الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-199-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٤

حديث إلياس موضوع :

قال أنس : قال لي إلياس : من أنت؟

قلت : أنا أنس بن مالك خادم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال : فأين هو؟

قلت : هو يسمع كلامك.

قال : «فأته فأقرأه مني السلام ، وقل له : أخوك إلياس يقرؤك السلام».

قال : فأتيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأخبرته : فجاء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ودنا معه حتى إذا كنا قريبا منه تقدم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وتأخرت. فتحدثا طويلا.

وفي لفظ آخر : «حتى جاءه فعانقه ، وسلم عليه ، ثم قعدا يتحدثان.

فقال إلياس : «يا رسول الله ، إني إنما آكل في السنة يوما ، وهذا يوم فطري ، فآكل أنا وأنت».

فنزل عليهم من السماء شبه السفرة.

قال ابن أبي الدنيا : فيها كمأة ، ورمان ، وكرفس.

وقال الحاكم : عليها خبز وحوت وكرفس. فأكلا وأطعماني وصليا ، ثم ودعه ، وجاءت سحابة فاحتملته. وكنت أنظر إلى بياض ثيابه تهوي به قبل الشام» (١).

__________________

(١) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٥ عن الحاكم ، وابن أبي الدنيا وراجع لسان الميزان ج ٦ ص ٢٩٥ وميزان الإعتدال ج ٤ ص ٤٤١ و ٢٩٥ وفتح القدير للشوكاني ج ٤ ص ٤١٢ وفتح القدير للشوكاني ج ٤ ص ٤١٢.

٨١

ونقول :

إن هذا الحديث لا يصح ، وذلك للأمور التالية :

ضعف سند الحديث :

بالنسبة لسند هذا الحديث نكتفي هنا بما ذكره الصالحي الشامي ، فقد قال : الحديث في سنده يزيد بن يزيد الموصلي التيمي [مولى لهم]. قال ابن الجوزي والذهبي : إنه حديث باطل ، واتهما به يزيد. قال الذهبي : أما استحى الحاكم من الله تعالى أن يصحح مثل هذا الحديث؟!

وقال في تلخيص المستدرك : هذا موضوع ، قبح الله من وضعه ، وما كنت أحسب أن الجهل يبلغ بالحاكم أن يصحح مثل هذا ، وهو مما افتراه يزيد الموصلي.

قلت : كما أن البيهقي ذكره في الدلائل وقال : هذا الذي روي في هذا الحديث في قدرة الله جائز ، وما خص الله به رسوله من المعجزات يثبته ، إلا أن إسناد هذا الحديث ضعيف بما ذكرته ونبهت على حاله.

ورواه ابن شاهين ، وابن عساكر بسند فيه مجهول عن واثلة بن الأسقع أطول مما هنا ، وفيه ألفاظ منكرة. وعلى كل حال لم يصح في هذا الباب شيء.

قال الشيخ في النكت البديعات : أخرجه الحاكم ، والبيهقي في الدلائل وقال : إنه ضعيف (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٥.

٨٢

وفد الجن :

وذكروا : أن وفد الجن جاء إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في سنة إحدى عشرة من النبوة (١) ، فعن الزبير بن العوام قال : صلى بنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صلاة الصبح في مسجد المدينة ، فلما انصرف قال : «أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة»؟

فخرجت معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها ، وأفضينا إلى أرض ، فإذا رجال طوال كأنهم الرماح ، مستثفرين ثيابهم من بين أرجلهم. فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة حتى ما تحملني رجلاي من الفرق.

فلما دنونا منهم خطّ لي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بإبهام رجله خطا ، فقال : «اقعد في وسطه» ، فلما جلست ذهب عني كل شيء كنت أجده من ريبة ، ومضى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بيني وبينهم ، فتلا قرآنا ، وبقوا حتى طلع الفجر ، ثم أقبل. فقال : «الحقني».

فمشيت معه فمضينا غير بعيد ، فقال لي : «التفت وانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد»؟

فخفض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الأرض (فتناول) عظما وروثة ، ثم رمي بهما وقال : «إنهم سألوا الزاد ، فقلت لهم : لكم كل عظم وروثة» (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٤٥ عن أبي نعيم في دلائل النبوة ، والواقدي وعمدة القاري ج ٦ ص ٣٧ وج ١٦ ص ٣٠٩ والدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٤٥ وتفسير الآلوسي ج ٢٦ ص ٣٢ وج ٢٩ ص ٨٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ٤٤٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٤ عن أبي نعيم ، وقال في هامشه : ذكره الهيثمي ـ

٨٣

عن علقمة قال : قلت لابن مسعود : هل صحب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من أحد ليلة الجن؟

قلت : ما صحبه منا أحد ، ولكن فقدناه ذات ليلة فالتمسناه في الأودية وفي الشعاب ، فقلنا : اغتيل؟ استطير؟ ما فعل؟ فبتنا بشر ليلة بات بها قوم.

فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء.

فقلنا : يا رسول الله ، فقدناك فطلبناك فلم نجدك ، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم.

فقال : «إنه أتاني داعي الجن ، فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن».

قال : فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم.

وسألوه الزاد فقال : «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحما ، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم»

قال : «فلا تستنجوا بهما ، فإنهما زاد إخوانكم من الجن».

وقال الشعبي : وكانوا من جن الجزيرة (١).

__________________

ـ في المجمع ج ١ ص ٢١٥ ، وقال : رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن ، والبحار ج ٦٠ ص ٢٩٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٠ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٤.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٤ عن أحمد ، والترمذي ، ومسلم ، والدر المنثور ج ٦ ص ٤٤ عنهم وعن عبد بن حميد ، والبحار ج ٦٠ ص ٢٩٤ وراجع : صحيح مسلم ج ٢ ص ٣٦ وسنن الترمذي ج ٥ ص ٥٩ وسنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ١٠٩ وضعيف سنن الترمذي للألباني ص ٤١٥ وتفسير البغوي ج ٤ ص ١٧٤ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٤ ص ٣١٦ وتفسير القرطبي ج ١ ص ٣١٥ وج ١٩ ص ٤ و ٦ وتفسير إبن كثير ج ٤ ص ١٧٦ وأضواء البيان للشنقيطي ج ٤ ص ١٢١.

٨٤

عن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول : «بت الليلة أقرأ على الجن واقفا بالحجون» (١).

وقوله : إنه لم يكن مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصح مما رواه ابن جرير على الزهري قال : أخبرنا أبو عثمان بن سنة ـ بفتح المهملة وتشديد النون ـ الخزاعي أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال لأصحابه وهو بمكة : «من أحب منكم أن يحضر الليلة أثر الجن فليفعل». فلم يحضر معهم أحد غيري.

قال : فانطلقنا فإذا كنا بأعلى مكة خط لي برجله خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ، ثم انطلق حتى إذا قام فافتتح القرآن [فجعلت أرى أمثال النسور تهوي وتمشي في رفرفها ، وسمعت لغطا وغمغمة ، حتى خفت على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ، ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٤ عن ابن جرير ، وقال في هامشه : أخرجه الطبري في التفسير ج ٢٦ ص ٢١ ، وأحمد في المسند ج ١ ص ٤١٦ ، وذكره ابن كثير في التفسير ج ٧ ص ٢٧٥ وفي (ط دار المعرفة ـ بيروت) ج ٤ ص ١٧٧ وراجع : مسند أحمد ج ١ ص ٤١٦ ومسند أبي يعلى ج ٨ ص ٤٧٤ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ٢٢٤ و ٢٢٥ وموارد الظمآن للهيثمي ج ٥ ص ٤٤٨ وكنز العمال ج ٦ ص ١٤٤ وجامع البيان للطبري ج ٢٦ ص ٤٣ وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ١٧٧ والدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٤٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٥ عن ابن جرير ، وقال في هامشه عن : المستدرك للحاكم ج ٢ ص ٥٠٣ وعن دلائل النبوة (١٢٩). وراجع : البحار ج ٦٠ ص ٢٩٥ ـ

٨٥

وقال أبو نعيم : كان إسلام الجن ووفادتهم على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كوفادة الإنس فوجا بعد فوج ، وقبيلة بعد قبيلة ، بمكة ، وبعد الهجرة.

عن ابن مسعود قال : إن أهل الصفة أخذ كل رجل منهم رجلا ، وتركت ، فأخذ بيدي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ومضى إلى حجرة أم سلمة ، ثم انطلق بي حتى أتينا بقيع الغرقد ، فخط بعصاه خطا ثم قال : «اجلس فيها ولا تبرح حتى آتيك».

ثم انطلق يمشي ، وأنا أنظر إليه من خلال الشجر ، حتى إذا كان من حيث أراه ثارت مثل العجاجة السوداء ، فقلت : ألحق برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فإني أظن هذه هوازن مكروا برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليقتلوه ، فأسعى إلى البيوت فأستغيث بالناس ، فذكرت أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمرني ألا أبرح مكاني الذي أنا فيه.

فسمعت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقرعهم بعصاه ويقول : «اجلسوا». فجلسوا حتى كاد ينشق عمود الصبح ، ثم ثاروا وذهبوا.

فأتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال : «أولئك وفد الجن ، سألوني المتاع والزاد ، فمتعتهم بكل عظم حائل ، وروثة وبعرة ، فلا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أكل ، ولا روثة إلا وجدوا عليها

__________________

ـ وراجع : مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ١ ص ٤٤ والدرر لابن عبد البر ص ٥٩ وجامع البيان للطبري ج ٢٦ ص ٤٣ وتفسير البغوي ج ٤ ص ١٧٣ وتفسير القرطبي ج ١٦ ص ٢١٢ وو تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١٧٧ وتهذيب الكمال ج ٣٤ ص ٦٨.

٨٦

حبها الذي كان يوم أكلت» (١).

ونقول :

قيمة هذه النصوص :

إننا لا نستطيع أن نؤيد صحة النصوص المتقدمة ، لأسباب كثيرة مثل :

١ ـ إن أسانيدها تحتاج إلى بحث وتدقيق ، لا سيما وأنها لم ترو عن المعصومين «عليهم‌السلام» ، كما أن في أسانيدها من لا مجال للإطمئنان إلى صدقه ، أو إلى ضبطه.

٢ ـ إن رواية علقمة عن ابن مسعود صريحة في نفي حضور أحد من الصحابة مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليلة الجن في مكة ، فهي تنفي صحة رواية ابن مسعود الأخرى التي تقول : إنه حضرها مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مكة ، بل هي تنفي صحة رواية حضور الزبير أيضا ، حتى لو صرحت روايته بأن ذلك كان في المدينة ، وتنفي صحة رواية حضور ابن مسعود لوفدهم في المدينة أيضا ، وذلك لسبب بسيط ، وهو أن العناصر التي اشتملت عليها الروايات كلها متشابهة بدرجة كبيرة ، كما يظهر بالمراجعة

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ٤٤٥ وج ٦ ص ٤٣٣ عن أبي نعيم ، وفي هامشه عن : نصب الراية ج ١ ص ١٤٥ وعن تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٢٨٢ وفي (ط دار المعرفة ـ بيروت) ج ٤ ص ١٨٢ وراجع : صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٤١ وفتح الباري ج ٧ ص ١٣٢ ومسند الشاميين للطبراني ج ٤ ص ١١٥ وجامع البيان للطبري ج ٢٦ ص ٤٢ وتفسير الثعلبي ج ٩ ص ٢١ وتفسير البغوي ج ٤ ص ١٧٤ وتفسير القرطبي ج ١٣ ص ١٨٣ وج ١٦ ص ٢١٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٤.

٨٧

والمقارنة ، وذلك يدل على أن الرواة يتصرفون في نص واحد تارة ينسبونه لهذا ، وأخرى ينسبونه لذاك ، وتارة يجعلونه في هذا البلد ، وأخرى في ذاك.

فراجع وقارن لتقف على مدى تأثير الأهواء في صياغة النصوص ، وفي محاولات تحريفها.

حديث الجن في القرآن :

أما الآيات القرآنية فقد صرحت بما يشير إلى مجيء نفر من الجن إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لاستماع القرآن ، قال تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) (١). ولم تصرح الآيات بأنهم قد كلموا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أو أظهروا له أنفسهم ، وإن كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد علم بهم ، بوحي من الله تعالى ، قال تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً ، يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) (٢).

وهذا المقدار لا يبرر اعتبار ذلك وفادة منهم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. إلا إذا استندنا في ذلك إلى الروايات ، لكن المروي منها في مصادر غير الشيعة لا مجال للوثوق به أيضا. لكثرة وجوه الإختلاف فيه (٣) مع سقوط أسانيده عن الإعتبار : ولكثرة ما يرد عليه من مآخذ كما يعلم بالمراجعة.

__________________

(١) الآية ٢٩ من سورة الأحقاف.

(٢) الآيتان ١ و ٢ من سورة الجن.

(٣) راجع : الدر المنثور ج ٦ ص ٤٤ و ٤٥ وراجع المصادر التي سلفت.

٨٨

روايات الجن في كتب الشيعة :

وعن الروايات حول وفادات الجن ، الواردة في كتب الشيعة نقول :

ذكر القمي : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خرج من مكة إلى سوق عكاظ يدعو الناس ، فلم يجبه أحد ، ثم رجع إلى مكة ، فلما بلغ وادي مجنة تهجد بالقرآن في جوف الليل ، فمر به نفر من الجن فسمعوا قراءته ، فولّوا إلى قومهم منذرين ، فجاؤوا إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأسلموا ، وآمنوا. وعلمهم شرائع الإسلام (ونزلت سورة الجن بهذه المناسبة).

وكانوا يعودون إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، في كل وقت ، فأمر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليا أمير المؤمنين «عليه‌السلام» أن يعلمهم ويفقههم (١).

وذكر نص آخر عن الإمام الكاظم «عليه‌السلام» : أن تسعة من جن نصيبين واليمن استمعوا القرآن. فأقبل إليه من الجن أحد وسبعون ألفا ، فاعتذروا له وبايعوه (٢).

وتجد في كثير من كتب الحديث المروي عن أهل البيت «عليهم‌السلام» وكذلك في الكتاب الشريف بحار الأنوار (٣) للعلامة المجلسي (رفع الله مقامه) ـ تجد ـ أحاديث كثيرة تتعرض لوفادات كثيرة لأفراد ولجماعات من

__________________

(١) البرهان (تفسير) ج ٤ ص ١٧٧ و ١٧٨ والبحار ج ١٨ ص ٩٠ وج ٦٠ ص ٨١ وتفسير القمي ج ٢ ص ٣٠٠ والتفسير الصافي للكاشاني ج ٥ ص ١٨ وج ٦ ص ٤٦١ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ٤٣٥ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٢٢٠.

(٢) البحار ج ٦٠ ص ٩٧ و ٩٨ عن الإحتجاج وراجع : ج ١٠ ص ٤٤ وج ١٦ ص ٤١٥ وج ١٧ ص ٢٩٢.

(٣) راجع : البحار ج ٦٠ ص ٤٢ ـ ١٣٠.

٨٩

الجن على رسول الله ، وملاقاتهم له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وهي مروية عن أهل البيت «عليهم‌السلام» وشيعتهم ، وهي أكثر سدادا من الروايات الأخرى .. فياحبذا لو أن كتّاب السيرة استفادوا من تلك الروايات في تدوينهم للسيرة النبوية الشريفة ، فإن أهل البيت أدرى بما فيه ، وهم المأمونون على هذا الدين وعلى سيرة سيد المرسلين ..

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مبعوث للإنس والجن :

قال المجلسي «رحمه‌الله» : «لا خلاف في أن الجن والشياطين مكلفون ، وأن كفارهم في النارهم معذبون» (١).

وفي تفسير القمي : سئل العالم «عليه‌السلام» عن مؤمني الجن يدخلون الجنة؟!

فقال : لا ، ولكن لله حظائر بين الجنة والنار ، يكون فيها مؤمنو الجن ، وفساق الشيعة (٢).

وقال العلامة المجلسي «رحمه‌الله» : «ولا خلاف في أن نبينا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مبعوث إليهم ، وأما سائر أولي العزم ، فلم يتحقق عندي بعثهم عليهم نفيا أو إثباتا ، وإن كان بعض الأخبار يشعر بكونهم مبعوثين

__________________

(١) البحار ج ٦٠ ص ٢٩١.

(٢) البحار ج ٨ ص ٣٣٥ وج ٦٠ ص ٨٢ و ٢٩١ ومستدرك سفينة البحار ج ٨ ص ٢٠٣ وتفسير نور الثقلين ج ٥ ص ١٩ و ٤٣٧ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٢٢٠ وج ٢٠ ص ٤٨ والتفسير الصافي ج ٥ ص ١٨ وج ٦ ص ٤٦١ وتفسير القمي ج ٢ ص ٣٠٠ والتفسير الأصفى ج ٢ ص ١١٧٠.

٩٠

عليهم» (١).

ابن مسعود من أهل الصفة :

ذكرت الروايات المتقدمة : أن ابن مسعود كان من أهل الصفة ، وورد التصريح بذلك في مصادر أخرى (٢).

غير أننا نقول :

إن علينا أن نأخذ بنظر الإعتبار الأمور التالية :

١ ـ إن الرواية تفيد : أن قضية ابن مسعود أنه كان من أهل الصفة حتى بعد زواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأم سلمة ، ومن المعلوم : أن زواجها به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد كان في السنة الرابعة من الهجرة (٣) والذين قالوا أن زواجه منها كان في السنة الثانية مخطئون قطعا لأن زوجها أبو سلمة بن عبد أسد قد جرح في معركة أحد ومات من جراحاته (٤) ثم تزوجها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد انقضاء عدتها منه.

__________________

(١) البحار ج ٦٠ ص ٢٩١.

(٢) راجع : سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٣ وتفسير السمعاني ج ٢ ص ١٠٧ ونصب الراية ج ١ ص ٢١٥ والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج ١ ص ٦٤.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٦٩ وعمدة القاري ج ٣ ص ٢١٦ وفتح الباري ج ١ ص ٣٢٤.

(٤) تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٠٥ وسير أعلام النبلاء ج ١ ص ١٥٠ والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص ١٠٣ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ٢١٧ وغيرها.

٩١

٢ ـ إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما قدم المدينة أقطع الدور ، لأصحابه وأقطع ابن مسعود في من أقطع (١).

وقال ياقوت : «لما قدم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مهاجرا إلى المدينة أقطع الناس الدور والرباع ، فخط لبني زهرة في ناحية من مؤخر المسجد ، وكان لعبد الرحمن بن عوف الحش المعروف به. وجعل لعبد الله وعقبة ابني مسعود الهذليين الخطة المشهورة بهم عند المسجد» (٢).

وقد حدد المؤرخون موضع دار ابن مسعود ، وأنها مقابل أول باب للمسجد من أبواب الشام مما يلي المشرق.

وجعلوا في موضع دار ابن مسعود الدار المعروفة بدار المضيف. وهي إلى جنب دار أبي الغيث ابن المغيرة ، التي جعلوا في موضعها الرباط المعروف برباط الظاهرية والشرشورة (٣).

__________________

(١) المعجم الكبير ج ١٠ ص ٣٧٤ والمبسوط ج ٣ ص ٢٧٤ وجواهر الكلام ج ٣٨ ص ٥٥ والأم للشافعي ج ٤ ص ٥٠ وعن الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ق ١ ص ١٠٧ وراجع ص ١٠٨ وراجع : معجم البلدان ج ٥ ص ٨٦ ومسالك الأفهام ، كتاب إحياء الموات ووفاء الوفاء ج ٢ ص ٧١٨ وبيل الأوطار للشوكاني ج ٦ ص ٥٩ ومكاتيب الرسول للاحمدي ج ١ ص ٣٥٥ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ١٩٧ والمعجم الأوسط للطبراني ج ٥ ص ١٦٣ وامعجم الكبير للطبراني ج ١٠ ص ٢٢٢.

(٢) وفاء الوفاء ج ٢ ص ٧١٨ ومعجم البلدان ج ٥ ص ٨٦.

(٣) راجع : وفاء الوفاء ج ٢ ص ٦٩٥ و ٧٢٨ وكانت تدعى دار القراء وخلاصة الوفا باخبار دار المصطفى ج ١ ص ١٧٠ و ٢٢٠.

٩٢

٣ ـ الصفة : مكان في مؤخرة المسجد النبوي مظلل ، أعد لنزول الغرباء فيه ، ممن لا مأوى لهم ولا أهل ، وأهل الصفة هم أناس فقراء لا منازل لهم ، فكانوا ينامون في المسجد لا مأوى لهم غيره (١).

وفي بعض النصوص : لا يأوون على أهل ولا مال ، ولا على أحد (٢).

فهل بقي ابن مسعود بلا بيت ، وبلا دار ، وبلا مال طيلة هذه السنوات؟!

وإذا كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أقطعه دارا في أول الهجرة ، فلماذا لم يستفد منها في إيجاد محل يأوي إليه؟! في حين أن بناء البيت لا يحتاج إلى بذل أموال ، أو استئجار الرجال ، بل كان يمكنه هو أن يجمع بعض الحجارة ويبنيها ، ثم يسترها بما يجده من سقف أو سواه ، ثم يأوي إليه ..

على أن لنا سؤالا آخر ، وهو : أين كانت عائلة ابن مسعود ، وأخواته ، وأمه و.. و.. طيلة هذه المدة هل كانوا معه في الصفة أيضا؟!

إن ذلك كله يشير إلى أن عدّه من أصحاب الصفة ، وكذلك غيره ممن يشبه حاله حال ابن مسعود يبقى غير مفهوم.

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٥٣ و ٤٥٤ وميزان الحكمة للريشهري ج ٤ ص ٣٢٢٦ وفتح الباري ج ١١ ص ٢٤٤ وعمدة القاري ج ٤ ص ١٩٨ ومسند ابن راهويه ج ١ ص ٢٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٥٥.

(٢) وفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٥٥ ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه‌السلام» محمد بن سليمان الكوفي ج ١ ص ٧٣ وسنن الترمذي ج ٤ ص ٦١ و ٦٢ وفتح الباري ج ١١ ص ٢٤٣ وتحفة الأحوذي للمباركفوري ج ٧ ص ١٥٠ ورياض الصالحين للنووي ص ٢٧٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٧ ص ٣١٩ و ٣٢٠.

٩٣

حفيد إبليس عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ورووا : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان على جبل من جبال تهامة خارج مكة ، إذ أقبل شيخ متوكئ على عصا ـ وفي لفظ : بيده عصا ـ فسلم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فرد عليه‌السلام ، وقال : «نغمة الجن ومشيتهم» ـ وفي رواية : «جني ونغمته ـ من أنت»؟

قال : أنا هامة بن الهيم بن لا قيس بن إبليس.

قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ليس بينك وبين إبليس إلا أبوان»؟!

قال : نعم.

قال : «فكم أتى عليك الدهر»؟

قال : قد أفنت الدنيا عمرها إلا قليلا. كنت ليالي قتل قابيل هابيل غلاما ابن أعوام ، أفهم الكلام ، وأمر على الآكام ، وآمر بإفساد الطعام ، وقطيعة الأرحام ، وأأرّش بين الناس ، [وأغري بينهم].

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «بئس لعمر الله عمل الشيخ المتوسم ، والفتى المتلوم».

قال : دعني من اللوم ، فقد جرت توبتي على يدي نوح «عليه‌السلام» ، وكنت معه فيمن آمن به من قومه ، فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني.

وقال : لا جرم ، إني على ذلك من النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.

وكنت مع هود «عليه‌السلام» في مسجده مع من آمن به من قومه ، فلم

٩٤

أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى عليهم وأبكاني ، فقال : لا جرم ، إني على ذلك من النادمين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.

(وذكرت رواية القمي وغيره : أنه عاتب صالحا أيضا على دعائه على قومه).

وكنت أزور يعقوب ، وكنت مع يوسف بالمكان المكين.

وكنت ألقى إلياس في الأودية وأنا ألقاه الآن.

وكنت مع إبراهيم خليل الرحمن لما ألقي في النار ، فكنت بينه وبين المنجنيق ، حتى أخرجه الله منه.

ولقيت موسى بن عمران فعلمني من التوراة وقال لي : إن أنت لقيت عيسى ابن مريم فأقرأه مني السلام.

وكنت مع عيسى فقال : إن لقيت محمدا فأقرئه مني السلام.

وأنا يا رسول الله قد بلغت وآمنت بك.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «وعلى عيسى السلام» ـ وفي لفظ : ـ «وعليك يا هامة ، ما حاجتك»؟

فقال : موسى علمني من التوراة ، وعيسى علمني من الإنجيل ، فعلمني من القرآن.

فعلمه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سورة المرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت ، والمعوذتين ، وقل هو الله أحد.

وفي لفظ عمر : إذا وقعت الواقعة.

وفي رواية : علمه عشر سور.

وقال له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ارفع إلينا حاجتك يا هامة ، ولا تدع

٩٥

زيارتنا».

وقال عمر بن الخطاب : فقبض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولم ينعه إلينا ، ولسنا ندري أحي هو أو ميت (١).

ونقول :

لقد ذكر البعض هذا الحديث في جملة الوفود على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ولا يخالجنا شك في كونه من الأحاديث الموضوعة ، فتابعناه وذكرناه ، لكي نؤكد للقارئ الكريم على هذه الحقيقة ، مستدلين عليها بما يلي :

أولا : لقد حكم غير واحد على هذا الحديث بأنه مكذوب أو ضعيف ، وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات ، فراجع (٢).

ثانيا : إن هذه الرواية تتضمن الإساءة لأنبياء الله سبحانه وتعالى ، وتنسب إليهم الخطأ والندم عليه.

ثالثا : إنها تنسب الخطأ أو الجهل ، أو الظلم إلى الله تبارك وتعالى .. لأن

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٨ و ٤٣٩ عن ابن الجوزي في الموضوعات واللآلي المصنوعة ، والنكت البديعات ، وعن عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، والعقيلي في الضعفاء ، وابن مردويه في التفسير ، وأبي نعيم في حلية الأولياء والدلائل ، والبيهقي في الدلائل ، والمستغفري في الصحابة ، وإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي ، والفاكهي في كتاب مكة ، والبحار ج ٦٠ ص ٣٠٣ و ٨٣ ـ ٨٤ وج ٣٨ ص ٥٤ ـ ٥٧ وج ٢٧ ص ١٤ ـ ١٧ وج ١٨ ص ٨٤ عن أسد الغابة وعن تفسير القمي وبصائر الدرجات ص ٢٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣٩.

٩٦

إغراق قوم نوح وإهلاك قوم هود وصالح ، إذا كان خطأ ، فإما أن يكون الله تعالى كان جاهلا بهذا الخطأ ، فنسبته ذلك إلى الله تبارك وتعالى جريمة عظمى ، ومعصية كبرى ..

وإما أن يكون تعالى قد علم بالخطأ في حقهم ، ثم فعله ، فذلك ظلم منه سبحانه لهم .. وهو ينافي ألوهيته ، وتؤدي نسبته إلى العزة الإلهية إلى الكفر بالله سبحانه ، فإذا كان هود ونوح قد اعتقدا بأن قومهما قد ظلموا بما جرى عليهم ، فذلك يعني أنهما ينسبان إلى الله تبارك وتعالى ، إما الظلم أو الجهل .. وهذا يؤدي إلى نسبة الكفر لهذين النبيين الكريمين العظيمين.

رابعا : إذا كان حفيد إبليس قد عرف خطأ نوح وهود في دعائهما على قومهما ، ولم يعرفا هما ذلك ، فإنه يكون أحق بالنبوة منهما ، وأولى بالتقدم عليهما.

خامسا : إن ظاهر كلام حفيد إبليس هو : أنه قد كرر عتابه لنوح وهود ، حتى فاز بما يريد ، وأنهما «عليهما‌السلام» لم يقبلا منه إلا بعد لأي .. فلماذا احتاج حفيد إبليس إلى تكرار العتاب لهما؟ هل لأن حجته لم تكن كافية؟! أم أنهما رفضا الإعتراف بالخطأ على سبيل العناد واللجاج؟! وهل يستحق اللجوج العنيد مقام النبوة؟!

إن حفيد إبليس قد ادّعى أنه كان مع هود في مسجده مع من آمن من قومه (١) ، مع أن الآيات القرآنية تقول : إن قوم هود قد هلكوا عن بكرة أبيهم

__________________

(١) البحار ج ٢٧ ص ١٦ وبصائر الدرجات ص ١١٨ ومدينة المعاجز ج ١ ص ١٢٨ وجامع احاديث الشيعة للبروجردي ج ١٤ ص ٣٣٠ وكنز العمال ج ٦ ص ١٦٥ ـ

٩٧

ولم ينج منهم إلا هود وأهله ، باستثناء امرأته فإنها هلكت مع من هلك.

فكيف يدعي حفيد إبليس أنه كان مع هود جماعة مؤمنون من قومه؟!

إضافات على الرواية المتقدمة :

وقد أضافت النصوص المروية في كتب الشيعة : أنه لما طلب من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعلمه شيئا من القرآن قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعلي «عليه‌السلام» علّمه ، فقال هام : يا محمد ، إنا لا نطيع إلا نبيا أو وصي نبي ، فمن هذا؟

قال : هذا أخي ، ووصيي ، ووزيري ، ووارثي علي بن أبي طالب.

قال : نعم ، نجد اسمه في الكتب إليّا ، فعلمه أمير المؤمنين ، فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين «عليه‌السلام» (١).

ونقول :

أولا : هناك زيادة طويلة ذكرها في رواية روضة الكافي ، وفيها ما يناقض هذا الذي ذكر آنفا ، حيث صرحت : بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

ـ وضعفاء العقيلي ج ١ ص ٩٩ وطبقات المحدثين بأصبهان لابن حبان ج ٣ ص ٢٦٧ والموضوعات لابن الجوزي ج ١ ص ٢٠٧ وميزان الإعتدال ج ١ ص ١٨٧ ولسان الميزان ج ١ ص ٣٥٦ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ١١٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٨٦.

(١) تفسير القمي ج ١ ص ٣٧٦ وتفسير الصافي للكاشاني ج ٣ ص ١٠٧ والبحار ج ٦٠ ص ٨٤ وج ٢٧ ص ١٤ و ١٦ وج ١٨ ص ٨٤ عن تفسير القمي وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٨.

٩٨

سأل حفيد إبليس إن كان يعرف وصيه ، فقال : إذا نظر إليه يعرفه بصفته واسمه الذي قرأه في الكتب.

فقال له : انظر ، فنظر في الحاضرين ، فلم يجده فيهم.

وبعد حديث طويل سأله فيه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن أوصياء الأنبياء «عليهم‌السلام» ، وأجابه ، ووصف له عليا «عليه‌السلام» ، ثم جاء علي «عليه‌السلام» فعرفه بمجرد أن وقع نظره عليه.

ثم تذكر الرواية : أن الهام بن الهيم بن لا قيس قتل بصفين (١).

ثانيا : إن نفس اعتراض هذا الجني على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين طلب من علي «عليه‌السلام» أن يعلمه شيئا من القرآن يدل على خلل أساسي في إيمانه ، لأن الإيمان برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معناه الطاعة له ، والإستسلام لأوامره ونواهيه ، ومن يرفض ذلك لا يكون كذلك.

ثالثا : ما الذي جعل لهذا الجني الحق في أن لا يطيع ما عدا الأنبياء وأوصياءهم ، حتى حين يأمرهم الأنبياء والأوصياء بذلك؟ وما الذي يميزه عن غيره من بني جنسه في ذلك؟!

وفود السباع :

١ ـ عن أبي هريرة قال : جاء ذئب إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأقعى بين يديه ، وجعل يبصبص بذنبه ، فقال رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) البحار ج ٣٨ ص ٥٤ ـ ٥٧ وج ٢٧ ص ١٥ ـ ١٧ وأشار في هامشه إلى الروضة ص ٤١ و ٤٢ وبصائر الدرجات ص ٢٧ والروضة في فضائل أمير المؤمنين لابن جبرئيل القمي ص ٢٢٣.

٩٩

وآله» : «هذا وافد الذئاب ، جاء يسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا».

فقالوا : لا والله يا رسول الله ، لا نجعل له من أموالنا شيئا.

فقام إليه رجل من الناس ، ورماه بحجر ، فسار وله عواء (١).

٢ ـ وعن حمزة بن أبي أسيد قال : خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في جنازة رجل ، فإذا ذئب متفرشا ذراعيه على الطريق ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هذا معترض فافرضوا له».

قالوا : ما ترى يا رسول الله.

قال : «من كل سائمة شاة في كل عام».

قالوا : كثير ، فأشار إلى الذئب أن خالسهم ، فانطلق الذئب (٢).

٣ ـ عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال : بينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جالس بالمدينة في أصحابه ، إذ أقبل ذئب فوقف بين يدي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فعوى [بين يديه] ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هذا وافد السباع إليكم ، فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره ، وان أحببتم تركتموه وتحررتم منه ، فما أخذ فهو رزقه».

فقالوا : يا رسول الله ، ما تطيب أنفسنا له بشيء.

فأومأ إليه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأصابعه : أن خالسهم ، فولى وله

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٤٠ عن سعيد بن منصور ، والبزار ، وأبي يعلى ، والبيهقي ، وقال في هامشه : انظر البداية والنهاية ج ٦ ص ١٦٦.

(٢) البداية والنهاية لابن كثير ج ٦ ص ١٦١ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٤٠ عن أبي نعيم ، والبيهقي.

١٠٠