السيد جعفر مرتضى العاملي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-199-8
ISBN الدورة:
الصفحات: ٣٥٤
رسول الله «صلىاللهعليهوآله» وفد بني عامر ، فيهم عامر بن الطفيل ، وأربد بن قيس ، وجبار بن سلمى (قاتل عامر بن فهيرة ببئر معونة) ، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم ، [وكان في نية عامر بن الطفيل عدو الله الإعتداء على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» والغدر بالنبي «صلىاللهعليهوآله»].
وقد قال لعامر بن الطفيل قومه : يا عامر ، إن الناس قد أسلموا فأسلم.
قال : والله ، لقد كنت آليت ألا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي ، أفأتبع عقب هذا الفتى من قريش؟ ثم قال لأربد : إذا قدمنا على الرجل فسأشغل عنك وجهه ، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف (١).
وفي حديث ابن عباس : فإن الناس إذا قتلت محمدا لم تزد على أن تلتزم بالدية ، وتكره الحرب ، فسنعطيهم الدية.
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦١ عن ابن المنذر وج ١٠ ص ٢٦٠ ، وابن أبي حاتم ، وأبي نعيم ، وابن مردويه ، والبيهقي ، والحاكم ، وابن إسحاق ، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣٠ و ١٣١ ، وقرب الاسناد ص ٣٢١ ، والبحار ج ١٧ ص ٢٢٨ وج ٢١ ص ٣٦٥ ، وراجع : حلية الأبرار للبحراني ج ١ ص ١١٤ ، والدرر لابن عبد البر ص ٢٥٣ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٨ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٩ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٧٩ ، والوافي بالوفيات ج ٨ ص ٢١٦ ، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٦٨ ، وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٠٠ وج ١٢ ص ٩٤ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٩٢ ، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص ٢٥٠ ، وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٧٧ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٠٩ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٦.
قال أربد : افعل.
وانتهى إليه عامر وأربد ، فجلسا بين يديه.
قال ابن إسحاق : قال عامر بن الطفيل : يا محمد ، خالني (١).
قال : «لا والله ، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له».
قال : يا محمد خالني ، وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به.
ولكن أربد لا يحير شيئا.
وفي حديث ابن عباس : إن يد أربد يبست على السيف فلم يستطع سله.
قال ابن إسحاق : فلما رأى عامر أربد ما يصنع شيئا قال : يا محمد خالني.
قال : «لا والله ، حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له».
وفي حديث ابن عباس : فقال عامر : ما تجعل لي يا محمد إن أسلمت؟
فقال رسول الله «عليهالسلام» : «لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم».
قال عامر : أتجعل لي الأمر بعدك إن أسلمت؟
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «ليس ذلك لك ولا لقومك ، ولكن لك أعنة الخيل».
قال : أنا الآن في أعنة خيل نجد ، أتجعل لي الوبر ولك المدر؟
قال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «لا».
فلما قاما عنه قال عامر : أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا.
__________________
(١) أي : إجعلني خليلا.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «يمنعك الله عزوجل» (١).
وفي حديث موله بن [كثيف] بن حمل : والله يا محمد ، لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا ، ولأربطن بكل نخلة فرسا.
فقال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : «اللهم اكفني عامرا».
زاد قوله : «واهد قومه» (٢).
وفي رواية أخرى : أنه خيّر النبي «صلىاللهعليهوآله» بين ثلاث أن
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦١ وج ١٠ ص ٢٦٠ ، وقال في هامشه : أخرجه البيهقي في دلائل النبوة ج ٥ ص ٣١٩ ، وذكره ابن كثير في البداية ج ٥ ص ٥٧ ، والهيثمي في المجمع ج ٧ ص ٤٤ ، وعزاه للطبراني في الأوسط والكبير بنحوه ، والبحار ج ٢١ ص ٣٦٥ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٨ ، وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٠٠ وج ١٢ ص ٩٤ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٩١ ، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص ٢٥٠ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٢٧٧ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٠٩ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٦. وراجع : المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣١ ، والدر المنثور ج ٤ ص ٤٦ عن الطبراني في الكبير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم في دلائل النبوة.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦١ و ٣٦٢ وفي هامشه عن دلائل النبوة ج ٥ ص ٣٢١ والمعجم الكبير ج ٦ ص ١٥٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٢٦ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٧٥ وراجع : شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٣١ ، والدر المنثور ج ٤ ص ٤٦ عن الطبراني في الكبير ، وابن المنذر ، وأبي نعيم في دلائل النبوة ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٧٩ ، وإمتاع الأسماع ج ١٢ ص ٩٦ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١١٠.
يكون للنبي أهل السهل ، ولعامر أهل المدر ، او أن يكون له الأمر من بعده ، أو يغزوه بألف أشقر وألف شقراء ، فطعن في بيت امرأة من بنى سلول ، فقال أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بنى فلان الخ .. (١).
قال ابن إسحاق : فلما خرجوا من عند رسول الله «صلىاللهعليهوآله» قال عامر لأربد : ويلك يا أربد ، أين ما كنت أمرتك به؟ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك ، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبدا.
قال : لا أبا لك لا تعجل علي ، والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك ، أفأضربك بالسيف؟ (٢).
__________________
(١) شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٣٢ عن البخاري وعن البيهقي في الدلائل ، والدرر لابن عبد البر ص ٢٥٤ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٨ ، والوافي بالوفيات ج ١٦ ص ٣٣٠ ، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٦٨ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٩٢ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١١٠ ، وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٢ ، وخزانة الأدب للبغدادي ج ٣ ص ٨١.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٢ وج ١٠ ص ٢٦٠ ، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣١ ، والبحار ج ٢١ ص ٣٦٥ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٨ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٩ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٧٩ ، والوافي بالوفيات ج ٨ ص ٢١٧ ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦٨ ، وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٠٠ وج ١٢ ص ٩٥ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٩٢ ، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص ٢٥٠ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٢٧٨ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١١٠ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٧ ، وخزانة الأدب ج ٣ ص ٨٠.
وفي رواية غير ابن إسحاق : إلا رأيت بيني وبينه سورا من حديد.
وفي رواية : لما أردت أن أسل سيفي نظرت فإذا فحل من الإبل ، فاغر فاه بين يدي يهوي إلي ، فو الله لو سللته لخفت أن يبتلع رأسي.
وجمع : بأن تكرر الهمّ صاحبه واحد من هذه الأمور (١).
وفي حديث ابن عباس : فلما خرج أربد وعامر من عند رسول الله «صلىاللهعليهوآله» حتى إذا كان بحرّة واقم نزلا ، فخرج إليهما سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير ، فقالا : إشخصا يا عدوا الله عزوجل ، لعنكما الله.
فقال عامر : من هذا يا أربد؟
قال : هذا أسيد بن الحضير ، فخرجا (٢).
وعن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، قال : مكث رسول الله «صلىاللهعليهوآله» يدعو على عامر بن الطفيل ثلاثين صباحا : «اللهم اكفني عامر بن الطفيل بما شئت ، وابعث عليه داء يقتله». حتى إذا كان بالرقم بعث الله تعالى على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه ، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول. فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول : يا بني عامر أغدّة كغدّة البكر في بيت امرأة من بني سلول؟ (٣).
__________________
(١) المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣١ عن الروض الأنف.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٢ والدر المنثور ج ٤ ص ٤٦ ، والبداية والنهاية لابن كثير ج ٥ ص ٧١.
(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٢ وج ١٠ ص ٢٦٠ ، والمواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج ٥ ص ١٣١ ، والبحار ج ٢١ ص ٣٦٥ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٣٩٨ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٩٩ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٧٩ ، ـ
زاد ابن عباس : يرغب عن أن يموت في بيتها.
ثم ركب فرسه فأحضرها ، وأخذ رمحه وأقبل يجول ، فلم تزل تلك حاله حتى سقط عن فرسه ميتا (١).
قال ابن إسحاق : ثم خرج أصحابه حين واروه حتى قدموا أرض بني عامر شانّين. فلما قدموا أتاهم قومهم فقالوا : ما وراءك يا أربد؟
قال : لا شيء ، والله لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن فأرميه بالنبل حتى أقتله. فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه ، فأرسل الله عزوجل عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما.
وفي حديث ابن عباس : حتى إذا كان بالرقم أرسل الله تعالى عليه صاعقة فقتلته.
قال ابن عباس وابن إسحاق : وأنزل الله عزوجل في عامر وأربد : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ
__________________
والوافي بالوفيات ج ٨ ص ٢١٧ ، والبدآية والنهاية ج ٥ ص ٦٨ ، وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٠٠ وج ١٢ ص ٩٥ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٩٢ ، وإعلام الورى بأعلام الهدى ج ١ ص ٢٥٠ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ٢ ص ٢٧٨ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١١٠ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٧ ، وخزانة الأدب ج ٣ ص ٨٠.
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦١ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٣٢ ، والبدآية والنهاية ج ٥ ص ٦٩ ، وإمتاع الأسماع ج ١٢ ص ٩٦ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١١٠ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٤٨.
بِمِقْدارٍ) إلى قوله : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) (١)» (٢).
ونقول :
إن لنا هنا وقفات نوردها فيما يلي :
خوف ابن الطفيل من أربد :
إن عامر بن الطفيل يصرح بأنه كان يخاف من أربد خوفا عظيما ، مع أنه صاحبه ، والمتآمر معه على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» .. وصدق الله حيث يقول : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (٣). وإذا كان عامر يخاف من أربد ، فهل لا يخاف من علي بن أبي طالب «عليهالسلام» قالع باب خيبر ، إلا أن يقصد أنه يخاف من مكر أربد به. وإن كان ذلك خلاف ظاهر كلامه ، حيث إنه إنما يتكلم عن شجاعة أربد لا عن مكره وغدره.
تاريخ هذه القضية :
قال في البداية : الظاهر : أن قصة عامر بن الطفيل متقدمة على الفتح ،
__________________
(١) الآيات ٨ ـ ١٣ من سورة الرعد.
(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٣ و ٣٦٤ وفي هامشه عن : مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٥٤ عن الطبراني في الكبير والأوسط ، وأبي يعلى ، والدر المنثور ج ٤ ص ٤٦ عن الطبراني في الكبير ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبي نعيم في دلائل النبوة.
(٣) الآية ١٤٠ من سورة الحشر.
وإن كان ابن إسحاق والبيهقي قد ذكراها بعد الفتح (١). وقد قدمنا طائفة من نصوصها المختلفة ، وبعض ما يرتبط بها في غزوة بئر معونة ، فراجع ..
بل إن ذكر سعد بن معاذ فيها يدل على أن قدوم ابن الطفيل كان قبل سنة خمس ، لأن سعدا استشهد في غزوة بني قريظة ، وذلك ظاهر ..
هل النبي صلىاللهعليهوآله فتى؟! :
قد يقال : إن عامر بن الطفيل وصف النبي «صلىاللهعليهوآله» لأربد بن قيس بأنه فتى ، مع أن عمر النبي «صلىاللهعليهوآله» حينئذ كان أكثر من ستين سنة ، والفتى في اللغة هو الشاب الحدث (٢).
ويمكن أن يجاب : أن كلمة «غلام» تطلق على الكهل ، وعلى الشاب فهي من الأضداد (٣).
فكذلك كلمة «فتى» ، فإنها وإن كان معناها الشاب الحدث ، لكنها قد تستعار فتطلق على العبد حتى لو كان شيخا (٤).
طموحات عامر بن الطفيل :
إننا نقرأ فيما تقدم : أن عامر بن الطفيل آلى على نفسه أن لا ينتهي حتى تتبع العرب عقبه ، أفيتبع عقب هذا الفتى من قريش؟!
__________________
(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٦٤ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٥ ص ١٣٠.
(٢) راجع : أقرب الموارد ج ٢ ص ٩٠٢.
(٣) المصدر السابق.
(٤) راجع : أقرب الموارد ج ٢ مادة «فتى».
ونقول :
أولا : لا ندري بماذا يريد عامر بن الطفيل أن يحمل العرب على أن يطأوا عقبه ، ويكون هو الزعيم الأوحد لهم. هل يريد أن ينال هذا المقام بعلمه ، ومن أين له العلم النافع وهو رجل أعرابي ، وقد وصف الله الأعراب بقوله : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (١).
أم باستقامته على جادة الحق ، وبإيمانه وتقواه ، والقرآن يقول : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً).
أم بماله الكثير ، الذي ينفقه على الناس. وهو أعرابي أيضا لم يؤثر عنه جود أو كرم ، ولم نقرأ اسمه في أسخياء العرب ، كحاتم الطائي ، وزيد الخيل ، وقيس ابن سعد وغيرهم .. وهو أيضا أعرابي ويقول الله تعالى عن الأعراب : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢)» (٣). فالأعراب يرون أن الإنفاق في الجهاد للدفاع عن أرواح الناس ، وعن أعراضهم وأموالهم ، وعن حرياتهم وكراماتهم ، أو في سبيل الخير (يرون هذا الإنفاق) مغرما وخسارة. وبلا فائدة ولا عائدة ، فهل ينفقون أموالهم على الفقراء والمحتاجين؟! أم بجاهه العريض ، وشهرته الواسعة ، وهو لم يكن أشهر من غيره من زعماء العرب
__________________
(١) الآية ٩٧ من سورة التوبة.
(٢) الآية ٩٨ من سورة التوبة.
(٣) أقرب الموارد ج ٢ ص ٨٨٤.
ورجالاتهم؟!
أم بسعيه إلى إثبات إخلاصه وحبه للناس ، ونيل ثقتهم به ، وهو أعرابي ، والله تعالى يقول عن الأعراب : إن منهم من (يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).
أم بقوته ، وبشجاعته .. وكأنه لم يسمع بما صنعه أمير المؤمنين «عليهالسلام» بمشركي العرب ، في بدر وأحد ، وحنين وذات السلاسل ، وسوى ذلك ، وباليهود من بني النضير ، وقينقاع ، وقريظة ، وخيبر ..
وهل من المعقول : أنه لم يبلغه اقتلاع علي «عليهالسلام» لباب خيبر .. وغير ذلك مما لا يجهله أحد؟!
وماذا يصنع ابن الطفيل بفرسان العرب ، وصناديدها ، وفيهم الكثير من الرجال الأشداء ، الذين يواجهون الأهوال ، ويركبون المخاطر؟!
أم بميزاته وخصائصه الإنسانية وهو الذي يمارس الغدر حتى في نفس هذا المقام ، فيتآمر مع أربد بن قيس على قتل رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، في حين أنه يواجه خلق النبوة العظيم ، والنبي الكريم ، والكرم الهاشمي ، والعلم الإلهي ، وكل الخصال الحميدة ، والمزايا الفريدة في شخص من يريد الغدر به وقتله ، وهو رسول الله «صلىاللهعليهوآله».
ثانيا : إن عامر بن الطفيل يصرح للناس بما يدل على شدة أنانيته ، وغروره وعنجهيته ، واحتقاره للناس ، وأنه لا ينطلق في مواقفه من أخلاق ومبادئ وقيم ، فإنه يتجاهر بقوله : إنه يريد أن يجعل الناس يطأون عقبه ،
__________________
(١) الآية ٩٩ من سورة التوبة.
ويكونون في خدمته ، وتحت زعامته.
وفي مقابل ذلك نلاحظ : أن الرسول «صلىاللهعليهوآله» رغم كل تضحياته في سبيل الأمة يقول لهم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١).
ورغم شدة العرب عليه «صلىاللهعليهوآله» كان يذوب رقة وحنانا ، وأسفا عليهم ، حتى إن الله سبحانه يقول له : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) (٢).
ويقول ، (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) (٣).
ومعنى باخع نفسك : قاتل نفسك.
توقعات ابن الطفيل للمستقبل :
وقد توقع عامر بن الطفيل أن يقتل النبي «صلىاللهعليهوآله» ، ثم يرضى الناس بديته ، لأنهم يكرهون الحرب. ولم يحسب أي حساب لغضب أهل الإيمان ، ونخوتهم ، وشدة محبتهم لنبيهم ، ولا سيما علي «عليهالسلام» قالع باب خيبر ، وفاتح حصونها ، وقاتل عمرو بن عبد ود ، وهازم الأحزاب ، ومذل المشركين في بدر وأحد ، وحنين وسواها. فهل سيتركه علي «عليهالسلام» ، وهو الذي فدى النبي «صلىاللهعليهوآله» بنفسه ليلة
__________________
(١) الآية ٢٣ من سورة الشورى.
(٢) الآية ٨ من سورة فاطر.
(٣) الآية ٦ من سورة الكهف.
الهجرة ، ويدعه يرجع الى بلده سالما غانما؟
وهل سيترك الأنصار وسائر أهل المدينة نبيهم يقتل ، ثم يرضون بديته .. وهم يرتبطون به برباط الإيمان ، ويرون أنفسهم ملزمين بالإنتقام من قتلة الأنبياء ، والأوصياء ..
وإذا استطاع أن يقتل النبي «صلىاللهعليهوآله» ، فهل سيرضى العرب المسلمون بابن الطفيل رئيسا لهم ، وهل؟ وهل؟ الخ ..
النبي صلىاللهعليهوآله يرفض خلة ابن الطفيل :
وقد طلب عامر بن الطفيل من النبي «صلىاللهعليهوآله» بأن يتخذه خليلا ، وقد رفض النبي «صلىاللهعليهوآله» طلبه هذا ، إلا أن يسلم ، فإن آمن بالله وحده لا شريك ، فإنه سيفعل ذلك ، فأصرّ عامر على النبي «صلىاللهعليهوآله» بذلك ، فأصر «صلىاللهعليهوآله» على الرفض إلا إذا أسلم عامر.
فلو أن عامرا أسلم لفاز بخلّة رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، كما فاز بها سعد بن معاذ (١) من قبل .. وزعموا ذلك لعثمان بن عفان أيضا (٢).
وهذا يضع علامة استفهام كبيرة حول حديث : لو كنت متخذا خليلا
__________________
(١) الغدير ج ٩ ص ٣٤٧ وكنز العمال ج ١١ ص ٧٢٠ ومنتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج ٥ ص ٢٣١.
(٢) تاريخ بغداد ج ٦ ص ٣٢١ والغدير ج ٩ ص ٣٤٦ و ٣٤٧. وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ج ٥ ص ٣٦٨.
لاتخذت أبا بكر خليلا (١) ، من حيث إنه يوجب اتهام أبي بكر بالكفر ـ والعياذ بالله ـ إذ لو كان مسلما لكان النبي «صلىاللهعليهوآله» قبل خلته ..
وببيان أكثر تفصيلا نقول :
إن حديث عامر يدل على أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لا يتخذ المشرك خليلا ، ولا يلزم من هذا أن يكون كل من لم يتخذه النبي «صلىاللهعليهوآله» خليلا مشركا ، فقد لا يقبل «صلىاللهعليهوآله» خلّة مسلم لمانع آخر فيه ..
لكن هؤلاء يقولون : إن أبا بكر خير من عامر في سائر صفاته ما عدا الإيمان ، فينبغي أن لا يكون فيه مانع آخر عن قبول خلته غير الشرك ، ومع ذلك فإن النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يتخذه خليلا.
وهذا يعني أن النبي «صلىاللهعليهوآله» يكون أمام خيارين :
الأول : أن لا يتخذ خليلا أصلا ، كما قال في حديث أبي بكر ، فيرد
__________________
(١) المصنف للصنعاني ج ١٠ عن ابن الزبير ، وفي هامشه عن سعيد بن منصور ، والغدير ج ٩ ص ٣٤٧ عن صحيح البخاري ج ٥ ص ٢٤٣ باب المناقب ، وباب الهجرة ج ٦ ص ٤٤ ، والطب النبوي لابن القيم ص ٢٠٧ ، والمحلى ج ١ ص ٣٥ وج ٩ ص ٢٨٧ ، ومسند احمد ج ١ ص ٣٥٩ و ٤٠٨ و ٤١٢ و ٤٣٤ و ٤٣٧ و ٤٣٩ و ٤٥٥ و ٤٦٣ ، وسنن الدارمي ج ٢ ص ٣٥٣ ، وصحيح البخاري ج ٤ ص ١٩١ ، وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٠٨ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٢٤٦ ، وفتح الباري ج ٣ ص ٤٧ ، وعمدة القاري ج ٤ ص ٢٤٤ ، ومسند أبي داود الطيالسي ص ٣٩ ، والمصنف ج ١٠ ص ٢٦٣ ، ومسند ابن راهويه ج ١ ص ٤١ ، وكتاب السنة لعمرو بن أبي عاصم ص ٥٦٣ ، وغيرها كثير فراجع.
سؤال : لماذا إذن قال «صلىاللهعليهوآله» لعامر : إنه يتخذه خليلا إذا آمن بالله وحده؟!
الثاني : أن يتخذ خليلا إذا انتفت الموانع ، وأبرزها الشرك ، فير سؤال أيضا وهو : لماذا قال «صلىاللهعليهوآله» : لو كنت متخذا الخ .. فقرر أنه لم يتخذ أبا بكر ولا غيره خليلا مع أن أبا بكر خير من عامر عند هؤلاء؟!
وخلاصة الأمر إننا نقول :
إن حديث «لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر» مكذوب كما قدمناه في أوائل هذا الكتاب ، فراجع حديث المؤاخاة في فصل : «أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة».
ولعلهم أرادوا به تكذيب حديث خلة النبي «صلىاللهعليهوآله» لعلي «عليهالسلام» ، وتعويض أبي بكر عما لحقه بسبب ذلك. فوضعوا حديث : لو كنت متخذا خليلا الخ ..
وعن حديث خلة علي «عليهالسلام» نقول :
١ ـ أخرج عبد الكريم بن أحمد الرافعي القزويني عن أبي ذر : أن النبي «صلىاللهعليهوآله» قال : لكل نبي خليل ، وإن خليلي وأخي علي (١).
٢ ـ روى ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن الإمام الباقر ، عن أبيه ، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب «عليهمالسلام» ؛ قال : قال رسول الله «صلىاللهعليهوآله» : علي بن أبي طالب خليفة الله وخليفتي ، وخليل الله
__________________
(١) إحقاق الحق (الملحقات) ج ٤٠ ص ٢٢٣ عن مفتاح النجا للبدخشي (مخطوط) ، وكنز العمال ج ١١ ص ٦٣٤ ، وسبل الهدى والرشاد ج ١١ ص ٢٥٠.
وخليلي ، وحجة الله وحجتي الخ .. (١).
يذكر ابن حضير دون ابن معاذ :
والذي يثير الإنتباه أيضا : أن الرواية التي ذكرت لحوق سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير لعامر بن الطفيل وأربد من قيس ، حيث طردوه ولعنوه .. تقول : أن عامرا سأل عن الرجلين ، فأجابه أربد بقوله : هذا أسيد بن الحضير ، ولم يذكر سعد بن معاذ ..
وذلك يشير إلى أن ثمة رغبة في إعزاز أسيد بن حضير لإيفائه بعض حقه ، لأنه ساعد أبا بكر في سعيه للخلافة ، وكان إلى جانبه في سقيفة بني ساعدة ، ولديه قرابة .. حتى لو كان هذا الإعزاز على حساب شهيد اهتز العرش لموته ألا وهو سعد بن معاذ رحمة الله تعالى ..
الأمر ليس لك ولا لقومك :
وقد أجاب النبي «صلىاللهعليهوآله» عامر بن الطفيل حين طلب منه أن يجعل له الأمر من بعده : «ليس ذلك لك ولا لقومك».
__________________
(١) إحقاق الحق (الملحقات) ج ٤ ص ٢٩٧ عن مناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي ، والأمالي للشيخ الصدوق ص ٢٧١ ، ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص ٣٤ ، وكنز الفوائد للكراجكي ص ١٨٥ ، والعقد النضيد والدر الفريد للقمي ص ١٤٨ ، والصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي ج ٢ ص ٣٤ ، والبحار ج ٢٦ ص ٢٦٣ وج ٣٨ ص ١٣٧ و ١٥١ ، وبشارة المصطفى للطبري ص ٦٠ ، ونهج الإيمان لابن جبر ص ٢١٧.
فلو كان أمر الخلافة بيد البشر ، فلماذا يطلبه عامر من رسول الله «صلىاللهعليهوآله»؟!
وقد يقال : لعل عامرا قد توهم أن الأمر في الإسلام يشبه ما عرفه من أمر الجاهلية ، حيث كانت السلطة تنتقل من السابق إلى اللاحق باختيار السابق له ، وجعل الأمر إليه .. ولم يعلم أن الإسلام قد أرجع الأمر إلى الناس وجعله شورى بينهم.
ويجاب : بأنه لو صح لكان يجب على النبي «صلىاللهعليهوآله» أن يرجعه إلى الصواب ، ويعلمه ما جهله ، ويقول له : «إن الأمر ليس لي ، فإن رضوا بك واختاروك ، فلا مانع لدي» ..
ولكنه «صلىاللهعليهوآله» قد آيسه منها وأعلن أنه لا حق له ولا لقومه ، ولو أنه «صلىاللهعليهوآله» اكتفي بالإخبار عن عامر ولم يذكر قومه لأمكن أن يقال : لعله لمعرفته بأنه سوف يموت على الكفر ، ولن يصل إلى شيء ..
ولكنه حين أضاف إليه قومه ، فإن التصريح بحرمانهم كعامر من هذا الأمر يدل على أن الأمر لم يكن بيد رسول الله «صلىاللهعليهوآله» أيضا فضلا عن أن يكون بيد الناس ، وأن الأمر لله تعالى يضعه حيث يشاء ، كما قال «صلىاللهعليهوآله» لبني عامر بن صعصعة حين عرض عليهم دعوته في مكة ، وشرطوا عليه أن يكون لهم من بعده.
غضب ابن الطفيل وتهديده :
ولا يفاجئنا توعد عامر بن الطفيل للنبي «صلىاللهعليهوآله» بأن
يملأها عليه خيلا ورجالا. فإن هذا الرجل المحب للدنيا والمغرور بنفسه ، والذي بلغ غروره حدا جعله يطلب من رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ثمنا لإسلامه ، وهو : أن يجعله خليفته من بعده ، وأن يكون للنبي «صلىاللهعليهوآله» المدر وله الوبر.
ومع أنه يرى بأم عينيه كيف أنه «صلىاللهعليهوآله» هزم قريشا ، ومشركي العرب ، وهزم اليهود أيضا ، وواجه قيصر الروم ، ودخلت البلاد والعباد في دينه.
نعم ، إنه مع ذلك يتهدد النبي «صلىاللهعليهوآله» بأنه سوف يملأ الأرض عليه خيلا ورجالا ، والذي قاده إلى ذلك كله هو غروره وحمقه ولا شيء أكثر من ذلك. ولكن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» لم يجبه على تهديده باستعراض قوته ، ولا بتعداد انتصاراته ، بل أوكل الأمر إلى الله سبحانه ، لكي يفهمه : أن الله أيضا معه ، ومن ينصره الله فلا غالب له.
الموت الذليل :
وقد جاء الرد الإلهي ليقول لابن الطفيل ، وكل من يجاريه في تفكيره وفي تصوراته ليقول لهم : إن هذا الغرور الذي أوصل عامرا إلى موقع البغي والطغيان سوف يثمر لأهله مهانة وذلا ، يكابد آلامه ، ويواجهه خزيه في لحظات يرى نفسه عاجزا عن المواجهة. فإن الخيل والرجال ، وامتلاك أعنة خيل أهل نجد لا تدفع عنه الغدة التي ظهرت في عنقه ، ولا تجديه في دفع الموت الذليل عنه ، حيث مات في بيت سلولية.
وقد عبر هو نفسه عن مرارته البالغة من هذا الواقع الذي أوصله إليه
غروره وطغيانه وجحوده.
«فجعل يمس قرحته في حلقه ، ويقول : يا بني عامر ، أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول»؟!.
الجحود رغم ظهور الآيات :
وقد تقدم : أن أربد بن قيس لم يستطع أن يسل سيفه لقتل رسول الله «صلىاللهعليهوآله». وحين عاتبه عامر بن الطفيل على عدم تنفيذ ما اتفقا عليه أخبره بالأمر .. ولكن ذلك لم ينفع في بخوع عامر أو أربد للحق ، وقبولهما الإيمان .. بل بقي عامر يفاوض ويصر على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ليحصل على عوض عن إيمانه .. وكأنه يحسب أن إيمانه يمثل خسارة شيء عظيم ، يوازي خلافة النبوة ، أو على الأقل الأمارة على جميع الوبر.
أما أربد بن قيس ، فلم يكن موقفه أفضل من موقف عامر ، فهو ليس فقط قد وافق عامرا على موقفه ، وإنما زاد عليه : أنه أخبر قومه أن رسول الله «صلىاللهعليهوآله» دعاه لعبادة من يتمنى لو أنه عنده حتى يرميه بنبله حتى يقتله. وهذا غاية في الجرأة على مقام العزة الإلهية ، فاستحق أن يرميه الله تعالى بالصواعق ، وله في الآخرة عذاب أليم.
الفصل الثاني :
وفادات قبل سنة تسع