دروس في علم الأصول - ج ١

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ١

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢
الجزء ١ الجزء ٢

قبلها ، فقد عرفنا أنّ المجعول يمكن أن يكون مشروطاً ، سواء كان حكماً تكليفيّاً كالوجوب والحرمة ، أو وضعيّاً كالملكيّة والزوجيّة.

وبذلك يندفع ما قد يقال من أنّ الحكم المشروط غير معقول ؛ لأنّ الحكم فعل للمولى ، وهذا الفعل يصدر ويتحقّق بمجرّد إعمال المولى لحاكميّته ، فأيّ معنىً للحكم المشروط؟

ووجه الاندفاع : أنّ ما يتحقّق كذلك إنّما هو الجعل ، لا المجعول ، والحكم المشروط هو المجعول دائماً.

٣٢١

قاعدة تنوّع القيود وأحكامُها

تنوّع القيود :

حينما يقال : «إذا زالت الشمس صلّ متطهّراً» فالجعل يتحقّق بنفس هذا الإنشاء ، وأمّا المجعول ـ وهو وجوب الصلاة فعلاً ـ فهو مشروط بالزوال ومقيّد به ، فلا وجوب قبل الزوال.

ونلاحظ قيداً آخر وهو الطهارة ، وهذا القيد ليس قيداً للوجوب المجعول ؛ لوضوح أنّ الشمس إذا زالت وكان الإنسان محدثاً وجبت عليه الصلاة أيضاً ، وإنّما هو قيد لمتعلّق الوجوب ، أي للواجب وهو الصلاة.

ومعنى كون شيءٍ قيداً للواجب : أنّ المولى حينما أمر بالصلاة أمر بحصّةٍ خاصّةٍ منها ، لابها كيفما اتّفقت ، حيث إنّ الصلاة : تارةً تقع مع الطهارة ، واخرى بدونها ، فاختار الحصّة الاولى وأمر بها. وحينما نحلّل الحصّة الاولى نجد أنّها تشتمل على صلاة ، وعلى تقيّدٍ بالطهارة ، فالأمر بها أمر بالصلاة وبالتقيّد. ومن هنا نعرف أنّ معنى أخذ الشارع شيئاً قيداً في الواجب تحصيص الواجب به والأمر به بما هو مقيّد بذلك القيد.

وفي المثال السابق حينما نلاحظ الطهارة مع ذات الصلاة لا نجد أنّ إحداهما علّة للُاخرى أو جزء العلة لها ، ولكن حينما نلاحظ الطهارة مع تقيّد الصلاة بها نجد أنّ الطهارة علّة لهذا التقيّد ، إذ لولاها لما وجدت الصلاة مقيّدةً ومقترنةً بالطهارة.

ومن ذلك نستخلص : أنّ أخذ الشارع قيداً في الواجب يعني :

أوّلاً : تحصيص الواجب به.

وثانياً : أنّ الأمر يتعلّق بذات الواجب والتقيّد بذلك القيد.

٣٢٢

وثالثاً : أنّ نسبة القيد إلى التقيّد نسبة العلّة إلى المعلول ، وليس كذلك نسبته إلى ذات الواجب.

وقد يؤخذ شيء قيداً للوجوب وللواجب معاً ، كشهر رمضان الذي هو قيد لوجوب الصيام فلا وجوب للصيام بدون رمضان ، وهو أيضاً قيد للصيام الواجب ، بمعنى أنّ الصوم المأمور به هو الحصّة الواقعة في ذلك الشهر خاصّة ، وبموجب كون الشهر قيداً للوجوب فالوجوب تابع لوجود هذا القيد ، وبموجب كونه قيداً للواجب يكون الوجوب متعلّقاً بالمقيّد به ، أي أنّ الأمر متعلّق بذات الصوم وبتقيّده بأن يكون في شهر رمضان.

أحكام القيود المتنوّعة :

لا شكّ في أنّ الواجبات تشتمل على نوعين من القيود :

أحدهما : قيود يلزم على المكلّف تحصيلها ، بمعنى أنّه لو لم يحصّلها لاعتُبر عاصياً للأمر بذلك الواجب ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة.

والآخر : القيود التي لا يلزم على المكلّف تحصيلها ، بمعنى أنّه لو لم يأتِ بها المكلّف وبالتالي لم يأتِ بالواجب لا يعتبر عاصياً ، كالاستطاعة بالنسبة إلى الحجّ.

والقضيّة التي نبحثها هي محاولة التعرّف على الفرق بين هذين النوعين من القيود ، وما هو الضابط في كون القيد ممّا يلزم تحصيله ، أوْ لا؟

والصحيح : أنّ الضابط في ذلك : أنّ كلّ ما كان قيداً لنفس الوجوب فلا يجب تحصيله ، ولا يكون المكلّف مسؤولاً عن إيجاده من قبل ذلك الوجوب ؛ لأنّه مالم يوجد القيد لا وجود للوجوب ، كما تقدّم. وكلّما كان القيد قيداً لمتعلّق الوجوب ـ أي للواجب ـ فهذا يعني أنّ الوجوب قد تعلّق بالمقيّد ، كما تقدّم ، أي بذات الواجب وبالتقيّد بالقيد المذكور ، وحينئذٍ يلاحظ هذا القيد : فإن كان قيداً في نفس الوقت

٣٢٣

للوجوب أيضاً لم يكن المكلّف مسؤولاً عقلاً من قبل ذلك الوجوب عن إيجاده ، وإنّما هو مسؤول متى ما وجد القيد عن إيجاد ذات الواجب وإيجاد تقيّده بذلك القيد.

وإن لم يكن القيد قيداً للوجوب بل كان قيداً للواجب فهذا يعني أنّ الوجوب فعليّ حتّى لو لم يوجد هذا القيد. وإذا كان الوجوب فعليّاً فالمكلّف مسؤول عن امتثاله والإتيان بمتعلّقه ـ وهو المقيّد ـ وكان عليه حينئذٍ عقلاً أن يوفّر القيد لكي يوجد المقيّد الواجب.

ونستخلص من ذلك :

أوّلاً : أنّه كلّما كان القيد قيداً للوجوب فقط فلا يكون المكلّف مسؤولاً عن إيجاد القيد.

وثانياً : أنّه كلّما كان القيد قيداً للواجب فقط فالمكلّف مسؤول عن إيجاد القيد.

وثالثاً : أنّه كلّما كان القيد قيداً للوجوب وللواجب معاً ، فالمكلّف غير مسؤولٍ عن إيجاد القيد ، ولكنّه مسؤول عن إيجاد التقيّد حينما يكون القيد موجوداً.

وإذا ضممنا إلى هذه النتائج ما تقدّم من أنّه لا إدانة بدون قدرة ، وأنّ القدرة شرط في التكليف نستطيع أن نستنتج القاعدة القائلة : «إنّ كلّ القيود التي تؤخذ في الواجب دون الوجوب لابدّ أن تكون اختياريّةً ومقدورةً للمكلّف» ؛ لأنّ المكلّف مسؤول عن توفيرها ، كما عرفنا آنفاً ، ولا مسؤوليّة ولا تكليف إلاّبالمقدور ، فلابدّ إذن أن تكون مقدورة ، وهذا خلافاً لقيود الوجوب ، فإنّها قد تكون مقدورةً كالاستطاعة ، وقد لا تكون كزوال الشمس ؛ لأنّ المكلّف غير مسؤولٍ عن إيجادها.

٣٢٤

قيود الواجب على قسمين :

عرفنا حتّى الآن من قيود الواجب : القيد الذي يأخذه الشارع قيداً ، فيحصّص به الواجب ويأمر بالحصّة الخاصّة ، كالطهارة ، وتسمّى هذه بالقيود أو «المقدّمات الشرعيّة». وهناك قيود ومقدّمات تكوينيّة يفرضها الواقع بدون جعلٍ من قبل المولى ، وذلك من قبيل إيجاد واسطة نقلٍ فإنّها مقدّمة تكوينيّة للسفر بالنسبة إلى من لا يستطيع المشي على قدميه ، فإذا وجب السفر كان توفير واسطة النقل مقدّمةً للواجب ، حتّى بدون أن يشير إليها المولى أو يحصّص الواجب بها ، وتسمّى ب «المقدّمة العقليّة».

والمقدّمات العقليّة للواجب من ناحية مسؤوليّة المكلّف تجاهها كالقيود الشرعيّة ، فإن اخذت المقدّمة العقليّة للواجب قيداً للوجوب لم يكن المكلّف مسؤولاً عن توفيرها ، وإلاّ كان مسؤولاً عقلاً عن ذلك ؛ بسبب كونه ملزماً بامتثال الأمر الشرعيّ الذي لا يتمّ بدون إيجادها.

والمسؤوليّة تجاه قيود الواجب ـ سواء كانت شرعيّةً أو عقليّةً ـ إنّما تبدأ بعد أن يوجد الوجوب المجعول ويصبح فعليّاً بفعليّة كلّ القيود المأخوذة فيه ، فالمسؤوليّة تجاه الطهارة والوضوء ـ مثلاً ـ تبدأ من قبل وجوب صلاة الظهر بعد أن يصبح هذا الوجوب فعليّاً بتحقّق شرطه وهو الزوال ، وأمّا قبل الزوال فلا مسؤوليّة تجاه قيود الواجب ، إذ لاوجوب لكي يكون الإنسان ملزماً عقلاً بامتثاله وتوفير كلّ ما له دخل في ذلك.

٣٢٥

المسؤولية قبل الوجوب :

إذا كان للواجب مقدّمة عقليّة أو شرعيّة وكان وجوبه منوطاً بزمانٍ معيّن ، وافترضنا أنّ تلك المقدّمة من المتعذّر على المكلّف إيجادها في ذلك الزمان ، ولكن كان بإمكانه إيجادها قبل ذلك ، فهل يكون المكلّف مسؤولاً عقلاً عن توفيرها ، أوْ لا؟

ومثال ذلك : أن يعلم المكلّف بأ نّه لن يتمكّن من الوضوء والتيمّم عند الزوال ؛ لانعدام الماء والتراب ، ولكنّه يتمكّن منه قبل الزوال فهل يجب عليه أن يتوضّأ قبل الزوال ، أوْ لا؟

والجواب : أنّ مقتضى القاعدة هو عدم كونه مسؤولاً عن ذلك ، إذ قبل الزوال لا وجوب للصلاة لكي يكون مسؤولاً من ناحيته عن توفير المقدّمات للصلاة ، وإذا ترك المقدّمة قبل الزوال فلن يحدث وجوب عند الزوال ليبتلي بمخالفته ؛ لأنّه سوف يُصبح عند الزوال عاجزاً عن الإتيان بالواجب ، وكلُّ تكليفٍ مشروطٌ بالقدرة ؛ فلا ضير عليه في ترك إيجاد المقدّمة قبل الزوال ، وكلّ مقدّمةٍ يفوت الواجب بعدم المبادرة إلى الإتيان بها قبل زمان الوجوب تسمّى ب «المقدّمة المفوّتة». وبهذا صحّ أنّ القاعدة تقتضي عدم كون المكلّف مسؤولاً عن المقدّمات المفوّتة.

ولكن قد يتّفق أحياناً أن يكون للواجب دائماً مقدّمة مفوّتة ، على نحوٍ لو لم يبادر المكلّف إلى إيقاعها قبل الوقت لعجز عن الواجب في حينه.

ومثال ذلك : الوقوف بعرفات الواجب على من يملك الزاد والراحلة ، فإنّ الواجب منوط بظهر اليوم التاسع من ذي الحجّة ، ولكن لو لم يسافر المكلّف قبل هذا

٣٢٦

الوقت لَما أدرك الواجب في حينه ، وفي مثل ذلك لا شكّ فقهيّاً في أنّ المكلّف مسؤول عن إيجاد المقدّمة المفوّتة قبل الوقت. وقد وقع البحث اصوليّاً في تفسير ذلك وتكييفه ، وأ نّه كيف يكون المكلّف مسؤولاً عن توفير المقدّمات لامتثال وجوبٍ غير موجودٍ بعد؟ وستأتي بعض المحاولات في تفسير ذلك في حلقةٍ مقبلة (١).

__________________

(١) سيأتى البحث عن ذلك في الحلقة الثالثة تحت عنوان : المسؤولية عن المقدّمات قبل الوقت

٣٢٧

القيود المتأخّرة زماناً عن المقيّد

القيد : تارةً يكون قيداً للحكم المجعول ، واخرى يكون قيداً للواجب الذي تعلّق به الحكم ، كما تقدّم. والغالب في القيود في كلتا الحالتين أن يكون المقيّد موجوداً حال وجود القيد أو بعده. فاستقبال القبلة قيد يجب أن يوجد حال الصلاة ، والوضوء قيد يجب أن توجد الصلاة بعده ، ويسمّى الأوّل ب «الشرط المقارن» ، والثاني ب «الشرط المتقدّم».

ولكن قد يدّعى أحياناً شرط للحكم أو للواجب ، ويكون متأخّراً زماناً عن ذلك الحكم أو الواجب.

ومثاله : ما يقال من أنّ غسل المستحاضة في ليلة الأحد شرط في صحّة صوم نهار السبت ، فهذا شرط للواجب ولكنّه متأخّر عنه زماناً.

ومثال آخر : ما يقال من أنّ عقد الفضوليّ ينفذ من حين صدوره إذا وقعت الإجازة بعده ، فهذا شرط للحكم ولكنّه متأخّر عنه زماناً.

وقد وقع البحث اصوليّاً في إمكان ذلك واستحالته :

إذ قد يقال بالاستحالة ؛ لأنّ الشرط بالنسبة إلى المشروط بمثابة العلّة بالنسبة إلى المعلول ، ولا يعقل أن تكون العلّة متأخّرةً زماناً عن معلولها.

وقد يقال بالإمكان.

ويرد على هذا البرهان : أمّا بالنسبة إلى الشرط المتأخّر للواجب فبأنّ القيود الشرعيّة للواجب لا يتوقّف عليها وجود ذات الواجب ، وإنّما تنشأ قيديّتها من تحصيص المولى للطبيعة بحصّةٍ عن طريق تقييدها بقيد ، فكما يمكن أن يكون القيد المحصّص مقارناً أو متقدّماً يمكن أن يكون متأخّراً.

٣٢٨

وأمّا بالنسبة إلى الشرط المتأخّر للوجوب فبأنّ قيود الوجوب كلّها قيود للحكم المجعول لا للجعل ، كما تقدّم ؛ لوضوح أنّ الجعل ثابت قبل وجودها ، والمجعول وجوده مجرّد افتراض ، وليس وجوداً حقيقيّاً خارجيّاً ، فلا محذور في إناطته بأمرٍ متأخّر.

٣٢٩

زمان الوجوبِ والواجب

لكلٍّ من الوجوب ـ أي الحكم المجعول ـ والواجب زمان ، والزمانان متطابقان عادةً ، فوجوب صلاة الفجر ـ مثلاً ـ زمانه الفترة الممتدّة بين الطلوعين ، وهذه الفترة هي بنفسها زمان الواجب ، ويستحيل أن يكون زمان الوجوب بكامله متقدّماً على زمان الواجب ؛ لأنّ هذا معناه أنّه في هذا الظرف الذي يترقّب فيه صدور الواجب لا وجوب ، فلا محرّك للمكلّف إلى الإتيان بالواجب ، وهذا واضح. ولكن وقع البحث في أنّه هل بالإمكان أن تتقدّم بداية زمان الوجوب على زمان الواجب مع استمراره وامتداده وتعاصره بقاءً مع الواجب؟

ومثال ذلك : الوقوف بعرفات فإنّه واجب على المستطيع ، وزمان الواجب هو يوم عرفة من الظهر إلى الغروب ، وأمّا زمان الوجوب فيبدأ من حين حدوث الاستطاعة لدى المكلّف التي قد تسبق يوم عرفة بفترةٍ طويلة ، ويستمرّ الوجوب من ذلك الحين إلى يوم عرفة الذي هو زمان الواجب.

وقد ذهب جماعة من الاصوليّين (١) إلى أنّ هذا معقول ، وسَمّوا كلّ واجبٍ تتقدّم بداية زمان وجوبه على زمان الواجب بالواجب المعلّق ، وحاولوا عن هذا الطريق أن يفسّروا ما سبق من مسؤوليّة المكلّف تجاه المقدّمات المفوّتة ؛ وذلك لأنّ الإشكال في هذه المسؤوليّة كان يبتني على افتراض أنّ الوجوب لا يحدث إلاّفي ظرف إيقاع الواجب ، فإذا افترضنا أنّ الوجوب غير مشروطٍ بزمان الواجب ، بل يحدث قبله ويصبح فعليّاً بالاستطاعة فمن الطبيعيّ أن يكون المكلّف مسؤولاً عن

__________________

(١) منهم صاحب الفصول في الفصول الغروية : ٧٩ والمحقّق الخراساني في كفايةالاصول : ١٢٨

٣٣٠

المقدّمات المفوّتة قبل مجيء يوم عرفة ؛ لأنّ الوجوب فعليّ وهو يستدعي عقلاً التهيّؤ لامتثاله.

والصحيح : أنّ زمان الواجب يجب أن يكون قيداً للوجوب ، ولا يمكن أن يكون قيداً للواجب فقط ؛ لأنّه أمر غير اختياريّ ، وقد تقدّم أنّ كلّ القيود التي تؤخذ في الواجب فقط يلزم أن تكون اختياريّة ، فبهذا نبرهن على أنّه قيد للوجوب.

وحينئذٍ فإن قلنا باستحالة الشرط المتأخّر للحكم ثبت أن الوجوب ما دام مشروطاً بزمان الواجب فلابدّ أن يكون حادثاً بحدوثه لا سابقاً عليه ؛ لئلاّ يلزم وقوع الشرط المتأخّر ، وبهذا يتبرهن أنّ الواجب المعلّق مستحيل.

وإن قلنا بإمكان الشرط المتأخّر جاز أن يكون زمان الواجب شرطاً متأخّراً للوجوب ، فوجوب الوقوف بعرفات يكون له شرطان :

أحدهما مقارن يحدث الوجوب بحدوثه ، وهو الاستطاعة.

والآخر متأخّر يسبقه الوجوب ، وهو مجيء يوم عرفة على المكلّف المستطيع وهو حيّ ، فكلّ من استطاع في شهر شعبان ـ مثلاً ـ وكان ممّن سيجيء عليه يوم عرفة وهو حيّ فوجوب الحجّ يبدأ في حقّه من شعبان ، وبذلك يصبح مسؤولاً عن توفير المقدّمات المفوّتة له من أجل فعليّة الوجوب.

٣٣١

متى يجوز عقلاً التعجيز؟

تارةً يترك المكلّف الواجب وهو قادر على إيجاده ، وهذا هو العصيان ، واخرى يتسبّب إلى تعجيز نفسه عن الإتيان به ، وهذا التسبيب له صورتان :

الاولى : أن يقع بعد فعليّة الوجوب ، كحال إنسانٍ يحلّ عليه وقت الفريضة ولديه ماء فيريق الماء ويعجّز نفسه عن الصلاة مع الوضوء ، وهذا لا يجوز عقلاً ؛ لأ نّه معصية.

الثانية : أن يقع قبل فعليّة الوجوب ، كما لو أراق الماء في المثال قبل دخول الوقت ، وهذا يجوز ؛ لأنّه بإراقة الماء يجعل نفسه عاجزاً عن الواجب عند تحقّق ظرف الوجوب ، وحيث إنّ الوجوب مشروط بالقدرة فلا يحدث الوجوب في حقّه ، ولا محذور في أن يسبّب المكلّف إلى أن لا يحدث الوجوب في حقّه ، وإنّما المحذور في أن لا يمتثله بعد أن يحدث.

ولكن قد يقال هنا بالتفصيل بين ما إذا كان دخل القدرة في هذا الوجوب عقليّاً أو شرعيّاً ، فإذا كان الدخل شرعيّاً جاز التعجيز المذكور ؛ لأنّه لا يفوّت على المولى بذلك شيئاً ، إذ يصبح عاجزاً ؛ ولا ملاك للواجب في حقّ العاجز. وإذا كان الدخل عقليّاً وكان ملاك الواجب ثابتاً في حقّ العاجز أيضاً وإن اختصّ التكليف بالقادر بحكم العقل ـ فلا يجوز التعجيز المذكور ؛ لأنّ المكلّف يعلم بأ نّه بهذا سوف يسبّب إلى تفويت ملاكٍ فعليّ في ظرفه المقبل ، وهذا لا يجوز بحكم العقل.

وعلى هذا الأساس يمكن تخريج مسؤوليّة المكلّف تجاه المقدّمات المفوّتة في بعض الحالات ، بأن يقال : إنّ هذه المسؤوليّة تثبت في كلّ حالةٍ يكون دخل القدرة فيها عقلياً لا شرعيّاً.

٣٣٢

أخْذ العِلم بالحكم في موضوع الحكم

استحالة اختصاص الحكم بالعالم به :

إذا جعل الحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة واخذ في موضوعه العلم بذلك الحكم اختصّ بالعالم به ، ولم يثبت للشاكّ أو القاطع بالعدم ؛ لأنّ العلم يصبح قيداً للحكم ، غير أنّ أخذ العلم قيداً كذلك قد يقال : إنّه مستحيل ، وبرهن على استحالته بالدور ؛ وذلك لأنّ ثبوت الحكم المجعول متوقّف على وجود قيوده ، والعلم بالحكم متوقّف على الحكم توقّف كلّ علم على معلومه ، فإذا كان العلم بالحكم من قيود نفس الحكم لزم توقّف كلّ منهما على الآخر ، وهو محال.

وقد اجيب على ذلك بمنع التوقّف الثاني ؛ لأنّ العلم بشيءٍ لا يتوقّف على وجود ذلك الشيء ، وإلاّ لكان كلّ علمٍ مصيباً ، وإنّما يتوقّف على الصورة الذهنيّة له في افق نفس العالم ، أي أنّ العلم يتوقّف على المعلوم بالذات ، لا على المعلوم بالعرض ، فلا دور.

إلاّأنّ هذا الجواب لا يزعزع الاستحالة العقليّة ؛ لأنّ العقل قاضٍ بأنّ العلم وظيفته تجاه معلومه مجرّد الكشف ودوره دور المرآة ، ولا يعقل للمرآة أن تخلق الشيء الذي تكشف عنه ، فلا يمكن أن يكون العلم بالحكم دخيلاً في تكوين شخص ذلك الحكم.

غير أنّ هذه الاستحالة إنّما تعني عدم إمكان أخذ العلم بالحكم المجعول قيداً له ، وأمّا أخذ العلم بالجعل قيداً للحكم المجعول فلا محذور فيه ، بناءً على ما تقدّم من التمييز بين الجعل والمجعول ، فلايلزم دور ، ولاإخراج للعلم عن دوره الكاشف البحت.

والثمرة التي قد تفترض لهذا البحث هي : أنّ التقييد بالعلم بالحكم إذا كان

٣٣٣

مستحيلاً فهذا يجعل الإطلاق ضروريّاً ، ويثبت بذلك أنّ الأحكام الشرعيّة مشتركة بين العالم وغيره على مبنى من يقول بأنّ التقابل بين التقييد والإطلاق الثبوتيّين تقابل السلب والإيجاب ، وعلى العكس تكون استحالة التقييد موجبةً لاستحالة الإطلاق على مبنى من يقول : إنّ التقابل بين التقييد والإطلاق كالتقابل بين البصر والعمى ، فكما لا يصدق الأعمى حيث لا يمكن البصر كذلك لا يمكن الإطلاق حيث يتعذّر التقييد ، ومن هنا تكون الأحكام على هذا القول مهملة ، لا هي بالمقيّدة ولا هي بالمطلقة ، والمهملة في قوّة الجزئيّة.

أخذ العلم بحكمٍ في موضوع حكمٍ آخر :

قد يؤخذ العلم بحكمٍ في موضوع حكمٍ آخر ، والحكمان : إمّا أن يكونا متخالفين ، أو متضادّين ، أو متماثلين ، فهذه ثلاث حالات :

أمّا الحالة الاولى فلا شكّ في إمكانها ، كما إذا قال الآمر : إذا علمت بوجوب الحجّ عليك فاكتب وصيّتك ، ويكون العلم بوجوب الحجّ هنا قطعاً موضوعيّاً بالنسبة إلى وجوب الوصيّة ، وطريقيّاً بالنسبة إلى متعلّقه.

وأمّا الحالة الثانية فلا ينبغي الشكّ في استحالتها ، ومثالها أن يقول الآمر : إذا علمت بوجوب الحجّ عليك فهو حرام عليك ، والوجه في الاستحالة : ما تقدّم من أنّ الأحكام التكليفيّة الواقعيّة متنافية متضادّة ، فلا يمكن للمكلّف القاطع بالوجوب أن يتصوّر ثبوت الحرمة في حقّه.

وأمّا الحالة الثالثة فقد يقال باستحالتها ، على أساس أنّ اجتماع حكمين متماثلين مستحيل ، كاجتماع المتنافيين ، فإذا قيل : «إن قطعت بوجوب الحجّ وجب عليك» بنحوٍ يكون الوجوب المجعول في هذه القضيّة غير الوجوب المقطوع به مسبقاً كان معنى ذلك في نظر القاطع أنّ وجوبين متماثلين قد اجتمعا عليه.

٣٣٤

أخذ قصدِ امتثال الأمر في متعلّقه

قد يكون غرض المولى قائماً بإتيان المكلّف للفعل كيفما اتّفق ، ويسمّى بالواجب التوصّليّ.

وقد يكون غرضه قائماً بأن يأتي المكلّف بالفعل بقصد امتثال الأمر ، ويسمّى بالواجب التعبّديّ.

والسؤال هو : أنّه هل بإمكان المولى عند جعل التكليف والوجوب في الحالة الثانية أن يدخل في متعلّق الوجوب قصد امتثال الأمر ، أوْ لا؟

قد يقال بأنّ ذلك مستحيل ؛ لأنّ قصد امتثال الأمر إذا دخل في الواجب كان نفس الأمر قيداً من قيود الواجب ؛ لأنّ القصد المذكور مضاف إلى نفس الأمر ، وإذا لاحظنا الأمر وجدنا أنّه ليس اختياريّاً للمكلّف ، كما هو واضح ، وحينئذٍ نطبّق القاعدة السابقة القائلة : «إنّ القيود المأخوذة في الواجب فقط يجب أن تكون اختياريّة» ؛ لنستنتج أنّ هذا القيد إذن لا يمكن أن يكون قيداً للواجب فقط ، بل لا بدّ أن يكون أيضاً قيداً للوجوب ، وهذا يعني أنّ الأمر مقيّد بنفسه ؛ وهو محال. وهكذا يتبرهن بأنّ أخذ قصد امتثال الأمر في متعلّق نفسه يؤدّي إلى المحال.

وثمرة هذا البحث : أنّ هذه الاستحالة إذا ثبتت فسوف يختلف الموقف تجاه قصد امتثال الأمر عن الموقف تجاه أيّ خصوصيّةٍ اخرى يشكّ في دخلها في الواجب ، وذلك أنّا إذا شككنا في دخل خصوصيّة إيقاع الصلاة مع الثوب الأبيض في الواجب أمكن التمسّك بإطلاق كلام المولى لنفي دخل هذه الخصوصيّة في الواجب بحسب عالم الوجوب والجعل ، وإذا ثبت عدم دخلها في الواجب بحسب عالم الجعل يثبت عدم دخلها في الغرض ، إذ لو كانت دخيلةً في الغرض لُاخذت في الواجب ،

٣٣٥

ولو اخذت كذلك لذكرت في الكلام.

وهذا الاسلوب لا يمكن تطبيقه على قصد امتثال الأمر عند الشكّ في دخله في الغرض ؛ لأنّ إطلاق كلام المولى وأمره إنّما يعني عدم أخذ هذا القصد في متعلّق الوجوب ، ونحن بحكم الاستحالة الآنفة الذكر نعلم بذلك بدون حاجةٍ للرجوع إلى كلام المولى ، ولكن لا يمكن أن نستكشف من ذلك عدم كون القصد المذكور دخيلاً في الغرض المولويّ ؛ لأنّ المولى مضطرّ ـ على أيّ حالٍ ـ لعدم أخذه في الواجب ، سواء كان دخيلاً في غرضه أوْ لا ، فلا يدلّ عدم أخذه على عدم دخله ، وهذا يعني أنّ الاستحالة المذكورة تبطل إمكان التمسّك بإطلاق كلام المولى لنفي التعبّديّة وإثبات التوصّليّة.

ومن هنا يمكن أن نصوّر الثمرة لاستحالة أخذ العلم بالحكم قيداً لنفسه على وجهٍ آخر غير ما تقدّم في ذلك البحث ، فنقول : إنّ هذه الاستحالة تبطل إمكان التمسّك بإطلاق كلام المولى لنفي اختصاص أغراضه بالعالمين بالأحكام بنفس الطريقة المشار إليها في قصد امتثال الأمر.

٣٣٦

اشتراط التكليفِ بالقدرة بمعنىً آخر

مرّ بنا أنّ التكليف مشروط بالقدرة ، وكنّا نريد بها القدرة التكوينيّة ، وهذا يعني أنّ التكليف لا يشمل العاجز ، وكذلك لا يشمل أيضاً مَن كان قادراً على الامتثال ، ولكنّه مشغول فعلاً بامتثال واجبٍ آخر مضادٍّ لا يقلّ عن الأوّل أهميّة ، فإذا وجب إنقاذ غريق يُعذَر المكلّف في ترك إنقاذه إذا كان عاجزاً تكويناً ، كما يُعذَر إذا كان قادراً ، ولكنّه اشتغل بإنقاذ غريقٍ آخر مماثلٍ على نحوٍ لم يبقَ بالإمكان إنقاذ الغريق الأوّل معه. وهذا يعني أنّ كلّ تكليفٍ مشروطٍ بعدم الاشتغال بامتثالٍ مضادٍّ لا يقلّ عنه أهمّيّةً ، وهذا القيد دخيل في التكليف بحكم العقل ولو لم يصرّح به المولى في خطابه ، كما هو الحال في القدرة التكوينيّة. ولنطلق على القدرة التكوينيّة اسم «القدرة بالمعنى الأخصّ» ، وعلى ما يشمل هذا القيد الجديد اسم «القدرة بالمعنى الأعمّ».

والبرهان على هذا القيد الجديد : أنّ المولى إذا أمر بواجب وجعل أمره مطلقاً حتّى لحالة الاشتغال بامتثالٍ مضادٍّ لا يقلّ عنه أهمّيّةً : فإن أراد بذلك أن يجمع بين الامتثالين فهو غير معقول ؛ لأنّه غير مقدورٍ للمكلّف. وإن أراد بذلك أن يصرف المكلّف عن ذلك الامتثال المضادّ فهذا بلا موجبٍ بعد افتراض أنّهما متساويان في الأهمّيّة ، فلابدّ إذن من أخذ القيد المذكور.

ومن هنا يعرف أنّ ثبوت أمرين بالضدّين مستحيل إذا كان كلّ من الأمرين مطلقاً لحالة الاشتغال بامتثال الأمر الآخر أيضاً ، وأمّا إذا كان كلّ منهما مقيّداً بعدم الاشتغال بالآخر ، أو كان أحدهما كذلك فلا استحالة ، ويقال عن الأمرين بالضدّين حينئذٍ : إنّهما مجعولان على وجه الترتّب ، وإنّ هذا الترتّب هو الذي صحّح جعلهما

٣٣٧

على هذا الوجه ، وهذا ما يحصل في كلّ حالةٍ يواجه فيها المكلّف واجبين شرعيّين ويكون قادراً على امتثال كلّ منهما بمفرده ، ولكنّه غير قادرٍ على الجمع بينهما ، فإنّهما : إن كانا متكافئين في الأهمّيّة كان وجوب كلّ منهما مشروطاً بعدم امتثال الآخر ، وإن كان أحدهما أهمّ من الآخر ملاكاً فوجوب الأهمّ غير مقيّدٍ بعدم الإتيان بالأقلّ أهمّية (المهمّ) ، ولكنّ وجوب المهمّ مقيّد بعدم الإتيان بالأهمّ ، وتسمّى هذه الحالات بحالات التزاحم.

وقد تعترض وتقول : إنّ الأمرين بالضدّين على وجه الترتّب مستحيل ؛ لأنّ المكلّف في حالة تركه لكلا الضدّين يكون كلّ من الأمرين فعليّاً وثابتاً في حقّه ؛ لأنّ شرطه محقّق ، وهذا يعني أنّ المكلّف في هذه الحالة يطلب منه كلا الضدّين ، وهو محال.

والجواب على الاعتراض : أنّ الأمرين والوجوبين ، وإن كانا فعليّين معاً في الحالة المذكورة ولكن لا محذور في ذلك ، إذ ما دام امتثال أحدهما ينفي شرط الآخر وموضوعه ، وبالتالي ينفي فعليّة الوجوب الآخر فلا يلزم من اجتماع الأمرين أن يكون المطلوب من المكلّف مالا يطاق ، وهو الجمع بين الضدّين ، ولهذا لو فرض المحال وصدر كلا الضدّين من المكلّف لَما وقعا على وجه المطلوبيّة معاً ، فليس المطلوب خارجاً عن حدود القدرة.

وبهذا يتّضح أنّ إمكان وقوع الأمرين بالضدّين على وجه الترتّب واجتماعهما معاً نشأ من خصوصيّة الترتّب بينهما ، أي من خصوصيّة كون أحدهما أو كلٍّ منهما بامتثاله نافياً لموضوع الآخر ومعدِماً لشرطه.

٣٣٨

التخيير والكفائيّة في الواجب

الخطاب الشرعيّ المتكفّل للوجوب على نحوين :

أحدهما : أن يبيّن فيه وجوب عنوانٍ كلّيّ واحد ، وتجري قرينة الحكمة لإثبات الإطلاق في الواجب ، وأ نّه إطلاق بدليّ ، كما إذا قال : «صلّ» فيكون الواجب طبيعيّ الصلاة ، ويكون مخيّراً بين أن يطبّق هذا الطبيعيّ على الصلاة في المسجد ، أو على الصلاة في البيت ، إلاّأنّ هذا التخيير ليس شرعيّاً ، بل هو عقليّ ، بمعنى أنّ الخطاب الشرعيّ لم يتعرّض إلى هذا التخيير ، ولم يذكر هذه البدائل مباشرةً ، وإنّما يحكم العقل والعرف بالتخيير المذكور.

والنحو الآخر : أن يتعرّض الخطاب الشرعيّ مباشرةً للتخيير بين شيئين فيأمر بهما على سبيل البدل ، فيقول مثلاً : «صلّ» أو «اعتق رقبة» ، ويسمّى التخيير حينئذٍ شرعيّاً ، والوجوب بالوجوب التخييريّ.

التخيير الشرعيّ في الواجب :

ولا شكّ في أنّ الوجوب التخييريّ ثابت في الشريعة في مواقع عديدة ، وله خصائص متّفق عليها :

منها : أنّ المكلّف يعدّ ممتثلاً بإتيان أحد الشيئين ، أو الأشياء. ويُعدُّ عاصياً إذا ترك البدائل كلّها ، غير أنّها معصية واحدة ولها عقاب واحد. وإذا أتى بالشيئين معاً فقد امتثل أيضاً.

وقد وقع البحث في تحليل حقيقة الوجوب التخييريّ :

٣٣٩

فقيل : إنّ مرجعه إلى التخيير العقليّ (١) ، بمعنى أنّه وجوب واحد متعلّق بالجامع بين الشيئين تبعاً لقيام الملاك به ، سواء كان هذا الجامع عنواناً أصيلاً ، أو عنواناً انتزاعيّاً كعنوان (أحدهما).

وقيل : إنّ مرجعه إلى وجوبين مشروطين (٢) ، بمعنى أنّ كلاًّ من العِدلين واجب وجوباً مشروطاً بترك الآخر ، ومردّ هذين الوجوبين إلى ملاكين وغرضين غير قابلين للاستيفاء معاً ، فمن أجل تعدّد الملاك وقيام ملاكٍ خاصّ بكلٍّ من العِدلين تعدّد الوجوب ، ومن أجل عدم إمكان استيفاء الملاكين معاً جعل الوجوب في كلٍّ منهما مشروطاً بترك الآخر.

وقد لوحظ على التفسير الثاني بأنّ لازمه :

أوّلاً : تعدّد المعصية والعقاب في حالة ترك العِدلين معاً (٣) ، كما هو الحال في حالات التزاحم بين واجبين لو تركهما المكلّف معاً.

وثانياً : عدم تحقّق الامتثال عند الإتيان بكلا الأمرين ، إذ لا يكون كلّ من الوجوبين حينئذٍ فعليّاً (٤) ، وكلا اللازمين معلوم البطلان.

وتوجد ثمرات تترتّب على تفسير الوجوب التخييري بهذا الوجه أو بذاك ، وقد يذكر منها : جواز التقرّب بأحد العِدلين بخصوصه على التفسير الثاني ؛ لأنّه متعلّق للأمر بعنوانه ، وعدم جواز ذلك على التفسير الأوّل ؛ لأنّ الأمر متعلّق بالجامع ، فالتقرّب ينبغي أن يكون بالجامع المحفوظ في ضمنه ، كما هي الحالة في سائر موارد التخيير العقليّ.

__________________

(١) قاله المحقّق الخراساني في كفاية الاصول : ١٧٤

(٢) نقله الاصوليّون في كتبهم كالمحقّق النائيني رحمه‌الله راجع فوائد الاصول ٢ : ٢٣٢

(٣) فوائد الاصول ٢ : ٢٣٤

(٤) راجع : نهاية الدراية ٢ : ٢٧٠

٣٤٠