الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-199-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٤

وفود بني ثعلبة :

عن رجل من بني ثعلبة [عن أبيه] قال : لما قدم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الجعرانة سنة ثمان قدمنا عليه أربعة نفر ، وافدين مقرين بالإسلام. فنزلنا دار رملة بنت الحارث (١) ، فجاءنا بلال ، فنظر إلينا فقال : أمعكم غيركم؟

قلنا : لا.

فانصرف عنا ، فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتانا بجفنة من ثريد بلبن وسمن ، فأكلنا حتى نهلنا. ثم رحنا الظهر ، فإذا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد خرج من بيته ورأسه يقطر ماء ، فرمى ببصره إلينا ، فأسرعنا إليه ، وبلال يقيم الصلاة.

فسلمنا عليه وقلنا : يا رسول الله ، نحن رسل من خلفنا من قومنا ، ونحن [وهم] مقرون بالإسلام ، وهم في مواشيهم وما يصلحها إلا هم ، وقد قيل لنا يا رسول الله : «لا إسلام لمن لا هجرة له»

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «حيثما كنتم واتقيتم الله فلا يضركم».

__________________

(١) الحارث : جد رملة ، أما أبوها فاسمه الحدث (بفتح الدال) بن ثعلبة بن الحرث كما يقول الواقدي. وعند ابن سعد اسمه الحرث : راجع : الإصابة ج ٤ ص ٣٠٥.

٢٨١

وفرغ بلال من الأذان ، وصلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بنا الظهر ، لم نصل وراء أحد قط أتم صلاة ولا أوجه منه ، ثم انصرف إلى بيته ، فدخل ، فلم يلبث أن خرج إلينا فقيل لنا : صلى في بيته ركعتين.

فدعا بنا ، فقال : «أين أهلكم»؟

فقلنا : قريبا يا رسول الله ، هم بهذه السرية.

فقال : «كيف بلادكم»؟

فقلنا : مخصبون.

فقال : «الحمد لله».

فأقمنا أياما ، وتعلمنا القرآن والسنن ، وضيافته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تجري علينا ، ثم جئنا نودعه منصرفين ، فقال لبلال : «أجزهم كما تجيز الوفود».

فجاء بنقر من فضة ، فأعطى كل رجل منا خمس أواق وقال : ليس عندنا دراهم ، فانصرفنا إلى بلادنا (١).

ونقول :

لا إسلام لمن لا هجرة له :

إن هذه الرواية قد تضمنت قولهم : إنه بلغهم أنه لا إسلام لمن لا هجرة له ، وقد لاحظنا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يقل لهم : إنه لا هجرة بعد

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٩٥ عن الواقدي ، وابن سعد ، وفي هامشه عن : الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٢ ص ٦٣ ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٢٨٦ ، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ١٠٤ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٧٢.

٢٨٢

الفتح ، بل قرر : أن عدم هجرتهم لا تضرهم إن اتقوا الله ..

ومعنى هذا أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قرر : أن الهجرة باقية بعد الفتح كما كانت قبله.

وقد تحدثنا عن هذا الموضوع حين الكلام عن هجرة العباس ، وذلك حين سار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لفتح مكة فراجع.

وفود باهلة :

قالوا : قدم مطرف بن الكاهن الباهلي على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد الفتح وافدا لقومه. فقال : يا رسول الله ، أسلمنا للإسلام ، وشهدنا دين الله في سماواته ، وأنه لا إله غيره ، وصدقناك وآمنا بكل ما قلت ، فاكتب لنا كتابا.

فكتب له : «من محمد رسول الله لمطرف بن الكاهن ، ولمن سكن بيشة من باهلة. إن من أحيا أرضا مواتا فيها مراح الأنعام فهي له ، وعليه في كل ثلاثين من البقر فارض ، وفي كل أربعين من الغنم عتود ، وفي كل خمسين من الإبل مسنة ، [وليس للمصدق أن يصدقها إلا في مراعيها ، وهم آمنون بأمان الله] (١) الحديث ..

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٨ عن ابن شاهين عن ابن إسحاق ، وابن سعد في الطبقات ج ٢ ص ٤٩ وذكر العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» في كتابه مكاتيب الرسول ج ٣ ص ١٤٣ المصادر التالية : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٨٤ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ٣٣ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٥١ ورسالات نبوية ص ٢٦٢ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٣٣ ، ونقل شطرا منه في الإصابة ج ٣ ص ٤٢٣ / ٨٠١٤ في ترجمة مطرف بن خالد بن نضلة ، وأوعز إليه في أسد الغابة ج ٤ ص ٣٧٢ ، والبداية ـ

٢٨٣

وفيه : فانصرف مطرف وهو يقول :

حلفت برب الراقصات عشية

على كل حرف من سديس وبازل

قال ابن سعد : ثم قدم نهشل بن مالك الوائلي من باهلة على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وافدا لقومه فأسلم ، وكتب له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولمن أسلم من قومه كتابا فيه شرائع الإسلام. وكتبه عثمان بن عفان (١).

ونقول :

بيشة : قرية باليمن على خمس مراحل من مكة.

فظهر أن لبني باهلة وفدين :

__________________

والنهاية ج ٥ ص ٩١ والوثائق السياسية ص ٢٩١ / ١٨٨ عن رسالات نبوية لعبد المنعم خان ، والطبقات ، ونثر الدر المكنون للأهدل ص ٦٦ ، ثم قال : قابل الطبقات وانظر كايتاني ج ٩ ص ٧ واشپرنكر ج ٣ ص ٣٢٢. وذكره ص ٢٩٢ لمطرف بن خالد بن نضلة الباهلي نقله عن أسد الغابة وهو ابن الكاهن ، وراجع أيضا ص ٧٢٠ عن سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي (خطية باريس) ١٩٩٣ ورقة ٩ ـ ألف.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٠٧ وذكر العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» في كتابه مكاتيب الرسول ج ٣ ص ١٤١ المصادر التالية : الطبقات الكبرى ج ١ ص ٢٨٤ وفي (ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ٣٣ و ٤٩ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٤٩ ورسالات نبوية ص ٢٩٤ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٥١ ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٣٣٤ والوثائق السياسية ص ٢٩٢ / ١٨٩ عن رسالات نبوية ، ثم قال : قابل الطبقات ١ وانظر كايتاني ج ٩ ص ٨ واشپرنكر ج ٣ ص ٣٢٣ وراجع أيضا ص ٧٢٠ من الوثائق عن سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي خطية پاريس ١٩٩٣ ورقة ٩ ـ ألف ولخص نص الكتاب.

٢٨٤

أحدهما : وفد باهلة ، وهم من قيس عيلان .. ومنهم : نهشل بن مالك (١).

والآخر : وفد بني قراص أو قراض وهم بنو شيبان ، وقد دخلوا في بني باهلة ، وكان على بني شيبان مطرف بن الكاهن (٢).

وفود ثمالة والحدّان :

قالوا : قدم عبد الله بن علس الثّمالي ، ومسلمة بن هاران الحدّاني على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في رهط من قومهما بعد فتح مكة ، فأسلموا وبايعوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قومهم. وكتب لهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتابا بما فرض عليهم من الصدقة في أموالهم ، كتبه ثابت بن قيس بن شماس ، وشهد فيه سعد بن عبادة ، ومحمد بن مسلمة (٣).

__________________

(١) راجع : مكاتيب الرسول ج ٣ ص ١٤٢ عن اللباب ج ١ ص ١١٦ والأنساب للسمعاني ج ٢ ص ٧٠ ومعجم قبائل العرب ص ٦٠ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٠٧ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ٣٤٥ ، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٣٧٣ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٨.

(٢) نهاية الأرب ص ١٦١ ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ١٤٢ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٠٧ ، والإصابة ج ٦ ص ١٠٠ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٠٦ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٧٦ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٧٨.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٠٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٣٤١ و (دار إحياء التراث العربي) ص ٣٦٣ والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٨ ص ١٣٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٥٣ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ١٦٦ و ٢٨٢ وج ٣ ص ١٤٠ وعن الإصابة ج ٣ ص ٧٩٩٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ٣٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦٧٢.

٢٨٥

ونقول :

١ ـ بنو حدّان بطن من أزد شنوءة يسكنون عمان.

وهناك بنو حدّان أيضا بطن من همدان من القحطانية ، وقد وفد هؤلاء أيضا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سنة تسع مرجعه من تبوك ، وعليهم مقطعات الحبرات ، والعمائم المدنية ، على الرواحل المهرية ، والأرحبية ومالك بن نمط يرتجز ويقول :

همدان خير سوقة وإقبال

ليس لها في العالمين أمثال

٢ ـ ما ذكره النص المتقدم من أن الوفد أسلموا ، وبايعوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قومهم يحتمل أحد أمور ، هي :

ألف : أن تكون قبيلتهم هي قد قررت الدخول في الإسلام ، فأرسلتهم إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لإنجاز هذا الأمر بالصورة التي رأوا أنها مفيدة وسديدة ..

ب : أن يكون لأعضاء هذا الوفد من النفوذ والتأثير على من وراءهم ، بحيث يطمئنون إلى أنهم يطيعونهم فيما يطلبونه منهم.

ج : أن يكونوا قد أخطأوا التقدير ، وتخيلوا أنهم قادرون على أمر .. ثم جاءت الأحداث لتوافق ما تخيلوه ، لأسباب لعلها لم تخطر لهم على بال.

وفود بني قشير :

روى ابن سعد عن علي بن محمد القرشي ، ورجل من بني عقيل ، قالا : وفد على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفر من بني قشير فيهم ثور بن عزرة بن عبد الله بن سلمة بن قشير ، فأسلم ، فأقطعه رسول الله «صلى الله

٢٨٦

عليه وآله» قطيعة وكتب له كتابا.

ومنهم حيدة بن معاوية بن قشير ، وذلك قبل حجة الوداع وبعد حنين.

ومنهم قرة بن هبيرة بن سلمة الخير بن قشير ، فأسلم ، فأعطاه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وكساه بردا ، وأمره أن يتصدق على قومه ، أي يلي الصدقة ، فقال قرة حين رجع :

حباها رسول الله إذ نزلت به

وأمكنها من نائل غير منفد

فأضحت بروض الخضر وهي حثيثة

وقد أنجحت حاجاتها من محمد

عليها فتى لا يردف الذم رحله

تروك لأمر العاجز المتردد (١)

وفود بني سليم :

قالوا : وقدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رجل من بني سليم ، يقال له : قيس بن نسيبة ، فسمع كلامه وسأله عن أشياء ، فأجابه ، ووعى ذلك كله ، ودعاه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الإسلام ، فأسلم ورجع إلى قومه بني سليم ، فقال : قد سمعت برجمة الروم ، وهينمة فارس ، وأشعار العرب ، وكهانة الكاهن ، وكلام مقاول حمير ، فما يشبه كلام محمد شيئا من كلامهم ، فأطيعوني وخذوا نصيبكم منه.

فلما كان عام الفتح خرجت بنو سليم إلى رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٩٨ عن ابن سعد في الطبقات (ط ليدن) ج ٢ ص ٦٧ ، والطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج ١ ص ٣٠٤ ، والإصابة ج ٥ ص ٣٣٤ ، وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٤٠.

٢٨٧

وآله» ، فلقوه بقديد وهم سبعمائة.

ويقال : كانوا ألفا وفيهم العباس بن مرداس ، وأنس بن عباس (عياض) بن رعل ، وراشد بن عبد ربه ، فأسلموا وقالوا : اجعلنا في مقدمتك ، واجعل لواءنا أحمر ، وشعارنا مقدما.

ففعل ذلك بهم ، فشهدوا معه الفتح ، والطائف ، وحنينا ، وأعطى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» راشد بن عبد ربه رهاطا ، وفيها عين يقال لها : عين الرسول (١).

وكان راشد يسدن صنما لبني سليم ، فرأى يوما ثعلبين يبولان عليه ، فقال :

أرب يبول الثعلبان برأسه

لقد ذل من بالت عليه الثعالب (٢)

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٠٧ و (ط ليدن) ج ١ ق ٢ ص ٤٩ ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٤٣٧ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٩ ص ٣٢٤.

(٢) البيت للعباس بن مرداس انظر ملحق ديوانه ١٥١ ، ونسب أبي ذر ، وانظر اللسان (ثعلب) وغيرهما انظر الدرر ج ٤ ص ١٠٤ وجمهرة اللغة (١١٨١) والهمع ج ٢ ص ٢٢ ، والبحار ج ٣ ص ٢٥٤ ، والتفسير الصافي ج ٤ ص ١٧ ، وتفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٢١ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٠٨ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٩ ص ٣٢٥ ، والبداية والنهاية ج ٢ ص ٤٢٧ وج ٥ ص ١٠٧ ، وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٤ ص ١٩ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٣٧٤ وج ٤ ص ١٧٧ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ٢١٦ وج ٦ ص ٣٤٦ وج ٩ ص ٤٥٨ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٤٤٧ ، والصحاح للجوهري ج ١ ص ٩٣.

٢٨٨

ثم شد عليه فكسره.

ثم أتى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال له : «ما اسمك»؟

قال : غاوي بن عبد العزى.

قال : «أنت راشد بن عبد ربه».

فأسلم وحسن إسلامه ، وشهد الفتح مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

وقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «خير قرى عربية خيبر ، وخير بني سليم راشد» (١). وعقد له على قومه.

وروى ابن سعد عن رجل من بني سليم من بني الشريد قالوا : وفد رجل منا يقال له : قدد بن عمار على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالمدينة ، فأسلم وعاهده على أن يأتيه بألف من قومه على الخيل.

ثم أتى قومه فأخبرهم الخبر ، فخرج معه تسعمائة ، وخلّف في الحي مائة ، فأقبل بهم يريد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فنزل به الموت ، فأوصى إلى ثلاثة رهط من قومه : إلى عباس بن مرداس وأمّره على ثلاثمائة ، وإلى جبار بن الحكم ، وهو الفرار الشريدي وأمّره على ثلاثمائة ، وإلى الأخنس بن يزيد وأمّره على ثلاثمائة ، وقال : ائتوا هذا الرجل حتى تقضوا العهد الذي في عنقي ، ثم مات.

فمضوا حتى قدموا على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «أين الرجل

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٦ وفي هامشه : أخرجه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ج ٣ ص ١٤١ وج ٩ ص ٣٢٥ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٣٠٨.

٢٨٩

الحسن الوجه ، الطويل اللسان ، الصادق الإيمان»؟

قالوا : يا رسول الله ، دعاه الله فأجابه ، وأخبروه خبره.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أين تكملة الألف الذي عاهدني عليهم»؟

قالوا : قد خلّف مائة بالحي مخافة حرب كانت بيننا وبين كنانة.

قال : «ابعثوا إليها ، فإنه لا يأتيكم في عامكم هذا شيء تكرهونه».

فبعثوا إليها ، فأتته بالهدة ، وهي مائة ، عليها المقنع بن مالك بن أمية ، فلما سمعوا وئيد الخيل قالوا : يا رسول الله ، أتينا.

قال : «لا ، بل لكم لا عليكم ، هذه سليم بن منصور قد جاءت».

فشهدوا مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الفتح وحنينا (١).

ونقول :

قد تضمنت النصوص المتقدمة أمورا يمكن أن تكون موضع نقاش من قبل الباحثين ، ولكننا نؤثر الإضراب عنها ، لأننا لا نجد جدوى كبيرة من صرف الوقت فيها .. وبعضها تقدمت الإشارة منا إليه ، ومنه موضوع تغيير الأسماء ..

ولذلك فإننا سوف نقتصر منها على ما يلي :

بول الثعلب على الصنم :

ولسنا بحاجة إلى التذكير بتكسير نفس سادن الصنم للصنم الذي كان في خدمته حين رأى الثعلب يبول عليه ، ولم لا يدفع عن نفسه ولا يمنع ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٤٦ و ٣٤٧ وفي هامشه عن الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٣٤ و ٣٠٩.

٢٩٠

وذلك في صحوة وجدانية هيّأت لها الأجواء التي تعيشها المنطقة في ظل تنامي المد الإيماني ، المعتمد على قوة المنطق ، والمنسجم مع ما يحكم به العقل ، وتقضي به الفطرة ، وقد تعزّز ذلك بالإنتصارات التي كان يحققها أهل الإيمان على من لجأوا إلى منطق العدوان ، والتحدي ، بعد أن ظهر عجزهم عن مقارعة الحجة بالحجة ، فاختاروا أن يكونوا في موقع المحارب والمعادي للحق ، وللصدق ، وللقيم الإنسانية والأخلاقية ، ومسلمات العقل الصحيح والسليم.

ولأجل ذلك استحق راشد الوسام النبوي الكريم ، الذي أشار إلى أن راشدا خير بني سليم ، ولكنهم قد أضافوا إلى النص كلمة لا معنى ولا مبرر لها ، وهي قولهم : «خير قرى عربية خيبر» رغم أن خيبرا كانت بيد اليهود ، الذين لم يكونوا من العرب.

بل يكفي أن نقول في رد ذلك :

إن أم القرى هي مكة ، ولا شك في انها عربية ، وانها خير قرية عربية ، كما أن المدينة هي من القرى العربية ، وهي خير من خيبر أيضا ..

على أننا لا نجد أية مناسبة بين الثناء على راشد ، وبين الثناء على خيبر ..

الرجل الطويل اللسان :

ويستوقفنا تعبير منسوب للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه قال في الثناء على قدد بن عمّار : «الحسن الوجه ، الطويل اللسان» فإن عبارة الطويل اللسان إنما تستعمل في مقام الذم ، لإفادة أنه كثير الكلام ، أو أنه يتطاول بكلامه على الآخرين. فما معنى أن تجعل من مفردات المدح والثناء.؟!

٢٩١

الإقطاعات والعطايا :

تقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعطى رهاطا لراشد بن عبد ربه.

ورهاط ـ بضم الراء ـ : موضع على ثلاث ليال من مكة.

وقيل : وادي رهاط ببلاد هذيل.

وقال السمهودي : إنه موضع بأرض ينبع اتخذت به هذيل سواعا (١). وهو الصنم الذي ورد اسمه في القرآن.

والسؤال هنا هو : ما هو المبرر لإعطاء شخص واحد هذا العطاء الكبير ، وتخصيصه بهذه المساحات الشاسعة ، مع أنه كان من الممكن توزيع هذه المساحات على مجموعة من الأفراد الذين يعانون من الحاجة الملحة ، وليكن منهم أصحاب الصفة المعروفون بالفقر ، وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ينفق عليهم بحسب ما يتيسر له.

وإذا كانت هذه الأراضي قد أصبحت تحت اختيار السلطة ، فذلك لا يبرر التصرف فيها ، لتكريس يسيء إلى سمعة الدين ، ويسقط منطق العدل والدين فيه. من خلال إعطاء تلك الأراضي لفئة صغيرة قد تكون في غنى عنها ، بل يجب أن يستفيد منها أكبر عدد من الناس ، وخصوصا الفقراء منهم.

إجابة مرفوضة :

وقد حاول البعض أن يجيب : بأن من الجائز : أن تكون بعض هذه

__________________

(١) وفاء الوفاء ج ٤ ص ١٢٢٥ وراجع : عمدة الأخبار ص ٣٢٩ ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٤٣٧ ، ومعجم البلدان للحموي ج ٣ ص ١٠٧.

٢٩٢

المناطق الممنوحة لم تكن منحا جديدا ، وإنما كان إعطاؤها لهم مجرد تأكيد لملكية سابقة ، وهذا الإقطاع معناه : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أقرها في يد صاحبها ، فقد كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يضمّن كتب الأمان التي يصدرها للأفراد والجماعات ما يملكون من أراضي. وقد يرد في بعض الحالات اسم زعيم القبيلة أو الوفد وحده على رأس الوثيقة.

ولكن ليس معنى ذلك : أن كل ما يرد في الوثيقة يخص ذلك الزعيم شخصيا ، بل إن سائر أفراد القبيلة تكون لهم عين الحقوق المعطاة في الوثيقة المعنية ، وما الزعيم ، الذي ورد اسمه إلا الممثل لمصالحهم (١).

غير أننا نقول :

إن هذه الإجابة غير دقيقة ، ولا تناسب كثيرا من النصوص الواردة في كتب الإقطاعات ، وإذا كان أولئك الناس قد أسلموا طواعية ، فإن الشرع يحكم بأن من أسلم على أرض فهي له. فأي داع للتصريح بمالكيتهم لأراضيهم؟!

على أن هذا لو صح لاقتضى أن تشمل الكتابة بذلك جميع الناس ، وأن لا تختص ببعض الناس دون بعض.

الجواب الأمثل :

والإجابة الصحيحة على هذا السؤال تحتاج إلى الحديث في جهات عدة ، ولو بصورة موجزة وذلك كما يلي :

__________________

(١) نشأة الدولة الإسلامية ص ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٣٣.

٢٩٣

الفقر الموت الأكبر :

إن الإسلام لا يريد أن يرى الفقر يعشعش في داخل المجتمع الإنساني ، لأن الفقر ليس فضيلة ، كما أن الغنى ليس عيبا ، أو نقصا ، بل الإسلام يريد أن يرى المجتمع طموحا وفاعلا ، وغنيا وقويا .. ومتكافلا ومتعاونا على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

فإن كان ثمة من فقير ، فلابد أن يكون سبب فقره ظروفا قاهرة ، أو إتكالية وكسلا مرفوضا وممقوتا ، أو سوء تصرف ، أو غير ذلك.

ولذلك جاءت تشريعات الإسلام حاسمة في معالجة مسألة الفقر ، باقتلاعه من جذوره ، وقد روي عن أمير المؤمنين «عليه‌السلام» : الفقر الموت الأكبر (١).

وعن الإمام الصادق «عليه‌السلام» : كاد الفقر أن يكون كفرا ، وكاد الحسد أن يغلب القدر (٢).

__________________

(١) سفينة البحار ج ٧ ص ١٣٣ ، ونهج البلاغة ج ٤ ص ٤١ ، وتحف العقول لابن شعبة الحراني ص ١١١ ، وخصائص الأئمة للشريف الرضي ص ١٠٨ ، وروضة الواعظين للنيسابوري ص ٤٥٤ ، ومشكاة الأنوار للطبرسي ص ٢٢٨ ، والبحار ج ٦٩ ص ٤٥ وج ٧٥ ص ٥٣ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٨ ص ٣٨٦ ، ومعارج اليقين في أصول الدين للسبزواري ص ٣٠٢.

(٢) سفينة البحار ج ٧ ص ١٣١ و ١٣٢ والبحار ج ٧٠ ص ٢٤٦ وج ١١٠ ص ٧١ ، والكافي ج ٢ ص ٣٠٧ ، والأمالي للشيخ الصدوق ص ٣٧١ ، والخصال ص ١٢ ، والوسائل ج ١٥ ص ٣٦٦ و (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٢٩٣ ، وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٥٥١.

٢٩٤

البداوة مذمومة :

هذا .. وقد قال تعالى على لسان يوسف «عليه‌السلام» مخاطبا أباه : (.. وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ ..) (١).

ما يعني أن الخروج من حياة البدو كان نعمة عظيمة توازي خروجه من السجن.

وقال تعالى أيضا : (يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) (٢).

فهو تعالى يذم هؤلاء الناس على أن الأمر قد بلغ بهم حدا فقدوا معه الموازين ، واختلت فيه المعايير لديهم ، بسبب حبهم للدنيا وزخارفها ، فكانوا يهربون من الجهاد الذي هو من أشرف الأعمال وأعظمها ، لما فيه من حماية لحياة المسلمين ، وحفظ لعزتهم ودولتهم ، والدفع عن منجزاتهم الحضارية ، ويفضلون عليه أحط الخيارات وأرخصها ، وأتفهها. ألا وهو أن يكونوا بادين في الأعراب ، ولا يكونوا في ساحات الشرف والجهاد والكرامة.

آثار البداوة على الإنسان العربي :

وبالرجوع إلى التاريخ نلاحظ : أن الإنسان العربي كان آنئذ يعيش البداوة بأجلى مظاهرها ، وربما لم تكن له علاقة بالأرض ، ولا يراوده حنين

__________________

(١) الآية ١٠٠ من سورة يوسف.

(٢) الآية ٢٠ من سورة الأحزاب.

٢٩٥

إليها إلا بقدر ما تحمله له من ذكريات ، مرّة تارة ، وحلوة أخرى ، ولا شيء أكثر من ذلك ..

وكان همه مصروفا إلى تحصيل لقمة عيشه بطرق سهلة ، مثل رعي الإبل والمواشي ، وإلا فالسلب والنهب والغارة ، ولو بقيمة إتلاف النفوس ، وإزهاق الأرواح ..

فكان من نتائج ذلك : أن قويت عصبية الإنسان العربي للعشيرة ، واشتدت نفرته ، وخوفه من كل من عداها .. فكان أن حرم من تعاون بني جنسه معه على حل مشكلات الحياة ، ومن فرص إرساء أسس لحضارة ذات قيمة ..

وبذلك يكون العرب قد حرموا أنفسهم أيضا من علوم كثيرة كان من الممكن أن تساعدهم على اقتحام مجالات حياتية مهمة ورائعة ، فلم يمارسوا شيئا من الصنائع ، ولا استخرجوا من كنوز الأرض ومعادنها وخيراتها ما يفتح أمامهم أبوابا من المعرفة ، تفيدهم في تنويع الإستفادة منها. ولا مارسوا حرفا تفيدهم في تيسير سبل العيش لهم ، كما أنهم لم يجدوا أنفسهم ملزمين ولو بالإلمام بشيء من العلوم الإنسانية ، على كثرتها وتنوعها واختلافها.

عناصر ضرورية لبناء الدولة والحضارة :

وغني عن القول : إنه إذا أريد بناء دولة قوية ومجتمع إنساني فاعل ، ومتماسك ، وقادر على إنشاء الحضارات وتحمل المسؤوليات التاريخية فلا بد من توفر العناصر الضرورية لذلك ، ومنها يتوفر لديه الأمل والطموح ،

٢٩٦

والشعور بالأمن والسلام ، ثم التفرغ للتأمل والتفكير ، والتعرف على المشكلات وقهر الموانع وتجاوز العقبات ، والتخطيط ، واستنباط وسائل التغلب عليها بالتسلح بالعلم والمعرفة ، ثم السعي للحصول على القدرات اللازمة لذلك كله.

وبديهي : أن يكون ذلك كله مرهونا بالإستقرار المؤدي لإعمار الأرض ، من خلال الإرتباط بها ، وبذل الجهد في استخراج خيراتها ، ومعادنها وكل ما فيها ، ووضع ثمرات هذا الجهد في التداول ، والإهتمام بتطوير الحياة به ومن خلاله. ولا يكون ذلك كله ممكنا إلا بالتعاون والتعاضد ، والعمل على إنتاج رؤية سليمة تؤدي إلى تطويع وإخضاع قوانين الطبيعة لإرادة الإنسان ، لتكون في خدمته ..

ولا مجال للنجاح في ذلك كله ، إلا في ظل الأطروحة الصحيحة ، التي تحدد الأهداف القصوى ، وتحفظ مسيرة الوصول إليها وسلامتها. وتهيمن على المسار والمسير ، وتمنح الثقة بالنجاح والفلاح ، من خلال تضافر الجهود ، واستنفار العقول.

سياسة الإسلام للتخلص من البداوة :

وقد كان لا بد من الخروج من حياة البداوة ، والعمل على بناء مجتمع مدني قوي وفاعل ، وقد عمل الرسول الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على تحقيق هذا الغرض النبيل ، من خلال إجراءات عديدة ومتنوعة ، فأوجب على الإنسان نفقات ، وحمّله مسؤوليات مالية ، ثم حثّه على العمل واعتبره كالجهاد في سبيل الله ، وحث على الهجرة من البدو ، وعلى السعي في سبيل

٢٩٧

بناء حياة كريمة ، وأوجب على كل فرد فرد تحصيل كل علم يحتاج الناس إليه .. وحث على تعلم الحرف والصناعات وشجع على التجارة والزراعة وإثارة الأرض وعمارتها ، ثم إنه من جهة أخرى ذم الكسل والتواكل ، ومنع من أكل المال بالباطل ، ومن الظلم والحيف ، واغتصاب الأموال ، والتعدي على أراضي الغير ، ولو بمقدار شبر واحد ، ومنعه من الربا والقمار ، والإحتكار .. و.. و.. ثم كانت سياسة إقطاع الأراضي كما سنرى ..

ومما يشير إلى اهتمام الإسلام بالحرف ، وبإحياء الأرض ، وبالإعمار وغير ذلك ما روي من أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان إذا نظر إلى الرجل فأعجبه قال : هل له حرفة؟! فإن قالوا : لا.

قال : سقط من عيني (١) ..

وفي مجال الزراعة روي : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أوصى عليا «عليه‌السلام» عند وفاته بقوله : «يا علي ، لا يظلم الفلاحون بحضرتك» (٢).

__________________

(١) البحار ج ١٠٠ ص ٩ وفي هامشه عن جامع الأخبار (ط الحيدرية النجف الأشرف) ص ١٣٩ ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٣٧ ، والفايق في غريب الحديث للزمخشري ج ١ ص ٢٤٠ ، وميزان الاعتدال للذهبي ج ١ ص ٢٣٠ ، وغريب الحديث لابن قتيبة ج ١ ص ٣٢١ ، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج ١ ص ٣٧٠ ، ومعارج اليقين في أصول الدين للسبزواري ص ٣٩٠.

(٢) راجع : الكافي ج ٥ ص ٢٨٤ وتهذيب الأحكام ج ٧ ص ١٥٤ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٩ ص ٦٣ و (ط دار الإسلامية) ج ١٣ ص ٢١٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٨ ص ٤٦٠ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٤٠ والخراجيات للمحقق الكركي ص ٩٠ ورسائل الكركي ج ١ ص ٢٨٤.

٢٩٨

وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن الله أهبط آدم إلى الأرض ، وأمره أن يحرث بيده ليأكل من كدّه (١).

وقد حث أمير المؤمنين «عليه‌السلام» في وصيته للإمام الحسن «عليه‌السلام» على أن لا يقلع شجرة حتى يغرس عوضا عنها ودية ، حتى تشكل أرضها غراسا (٢). أي لا تمتاز الأرض عن الشجر.

وعنه «عليه‌السلام» : من وجد ماء وترابا ثم افتقر فأبعده الله (٣).

وقال «عليه‌السلام» في عهده للأشتر : ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج ، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن

__________________

(١) راجع : الوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ٦ ص ٣٨٢ وج ١٩ ص ٣٦ و (ط دار الإسلامية) ج ٤ ص ٩٨١ وج ١٣ ص ١٩٦ ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٥٤٠ ومستدرك الوسائل ج ٤ ص ٤٧٥ وج ١٣ ص ٢٤ و ٤٦٢ والبحار ج ١١ ص ٢١١ و ٢١٢ وجامع أحاديث الشيعة ج ٥ ص ٢٣٥ وج ١٧ ص ١٣٠ وج ١٨ ص ٤٣٤ و ٤٣٥ وتفسير العياشي ج ١ ص ٤٠ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٥٣ ومنازل الآخرة للقمي ص ٤١.

(٢) راجع : نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٣ ص ٢٢ ومستدرك الوسائل ج ١٤ ص ٥٧ والبحار ج ٤٢ ص ٢٥٥ وج ١٠٠ ص ١٨٤ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٩ ص ١٠٣ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ١٤٧ والنهاية لابن الأثير ج ٢ ص ٤٩٦ ولسان العرب ج ١١ ص ٣٥٧.

(٣) قرب الإسناد ص ١١٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٧ ص ١٣٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج ٤ ص ٢٨ و ١٧٢ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٧ ص ٤١ و (ط دار الإسلامية) ج ١٢ ص ٢٤ والبحار ج ١٠٠ ص ٦٥.

٢٩٩

طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد ، ولم يستقم أمره إلا قليلا (١).

وقال الواسطي : سألت جعفر بن محمد «عليه‌السلام» عن الفلاحين ، فقال : هم الزارعون كنوز الله. وما في الأعمال شيء أحب إلى الله من الزراعة. وما بعث الله نبيا إلا زارعا إلا إدريس «عليه‌السلام» ، فإنه كان خياطا (٢).

وقد علّم الله تعالى نبيه داوود «عليه‌السلام» صناعة الدروع ، وألان له الحديد .. كما صرح به القرآن الكريم.

لماذا إقطاع الأراضي؟! :

ومن المفردات المفيدة جدا في هذا المجال هو : إقطاع الأراضي ، فإن إقطاع الأراضي لشخص ما ، معناه : أن تصبح تلك الأرض تحت اختياره ، ومنع الآخرين من مزاحمته أو الحد من فاعليته فيها ، فيستفيد من هذه الفرصة التي منحت له ليعمل على إحياء تلك الأرض إما بالزراعة ، أو بالإستفادة منها في أي مجال إنتاجي تجاري ، أو صناعي ، أو تعليمي ، أو

__________________

(١) راجع : نهج البلاغة وقد ذكرنا شطرا من مصادر هذا العهد في كتابنا دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ، ومستدرك الوسائل ج ١٣ ص ١٦٦ ، والبحار ج ٣٣ ص ٦٠٦ ، وجامع أحاديث الشيعة ج ١٧ ص ٣٣٦ ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٧ ص ٧١.

(٢) البحار ج ١٠٠ ص ١٧١ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١٧ ص ٤٢ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٢ ص ٢٥ وراجع : مستدرك الوسائل ج ١٣ ص ٤٥٩ و (ط مؤسسة آل البيت) ص ٢٦ و ٤٦١.

٣٠٠