الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٧

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-199-8
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٤

أن يكون له معنى في هذا المورد ، إذ لا يمكن أن يكون النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من جهينة ، كما لا يمكن أن تكون جهينة منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس من جهينة ، لا حقيقية ولا مجازا ، فهو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس منها نسبا ، وذلك ظاهر. وليس منها بما يمثله من دين ورسالة ، لأنها ليس لها أثر يذكر في نشر الإسلام ، أو في الدفاع عنه ، بل قد تقدم : أن عكرمة يصرح بأنها كانت إحدى القبائل الأربع التي عناها الله تعالى بقوله : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ).

إبتذال .. وخيانة :

ومهما يكن من أمر ، فإن أحدا لا يجهل أن عبارة : «من أغضبها فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب الله» ، قد قالها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حق الزهراء «عليها‌السلام» ، وهذا ما أوجب ما يوجب الطعن على من أغضبها بأنه قد أغضب الله ورسوله ، بأنه لا يمكن أن يكون أهلا لأن يكون في مقام خلافة النبوة؟!

كما أن أحدا لا يجهل : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال في حق الحسين «عليه‌السلام» ، الذي يبعث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ويحييه ، بإحياء دينه ، وإسقاط أطروحة عدوه ، وفضحه باستشهاده «عليه‌السلام» ، حيث قال فيه : «حسين مني وأنا من حسين» ، فهو من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بكل المعاني ، والنبي بما له من صفة النبوة والرسولية من الحسين «عليه‌السلام».

٥ ـ قدوم وائل بن حجر :

عن وائل بن حجر قال : بلغنا ظهور رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

٢٢١

وأنا في بلد عظيم ، ورفاهة عظيمة فرفضت ذلك ، ورغبت إلى الله عزوجل ، وإلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». فلما قدمت عليه أخبرني أصحابه أنه بشّر بمقدمي عليهم قبل أن أقدم بثلاث ليال.

قال الطبراني : فلما قدمت على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سلمت عليه فرد علي ، وبسط لي رداءه ، وأجلسني عليه ، ثم صعد منبره وأقعدني معه ، ورفع يديه ، وحمد الله تعالى ، وأثنى عليه ، وصلى على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، واجتمع الناس إليه فقال لهم : «يا أيها الناس ، هذا وائل بن حجر قد أتاكم من أرض بعيدة ، من حضر موت ، طائعا غير مكره ، راغبا في الله وفي رسوله ، وفي دين بيته ، بقية أبناء الملوك».

فقلت : يا رسول الله ، ما هو إلا أن بلغنا ظهورك ، ونحن في ملك عظيم وطاعة ، وأتيتك راغبا في دين الله.

فقال : «صدقت» (١).

وعن وائل بن حجر قال : جئت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقال : «هذا وائل بن حجر جاء حبا لله ورسوله» ، وبسط يده ، وأجلسه ، وضمه إليه ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣١ عن البخاري في تاريخه ، والبزار ، والطبراني ، والبيهقي ، وفي هامشه عن : مجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٧٨ عن الطبراني في الصغير والكبير ، وقصص الأنبياء للراوندي ص ٢٩٤ ، وراجع : الإستيعاب (بهامش الإصابة) ، والخرائج والجرائح ج ١ ص ٦٠ ، والبحار ج ١٨ ص ١٠٨ وج ٢٢ ص ١١٢ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٧٤ ، وعون المعبود ج ٢ ص ٢٩٣ ، والتاريخ الكبير للبخاري ج ٨ ص ١٧٥ ، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص ٧٧ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٢ ص ٣٩١ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٣٣.

٢٢٢

وأصعده المنبر ، وخطب الناس فقال : «ارفقوا به ، فإنه حديث عهد بالملك».

فقلت : إن أهلي غلبوني على الذي لي.

فقال : «أنا أعطيكه وأعطيك ضعفه».

وقالوا : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصعده إليه على المنبر ، ودعا له ، ومسح رأسه وقال : «اللهم بارك في وائل وولد ولده» (١).

ونودي : الصلاة جامعة ، ليجتمع الناس سرورا بقدوم وائل بن حجر إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معاوية بن أبي سفيان أن ينزله منزلا بالحرة ، فمشى معه ، ووائل راكب ، فقال له معاوية : أردفني خلفك [وشكا إليه حر الرمضاء].

قال : لست من أرداف الملوك.

قال : فألق إلي نعليك.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣١ عن الطبراني ، وأبي نعيم ، وفي هامشه عن : البداية والنهاية ج ٥ ص ٧٩ ، والخرائج والجرائح ج ١ ص ٦٠ ، والبحار ج ١٨ ص ١٠٨ وج ٢٢ ص ١١٢ ، ومستدرك سفينة البحار ج ١ ص ٣٣٥ ، والإستيعاب ج ٤ ص ١٥٦٢ ، وشرح مسند أبي حنيفة للملا علي القاري ص ٤٩٢ ، والتاريخ الكبير للبخاري ج ٨ ص ١٧٥ ، وضعفاء العقيلي ج ٤ ص ٥٩ ، والثقات لابن حبان ج ٣ ص ٤٢٥ ، ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان ص ٧٧ ، وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٢ ص ٣٩١ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٨١ ، والأعلام للزركلي ج ٨ ص ١٠٦ ، والأنساب للسمعاني ج ٢ ص ٢٣٠ ، والوافي بالوفيات ج ٢٧ ص ٢٥٠ ، وتاريخ ابن خلدون ج ٧ ص ٣٨٠ ، وقصص الأنبياء للراوندي ص ٢٩٤ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٥٤ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٣٣.

٢٢٣

قال : لا ، إني لم أكن لألبسهما وقد لبستهما.

قال : إن الرمضاء قد أحرقت قدمي.

قال : امش في ظل ناقتي ، كفاك به شرفا.

(وقال معاوية : فأتيت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأنبأته بقوله ، فقال : إن فيه لعيبة من عيبة الجاهلية).

فلما أراد الشخوص إلى بلاده كتب له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتابا (١).

ونقول :

أوسمة لوائل بن حجر :

تضمنت النصوص المتقدمة : أوسمة عديدة لوائل بن حجر ، مع أننا لا نرى مبررا لشيء منها ، فإننا حين نراجع ما بلغنا عن حياة هذا الرجل لا

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٤٣١ و ٤٣٢ وأشار في مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٣٦١ إلى المصادر التالية : شرح النهج لابن أبي الحديد ج ١٩ ص ٣٥٢ والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج ٢ ص ٨٣٥ والمعجم الكبير ج ٢٢ ص ٤٧ والمعجم الصغير ج ٢ ص ١٤٤ والأموال لابن زنجويه ج ٢ ص ٦١٩ وأسد الغابة ج ٥ ص ٨١ والإصابة ج ٣ ص ٦٢٨ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ٣ ص ٦٤٢ والمحاسن للبيهقي ص ٢٦٨ والبحار ج ١٨ ص ١٠٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٧٩ و ٨٠ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ٧٩ و ٨٠ ورسالات نبوية ص ٢٨٦ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٣٧٣ ومعجم البلدان ج ٥ ص ٤٥٤ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٢٤٣ وما بعدها ، وربيع الأبرار ج ٣ ص ٤١٤.

٢٢٤

نجد فيها شيئا يستحق الذكر ، سوى أنه كان قبل أن يسلم من أقيال حضر موت ، ووفد إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد أن عزّ الإسلام ، ونصر الله نبيه على الشرك والكفر في المنطقة بأسرها. ثم إنه أسلم ، ولم يسهم في شيء في تأييد هذا الدين أو في نصره ونشره. كما أنه لم يكن معروفا بشيء يميزه ، لا في علمه ولا في تقواه ، ولا في أي شيء آخر ..

ونحن نعلم أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يوزع الأوسمة على الراغبين والخاملين بصورة مجانية ، بل هو يمنح الوسام لمستحقيه ، باعتباره جزءا من الواجب ، وثمنا لجهد ، وسياسة إلهية لا طراد المسيرة الإيمانية بصورة أكثر قوة ، وأشد ثباتا.

بل إن هذه الأوسمة لوائل إذا لم يكن وائل مستحقا لها ، تكون من موجبات التغرير بالناس ، في أمره ، ولم يكن وائل أهلا لشيء من ذلك كما سنرى ..

وائل بن حجر على منبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد ذكرت الروايات المتقدمة : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صعد منبره ، وأقعده معه ..

والسؤال هو : هل كان المنبر في مسجد الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يتسع لشخصين؟!

وهل كان وائل هذا من الخطباء ، ويريد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يعرّف الناس بخصوصيته هذه؟!

وإذا صح هذا ، فما هي الخطبة التي أوردها على الناس من على ذلك

٢٢٥

المنبر؟! وهل كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعرف الناس بخصوصيات زائريه بهذه الوسائل؟!

أم أنه أراد أن يجعل له الأمر من بعده ويقول للناس : إنه يجلس في مجلسه ، ويقوم على منبره؟!

أم أن الأرض ضاقت بالجالسين ، فلم يجد مكانا يجلس فيه مع ضيفه إلا المنبر؟!

إلى غير ذلك من الأسئلة التي لن تجد لها جوابا مقبولا ولا معقولا ، إلا إذا اعترف أهل الإنصاف بوضع هذه المفتريات ، لألف سبب وسبب ..

ما الحاجة للبشارة بمقدم وائل :

وقد زعم وائل نفسه ـ وهو يجر النار إلى قرصه ـ : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بشّر الناس قبل ثلاثة أيام بمقدمه ..

ولسنا ندري ما هي الفائدة والعائدة من هذه البشارة!! فهل كان وائل سوف يزيل الغمة بمقدمه عن هذه الأمة؟! أو أنه سوف يغني عنهم في شيء من المهمات التي كانت تنتظرهم؟! أو أنه سيكون له دور حاسم في نشر العلم والتقوى بينهم ، أو في أي منطقة أخرى تحتاج إلى شيء من ذلك؟!

إننا لا نجد شيئا من ذلك يبرر هذه البشارة المزعومة بمقدم وائل هذا ..

ثم إن وائلا هو الذي استفاد من الإسلام حين دخل فيه ، حيث قال : يا رسول الله ، اكتب لي بأرضي التي كانت لي في الجاهلية ، وشهد له أقيال حمير ، وأقيال حضر موت ، فكتب له.

٢٢٦

قالوا : وكان الأشعث وغيره من كندة : نازعوا وائل بن حجر في واد بحضرموت ، فادّعوه عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فكتب به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لوائل (١).

لماذا يكذب وائل؟! :

وإذا كانت وفادة وائل على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد جاءت متأخرة أكثر من عشرين سنة على بعثة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وقد شاعت أخبار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وذاعت ، ولا سيما بعد أن هاجر إلى المدينة ، وبدأت الحروب ضده من قبل المشركين واليهود ، بل هو قد واجه ملك الروم في مؤتة ، وانتشرت سراياه وبعوثه ، ودعاته في مختلف البلاد ، فما معنى أن يزعم وائل : أنه بمجرد أن بلغه ظهور النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ترك ملكه العظيم وطاعة قومه ، وجاءه راغبا في الإسلام ..

على أن وائلا لم يكن ملكا كما زعم ، بل كان من بقية أبناء الملوك كما صرحت به نفس الرواية التي ذكرت الفقرة السابقة .. وهذا تناقض آخر في هذه الرواية المزعومة.

ونص آخر يقول : إنه حديث عهد بالملك ، وهذا معناه أنه كان ملكا ، وقد فقده لتوه ، فهو حديث عهد به.

ثم إنه يقول : إن أهله غلبوه على الذي له ، فكيف نوفق بين هذا كله ، وبين قوله : إنه لما سمع بظهور النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ترك ملكه وقدم

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٣ ص ٣٦٠ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٨٧.

٢٢٧

على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» راغبا في دين الله؟!

في وائل عيبة من الجاهلية :

وعلى كل حال ، فإن وائلا قد أظهر في نفس مقدمه ذاك أنه لا يستحق أي وسام ، وليس جديرا بأي ثناء كما دل عليه سلوكه غير الإنساني مع معاوية ، حيث لم يرض بإردافه ولا بإعطائه نعله ليتقي بها الرمضاء .. وإنما سمح له بأن يمشي في ظل ناقته وحسب ، فلما بلغ النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك قال : «إن فيه لعيبة من عيبة الجاهلية».

ومعاوية وإن كان هو الأسوأ أثرا في الإسلام ، ولكن ذلك لا يبرر هذا التصرف من وائل تجاهه ، وهو ينم عن خلال مقيتة وسيئة فيه .. حيث دل على مدى ما يحمله في داخل نفسه من غطرسة وكبر ، ومن قسوة ، وحب للدنيا ..

وائل بن حجر عدو علي عليه‌السلام :

ولكن مهما صدر عن وائل من سيئات مع معاوية وغيره ، فإنه يبقى محبوبا ومنصورا ، وذنبه مغفورا ، وفي جميع أحواله مصيبا ومأجورا. لأنه ـ كما يقولون ـ كان عند علي «عليه‌السلام» بالكوفة ، وكان يرى رأي عثمان ، فقال لعلي «عليه‌السلام» : إن رأيت أن تأذن لي بالخروج إلى بلادي ، وأصلح مالي هناك ، ثم لا ألبث إلا قليلا إن شاء الله حتى أرجع إليك ، فأذن له علي «عليه‌السلام».

فخرج إلى بلاد قومه ، وكان قبلا من أقيالهم ، عظيم الشأن فيهم ، وكان يرى رأي عثمان ، فدخل بسر صنعاء ، فطلبه وائل وكتب إليه ، فأقبل بسر إلى

٢٢٨

حضرموت بمن معه ، فاستقبله وائل وأعطاه عشرة آلاف ، وأشار عليه بقتل عبد الله بن ثوابة (١).

ثم كان هو الذي حمل حجر بن عدي إلى معاوية بأمر زياد بن أبيه ، فكان شريكا أيضا في دم هذا العبد الصالح ، وبقية الستة الذين استشهدوا معه على يد معاوية بالذات (٢).

٦ ـ وفود أبي صفرة :

عن محمد بن غالب بن عبد الرحمن بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة قال : حدثني أبي عن آبائه : أن أبا صفرة قدم على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على أن يبايعه ، وعليه حلة صفراء ، وله طول ومنظر وجمال ، وفصاحة لسان ، [فلما رآه أعجبه ما رأى من جماله] فقال له : «من أنت»؟

قال : أنا قاطع بن سارق بن ظالم بن عمر بن شهاب بن مرة بن الهقام بن

__________________

(١) الغارات للثقفي ج ٢ ص ٦٢٩ ـ ٦٣١ وراجع : البحار (ط كمباني) ج ٨ ص ٦٧١ و (ط سنة ١٤١٣ ه‍) ج ٣٤ ص ١٦ وسفينة البحار ج ٨ ص ٤٠٣ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ٢٢٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٩٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج ٧ ص ٤٩ ، ومكاتيب الرسول ج ٣ ص ٣٦٢.

(٢) أسد الغابة ج ١ ص ٣٨٦ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٣٥٦ والكامل في التاريخ ج ٣ ص ٤٧٢ وتاريخ الأمم والملوك ج ٤ ص ٢٠٠ ـ ٢٠٤ والغدير ج ١١ ص ٤٧ ـ ٥٠ ومواقف الشيعة ج ٢ ص ٤٥٨ وتاريخ الكوفة للسيد البراقي ص ٣١٩ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ٢٣٢.

٢٢٩

الجلند بن المستكبر ، الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا ، أنا ملك ابن ملك.

فقال له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أنت أبو صفرة ، دع عنك سارقا وظالما».

فقال : أشهد ألا إله إلا الله ، وأشهد أنك عبده ورسوله حقا حقا يا رسول الله ، وإن لي ثمانية عشر ذكرا وقد رزقت بأخرة بنتا سميتها صفرة.

فقال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «فأنت أبو صفرة» (١).

ونقول :

نسب الأطهار :

نحب لفت النظر إلى سلسلة الأسماء قاطع ، بن سارق ، بن ظالم .. وابن مرة ، وابن المستكبر الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا ..

فإنها سلسلة لا يصح التباهي بها ، وليست هذه الأسماء من أسماء الملوك ، بل إن السوقة من الناس ، والسراق أنفسهم لا يرضون بأن يناديهم أحد باسم سارق ويرونه عيبا وعارا ، فكيف يتباهى به هؤلاء؟! ثم يعتبرون أنفسهم ملوكا ..

وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عقلية وذهنية ، وأجواء وطموحات وقيم أولئك الناس الذين تعامل معهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وسرعان ما جعل منهم أمة رائدة في كل المجالات العلمية والأخلاقية ، والحضارية ، بهرت الأمم بقيمها ، وبسموّ أهدافها ، وبنهجها

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٥٢ عن ابن مندة ، وابن عساكر ، والديلمي ، وفي هامشه عن كنز العمال (٣٧٥٧٣) ، والإصابة ج ٧ ص ١٨٥.

٢٣٠

الإلهي العظيم ..

وأين هذا من نسب أهل بيت الطهارة ، والعصمة ، الذين كان كل منهم طهرا طاهرا مطهرا ، من طهر طاهر مطهر ..

المستكبر لم يكن في زمان موسى عليه‌السلام :

إنه لا شك في أن هذا النسب الذي ذكره وافتخر به لا يمكن أن يصل إلى زمن موسى «عليه‌السلام» ، الذي كان يعيش في زمن ذلك الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا ، كما أشارت إليه آيات القرآن الكريم وهي تعرض ما جرى بين موسى والعبد الصالح «عليهما‌السلام» ..

وبذلك يتضح : أن أبا صفرة يقصد شخصا آخر كان يأخذ كل سفينة غصبا ، ولا بد أنه كان يعيش قبل ظهور نبينا «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بحوالي قرنين من الزمن.

لماذا كناه بابنته :

وقد صرح هذا الرجل : بأن له ثمانية عشر ولدا ذكرا ، وأنه قد رزق آخر الأمر ببنت أسماها صفرة ، وإذ بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يكنيه بأبي صفرة!!

فلماذا اختار «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يكنيه باسم ابنته ، وترك تكنيته باسم أي واحد من أولاده الذكور؟!

قد يكون سبب ذلك : أن العرب كانوا يحتقرون البنت ويمقتونها ، ويظلمونها إلى حد أن الرجل منهم كان يدفن ابنته وهي حية حتى لا تشاركه في طعامه ، أو خوفا من أن يلحقه عار بسببها .. وقد تحدث الله تبارك وتعالى

٢٣١

عن نظرتهم لها ، وعن جرائمهم هذه في أكثر من آية ، ومنها قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) (١).

وقال سبحانه : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) (٢).

وقال عزوجل : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (٣).

وقال جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) (٤).

وقال سبحانه : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً) (٥).

وقال عز من قائل : (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ) (٦).

وقال تعالى : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً

__________________

(١) الآيتان ٨ و ٩ من سورة التكوير.

(٢) الآيتان ٥٧ و ٥٨ من سورة النحل.

(٣) الآيتان ٢١ و ٢٢ من سورة النجم.

(٤) الآية ٢٧ من سورة النجم.

(٥) الآية ٤٠ من سورة الإسراء.

(٦) الآية ١٤٩ من سورة الصافات.

٢٣٢

أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) (١).

فإذا كانت هذه هي نظرة العرب ، ومنهم هذا الرجل إلى المرأة ، وإذا كان قد ولد لهذا الرجل ثمانية عشر ولدا ذكرا ، فمن الطبيعي أن يعيش حالة لا تطاق من الزهو والكبر ، والعنجهية والغرور ..

وقد دل على ذلك اعتزازه حتى بما يعد رذيلة ، لو لم يكن قد وافق الإسم المسمى «سارق ـ ظالم ـ قاطع ـ مستكبر ـ يأخذ كل سفينة غصبا ..».

علما بأن للأسماء إيحاءاتها ، وآثارها على النفوس حين يصل الأمر إلى حد الأنس بالإسم ، وتتفاعل معه بصورة إيجابية ..

فكان لابد من ترويض هذه النفوس ، ومواجهتها بالقيم الإلهية ، المنسجمة مع الفطرة ، وأحكام العقل ، وإفهامهم : أن للأنثى قيمتها عند الله تبارك وتعالى ، وأنها تكون أولى بالتقدير ، والإحترام من عشرات الرجال إذا كانت تسير في خط الإستقامة دونهم ، وأن التقوى هي معيار الكرامة عند الله ، (.. إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ..) (٢).

ولأجل ذلك نلاحظ : أن أبا صفرة لم يعترض ، ولم يناقش ، ولم يستفهم عن طبيعة أو قيمة هذه المعادلة الجديدة التي واجهه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بآثارها ومقتضياتها بصورة عملية ..

__________________

(١) الآيات ١٦ ـ ١٩ من سورة الزخرف.

(٢) الآية ١٣ من سورة الحجرات.

٢٣٣
٢٣٤

الباب الثامن

وفود لها تاريخ

الفصل الأول : وفود قبل فتح مكة

الفصل الثاني : وفادات قبل سنة تسع

الفصل الثالث : وفادة الملوك سنة تسع ووفد همدان

الفصل الرابع : وفود سنة تسع

الفصل الخامس : وفود سنة تسع قبل شهر رمضان .. ووفد ثقيف

الفصل السادس : وفود السنة العاشرة والحادية عشرة

الفصل السابع : خمسة وفود بلا تاريخ

الفصل الثامن : وفود بلا تاريخ ، قليلة التفاصيل

الفصل التاسع : وفد نجران .. أحداث وتفاصيل

الفصل العاشر : وقفات .. مع حديث النجرانيين

الفصل الحادي عشر : الكيد السفياني في حديث المباهلة

٢٣٥
٢٣٦

الفصل الأول :

وفود قبل فتح مكة

٢٣٧
٢٣٨

وفود جذام :

قالوا : وفد رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم أحد بني الضبيب على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الهدنة قبل خيبر ، وأهدى له عبدا وأسلم. فكتب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتابا :

«هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد ، إني بعثته إلى قومه عامة ، ومن دخل فيهم ، يدعوهم إلى رسوله ، فمن آمن ـ وفي لفظ : فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ، ومن أدبر. وفي لفظ : من أبى ، فله ـ أمان شهرين» (١). فلما قدم على قومه أجابوه وأسلموا.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٠٧ وراجع : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٦٩ عن المصادر التالية : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٥٩ والسيرة النبوية لزيني دحلان (بهامش الحلبية) ج ٢ ص ١٧٦ وج ٣ ص ٣١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٦٧ وفي (ط أخرى) ص ٢٤٣ وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٣٩٥ وفي (ط أخرى) ج ٣ ص ١٤٠ وأسد الغابة ج ٤ ص ٣٩٠ في ترجمة معبد بن أكثم وج ٢ ص ٢٨١ في رفاعة بن زيد وص ١٩٠ في رومان بن بعجة الجذامي ، وإعلام السائلين ص ٣٩ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٤٥ وصبح الأعشى ج ٦ ص ٣٨٢ وج ١٣ ص ٣٢٣ ورسالات نبوية ص ١٥٠ والإصابة ج ٣ ـ

٢٣٩

زاد الطبراني قوله : ثم سار حتى نزل حرة الرجلاء. ثم لم يلبث أن قدم دحية الكلبي من عند قيصر حين بعثه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى إذا كان بواد من أوديتهم يقال له : شنار ، ومعه تجارة له أغار عليهم الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضلعيان. ثم ذكر ما جرى لدحية ، وما تبع ذلك من إرسال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سرية زيد بن حارثة .. (١).

__________________

ص ٤٤١ في معبد بن فلان الجذامي وج ١ ص ٥٢١ و ٥٢٢ في رومان ، ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣٠٩ وقال : رواه الطبراني متصلا هكذا ومنقطعا مختصرا عن ابن إسحاق ، وحياة الصحابة ج ١ ص ١٢٤ عن الطبراني ، والمغازي لابن إسحاق ، والمغازي للواقدي ج ٢ ص ٥٥٧ والمعجم الكبير للطبراني ج ٥ ص ٤٦ ونشأة الدولة الإسلامية ص ٣٣٥ ومجموعة الوثائق السياسية ص ٢٨٠ / ١٧٥ عن جمع ممن تقدم وعن منشئات السلاطين لفريدون بك ج ١ ص ٣٥ ، ووسيلة المتعبدين ج ٨ ورقة ٣١ ـ ب وقال : انظر اشپرنكر ج ٣ ص ٢٧٩. وراجع : المصباح المضيء ج ٢٦٩١ وج ٢ ص ٣٢٢ وأشار إليه في الكامل ج ٢ ص ٢٠٧ والعبر وديوان المبتدأ لابن خلدون ج ٢ ص ٨٣٧ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٥٠٥ والبحار ج ٢٠ ص ٣٧٤ و ٣٧٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢١٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ق ٢ ص ٦٧ و ٨٣ وج ٧ ق ٢ ص ١٤٨ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ٩ والمنتظم ج ٣ ص ٢٥٨.

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٠٧ عن ابن سعد والطبراني ، وقال في هامشه :

أخرجه ابن سعد في الطبقات ج ٢ ص ١١٧ ، وذكره الهيثمي في المجمع ج ٥ ص ٣١٢ وعزاه للطبراني.

وراجع : السيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٨٥ و ٢٦٠ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٤٧٢ عن المصادر التالية : تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ١٤٠ وما بعدها ، ـ

٢٤٠