إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل

محمّد بن عبدالله الأكراوي القلشقندي الشافعي

إتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل

المؤلف:

محمّد بن عبدالله الأكراوي القلشقندي الشافعي


المحقق: محمّد كاظم الموسوي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام
المطبعة: نگار
الطبعة: ١
ISBN: 964-8889-64-3
الصفحات: ١٥٠

ووضعه صلى‌الله‌عليه‌وآله الحجر في محلّه ، كان سنة خمس وثلاثين من مولده (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعث على رأس الأربعين ، فمولدها قبل الإرسال بنحو خمس سنين ، كما ذكره ابن الجوزي (٢) وغيره ، ذاك أيام بناء البيت ، وجزم به المدائني (٣).

بم سمّاها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وما سرّ هذه التسمية

وسمّاها فاطمة بإلهام من الله تعالى ، لأنّ الله فطمها عن النار. فقد روى الديلمي عن أبي هريرة ، والحاكم عن عليّ أنّه عليه‌السلام قال :

«إنّما سمّيت فاطمة لأنّ الله فطمها ومحبّيها عن النار» (٤)

واشتقاقها من الفطم وهو القطع ، كما قال ابن دريد ، ومنه : فطم الصبيّ ، إذا قطع عنه اللبن ، ويقال : لأفطمنّك عن كذا : أي لأمنعنّك (٥).

لم سمّيت بالزهراء

وسمّيت بالزهراء ؛ لأنّها زهرة (٦) المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) وهذا هو المنقول عن ابن إسحاق أيضا ، قال : «بناء الكعبة ووضع الحجر كان سنة خمس وثلاثين من مولده صلى‌الله‌عليه‌وآله». (سيرة ابن إسحاق : ١٠٩). وبمثله نقل الذهبي في تاريخ الإسلام : ٦٦ عنه.

(٢) صفوة الصفوة ١ : ٦٣ ، المنتظم ٢ : ٣٢٠ حوادث سنة خمسة وثلاثين.

(٣) انظر الإصابة ٤ : ٣٧٧ ، والمدائني : هو شيابة بن سوار ؛ أبو عمر المدائني ، قال أبو حاتم : «صدوق يكتب حديثه ولا يحتجّ به» (تهذيب الكمال ١٢ : ٣٤٨).

(٤) فردوس الأخبار ١ : ٤٢٦ برقم ١٣٩٥ من حديث جابر. ورواه في كنز العمّال ١٢ : ١٠٩ برقم ٣٤٢٢٧ من حديث أبي هريرة ، وبرقم ٣٤٢٢٦ من حديث ابن عباس ، وفي تاريخ بغداد ١٢ : ٣٣١ برقم ٦٧٧٢ ، وفي فيض القدير ١ : ١٦٨ ، وفي ذخائر العقبى : ٦٥.

وأورده القندوزي في ينابيع المودّة ٢ : ١٢١ برقم ٣٥٤ من حديث جابر ، وقال : «أخرجه الحافظ الغساني» ، وفي : ٣٢٠ برقم ٩٢٤ من حديث علي عليه‌السلام ، وكذا في : ٤٤٤ برقم ٢٢٣ ، وفي : ٤٥٠ برقم ٢٤٢ ناقلا له من الصواعق المحرقة. وكذا رواه الشبلنجي في نور الأبصار : ٥٢ ، والصدوق في علل الشرائع : ٢١١ باب : العلّة الّتي من أجلها سمّيت فاطمة فاطمة.

(٥) جمهرة اللغة ٢ : ٩٢٠.

(٦) الأزهر : النيّر ، ويسمّى القمر : الأزهر ، قال ابن السكّيت : الأزهران : الشمس والقمر ، ورجل أزهر :

٢١

لم لقّبت بالبتول

ولقّبت بالبتول ؛ لأنّه لا شهوة لها للرجال ، أو لأنّه تعالى قطعها عن النساء حسنا وفضلا وشرفا ، أو لانقطاعها إلى الله (١).

بم كنّيت

وكنّيت بأم أبيها ، كما أخرجه الطبراني عن ابن المدائني (٢).

__________________

أي أبيض مشرق اللون ، والمرأة زهراء. (الصحاح ٢ : ٦٧٤).

وقال الطريحي : «والزهراء فاطمة بنت محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سمّيت بذلك لأنّها إذا قامت في محرابها زهر نورها إلى السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض ، وروي : أنّها سمّيت الزهراء لأنّ الله خلقها من نور عظمته.

(مجمع البحرين ٣ : ٣٢١). ولاحظ أيضا علل الشرائع ١ : ١٧٩ باب : ١٤٣ العلّة الّتي من أجلها سمّيت فاطمة الزهراء زهراء.

(١) قال في لسان العرب ١ : ١٦٠ : «وأصل البتل : القطع ، وسئل أحمد بن يحيى عن فاطمة رضوان الله عليها بنت ـ سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم قيل لها البتول؟ فقال : لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافا وفضلا ، ودينا وحسبا. وقيل : لانقطاعها عن الدنيا إلى الله عزوجل». ومثله في النهاية في غريب الحديث ١ : ٩٤ ، وتحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي ٦ : ٢٠٣.

وقال ثعلب : «وسمّيت فاطمة البتول ؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلا ودينا وحسبا». (غريب الحديث لابن الجوزي ١ : ٥٤). وقال الخطابي في الغريب : فأمّا فاطمة فإنّما قيل لها : بتول ؛ لأنّها منقطعة القرين نبلا وشرفا.

(الغريب ٢ : ٣٣٠). وقال عبيد الهروي : «سمّيت فاطمة بتولا لأنّها بتلت عن النظير». (بحار الأنوار ٤٣ : ١٦).

وقد ورد من طرق الإمامية : أنّ معنى البتول : هي الّتي لم تر ما تراه النساء من الدم ، كما عن عليّ عليه‌السلام : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله سئل ما البتول ، فإنّا سمعناك يا رسول الله تقول : إنّ مريم بتول ، وفاطمة بتول؟ فقال : «البتول الّتي لم تر حمرة قطّ» أي الّتي لم تحض ، فإنّ الحيض مكروه في بنات الأنبياء. (بحار الأنوار ٤٣ : ١٥ عن معاني الأخبار).

ومثله في علل الشرائع : ١٤٤ «العلّة الّتي من أجلها سمّيت فاطمة عليها‌السلام البتول» ، وتاج المواليد : ٢٠ ، وكشف الغمة ٢ : ٩٢.

وفي الفتاوى الظهيرية : «أنّ فاطمة لم تحض قطّ ، ولمّا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة لئلّا تفوتها صلاة ، ولذلك سمّيت الزهراء» (فيض القدير ٤ : ٤٢٢ شرح حديث رقم ٥٨٣٥).

(٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٣٩٧ برقم ٩٨٨ ، ومثله عن مصعب الزبيري برقم ٩٨٥ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٩ برقم

٢٢

بطلان بعض الروايات الخاصّة بالتسمية

وأمّا ما رواه الخطيب البغدادي من : «أنّ جبريل ليلة الإسراء ناول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله تفاحة فأكلها ، فصارت نطفة في صلبه ، فحملت منه بفاطمة ، وأنّه كلّما اشتاق إلى الجنّة قبّلها» (١)

فقال الذهبي كابن الجوزي : موضوع (٢). وأقرّه الجلال السيوطي فيما تعقّبه على ابن الجوزي ، ولم يعترضه (٣).

وقال الحافظ ابن حجر : هذا من وضع محمّد بن خليل ، فإنّ فاطمة ولدت قبل الإسراء بمدّة (٤) ، بل قبل النبوّة اتّفاقا (٥).

وكذا ما قاله الحاكم في مستدركه ، عن سعد بن أبي وقّاص مرفوعا :

«أتاني جبريل بسفرجلة من الجنّة ، فأكلتها ليلة أسري بي ، فعلقت

__________________

١٥٢٢٥ ، وتهذيب الكمال ٣٥ : ٢٤٧. وفي مقاتل الطالبيّين : ٢٩ بإسناده جعفر بن محمّد : «أنّ فاطمة عليها‌السلام تكنّى أم أبيها». وفي أسد الغابة ٥ : ٥٢٠ : «وكانت فاطمة تكنّى أم أبيها ، وكانت أحبّ الناس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله». وفي كتاب السيّدة الزهراء : ١٠٨ لمحمّد بيومي قال : «كان سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يلقّبها بأم أبيها ؛ لحنانها عليه وحبّها الدائم».

(١) تاريخ بغداد ٥ : ٨٧.

(٢) ميزان الاعتدال ٣ : ٥٤٠ ، الموضوعات ١ : ٤١٣. وذكر ابن الجوزي : أنّ الدار قطني خرّج الحديث من طريقين ، ولم يتكلّم فيه.

(٣) اللآلي المصنوعة ١ : ٣٩٣.

(٤) لسان الميزان ٥ : ٢٠ وعبارة ابن حجر تدلّ على أنّ فاطمة عليها‌السلام ولدت بعد البعثة ، في فتح الباري ٧ : ٤٧٦ : أنّها ولدت في الإسلام.

(٥) وعبارة «بل قبل النبوّة اتّفاقا» ليست من كلام ابن حجر ، وهي للمصنّف. ودعوى الاتّفاق على كون ولادتها عليها‌السلام قبل النبوّة تفتقر إلى الدقّة ، إذ أنّ الكثير من الأعلام قد ذهبوا للقول بأنّ ولادتها كانت بعد البعثة ؛ كابن عبد البرّ ، وابن حجر ، ومصعب الزبيري ، وابن جريج ، ومحمّد بن علي المديني ، واليعقوبي ، وغيرهم. مضافا إلى ما دلّ على أنّها أصغر أولاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما تقدّم ـ بعد الاتّفاق على أنّ ولادة القاسم كانت في الاسلام ، وكذا أم كلثوم.

٢٣

خديجة بفاطمة ، فإذا اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رقبة فاطمة» (١) ما ذاك إلّا لأنّ فاطمة ولدت قبل الوحي إجماعا ، فهو قطعي البطلان (٢).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ : ١٦٩ برقم ٤٧٣٨ ، وراجع كنز العمّال ١٢ : ١٠٩ برقم ٣٤٢٢٨.

وبهذا المعنى روى الطبراني في المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٠ برقم ١٠٠٠ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٦ برقم ١٥١٩٧ وقال : «رواه الطبراني ، وفيه أبو قتادة الحرّاني ، وثّقه أحمد وقال : كان يتحرّى الصدق ، وأنكر على من نسبه للكذب».

(٢) دعوى الإجماع غير صحيحة ، إذ لا إجماع حاصل في البين ، وذلك لمخالفة كثير من أعلام تراجم الرجال والمؤرّخين فقد ذهبوا للقول بأنّ ولادتها عليها‌السلام كانت بعد البعثة ؛ كابن عبد البرّ وابن حجر ومصعب الزبيري واليعقوبي والحاكم النيسابوري ومحبّ الدين الطبري ، وظاهر عبارة المزي والمديني وابن جريج أيضا ، وقد تقدّم كلّ ذلك.

هذا مع أنّ الخبر روي بطرق أخرى وبألفاظ متعدّدة ، ولم ينحصر طريقه بمحمّد بن زكريا ، خصوصا ما رواه الطبراني ، فليس في سنده من يتكلّم فيه إلّا أبو قتادة الحرّاني ، وقد وثّقه أحمد كما تقدّم عن مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٦ برقم ١٥١٩٧ ، يضاف إليه الأخبار الكثيرة المروية من طرق الإمامية ، مثل الصحيح المروي في الكافي ١ : ٤٥٧ عن الباقر عليه‌السلام «إنّما ولدت بعد المبعث بخمس سنين» وأهل البيت أدرى بالّذي فيه.

٢٤

منزلتها ومحبّته صلى‌الله‌عليه‌وآله لها ومتعلّقات ذلك

فصل

وكانت فاطمة أحبّ أولاده وأحظاهنّ عنده ، بل أحبّ الناس إليه مطلقا ، وروى الترمذي عن بريدة وعائشة ، قالت :

«ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلّا وهديا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فاطمة في قيامها وقعودها ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبّلها وأجلسها في مجلسه» (١).

وزاد أبو داود في روايته : وكان يمصّ لسانها (٢).

روى الطبري في الأوسط عن أبي هريرة :

«أنّ عليا قال : أيّما أحبّ إليك : أنا أم فاطمة؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة أحبّ إليّ منك ، وأنت أعزّ عليّ منها ، وكأنّي بك وأنت على حوضي تذود عنه الناس ، وأنّ عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء ، وإنّي وأنت

__________________

(١) الجامع الصحيح ٥ : ٧٠٠ برقم ٣٨٧٢. ورواه الحاكم في المستدرك ٣ : ١٦٧ برقم ٤٧٣٢ باختلاف يسير وقال :

صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرّجاه. وقال الذهبي في التلخيص : صحيح.

(٢) نقل أبو داود الرواية في السنن برقم ٥٢١٧ من دون هذه الزيادة.

٢٥

والحسن والحسين وعقيل وجعفر في الجنّة إخوانا على سرر متقابلين (أنت معي وشيعتك في الجنّة) ثمّ قرأ صلى‌الله‌عليه‌وآله (إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه» انتهى (١).

هل بين الأحاديث تعارض ، وكيف نوفّق بينها لو كان

ولا ينافي ذلك قوله في حديث آخر : «أحبّ النساء إليّ عائشة» (٢) ، لأنّ المراد بالنساء زوجاته الموجودات عند قوله ذلك (٣).

وعلى فرض خلافه ، فهو على معنى «من» (٤).

__________________

(١) المعجم الأوسط ٨ : ٣٣٠ برقم ٧٦٧١ ، وراجع كنز العمّال ١٢ : ١٠٩ برقم ٣٤٢٢٥. ورواه أيضا في سنن النسائي ٥ : ١٥٠ برقم ٨٥٣١ ، وكفاية الطالب : ٣٠٨ الباب ٨٣ ، والبيان والتعريف ٣ : ٤٢ وقال : أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.

(٢) رواه السيوطي في الجامع الصغير ١ : ٣٧ برقم ٢٠٥ عن أنس ، ومثله في سير أعلام النبلاء ٢ : ١٤٧ عن عمرو بن العاص.

(٣) قال المناوي : «أحبّ الناس إليّ من حلائلي الموجودين بالمدينة آنذاك عائشة ، على وزان خبر ابن الزبير :

أوّل مولود في الإسلام ، يعني بالمدينة ، وإلّا فمحبّة المصطفى لخديجة معروفة ، شهدت بها الأخبار الصحاح ، ذكره الزين العراقي ، وأصله قول الكشّاف ، يقال في الرجل : أعلم الناس وأفضلهم ، يراد به من في وقته» (فيض القدير ١ : ١٦٨).

(٤) أي : أنّ الإضافة تكون بمعنى (من) ، أي : من زوجاته ، فتكون عائشة أحبّ أزواج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه ، من دون تقييد بزمن الخطاب.

وهذا الفرض لا تساعده الروايات الصحيحة الناطقة بفضل خديجة على جميع نساء الأمة عدا فاطمة عليها‌السلام ، وأنّها أحبّ أزواجه إليه ، على ما ذكره علماء أهل السنّة فضلا عن الشيعة :

أ ـ قال الذهبي : «نعم ، جزمت بأفضلية خديجة عليها (عائشة) لأمور». (سير أعلام النبلاء ٢ : ١٤٠).

وقال أيضا : «وكان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يثني عليها ، ويفضّلها على سائر أمّهات المؤمنين ، ويبالغ في تعظيمها ، بحيث أنّ عائشة كانت تقول : ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة! من كثرة ذكر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لها». (سير أعلام النبلاء ٢ : ١١).

ب ـ قال ابن العربي : «إنّه لا خلاف في أنّ خديجة أفضل من عائشة». (فتح الباري ٧ : ٥١٩).

٢٦

__________________

ج ـ كلام المناوي المتقدّم آنفا ، وخصوصا قوله : «وإلّا فمحبّة المصطفى لخديجة معروفة ، شهدت بها الأخبار الصحاح». (فيض القدير ١ : ١٦٨).

د ـ قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة : «ما أبدلني الله خيرا منها ، لقد آمنت بي حين كفر الناس ، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها». رواه في سير أعلام النبلاء ٢ : ١١٧ وفتح الباري ٧ : ٥١٥. فقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أبدلني خيرا منها» صريح في أنّها خير وأفضل زوجاته ، وإلّا لا يكون معنى للنفي في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أبدلني».

ه ـ قول ابن حجر : «وقد أخرج النسائي بإسناد صحيح ، وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس مرفوعا : «أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة وفاطمة ومريم وآسية» قال ابن حجر : وهذا نصّ صريح لا يحتمل التأويل.

(فتح الباري ٧ : ٥١٤).

وقال في موضع آخر : «ولم يتزوّج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على خديجة حتّى ماتت ، وهذا ممّا لا اختلاف فيه بين أهل العلم بالأخبار ، وفيه دليل على عظم قدرها عنده ، وعلى مزيد فضلها ؛ لأنّها أغنته عن غيرها». (فتح الباري ٧ : ٥١٧).

و ـ قال السبكي الكبير : «الّذي لدين الله : أنّ فاطمة أفضل ثمّ خديجة». (فتح الباري ٧ : ٥١٩).

ز ـ قال المناوي : «روى البزّار والطبراني عن عمّار بن ياسر : «لقد فضّلت خديجة على نساء أمتي كما فضّلت مريم على نساء العالمين» قال : وهو حديث حسن الإسناد». (فيض القدير ٣ : ٤٣٢ وقال : لا جرم كانت أفضل نسائه على الأرجح. وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ٣٥٨ برقم ١٥٢٧٠).

ح ـ قال السهيلي : «إنّ خديجة أفضل من عائشة ؛ لأنّ عائشة سلّم عليها جبريل من قبل نفسه ، وخديجة أبلغها السلام من ربّها». (فتح الباري ٧ : ٥١٩).

ط ـ قال القرطبي في التفسير : «وروي من طرق صحيحة أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال فيما رواه عنه أبو هريرة : «خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمّد» (جامع أحكام القرآن ٤ : ٨٢).

ي ـ أنّ خديجة ورد اسمها في حديث «أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة ، وفاطمة ، ومريم ، وآسية» وحديث «خير نساء العالمين أربع» و «سيّدات نساء أهل الجنّة» و «حسبك من نساء العالمين أربع» وسيأتي تفصيل ذلك في الباب الثالث. وهذا ظاهر في الحصر ، بل يوجبه تكرار الحديث بصيغ مختلفة ، وروايته بطرق متعدّدة ، فتكون الأربع أفضل نساء العالمين ، ومنهنّ خديجة ، فهي أفضل من جميع أزواجه.

هذا فضلا عن أنّ حديث «أحبّ النساء إليّ عائشة» في بعض طرقه خالد الحذّاء ، وقد أورده العقيلي في الضعفاء ٢ : ٤ برقم ٤٠٢ وقال : ضعّف ابن علية أمره. ونقل الذهبي في المغني في الضعفاء ١ : ٢٠٦ فقال : وكان أبو حاتم يقول : لا احتجّ بحديثه. وذمّه ابن معين في التاريخ ١ : ١٠٥ برقم ٥٩٧.

وفي بعض طرقه الأخرى : قيس بن أبي حازم ، ذكر الذهبي عن علي ابن المديني : أنّ قيس لا يعمل عليه ، إنّما

٢٧

ففاطمة لها الأحبية المطلقة (١).

سيدة نساء هذه الأمة

وعن أبي هريرة : أنّه عليه‌السلام قال :

«إنّ ملكا من السماء لم يكن زارني ، فاستأذن الله في زيارتي ، فبشّرني ـ أو قال : أخبرني ـ : أنّ فاطمة سيدة نساء أمتي».

رواه الطبراني (٢) ، ورجاله رجال الصحيح ، غير محمّد بن مروان الذهلي ، وقد وثّقه ابن حبّان (٣).

__________________

كان أعرابيا بوّالا على عقبيه. وكان يحيى بن معين يقول عنه : منكر الحديث (سير أعلام النبلاء ١١ : ٥٣).

وروى وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أنّه قال : أتيت عليا ليكلّم لي عثمان في حاجة فأبى ، فأبغضته!! وفي رواية أخرى يقول : فدخل بغضه في قلبي. (شرح النهج ٤ : ١٠١). وقد اتّفقت الأخبار الصحيحة عند المحدّثين أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي : «لا يحبّك إلّا مؤمن ، ولا يبغضك إلّا منافق» (شرح السنّة ٨ : ٨٦ برقم ٣٩٠٧ وقال : حديث صحيح أخرجه مسلم ، برقم ٣٩٠٨ وقال : صحيح ، وفي مجمع الزوائد ٩ : ١٨٠ بطريقين).

(١) أي : على كلا التقديرين ، سواء أريد من الحديث زوجاته زمن الخطاب أو زوجاته مطلقا ، تكون أفضلية عائشة بالقياس للزوجات فقط ، عدا خديجة. وأمّا فاطمة فهي أحبّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقا. والى ذلك أشار ابن حبّان قال : «إنّ أفضلية عائشة مقيّدة بنساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى لا يدخل فيها مثل فاطمة عليها‌السلام ؛ جمعا بين هذا الحديث وبين حديث : أفضل نساء أهل الجنّة : خديجة وفاطمة» (فتح الباري ٧ : ٥١٤).

وفي شرح الزرقاني على المواهب اللدنية قال : «الزهراء البتول أفضل نساء الدنيا حتّى مريم ، كما اختاره المقريزي والزركشي والقطب الخيضري والسيوطي في كتابيه ـ شرح النقابة وشرح جمع الجوامع ـ بالأدلّة الواضحة الّتي منها : أنّ هذه الأمة أفضل من غيرها». (شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ٢ : ٣٥٧).

وقال أبو بكر ابن داود : «لا أعدل ببضعة رسول الله أحدا». (سبل الهدى ١٠ : ٣٢٨).

(٢) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٣ برقم ١٠٠٦ ، ورواه المزي في تهذيب الكمال ٢٦ : ٣٩١ واعتبر سنده عاليا جدا ، والحاكم في المستدرك ٣ : ١٦٤ رقم ٤٧٢٢ من حديث حذيفة بلفظ «فبشّرني أنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة» ، ومثله في دلائل النبوّة للبيهقي ٧ : ٧٨ ، ومجمع الزوائد ٩ : ٣٢٤ برقم ١٥١٩١ ، وكنز العمّال ١٣ : ٦٧٥ برقم ٣٧٧٢٨ ، والمطالب العالية ٤ : ٦٧ برقم ٣٩٧٨ ورواه النسائي في السنن ٥ : ٩٥ برقم ٨٣٦٥ و ٥ : ١٤٦ برقم ٨٥١٥.

(٣) الثقات ٧ : ٤٠٩. وقال المزي في تهذيب الكمال ٢٦ : ٣٩١ برقم ٥٥٩٦ : «روى له النسائي ، وقد وقع

٢٨

أحبّ الأهل

وعن أسامة بن زيد : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«أحبّ أهلي إليّ فاطمة».

رواه أبو داود الطيالسي والطبراني في الكبير والحاكم والترمذي (١) [وحسّنه ، والبغوي في معجمه] (٢).

شهادة عائشة لها

وعن عائشة رضي‌الله‌عنها أنّها قالت :

«ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها. قالت ـ وكان بينهما شيء ـ : يا رسول الله ، سلها فإنّها لا تكذب».

رواه الطبراني في الأوسط ، وأبو يعلى ، لكنّها قالت : ما رأيت أحدا قطّ أصدق من فاطمة. ورجاله رجال الصحيح (٣).

__________________

لنا حديثه عاليا جدا». وقال ابن حجر في التقريب ٢ : ٢١٥ : «محمّد بن مهران الذهلي ؛ أبو جعفر الكوفي ، مقبول».

(١) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٣ برقم ١٠٠٧ ، وعنه كنز العمال ١٢ : ١٠٨ برقم ٣٤٢١٨ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٥٢ برقم ٣٦٥٢ ، ورواه المناوي في فيض القدير ١ : ١٦٨ وقال : «حسّنه الترمذي وصحّحه الحاكم ، ورواه عنه الطيالسي والطبراني والديلمي وغيرهم» ، والسيوطي في الجامع الصغير ١ : ٣٧ برقم ٢٠٣.

وفي نظم المتناثر في الحديث المتواتر : ٢٠٧ برقم ٢٣٤ قال : «الحقّ أنّ فاطمة لها الأحبية المطلقة ، ثبت ذلك في عدّة أحاديث ، أفاد مجموعها التواتر المعنوي ، وما عداها فعلى من أو اختلاف الجهة. وقد أخرج الترمذي وصحّحه والطيالسي والطبراني والديلمي وغيرهم عن أسامة بن زيد مرفوعا : «أحبّ أهلي إليّ فاطمة» قال في التفسير : إسناده صحيح» انتهى.

ورواه القندوزي في ينابيع المودة ٢ : ٧٠ برقم ٥ ناقلا له عن كنوز الحقائق للمناوي و ٢ : ٤٧٩ برقم ٣٤٣ أخرجه عن الترمذي والحاكم عن أسامة بن زيد. ومثله في مسند البزّار ٧ : ٧١ برقم ٢٦٢٠.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة في نسخة (ز).

(٣) المعجم الأوسط ٣ : ٣٤٨ برقم ٢٧٤٢ ، مسند أبي يعلى ٨ : ١٥٣ برقم ٢٧٠٠. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد

٢٩

منزلتها هي وزوجها عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله

وعن النعمان بن بشير :

استأذن أبو بكر على المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمع عائشة عاليا وهي تقول : والله لقد عرفت أنّ فاطمة وعليا أحبّ إليك منّي ومن أبي ، مرّتين أو ثلاثا ، فاستأذن أبو بكر فأهوى عليها ، فقال : يا بنت فلان ، ألا سمعتك ترفعين صوتك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

رواه الإمام أحمد ، ورجاله رجال الصحيح (١).

أيّهما الأحبّ وأيّهما الأعزّ

وعن ابن عباس :

دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على عليّ وفاطمة وهما يضحكان ، فلمّا رأياه سكتا ، فقال لهما النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما لكما كنتما تضحكان ، فلمّا رأيتماني سكتّما؟ فبادرت فاطمة فقالت : بأبي أنت يا رسول الله ، قال هذا ...

قال : أنا أحبّ إلى رسول الله منك ، فقلت : بل أنا أحبّ إليه منك ، فتبسّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : يا بنيّة ، لك رقّة الولد ، وعلي أعزّ عليّ منك.

رواه الطبراني بإسناد صحيح (٢).

__________________

٩ : ٣٢٥ برقم ١٥١٩٣ ، وابن حجر في المطالب العالية ٤ : ٧٠ برقم ٣٩٨٦.

(١) مسند أحمد ٤ : ٢٧٥ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٥ برقم ١٥١٩٤. ورواه النسائي في السنن الكبرى ٥ : ١٣٩ برقم ٨٤٩٥ / ٧ ، وأبو داود في السنن : ٧٥٥ برقم ٤٩٩٩ وفيه : «تناولها ليلطمها». وفي السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين : ٧٤ : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يبعث إلى أبي بكر يشكوه ويقول : إنّ هذه من أمرها كذا ومن أمرها كذا ، حتّى كسر أبو بكر أنفها وأدماه ، وكانت تقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اتّق الله ولا تقل إلّا حقّا!!».

(٢) المعجم الكبير ١١ : ٥٥ برقم ١١٠٦٣ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٥ برقم ١٥١٩٥ وقال : رجاله رجال الصحيح.

٣٠

نجاتها هي وولدها

وعن ابن عباس : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة :

«إنّ الله غير معذّبك ولا ولدك بالنار» (١).

وعن عليّ أنّه كان عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال :

أيّ شيء خير للمرأة؟ فسكتوا ، فلمّا رجع قال لفاطمة : أيّ شيء خير للنساء؟ قالت : لا يراهنّ الرجال. فذكر ذلك للمصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنّما فاطمة بضعة منّي.

رواه البزّار (٢). وفيه دليل على فرط ذكائها ، وكمال فطنتها ، وقوّة فهمها ، وعجيب إدراكها.

__________________

(١) المعجم الكبير ١١ : ٢١٠ برقم ١١٦٨٥ ، مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٦ برقم ١٥١٩٨ ، كنز العمّال ١٢ : ١١٠ برقم ٣٤٢٣٦ ، نور الأبصار : ٥٢ وقال : أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات.

(٢) مجمع الزوائد ٩ : ٣٢٧ برقم ١٥٢٠٠ ، وفي كشف الأستار عن زوائد البزّار ٣ : ٢٣٥ برقم ٢٦٥٣ من حديث سعيد ابن المسيب عن علي عليه‌السلام.

٣١
٣٢

الباب الثاني

في تزويجها بعلي عليه‌السلام وجهازها

ومتعلّقات ذلك

٣٣
٣٤

في تزويجها بعلي عليه‌السلام وجهازها

زواج الطاهرة وتزويجها بعلي عليه‌السلام

لمّا شبّت فاطمة وترعرعت ، وبلغت من العمر خمس عشرة سنة ، وقيل : ستة عشرة سنة ، وقيل : ثماني عشرة سنة ، [وقيل : عشرين] (١) ، وقيل : إحدى وعشرين ، تزوّجها علي عليه‌السلام وعمره إحدى وعشرين سنة ، وقيل غير ذلك ، في رمضان من السنة الثانية من الهجرة (٢).

قال الليث : بعد وقعة بدر (٣). وقيل : في رجب منها ، وقيل : في صفر (٤). وقيل بعد وقعة أحد (٥).

__________________

(١) ما بين المعقوفتين زيادة في نسخة (ز).

(٢) وهذا هو القول المشهور عند الإمامية ، قال المجلسي : «تزوّج في شهر رمضان ، وبنى بها في ذي الحجّة من السنة الثانية للهجرة». (بحار الأنوار ٤٣ : ١٣٦ ونقله عن الذرّية الطاهرة للدولابي). وفي الصحيح من السيرة ٥ : ٢٦٩ قال : «هذا هو المعتمد والمشهور ، والصحيح أنّ عمرها حين زواجها كان تسع سنين». وهناك أقوال أخر ذكرها المجلسي في الباب الخامس بعنوان (تزويجها عليها‌السلام) في المجلّد ٤٣ ، وكذلك في الصحيح من السيرة المجلّد الخامس.

(٣) سير أعلام النبلاء ٢ : ١١٩ ، الإصابة ٤ : ٣٧٧.

(٤) ذكرهما في المنتظم ٣ : ٨٥ وقال : «والأول (رجب) أصحّ».

(٥) الاستيعاب ٤ : ٤٤٨ ، أسد الغابة ٧ : ٢١٦ ، تهذيب الكمال ٣٥ : ٢٤٧.

٣٥

وبنى بها بعد العقد بنحو أربعة أشهر ، وقيل : ستة أشهر ، ولم يتزوّج قبلها ولا عليها.

قال الليث : فولدت له حسنا وحسينا ، ومحسنا ومات صغيرا ، وأم كلثوم الكبرى الّتي تزوّجها عمر ، فولدت له زيدا ورقية ، ولم يعقّبا ، وتزوّجت بعد عمر عوف بن جعفر ، ثمّ بأخيه محمّد ، ثمّ بأخيهما عبد الله ، ولم تلد إلّا للثاني ، فولدت له ابنة صغيرة.

وولدت فاطمة الزهراء أيضا زينب الكبرى ، تزوّجها عبد الله بن جعفر ، فولدت له عدّة أولاد : فاطمة ولها العقب ، فعقب ابن جعفر انتشر من فاطمة وأم كلثوم ، ابنتي زينب ابنة فاطمة.

ويقال : لكلّ من ينسب إلى هؤلاء جعفري ، ولا ريب أنّ لهم شرفا ، لكنّهم لا يوازون (١) شرف المنسوبين للحسنين ، ولهذا يوصف (٢) العباسيون بالشرف ، مع أنّ الأشرفية المطلقة لعقب الحسنين فقط ؛ لاختصاص ذريّتهما بشرف النسبة. وعرف مصر أنّ الأشراف لقب لكلّ حسني خاصّة.

تزويجها بأمر الله تعالى

وكان تزويج المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة لعلي عليه‌السلام بأمر الله تعالى (٣).

__________________

(١) في نسخة (ز) : لا يحاذون.

(٢) في نسخة (ز) : ترضّى.

(٣) عن أنس قال : «كنت قاعدا عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فغشيه الوحي ، فلمّا سري عنه قال : أتدري يا أنس ما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قلت : بأبي وأمي ، وما جاء به جبريل من عند صاحب العرش؟ قال : إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من علي» رواه في كنز العمّال ١٣ : ٦٨٣ برقم ٣٧٧٥٣ و ١١ : ٦٠٦ برقم ٣٢٩٢٩ وقال : «رواه الخطيب وابن عساكر عن أنس» ، نور الأبصار : ٥٢ ، كفاية الطالب : ٢٩٧ في الباب ٧٨ وقال : هذا حديث حسن عال ، رواه ابن سويدة».

٣٦

فعن ابن مسعود أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

«إنّ الله تعالى أمرني أن أزوّج فاطمة من علي».

رواه الطبراني ، ورجاله ثقات (١).

وعن أنس قال :

جاء أبو بكر إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقعد بين يديه ، فقال : يا رسول الله ، قد علمت مناصحتي وقدمي في الإسلام وإنّي .. قال : وما ذاك؟ قال تزوّجني فاطمة؟ فأعرض عنه. فرجع أبو بكر إلى عمر ، فقال : إنّه ينتظر أمر الله فيها ، ثمّ فعل عمر ذلك ، فأعرض عنه ، فرجع إلى أبي بكر ، فقال : إنّه ينتظر أمر الله فيها ، انطلق بنا إلى علي نأمره أن يطلب مثل ما طلبنا.

قال علي : فأتياني ، فقالا : بنت عمك تخطب ، فنبّهاني لأمر ، فقمت أجرّ ردائي ، طرفه على عاتقي وطرفه الآخر في الأرض حتّى انتهيت إليه ، فقعدت بين يديه فقلت : قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي ،

__________________

وقال المحبّ الطبري في ذخائر العقبى : ٦٩ : «تزويجها بأمر من الله ووحي منه» ، وفي تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤١ :

«قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا زوّجته ، ولكنّ الله زوّجه». ورواه في سبل الهدى والرشاد ١١ : ٣٨ وقال : «رواه الطبراني برجال ثقات عن عبد الله بن مسعود» ، ومجمع الزوائد ٩ : ٣٣٠ برقم ١٥٢٠٨.

ومن طرق الإمامية عن ابن عباس عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي : «يا علي ، إنّ الله عزوجل زوّجك فاطمة». (بحار الأنوار ٤٣ : ١٤٥ حديث ٤٩). وعن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما زوّجت فاطمة إلّا بعد ما أمرني الله عزوجل بتزويجها». (بحار ٤٣ : ١٠٤ برقم ١٦).

ونقل من كتاب ابن مردويه قال ابن سيرين : قال أبو عبيدة : أنّ عمر بن الخطاب ذكر عليا فقال : «ذا صهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نزل جبريل على رسول الله فقال : إنّ الله يأمرك أن تزوّج فاطمة من علي». (بحار الأنوار ٤٣ : ١١١ برقم ٢٤ ، ومثله في ذخائر العقبى : ٧١).

وفي حديث خبّاب بن الأرتّ قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «زوّجت فاطمة ابنتي منك بأمر الله تعالى». (بحار الأنوار ٤٣ : ١١٣) ، ويذكر أنّ أكثر روايات الباب تدلّ على أنّ زواجها من أمير المؤمنين عليه‌السلام كان بأمر من الله تعالى.

(١) المعجم الكبير ١٠ : ١٥٦ برقم ١٠٣٠٥ ، وراجع مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٠ برقم ١٥٢٠٨.

٣٧

وإنّي ... وإنّي ... قال : وما ذاك؟ قلت : تزوّجني فاطمة؟ قال : وما عندك؟ قلت : فرسي وبدني ـ يعني درعي ـ قال : أمّا فرسك فلا بدّ بك منه ، وأمّا بدنك فبعها.

فبعتها بأربعمائة وثمانين درهما ، فأتيته بها فوضعها في حجره ، فقبض منها قبضة فقال : يا بلال ، أبتع (١) طيبا ، وأمرهم أن يجهّزوها ، فجعل لها سريرا مشروطا بالشريط ، ووسادة من أدم حشوها ليف ، وملأ البيت كثيبا ـ يعني رملا ـ وقال : إذا أتتك فلا تحدث شيئا حتّى آتيك.

فجاءت مع أم أيمن فقعدت في جانب البيت ، وأنا في الجانب الآخر ، فجاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : هاهنا أخي؟ قالت أم أيمن : أخوك وقد زوّجته ابنتك؟! قال : نعم.

فقال لفاطمة : آتني بماء ، فقامت إلى قعب في البيت فجعلت فيه ماء فأتته به ، فمجّ فيه ثمّ قال : قومي ، فنضح بين يديها (٢) وعلى رأسها ، وقال : اللهم إنّي أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم.

ثمّ قال : آتني بماء ، فعلمت الّذي يريده ، فملأت القعب فأتيته به ، فأخذ منه بفيه ، ثمّ مجّه فيه ، ثمّ صبّ على رأس عليّ وبين قدميه ، وقال : اللهم إنّي أعيذه بك وذرّيته من الشيطان الرجيم ، ثمّ قال : ادخل على أهلك باسم الله والبركة.

رواه الطبراني ، وفيه : محسن الأسلمي ، ضعيف (٣).

__________________

(١) في نسخة (ز) : أبغنا.

(٢) في نسخة (ز) : بين ثدييها.

(٣) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٨ برقم ١٠٢١ وفيه : «يحيى بن يعلى الأسلمي». ورواه في مجمع الزوائد ٩ : ٣٣١ برقم ١٥٢١٠ وفيه : «يحيى بن يعلى الأسلمي» أيضا ، وكنز العمّال ١٣ : ٦٨٤ برقم ٣٧٧٥٥.

٣٨

وعن أنس رضي‌الله‌عنه أيضا :

أنّ عمر أتى أبا بكر فقال : ما منعك أن تتزوّج فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : لا يزوّجني ، قال : إذا لم يزوّجك فمن يزوّج ، وإنّك من أكرم الناس ، وأقدمهم إسلاما؟ فانطلق أبو بكر إلى عائشة فقال : إذا رأيت من محمّد طيب نفسك (١) به وإقبالا ـ أي عليك ـ فاذكري له : أنّي ذكرت فاطمة ، فلعلّ الله أن ييسّرها لي. فرأت منه طيب نفس وإقبالا ، فذكرت ذلك له ، فقال : حتّى ينزل القضاء.

فرجع إليها أبو بكر فقالت : ما أتاه (٢) وددت أنّي لم أذكر له ما ذكرت ، فلقي أبو بكر عمر فذكر له ما أخبرته عائشة ، فانطلق عمر إلى حفصة وقال : إذا رأيت منه طيب نفس وإقبالا فاذكريني له ، واذكري فاطمة لعلّ الله ييسّرها لي. فرأت منه إقبالا وطيب نفس ، فذكرت له فقال : حتّى ينزل القضاء ، فأخبرته وقالت : وددت أنّي لم أذكر له شيئا.

فانطلق عمر إلى عليّ وقال : ما يمنعك من فاطمة؟ قال : أخشى أن لا يزوّجني ، قال : إن لم يزوّجك فمن يزوّج وأنت أقرب خلق الله إليه؟ فانطلق علي إليه ولم يكن له مقل (٣) ، قال : إنّي أريد أن أتزوّج فاطمة ، قال : فافعل ، قال : ما عندي إلّا درعي الحطمية (٤) ، قال : فاجمع ما قدرت عليه وآتني به ، فباعها بأربعمائة وثمانين فأتاه بها ، فزوّجه

__________________

(١) في نسخة (ز) : طيب نفس.

(٢) في نسخة (ز) : يا أبتاه.

(٣) في نسخة (ز) : ولم يكن له مثل عائشة وحفصة.

(٤) قال في النهاية : «وهي الّتي تحطم السيوف أي : تكسرها ، وقيل : هي العريضة الثقيلة ، وقيل : هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم : حطمة بن محارب ، كانوا يعملون الدروع ، وهذا أشبه الأقوال». (النهاية في غريب الحديث ١ : ٤٠٢).

٣٩

فاطمة ، فقبض ثلاث قبضات فدفعها إلى أم أيمن ، فقال : اجعلي منها قبضة في الطيب ، والباقي فيما يصلح للمرأة من المتاع. فلمّا فرغت من الجهاز وأدخلتها بيتا قال : يا علي ، لا تحدثنّ إلى أهلك شيئا حتّى آتيك ، فأتاهم فإذا فاطمة متعفّفة وعلي قاعد وأم أيمن ، فقال : يا أم أيمن ، آتيني بقدح من ماء ، فأتته به ، فشرب ثمّ مجّ فيه ، ثمّ ناوله فاطمة فشربت ، وأخذ منه فضرب جبينها وبين قدميها (١) ، وفعل بعليّ مثل ذلك ، ثمّ قال : اللهم أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا (٢).

رواه البزّار ، وفيه : محمّد بن ثابت ، وهو ضعيف ، بل لوائح الوضع ظاهرة عليه ، فإنّ تزويج فاطمة كان في السنة الثانية اتّفاقا ، وبناء المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله بحفصة بنت عمر إنّما كان في الثالثة (٣).

وعن ابن عباس قال :

كانت فاطمة تذكر لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يذكرها أحد إلّا صدّ عنه ، فيئسوا منها ، فلقي سعد بن معاذ عليا فقال : إنّي ما أراه يحبسها إلّا عليك ، فقال : ما أنا بأحد الرجلين : ما أنا بصاحب دنيا يلتمسها منّي وقد علم ما لي صفراء ولا بيضاء ، وما أنا بالكافر الّذي يترفّق (٤) بها

__________________

(١) في نسخة (ز) : ثدييها.

(٢) مجمع الزوائد ٩ : ٣٣٢ برقم ١٥٢١١.

(٣) قال ابن الأثير الجزري : «تزوّجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سنة ثلاثة عند أكثر العلماء» (أسد الغابة ٧ : ٦٨) ومثله في الإصابة والاستيعاب عند ترجمتها.

وحفصة بنت عمر كانت تحت خنيس بن حذامة السهمي ، وكان ممّن شهد بدرا وتوفّي بالمدينة ، فذكرها عمر لأبي بكر وعرضها عليه ، فلم يردّ عليه ، فغضب عمر ، فعرضها على عثمان ، فقال : ما أريد أن أتزوّج اليوم ، فذكر عمر ذلك عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتزوّجها سنة ثلاث للهجرة ، وطلّقها تطليقة ثمّ راجعها ، وتوفّيت سنة إحدى وأربعين.

(٤) في نسخة (ز) : يترقّقه ، يعني يتألّفه بها.

٤٠