السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-199-8
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٤
تربوي ، أو غيره .. واستخراج خيراتها ، ومعادنها ، وتطويرها .. ورفد السوق بها ، ووضعها في دائرة التداول ، لينعش الحالة الإقتصادية ، من حيث إنه يضخ في عروق اقتصاد المجتمع دما جديدا ، ويزيده قوة وصلابة ، ويحفزه لمواصلة نموه ، ويمكّن من ثمّ من تهيئة الظروف والقدرات للتحرك نحو مراحل ومستويات حياتية أعلى وأرقى ، وأرحب وأوسع ، لها طبيعتها ووسائلها ، وحاجاتها ، ولا بد من مواجهة مسؤولياتها ، وحل مشاكلها.
ضرورة التعاون :
إن من الطبيعي أن يستفيد ذلك الذي وضعت الأرض بتصرفه ، من طاقات الآخرين لإنجاز مهمة الإحياء ، وإيصالها إلى أهدافها ، لكي تؤتي ثمارها في ظل نظام قائم على العدل ، يضع الأمور في نصابها ، ويعطي كل ذي حق حقه ..
وهذا يقتضي وضع ضوابط ومعايير ترتكز إلى منظومة من المثل والقيم تحدد طبيعة العلاقة ، وتحكم طريقة التعامل ، وربما يحتاج ذلك إلى رصد ميزات نفسية وأخلاقية معينة تفرضها صحة وسلامة هذا التعامل الممتد عبر الأعصار والأزمان.
وبذلك يصبح إقطاع الأراضي الموات بهدف إحيائها ، وإنعاش الحالة الإقتصادية ، وإيجاد فرص عمل لفئات من الناس ، ثم دفع المجتمع ليتعلق بأرضه ، ويستخرج خيراتها ، وليعيش حالة السلام والأمن ـ يصبح ـ ضرورة لا بد منها ، ولا غنى عنها لبناء المجتمع الإنساني وبناء الدولة ، ثم إرساء قواعد الحضارة القائمة على أساس صحيح ومتين من القيم الإنسانية
والإلهية ، ليمكن الإنطلاق بالمجتمع الإنساني إلى آفاق السلام والسلامة ، لينعم بالعيش الرغيد والسعيد ..
إقطاع الأرض للمحتاجين :
ثم إن هذه الإقطاعات التي حصلت في زمن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قد كانت في الأكثر لأناس يحتاجون إليها ، وليسوا من الأغنياء ، إلا في موارد نادرة جدا ، أريد بها تأليف بعض الناس ، وكف أذاهم ، مع عدم الإضرار أو الإجحاف في حق أي كان. ويظهر هذا الأمر من مراجعة قائمة الذين أقطعهم الرسول «صلىاللهعليهوآله» ، ممن وصلت أسماؤهم إلينا ..
ومما يشير إلى أن إقطاع هؤلاء كان من موجبات القوة ، ولم الشعث ، وإنعاش الإقتصاد بصورة أو بأخرى ، ومن دون حيف وإجحاف أننا لم نجد أحدا شكى ، أو تساءل عن أي أمر له علاقة بهذا الموضوع ، أو أبدى أية ملاحظة حول الأشخاص الذين أقطعهم «صلىاللهعليهوآله». مع أن بعض الأنصار اعترضوا على إعطاء غنائم حنين للمؤلفة قلوبهم ، حتى أوضح لهم النبي «صلىاللهعليهوآله» ما أزال موجبات الإعتراض من نفوسهم ..
الإقطاع للقادرين والمبادرين :
هذا .. وقد يكون الفقير أو الغني أحيانا لا يريد أو غير قادر على الإحياء ، فيصبح إعطاؤه الأرض لكي يحييها بلا مبرر ، ولا يقدم عليه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، لأن المهم هو : إحياء الأرض بيد من يقدر على إحيائها ، وفقا لأحكام الشرع ..
وليس المقصود : مجرد تمليك الأراضي للناس ، وينتهي الأمر عند هذا ..
وقد ذم الإسلام الكسالى ، والإتكاليين ، الذين يريدون أن يعيشوا كلّا على الناس ، وأعلن عن شديد مقته لهم ، ولم يرض لهم بمدّ يد العون ، وعليه فلا حق لهم لكي تصح المطالبة به ، لأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم ..
صفة الأرض المعطاة :
إن الأراضي التي كان «صلىاللهعليهوآله» يقطعها على أقسام هي :
ألف : أراض موات هي لله ولرسوله ، وقد جعلها الله ورسوله لمن أحياها وفقا لقوله «صلىاللهعليهوآله» : «من غرس شجرا ، أو حفر واديا بديا ، لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيا أرضا ميتة فهي له ، قضاء من الله ورسوله» (١).
وثمة أحاديث أخرى أيضا تشير إلى ذلك ، فلتراجع في مظانها (٢).
__________________
(١) راجع : الكافي ج ٥ ص ٢٨٠ ، ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ١٥١ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٧ ص ٣٢٨ والإستبصار ج ٣ ص ١٠٧ وتهذيب الأحكام ج ٧ ص ١٥١ والمقنع ص ١٣٢ ، والمقنع للصدوق ص ٣٩٣ ، والنهاية للطوسي ص ٤٢١ ، والسرائر لابن إدريس الحلي ج ٢ ص ٣٧٨ ، والجامع للشرايع لابن سعيد الحلي ص ٣٧٤ ، وتذكرة الفقهاء (ط. ق) للعلامة الحلي ج ٢ ص ٤٠٠ ، ومنتهى المطلب (ط. ق) للعلامة الحلي ج ٢ ص ١٠٢٤ ، ورسائل الكركي ج ٢ ص ٢٠٣ ، والسراج الوهاج للفاضل القطيفي ص ٧٤.
(٢) راجع : الكافي ج ٥ ص ٢٧٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٧ ص ٣٢٦ والإستبصار ج ٣ ص ١٠٨ وتهذيب الأحكام ج ٧ ص ١٥٢ وترتيب مسند الشافعي ج ٢ ص ١٣٣ والأم للشافعي ج ٣ ص ٢٦٤ و ٢٦٨ وكنز العمال ج ٣ ـ
ب : الأنفال : وهي الزيادات ، وتكون في الأموال ، مثل الديار الخالية ، والقرى البائدة ، وتركة من لا وارث له ، وتكون في الأرضين أيضا. وهي على ما ذكره الفقهاء ، ودلت عليه الأحاديث ، تشمل الأرض المحياة التي تملك من الكفار من غير قتال ، سواء انجلى عنها أهلها ، أو سلموها للمسلمين طوعا.
وتشمل الأرض الموات عرفا ، سواء أكانت معمورة ، ثم انجلى عنها أهلها ، أو لم يجر عليها ملك ، كالمغاور ، وسيف البحار ، ورؤوس الجبال ، وبطون الأودية (١) ..
ج : الفيء : هو ما يرجع أو يرد من أموال الكفار وأراضيهم إلى مالكه الأصلي من دون إيجاف خيل ولا ركاب.
والفيء لله ولرسوله ، وليس لأحد فيه حق. وللرسول أن يملّك منه ما شاء لمن شاء ..
وهناك كلام في تداخل هذين القسمين الأخيرين ، فإن ما سلموه للمسلمين طوعا هو الفيء ، وقد تقدم : أنه قسم من الأنفال أيضا. ولسنا بصدد البحث والمناقشة في ذلك.
إن الإقطاعات التي كانت من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إنما
__________________
ص ٥١٢ و ٥١٣ و ٥١٦ و ٥١٧ والأموال لأبي عبيد ص ٣٨٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٤٢ و ١٤٣ وإرشاد الساري ج ٤ ص ١٨٤ والخراج للقرشي ص ٨٢ و ٨٤ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٤٩ وشرح الموطأ للزرقاني ج ٤ ص ٤٢٤ و ٤٢٥ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ١٥٧ ونصب الراية للزيلعي ج ٤ ص ٢٩٠ وجامع أحاديث الشيعة وغير ذلك.
(١) راجع : مصباح الفقاهة ، كتاب الخمس ، ومسالك الأفهام للشهيد الثاني ج ٣ شرح ص ٥٨.
كانت من هذه الأقسام المتقدمة ، ولم يكن ليقطع أحدا من مال حاضر النفع ، ظاهر العين ، لأن هذا لا مجال لإقطاعه ، إلا على سبيل التأليف على الإسلام ، وهذا إنما كان بالنسبة لأفراد قليلين جدا أكثرهم من أهل مكة ، وكان الهدف إنهاء شغبهم على الدين وأهله ، وإبعاد أذاهم ، ولم تكن الإقطاعات في أكثرها تدخل في هذا السياق ..
إعتراضات وإجابات :
وقد يسجل على هذه الإجابة إعتراضات :
الأول : قد ورد : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» حين ورد المدينة أقطع الناس الدور.
وهذا معناه : أنه قد أقطع من مال ظاهر العين ، حاضر النفع.
والجواب : أنه إنما أقطعهم مساحات من الأرض ، ليبنوا عليها دورهم (١) ، وذلك بعد أن وهبت الأنصار كل فضل كان في خططها (٢).
وقد ذكر ياقوت الحموي : أنه «صلىاللهعليهوآله» كان يقطع أصحابه هذه القطائع فما كان في عفا الأرض فإنه أقطعهم إياه ، وما كان في الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له ، فكان يقطع من ذلك (٣).
وقال الحلبي الشافعي : «خط للمهاجرين في كل أرض ليست لأحد ،
__________________
(١) راجع : البحار ج ١٩ ص ١١٢.
(٢) راجع : فتوح البلدان للبلاذري ص ١٢ ، ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٣٥١ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ١ ص ٢٥٨.
(٣) معجم البلدان ج ٥ ص ٨٦.
وفيما وهبته الأنصار من خططها» (١).
الثاني : قد يعترض على ذلك أيضا بما ورد من أنه «صلىاللهعليهوآله» أقطع أرضا ذات نخل وشجر (٢).
وهذا معناه : أنه كان يقطع الناس من مال حاضر النفع ظاهر العين.
والجواب :
أولا : قال ياقوت : أقطع الزبير بن العوام بقيعا واسعا (٣).
والبقيع : هو الموضع الذي فيه أروم الشجر ، يعني أصوله من ضروب شتى (٤). وهذا يشير إلى أنها كانت أرضا متروكة ، حتى لم يبق من النخيل إلا أصوله.
__________________
(١) عن السيرة الحلبية ج ٢ ص ٩٤.
(٢) راجع : الأموال ص ٣٩٤ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٣٢٩ عن : فتوح البلدان ص ٣١ والبخاري ج ٤ ص ١١٦ في فرض الخمس ، باب ما يعطي النبي المؤلفة قلوبهم ، ومسند أحمد ج ٦ ص ٣٤٧ وفتح الباري ج ٦ ص ١٨١ والخراج لأبي يوسف ص ٦٦ والنهاية لابن الأثير في مادة : قطع. وراجع أصول مالكيت ج ٢ ص ١١١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ١٢ ص ٣٥٤ وصحيح البخاري ج ٤ ص ١١٦ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٧١٦ والقواعد للشهيد ج ١ ص ٣٤٩ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٦٩١ وراجع : ترتيب مسند الشافعي ج ٢ ص ١٣٣ والكامل لابن عدي ج ٤ ص ١٣٨٦ والطبقات الكبرى ج ٣ ق ٢ ص ٧٢ انتهى.
(٣) معجم البلدان ج ٥ ص ٨٦ والطبقات الكبرى (ط ليدن) ج ٣ ق ١ ص ٧٢.
(٤) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٥٤ ، ومعجم البلدان للحموي ج ١ ص ٤٧٣ ، وراجع : مجمع البحرين للطريحي ج ٣ هامش ص ٣٠٨ ، والمناقب للخوارزمي هامش ص ٨٩ ، وتفسير جوامع الجامع للطبرسي ج ١ هامش ص ٣٦٦ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٠ ص ٧.
ثانيا : عن ابن سيرين قال : أقطع رسول الله رجلا من الأنصار يقال له : سليط ، فانطلق إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ، إن هذه الأرض التي أقطعتنيها شغلتني عنك ، فاقبلها مني ، فلا حاجة لي في شيء يشغلني عنك.
فقبلها النبي «صلىاللهعليهوآله» منه ، فقال الزبير : يا رسول الله ، اقطعنيها.
قال : فأقطعها أياه (١) ، فهو قد اشتغل في إحيائها ، واهتم بها حتى أشغلته عنه ، ثم انصرف عنها ، واستقال منها ، فأعطاها «صلىاللهعليهوآله» لغيره.
ثالثا : إن ذلك يفسر لنا قولهم : إنه «صلىاللهعليهوآله» قد أعطى بني عقيل العقيق ما أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وسمعوا وأطاعوا (٢).
والعقيق : موضع فيه قرى ونخل كثير (٣).
فإن من الجائز أن يكون المقصود بالنخل هو : أصولها ، أو أنها مما تركه أهله ، لم يكن لها من يهتم بها.
__________________
(١) راجع : الأموال لابن زنجويه ج ٢ ص ٦١٣ و ٦١٤ وراجع ص ٦٢٧ والأموال لأبي عبيد ص ٣٩٤.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٨٤ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٣ عن : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٣٠٢ وفي (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٤٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٩٠ ورسالات نبوية ص ١٤٨ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٦٥ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٩٤ والإصابة ج ٣ ص ٤٢٣ في ترجمة مطرف بن عبد الله بن الأعلم. والوثائق السياسية ص ٣١٢ و ٢١٦ عن الطبقات ، ورسالات نبوية ، وقال : قابل معجم البلدان مادة عقيق ، وانظر اشپرنكر ج ٣ ص ٥١٣.
(٣) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٣ عن معجم البلدان ، ومعجم البلدان ج ٤ ص ١٣٩.
وربما يكون بنو عقيل هم الأقرب إليها ، أو الأقدر على إحيائها من غيرهم.
لا حق لمسلم في الأراضي المعطاة :
إنه لا شك في أن الأرض التي كان يقطعها النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يكن فيها أي حق لأحد من المسلمين ، وقد صرح بهذا الأمر في الكتاب الذي كتبه لبلال بن الحارث بالأرض التي أقطعه إياها ، حيث قال : «ولم يعطه حقّ مسلم» (١).
وكذا في كتابه «صلىاللهعليهوآله» لبني عقيل (٢).
__________________
(١) المبسوط للشيخ الطوسي ج ٣ ص ٢٧٤ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٣٠٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٤٥ و ١٥١ ورسالات نبوية ص ١٠١ و ١٠٢ ومسند أحمد ج ٢ ص ٣٠٦ وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٧٤ والأحكام السلطانية ج ٢ ص ١٩٨ والنهاية في اللغة ، مادة قدس ، والسرائر لابن إدريس الحلي ج ١ ص ٤٧٩ ، والمجموع لمحيى الدين النووي ج ١٥ ص ٢٣٢ ، ونيل الأوطار للشوكاني ج ٦ ص ٥٤ ، ومسند احمد ج ١ ص ٣٠٦ ، وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤٧ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٤٥ ، وأمالي المحاملي ص ٣٢٢ ، والتمهيد لابن عبد البر ج ٣ ص ٢٣٧ ، وتفسير القرطبي ج ٣ ص ٣٢٥ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ١٠ ص ٤٢٥ ، وإمتاع الأسماع ج ٩ ص ٣٥٩ ، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٤ ص ٢٤.
(٢) راجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٣ عن المصادر التالية : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٣٠٢ و (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٤٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٩٠ ورسالات نبوية ص ١٤٨ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٦٥ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٩٤
وفد عبد القيس :
وقدم وفد عبد قيس ـ وهي قبيلة ، تسكن البحرين وما والاها من أطراف العراق (١) ـ إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» سنة تسع (٢).
ورووا (٣) : أنه بينما رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يحدث أصحابه إذ قال لهم : «سيطلع عليكم من ها هنا ركب هم خير أهل المشرق».
فقام عمر ، فتوجه نحوهم ، فلقي ثلاثة عشر راكبا ، فقال : «من القوم»؟
فقالوا : من بني عبد القيس.
قال : «فما أقدمكم ، التجارة»؟
__________________
والإصابة ج ٣ ص ٤٢٣ في ترجمة مطرف بن عبد الله بن الأعلم. والوثائق السياسية ٣١٢ / ٢١٦ عن الطبقات ، ورسالات نبوية ، وقال : قابل معجم البلدان مادة عقيق وانظر اشپرنكر ج ٣ ص ٥١٣. أقول : الذي نجده في المعجم ذكره عقيق اليمامة ، وهو عقيق بني عقيل قال : فيه قرى ونخل كثير ، ويقال له :
عقيق تمرة ، ولم يذكر الإقطاع والكتاب وراجع البداية والنهاية ج ٥ ص ٩٠.
(١) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣٣.
(٢) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣٧.
(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ عن أبي يعلى ، والطبراني ، والبيهقي ، وقال في هامشه : أخرجه البيهقي في الدلائل ج ٥ ص ٣٢٧ وانظر البداية والنهاية ج ٥ ص ٤٧ ، وفتح الباري ج ١ ص ١٢١ ، والآحاد والمثاني للضحاك ج ٣ ص ٣١٤ ، والمعجم الكبير للطبراني ج ٢٠ ص ٣٤٥ ، وتهذيب الكمال ج ١٣ ص ٣٥٤ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٥٧ ، وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٥٥ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٩٠ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥١.
قالوا : لا.
قال : أما إن النبي «صلىاللهعليهوآله» قد ذكركم آنفا فقال خيرا.
ثم مشوا معه حتى أتوا النبي «صلىاللهعليهوآله».
فقال عمر للقوم : هذا صاحبكم الذي تريدون ، فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم ، فمنهم من مشى ، ومنهم من هرول ، ومنهم من سعى حتى أتوا النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فابتدره القوم ، ولم يلبسوا إلا ثياب سفرهم ، فأخذوا بيده فقبلوها ، وتخلف الأشجّ ، وهو أصغر القوم في الركاب حتى أناخها ، وجمع متاع القوم ، وذلك بعين رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
وفي حديث الزارع بن عامر العبدي عند البيهقي : فجعلنا نتبادر من رواحلنا ، فنقبّل يد رسول الله ورجله ، وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه.
وفي حديث عند الإمام أحمد : فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما ، ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» فقبّلها ، وكان رجلا دميما ، فلما نظر «صلىاللهعليهوآله» إلى دمامته قال : يا رسول الله ، إنه لا يستقى في مسوك الرجال ، إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه : لسانه وقلبه.
فقال له رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة» (١).
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٤٠ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣١٤.
قال : يا رسول الله ، أنا أتخلق بهما ، أم الله جبلني عليهما؟
قال : «بل الله تعالى جبلك عليهما».
قال : الحمد لله الذي جبلني على خلّتين يحبهما الله تعالى ورسوله (١).
قال : «يا معشر عبد القيس ما لي أرى وجوهكم قد تغيرت»؟
قالوا : يا نبي الله ، نحن بأرض وخمة ، وكنا نتخذ من هذه الأنبذة ما يقطع من بطونها ، فلما نهيتنا عن الظروف ، فذلك الذي ترى في وجوهنا (٢).
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «إن الظروف لا تحلّ ولا تحرم ، ولكن كل مسكر حرام ، وليس أن تجلسوا فتشربوا ، حتى إذا ثملت العروق تفاخرتم ، فوثب الرجل على ابن عمه بالسيف فتركه أعرج».
قال : وهو يومئذ في القوم الأعرج الذي أصابه ذلك.
وأقبل القوم على تمرات لهم يأكلونها ، فجعل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يسمي لهم هذا كذا وهذا كذا.
قالوا : أجل يا رسول الله ، ما نحن بأعلم بأسمائها منك. وقالوا لرجل منهم : أطعمنا من بقية الذي بقي في نوطك ، فقام وجاءه بالبرني.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «هذا البرني أمسى من خير
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٤٠ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣١٤.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٤١ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٥ ص ٦٤ ، وفتح الباري ج ١٠ ص ٥١ ، ومسند أبي يعلى ج ١٢ ص ٢٤٤ ، وصحيح ابن حبان ج ١٦ ص ١٧٩.
ثمراتكم» (١).
وروى ابن سعد (٢) عن عروة بن الزبير قال : وحدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ، قالا : كتب رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى أهل البحرين أن يقدم عليه عشرون رجلا منهم ، فقدم عليه عشرون رجلا رأسهم عبد الله بن عوف الأشج ، وفيهم الجارود ، ومنقذ بن حيان ، وهو ابن أخت الأشج ، وكان قدومهم عام الفتح ، فقيل : يا رسول الله ، هؤلاء وفد عبد القيس.
قال : «مرحبا بهم ، نعم القوم عبد القيس».
قال : ونظر رسول الله «صلىاللهعليهوآله» إلى الأفق صبيحة ليلة قدموا وقال : «ليأتين ركب من المشرق ، لم يكرهوا على الإسلام ، قد أنضوا الركاب ، وأفنوا الزاد ، بصاحبهم علامة ، اللهم اغفر لعبد القيس ، أتوني لا يسألوني مالا ، هم خير أهل المشرق».
قال : فجاؤوا عشرين رجلا ورأسهم عبد الله بن عوف الأشج ، ورسول الله «صلىاللهعليهوآله» في المسجد ، فسلموا عليه ، وسألهم رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «أيكم عبد الله الأشج»؟
فقال : أنا يا رسول الله ، وكان رجلا دميما.
فنظر إليه رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقال : «إنه لا يستقى في
__________________
(١) راجع ما تقدم في سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ و ٣٦٨.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٨ وفي هامشه عن : ابن سعد في الطبقات ج ١ ق ٢ ص ٥٤ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٨.
مسوك الرجال ، إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه : لسانه وقلبه». وذكر نحو ما سبق.
وعن الزارع بن عامر أنه قال : يا رسول الله ، إن معي رجلا خالا لي ، مصابا فادع الله تعالى له.
فقال : «أين هو؟ ائتني به».
قال : فصنعت مثل ما صنع الأشج ، ألبسته ثوبيه وأتيته به ، فأخذ طائفة من ردائه ، فرفعها حتى بان بياض إبطه ، ثم ضرب ظهره وقال : «أخرج عدو الله».
فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول ، ثم أقعده بين يديه فدعا له ، وشج وجهه ، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يفضل عليه.
وروى الشيخان (١) عن ابن عباس قال : قدم وفد عبد القيس على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فقال : «من القوم»؟
قالوا : من ربيعة.
قال : «مرحبا بالقوم غير خزايا ولا ندامى».
فقالوا : يا رسول الله ، إنّا نأتيك من شقة بعيدة ، وإنه يحول بيننا وبينك
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٨ وقال في هامشه : أخرجه البخاري (٧٢٦٦) ومسلم ج ١ ص ٤٧ (٢٤ ـ ١٧). وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣٤ و ١٣٥ و ١٣٦ ، ومجلة تراثنا لمؤسسة آل البيت ج ٥٣ ص ١١٩ نقلا عن صحيح البخاري ، كتاب العلم ج ١ ص ٣٢ ، الجامع لأخلاق الراوي والسامع ص ٧١.
هذا الحي من كفار مضر ، وإنّا لا نصل إليك إلا في شهر حرام.
فمرنا بأمر فصل ، إن عملنا به دخلنا الجنة.
قال : «آمركم بأربع ، وأنهاكم عن أربع».
قال : أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال : «هل تدرون ما الايمان بالله»؟
[قالوا : «الله ورسوله أعلم».
قال :] «شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا الخمس من المغنم.
وأنهاكم عن أربع : عن الدباء ، والحنتم ، والمزفت ، والنقير ـ وربما قال المقير ـ فاحفظوهن ، وادعوا إليهن من وراءكم».
قالوا : يا نبي الله ، ما علمك بالنقير؟
قال : «بلى ، جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء» ـ أو قال : «من التمر ـ ثم تصبون فيه من الماء ، حتى إذا سكن غليانه شربتموه ، حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف».
قال : وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك.
قال : وكنت أخبأها حياء من رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
قالوا : ففيم نشرب يا رسول الله؟
قال : «في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها».
فقالوا : يا رسول الله ، إن أرضنا كثيرة الجرذان ، ولا تبقى بها أسقية الأدم.
[فقال نبي الله «صلىاللهعليهوآله»] : «وإن أكلتها الجرذان» ، مرتين أو ثلاثا.
ثم قال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لأشج عبد القيس : «إن فيك
لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة» (١).
وعن شهاب بن عباد (٢) : أنه سمع بعض وفد عبد القيس يقول : قال
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٨ و ٣٦٩ عن البيهقي ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٠٠ عن المصادر التالية : البخاري ج ١ ص ١٣٩ وألفاظ النصوص مختلفة وفي بعضها بعد ذكر الشهادتين : عقد بيده واحدة ، وفي بعضها كالبخاري ج ٥ ص ٢١٣ وج ١ ص ٢١ و ٣٢ وصحيح مسلم ج ١ ص ٤٦ ـ ٦٩ بأسانيد متعددة في روايتين ، ومسند أحمد ج ١ ص ٢٢٨ وسنن أبي داود ج ٤ ص ٢١٩ والسنن الكبرى ج ٦ ص ٢٩٤ وكنز العمال ج ١ ص ١٩ و ٢٠ وتأريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ١٠٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥١ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ١٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٤٦ وزاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ وفي (ط أخرى) ص ٣٥ زاد ذكر الصوم ، وزاد في مسند أحمد ج ١ ص ٣٦١ : «وأن تحجوا البيت» ، وأسقط بعضها ذكر الصوم والحج كالبخاري ج ١ ص ١٣٩ وج ٢ ص ١٣١ وصحيح مسلم في باقي الروايات ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٣٣٠ والأموال لأبي عبيد ص ٢٠ والأموال لابن زنجويه ج ١ ص ١٠٤. وراجع أيضا :
الروض الأنف ج ٤ ص ٢٢١ وفتح الباري ج ١ ص ١٢٠ و ١٦٦ وج ٢ ص ١٣٦ وج ٣ ص ٢١٢ وج ٨ ص ٦٧ وعمدة القاري ج ٥ ص ٦ وج ٨ ص ٢٦٣ وج ١٨ ص ٢٠ وموارد الظمآن ص ٣٣٧. كما أن بعض المصادر أسقط هذا الحديث ولم ينقله كالطبقات الكبرى ج ١ ص ٣١٤ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ٥٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٤٢ وفي (ط أخرى) ص ٢٢٢. وراجع أيضا : شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ١٣ وموارد الظمآن ج ٤ ص ٣٦٧.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٩ وقال في هامشه : أخرجه أحمد في المسند ج ٤ ص ٢٠٧ وذكره البيهقي في الكنز (١٣٢٥٢).
الأشج : يا رسول الله ، إن أرضنا ثقيلة وخمة وإنّا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيجت ألواننا ، وعظمت بطوننا ، فرخّص لنا في هذه. وأومأ بكفيه.
فقال : «يا أشج ، إني إن رخصت لك في مثل هذه» ـ وقال بكفيه هكذا ـ «شربته في مثل هذه» ـ وفرّج يديه وبسطهما. يعني أعظم منها ـ «حتى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمه فهزر ساقه بالسيف».
وكان في القوم رجل يقال له : الحارث قد هزرت ساقه في شراب لهم ، في بيت من الشعر تمثل به في امرأة منهم ، فقال الحارث : لما سمعتها من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» جعلت أسدل ثوبي فأغطي الضربة بساقي ، وقد أبداها الله تعالى لنبيه «صلىاللهعليهوآله».
وعن أنس : أن وفد عبد القيس من أهل هجر قدموا على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، فبينما هم عنده إذ أقبل عليهم ، فقال : «لكم تمرة تدعونها كذا ، وتمرة تدعونها كذا». حتى عد ألوان تمرهم أجمع.
فقال له رجل من القوم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لو كنت ولدت في هجر ما كنت بأعلم منك الساعة ، أشهد أنك رسول الله.
فقال «صلىاللهعليهوآله» : «إن أرضكم رفعت لي منذ قعدتم إليّ ، فنظرت من أدناها إلى أقصاها ، فخير تمركم البرني الذي يذهب بالداء ولا داء معه» (١).
عن ابن عباس (٢) قال : «إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٩ وقال في هامشه : أخرجه الحاكم ج ٤ ص ٢٠٤ وذكره المتقي الهندي في الكنز (٣٥٣١٥).
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٩ وقال في هامشه : أخرجه البخاري في كتاب الجمعة (٨٩٢).
الله «صلىاللهعليهوآله» في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين».
وعن أم سلمة : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أخّر الركعتين بعد الظهر بسبب اشتغاله بوفد عبد القيس حتى صلاهما بعد الظهر في بيتها.
وعن ابن عباس وأبي هريرة : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قال : «خير أهل المشرق عبد القيس» (١).
وعن نوح بن مخلد : أنه أتى رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وهو بمكة فسأله : «ممن أنت»؟
فقال : أنا من بني ضبيعة بن ربيعة.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «خير ربيعة عبد القيس ، ثم الحي الذي أنت منهم». رواه الطبراني.
وعن ابن عباس : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قال : «أنا حجيج من ظلم عبد القيس» (٢).
ونقول :
قد تضمنت النصوص المتقدمة أمورا عديدة تحتاج إلى شيء من التصحيح أو التوضيح. وفيما يلي بعض من ذلك :
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٧٠ عن البزار ، والطبراني.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ عن الطبراني ، وقال في هامشه : ذكره الهيثمي في المجمع ج ١٠ ص ٥٢ وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط وقال : وفيه من لم أعرفهم.
هم خير أهل المشرق :
ذكرت الروايات : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» وصف عبد القيس بأنهم خير أهل المشرق. وأنه «صلىاللهعليهوآله» حجيج من ظلم عبد القيس ، وأن عبد القيس خير ربيعة ..
ونحن لا نستطيع أن نؤكد أو ننفي صحة هذه الروايات ، غير أننا نقول :
١ ـ لو صحت هذه الروايات ، فقد يكون المقصود بها هم خصوص الذين كانوا موجودين في تلك البرهة من الزمان. ولا شيء يؤكد لنا شمولها لمن بعدهم.
٢ ـ إن روايات فضائل القبائل ، والبلدان ، وكذلك روايات ذمها كانت موضوع أخذ وردّ ، وربما يكون الكثير منها موضوعا ، كما أظهرت الدراسات في بعض مواردها.
٣ ـ لعل المقصود بخيريّتهم هو حسن نظرتهم للأمور ، وصحة معالجتهم لها ، ولا يتصرفون بانفعال وطيش ورعونة. ولأجل ذلك فإن مواقفهم تكون أقرب إلى الإتزان من مواقف غيرهم.
٤ ـ إن خيريتهم وتقدمهم على غيرهم نسبية ، فإذا كانت هناك نسبة من الخير في أهل المشرق فإنها تكون في عبد القيس أكثر من غيرهم ..
عبد القيس في نصرة أمير المؤمنين عليهالسلام :
لعل ما يشهد لصحة تفكير عبد القيس ، واتزانهم في مواقفهم ، هو : أنهم ـ كما ذكر العلامة الأحمدي ـ صاروا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليهالسلام» ، ونصروه في حروبه. ولسراتهم يد بيضاء في نصرة ولي الله
تعالى ، لا سيما أبناء صوحان : صعصعة ، وزيد ، وسيحان ، وعمرو بن المرجوم و.. (١).
وقد اشتهر بنو عبد القيس بالخطابة والشعر ، والفصاحة (٢).
ويبدو أنهم كانوا على درجة عالية من الثقافة أيضا ، فقد قيل : إن صحار بن العباس العبدي له كتاب : «الأمثال» (٣).
هذا صاحبكم :
ويستوقفنا هنا قول عمر للوفد حين وصلوا معه إلى النبي «صلىاللهعليهوآله» : هذا صاحبكم الذي تريدون .. فإنه ليس مما يليق ، ولا مما ينبغي .. بل هو قد يستبطن إساءة وإهانة يستحق معها القتل عند خالد بن الوليد فقط ، فإن خالدا كان يعتذر عن قتل مالك بأنه كان يقول ، وهو يراجع الكلام : ما أخال صاحبكم إلا قال (٤).
__________________
(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٠٣ عن الغارات للثقفي ، وصفين للمنقري ، والبحار ج ٣٢ في حربي الجمل وصفين ، والإصابة (ترجمة صحار) ج ٣ ص ٥١.
(٢) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٠٣ والاصابة (ترجمة صحار) ج ٢ ص ١٧٧ والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٨ ص ٨٢ و ٧٨١ وج ٩ ص ٢٣٨ و ٤٣٠ و ٦٥٥ و ٧٢٩ و ٧٨٤.
(٣) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٠٣ عن الفهرست لابن النديم ص ١٣٢ وعن المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٤ ص ٣٢٨ و ٣٢٧.
(٤) البحار ج ٣٠ ص ٤٩١ وفي هامشه عن : تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٧٩ وعن الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٩ ، والاحتجاج للطبرسي ج ١ هامش ص ١٢٥ ، والغدير ج ٧ ص ١٦٤ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢١٤ ، وأسد الغابة ـ
وقد حكى القاضي عبد الجبار عن أبي علي الجبائي : أن خالدا قد قتل مالكا لأنه أوهم بقوله ذلك : أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ليس صاحبا له (١).
ونقول :
لو كان هذا هو ما جرى لكان خالد اعتذر به لأبي بكر ، ولكان تأول فأصاب ، لأن مالكا يكون بذلك مرتدا ، يجب قتله ، فما معنى أن يقول أبو بكر لعمر : إن خالدا تأول فأخطأ؟! (٢).
والذي يظهر لنا هو : أنه قصد بقوله : «صاحبك» أبا بكر وليس النبي «صلىاللهعليهوآله» ، ففهم خالد أن مالكا لا يرى أبا بكر صاحبا له.
وهذا معناه : أنه ينكر خلافته.
ويشير إلى ذلك : أن خالدا قال لمالك : إني قاتلك.
قال مالك : أو بذلك أمرك صاحبك ـ يعني أبا بكر ـ.
قال : والله لأقتلنك. وكان ابن عمر ، وأبو قتادة حاضرين ، فكلما خالدا
__________________
ـ ج ٤ ص ٢٩٦ ، والإصابة ج ٥ ص ٥٦١ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٩ ، وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٢٤٠.
(١) المغني للقاضي عبد الجبار ج ٢٠ ص ٣٥٥ والبحار ج ٣٠ ص ٤٩١ و ٤٩٣ و ٤٧٩ ، والمواقف للإيجي ج ٣ ص ٦١١.
(٢) البحار ج ٣٠ ص ٣٧٩ و ٤٧١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٠٧ ، وفوات الوفيات للكتبي ج ٢ ص ٢٤٣ ، والشافي في الامامة للشريف المرتضى ج ٤ ص ١٦١.