الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٢

الفصل الثاني :

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعتزل النساء أو يطلقهن

٤١
٤٢

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعتزل نساءه : كيف؟ ولما ذا؟ :

قال ابن عباس : كنت أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن قول الله عزوجل : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) (١) ، فكنت أهابه ، حتى حججنا معه حجة ، فقلت : لئن لم أسأله في هذه الحجة لا أسأله ، فلما قضينا [حجنا] أدركناه ، وهو ببطن مرو ، قد تخلف لبعض حاجاته ، فقال : مرحبا بك يا ابن عم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». ما حاجتك؟

قلت : شيء كنت أريد أن أسألك عنه يا أمير المؤمنين ، فكنت أهابك.

فقال : سلني عما شئت ، فإنا لم نكن نعلم شيئا حين تعلمنا.

فقلت : أخبرني عن قول الله تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) من هما؟

قال : لا تسأل أحدا أعلم بذلك مني ، كنا بمكة لا يكلم أحدنا امرأته ، إنما هي خادم البيت ، فإن كان له حاجة سفع برجليها ، فقضى حاجته ، فلما قدمنا المدينة ، تعلمن من نساء الأنصار ، فجعلن يكلمننا ويراجعننا ، وإني أمرت غلمانا لي ببعض الحاجة ، فقالت امرأتي : بل اصنع كذا وكذا.

فقمت إليها بقضيب فضربتها به.

__________________

(١) الآية ٤ من سورة التحريم.

٤٣

فقالت : يا عجبا لك ، يا بن الخطاب! تريد أن لا تكلم؟! فإن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تكلمه نساؤه.

فخرجت ، فدخلت على حفصة ، فقلت : يا بنية ، انظري لا تكلمي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولا تسأليه ، فإن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ليس عنده دينار ولا درهم يعطيكهن ، فما كانت لك من حاجة حتى دهن رأسك فسليني.

وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إذا صلى الصبح جلس في مصلاه ، وجلس الناس حوله حتى تطلع الشمس ، ثم دخل على نسائه امرأة امرأة ، يسلم عليهن ، ويدعو لهن ، فإذا كان يوم إحداهن جلس عندها ، وإنها أهديت لحفصة بنت عمر عكة عسل من الطائف ، أو من مكة ، وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إذا دخل يسلم عليها حبسته حتى تلعقه منها ، أو تسقيه منها. وإن عائشة أنكرت احتباسه عندها ، فقالت لجويرية عندها ، حبشية يقال لها خضراء : إذا دخل على حفصة فادخلي عليها ، فانظري ما يصنع.

فأخبرتها الجارية بشأن العسل ، فأرسلت عائشة إلى صواحبتها ، فأخبرتهن ، وقالت : إذا دخل عليكن فقلن : إنا نجد منك ريح مغافير.

ثم إنه دخل على عائشة ، فقالت : يا رسول الله ، أطعمت شيئا منذ اليوم ، فإني أجد منك ريح مغافير.

وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أشد شيء عليه : أن يوجد منه ريح شئ ، فقال : هو عسل ، والله لا أطعمه أبدا.

حتى إذا كان يوم حفصة قالت : يا رسول الله ، إني لي إلى أبي حاجة ، إن نفقة لي عنده ، فأذن لي أن آتيه.

فأذن لها.

٤٤

ثم إنه أرسل إلى جاريته مارية ، فأدخلها بيت حفصة ، فوقع عليها ، فأتت حفصة فوجدت الباب مغلقا ، فجلست عند الباب ، فخرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو فزع ، ووجهه يقطر عرقا ، وحفصة تبكي ، فقال : ما يبكيك؟

فقالت : إنما أذنت لي من أجل هذا؟! أدخلت أمتك بيتي ، ثم وقعت عليها على فراشي؟! ما كنت تصنع هذا بامرأة منهن ، أما والله ما يحل لك هذا يا رسول الله.

فقال : والله ، ما صدقت : أليس هي جاريتي ، قد أحلها الله تعالى لي ، أشهدك أنها علي حرام ، ألتمس بذلك رضاك ، انظري لا تخبري بذلك امرأة منهن ، فهي عندك أمانة.

فلما خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة ، فقالت : ألا أبشري ، إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حرم أمته ، فقد أراحنا الله منها.

فقالت عائشة : أما والله ، إنه كان يريبني أنه كان يقبل من أجلها ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) (١). ثم قرأ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) (٢) ، فهي عائشة وحفصة.

وزعموا : أنهما كانتا لا تكتم إحداهما للأخرى شيئا.

وكان لي أخ من الأنصار إذا حضرت ، وغاب في بعض ضيعته ، حدثته بما قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وإذا غبت في بعض ضيعتي ، حدثني.

__________________

(١) الآية ١ من سورة التحريم.

(٢) الآية ٤ من سورة التحريم.

٤٥

فأتاني يوما وقد كنا نتخوف جبلة بن الأيهم الغساني (١) ، فقال : ما دريت ما كان؟

فقلت : وما ذاك؟ لعله جبلة بن الأيهم الغساني ، تذكر.

قال : لا ، ولكنه أشد من ذلك ، إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» صلى صلاة الصبح ، فلم يجلس كما كان يجلس ، ولم يدخل على أزواجه كما كان يصنع ، وقد اعتزل في مشربته ، وقد ترك الناس يموجون ولا يدرون ما شأنه ، فأتيت والناس في المسجد يموجون ولا يدرون.

فقال : يا أيها الناس كما أنتم ، ثم أتى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو في مشربته ، قد جعلت له عجلة ، فرقى عليها ، فقال لغلام له ، أسود ، وكان يحجبه : استأذن لعمر بن الخطاب ، فاستأذن لي.

فدخلت ورسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مشربته ، فيها حصير وأهب معلقة ، وقد أفضى بجنبه إلى الحصير ، فأثر الحصير في جنبه ، وتحت رأسه وسادة من أدم محشوة ليفا ، فلما رأيته بكيت.

قال : ما يبكيك؟

قلت : يا رسول الله ، فارس والروم ، أحدهم يضطجع في الديباج والحرير.

فقال : إنهم عجلت لهم طيباتهم ، والآخرة لنا.

ثم قلت : يا رسول الله ، ما شأنك؟ فإني قد تركت الناس يموج بعضهم في بعض ، فعن خبر أتاك ، فقال : اعتزلهن؟

فقال : لا ، ولكن كان بيني وبين أزواجي شيء ، فأحببت ألا أدخل عليهن

__________________

(١) أي نتخوف غزو الغساسنة لنا.

٤٦

شهرا.

ثم خرجت على الناس ، فقلت : يا أيها الناس ، ارجعوا ، فإن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان بينه وبين أزواجه شيء فأحب أن يعتزل.

فدخلت على حفصة ، فقلت : يا بنتي ، أتكلمين رسول الله ، وتغيظينه ، وتغارين عليه؟

فقالت : لا أكلمه بعد بشيء يكرهه.

ثم دخلت على أم سلمة ، وكانت خالتي ، فقلت لها كما قلت لحفصة.

فقالت : عجبا لك يا عمر بن الخطاب ، كل شيء تكلمت فيه ، حتى تريد أن تدخل بين رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وبين أزواجه ، وما يمنعنا أن نغار على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وأزواجكم يغرن عليكم.

فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) (١) حتى فرغ منها (٢).

__________________

(١) الآية ٢٨ من سورة الأحزاب.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٦٠ و ٦١ عن الطبراني ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، وأحمد ، والترمذي ، وابن ماجة عن : أنس ، وأم سلمة ، وجابر ، وابن عباس ، وعائشة ، والزهري ، وابن عمر. وقال في هامشه : ذكره الهيثمي في المجمع ج ٥ ص ١٣ من طريق عبد الله بن صالح ، وعزاه للطبراني في الأوسط ، وهو في الصحيحين من حديث عائشة ج ٨ ص ٦٥٦ (٤٩١٢) (٦٦٩١) ومسلم ج ٢ ص ١١٠٠ (٢٠ / ١٤٧٤) وراجع : صحيح مسلم (ط دار الفكر) ج ٤ ص ١٩٢ ومجمع الزوائد (ط دار الكتب العلمية) ج ٥ ص ٨ ـ ١٠ والمعجم الأوسط ج ٨ ص ٣٢٤ ـ ٣٢٦ وراجع : فتح الباري ج ٩ ص ٢٤٣ ـ ٢٤٧ وكنز العمال ج ٢ ص ٥٣٥ ـ ٥٣٨.

٤٧

وروي حديث المغافير عن عائشة بطريقة أخرى ، فقد قالت : كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يحب الحلوى ، ويحب العسل. وكان إذا صلى العصر دار على نسائه ، فيدنو منهن ، فدخل على حفصة فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك ، فقيل لى : أهدت لها امرأة من قومها عكة عسل ، فسقت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منه ، فقلت : أما والله ، لنحتالن له.

فذكرت ذلك لسودة ، وقلت : إذا دخل عليك ، فإنه سيدنو منك ، فقولي له : يا رسول الله ، أكلت مغافر؟ فإنه سيقول لك : لا ، فقولي له : ما هذه الريح؟

وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يشتد عليه أن يوجد منه ريح ، فإنه سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسل ، فقولي له : جرست نحله العرفط. وسأقول له ذلك ، فقولي له أنت يا صفية.

فلما دخل على سودة قالت سودة : والذي لا إله إلا هو ، لقد كدت أن أبادئه بالذى قلت لي ، وإنه لعلى الباب فرقا منك ، فلما دنا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قلت : يا رسول الله أكلت مغافر.

قال : لا.

قلت : فما هذه الريح؟

قال : سقتني حفصة شربة عسل.

قلت : جرست نحله العرفط.

فلما دخل علي قلت له مثل ذلك ، ثم دخل على صفية ، فقالت له مثل ذلك ، فلما دخل على حفصة قالت : يا رسول الله ، ألا أسقيك منه؟

٤٨

قال : لا حاجة لى به.

قال : تقول سودة : سبحان الله ، والله لقد حرمناه.

قلت لها : اسكتي (١).

حديث اعتزال النساء بطريقة أخرى :

وقد رووا حديث اعتزال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لنسائه بطريقة ، أو بطرائق أخرى ، فيها الكثير من الخلل والوهن .. واستعراض جميع تلك الروايات ، وبيان وجوه الإشكال فيها يحتاج إلى وقت وجهد لا نرى أننا نستطيع توفير هما في هذا الظرف ، فلا بد أن نقتصر على ما يتيسر لنا عرضه ، آملين أن نوفق لدراسة هذه القضية في فرصة أخرى ، فنقول :

إن أبا بكر وعمر دخلا على النبى «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو جالس وحوله نساؤه ، وهو ساكت ، فقال عمر : لأكلمن رسول الله «صلى الله عليه

__________________

(١) مسند أحمد ج ٦ ص ٥٩ وصحيح البخاري ج ٦ ص ١٦٧ وج ٨ ص ٦٤ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٥ والبحار ج ٢٢ ص ٢٢٩ وسنن أبي داود ج ٢ ص ١٩١ وتفسير القرآن العظيم ص ٤١٣ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٣٥٤ وعمدة القاري ج ٢٠ ص ٢٤٣ وج ٢٤ ص ١١٩ وتفسير الثعالبي ج ٥ ص ٤٥٠ وشرح مسلم للنووي ج ١٠ ص ٧٦ وعون المعبود ج ١٠ ص ١٢٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ٨٥ ومسند أبي يعلى ج ٨ ص ٣٠٠ وتفسير مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥ وتفسير القرآن للصنعاني ج ٣ ص ٣٠١ و ٣٠٢ وتفسير البغوي ج ٤ ص ٣٦٢ وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص ٢٩١ وزاد المسير ج ٨ ص ٤٩ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٨ ص ١٧٧ و ١٧٨ وتفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٤١٣ و ٤١٤.

٤٩

وآله» لعله يضحك.

فقال عمر : يا رسول الله ، لو رأيت ابنة زيد (امرأة عمر) سألتنى النفقة آنفا ، فوجأت عنقها.

فضحك النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى بدا ناجذه ، وقال : هن حولي يسألننى النفقة.

فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان : تسألان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما ليس عنده؟!

فنها هما رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن هذا.

فقلن نساؤه : والله لا نسأل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعد هذا المجلس ما ليس عنده.

وأنزل الله الخيار ، فبدأ بعائشة ، فقال : إنى ذاكر لك أمرا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك.

قالت : ما هو؟

فتلا عليها : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً).

قالت عائشة : أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار الله ورسوله ، وأسالك أن لا تذكر إلى امرأة من نسائك ما اخترت (١).

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ١٩٤ عن أحمد ، ومسلم ، والنسائي ، وابن مردويه ، وراجع : مسند أحمد ج ٣ ص ٣٢٨ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٣٨٣ و ٣٨٤ وتفسر القرآن العظيم ج ٣ ص ٤٨٩ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٣ ص ١١٧ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٤٠٦ وج ١١ ص ١٧٥ ولباب النقول (ط دار إحياء ـ

٥٠

وفي نص آخر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يخرج إلى الصلاة ، فأطال الصحابة الوقوف ببابه ، فلم يأذن لهم ، ولم يخرج إليهم ، فتفرقوا ، وتمكن عمر من الدخول ، فسأله عن الأمر.

فأخبره بأنهن سألنه ما ليس عنده.

فقال له عمر : يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض ، لأنها سألتني ما ليس عندي ..

ثم تذكر الرواية ما جرى .. وفيها : فاخترن أن لا يتزوجن بعده (١).

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يهجر عائشة :

عن عائشة قالت : كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في سفر ـ وفي رواية : «حجة الوداع» ـ ونحن معه ، فاعتل بعير لصفية ، وكان مع زينب فضل ، فقال لها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن بعير صفية قد اعتل ، فلو أعطيتها بعيرا لك!

قالت : أنا أعطي هذه اليهودية؟!

فغضب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهجرها بقية ذي الحجة ، ومحرم ، وصفر ، وأياما من ربيع الأول ، حتى رفعت متاعها وسريرها فظنت

__________________

ـ العلوم) ص ١٧٣ و (ط دار الكتب العلمية) ١٥٨ وتفسير الآلوسي ج ٢١ ص ١٨١ وفتح القدير ج ٤ ص ٢٨١.

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ١٩٤ عن ابن سعد ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ١٧٩ ـ ١٨١ وراجع : تفسير العز بن عبد السلام ج ٢ ص ٥٧٠ وعمدة القاري ج ١٣ ص ١٩.

٥١

أنه لا حاجة له فيها ، فبينما هي ذات يوم قاعدة نصف النهار ، إذ رأت ظله قد أقبل ، فأعادت سريرها ومتاعها (١).

وعن أبي هريرة قال : هجر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نساءه ـ قال شعبة : أحسبه قال : شهرا ـ فأتاه عمر بن الخطاب ، وهو في غرفة ، وهو على حصير قد أثر الحصير بظهره ، فقال : يا رسول الله ، كسرى يشربون في الذهب والفضة ، وأنت هكذا؟!

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنهم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ، ثم قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : الشهر هكذا ، وهكذا وهكذا ، وكسر في الثالثة الإبهام (٢).

قال الصالحي الشامي :

تنبيهات :

الأول : سبب نزول قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (٣) : أن نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سألنه في عرض

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٦٢ عن الطبراني ، وأبي داود بسند جيد وقال في هامشه : ذكره الهيثمي في المجمع ج ٤ ص ٣٢٦ وقال : رواه أبو داود مختصرا ، والطبراني في الأوسط وراجع : مجمع الزوائد (ط دار الكتب العلمية) ج ٤ ص ٣٢٣ والمعجم الأوسط ج ٣ ص ٩٩ والمعجم الكبير ج ٢٤ ص ٧١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٦٢ وقال في هامشه : أخرجه أحمد ج ٢ ص ٢٩٨ وانظر المجمع ج ٦ ص ٧ و ١٠ / ٣٢٧ وراجع : مسند أحمد (ط دار صادر) ج ٢ ص ٤٤ و ٨١ ومجمع الزوائد (ط دار الكتب العلمية) ج ٥ ص ٧ و ٨.

(٣) الآية ٢٨ من سورة الأحزاب.

٥٢

الدنيا ومتاعها أشياء ، وطلبن منه زيادة في النفقة ، وأذينه بغيرة بعضهن بعضا ، فهجرهن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وآلى (أي حلف) لا يقربهن شهرا ولم يخرج إلى أصحابه ، فقالوا : ما شأنه وكانوا يقولون : طلق رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال عمر : لأعلمن لكم شأنه ، فاستأذن عليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كما تقدم.

الثاني : قال في (زاد المعاد) : وطلق رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وراجع ، وآلى إيلاء مؤقتا بشهر ، ولم يظاهر أبدا ، وأخطأ من قال : إنه ظاهر خطأ عظيما ، وإنما ذكر هنا تنبيها على ذكر خطائه ونسبته إليه ما أمره الله تعالى به (١). انتهى.

ونقول :

أولا : إن ما ذكره الصالحي الشامي ، من أن أزواج النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سألنه زيادة في النفقة يأباه صريح الروايات التي تقدمت ، والتي تقول : إنهن سألنه النفقة ، وقد تقدمت الرواية بذلك آنفا (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٦٢.

(٢) الدر المنثور ج ٥ ص ١٩٤ عن مسلم ، والنسائي ، وأحمد ، وابن مردويه وراجع : فيض القدير ج ٢ ص ٤٤١ ومسند أحمد ج ٣ ص ٣٤٢ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٤٠٦ وج ١١ ص ١٥٣ و ١٥٤ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٣٧٤ و ٤٠٧ وصحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٣٨ ومسند أبي يعلى ج ٤ ص ١٧٤ و ١٧٥ وشرح مسند أبي حنيفة ص ٤٤ وتفسير البغوي ج ٣ ص ٥٢٦ والجامع لأحكام القرآن ج ١٤ ص ١٦٣ وج ١٨ ص ١٩٢ وإمتاع الأسماع ج ١٣ ص ٦٨.

٥٣

وذلك يدل على : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قصر في أداء ما يجب عليه لهن. وحاشاه من ذلك.

ثانيا : إن الله عزوجل قد وعدهن بالرزق الكريم إن أطعن الله ورسوله. فقال : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) (١).

وهذا يدل على : أن القضية لم تكن قضية نفقة ، وإنما هي قضية طاعة وانقياد ..

ثالثا : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يبادي من تطلب منه حقها بهذا النحو من الشدة ، فيعتزلها ، ويهم بطلاقها. بل هو يلين لها ويعترف لها بحقها ، ولا يحرمها من ليلتها مدة شهر كامل .. فيكون بذلك قد ظلمها ، واستأثر بما لا يحق له الاستئثار به. فلما ذا لا يبقى معهن ، ويؤدي لهن حقهن؟! فإذا صمم على طلاقهن ، فإنه يمتنع عن غشيانهن ، إلى أن يتمكن من تسريحهن بإحسان ، بعد ان يصبح ذلك ممكنا من الناحية الشرعية ..

رابعا : إن عدم تمكنه من الإنفاق لا يستلزم حلفه على طلاقهن ، فيمكنه أن يطلقهن ، أو أن يطلق من يشاء منهن ، من دون حاجة إلى هذا الحلف.

خامسا : إن تصميمه على الطلاق حتى لو كان قد حلف عليه ، واعتزل نساءه لا يستوجب أن ينقطع عن أصحابه ، وأن يمتنع من الإذن لهم بالدخول عليه .. وما إلى ذلك.

سادسا : هل صحيح أنه كان لا يقدر على الإنفاق عليهن جميعا؟! أم أنه

__________________

(١) الآية ٣١ من سورة الأحزاب.

٥٤

كان يقدر على الإنفاق على بعضهن؟!

وفي كلتا الصورتين : كيف ومن أين كنّ زوجاته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ينفقن على أنفسهن؟!

هل كن يتسولن في الأزقة والشوارع؟! أم كن ينفقن من أموالهن؟! مع علمنا : بأنهن لم يكنّ يملكن أموالا. فما الذي تغير حتى أعرض عن اعتزاله لهن؟!

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يضحك لضرب عمر لزوجته؟ :

وذكروا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ضحك حين أخبره عمر بن الخطاب : بأنه ضرب زوجته حتى ألصقت خدها بالأرض ، أو لأنه وجأ عنقها!

وهذا غريب حقا ، فإن المفروض بالنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أن يغضب من فعل عمر هذا ، وأن يعترض على عمر ، ويبادر إلى تأنيبه على هذا الجرم الذي اقترفه ، إن لم نقل : إن المطلوب هو أكثر من ذلك أيضا ..

ولكن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ حسب زعمهم ـ حين تخلف عن هذا الواجب ، لم يكتف بهذا التخلف ، والسكوت عن هذا المنكر ، بل هو ـ حسب روايتهم المزعومة ـ قد ضحك له ، وأفرحه ما صدر من عمر بن الخطاب ، من ظلم وعدوان على امرأة ضعيفة ، لم يزل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوصي بمثيلاتها ، حيث يقول ـ حتى في مرض موته ـ : أوصيكم بالضعيفين. (يريد النساء وما ملكت يمينكم) (١).

__________________

(١) راجع : الكافي ج ٧ ص ٥٢ وتحف العقول ص ١٩٩ ومستدرك الوسائل ج ١٤ ص ٢٥٥ ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) للمير جهاني ج ٤ ص ١٤ ـ

٥٥

على أن ما ذكره عمر لا يتضمن ما يستوجب التبسم ، فضلا عن أن يضحك حتى يبدو ناجذه ..

فهل كان ضحكه هذا شماتة بتلك المرأة المظلومة والمستضعفة ، وابتهاجا بهذا الظلم والطغيان العارم؟!

حاشا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وألف حاشا ..

ثم إنهم يقولون : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن يزيد في ضحكه عن التبسم ، فلما ذا بلغ الأمر به إلى الضحك حتى بدا ناجذه؟!

التناسب .. والإنسجام :

على أن ما تقدم : من أن زوجة عمر اعترضت عليه فيما أمر به غلمانه فضربها ، فأخبرته باعتراض نساء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عليه .. لا يتناسب مع ما زعمته الرواية نفسها ، من أنه خرج فدخل على حفصة ،

__________________

ـ ومقاتل الطالبيين ص ٢٥ والبحار ج ٤٢ ص ٢٤٩ وج ٧٥ ص ١٠٠ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٩ ص ٣١٥ وج ٢٠ ص ٢٤٨ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيخ هادي النجفي ج ٧ ص ٢٩٤ وج ١١ ص ١٨ والمعجم الكبير ج ١ ص ١٠٢ وشرح النهج ج ٦ ص ١٢٠ و ١٢١ ونظم درر السمطين ص ١٤٦ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٦٣ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٥٣٣ والمناقب للخوارزمي ص ٣٨٦ وكشف الغمة ج ٢ ص ٥٩ وأهل البيت «عليهم‌السلام» في الكتاب والسنة لمحمد الريشهري ص ٣٤٠ موسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ٧ ص ٢٥٧ وشرح إحقاق الحق ج ٣٢ ص ٦٥٤ وراجع : عمدة القاري ج ١٣ ص ١٠٨ والجرح والتعديل ج ١ ص ١٩٧.

٥٦

وطلب منها أن لا تطلب من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شيئا ، إذ ليس عنده درهم ولا دينار. فراجع.

حديث الإعتزال بسبب عائشة وحفصة :

ونجد عمر بن الخطاب يؤكد على : أن اعتزال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لنسائه قد كان بسبب عائشة وحفصة ، حين تظاهرتا عليه ، ولم يذكر لنا سبب ذلك سوى بعض اجتهادات منه ، حول أن نساء الأنصار كنّ يراجعن أزواجهن ، فتعلمت سائر النساء منهن ذلك (١).

أو أن الموضوع موضوع العسل ، الذي ادّعت بعض نسائه : أن فيه ريح مغافير ..

ونقول :

١ ـ إنه إذا كان المذنب هو عائشة وحفصة ، فلما ذا اعتزل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جميع نسائه؟

ألا يدل ذلك : على أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رأى أن ثمة تواطؤا فيما بينهن على أمر عظيم ـ وإن كانت عائشة وحفصة هما المحركتان لباقي

__________________

(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٤٢ و ٢٤٣ عن أحمد ، وعبد الرزاق ، والعدني ، وابن سعد ، والبخاري ، ومسلم ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن حبان ، وابن المنذر ، وابن مردويه وعن ابن عباس وراجع : صحيح البخاري ج ٦ ص ١٤٨ و ١٤٩ وفتح الباري ج ٩ ص ٢٤٨ فما بعدها ، وعمدة القاري ج ٢٠ ص ١٨٠ وعون المعبود ج ١٤ ص ٧٢ وكنز العمال ج ٢ ص ٥٢٥ و ٥٢٦ وتفسير الميزان ج ١٩ ص ٣٣٩ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٤٠٦ وراجع : تفسير القرآن العظيم ج ٤ ص ٤١٥.

٥٧

النساء؟!

٢ ـ يضاف إلى ذلك : أن مجرد مراجعة المرأة لزوجها لا تستدعي هذا الإجراء القوي ..

٣ ـ إنه يبدو : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان حين انقطع عن المسلمين يريد أن يشرك سائر المسلمين في التصدي لهذا الأمر العظيم ، حتى إن جماعة منهم كانوا حول المسجد يبكون.

وهذا معناه : أنه أمر يعنيهم ، ويؤثر على حياتهم ودينهم ، وليس مجرد أمر شخصي أو شيء يرتبط بأمور الدنيا.

٤ ـ يضاف إلى ذلك : أنه لو صحت قضية المغافير ، فذلك يدعوه إلى اعتزال النساء اللواتي شاركن في ذلك ، دون النساء اللواتي لم يشاركن فيه ..

٥ ـ وحديث مارية ، إنما يختص بحفصة ، فلما ذا يعتزل سائر النساء من أجل كلام تكلمت به حفصة دون سواها؟!

٦ ـ وقد ذكر لحفصة : أنه يحل له أن يقارب جاريته ، فلما ذا عاد وحرم جاريته على نفسه ، وهي لا ذنب لها؟!

٧ ـ على أن في روايات ابن عباس عن عمر تناقضا ، فهل ذكر عمر لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنه صك وجه ، أو وجأ عنق زوجته؟!

وأن الزوجة التي تعرضت لهذا أو ذاك هي ابنة زيد ، أو هي جميلة بنت ثابت.

هجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة :

تقدم عن عائشة : أن بعير صفية في حجة الوداع قد اعتل ، فطلب النبي

٥٨

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» من عائشة أن تعطيها بعيرا ، فقالت : أنا أعطي هذه اليهودية ، فهجرها النبي حوالي ثلاثة أشهر ..

والظاهر هو : أن هذه قضية أخرى حدثت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع زوجاته ، وخصوصا عائشة وما أكثر أمثال هذه القضايا في حياة هذه المرأة مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

غير أن ما يؤسف له هو : محاولة جعل بعض نصوص هذه الرواية قادرة على أن توهم قارئها : بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يعتزل عائشة ، إنما اعتزل المرأة التي أهانتها عائشة ، فراجع (١).

الإصرار على تضييع الحقيقة :

والذي يضحك الثكلى روايتهم عن أبي جعفر ، أنه قال : قال نساء رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ما نساء أغلى مهورا منا.

فغار الله لنبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأمره أن يعتزلهن ، فاعتزلهن تسعة وعشرين يوما ، ثم أمره أن يخيّرهن فخيّرهن (٢).

ولا ندري كيف صار هذا سببا لهذا التدخل الإلهي القوي ، فإن مجرد قولهن : ما نساء أغلى مهورا منا .. إن كان صحيحا في نفسه ، فهو لا يوجب

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٩ ص ٦٢.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ١٩٢ والدر المنثور ج ٥ ص ١٩٥ عن ابن سعد ، وراجع : البحار ج ٢٢ ص ٢١٢ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» ج ١ ص ٣٢٧ وج ٩ ص ٣٨٧ والحدائق الناضرة ج ٢٥ ص ٢٢٢ وجواهر الكلام ج ٣٢ ص ٧٠ والكافي ج ٦ ص ١٣٨.

٥٩

هذا الإجراء الحازم والصارم.

وإن لم يكن صحيحا ، وظهر أنه كان في مهور النساء آنئذ ما هو أغلى من مهورهن ، فكان يكفي أن يقول لهن : إن هذا القول غير صحيح .. ولكن الذي نظنه هو : أن هولاء يريدون التعمية على الأسباب الحقيقة التي دعت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى اتخاذ هذا الإجراء ، الذي خلده الله تعالى في كتابه الكريم إكراما لنبيه ، وإزراء على من اجترأ على مقام النبوة والرسالة ، وأساء إليها ..

الحقيقة المنقوصة :

وفي حين فشل الحسن (البصري) في تبيان حقيقة سبب ما جرى ، فأبهمه أيما إبهام ، فإن قتادة يكاد يقترب من إظهاره ، ولعله هو الآخر ، عاد فتراجع ، ربما لأنه لا يريد أن يعرض نفسه لخطر عظيم ، وبلاء جسيم.

فعن الحسن ، وقتادة : أن الله تعالى أمر نبيه أن يخيرهن في شيء كن أردنه من الدنيا.

وقال عكرمة : في غيرة كانت غارتها عائشة (١).

ولكن مجرد الغيرة من عائشة لا تكفي ، لو لم تكن هناك تصرفات وأقوال هائلة أخرى ، قد رافقت ذلك.

وربما يكون حديث الآيات عن الفاحشة ، والتوعد عليها بمضاعفة العذاب في هذه المناسبة حيث قال : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ

__________________

(١) الدر المنثور ج ٥ ص ١٩٥ عن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وراجع : التبيان ج ٨ ص ٣٣٥ وجامع البيان ج ٢١ ص ١٨٩ وإمتاع الأسماع ج ١٣ ص ٦٥.

٦٠