دروس في علم الأصول - ج ١

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

منها : كيف يجري استصحاب عدم التكليف مع أنّ عدم التكليف ليس حكماً ولا موضوعاً لحكم؟

ومنها : أنّه كيف يجري استصحاب شرط الواجب وقيده كالطهارة ، كما هو مورد الرواية؟ فإنّ قيد الواجب ليس حكماً ولا موضوعاً يترتّب عليه الحكم ، فإنّ الحكم إنّما يترتّب على قيد الوجوب لا على قيد الواجب ، ومن هنا وُضعت الصيغة الاخرى كما يلي :

الثانية : أنّ الاستصحاب يتوقّف جريانه على أن يكون لإثبات الحالة السابقة في مرحلة البقاء أثر عمليّ ، أي صلاحية للتنجيز والتعذير ، وهذا حاصل في موارد استصحاب عدم التكليف ، فإنّ إثبات عدم التكليف بقاءً معذّر ، وكذلك في موارد استصحاب قيد الواجب ، فإنّ إثباته بقاءً معذّر في مقام الامتثال.

وهذه الصيغة هي الصحيحة ؛ لأنّ برهان هذا الركن لا يثبت أكثر ممّا تقرّره هذه الصيغة ، كما سنرى ، وبرهان توقّف الاستصحاب على هذا الركن أمران :

أحدهما : أنّ إثبات الحالة السابقة في مرحلة البقاء تعبّداً إذا لم يكن مؤثّراً في التنجيز والتعذير يعتبر لغواً.

والآخر : أنّ دليل الاستصحاب ينهى عن نقض اليقين بالشكّ ، ولا يراد بذلك النهي عن النقض الحقيقيّ ؛ لأنّ اليقين ينتقض بالشكّ حقيقةً ، وإنّما يراد : النهي عن النقض العملي ، ومرجع ذلك إلى الأمر بالجري على طبق ما يقتضيه اليقين من إقدامٍ أو إحجامٍ وتنجيزٍ وتعذير ، ومن الواضح أنّ المستصحَب إذا لم يكن له أثر عمليّ وصلاحيّة للتنجيز والتعذير فلا يقتضي اليقين به جرياً عملياً محدّداً ليؤمر المكلّف بابقاء هذا الجري وينهى عن النقض العملي.

وهذا الركن يتواجد فيما إذا كان المستصحَب حكماً قابلاً للتنجيز والتعذير ، أو عدم حكمٍ قابلٍ لذلك ، أو موضوعاً لحكمٍ كذلك ، أو متعلّقاً لحكمٍ [كذلك].

٤٢١

والظرف الذي يعتبر فيه تواجد هذا الركن هو ظرف البقاء لا ظرف الحدوث ، فإذا كان للحالة السابقة أثر عمليّ وصلاحيّة للتنجيز والتعذير في مرحلة البقاء جرى الاستصحاب فيها ، ولو لم يكن لحدوثها أثر ، فمثلاً : إذا لم يكن لكفر الابن في حياة أبيه أثر عمليّ ، ولكن كان لبقائه كافراً إلى حين موت الأب أثر عمليّ ـ وهو نفي الإرث عنه ـ وشككنا في بقائه كافراً كذلك جرى استصحاب كفره.

٤٢٢

٣ ـ مقدار ما يثبت بالاستصحاب

دليل الاستصحاب كما عرفنا مفاده النهي عن النقض العمليّ لليقين عند الشكّ.

وهذا النهي لا يراد به تحريم النقض العمليّ ، بل يراد به بيان أنّ الشارع حكم ببقاء المتيقّن عند الشكّ في بقائه ، والنهي إرشاد إلى هذا الحكم ، فكأ نّه قال : «لا ينقض اليقين بالشكّ ؛ لأنّي أحكم بأنّ المتيقّن باقٍ» ، والحكم ببقاء المتيقّن هنا لايعني بقاءه حقيقةً ، وإلاّ لزال الشكّ ؛ مع أنّ الاستصحاب حكم الشكّ ، بل يعني بقاءه من الناحية العمليّة ، أي تنزيله منزلة الباقي عمليّاً ، ومرجع ذلك إلى القول بأنّ الشيء الذي كنت على يقينٍ منه فشككت في بقائه نُزّل منزلة الباقي.

فإذا كان المستصحَب حكماً فتنزيله منزلة الباقي معناه التعبّد ببقائه ، وإذا كان موضوعاً لحكمٍ فتنزيله منزلة الباقي معناه التعبّد بحكمه وأثره ، وإذا كان للمستصحَب حكم شرعيّ وكان هذا الحكم بنفسه موضوعاً لحكمٍ شرعيٍّ آخر فتنزيله منزلة الباقي معناه التعبّد بحكمه ، والتعبّد بحكمه هو بدوره يعني التعبّد بما لهذا الحكم من حكمٍ أيضاً ، وهكذا.

وقد لا يكون المستصحب حكماً ولا موضوعاً لحكم ، ولكنّه سبب تكوينيّ أو ملازم خارجيّ لشيءٍ آخر وذلك الشيء هو موضوع الحكم ، كما لو فرضنا أنّ حياة زيدٍ التي كنّا على يقينٍ منها ثمّ شككنا في بقائها سبب ـ على تقدير بقائها إلى زمان الشكّ ـ لنبات لحيته ، وكان نبات اللحية موضوعاً لحكمٍ شرعيّ ، ففي مثل ذلك هل يجري استصحاب حياة زيدٍ لإثبات ذلك الحكم الشرعيّ تعبّداً ، أوْ لا؟

والمشهور بين المحقّقين عدم اقتضاء دليل الاستصحاب لذلك ، وهذا هو

٤٢٣

الصحيح ؛ لأنّه إن اريد إثبات ذلك الحكم الشرعيّ باستصحاب حياة زيدٍ مباشرةً بلا تعبّدٍ بنبات اللحية فهو غير ممكن ؛ لأنّ ذلك الحكم موضوعه نبات اللحية ، لا حياة زيد ، فما لم يثبت بالتنزيل والتعبّد نبات اللحية لا يترتّب الحكم.

وإن اريد إثبات نبات اللحية أوّلاً باستصحاب الحياة ، وبالتالي إثبات ذلك الحكم الشرعيّ فهو خلاف ظاهر دليل الاستصحاب ؛ لأنّ مفاده ـ كما عرفنا ـ تنزيل مشكوك البقاء منزلة الباقي ، والتنزيل دائماً ينصرف عرفاً إلى توسعة دائرة الآثار المجعولة من قبل المنزّل لا غيرها ، ونبات اللحية أثر للحياة ؛ ولكنّه أثر تكوينيّ وليس بجعلٍ من الشارع بما هو شارع ، فهو كما لو قال الشارع : نزّلت الفقاع منزلة الخمر ، فكما يترتّب على ذلك توسعة دائرة الحرمة لا توسعة الآثار التكوينيّة للخمر بالتنزيل ، كذلك يترتّب على استصحاب الحياة توسعة الأحكام الشرعيّة للحياة عمليّاً ، لا توسعة آثارها التكوينيّة التي منها نبات اللحية.

ومن هنا صحّ القول بأنّ الاستصحاب يترتّب عليه الأحكام الشرعيّة للمستصحب ، دون الآثار العقليّة التكوينيّة وأحكامها الشرعيّة.

ويسمّى الاستصحاب الذي يراد به إثبات حكمٍ شرعيٍّ مترتِّبٍ على أثرٍ تكوينيّ للمستصحَب بالأصل المثبت ، ويقال عادةً بعدم جريان الأصل المثبت ، ويراد به : أنّ مثل استصحاب الحياة لا يثبت الحكم الشرعيّ لنبات اللحية ، ويسمّى نبات اللحية بالواسطة العقليّة.

٤٢٤

٤ ـ عموم جريان الاستصحاب

بعد أن تمّت دلالة النصوص على جريان الاستصحاب نتمسّك بإطلاقها لإثبات جريانه في كلّ الحالات التي تتمّ فيها أركانه ، وهذا معنى عموم جريانه ، ولكن هناك أقوال تتّجه إلى التفصيل في جريانه بين بعض الموارد وبعض ، بدعوى قصور إطلاق الدليل عن الشمول لجميع الموارد.

ونقتصر على ذكر أهمّها وهو : ما ذهب إليه الشيخ الأنصاريّ والمحقّق النائيني ـ رحمهما الله ـ (١) من جريان الاستصحاب في موارد الشكّ في الرافع وعدم جريانه في موارد الشكّ في المقتضي.

وتوضيح مدّعاهما : أنّ المتيقّن الذي يشكّ في بقائه : تارةً يكون شيئاً قابلاً للبقاء والاستمرار بطبعه ، وإنّما يرتفع برافع ، والشكّ في بقائه ينشأ من احتمال طروّ الرافع ، ففي مثل ذلك يجري استصحابه ، ومثاله : الطهارة التي تستمرّ بطبعها متى ما حدثت ما لم ينقضها حدث.

واخرى يكون المتيقّن الذي يشكّ في بقائه محدود القابليّة للبقاء في نفسه ، كالشمعة التي تنتهي لا محالة بمرور زمنٍ حتّى لو لم يهبّ عليها الريح ، فإذا شكّ في بقاء نورها لاحتمال انتهاء قابليّته لم يجرِ الاستصحاب ، ويسمّى ذلك بمورد الشكّ في المقتضي.

وبالنظرة الاولى يبدو أنّ هذا التفصيل على خلاف إطلاق دليل الاستصحاب ؛ لشمول إطلاقه لموارد الشكّ في المقتضي ، فلابدّ للقائلين بعدم

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٥١ ، وأجود التقريرات ٢ : ٣٧٨

٤٢٥

الشمول من إبراز نكتةٍ في الدليل تمنع عن إطلاقه ، وهذه النكتة قد ادُّعي أنّها كلمة «النقض» ، وتقريب استفادة الاختصاص منها بوجهين :

الوجه الأوّل : أنّ النقض حلّ لما هو محكم ومبرَم ، وقد جعل الاستصحاب بلسان النهي عن النقض ، فلابدّ أن تكون الحالة السابقة التي يُنهى عن نقضها محكمةً ومبرمةً ومستمرّةً بطبيعتها لكي يصدق النقض على رفع اليد عنها ، وأمّا إذا كانت مشكوكة القابليّة للبقاء فهي على فرض انتهاء قابليّتها لا يصحّ إسناد النقض إليها ؛ لانحلالها بحسب طبعها. فأنت لا تقول عن الخيوط المتفكّكة : إنّي نقضتُها إذا فَصَلتَ بعضها عن بعض ، وإنّما تقول عن الحبل المحكم ذلك إذا حللته ، فيختصّ الدليل إذن بموارد إحراز قابليّة المستصحَب للبقاء والاستمرار.

ويرد على هذا الوجه : أنّ النقض لم يسند إلى المتيقّن والمستصحب لنفتّش عن جهة إحكامٍ فيه حتّى نجدها في افتراض قابليّته للبقاء ، بل اسند إلى نفس اليقين في الرواية ، واليقين بنفسه حالة مستحكمة وفيها رسوخ مصحّح لإسناد النقض إليها بقطع النظر عن حالة المستصحَب ومدى قابليّته للبقاء.

الوجه الثاني : أنّ دليل الاستصحاب يفترض كون العمل بالشكّ نقضاً لليقين بالشكّ ، وهذا لا يصدق حقيقةً إلاّإذا كان الشكّ متعلّقاً بعين ما تعلّق به اليقين حقيقةً أو عنايةً. ومثال الأوّل : الشكّ في قاعدة اليقين مع يقينها. ومثال الثاني :

الشكّ في بقاء الطهارة مع اليقين بحدوثها ، فإنّ الشكّ هنا وإن كان متعلّقاً بغير ما تعلّق به اليقين حقيقةً ـ لأنّه متعلّق بالبقاء ، واليقين متعلّق بالحدوث ـ ولكن حيث إنّ المتيقّن له قابليّة البقاء والاستمرار فكأنّ اليقين بالعناية قد تعلّق به بما هو باقٍ ومستمرّ ، فيكون الشكّ متعلّقاً بعين ما تعلّق به اليقين ، وبهذا يصدق النقض على العمل بالشكّ ، وأمّا في موارد الشكّ في المقتضي فاليقين غير متعلّق بالبقاء ، لا حقيقةً ولا عنايةً. أمّا الأوّل فواضح ، وأمّا الثاني فلأنّ المتيقّن لم تحرز قابليّته

٤٢٦

للبقاء ، وعليه فلا يكون العمل بالشكّ نقضاً لليقين ليشمله النهي المجعول في دليل الاستصحاب.

والجواب على ذلك : بأنّ صدق النقض وإن كان يتوقّف على وحدة متعلّق اليقين والشكّ ولكن يكفي في هذه الوحدة تجريد اليقين والشكّ من خصوصيّة الزمان الحدوثيّ والبقائيّ وإضافتهما إلى ذاتٍ واحدة ، كما تقدّم توضيحه فيما مضى ، وهذه العناية التجريديّة تُطبّق على موارد الشكّ في المقتضي أيضاً. وعليه فالاستصحاب يجري في موارد الشكّ في المقتضي أيضاً.

٤٢٧

٥ ـ تطبيقات

١ ـ استصحاب الحكم المعلّق :

في موارد الشبهة الحكميّة : تارةً يشكّ في بقاءالجعل لاحتمال نسخه فيجري استصحاب بقاء الجعل.

واخرى يشكّ في بقاء المجعول بعد افتراض تحقّقه وفعليّته ، كما إذا حرم العصير العنبيّ بالغليان وشكّ في بقاء الحرمة بعد ذهاب الثلثين بغير النار فيجري استصحاب المجعول.

وثالثةً يكون الشكّ في حالةٍ وسطى بين الجعل والمجعول ، وتوضيح ذلك في المثال الآتي : إذا جعل الشارع حرمة العنب إذا غلى ، ونفترض عنباً ولكنّه بعدُ لم يغلِ فهنا المجعول ليس فعليّاً ، بل فعليّته فرع تحقّق الغليان ، فلا علم لنا بفعليّة المجعول الآن ، ولكنّا نعلم بقضيّةٍ شرطيّة ، وهي : أنّ هذا العنب لو غلى لحرم ، فإذا تيبّس العنب بعد ذلك وأصبح زبيباً نشكّ في أنّ تلك القضيّة الشرطيّة هل لا تزال باقيةً ـ بمعنى أنّ هذا الزبيب إذا غلى يحرم كالعنب ـ أوْ لا؟ فالشك هنا ليس في بقاء الجعل ونسخه ، إذ لا نحتمل النسخ ، وليس في بقاء المجعول بعد العلم بفعليّته ، إذ لم يوجد علم بفعليّة المجعول بعد ، وإنّما الشكّ في بقاء تلك القضيّة الشرطيّة.

فقد يقال : إنّه يجري استصحاب تلك القضيّة الشرطيّة ؛ لأنّها متيقّنة حدوثاً ومشكوكة بقاءً ، ويسمّى باستصحاب الحكم المعلّق ، أو بالاستصحاب التعليقي.

٤٢٨

ولكن ذهب المحقّق النائينيّ رحمه‌الله (١) إلى عدم جريان الاستصحاب ، إذ ليس في الحكم الشرعيّ إلاّالجعل والمجعول ، والجعل لا شكّ في بقائه فالركن الثانيّ مختلّ ، والمجعول لا يقين بحدوثه فالركن الأوّل مختلّ. وأمّا القضيّة الشرطيّة فليس لها وجود في عالم التشريع بما هي قضيّة شرطيّة وراء الجعل والمجعول ليجري استصحابها.

٢ ـ استصحاب التدريجيّات :

الأشياء : إمّا قارّة توجد وتبقى ، وإمّا تدريجيّة كالحركة توجد وتفنى باستمرار.

فبالنسبة إلى القسم الأوّل لا إشكال في جريان الاستصحاب.

وأمّا بالنسبة إلى القسم الثاني فقد يقال بعدم اجتماع الركن الأوّل والثاني معاً ؛ لأنّ الأمر التدريجيّ سلسلة حدوثات ، فإذا علم بأنّ شخصاً يمشي وشكّ في بقاء مشيه لم يكن بالإمكان استصحاب المشي لترتيب ماله من الأثر ؛ لأنّ الحصّة الاولى منه معلومة الحدوث ولكنّها لا شكّ في تصرّمها ، والحصّة الثانيّة مشكوكة ولا يقين بها ، فلم تتمّ أركان الاستصحاب في شيء.

ومن هنا يستشكل في إجراء الاستصحاب في الزمان ، كاستصحاب النهار ونحو ذلك ؛ لأنّه من الامور التدريجيّة.

والجواب على هذا الإشكال : أنّ الأمر التدريجيّ على الرغم من تدرّجه في الوجود وتصرّمه قطعةً بعد قطعةٍ له وحدة ويعتبر شيئاً واحداً مستمرّاً على نحوٍ يصدق على القطعة الثانية عنوان البقاء ، فتتمّ أركان الاستصحاب حينما

__________________

(١) أجود التقريرات ٢ : ٤١٢ ـ ٤١٣

٤٢٩

نلحظ الأمر التدريجيّ بوصفه شيئاً واحداً مستمرّاً ، فنجد أنّه متيقّن بدايةً ومشكوك نهايةً فيجري استصحابه ، وهذه الوحدة مناطها في الأمر التدريجيّ اتّصال قطعاته بعضها ببعضٍ اتّصالاً حقيقيّاً ، كما في حركة الماء من أعلى إلى أسفل ، أو اتّصالاً عرفياً ، كما في حركة المشي عند الإنسان فإنّ المشي يتخلّله السكون والوقوف ولكنّه يُعتبر عرفاً متواصلاً.

٣ ـ استصحاب الكلّي :

إذا وجد زيد في المسجد ـ مثلاً ـ فقد وجد الإنسان فيه ضمناً ؛ لأنّ الطبيعيّ موجود في ضمن فرده ، فهناك وجود واحد يضاف إلى الفرد وإلى الطبيعيّ الكلّيّ ، ومن حيث تعلّق اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء به : تارةً يتواجد كلا هذين الركنين في الفرد والطبيعيّ معاً ، واخرى يتواجدان في الطبيعيّ فقط ، وثالثةً لا يتواجدان لا في الفرد ولا في الطبيعيّ ، فهناك ثلاث حالات :

الحالة الاولى : أن يعلم بدخول زيدٍ إلى المسجد ويشكّ في خروجه ، فهنا الوجود الحادث في المسجد بما هو وجود لزيدٍ وبما هووجود لطبيعيّ الإنسان متيقّن الحدوث ومشكوك البقاء ، فإن كان الأثر الشرعيّ مترتّباً على وجود زيدٍ بأن قيل : «سبّح ما دام زيد موجوداً في المسجد» جرى استصحاب الفرد ، وإن كان الأثر مترتّباً على وجود الكلّيّ بأن قيل : «سبّح ما دام إنسان في المسجد» جرى استصحاب الكلّيّ ، ويسمّى هذا بالقسم الأوّل من استصحاب الكلّيّ.

الحالة الثانية : أن يعلم بدخول أحد شخصين إلى المسجد قبل ساعةٍ : إمّا زيد ، وإمّا خالد ، غير أنّ زيداً فعلاً نراه خارج المسجد ، فإذا كان هو الداخل فقد خرج ، وأمّا خالد فلعلّه إذا كان هو الداخل لا يزال باقياً ، فهنا إذا لوحظ كلّ من الفردين فأركان الاستصحاب فيه غير متواجدة ؛ لأنّ زيداً لا شكّ في عدم وجوده

٤٣٠

فعلاً ، وخالد لا يقين بوجوده سابقاً ليستصحَب. ولكن إذا لوحظ طبيعيّ الإنسان أمكن القول بأنّ وجوده متيقّن حدوثاً ومشكوك بقاءً ، فيجري استصحابه إذا كان له أثر ، ويسمّى هذا بالقسم الثاني من استصحاب الكلّيّ.

الحالة الثالثة : أن يعلم بدخول زيدٍ وبخروجه أيضاً ، ولكن يُشكّ في أنّ خالداً قد دخل في نفس اللحظة التي خرج فيها زيد أو قبل ذلك على نحوٍ لم يخلُ المسجد من إنسان ، فهنا لا مجال لاستصحاب الفرد ، كما تقدّم في الحالة السابقة.

وقد يقال بجريان استصحاب الكلّيّ ؛ لأنّ جامع الإنسان متيقّن حدوثاً مشكوك بقاءً ، ويسمّى هذا بالقسم الثالث من استصحاب الكلّيّ.

والصحيح عدم جريانه ؛ لاختلال الركن الثالث ، فإنّ وجود الجامع المعلوم حدوثاً مغاير لوجوده المشكوك والمحتمل بقاءً ، فلم يتّحد متعلّق اليقين ومتعلّق الشكّ.

وبكلمةٍ اخرى : أنّ الجامع لو كان موجوداً فعلاً فهو موجود بوجودٍ آخر غير ما كان حدوثاً ، خلافاً للحالةالثانية فإنّ الجامع لو كان موجوداً فيها بقاءً فهو موجود بعين الوجود الذي حدث ضمنه.

٤ ـ الاستصحاب في حالات الشكّ في التقدّم والتأخّر :

تارةً يُشكّ في أنّ الواقعة الفلانيّة حدثت ، أوْ لا؟ فيجري استصحاب عدمها. أو يشكّ في أنّها ارتفعت ، أوْ لا؟ فيجري استصحاب بقائها.

واخرى نعلم بأ نّها حدثت أو ارتفعت ؛ ولكنّا لا نعلم بالضبط تأريخ حدوثها أو ارتفاعها ، مثلاً نعلم أنّ زيداً الكافر قد أسلم ، ولكن لا نعلم هل أسلم صباحاً أو بعد الظهر؟ فهذا يعني أنّ فترة ما قبل الظهر هي فترة الشكّ ، فإذا كان لبقاء زيدٍ كافراً في هذه الفترة وعدم إسلامه فيها أثر مصحّح للتعبّد جرى استصحاب بقائه كافراً وعدم إسلامه إلى الظهر ، وثبت بهذا الاستصحاب كلّ أثر شرعيٍّ يترتّب على

٤٣١

بقائه كافراً وعدم إسلامه في هذه الفترة.

ولكن إذا كان هناك أثر شرعيّ مترتّب على حدوث الإسلام بعد الظهر فلا يترتّب هذا الأثر على الاستصحاب المذكور ؛ لأنّ الحدوث كذلك لازم تكوينيّ لعدم الإسلام قبل الظهر ، فهو بمثابة نبات اللحية بالنسبة إلى حياة زيد.

ومن ناحية اخرى نلاحظ أنّ موضوع الحكم الشرعيّ قد يكون بكامله مجرىً للاستصحاب إثباتاً أونفياً ، وقد يكون مركّباً من جزءين أو أكثر ، ويكون أحد الجزءين ثابتاً وجداناً والآخر غير متيقّن ، ففي هذه الحالة لا معنى لإجراء الاستصحاب بالنسبة إلى الجزء الثابت وجداناً ، كما هو واضح ، ولكن قد تتواجد أركانه وشروطه لإثبات الجزء الآخر المشكوك فيثبت الحكم ، أولنفيه فيُنفى الحكم.

ومثال ذلك : أن يكون إرث الحفيد من جدّه مترتّباً على موضوعٍ مركّبٍ من جزءين : أحدهما موت الجدّ ، والآخر عدم إسلام الأب إلى حين موت الجدّ ، وإلاّ كان مقدّماً على الحفيد ، فإذا افترضنا أنّ الجدّ مات يوم الجمعة وأنّ الابن كان كافراً في حياة أبيه ولا ندري هل أسلم على عهده ، أوْ لا؟ فهنا الجزء الأوّل من موضوع إرث الحفيد محرز وجداناً ، والجزء الثاني ـ وهو عدم إسلام الأب ـ مشكوك فيجري استصحاب الجزء الثاني ، وبضمّ الاستصحاب إلى الوجدان نحرز موضوع الحكم الشرعيّ لإرث الحفيد ، ولكن على شرط أن يكون الأثر الشرعيّ مترتّباً على ذات الجزءين ، وأمّا إذا كان مترتّباً على وصف الاقتران والاجتماع بينهما فلا جدوى للاستصحاب المذكور ؛ لأنّ الاقتران والاجتماع لازم عقليّ وأثر تكوينيّ للمستصحب ، وقد عرفنا أنّ الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستصحب بواسطةٍ عقليّةٍ لا تثبت.

وقد يفترض أنّ الجزء الثاني معلوم الارتفاع فعلاً بأن كنّا نعلم فعلاً أنّ الأب قد أسلم ، ولكن نشكّ في تأريخ ذلك وأ نّه هل أسلم قبل وفاة أبيه ، أو بعد ذلك؟

٤٣٢

وفي مثل ذلك يجري استصحاب كفر الأب إلى حين وفاة الجدّ ، ولا يضرّ بذلك أنّنا نعلم بأنّ الأب لم يعد كافراً فعلاً ؛ لأنّ المهمّ تواجد الشكّ في الظرف الذي يراد إجراء الاستصحاب بلحاظه ، وهو فترة حياة الجدّ إلى حين وفاته ، فيستصحب بقاء الجزء الثاني [من] الموضوع ، وهو كفر الأب إلى حين حدوث الجزء الأوّل وهو موت الجدّ ، فيتمّ الموضوع.

وكما قد يجري الاستصحاب على هذا الوجه لإحراز الموضوع بضمّ الاستصحاب إلى الوجدان كذلك قد يجري لنفي أحد الجزءين ، ففي نفس المثال إذا كان الأب معلوم الإسلام في حياة أبيه وشُكّ في كفره عند وفاته جرى استصحاب إسلامه وعدم كفره إلى حين موت الأب ، ونفينا بذلك إرث الحفيد من الجدّ ، سواء كنّا نعلم بكفر الأب بعد وفاة أبيه ، أوْ لا.

[حالة مجهولَي التأريخ :]

وعلى هذا الأساس قد يفترض أنّ موضوع الحكم الشرعيّ مركّب من جزءين [من قبيل كفر الأب وموت الجد] وأحد الجزءين [كفر الأب] معلوم الثبوت ابتداءً ويعلم بارتفاعه ، ولكن لا ندري بالضبط متى ارتفع ، والجزء الآخر [موت الجد] معلوم العدم ابتداءً ويعلم بحدوثه ، ولكن لا ندري بالضبط متى حدث ، وهذا يعني أنّ هذا الجزء إذا كان قد حدث قبل أن يرتفع ذلك الجزء فقد تحقّق موضوع الحكم الشرعيّ ، لوجود الجزءين معاً في زمانٍ واحد ، وأمّا إذا كان قد حدث بعد ارتفاع الجزء الآخر فلا يجدي في تكميل موضوع الحكم.

وفي هذه الحالة إذا نظرنا إلى الجزء المعلوم الثبوت ابتداءً [كفر الأب] نجد أنّ المحتمل بقاؤه إلى حين حدوث الثاني [موت الجدّ] ، فنستصحب بقاءه إلى ذلك الحين ؛ لأنّ أركان الاستصحاب متواجدة فيه ، ويترتّب على ذلك ثبوت الحكم.

وإذا نظرنا إلى الجزء الثاني المعلوم عدمه ابتداءً [موت الجد] نجد أنّ من

٤٣٣

المحتمل بقاء عدمه إلى حين ارتفاع الجزء الأوّل [كفر الأب] ، فنستصحب عدمه إلى ذلك الحين ؛ لأنّ أركان الاستصحاب متواجدة فيه ، ويترتّب على ذلك نفي الحكم.

والاستصحابان متعارضان ؛ لعدم إمكان جريانهما معاً ، ولامرجّح لأحدهما على الآخر فيسقطان معاً ، وتسمّى هذه الحالة بحالة مجهولَي التأريخ.

وحالة مجهولَي التأريخ لها ثلاث صور (١) :

إحداها : أن يكون كلّ من زمان ارتفاع الجزء الأوّل [كفر الأب] وزمان حدوث الجزء الثاني [موت الجدّ] مجهولاً.

ثانيتها : أن يكون زمان ارتفاع الجزء الأوّل [كفر الأب] معلوماً ـ ولنفرضه الظهر ـ ولكنّ زمان حدوث الجزء الثاني [موت الجدّ] مجهول ولا يعلم هل هو قبل الظهر أوبعده؟

ثالثتها : أن يكون زمان حدوث الجزء الثاني [موت الجد] معلوماً ـ ولنفرضه الظهر ـ ولكنّ زمان ارتفاع الجزء الأوّل [كفر الأب] مجهول ولا يعلم هل هو قبل الظهر أو بعده.

وفي الصورة الاولى لا شكّ في جريان كلٍّ من الاستصحابين المشار إليهما ، بمعنى استحقاقه للجريان ووقوع التعارض بينهما.

وأمّا في الصوره الثانية فقد يقال بأنّ استصحاب بقاء الجزء الأوّل [كفر الأب] لا يجري ؛ لأنّ بقاءه ليس مشكوكاً ، بل هو معلوم قبل الظهر ، ومعلوم العدم عند الظهر فكيف نستصحبه؟ وإنّما يجري استصحاب عدم حدوث الجزء الثاني

__________________

(١) هكذا جاءت العبارة في الطبعة الاولى وتبعتها الطبعات الاخرى ، ولكنّ إطلاق اسم (مجهولي التاريخ) بصيغة المثنّى على كلّ الصور الثلاث إمّا من الخطأ الواقع في الطبع ، والصحيح (مجهول التاريخ) بصيغة المفرد ، وإمّا أنّه مبني على الاكتفاء بمجهوليّة التاريخ النسبي بالمعنى الذي سيأتي توضيحه في المتن

٤٣٤

[موت الجدّ] فقط.

وينعكس الأمر في الصورة الثالثة ؛ فيجري استصحاب بقاء الجزء الأوّل دون عدم حدوث الجزء الثاني لنفس السبب ، وهذا ما يُعبّر عنه بأنّ الاستصحاب يجري في مجهول التأريخ دون معلومه.

وقد اعترض على ذلك : بأنّ معلوم التأريخ إنّما يكون معلوماً حين ننسبه إلى ساعات اليوم الاعتياديّة ، وأمّا حين ننسبه إلى الجزء الآخر المجهول التأريخ فلا ندري هل هو موجود حينه ، أوْ لا؟ فيمكن جريان استصحابه إلى حين وجود الجزء الآخر ، وهذا ما يُعبّر عنه بأنّ الاستصحاب في كلٍّ من مجهول التأريخ ومعلوم التأريخ يجري في نفسه ويسقط الاستصحابان بالمعارضة ؛ لأنّ ما هو معلوم التأريخ إنّمايعلم تأريخه في نفسه لابتأريخه النسبي ، أي مضافاً إلى الآخر ، فهما معاً مجهولان بلحاظ التأريخ النسبي.

[توارد الحالتين :]

وقد تفترض حالتان متضادّتان كلّ منهما بمفردها موضوع لحكمٍ شرعيّ ، كالطهارة من الحدث والحدث ، أو الطهارة من الخبث والخبث ، فإذا علم المكلّف بإحدى الحالتين وشكّ في طروء الاخرى استصحب الاولى ، وإذا علم بطروء كلتا الحالتين ولم يعلم المتقدّمة والمتأخّرة منهما تعارض استصحاب الطهارة مع استصحاب الحدث أو الخبث ؛ لأنّ كلاًّ من الحالتين متيقّنة سابقاً ومشكوكة بقاءً ، ويسمّى أمثال ذلك بتوارد الحالتين.

٥ ـ الاستصحاب في حالات الشكّ السببيّ والمسبّبي :

تقدّم أنّ الاستصحاب إذا جرى وكان المستصحَب موضوعاً لحكمٍ شرعيٍّ ترتّب ذلك الحكم الشرعيّ تعبّداً على الاستصحاب المذكور ، ومثاله : أن يشكّ في بقاء طهارة الماء فنستصحب بقاء طهارته ، وهذه الطهارة موضوع للحكم بجواز

٤٣٥

شربه فيترتّب جواز الشرب على الاستصحاب المذكور ، ويسمّى بالنسبة إلى جواز الشرب بالاستصحاب الموضوعيّ ؛ لأنّه ينقِّح موضوع هذا الأثر الشرعيّ. وأمّا إذا لاحظنا جواز الشرب نفسه في المثال فهو أيضاً متيقّن الحدوث ومشكوك البقاء ؛ لأنّ الماء حينما كان طاهراً يقيناً كان جائز الشرب يقيناً أيضاً ، وحينما أصبح مشكوك الطهارة فهو مشكوك في جواز شربه أيضاً.

ولكنّ استصحاب جواز الشرب وحده لا يكفي لإثبات طهارة الماء ؛ لأنّ الطهارة ليست أثراً شرعيّاً لجواز الشرب ، بل العكس هو الصحيح ، وتنزيل مشكوك البقاء منزلة الباقي ناظر إلى الآثار الشرعيّة ، كما تقدّم.

فمن هنا يُعرف أنّ استصحاب الموضوع يُحرز به الحكم تعبّداً وعمليّاً ، وأمّا استصحاب الحكم فلا يُحرز به الموضوع كذلك ، وكلّ استصحابين من هذا القبيل يطلق على الموضوعيّ منهما اسم «الأصل السببي» ؛ لأنّه يعالج المشكلة في مرحلة الموضوع الذي هو بمثابة السبب الشرعيّ للحكم ، ويطلق على الآخر منهما اسم «الأصل المسبّبي» ؛ لأنّه يعالج المشكلة في مرحلة الحكم الذي هو بمثابة المسبّب شرعاً للموضوع.

وفي الحالة التي شرحنا فيها فكرة الأصل السببيّ والمسبّبيّ لا يوجد تعارض بين الأصلين في النتيجة ؛ لأنّ طهارة الماء وجواز الشرب متلائمان ، ولكن هناك حالات لا يمكن أن تجتمع فيها نتيجة الأصل السببيّ ونتيجة الأصل المسبّبيّ معاً فيتعارض الأصلان. ونجد مثال ذلك في نفس الماء المذكور سابقاً إذا استصحبنا طهارته وغسلنا به ثوباً نجساً ، فإنّ من أحكام طهارة الماء أن يطهر الثوب بغسله به ، وهذا معناه أنّ استصحاب طهارةالماء يحرز تعبّداً وعمليّاً أنّ الثوب قد طهر ؛ لأنّه أثر شرعيّ للمستصحب ، ولكن إذا لاحظنا الثوب نفسه نجد أنّا على يقينٍ من نجاسته وعدم طهارته سابقاً ، ونشكّ الآن في أنّه طهر ، أوْ لا ؛ لأ نّنا لا نعلم ما إذا كان قد غسل بماءٍ طاهرٍ حقّاً ، وبذلك تتواجد الأركان لجريان

٤٣٦

استصحاب النجاسة وعدم الطهارة في الثوب ، ونلاحظ بناءً على هذا أنّ الأصل السببيّ الذي يعالج المشكلة في مرحلة الموضوع والسبب ويجري في حكم الماء نفسه يتعبّدنا بطهارة الثوب ، وأنّ الأصل المسبّبيّ الذي يعالج المشكلة في مرحلة الحكم والمسبّب ويجري في حكم الثوب نفسه يتعبّدنا بعدم طهارة الثوب ، وهذا معنى التنافي بين نتيجتي الأصلين وتعارضهما.

وتوجد هناقاعدة تقتضي تقديم الأصل السببيّ على الأصل المسبّبي ، وهي : أنّه كلّماكان أحد الأصلين يعالج مورد الأصل الثاني دون العكس قُدّم الأصل الأوّل على الثاني.

وهذه القاعدة تنطبق على المقام ؛ لأنّ الأصل السببيّ يحرز لنا تعبّداً طهارة الثوب ؛ لأنّها أثر شرعيّ لطهارة الماء ، ولكنّ الأصل المسبّبيّ لا يحرز لنا نجاسة الماء ولا ينفي طهارته ؛ لأنّ ثبوت الموضوع ليس أثراً شرعيّاً لحكمه ، وعلى هذا الأساس يقدّم الأصل السببيّ على الأصل المسبّبي.

وقد عبّر الشيخ الأنصاريّ والمشهور (١) عن ذلك : بأنّ الاستصحاب السببيّ حاكم على الاستصحاب المسبّبيّ ؛ لأنّ الركن الثاني في المسبّبيّ هو الشكّ في نجاسة الثوب وطهارته ، والركن الثاني في السببيّ هو الشكّ في طهارة الماء ونجاسته ، والأصل السببيّ بإحرازه الأثر الشرعيّ ـ وهو طهارة الثوب ـ يهدم الركن الثاني للأصل المسبّبيّ ، ولكنّ الأصل المسبّبيّ باعتبار عجزه عن إحراز نجاسة الماء ـ كما تقدّم ـ لا يهدم الركن الثاني للأصل السببيّ ، فالأصل السببيّ تامّ الأركان فيجري ، والأصل المسبّبيّ قد انهدم ركنه الثاني فلا يجري.

وقد عُمِّمت فكرة الحكومة للأصل السببيّ على الأصل المسبّبيّ لحالات التوافق بين الأصلين أيضاً ، فاعتبر الأصل المسبّبيّ طولياً دائماً ومترتّباً على عدم جريان الأصل السببيّ ، سواء كان موافقاً له أو مخالفاً ؛ لأنّ الأصل السببيّ إذا جرى ألغى موضوع الأصل المسبّبيّ على أيّ حال.

__________________

(١) فرائد الاصول ٣ : ٣٩٤ ، كفاية الاصول : ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، وفوائد الاصول ٤ : ٦٨٢

٤٣٧
٤٣٨

تعارض الأدلّة

١ ـ التعارض بين الأدلّة المحرزة.

٢ ـ التعارض بين الاصول العمليّة.

٣ ـ التعارض بين الأدلّة المحرزة والاصول العمليّة.

٤٣٩
٤٤٠