الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-199-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٤

ثم قال : والثبات : النخيل القديم قد ضرب عروقه في الأرض (١).

فذلك كله يدل على : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعاملهم كمسلمين .. ولا تضرب الجزية على المسلم.

والذي نراه هو : أن أكيدر نفسه وطائفة من قومه قد قبلوا الإسلام ، ولكن معظمهم أبى ذلك ، فأبقاه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ملكا عليهم ، وأخذ منهم الجزية ، وخص المسلمين منهم ببعض الفقرات ، وهو أنه طلب منهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بحقها .. وربما يكون رواة الكتاب لم يدققوا في كلماته حين نقلوها لنا ، فلم يتضح الفصل في الخطاب بالنسبة للفريقين ..

خلع السلاح لماذا؟! :

وقد يسأل سائل عن السبب في أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صالح هؤلاء القوم على شرط أخذ الحصون ، والسلاح وغيره من وسائل الحرب منهم.

ويمكن أن يجاب : بأن سبب ذلك هو أنهم كانوا لا يؤمن من غدرهم ، لبعدهم عن مركز الحكومة الإسلامية ، وقربهم من بلاد الأعداء.

ولعل الأقرب هو أن يقال : إن ملكهم قد أخذ ، وصالحوا خالدا على بعض أموالهم قبل أن يسلموا ، فأصبحت أرضهم ، وكل شيء لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. ثم إنهم حين أسلموا أعاد «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج ١ ص ٢٨٩ ومكاتيب الرسول للأحمدي ج ٣ ص ٣١٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٨ ص ٢٣٤ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ٦٥.

٤١

بعض ذلك إليهم ، وحجب عنهم بعضه الآخر لمصالح راعاها .. ولا ضير في ذلك ..

وراء الأكمة ما وراءها!! :

أما قول بعضهم : إن أكيدر لم يسلم ، وهذا الإختلاف فيه بين أهل السيرة ومن قال إنه أسلم فقد أخطأ خطأ ظاهرا (١).

فلا يصح : حسبما اتضح من النصوص التي أوردناها في الفقرة السابقة ..

والذي يبدو لنا هو : أن أكيدر قد قتله خالد بن الوليد في عهد أبي بكر ، بحجة أنه منع الصدقة (٢) فهو في جملة الذين قتلهم أبو بكر ، لأنهم لم يعترفوا بخلافته .. فيما أسموه هم ومحبوهم بحروب الردة ، أو حروب مانعي الزكاة ..

ولعل سبب زعمهم أن أكيدر لم يسلم أصلا هو : أنهم أصيبوا بالتخمة من كثرة من قتلوهم ، استنادا لهذا الزعم الموهون.

__________________

(١) أسد الغابة ج ١ ص ١١٣ وأشار العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» في مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٣١٤ إلى : المغازي للواقدي ج ٣ ص ١٠٣٠ والإصابة ج ١ ص ٦١ و ١٢٥ ومعجم البلدان ج ٢ ص ٤٨٧ وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٣ ص ١٠٩ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٨١ والطبقات الكبرى ج ٢ ق ١ ص ١٢٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٣٣ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ٣٧٤.

(٢) أسد الغابة لابن الأثير ج ١ ص ١١٤ وج ٣ ص ٣٣٢ والأعلام للزركلي ج ٢ ص ٦ ومعجم البلدان ج ٢ ص ٤٨٨ وعن السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ وتهذيب تاريخ دمشق ج ٣ ص ٩٧ والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٤ ص ٢٣٤ وكتاب المحبر للبغدادي ص ١٢٥ وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٤٨ وسبهل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٢٠ و ٢٢٣.

٤٢

وسيأتي المزيد من الكلام حول موضوع أكيدر في اواخر غزوة تبوك إن شاء الله ، حيث سنجد هناك بعض ما يساعد على فهم بعض الأمور التي ذكرناها هنا.

وسنرى : أن الظاهر هو : أن خالدا لم يكن هو أمير السرية ، وإن كان ربما قد قام بدور فيها ..

وأن الوصف لما جرى المذكور هنا قد يكون غير دقيق. فانتظر.

سرية أبي أمامة إلى قومه :

عن أبي أمامة قال : بعثني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى قومي أدعوهم إلى الله عزوجل ، وأعرض عليهم شرائع الإسلام. فأتيتهم وقد سقوا إبلهم ، وحلبوها وشربوا.

فلما رأوني قالوا : مرحبا بالصدي بن عجلان. وأكرموني ، وقالوا : بلغنا أنك صبوت إلى هذا الرجل.

فقلت : لا ولكن آمنت بالله ورسوله ، وبعثني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليكم أعرض عليكم شرائع الإسلام.

فبينا نحن كذلك إذ جاؤا بقصعتهم فوضعوها ، واجتمعوا حولها يأكلونها ، وقالوا : هلم يا صدي.

قلت : ويحكم ، إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم إلا ما ذكيتم ، كما قال الله تعالى.

قالوا : وما قال؟

قلت : نزلت هذه الآية : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما

٤٣

أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ..) (١).

فجعلت أدعوهم إلى الإسلام ، فكذبوني ، وزبروني وأنا جائع ظمآن ، قد نزل بي جهد شديد.

فقلت لهم : ويحكم ، إيتوني بشربة من ماء ، فإني شديد العطش.

قالوا : لا ، ولكن ندعك تموت عطشا.

قال : فاغتممت ، وضربت برأسي في العمامة ، ونمت في حر شديد. فأتاني آت في منامي بقدح فيه شراب من لبن لم ير الناس ألذ منه فشربته حتى فرغت من شرابي ورويت ، وعظم بطني.

فقال القوم : أتاكم رجل من أشرافكم وسراتكم ، فرددتموه؟ فاذهبوا إليه ، وأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي.

فأتوني بالطعام والشراب ، فقلت : لا حاجة لي في طعامكم ولا شرابكم ، فإن الله تعالى أطعمني وسقاني ، فانظروا إلى الحال التي أنا عليها.

فأريتهم بطني ، فنظروا ، فأسلموا عن آخرهم بما جئت به من عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قال أبو أمامة : ولا والله ، ما عطشت ولا عرفت عطشا بعد تيك الشربة (٢).

__________________

(١) الآية ٣ من سورة المائدة.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٤٣ عن الطبراني من طريقين ، سند أحدهما حسن ، والإصابة ج ٢ ص ١٨٢ عن أبي يعلى ، وعن البيهقي في دلائل النبوة وراجع : المستدرك للنيسابوري ج ٣ ص ٦٤٢.

٤٤

ونقول :

إننا نواجه إبهامات واختلالات في هذه الرواية ، فلاحظ ما يلي :

١ ـ لو افترضنا صحة هذه الرواية ، فإن ذلك لا يبرر تسميتها «سرية» ، ولا يصح إيرادها في جملة السرايا.

٢ ـ قد ذكرت الرواية : أن أبا أمامة كان من أشراف وسراة باهلة ..

وهذا لا يتناسب مع هذه المعاملة التي تذكر الرواية أنهم عاملوه بها ، حيث لم يجد فيهم ولو رجلا واحدا يسقيه شربة من ماء ، فأين كان عنه أقرانه ، وسائر الأشراف في قومه ، الذين يفترض أن يكون لهم موقف وأسلوب آخر في التعاطي معه ..

٣ ـ وهل كانت قبيلة باهلة من قلة العدد بحيث تجتمع على قصعة واحدة؟! أي أنها قد لا يزيد عددها على عشرة رجال!!.

٤ ـ ما معنى أن يعظم بطنه من شرب قدح من لبن؟! ولماذا لم يعطه الله تعالى لهم غير بطنه العظيمة هذه ، لتكون آية لهم؟! ولماذا لم يظنوا أن عظم بطنه كان لمرض ألمّ به؟!

٥ ـ ولماذا لم يكمل المعروف فيطعمه لقمة أيضا ، لا يحتاج معها إلى طعام طيلة حياته؟!

٦ ـ لو كانت هذه الخصوصية قد بقيت في أبي أمامة بحيث لا يحتاج إلى ماء ، لشاع أمره وذاع ، ولوجدت الناس يتناقلونها ، وكبار القوم يتوافدون عليه ، ويتبركون به ما دام حيا. ولوجدت الصحاح والمسانيد حافلة بالروايات التي تتحدث عن قصد أعيان الصحابة وكبار العلماء له ، وسؤالهم إياه عن هذه الحادثة بالخصوص.

٤٥

مع العلم : بأن عمر هذا الرجل قد طال ، فقد روي : أنه توفي سنة إحدى وثمانين ، وقيل : ست وثمانين ، وهو آخر من مات بالشام من الصحابة (١) ، وله مائة وست سنين (٢).

٧ ـ وإذا كانت باهلة قد أسلمت عن بكرة أبيها لرؤيتهم بطن أبي أمامة ، إذن لعظموه وبجلوه ، والتفوا حوله ، وتفاخروا به في مختلف مواقف المفاخرة ..

٨ ـ لماذا زبروه أولا ، ومنعوه حتى من شربة ، ماء وصمموا على أن يتركوه حتى يموت عطشا ، ثم بعد أن نام تلك النومة قالوا لبعضهم : أتاكم رجل من أشرافكم وسراتكم فرددتموه؟! فاذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي ..

فمن الآمر؟ ومن المأمور في هذا النص؟!

ولماذا لم يصدروا أمرهم بإطعامه وسقيه ، حين كانوا مجتمعين على قصعتهم ..

٩ ـ على أن رواية العسقلاني عن أبي يعلى تقول : بعثني رسول الله

__________________

(١) الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٤ و ٥ والإصابة ج ٢ ص ١٨٢ وعمدة القاري ج ١٢ ص ١٥٧ وسبل السلام ج ١ ص ١٨ والإستيعاب لابن عبد البر ج ٢ ص ٧٣٦ وج ٤ ص ١٦٠٢ والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص ١٣ ومستدركات علم رجال الحديث للشاهرودي ج ٤ ص ٢٥٩ وأسد الغابة ج ٥ ص ١٣٩ والأعلام للزركلي ج ٣ ص ٢٠٣ والوافي بالوفيات ج ١٦ ص ١٧٧.

(٢) الإصابة ج ٢ ص ١٨٢ و (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج ٣ ص ٣٤٠ وذكر المقريزي في هامش إمتاع الأسماع ج ١٢ ص ٥٠.

٤٦

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى قوم .. فلم يعين القوم الذين أرسله النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليهم (١).

إلا أن يقال : إن الراوي أو الكاتب للنص أسقط الياء من كلمة «قومي».

١٠ ـ على أن حصر رواية هذه الحادثة بأبي أمامة يثير الشبهة أيضا. فإنني لم أجدها مروية عن غيره حتى لو كان باهليا أيضا!!

سرية خالد إلى بني الحارث بن كعب :

وفي شهر ربيع الأول ، أو ربيع الآخر ، أو جمادى الأولى ، سنة عشر (٢) بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خالد بن الوليد إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وكانوا مشركين : وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ثلاثة أيام قبل أن يقاتلهم. فإن استجابوا ، فاقبل منهم ، وإن لم يفعلوا ، فقاتلهم.

__________________

(١) الإصابة ج ٢ ص ١٨٢ و (ط دار الكتب العلمية ـ بيروت) ج ٣ ص ٣٣٩ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٢٥١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٣٢ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٥١٠ و ٥١١ وفي هامشه عن المصادر التالية : تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٣ ص ١٢٦ وما بعدها ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٣٩ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ٧٢ وأسد الغابة ج ٥ ص ١١٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١١٢ وفي (ط أخرى) ص ٢٩٣ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٦٢ وفي (ط أخرى) ص ٢٤٠ والإصابة ج ٣ ص ٦٦٠ والبحار ج ٢١ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٦٥٧ ورسالات نبوية ص ١٤١ وزاد المعاد ج ٣ ص ٣٥ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٣ ص ١٠٢ وفي (ط أخرى) ج ٤ ص ٣٣ والمفصل ج ٣ ص ٥٣٧ وج ٧ ص ٤٧٩.

٤٧

فخرج إليهم خالد حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ، ويدعون إلى الإسلام ويقولون : «أيها الناس ، أسلموا تسلموا».

فأسلم الناس ودخلوا فيما دعوا إليه. فأقام فيهم خالد بن الوليد ، يعلمهم شرائع الإسلام ، وكتاب الله عزوجل ، وسنة نبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«بسم الله الرحمن الرحيم

لمحمد النبي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» [من خالد بن الوليد]

السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد .. يا رسول الله صلى الله عليك ، فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب ، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام ، وأن أدعوهم إلى الإسلام ، فإن أسلموا قبلت منهم ، وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه ، وإن لم يسلموا قاتلتهم.

وإني قدمت عليهم ، فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام ، كما أمرني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وبعثت فيهم ركبانا ينادون : يا بني الحارث ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٣٢ و ٣٢٠ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٥١١ والبحار ج ٢١ ص ٣٦٩ ومعجم قبائل العرب ج ١ ص ٢٣١ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٨٥ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ١١٤ والسيرة النبوية للحميري ج ٤ ص ١٠١٢ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٩٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٨٨.

٤٨

أسلموا تسلموا.

فأسلموا ولم يقاتلوا. وإني مقيم بين أظهرهم آمرهم بما أمرهم الله به ، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه ، وأعلمهم معالم الإسلام وسنة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى يكتب إليّ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» والسلام عليك يا رسول الله ورحمته وبركاته» (١).

فكتب إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» :

«بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد ..

سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ..

أما بعد .. فإن كتابك جاءني مع رسولك يخبر أن بني الحارث بن كعب

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٣٢ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٥١٢ و ٥١٣ وفي هامشه عن المصادر التالية : السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٦٣ وفي (ط أخرى) ص ٢٣٩ وفي (ط مكتبة محمد علي صبيح وأولاده ـ مصر) ص ١٠١٣ وفي (ط دار المعرفة ـ بيروت) ج ٤ ص ١٨٩ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٨٥ وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٢٨٥ وفي (ط أخرى) ج ٣ ص ١٢٦ وجمهرة رسائل العرب عن صبح الأعشى ج ٦ ص ٤٦٥ والبحار ج ٢١ ص ٣٧٠ ومآثر الأنافة ج ٣ ص ٢٧٧ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٩٨ وفي (ط أخرى) ص ١١٤ وحياة الصحابة ج ١ ص ٩٦ ورسالات نبوية ص ١٤١ ومجموعة الوثائق السياسية ص ١٦٦ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٣ ص ١٠٢ وج ٤ ص ٣٣ ونشأة الدولة الإسلامية ص ١٦١ وصبح الأعشى ج ٦ ص ٤٥٤ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٢٥٧ وأشار إليه في الطبقات الكبرى ج ١ ق ٢ ص ٧٢.

٤٩

قد أسلموا ، وشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، قبل أن تقاتلهم ، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام ، وأن قد هداهم الله بهداه ، فبشرهم ، وأنذرهم ، وأقبل. وليقبل معك وفدهم ..

والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ..» (١).

فلما قرأ خالد الكتاب أقبل ، وأقبل معه من كل بطن منهم ، من رؤسائهم واحد أو اثنان ، وهم :

١ ـ يزيد بن عبد المدان.

٢ ـ يزيد بن المحجل.

٣ ـ عبد الله بن قريط.

٤ ـ قيس بن الحصين بن يزيد.

٥ ـ شداد بن عبد الله القناني.

٦ ـ عمرو بن عمرو الضبابي.

٧ ـ عبد الله بن عبد المدان.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٣٢ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ١١٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٨٩ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٥١٠ وفي هامشه عن المصادر التالية : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ٧٢ والعبر وتاريخ المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ص ٨٢٨ وفي (ط أخرى) ج ٢ ق ٢ ص ٥٣ وزاد المعاد ج ٣ ص ٣٥ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٥ ص ٤١١ وفي (هامشه أخرج النص) والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٩ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٢ ص ٣٨٤ والإصابة ج ٣ ص ٦٦٠ (٩٢٨٨) والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٣ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٣ ص ١٠٢ وج ٤ ص ٣٣.

٥٠

٨ ـ عبد الله بن عمرو الضبابي.

وسيأتي إن شاء الله ما يتعلق بذلك حين نتحدث عن موضوع الوفود ..

تحديد مدة الدعوة قبل القتال ، لماذا؟!

وقد حدد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لخالد مدة الدعوة قبل القتال بثلاثة أيام ، لكي لا يتسرع ، ويوقع بهم ، طمعا في أموالهم ، ونساءهم وذراريهم ، ليعطيهم فسحة للإعراب عن دخائل نفوسهم بعد التروي ، والتأمل والنقاش ، والإستيضاح ، وسماع التفسير .. ثم ليظهر إسلامهم أمام الملأ ، فلا يبقى مجال للمناقشة أو الجدال فيه.

وتحديد مدة الدعوة هذا ، معناه : أن بني الحارث بن كعب لم يكونوا قد أعلنوا الحرب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولا جمعوا الجموع من أجل ذلك.

فكان لابد من الرفق بهم ، وإعطائهم الوقت لكي يستوفوا حقهم في الإطلاع على الدعوة ، والتأمل والتدبير فيها .. وهكذا كان ..

وبعد هذا ، فمن الطبيعي أيضا أن يكون في هذا التحديد دلالة على أن خالدا لا يؤمن على هذا الأمر ، لأنه كانت تراوده أطماع وطموحات لا يستسيغها العقل ولا الشرع ، وقد أراد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يلجمها ، ويحاصرها ، ويمنعها من الحركة.

ومن هنا نفهم السبب في إننا لم نجد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حدد وقتا لعلي «عليه‌السلام» ، أو لغيره ممن كان يثق بحكمتهم ، ويعرف حقيقة اهتماماتهم ، ويطمئن إلى أن أعظم همهم هو هداية الناس ، وليس

٥١

اكتساب الثناء ، وبعد الصيت في الفروسية والبطش ، وغير ذلك من عناوين فارغة .. ولا الحصول على الغنائم والسبايا ، والتسلط على الآخرين وإذلالهم واستعبادهم ..

سرية الجهني إلى أبي سفيان بن الحارث :

عن عمرو بن مرة قال : كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث جهينة ، ومزينة إلى أبي سفيان بن الحارث ، بن عبد المطلب. وكان منابذا للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فلما ولوا غير بعيد قال أبو بكر الصديق : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، علام تبعث [هؤلاء] قد كادا يتفانيان في الجاهلية ، وقد أدركهم الإسلام وهم على بقية منها.

فأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بردهم حتى وقفوا بين يديه. فعقد لعمرو بن مرة على الجيشين ، على جهينة ومزينة وقال : «سيروا على بركة الله».

فساروا إلى أبي سفيان بن الحارث. فهزمه الله تعالى ، وكثر القتل في أصحابه. فلذلك يقول أبو سفيان بن الحارث : [...] (١).

ونقول :

لم يذكر لنا الصالحي الشامي المصدر الذي أخذ منه هذا النص .. على أن لنا أن نثير بعض التحفظات والتساؤلات حول صحة ما ذكره كما يلي :

أولا : أين كان أبو سفيان بن الحارث معسكرا حين خرج إليه جيش

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٤٧ ، وموضع النقاط يشير إلى فقدان النص ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٠١.

٥٢

رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟ فإن أبا سفيان مكي قرشي ، ولم نعلم أنه فتح جبهة مستقلة عن قريش ، وأعلن حربا تختص به دونها ، ولا أنه انحاز عنها إلى منطقة بعينها ، ولو حصل شيء من ذلك لسجله لنا التاريخ .. بل كان مشاركا لقريش في حروبها المعروفة والمعلنة ، ولا شيء أكثر من ذلك ..

ثانيا : إن ما ذكره أبو بكر عن تفاني جهينة ومزينة في الجاهلية ليس ظاهرا من النصوص ، بل كانت العلاقة بين القبيلتين كأية علاقة أخرى بين القبائل العربية ..

ثالثا : إنه حين أرسلهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في ذلك البعث ، هل أمرّ عليها أميرا واحدا؟! أو أمّر على كل قبيلة أميرا؟! أم لم يؤمّر عليهما أحدا؟! وهل كان الأمير من إحدى القبيلتين؟! أم كان غريبا عنهما؟!.

إن كل ذلك لم توضحه هذه الرواية لنا.

رابعا : إننا لم نعرف ما الذي غيّره النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين ردّهم إليه ، وأمّر عليهم عمرو بن مرة الجهني؟ ولماذا اختاره جهنيا لا مزنيا؟ وكيف رضيت به مزينة ، وهو جهني؟

والمفروض : أن بين القبيلتين بقية من عداوة كانت في الجاهلية!! إلا إذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نسي في بادئ الأمر أن يؤمّر أحدا ، فلما اعترض أبو بكر تذكر ذلك ، فاختاره جهنيا ، ويكون بذلك قد زاد الطين بلة ، والخرق اتساعا .. على خلاف ما أراده أبو بكر. ونعوذ بالله من الخذلان ، ونستجير به من غضبه ، ومن الخزي والخسران.

خامسا : إن أبا بكر حين اعترض على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما أراد أن يرشده إلى الصواب ، باعتبار أن ما فعله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان

٥٣

خطأ بنظره ..

ولا شك في أن هذا الأمر مما لا يحمد عليه أبو بكر ، ولا يقبل منه ولا من غيره ، فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، معصوم ومسدد بالوحي ..

على أنه لو صح تعليل أبي بكر من ظهور العداوة بين القبيلتين ، لكان ذلك مشتهرا في الجزيرة العربية ، ولعلمه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين أقدم على إرسال هاتين القبيلتين ..

سادسا : ما معنى أن يرسل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جيشين إلى مواجهة أبي سفيان بن الحارث ، فإن الرواية تقول : «فعقد لعمرو بن مرة على الجيشين»؟! وهل كان من عادته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يرسل جيشين بقائد واحد إلى قتال طائفة واحدة ، أو هل فعل ذلك «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل أو بعد ذلك ولو مرة واحدة في ظروف مشابهة؟!

وفد بني عبس تحول سرية :

ذكر ابن سعد في الوفود : أن بني عبس وفدوا وهم تسعة.

فبعثهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سرية لعير قريش (١).

وفي نص آخر : أنه قال لهم : «ابغوني لكم عاشرا أعقد لكم لواء».

فدخل طلحة بن عبيد الله ، فعقد لهم لواء (٢) ، وجعل شعارهم : يا

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٤١.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٢٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٩ ص ٣٥٩ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ١٠٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٧٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٧٥.

٥٤

عشرة ، فهو إلى اليوم كذلك (١).

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يعقد لواء لأقل من عشرة.

وهم : بشر بن الحارث ، والحارث بن الربيع بن زياد ، وسباع بن زبد ، وعبد الله بن مالك ، وقرة بن حصن ، وقنان بن دارم ، وميسرة بن مسروق ، وهرم بن مسعدة ، وأبو الحصين بن القيم (٢).

ونقول :

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو العاشر :

ما زعموه : من أن طلحة كان هو العاشر غير مسلم ، فقد روى ابن سعد في الطبقات الكبرى : أن عيرا لقريش أقبلت من الشام ، فبعث بني عبس في سرية ، وعقد لهم لواء.

فقالوا : يا رسول الله ، كيف نقسم غنيمة إن أصبناها ونحن تسعة؟

فقال : أنا عاشركم (٣).

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٢٤ والإصابة لابن حجر ج ١ ص ٤٢٧ ومعجم ما استعجم ج ٣ ص ٩٢٧.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٢٤ والإصابة لابن حجر ج ١ ص ٤٢٧ وفي هامش إكمال الكمال ج ٦ ص ٢٤٩.

(٣) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ٢٢٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٩ ص ٣٥٩.

٥٥

تاريخ هذه السرية :

ومن الواضح : أن الوفود إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما كانت سنة تسع ، وقد عقد صلح الحديبية ، وكف المسلمون عن مهاجمة عير قريش قبل ذلك بسنوات ، ثم كان فتح مكة في سنة ثمان ..

وذلك كله يشير إلى : أن هذا الوفد من بني عبس إنما جاء إلى المدينة قبل صلح الحديبية ، فأرسله النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعير لقريش قادمة من الشام ..

بعثة الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق :

قال المؤرخون ، واللفظ للواقدي :

بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق من خزاعة يصدقهم ، وكانوا قد أسلموا ، وبنوا المساجد بساحاتهم ، فلما خرج إليهم وسمعوا به قد دنا منهم ، خرج منهم عشرون رجلا يتلقونه بالجزور ، والنعم ، فرحا به.

وقيل : خرجوا بها يؤدونها عن زكاتهم.

ولم يروا أحدا يصدق بعيرا قط. ولا شاة ، فلما رآهم ولى راجعا إلى المدينة ولم يقربهم. فأخبر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه لما دنى منهم لقوه بالسلاح يحولون بينه وبين الصدقة.

(وقيل : إنه قال : إنهم ارتدوا ..) (١).

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٣٨ وفي هامش الغارات للثقفي ج ١ ـ

٥٦

(أو قال : إن الحارث منعني الزكاة ، وأراد قتلي) (١).

فهمّ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يبعث إليهم من يغزوهم. وبلغ ذلك القوم ، فقدم الركب الذين لقوا الوليد على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

(وفي نص آخر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ضرب البعث إلى الحرث ، فأقبل الحرث ، فاستقبل البعث) (٢) ، ثم دخلوا.

__________________

ـ ص ٢٥١ والإستيعاب ج ٤ ص ١٥٥٣ والدرر لابن عبد البر ص ١٩١ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٣٩ وراجع تفسير الميزان للطباطبائي ج ١٨ ص ٣١٤ وتفسير السمعاني ج ٥ ص ٢١٧ وتفسير العز بن عبد السلام للإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي ج ٣ ص ٢١٣ وتفسير الآلوسي ج ٢١ ص ١٣٦ وقاموس الرجال للتستري ج ١٠ ص ٤٤٠ وأسد الغابة ج ٥ ص ٩١ وتهذيب الكمال للمزي ج ٣١ ص ٥٦ والإصابة لابن حجر ج ٦ ص ٤٨١ وتهذيب ابتهذيب لابن حجر ج ١١ ص ١٢٦ والوافي بالوفيات ج ٢٧ ص ٢٧٦.

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٣٨ والمعجم الكبير ج ٣ ص ٢٧٤ وتفسير المزان ج ١٨ ص ٣١٨ وتفسير إبن أبي حاتم ج ١٠ ص ٣٣٠٣ وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص ٢٦٢ والدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٨٨ وفتح القدير للشوكاني ج ٥ ص ٦٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٣ ص ٢٢٨ و ٢٢٩.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٣٨ وراجع أسباب نزول الآيات للنيسابوري ص ٢٦٢ وهامش سير اعلام النبلاء للذهبي ج ٣ ص ٤١٣ وأسد الغابة ج ١ ص ٣٣٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٣ ص ٢٢٩ و ٢٢٨ وفتح القدير للشوكاني ج ٥ ص ٦٢ والدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٨٨ وأسباب نزول ـ

٥٧

فأخبروا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الخبر على وجهه ، فنزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (١) ، فقرأ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» القرآن ، وأخبرنا بعذرنا ، وما نزل في صاحبنا ، ثم قال : من تحبون أن أبعث إليكم؟!

قالوا : تبعث إلينا عباد بن بشر.

قال : يا عباد سر معهم ، فخذ صدقات أموالهم ، وتوقّ كرائم أموالهم.

قال : فخرجنا مع عباد ، يقرؤنا القرآن ، ويعلمنا شرائع الإسلام ، حتى انزلناه في وسط بيوتنا ، فلم يضيّع حقا ، ولم يعد بنا الحق.

وأمره رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأقام عندنا عشرا ، ثم انصرف إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» راضيا (٢).

وقالوا أيضا : إن سبب ذلك أن الحارث بن عمرو الخزاعي ، والمصطلق بطن من خزاعة قدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأسلم ، وعاد إلى قومه ، ليقنعهم بالإسلام ثم يجمع زكاتهم ، ثم يرسل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في وقت ـ قد عينوه ـ من يأخذ منه ما جمعه من صدقات ..

فمضى الوقت المحدد ، ولم يأته رسول من قبل النبي «صلى الله عليه

__________________

ـ الآيات للنيسابوري ص ٢٦٢ وتفسير إبن أبي حاتم ج ١٠ ص ٣٣٠٣ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٣١٨ والمعجم الكبير للطبراني ج ٣ ص ٢٧٤.

(١) الآية ٦ من سورة الحجرات.

(٢) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٨٠ و ٩٨١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٦٢.

٥٨

وآله» ، فجمع سروات قومه ، وأخبرهم بالأمر ، وقال لهم : ليس الخلف منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ثم ذهب بهم إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١). حسبما تقدم ..

ونقول :

إن لنا مع ما تقدم وقفات هي التالية :

الوليد كان طفلا :

قال ابن عبد البر : لا خلاف بين أهل التأويل أن الآية : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) نزلت في الوليد (٢).

__________________

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٣٨.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٣٨ وفي هامش الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي ج ١ ص ٢٥٢ وعين العبرة في غبن العترة للسيد أحمد آل طاووس ص ٦٣ والبحار ج ٣١ ص ١٥٣ و ١٥٤ وخلاصة عبقات الأنوار للنقوي ج ٣ ص ٢٧١ والغدير للأميني ج ٨ ص ١٢٤ ومستدرك سفينة البحار للشاهرودي ج ٨ ص ٢٠١ والإستيعاب ج ٤ ص ١٥٥٣ و ١٥٥٤ وفقه القرآن للراوندي ج ١ ص ٣٧١ والتفسير الأصفى للكاشاني ج ٢ ص ١١٩٢ وتفسير الميزان ج ١٨ ص ٣١٩ وجامع البيان للطبري ج ٢٦ ص ١٦٠ و ١٦١ وتفسير السمرقندي ج ٣ ص ٣٠٨ وتفسير الثعلبي ج ٩ ص ٧٧ وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص ٢٦١ وتفسير الواحدي ج ٢ ص ١٠٦٢ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٢١٢ والفسير النسفي ج ٤ ص ١٦٣ وزاد المسير لابن الجوزي ج ٧ ص ١٨٠ وتفسير القرطبي ج ١٦ ص ٣١١ وتفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٢٣ و ٢٢٥ وفتح القدير للشوكاني ج ٥ ص ٦٠ والذريعة للسيد المرتضى ج ٢ ص ٥٣٦ وأصول السرخسي ج ١ ص ٣٧١ وتهذيب الكمال ج ٣١ ـ

٥٩

ولكن قد أخرج أبو داود عن أبي موسى ، عبد الله الهمداني ، عن الوليد بن عقبة ، قال : لما افتتح «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مكة جعل أهلها يأتونه بصبيانهم ، فيمسح على رؤوسهم ، فأتي بي إليه ، وأنا مخلق ، فلم يمسسني من أجل الخلوق (١).

ونقول :

إن هذا الحديث لا يصح ، لما يلي :

أولا : قال ابن عبد البر : الحديث منكر مضطرب لا يصح ، وأبو موسى مجهول (٢).

__________________

ـ ص ٥٦ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٤١٤ وتهذيب التهذيب ج ١١ ص ١٢٦ والوافي بالوفيات ج ٢٧ ص ٢٧٦ وإمتاع الأسماع ج ١٣ ص ٢١٧ والجمل للمفيد ص ١١٥ وتنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين لابن كرامة ص ١٣٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٥٩٢ والنصائح الكافية ص ١٧٠.

(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٣٨ و ٣٩ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٣ ص ٦٣١ والإصابة ج ٣ ص ٦٣٨ وفلك النجاة في الإمامة والصلاة لعلي محمد فتح الدين الحنفي ص ١٥٤ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٥٩٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٣٧٠ وج ١٠ ص ١١١ والوافي بالوفيات ج ٢٧ ص ٢٧٦ والإصابة ج ٦ ص ٤٨٢ وتهذيب الكمال ج ٣١ ص ٥٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٣ ص ٢٢٤ وضعفاء العقيلي ج ٢ ص ٣١٩ وتفسير الآلوسي ج ٢١ ص ١٣٦ والإستيعاب ج ٤ ص ١٥٥٢ والمعجم الكبير ج ٢٢ ص ١٥١.

(٢) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ٣٩ والإصابة ج ٣ ص ٦٣٨ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٣ ص ٦٣١ وأسد الغابة ج ٥ ص ٩٠ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٣٩ والإستيعاب ج ٤ ص ١٥٥٣ وعون المعبود للعظيم ـ

٦٠