الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-199-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٤

تربوي ، أو غيره .. واستخراج خيراتها ، ومعادنها ، وتطويرها .. ورفد السوق بها ، ووضعها في دائرة التداول ، لينعش الحالة الإقتصادية ، من حيث إنه يضخ في عروق اقتصاد المجتمع دما جديدا ، ويزيده قوة وصلابة ، ويحفزه لمواصلة نموه ، ويمكّن من ثمّ من تهيئة الظروف والقدرات للتحرك نحو مراحل ومستويات حياتية أعلى وأرقى ، وأرحب وأوسع ، لها طبيعتها ووسائلها ، وحاجاتها ، ولا بد من مواجهة مسؤولياتها ، وحل مشاكلها.

ضرورة التعاون :

إن من الطبيعي أن يستفيد ذلك الذي وضعت الأرض بتصرفه ، من طاقات الآخرين لإنجاز مهمة الإحياء ، وإيصالها إلى أهدافها ، لكي تؤتي ثمارها في ظل نظام قائم على العدل ، يضع الأمور في نصابها ، ويعطي كل ذي حق حقه ..

وهذا يقتضي وضع ضوابط ومعايير ترتكز إلى منظومة من المثل والقيم تحدد طبيعة العلاقة ، وتحكم طريقة التعامل ، وربما يحتاج ذلك إلى رصد ميزات نفسية وأخلاقية معينة تفرضها صحة وسلامة هذا التعامل الممتد عبر الأعصار والأزمان.

وبذلك يصبح إقطاع الأراضي الموات بهدف إحيائها ، وإنعاش الحالة الإقتصادية ، وإيجاد فرص عمل لفئات من الناس ، ثم دفع المجتمع ليتعلق بأرضه ، ويستخرج خيراتها ، وليعيش حالة السلام والأمن ـ يصبح ـ ضرورة لا بد منها ، ولا غنى عنها لبناء المجتمع الإنساني وبناء الدولة ، ثم إرساء قواعد الحضارة القائمة على أساس صحيح ومتين من القيم الإنسانية

٣٠١

والإلهية ، ليمكن الإنطلاق بالمجتمع الإنساني إلى آفاق السلام والسلامة ، لينعم بالعيش الرغيد والسعيد ..

إقطاع الأرض للمحتاجين :

ثم إن هذه الإقطاعات التي حصلت في زمن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد كانت في الأكثر لأناس يحتاجون إليها ، وليسوا من الأغنياء ، إلا في موارد نادرة جدا ، أريد بها تأليف بعض الناس ، وكف أذاهم ، مع عدم الإضرار أو الإجحاف في حق أي كان. ويظهر هذا الأمر من مراجعة قائمة الذين أقطعهم الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ممن وصلت أسماؤهم إلينا ..

ومما يشير إلى أن إقطاع هؤلاء كان من موجبات القوة ، ولم الشعث ، وإنعاش الإقتصاد بصورة أو بأخرى ، ومن دون حيف وإجحاف أننا لم نجد أحدا شكى ، أو تساءل عن أي أمر له علاقة بهذا الموضوع ، أو أبدى أية ملاحظة حول الأشخاص الذين أقطعهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله». مع أن بعض الأنصار اعترضوا على إعطاء غنائم حنين للمؤلفة قلوبهم ، حتى أوضح لهم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما أزال موجبات الإعتراض من نفوسهم ..

الإقطاع للقادرين والمبادرين :

هذا .. وقد يكون الفقير أو الغني أحيانا لا يريد أو غير قادر على الإحياء ، فيصبح إعطاؤه الأرض لكي يحييها بلا مبرر ، ولا يقدم عليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لأن المهم هو : إحياء الأرض بيد من يقدر على إحيائها ، وفقا لأحكام الشرع ..

٣٠٢

وليس المقصود : مجرد تمليك الأراضي للناس ، وينتهي الأمر عند هذا ..

وقد ذم الإسلام الكسالى ، والإتكاليين ، الذين يريدون أن يعيشوا كلّا على الناس ، وأعلن عن شديد مقته لهم ، ولم يرض لهم بمدّ يد العون ، وعليه فلا حق لهم لكي تصح المطالبة به ، لأنهم هم الذين جنوا على أنفسهم ..

صفة الأرض المعطاة :

إن الأراضي التي كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقطعها على أقسام هي :

ألف : أراض موات هي لله ولرسوله ، وقد جعلها الله ورسوله لمن أحياها وفقا لقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من غرس شجرا ، أو حفر واديا بديا ، لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيا أرضا ميتة فهي له ، قضاء من الله ورسوله» (١).

وثمة أحاديث أخرى أيضا تشير إلى ذلك ، فلتراجع في مظانها (٢).

__________________

(١) راجع : الكافي ج ٥ ص ٢٨٠ ، ومن لا يحضره الفقيه ج ٣ ص ١٥١ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٧ ص ٣٢٨ والإستبصار ج ٣ ص ١٠٧ وتهذيب الأحكام ج ٧ ص ١٥١ والمقنع ص ١٣٢ ، والمقنع للصدوق ص ٣٩٣ ، والنهاية للطوسي ص ٤٢١ ، والسرائر لابن إدريس الحلي ج ٢ ص ٣٧٨ ، والجامع للشرايع لابن سعيد الحلي ص ٣٧٤ ، وتذكرة الفقهاء (ط. ق) للعلامة الحلي ج ٢ ص ٤٠٠ ، ومنتهى المطلب (ط. ق) للعلامة الحلي ج ٢ ص ١٠٢٤ ، ورسائل الكركي ج ٢ ص ٢٠٣ ، والسراج الوهاج للفاضل القطيفي ص ٧٤.

(٢) راجع : الكافي ج ٥ ص ٢٧٩ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٧ ص ٣٢٦ والإستبصار ج ٣ ص ١٠٨ وتهذيب الأحكام ج ٧ ص ١٥٢ وترتيب مسند الشافعي ج ٢ ص ١٣٣ والأم للشافعي ج ٣ ص ٢٦٤ و ٢٦٨ وكنز العمال ج ٣ ـ

٣٠٣

ب : الأنفال : وهي الزيادات ، وتكون في الأموال ، مثل الديار الخالية ، والقرى البائدة ، وتركة من لا وارث له ، وتكون في الأرضين أيضا. وهي على ما ذكره الفقهاء ، ودلت عليه الأحاديث ، تشمل الأرض المحياة التي تملك من الكفار من غير قتال ، سواء انجلى عنها أهلها ، أو سلموها للمسلمين طوعا.

وتشمل الأرض الموات عرفا ، سواء أكانت معمورة ، ثم انجلى عنها أهلها ، أو لم يجر عليها ملك ، كالمغاور ، وسيف البحار ، ورؤوس الجبال ، وبطون الأودية (١) ..

ج : الفيء : هو ما يرجع أو يرد من أموال الكفار وأراضيهم إلى مالكه الأصلي من دون إيجاف خيل ولا ركاب.

والفيء لله ولرسوله ، وليس لأحد فيه حق. وللرسول أن يملّك منه ما شاء لمن شاء ..

وهناك كلام في تداخل هذين القسمين الأخيرين ، فإن ما سلموه للمسلمين طوعا هو الفيء ، وقد تقدم : أنه قسم من الأنفال أيضا. ولسنا بصدد البحث والمناقشة في ذلك.

إن الإقطاعات التي كانت من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إنما

__________________

ص ٥١٢ و ٥١٣ و ٥١٦ و ٥١٧ والأموال لأبي عبيد ص ٣٨٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٤٢ و ١٤٣ وإرشاد الساري ج ٤ ص ١٨٤ والخراج للقرشي ص ٨٢ و ٨٤ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ١٤٩ وشرح الموطأ للزرقاني ج ٤ ص ٤٢٤ و ٤٢٥ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ١٥٧ ونصب الراية للزيلعي ج ٤ ص ٢٩٠ وجامع أحاديث الشيعة وغير ذلك.

(١) راجع : مصباح الفقاهة ، كتاب الخمس ، ومسالك الأفهام للشهيد الثاني ج ٣ شرح ص ٥٨.

٣٠٤

كانت من هذه الأقسام المتقدمة ، ولم يكن ليقطع أحدا من مال حاضر النفع ، ظاهر العين ، لأن هذا لا مجال لإقطاعه ، إلا على سبيل التأليف على الإسلام ، وهذا إنما كان بالنسبة لأفراد قليلين جدا أكثرهم من أهل مكة ، وكان الهدف إنهاء شغبهم على الدين وأهله ، وإبعاد أذاهم ، ولم تكن الإقطاعات في أكثرها تدخل في هذا السياق ..

إعتراضات وإجابات :

وقد يسجل على هذه الإجابة إعتراضات :

الأول : قد ورد : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين ورد المدينة أقطع الناس الدور.

وهذا معناه : أنه قد أقطع من مال ظاهر العين ، حاضر النفع.

والجواب : أنه إنما أقطعهم مساحات من الأرض ، ليبنوا عليها دورهم (١) ، وذلك بعد أن وهبت الأنصار كل فضل كان في خططها (٢).

وقد ذكر ياقوت الحموي : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يقطع أصحابه هذه القطائع فما كان في عفا الأرض فإنه أقطعهم إياه ، وما كان في الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له ، فكان يقطع من ذلك (٣).

وقال الحلبي الشافعي : «خط للمهاجرين في كل أرض ليست لأحد ،

__________________

(١) راجع : البحار ج ١٩ ص ١١٢.

(٢) راجع : فتوح البلدان للبلاذري ص ١٢ ، ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٣٥١ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ١ ص ٢٥٨.

(٣) معجم البلدان ج ٥ ص ٨٦.

٣٠٥

وفيما وهبته الأنصار من خططها» (١).

الثاني : قد يعترض على ذلك أيضا بما ورد من أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أقطع أرضا ذات نخل وشجر (٢).

وهذا معناه : أنه كان يقطع الناس من مال حاضر النفع ظاهر العين.

والجواب :

أولا : قال ياقوت : أقطع الزبير بن العوام بقيعا واسعا (٣).

والبقيع : هو الموضع الذي فيه أروم الشجر ، يعني أصوله من ضروب شتى (٤). وهذا يشير إلى أنها كانت أرضا متروكة ، حتى لم يبق من النخيل إلا أصوله.

__________________

(١) عن السيرة الحلبية ج ٢ ص ٩٤.

(٢) راجع : الأموال ص ٣٩٤ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ٣٢٩ عن : فتوح البلدان ص ٣١ والبخاري ج ٤ ص ١١٦ في فرض الخمس ، باب ما يعطي النبي المؤلفة قلوبهم ، ومسند أحمد ج ٦ ص ٣٤٧ وفتح الباري ج ٦ ص ١٨١ والخراج لأبي يوسف ص ٦٦ والنهاية لابن الأثير في مادة : قطع. وراجع أصول مالكيت ج ٢ ص ١١١ والمصنف لابن أبي شيبة ج ١٢ ص ٣٥٤ وصحيح البخاري ج ٤ ص ١١٦ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٧١٦ والقواعد للشهيد ج ١ ص ٣٤٩ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٦٩١ وراجع : ترتيب مسند الشافعي ج ٢ ص ١٣٣ والكامل لابن عدي ج ٤ ص ١٣٨٦ والطبقات الكبرى ج ٣ ق ٢ ص ٧٢ انتهى.

(٣) معجم البلدان ج ٥ ص ٨٦ والطبقات الكبرى (ط ليدن) ج ٣ ق ١ ص ٧٢.

(٤) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١١٥٤ ، ومعجم البلدان للحموي ج ١ ص ٤٧٣ ، وراجع : مجمع البحرين للطريحي ج ٣ هامش ص ٣٠٨ ، والمناقب للخوارزمي هامش ص ٨٩ ، وتفسير جوامع الجامع للطبرسي ج ١ هامش ص ٣٦٦ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٠ ص ٧.

٣٠٦

ثانيا : عن ابن سيرين قال : أقطع رسول الله رجلا من الأنصار يقال له : سليط ، فانطلق إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ، إن هذه الأرض التي أقطعتنيها شغلتني عنك ، فاقبلها مني ، فلا حاجة لي في شيء يشغلني عنك.

فقبلها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منه ، فقال الزبير : يا رسول الله ، اقطعنيها.

قال : فأقطعها أياه (١) ، فهو قد اشتغل في إحيائها ، واهتم بها حتى أشغلته عنه ، ثم انصرف عنها ، واستقال منها ، فأعطاها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لغيره.

ثالثا : إن ذلك يفسر لنا قولهم : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعطى بني عقيل العقيق ما أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وسمعوا وأطاعوا (٢).

والعقيق : موضع فيه قرى ونخل كثير (٣).

فإن من الجائز أن يكون المقصود بالنخل هو : أصولها ، أو أنها مما تركه أهله ، لم يكن لها من يهتم بها.

__________________

(١) راجع : الأموال لابن زنجويه ج ٢ ص ٦١٣ و ٦١٤ وراجع ص ٦٢٧ والأموال لأبي عبيد ص ٣٩٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٨٤ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٣ عن : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٣٠٢ وفي (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٤٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٩٠ ورسالات نبوية ص ١٤٨ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٦٥ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٩٤ والإصابة ج ٣ ص ٤٢٣ في ترجمة مطرف بن عبد الله بن الأعلم. والوثائق السياسية ص ٣١٢ و ٢١٦ عن الطبقات ، ورسالات نبوية ، وقال : قابل معجم البلدان مادة عقيق ، وانظر اشپرنكر ج ٣ ص ٥١٣.

(٣) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٣ عن معجم البلدان ، ومعجم البلدان ج ٤ ص ١٣٩.

٣٠٧

وربما يكون بنو عقيل هم الأقرب إليها ، أو الأقدر على إحيائها من غيرهم.

لا حق لمسلم في الأراضي المعطاة :

إنه لا شك في أن الأرض التي كان يقطعها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن فيها أي حق لأحد من المسلمين ، وقد صرح بهذا الأمر في الكتاب الذي كتبه لبلال بن الحارث بالأرض التي أقطعه إياها ، حيث قال : «ولم يعطه حقّ مسلم» (١).

وكذا في كتابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لبني عقيل (٢).

__________________

(١) المبسوط للشيخ الطوسي ج ٣ ص ٢٧٤ ونيل الأوطار ج ٤ ص ٣٠٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٤٥ و ١٥١ ورسالات نبوية ص ١٠١ و ١٠٢ ومسند أحمد ج ٢ ص ٣٠٦ وسنن أبي داود ج ٣ ص ١٧٤ والأحكام السلطانية ج ٢ ص ١٩٨ والنهاية في اللغة ، مادة قدس ، والسرائر لابن إدريس الحلي ج ١ ص ٤٧٩ ، والمجموع لمحيى الدين النووي ج ١٥ ص ٢٣٢ ، ونيل الأوطار للشوكاني ج ٦ ص ٥٤ ، ومسند احمد ج ١ ص ٣٠٦ ، وسنن أبي داود ج ٢ ص ٤٧ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ١٤٥ ، وأمالي المحاملي ص ٣٢٢ ، والتمهيد لابن عبد البر ج ٣ ص ٢٣٧ ، وتفسير القرطبي ج ٣ ص ٣٢٥ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ١٠ ص ٤٢٥ ، وإمتاع الأسماع ج ٩ ص ٣٥٩ ، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ٤ ص ٢٤.

(٢) راجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٠٣ عن المصادر التالية : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٣٠٢ و (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٤٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٩٠ ورسالات نبوية ص ١٤٨ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٦٥ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٩٤

٣٠٨

وفد عبد القيس :

وقدم وفد عبد قيس ـ وهي قبيلة ، تسكن البحرين وما والاها من أطراف العراق (١) ـ إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سنة تسع (٢).

ورووا (٣) : أنه بينما رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحدث أصحابه إذ قال لهم : «سيطلع عليكم من ها هنا ركب هم خير أهل المشرق».

فقام عمر ، فتوجه نحوهم ، فلقي ثلاثة عشر راكبا ، فقال : «من القوم»؟

فقالوا : من بني عبد القيس.

قال : «فما أقدمكم ، التجارة»؟

__________________

والإصابة ج ٣ ص ٤٢٣ في ترجمة مطرف بن عبد الله بن الأعلم. والوثائق السياسية ٣١٢ / ٢١٦ عن الطبقات ، ورسالات نبوية ، وقال : قابل معجم البلدان مادة عقيق وانظر اشپرنكر ج ٣ ص ٥١٣. أقول : الذي نجده في المعجم ذكره عقيق اليمامة ، وهو عقيق بني عقيل قال : فيه قرى ونخل كثير ، ويقال له :

عقيق تمرة ، ولم يذكر الإقطاع والكتاب وراجع البداية والنهاية ج ٥ ص ٩٠.

(١) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣٣.

(٢) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣٧.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ عن أبي يعلى ، والطبراني ، والبيهقي ، وقال في هامشه : أخرجه البيهقي في الدلائل ج ٥ ص ٣٢٧ وانظر البداية والنهاية ج ٥ ص ٤٧ ، وفتح الباري ج ١ ص ١٢١ ، والآحاد والمثاني للضحاك ج ٣ ص ٣١٤ ، والمعجم الكبير للطبراني ج ٢٠ ص ٣٤٥ ، وتهذيب الكمال ج ١٣ ص ٣٥٤ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٥٧ ، وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٥٥ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٩٠ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥١.

٣٠٩

قالوا : لا.

قال : أما إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ذكركم آنفا فقال خيرا.

ثم مشوا معه حتى أتوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال عمر للقوم : هذا صاحبكم الذي تريدون ، فرمى القوم بأنفسهم عن ركائبهم ، فمنهم من مشى ، ومنهم من هرول ، ومنهم من سعى حتى أتوا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فابتدره القوم ، ولم يلبسوا إلا ثياب سفرهم ، فأخذوا بيده فقبلوها ، وتخلف الأشجّ ، وهو أصغر القوم في الركاب حتى أناخها ، وجمع متاع القوم ، وذلك بعين رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وفي حديث الزارع بن عامر العبدي عند البيهقي : فجعلنا نتبادر من رواحلنا ، فنقبّل يد رسول الله ورجله ، وانتظر المنذر الأشج حتى أتى عيبته فلبس ثوبيه.

وفي حديث عند الإمام أحمد : فأخرج ثوبين أبيضين من ثيابه فلبسهما ، ثم جاء يمشي حتى أخذ بيد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقبّلها ، وكان رجلا دميما ، فلما نظر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى دمامته قال : يا رسول الله ، إنه لا يستقى في مسوك الرجال ، إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه : لسانه وقلبه.

فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة» (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٤٠ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣١٤.

٣١٠

قال : يا رسول الله ، أنا أتخلق بهما ، أم الله جبلني عليهما؟

قال : «بل الله تعالى جبلك عليهما».

قال : الحمد لله الذي جبلني على خلّتين يحبهما الله تعالى ورسوله (١).

قال : «يا معشر عبد القيس ما لي أرى وجوهكم قد تغيرت»؟

قالوا : يا نبي الله ، نحن بأرض وخمة ، وكنا نتخذ من هذه الأنبذة ما يقطع من بطونها ، فلما نهيتنا عن الظروف ، فذلك الذي ترى في وجوهنا (٢).

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إن الظروف لا تحلّ ولا تحرم ، ولكن كل مسكر حرام ، وليس أن تجلسوا فتشربوا ، حتى إذا ثملت العروق تفاخرتم ، فوثب الرجل على ابن عمه بالسيف فتركه أعرج».

قال : وهو يومئذ في القوم الأعرج الذي أصابه ذلك.

وأقبل القوم على تمرات لهم يأكلونها ، فجعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يسمي لهم هذا كذا وهذا كذا.

قالوا : أجل يا رسول الله ، ما نحن بأعلم بأسمائها منك. وقالوا لرجل منهم : أطعمنا من بقية الذي بقي في نوطك ، فقام وجاءه بالبرني.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هذا البرني أمسى من خير

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٤٠ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣١٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٤١ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٥ ص ٦٤ ، وفتح الباري ج ١٠ ص ٥١ ، ومسند أبي يعلى ج ١٢ ص ٢٤٤ ، وصحيح ابن حبان ج ١٦ ص ١٧٩.

٣١١

ثمراتكم» (١).

وروى ابن سعد (٢) عن عروة بن الزبير قال : وحدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه ، قالا : كتب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى أهل البحرين أن يقدم عليه عشرون رجلا منهم ، فقدم عليه عشرون رجلا رأسهم عبد الله بن عوف الأشج ، وفيهم الجارود ، ومنقذ بن حيان ، وهو ابن أخت الأشج ، وكان قدومهم عام الفتح ، فقيل : يا رسول الله ، هؤلاء وفد عبد القيس.

قال : «مرحبا بهم ، نعم القوم عبد القيس».

قال : ونظر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الأفق صبيحة ليلة قدموا وقال : «ليأتين ركب من المشرق ، لم يكرهوا على الإسلام ، قد أنضوا الركاب ، وأفنوا الزاد ، بصاحبهم علامة ، اللهم اغفر لعبد القيس ، أتوني لا يسألوني مالا ، هم خير أهل المشرق».

قال : فجاؤوا عشرين رجلا ورأسهم عبد الله بن عوف الأشج ، ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في المسجد ، فسلموا عليه ، وسألهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أيكم عبد الله الأشج»؟

فقال : أنا يا رسول الله ، وكان رجلا دميما.

فنظر إليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «إنه لا يستقى في

__________________

(١) راجع ما تقدم في سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٧ و ٣٦٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٨ وفي هامشه عن : ابن سعد في الطبقات ج ١ ق ٢ ص ٥٤ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٨.

٣١٢

مسوك الرجال ، إنما يحتاج من الرجل إلى أصغريه : لسانه وقلبه». وذكر نحو ما سبق.

وعن الزارع بن عامر أنه قال : يا رسول الله ، إن معي رجلا خالا لي ، مصابا فادع الله تعالى له.

فقال : «أين هو؟ ائتني به».

قال : فصنعت مثل ما صنع الأشج ، ألبسته ثوبيه وأتيته به ، فأخذ طائفة من ردائه ، فرفعها حتى بان بياض إبطه ، ثم ضرب ظهره وقال : «أخرج عدو الله».

فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول ، ثم أقعده بين يديه فدعا له ، وشج وجهه ، فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يفضل عليه.

وروى الشيخان (١) عن ابن عباس قال : قدم وفد عبد القيس على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «من القوم»؟

قالوا : من ربيعة.

قال : «مرحبا بالقوم غير خزايا ولا ندامى».

فقالوا : يا رسول الله ، إنّا نأتيك من شقة بعيدة ، وإنه يحول بيننا وبينك

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٨ وقال في هامشه : أخرجه البخاري (٧٢٦٦) ومسلم ج ١ ص ٤٧ (٢٤ ـ ١٧). وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣٤ و ١٣٥ و ١٣٦ ، ومجلة تراثنا لمؤسسة آل البيت ج ٥٣ ص ١١٩ نقلا عن صحيح البخاري ، كتاب العلم ج ١ ص ٣٢ ، الجامع لأخلاق الراوي والسامع ص ٧١.

٣١٣

هذا الحي من كفار مضر ، وإنّا لا نصل إليك إلا في شهر حرام.

فمرنا بأمر فصل ، إن عملنا به دخلنا الجنة.

قال : «آمركم بأربع ، وأنهاكم عن أربع».

قال : أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال : «هل تدرون ما الايمان بالله»؟

[قالوا : «الله ورسوله أعلم».

قال :] «شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وأن تعطوا الخمس من المغنم.

وأنهاكم عن أربع : عن الدباء ، والحنتم ، والمزفت ، والنقير ـ وربما قال المقير ـ فاحفظوهن ، وادعوا إليهن من وراءكم».

قالوا : يا نبي الله ، ما علمك بالنقير؟

قال : «بلى ، جذع تنقرونه فتقذفون فيه من القطيعاء» ـ أو قال : «من التمر ـ ثم تصبون فيه من الماء ، حتى إذا سكن غليانه شربتموه ، حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف».

قال : وفي القوم رجل أصابته جراحة كذلك.

قال : وكنت أخبأها حياء من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

قالوا : ففيم نشرب يا رسول الله؟

قال : «في أسقية الأدم التي يلاث على أفواهها».

فقالوا : يا رسول الله ، إن أرضنا كثيرة الجرذان ، ولا تبقى بها أسقية الأدم.

[فقال نبي الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»] : «وإن أكلتها الجرذان» ، مرتين أو ثلاثا.

ثم قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأشج عبد القيس : «إن فيك

٣١٤

لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة» (١).

وعن شهاب بن عباد (٢) : أنه سمع بعض وفد عبد القيس يقول : قال

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٨ و ٣٦٩ عن البيهقي ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٠٠ عن المصادر التالية : البخاري ج ١ ص ١٣٩ وألفاظ النصوص مختلفة وفي بعضها بعد ذكر الشهادتين : عقد بيده واحدة ، وفي بعضها كالبخاري ج ٥ ص ٢١٣ وج ١ ص ٢١ و ٣٢ وصحيح مسلم ج ١ ص ٤٦ ـ ٦٩ بأسانيد متعددة في روايتين ، ومسند أحمد ج ١ ص ٢٢٨ وسنن أبي داود ج ٤ ص ٢١٩ والسنن الكبرى ج ٦ ص ٢٩٤ وكنز العمال ج ١ ص ١٩ و ٢٠ وتأريخ المدينة لابن شبة ج ١ ص ١٠٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥١ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ١٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٤٦ وزاد المعاد ج ٣ ص ٢٩ وفي (ط أخرى) ص ٣٥ زاد ذكر الصوم ، وزاد في مسند أحمد ج ١ ص ٣٦١ : «وأن تحجوا البيت» ، وأسقط بعضها ذكر الصوم والحج كالبخاري ج ١ ص ١٣٩ وج ٢ ص ١٣١ وصحيح مسلم في باقي الروايات ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٣٣٠ والأموال لأبي عبيد ص ٢٠ والأموال لابن زنجويه ج ١ ص ١٠٤. وراجع أيضا :

الروض الأنف ج ٤ ص ٢٢١ وفتح الباري ج ١ ص ١٢٠ و ١٦٦ وج ٢ ص ١٣٦ وج ٣ ص ٢١٢ وج ٨ ص ٦٧ وعمدة القاري ج ٥ ص ٦ وج ٨ ص ٢٦٣ وج ١٨ ص ٢٠ وموارد الظمآن ص ٣٣٧. كما أن بعض المصادر أسقط هذا الحديث ولم ينقله كالطبقات الكبرى ج ١ ص ٣١٤ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ٥٤ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٤٢ وفي (ط أخرى) ص ٢٢٢. وراجع أيضا : شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٤ ص ١٣ وموارد الظمآن ج ٤ ص ٣٦٧.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٩ وقال في هامشه : أخرجه أحمد في المسند ج ٤ ص ٢٠٧ وذكره البيهقي في الكنز (١٣٢٥٢).

٣١٥

الأشج : يا رسول الله ، إن أرضنا ثقيلة وخمة وإنّا إذا لم نشرب هذه الأشربة هيجت ألواننا ، وعظمت بطوننا ، فرخّص لنا في هذه. وأومأ بكفيه.

فقال : «يا أشج ، إني إن رخصت لك في مثل هذه» ـ وقال بكفيه هكذا ـ «شربته في مثل هذه» ـ وفرّج يديه وبسطهما. يعني أعظم منها ـ «حتى إذا ثمل أحدكم من شرابه قام إلى ابن عمه فهزر ساقه بالسيف».

وكان في القوم رجل يقال له : الحارث قد هزرت ساقه في شراب لهم ، في بيت من الشعر تمثل به في امرأة منهم ، فقال الحارث : لما سمعتها من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جعلت أسدل ثوبي فأغطي الضربة بساقي ، وقد أبداها الله تعالى لنبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وعن أنس : أن وفد عبد القيس من أهل هجر قدموا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فبينما هم عنده إذ أقبل عليهم ، فقال : «لكم تمرة تدعونها كذا ، وتمرة تدعونها كذا». حتى عد ألوان تمرهم أجمع.

فقال له رجل من القوم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لو كنت ولدت في هجر ما كنت بأعلم منك الساعة ، أشهد أنك رسول الله.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إن أرضكم رفعت لي منذ قعدتم إليّ ، فنظرت من أدناها إلى أقصاها ، فخير تمركم البرني الذي يذهب بالداء ولا داء معه» (١).

عن ابن عباس (٢) قال : «إن أول جمعة جمعت بعد جمعة في مسجد رسول

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٩ وقال في هامشه : أخرجه الحاكم ج ٤ ص ٢٠٤ وذكره المتقي الهندي في الكنز (٣٥٣١٥).

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٩ وقال في هامشه : أخرجه البخاري في كتاب الجمعة (٨٩٢).

٣١٦

الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مسجد عبد القيس بجواثى من البحرين».

وعن أم سلمة : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أخّر الركعتين بعد الظهر بسبب اشتغاله بوفد عبد القيس حتى صلاهما بعد الظهر في بيتها.

وعن ابن عباس وأبي هريرة : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «خير أهل المشرق عبد القيس» (١).

وعن نوح بن مخلد : أنه أتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو بمكة فسأله : «ممن أنت»؟

فقال : أنا من بني ضبيعة بن ربيعة.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «خير ربيعة عبد القيس ، ثم الحي الذي أنت منهم». رواه الطبراني.

وعن ابن عباس : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «أنا حجيج من ظلم عبد القيس» (٢).

ونقول :

قد تضمنت النصوص المتقدمة أمورا عديدة تحتاج إلى شيء من التصحيح أو التوضيح. وفيما يلي بعض من ذلك :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٧٠ عن البزار ، والطبراني.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٩ و ٣٧٠ عن الطبراني ، وقال في هامشه : ذكره الهيثمي في المجمع ج ١٠ ص ٥٢ وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط وقال : وفيه من لم أعرفهم.

٣١٧

هم خير أهل المشرق :

ذكرت الروايات : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وصف عبد القيس بأنهم خير أهل المشرق. وأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حجيج من ظلم عبد القيس ، وأن عبد القيس خير ربيعة ..

ونحن لا نستطيع أن نؤكد أو ننفي صحة هذه الروايات ، غير أننا نقول :

١ ـ لو صحت هذه الروايات ، فقد يكون المقصود بها هم خصوص الذين كانوا موجودين في تلك البرهة من الزمان. ولا شيء يؤكد لنا شمولها لمن بعدهم.

٢ ـ إن روايات فضائل القبائل ، والبلدان ، وكذلك روايات ذمها كانت موضوع أخذ وردّ ، وربما يكون الكثير منها موضوعا ، كما أظهرت الدراسات في بعض مواردها.

٣ ـ لعل المقصود بخيريّتهم هو حسن نظرتهم للأمور ، وصحة معالجتهم لها ، ولا يتصرفون بانفعال وطيش ورعونة. ولأجل ذلك فإن مواقفهم تكون أقرب إلى الإتزان من مواقف غيرهم.

٤ ـ إن خيريتهم وتقدمهم على غيرهم نسبية ، فإذا كانت هناك نسبة من الخير في أهل المشرق فإنها تكون في عبد القيس أكثر من غيرهم ..

عبد القيس في نصرة أمير المؤمنين عليه‌السلام :

لعل ما يشهد لصحة تفكير عبد القيس ، واتزانهم في مواقفهم ، هو : أنهم ـ كما ذكر العلامة الأحمدي ـ صاروا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» ، ونصروه في حروبه. ولسراتهم يد بيضاء في نصرة ولي الله

٣١٨

تعالى ، لا سيما أبناء صوحان : صعصعة ، وزيد ، وسيحان ، وعمرو بن المرجوم و.. (١).

وقد اشتهر بنو عبد القيس بالخطابة والشعر ، والفصاحة (٢).

ويبدو أنهم كانوا على درجة عالية من الثقافة أيضا ، فقد قيل : إن صحار بن العباس العبدي له كتاب : «الأمثال» (٣).

هذا صاحبكم :

ويستوقفنا هنا قول عمر للوفد حين وصلوا معه إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : هذا صاحبكم الذي تريدون .. فإنه ليس مما يليق ، ولا مما ينبغي .. بل هو قد يستبطن إساءة وإهانة يستحق معها القتل عند خالد بن الوليد فقط ، فإن خالدا كان يعتذر عن قتل مالك بأنه كان يقول ، وهو يراجع الكلام : ما أخال صاحبكم إلا قال (٤).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٠٣ عن الغارات للثقفي ، وصفين للمنقري ، والبحار ج ٣٢ في حربي الجمل وصفين ، والإصابة (ترجمة صحار) ج ٣ ص ٥١.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٠٣ والاصابة (ترجمة صحار) ج ٢ ص ١٧٧ والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٨ ص ٨٢ و ٧٨١ وج ٩ ص ٢٣٨ و ٤٣٠ و ٦٥٥ و ٧٢٩ و ٧٨٤.

(٣) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٠٣ عن الفهرست لابن النديم ص ١٣٢ وعن المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٤ ص ٣٢٨ و ٣٢٧.

(٤) البحار ج ٣٠ ص ٤٩١ وفي هامشه عن : تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٢٧٩ وعن الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٩ ، والاحتجاج للطبرسي ج ١ هامش ص ١٢٥ ، والغدير ج ٧ ص ١٦٤ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢١٤ ، وأسد الغابة ـ

٣١٩

وقد حكى القاضي عبد الجبار عن أبي علي الجبائي : أن خالدا قد قتل مالكا لأنه أوهم بقوله ذلك : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس صاحبا له (١).

ونقول :

لو كان هذا هو ما جرى لكان خالد اعتذر به لأبي بكر ، ولكان تأول فأصاب ، لأن مالكا يكون بذلك مرتدا ، يجب قتله ، فما معنى أن يقول أبو بكر لعمر : إن خالدا تأول فأخطأ؟! (٢).

والذي يظهر لنا هو : أنه قصد بقوله : «صاحبك» أبا بكر وليس النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ففهم خالد أن مالكا لا يرى أبا بكر صاحبا له.

وهذا معناه : أنه ينكر خلافته.

ويشير إلى ذلك : أن خالدا قال لمالك : إني قاتلك.

قال مالك : أو بذلك أمرك صاحبك ـ يعني أبا بكر ـ.

قال : والله لأقتلنك. وكان ابن عمر ، وأبو قتادة حاضرين ، فكلما خالدا

__________________

ـ ج ٤ ص ٢٩٦ ، والإصابة ج ٥ ص ٥٦١ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٩ ، وإمتاع الأسماع ج ١٤ ص ٢٤٠.

(١) المغني للقاضي عبد الجبار ج ٢٠ ص ٣٥٥ والبحار ج ٣٠ ص ٤٩١ و ٤٩٣ و ٤٧٩ ، والمواقف للإيجي ج ٣ ص ٦١١.

(٢) البحار ج ٣٠ ص ٣٧٩ و ٤٧١ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٧ ص ٢٠٧ ، وفوات الوفيات للكتبي ج ٢ ص ٢٤٣ ، والشافي في الامامة للشريف المرتضى ج ٤ ص ١٦١.

٣٢٠