، وكذا ابن معين ، راجع ميزان الاعتدال ٣ : ٥٤١. وذكره ابن حبّان في الثقات كما في تهذيب الكمال ٢٥ : ١٧٩.

روى له أبو داود والترمذي.

وأمّا الآخر فهو محمّد بن دينار العرقي الّذي يروي عن هشيم فهو الّذي قيل فيه : «لا يدرى من هو» كما في ميزان الاعتدال ٣ : ٥٤٢ رقم ٧٥٠٥ ، ولسان الميزان ٥ : ١٦٣. وهو الّذي قد نصّ على وثاقته ابن حبّان في الثقات ٩ : ٩٧ بعنوان : محمّد بن دينار الحمصي ، يروي عن هشيم. وتهذيب الكمال ٢٥ : ١٧٩.

ومن هنا وقع الخلط عند ابن الجوزي والسيوطي ، فإنّ محمّد بن دينار في سند رواية أنس هو محمّد بن دينار العرقي ، ومحمّد بن دينار في سند رواية جابر فهو محمّد بن دينار الغلابي ، الّذي وثّقه كثير من الأعلام.

(٣) بل الأصل هو رواية أنس المتقدّمة ، ومحمّد بن دينار وثّقه كثير من الأعلام ، وسيأتي من المصنّف أنّ ابن حجر اعتبرها أصلا لخطبة العقد.

(٤) تقدّمت جملة من هذه الروايات.

(٥) لسان الميزان ٥ : ١٦٣.

(٦) يفتقد هذا الكلام إلى الدقّة ، إذ أنّ السكوت وعدم نفي الوضع لا يدلّ بالضرورة على الوضع.

٥١

بل حكي عن ابن عساكر أنّ الراوي عن محمّد بن دينار دمشقي فيه جهالة (١).

على أنّ محمّد بن دينار وضّاع ، فمراده زيادة توهين الحديث ، وأنّه مع كونه من رواية ابن دينار فالراوي عنه فيه جهالة ، فهي ظلمات بعضها فوق بعض ، والله العالم.

وأخرج ابن سعد في طبقاته عن عكرمة قال :

لمّا زوج المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا فاطمة ، كان فيما جهّزت به : سرير مشروط ، ووسادة من أدم حشوها ليف ، وقربة ، وقال لعليّ : إذا أتيت بها فلا تقربنّها حتّى آتيك.

وكانت اليهود يأخذون الرجل عن امرأته ، فلمّا أتي بها قعدا جنبا في ناحية البيت ، ثمّ جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدعا بماء فأتي به ، فمجّ فيه ومسّه بيده ، ثمّ دعا عليا فنضح من ذلك على كتفيه وصدره وذراعيه ، ثمّ دعا فاطمة ، فأقبلت تتعثّر في ثوبها حياء من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ففعل بها مثل ذلك ، ثمّ قال لها : يا فاطمة ، أما إنّي ما أليت أن أنكحتك خير أهلي (٢).

(وأخرج نحوه موصولا من طريق سعيد بن المسيب عن أم أيمن) (٣).

وأخرج ابن ماجة عن عليّ قال :

لقد أهديت ابنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فما كان فراشها ليلة أهديت إلّا إهاب كبش (٤).

__________________

(١) انظر تاريخ دمشق ٥٢ : ٤٤٤ ، والحاكي هو محمّد بن طاهر المقدسي في كتاب «تكملة الكامل» قال : «الراوي عنه من أهل الساحل ، دمشقي فيه جهالة». فالكلام فيما يبدو ليس لابن عساكر.

(٢) الطبقات الكبرى ٨ : ١٩.

(٣) بين القوسين أثبتناه من النسخة (ز).

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣١٩ باب ضجاع آل محمّد ، وفيه : «مسك كبش» ، ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٢ :

٣٧٦. والإهاب : الجلد.

٥٢

وروى الطبراني :

لمّا أهديت فاطمة إلى علي ، لم نجد في بيته إلّا رملا مبسوطا ، ووسادة حشوها ليف ، وجرّة ، وكوز (١).

وروي عن رجل قال : أخبرتني جدّتي أنّها كانت مع النسوة اللاتي أهدين فاطمة إلى علي ، قالت :

أهديت في بردين عليها ، ودملجان من فضّة مصفرّان ، فدخلت بيت عليّ فإذا إهاب كبش ، ووسادة فيها ليف ، وقربة ، ومنخل ، وقدح (٢).

وروى أحمد في الزهد عن عليّ قال :

جهّز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة في خميلة (٣) ، وقربة ، ووسادة من أدم حشوها ليف (٤).

وروي عن عليّ قال :

ما كان لها إلّا إهاب كبش تنام على ناحيته ، وتعجن فاطمة على ناحيته (٥).

وروى أبو بكر ابن فارس وابن مشدّد عن ضمرة بن حبيب :

قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ابنته فاطمة بخدمة البيت ، وقضى على علي بما كان خارج البيت (٦).

__________________

(١) المعجم الكبير ٢٤ : ١٣٧ رقم ٣٦٥ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٦.

(٢) الطبقات الكبرى ٨ : ٢٠ مع تفاوت يسير بالألفاظ.

(٣) الخميلة : القطيفة ، وهي كلّ ثوب له خمل من أيّ شيء كان ، وقيل : الخميل هو الأسود من الثياب ، راجع النهاية لابن الأثير : ٢ : ٨١.

(٤) صحيح ابن حبّان ١٥ : ٣٩٨ رقم ٦٩٤٧ وفيه : «قال أبو حاتم : الخميلة : قطيفة بيضاء من الصوف».

(٥) تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٧٦ ، سبل الهدى ١١ : ٤١.

(٦) سبل الهدى ١١ : ٤١.

٥٣

وروى البخاري في الخمس ، ومسلم في الدعوات وغيرهما عن علي عليه‌السلام :

أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا زوّجه فاطمة ، بعث معها خميلة ، ووسادة من أدم حشوها ليف ، ورحيين (١) ، وسقا ، وجرّتين. فقال علي لفاطمة ذات يوم : والله لقد سنوت (٢) حتّى اشتكيت صدري ، وقد جاء الله أباك بسبي ، فاذهبي فاستخدميه. فقالت : والله ، أنا طحنت حتّى مجلت (٣) يداي. فأتت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : ما جاء بك أي بنيّة؟ قالت : جئت لأسلّم عليك ، واستحيت أن تسأله ورجعت.

فقال (٤) : ما فعلت؟ قالت : استحييت أن أسأله ، فأتياه جميعا ، فقال علي : يا رسول الله ، والله لقد سنوت حتّى اشتكيت صدري ، وقالت فاطمة : قد طحنت فمجلت يداي ، وقد جاءك الله بسبي وسعة ، فأخدمنا ، فقال : والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفّة تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم ، ولكنّي أبيعهم وأنفق عليهم ، وأحفظ عليهم إيمانهم. فرجعا ، فأتاهما وقد دخلا في قطيفتهما ، إذا غطّت رأسيهما تكشّفت أقدامهما ، وإذا غطّت أقدامهما تكشّف رأساهما ، فثارا ، فقال : مكانكما ، ثمّ قال : ألا أخبركما بخير ممّا سألتماني؟ قالا : بلى ، قال : كلمات علّمنيهنّ جبريل ، تسبّحان الله في دبر كلّ صلاة عشرا ، وتحمدان الله عشرا ، وتكبّران عشرا. وإذا أويتما إلى فراشكما فسبّحا الله ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبّرا أربعا وثلاثين.

__________________

(١) في نسخة (ز) : ورحى.

(٢) سنوت : سقيت.

(٣) مجلت : تقرّحت.

(٤) أي : قال علي عليه‌السلام.

٥٤

قال : فو الله ما تركتهنّ منذ علّمنيهنّ رسول الله ، فقال له ابن الكوّاء (١) : ولا ليلة صفّين؟ قال : نعم ، ولا ليلة صفّين (٢).

[فقد اختار عليه‌السلام لها النفقة على الغنى ، والآخرة على الدنيا] (٣) وسرى ذلك إلى ذرّيتهما.

ولهذا لمّا ذهبت عنهم الخلافة الظاهرة ؛ لكونها صارت ملكا ، ومن ثمّ لم تتمّ للحسنين ، عوّضوا منها بالخلافة الباطنة ، حتّى ذهب كثيرون إلى أنّ قطب الأولياء لا يكون في كلّ زمن إلّا منهم.

__________________

(١) في صحيح مسلم : «فقال ابن أبي ليلى».

(٢) صحيح البخاري بشرح السندي ٣ : ٥١٦ باب : خادم المرأة من كتاب النفقات رقم ٥٣٦٢ ، كما رواه من دون الذيل مع اختلاف في الألفاظ في عدّة مواضع من الصحيح ٢ : ٣٤٥ رقم ٣١١٣ باب : الخمس و ٢ : ٥٣٦ رقم ٣٧٠٥ باب : مناقب علي و ٣ : ٥١٥ رقم ٥٣٦١ و ٤ : ١٩٤ رقم ٦٣١٨ باب : التكبير والتسبيح عند النوم ، صحيح مسلم بشرح النووي ١٧ : ٤٨ رقم ٦٨٥٥ ، ورواه في الطبقات الكبرى ٨ : ٢١.

وهذا الذكر الّذي علّمه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة هو الّذي يسمّى : «تسبيح فاطمة» أو «تسبيح الزهراء». وقد استفاضت الروايات فيه ، ورواه أكثر الائمة والحفّاظ بطرق متعدّدة وأسانيد صحيحة.

فقد رواه البخاري في كتاب النفقات باب : خادم المرأة ، وفي كتاب الخمس باب : الخمس لنوّاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي المناقب باب : مناقب علي عليه‌السلام ، وفي كتاب الدعوات باب : التكبير والتسبيح عند النوم. لاحظ البخاري بشرح الإمام السندي ٣ : ٥١٦ رقم ٥٣٦٢ ، ٥٣٦١ و ٢ : ٣٤٥ رقم ٣١١٣ و : ٥٣٦ رقم ٣٧٠٥ و ٤ : ١٩٤ رقم ٦٣١٨ ، وفي شرح النووي على صحيح مسلم ١٧ : ٤٦ رقم ٦٨٥٣ ، وانظر مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٤ رقم ٤٧٢٤ بطريق آخر وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه ، وقال الذهبي : على شرط البخاري ومسلم. وسنن الدارمي ٢ : ٢٣٢ ، والديباج على صحيح مسلم بن الحجاج ٦ : ٧٥ رقم ٢٧٢٧ ، ومسند الحميدي ١ : ١٧٤ رقم ٤٣ ، والسنن الكبرى للنسائي ٦ : ٢٠٣ رقم ١٠٦٥٠ ، ١٠٦٥١ ، ومسند أبي يعلى ١ : ٢٣٦ رقم ٢٧٤ ، وصحيح ابن حبّان ١٢ : ٣٣٩ رقم ٥٥٢٩.

ورواه الإمام أحمد في عدّة مواضع من المسند ١ : ١٠٦ ، ١٤٤ و ٢ : ١٦٦ ، ومسند ابن راهويه ٥ : ١١ رقم ٢١٠٧ و ٢١٠٨ وقال : «رجاله رجال الشيخين» ، ومجمع الزوائد ١٠ : ١٢٣ رقم ١٦٩١١ ، وكنز العمّال ١٥ : ٥٠١ ، وسبل الهدى ١١ : ٤٨.

وقد روي من طرق الإمامية بطرق صحيحة عن ائمة أهل البيت عليهم‌السلام مع اختلاف في الكيفية بالتقديم والتأخير وهي : التكبير أولا أربعا وثلاثين ، ثمّ التحميد ثلاثا وثلاثين ، ثمّ التسبيح ثلاثا وثلاثين. رواه في الكافي ٣ : ٣٤٢ باب التعقيب بعد الصلاة رقم ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٢ ، ١٣ ، من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٢٠ رقم ٩٤٧ ، كشف الغمّة ٢ : ٩٩ ، وغيرها.

(٣) ما بين المعقوفتين أثبتناه من النسخة (ز).

٥٥
٥٦

الباب الثالث

في فضائلها ، وبناء المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله عليها ،

واختصاصه بها ، واهتمامه بشأنها ، وتنويهه

بذكرها ، وتحذيره من إيذائها وبغضها والأذى لها ،

وتعليمه إيّاها ، وتأديبه وتهذيبه لها ، وغير ذلك

٥٧
٥٨

فضائلها

الحديث الأول :

عن المسوّر بن مخرمة أنّه عليه الصلاة والسلام قال :

«فاطمة بضعة (١) منّي ـ أي : جزء منّي ـ فمن أغضبها فقد أغضبني» (٢).

رواه البخاري في الصحيح.

__________________

(١) البضعة : بالفتح ، القطعة من اللحم ، وقد تكسر ، أي : أنّها جزء منّي كما أنّ القطعة جزء من اللحم. (النهاية لابن الأثير : ١ : ١٣٣). وقال السيوطي : «البضعة ، بفتح الباء لا غير ، وهي القطعة من اللحم». (الديباج ٥ : ٤١٧).

(٢) صحيح البخاري بحاشية السندي ٢ : ٥٥٠ رقم ٣٧٦٧ باب : مناقب فاطمة و ٢ : ٥٣٨ رقم ٣٧١٤ باب : مناقب قرابة الرسول. وقال ابن حجر في فتح الباري ٧ : ٤٧٧ «أخرجه الترمذي وصحّحه» ، مصابيح السنّة ٢ : ٤٥٥ رقم ٢٧١٢ ، شرح السنّة للبغوي ٨ : ١٢٠ رقم ٣٩٥٦ وقال : «هذا حديث صحيح» ، المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٤ رقم ١٠١٢ ، مصنّف ابن أبي شيبة ١١ : ١٨٤ رقم ٣٢٨٠٨ ، السنن الكبرى ٥ : ٩٧ رقم ٨٣٧٢ ، الجامع الصغير ٢ : ٦٥٣ رقم ٥٨٥٨ وقال : «صحيح» ، كشف الخفاء ٢ : ٨٠ رقم ١٨٢٩ قال : «رواه الشيخان عن المسوّر ، ورواه أحمد والحاكم والبيهقي عنه بلفظ : فاطمة بضعة ، وفي رواية : مضغة» ، فيض القدير ٤ : ٤٢١ رقم ٥٨٣٣ وقال :

«استدلّ به السهيلي على أنّ من سبّها كفر ؛ لأنّه يغضبه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّها أفضل من الشيخين» ، كنز العمّال : ١٢ : ١٠٨ رقم ٣٤٢٢٢ ، فضائل الصحابة : ٧٨ ، الفردوس ٣ : ١٦١ رقم ٤٢٨٢ ، سبل الهدى ١٠ : ٣٢٧ وقال : «وهو يقتضي تفضيل فاطمة على جميع نساء العالم ، ومنهنّ خديجة وعائشة وبقية بنات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، الآحاد والمثاني ٥ : ٣٦١

٥٩

الحكم في من يسبّها :

قال السهيلي : إنّ من سبّها فقد كفر (١).

ويشهد له : أنّ أبا لبابة حين ربط نفسه ، وحلف أن لا يحلّه إلّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجاءت فاطمة لتحلّه ، فأبى من أجل قسمه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّما فاطمة بضعة منّي (٢).

وفيه نظر (٣).

وقال بعضهم : إنّ كلّ من وقع منهم في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يتأذّى به (٤). ولا شيء أعظم من إدخال الأذى عليها من قبل ولدها ، وهذا عرف

__________________

رقم ٢٩٥٤ ، البيان والتعريف ١ : ١١٦ رقم ٢١٧ وقال : «أخرجه الشيخان والنسائي وأبو داود والإمام أحمد وغيرهم عن المسوّر».

قال ابن حجر : «فيه تحريم أذى من يتأذّى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله بتأذّيه ، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به ، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يتأذّى به بشهادة هذا الخبر». (فيض القدير ٤ : ٤٢١ حديث رقم ٥٨٣٣).

(١) نقله عن السهيلي في فتح الباري ٧ : ٤٧٧ في شرح حديث رقم ٣٧٦٧ ، وإرشاد الساري في شرح البخاري ٨ : ٢٨٠ رقم ٣٧٦٧ ، وتقدّم عن فيض القدير ٤ : ٤٢١ رقم ٥٨٣٣.

وقال ابن حجر : «توجيهه : أنّها تغضب ممّن سبّها ، وقد سوّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بين غضبها وغضبه ، ومن أغضبه صلى‌الله‌عليه‌وآله يكفر». (فتح الباري ٧ : ٤٧٧).

وقد استدلّ البيهقي أيضا بهذا الحديث على أنّ من سبّها فإنّه يكفر. نقله العيني في عمدة القاري شرحه على البخاري ١٦ : ٢٤٩.

(٢) المحلّى لابن حزم : ٨ : ٥٧ مسألة رقم ١١٥٥ ، سبل الهدى ١٠ : ٣٢٨ و ٥ : ٩ نقله عن السهيلي وقال : «فيه : علي بن زيد وهو ابن جدعان ، ضعيف ، وعلي بن الحسين وروايته مرسلة». لكن المتأمّل في كلامه يجده يفتقد إلى الدقّة ، فأمّا علي بن زيد (ابن جدعان) فهو من رجال مسلم ، وروى له البخاري في الأدب المفرد ، وقال الترمذي :

صدوق ، وقال العجلي : كان يتشيّع لا بأس به ، وقال ابن عدي : لم أر أحدا امتنع من الرواية عنه. (تهذيب الكمال ٢٠ : ٤٣٤). وأما علي بن الحسين فهو الإمام السجاد عليه‌السلام ، أحد علماء أهل بيت النبوّة الطاهرين ، وهو يروي عن أبيه عن آبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٣) أي في الاستشهاد بخبر أبي لبابة على كلام السهيلي.

(٤) ويدلّ عليه كثير من الأخبار ، تقدّم بعضها ، وسيأتي البعض الآخر بلفظ مثل «من أغضبها أغضبني» ،

٦٠