الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٦

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٦

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٧٢

يولي زيادا هذا العمل بعد ان طلبه منه زياد؟!

إلا أن يقال : إن المقصود هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يولي عمله ذلك الشخص الذي يريد أن يتخذ من منصبه ذريعة للحصول على المنافع والإمتيازات .. وأما من يطلب العمل ، لأنه يرى في نفسه القدرة على حل مشكلة ، أو إنجاز مهمة لا يعود نفعها إليه كشخص ، فلا يقصده النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بكلمته تلك ..

ولعل مما يشير إلى هذا المعنى : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال : «من يطلبه» ، أي أنه يسعى جاهدا للحصول عليه ويظهر الحرص ، ويجعل كل همه للوصول إليه ..

وليس المقصود : من طلبه سؤاله ولو مرة واحدة ، لعارض عرض اقتضى أن يتبرع بإنجاز مهمة ، وتحمل مسؤولية ، رأى أنه قادر على تحملها ..

٣ ـ وأما طلب زياد من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يكتب له بشيء من صدقاتهم ، فقد جاء مبهما ، ولم يبين إن كان المطلوب هو أن يحدد له نسبة من تلك الصدقات ، مثل الربع أو النصف ، أو نحو ذلك ، أو أنه طلب شيئا منها لا يزيد على نفقته ، أو أجرة عمله!!

فإن كان المطلوب هو الأول ـ كما قد يستظهر من سياق الكلام ـ فإن استجابة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لطلبه تصبح في منتهى الغرابة ، بل

__________________

ـ الكبير ج ٢٠ ص ٤٢ ومسند الشهاب ج ٢ ص ١٧٧ والجامع الصغير ج ١ ص ٣٨٦ وكنز العمال ج ٦ ص ٤٧ والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٩ ص ٢١٦ والأحكام لابن حزم ج ٦ ص ٧٦٤ والضعفاء للعقيلي ج ٣ ص ١٩٠ ولسان الميزان ج ٤ ص ٣٢٤.

١٢١

طلبه هذا لا بد أن يدعو النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى إعفائه من المهمة التي رشح نفسه لها ..

وإن كان المطلوب هو الثاني ، فهو مقبول ، ومعقول .. في بادئ الأمر ، غير أننا نقول :

إن المتوقع أن يبادر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى هذا الأمر ، من دون حاجة إلى أن يطلب زياد ذلك منه.

ولعل ما ذكر في آخر الرواية : من أنه حين سمع من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ما سمع جاءه بالكتابين طالبا إعفاءه من مهمته ، يؤيد : أن يكون قد طلب الإمارة لنفسه ، وطلب من الصدقات أكثر مما يحتاج إليه ، ولو على سبيل الأجر الذي يستحقه أمثاله في الأحوال المشابهة.

٤ ـ أما رواية حبان بن بحّ فقد ذكرت : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتب إليه بصدقة قومه ، وبالإمارة عليهم ..

وذلك غير معقول ولا مقبول ، فإن الصدقة ليست للأمير ، ولا للعامل وحده ، فإن القرآن قد عيّن لها مصارفها ، فما معنى أن يكتب له بصدقات قومه؟!

٥ ـ إنه قد يستظهر من رواية حبان بن بح : أن سبب إرسال الجيش إلى الصدائيين أنهم ارتدّوا عن الإسلام ، فأخبروا النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأمرهم ، فجهز لهم جيشا ثم أخبروه بعودتهم إلى دينهم ، فصرف ذلك الجيش عنهم.

ولعل سبب المبادرة إلى إرسال الجيش هو : أن شيوع ارتداد أية قبيلة من شأنه أن يترك آثارا سلبية على غيرها ، من حيث إنه يجعلهم يستسهلون أمر الإرتداد ، خصوصا إذا ظهر لهم أن ذلك لا يحمل لهم أية سلبية أو معاناة ..

١٢٢

وتصبح قضية نشر الدين في مأزق حقيقي ، ولا سيما لجهة اختلال الثقة في مجتمع أهل الإيمان ، وترقب الإرتداد من أي كان من الناس ، في أي وقت .. الأمر الذي يوجب ضعف ، وانحلال رابطة الأخوة الدينية فيما بينهم.

وهذا يوجب المبادرة لمواجهة حالات الإرتداد ، لأنها لا يمكن أن توصف بالبراءة أبدا.

فإن من يفعل ذلك ، يكون مارس الخديعة أو الخيانة بأبشع مظاهرها. لأنه إما أن يكون هذا المرتد ممن قامت عليه الحجة بالأدلة البرهانية ، أو بالقناعة الوجدانية عن طريق المعجزة ، فآمن .. فلا مبرر لارتداده بعد هذا ، بل ارتداده خيانة للدين ، ولأهل الإيمان.

وإما أنه لم يبلغ درجة القناعة الوجدانية ، ولا أقنعته الحجة البرهانية ، فيكون دخوله في الإسلام في هذه الحال خداعا وتدليسا ونفاقا. وارتداده بعد ذلك إقرارا عمليا بهذا الخداع .. فلا بد من محاسبته على هذا الأمر أيضا ، لأن الأمر خرج عن كونه مسألة شخصية ، ليصبح اعتراضا على الدين ، وطعنا في حقائقه ، وتكذيبا لآياته ، وجحودا لمعجزاته ..

٦ ـ على أن ثمة تساؤلا يحتاج إلى الجواب المعقول والمقبول ، وهو : أنه لما ذا بادر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لتجهيز ذلك الجيش ، قبل أن يستيقن الأمر بالطرق المعروفة والمألوفة ..

وقد يجاب عن ذلك : بأن نفس مبادرة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى هذا ، لا يعني أنه أراد أن يوقع بأولئك الناس قبل التثبت من الأمر .. فإن تجهيز ذلك الجيش قد كان علنيا وظاهرا ، ولا بد أن يبلغ خبره إليهم .. فإن كان الخبر صحيحا ، فسيكون ردهم على هذا الإجراء هو الإستنفار ،

١٢٣

والتهبوء للحرب.

وإن كان الخبر باطلا ، فإنهم سيبادرون إلى إظهار الإسلام وتكذيب الخبر ، وسيتجنبون المواجهة مع ذلك الجيش.

٧ ـ إن تجهيز هذا الجيش قد جاء بمثابة رسالة أريد أن يفهم مراميها ومعانيها كل من تسوّل له نفسه أمرا من هذا القبيل.

ويدل على ذلك : أنه بمجرد ان جاء رجل واحد من تلك القبيلة ، وتكفل بعودة قومه إلى جادة الصواب .. أو بمجرد أن أخبره حبان بن بحّ بأن قومه على الإسلام ، صرف ذلك الجيش عنهم ، وأعاده إلى قواعده بسلام وأمان ..

٨ ـ وعن الحديث الذي يقول : من سأل الناس عن ظهر غنى ، فصداع في الرأس ، وداء في البطن ، نقول :

إن هذا الحديث لا يبرر انصراف زياد عن أخذ ما طلبه من الصدقة ، حتى لو كان غنيا.

فإن زيادا قد طلب إعطاءه نصيبا من صدقات قومه ، وبما أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أجاب طلبه ، فذلك يعني : أنه أعطاه ما يستحقه ، فإن كان فقيرا فإنما يعطيه بمقدار ما يستحقه كما يعطي غيره مع الفقراء .. وإن كان غنيا (أو فقيرا أيضا) فإنه يعطيه ما يستحقه من أجرة على العمل ، أو على المهمة التي يتصدى لها ..

ولا يدخل ذلك تحت عنوان : «من سأل الناس عن ظهر غنى» ، إذ المقصود بالسؤال : هو طلب ما لا يستحقه.

والمفروض : أن الأمر ليس كذلك هنا ، إذ لو كان كذلك لم يكتب له ،

١٢٤

النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بشيء من الصدقات ، لأنه لا يعطي أحدا ما لا يستحقه.

فإذا كان قد ردّ كتاب الصدقة إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فالمتوقع : أن يسأله النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن سبب ذلك ، ثم يوضح له : أنه قد أخطأ في فهم ما يرمي إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وليس فيما بأيدينا ما يشير إلى سؤال أو جواب للتصحيح أو التوضيح ..

٩ ـ أما ما زعمه زياد : من أن أصحاب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بدأوا في مسيرهم مع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يستأخرون وينقطعون عنه ، حتى لم يبق معه أحد غير زياد ، وحتى استغرق لحوقهم به وقتا طويلا قد يصل إلى نحو عشر دقائق على أقل تقدير ، فهو غير مقبول ، بل ولا معقول أيضا ، إذ لا يمكن أن نصدق أن يبقي المسلمون نبيهم في ذلك الليل البهيم يسير وحده في صحراء قاحلة لا يجد فيها قطرة من ماء ، وليس فيها حسيس ولا أنيس. مع ما نعلمه من حرصهم على الكون بقربه ، والسير في ركابه التماسا للبركة منه ..

١٠ ـ يضاف إلى ذلك : أن تلك الروايات تضمنت : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سار بأصحابه الليل بكامله ، من العشاء حتى الفجر .. وهذا أيضا أمر مستغرب .. لا سيما ، مع عجز الروايات عن الإفصاح لنا عن وجهة سيره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأنها كانت إلى أي قوم!! وفي أية جهة!! فإن غزوات النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» معروفة ، ومسيره إليها ليس بالأمر المجهول ، فقد وصفه الرواة لنا ، وسجله المؤرخون ، وحفاظ السيرة ..

١١ ـ إن الرواية تفيد : أن الأذان قد حصل قبل طلوع الفجر ، وانه

١٢٥

«صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يرض من زياد بأن يقيم حتى تحقق «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من طلوع الفجر .. فما هو الداعي إلى هذا التقديم ، ما دام أن الأذان بعد تحقق طلوع الفجر لا يفوّت فضيلة الصلاة في أول الوقت؟!

١٢ ـ إن زيادا يزعم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «يا أخا صداء ، لو لا أني أستحي من ربي عزوجل لسقينا واستقينا ناد في أصحابي من له حاجة في الماء».

فكيف يستحي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من ربه أن يسقي ويستقي هو ومن معه ، ثم يطلب من زياد أن يدعو من أصحابه من له حاجة في الماء؟! أليس هذا سقيا واستسقاء؟! فلما ذا يناقض القول بالفعل ، بل لما ذا يكون الكلام متناقضا في نفسه ، فإن هذا وذاك مما نجلّ عنه مقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

إرسال ابن العاص إلى إبني الجلندى :

وفي ذي القعدة سنة ثمان بعث رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عمرو بن العاص إلى جيفر وعبد ابني الجلندى ، فأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم (١).

ونوضح ذلك كما يلي :

إن جيفر وعبدا كانا ملكي عمان ، وهما ابنا الجلندى بن المستكبر بن

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ١٨٤ عن الكامل في التاريخ ج ٢ ص ١٨٥ وراجع : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٦٢ والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج ٢ ص ٢٧٢ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٣٦.

١٢٦

الحراز الأزدي ، ولعل الجلندى كان قد شاخ ففوض الأمر إلى ولديه هذين.

وقد بعث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عمرو بن العاص إلى ولديه بكتاب يدعوهما فيه إلى الإسلام ، ولعل أباهما قد اطّلع على هذا الكتاب ، أو لعله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قد أرسل إلى أبيهما الجلندى نفسه كتابا آخر ، فإن ابن إسحاق قد ذكر : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث ابن العاص إليه (١).

ومهما يكن من أمر ، فإن نص الكتاب الذي كتبه لهما كما يلي :

«بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الله إلى جيفر وعبد ابني الجلندى : سلام على من اتبع الهدى.

أما بعد ، فإني أدعوكما بدعاية الإسلام ، أسلما تسلما ، إني رسول الله إلى الناس كافة ، لأنذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين ، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما ، وإن أبيتما أن تقرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما ، وخيلي تحل بساحتكما ، وتظهر نبوتي على ملككما».

وختم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الكتاب ، وكتب أبي بن كعب (٢).

__________________

(١) الإصابة ج ١ ص ٢٦٢ وراجع : الشفاء لعياض ج ١ ص ٤٨٤ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٤ و ٣٦٥.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦١ وقال في هامشه : كما في زاد المعاد ، ونشأة الدولة الإسلامية ، والوثائق ، ودحلان ، وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٤ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ٧٦ وصبح الأعشى ج ٦ ص ٣٦٥ و ٣٦٦ وأعيان الشيعة ج ٢ ص ١٤ و (في ط أخرى) ج ١ ص ٢٤٥ وأعلام ـ

١٢٧

__________________

ـ السائلين ص ٢٦ ورسالات نبوية ص ١٣٣ وجمهرة رسائل العرب ج ١ ص ٤١ عن : صبح الأعشى ج ٦ ص ٣٨٠ والمواهب اللدنية ج ٣ ص ٤٠٤ ، وراجع : نشأة الدولة الإسلامية ص ٣٣١ وزاد المعاد ج ٣ ص ٦٢ وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ٣ ص ٣٥٣. وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ١٨ وج ٤ ق ٢ ص ١٨٨ وفتوح البلدان ص ٨٧ و (في ط أخرى) ص ١٠٤ والإصابة ج ١ ص ٥٧٦ في ترجمة زبيد بن الأعور بن جيفر الجلندى الأزدي ، وص ٢٦٤ في ترجمة جيفر ، وص ٢٦٢ في الجلندى ، والتنبيه والإشراف ص ٢٤٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٢٥٤ والمناقب ج ١ ص ١١٤ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٣٢ و ٢٧٢ و ٣٥٢ وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٦٤٥ وج ٣ ص ٢٩ و ٩٥ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٧ وحياة الصحابة ج ١ ص ١٠٢ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٦ و ١١٨ والبحار ج ١٨ ص ١٣٨ وج ٢١ ص ١٨٤ وأسد الغابة ج ١ ص ٣١٣ والشفاء للقاضي عياض ج ١ ص ٤٨٤ ونسيم الرياض ج ٢ ص ٤٤٧ وشرح الشفاء للقاري (بهامش نسيم الرياض) ج ٢ ص ٤٤٧ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج ١ ص ٢٦١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٧٤ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٠١ والروض الأنف ج ٣ ص ٣٠٤ والمنتظم ج ٤ ص ١٠ ومجموعة الوثائق السياسية ١٦١ / ٧٦ عن جمع ممن ذكرناه ، وعن المواهب اللدنية ج ١ ص ٢٩٤ وصبح الأعشى ، ومنشآت السلاطين لفريدون بك ج ١ ص ٣٣ والوفاء لابن الجوزي ص ٧٤١ وكتاب النبي للأعظمي ، ونصب الراية للزيلعي ج ٤ ص ٤٢٣ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٠٦ عن الهدى المحمدي ، ومدينة البلاغة ج ٢ ص ٢٩١ وقال : انظر اشپرنكر ج ٣ ص ٣٨٢ وزاد : يقول المؤلف (حميد الله) : رأيت عند بعض الإخوان في باريس في السنة ١٤٠٠ ه‍ ١٩٨٠ م فصيلة من جريدة يومية عربية من تونس فيها تصوير أصل مكتوب النبي «عليه‌السلام» إلى جيفر وعبد ابني الجلندى ، ولكن لم ـ

١٢٨

ويقولون : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث أبا زيد الأنصاري (وهو قيس بن السكن ، وقيل : اسمه ثابت بن قيس ، وقيل غير ذلك) وعمرو بن العاص بكتاب منه إلى ابني الجلندى ، يدعوهما فيه إلى الإسلام ، وقال لهما : إن أجاب القوم إلى شهادة الحق ، وأطاعوا الله ورسوله ، فعمرو الأمير ، وأبو زيد على الصلاة ، وأخذ الإسلام على الناس ، وتعليمهم القرآن والسنن (١).

وقال المسعودي : إن إرسال عمرو إلى جيفر وعبد ابني الجلندى قد كان في السنة الحادية عشرة (٢).

وقيل : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أرسل أبا زيد الأنصاري بكتابه إلى عبد وجيفر سنة ست ، ووجه عمرو سنة ثمان.

وقد أوصى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أبا زيد (في سنة ثمان) بأن يأخذ

__________________

ـ يعرف اسم الجريدة ولا تأريخها. وفيما علقت عليه الجريدة التي نشرته : «عثر علماء الآثار على النسخة الأصلية ... جاء هذا أثناء زيارة الأستاذ الإسماعيلي الرصاصي السفير العماني السابق لدى إيران لبعض البلدان العربية ، وقد وجد الأصل في حوزة هاوي آثار وتحف لبناني الجنسية ... الشخص المذكور رفض تسليم المخطوط لسعادة السفير إلا أنه سمح له بتصويره. ووعدنا سعادة سفير عمان في باريس أن يبحث فيه فجزاه الله خيرا.

(١) فتوح البلدان ص ١٠٣ و ١٠٤ و (ط مكتبة النهضة) ج ١ ص ٩٢ وتاريخ الكوفة للسيد البراقي ص ٢٦٥ ومكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٩.

(٢) التنبيه والإشراف (ط دار صعب) ص ٢٤٠ مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٩٦ عن التنبيه والإشراف.

١٢٩

الصدقة من المسلمين ، والجزية من المجوس (١).

وقد كانت النتيجة هي : إسلام جيفر وعبد ابني الجلندى ، وأسلم معهما خلق كثير (٢).

عمرو .. وابنا الجلندى :

وقد حكى لنا عمرو بن العاص حوارا وتفاصيل زعم أنها جرت له مع جيفر ، وعبد ابني الجلندى ، والقصة هي التالية :

قال عمرو : فعمدت إلى عبد ، وكان أحلم الرجلين ، وأسهلهما خلقا ، فقلت : إني رسول رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إليك وإلى أخيك بهذا الكتاب.

فقال : أخي مقدم عليّ بالسن والملك ، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك. ثم قال : وما تدعو إليه؟

قلت : أدعوك إلى الله وحده ، وتخلع ما عبد من دونه ، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله.

قال : يا عمرو إنك ابن سيد قومك ، فكيف صنع أبوك ـ يعني العاص

__________________

(١) راجع : فتوح البلدان ص ١٠٥ ونشأة الدولة الإسلامية ص ١٧٨.

(٢) راجع : تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٥٢٠ وج ٣ ص ٢٥٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ١٨ ونسيم الرياض ج ٢ ص ٤٤٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ٣ ص ٧٨ والفتوح لابن أعثم ص ١٠٤ ونشأة الدولة الإسلامية ص ١٩٧ والإصابة ج ١ ص ٢٦٤ وج ٣ ص ٢٣٤ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٨٣.

١٣٠

بن وائل ـ فإن لنا فيه القدرة؟ (١).

قلت : مات ولم يؤمن بمحمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وودت له لو كان آمن وصدق به ، وقد كنت قبل على مثل رأيه حتى هداني إلى الإسلام.

قال : فمتى تبعته؟

قلت : قريبا.

فسألني أين كان إسلامي؟

فقلت : عند النجاشي ، وأخبرته أنه قد أسلم.

قال : فكيف صنع قومه بملكه؟

قلت : أقروه واتبعوه.

قال : والأساقفة؟

قلت : نعم.

قال : انظر يا عمرو ما تقول ، إنه ليس من خصلة في رجل أفضح من كذب؟

قلت : وما كذبت ، وما نستحله في ديننا.

ثم قال : ما أرى هر قل علم بإسلام النجاشي.

قلت له : بلى.

قال : بأي شيء علمت ذلك يا عمرو؟

قلت : كان النجاشي يخرج له خراجا ، فلما أسلم النجاشي وصدق بمحمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : لا والله ، ولو سألني درهما واحدا ما أعطيته.

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولعل الصحيح هو «القدوة».

١٣١

فبلغ هر قل قوله ، فقال له أخوه : أتدع عبدك لا يخرج لك خراجا ، ويدين دينا محدثا؟

فقال هر قل : رجل رغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به ، والله ، لو لا الظن (١) بملكي لصنعت كما صنع.

قال : أنظر ما تقول يا عمرو.

قلت : والله صدقتك.

قال عبد : فأخبرني ما الذي يأمر به وينهى عنه؟

قلت : يأمر بطاعة الله عزوجل ، وينهى عن معصيته ، ويأمر بالبر وصلة الرحم ، وينهى عن الظلم والعدوان ، وعن الزنى وشرب الخمر ، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب.

فقال : ما أحسن هذا الذي يدعو إليه ، لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ونصدق به ، ولكن أخي أضنّ بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا.

قلت : إنه إن أسلم ملّكه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على قومه ، فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم.

قال : إن هذا لخلق حسن ، وما الصدقة؟

فأخبرته بما فرض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الصدقات في الأموال ، ولما ذكرت المواشي ، قال : يا عمرو ، ويؤخذ من سوائم مواشينا

__________________

(١) كذا في الأصل ، ولعل الصحيح هو «الضنّ» ، ويشهد له قول عبد فيما يأتي : «ولكن أخي أضنّ بملكه».

١٣٢

التي ترعى في الشجر وترد المياه؟

فقلت : نعم.

فقال : والله ، ما أرى قومي في بعد دارهم ، وكثرة عددهم يطيعون بهذا.

قال عمرو : فمكثت أياما بباب جيفر ، وقد أوصل إليه أخوه خبري ، ثم إنه دعاني ، فدخلت ، فأخذ أعوانه بضبعي ، قال : دعوه.

فذهبت لأجلس ، فأبوا أن يدعوني ، فنظرت إليه ، فقال : تكلم بحاجتك.

فدفعت إليه كتابا مختوما ، ففض خاتمه فقرأه.

ثم دفعه إلى أخيه ، فقرأه ، ثم قال : ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت؟

فقلت : تبعوه ، إما راغب في الدين ، أو راهب مقهور بالسيف.

قال : ومن معه؟

قلت : الناس قد رغبوا في الإسلام ، واختاروه على غيره ، وعرفوا بعقولهم مع هدي الله إياهم أنهم كانوا في ضلال مبين ، فما أعرف أحدا بقي غيرك في هذه الخرجة ، وأنت إن لم تسلم اليوم وتتبعه تطأك الخيول ، وتبيد خضراؤك ، فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ، ولا تدخل عليك الخيل والرجال.

قال : دعني يومي هذا ، وارجع إلي غدا.

فلما كان الغد أتيت إليه ، فأبى أن يأذن لي ، فرجعت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه.

فأوصلني إليه ، فقال : إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب ، إن ملكت رجلا ما في يدي ، وهو لا تبلغه خيله ههنا ، وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقى.

١٣٣

قلت : وأنا خارج غدا.

فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه ، فأصبح ، فأرسل إلي ، فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعا ، وصدقا وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم ، وكانا لي عونا على من خالفني ، وأسلما وأسلم معهما خلق كثير (١).

وتوفي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وعمرو بعمان (٢).

ونقول :

إن هذه الرواية التي يظهر عمرو فيها نفسه أنه أدار الحوار بصورة راقية ، وقوية ، وأورد لنفسه جملا تحمل معاني جليلة ، ولمعات جميلة ، إنها رواية مكذوبة بلا شك ، فلاحظ ما يلي :

١ ـ إن عمرو بن العاص لم يكن لا في ذلك الوقت ، ولا قبله ، ولا بعده

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٧٠ ـ ٣٧٢ وقال في هامشه : راجع في تفصيل قصة عمرو مع جيفر : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٨٤ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ٣ ص ٧٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٦٢ و (في ط أخرى) ج ١ ق ٢ ص ١٨ وج ٤ ق ٢ ص ١٨٨ وفتوح البلدان للبلاذري ص ١٠٤ ونسيم الرياض ج ٢ ص ٤٤٨ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٠١ وزاد المعاد ج ١ ص ٦٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٤٥ والمصباح المضيء ج ٢ ص ٣٠٦ ـ ٣١١.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٧٢ وقال في هامشه : تاريخ الأمم والملوك للطبري ج ٢ ص ٥٢٠ وج ٣ ص ٢٥٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٥٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ق ٢ ص ١٨ ونسيم الرياض ج ٢ ص ٤٤٨ والسيرة النبوية لدحلان ج ٣ ص ٧٨ والفتوح لابن أعثم ص ١٠٤ ونشأة الدولة الإسلامية ص ١٩٧ والإصابة ج ١ ص ٢٦٤ وج ٣ ص ٢٣٤ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٨٣.

١٣٤

من أهل هذه المعاني ، ولا من الذين يقدرون على مثلها.

٢ ـ إن روايته قد تضمنت بعض الأكاذيب ، كقوله : إن إسلامه كان عند النجاشي في الحبشة ، حين ذهب في طلب جعفر وأصحابه ، أي قبل الهجرة بحوالي ثماني سنوات ..

وهذا كذب واضح ، فإنه أسلم سنة ثمان بعد الهجرة كما تقدم ؛ بل إنه هو نفسه قد ذكر ما يناقضه قبله مباشرة ، حيث قال : إنه إنما تبع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل يسير ، أي في السنة الثامنة بعد الهجرة مباشرة .. فإن كان قد أسلم منذئذ ، فلما ذا تأخر اتباعه للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى هذا الوقت؟!

وهل يمكن أن يعتقد بنبوة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ويكون مسلما ، ثم يحاربه كل هذه السنين؟!

٣ ـ إن ما زعمه من إسلام قوم النجاشي غير ظاهر ، فإنهم قد حاربوه ، وجرى له معهم أمور يطول ذكرها.

٤ ـ وأما حديثه عن هر قل والنجاشي ، وأن هر قل لم يطالب النجاشي بالمال الذي كان قد فرضه عليه ، فهو لو كان صحيحا لشاع وذاع ، ولبلغ ملك عمان ، ولم يخف عليه أمر بهذه الأهمية ..

٥ ـ كما أنه لو صح قوله : إنه لو لا أنه يضن بملكه لكان قد أسلم ، لا ينسجم مع حربه لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مؤتة وفي غيرها بتلك الشراسة والحدة ..

٦ ـ والأهم من ذلك : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أخبر بما سيجيب به ابنا الجلندى أيضا ، ولكنّ مؤرخيهم تجاهلوا ذلك ، ولكن ابن شهرآشوب ذكره لنا ، فقال :

١٣٥

وكتب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى ابن جلندى وأهل عمان ، وقال : أما إنهم سيقبّلون كتابي ، ويصدقوني ، ويسألكم ابن جلندى : هل بعث رسول الله معكم بهدية؟

فقولوا : لا.

فسيقول : لو كان رسول الله بعث معكم بهدية لكانت مثل المائدة التي نزلت على بني إسرائيل وعلى المسيح.

فكان كما قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

ونقول :

إننا نذكر هنا ما يلي :

ملاحظة هامة :

ربما يقال : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذي كان ينظر إلى الغيب بستر رقيق كان يعلم أن عمرو بن العاص سوف يحاول الإستفادة من مهمة حمله للكتاب لابني الجلندى في تسطير بعض الفضائل لنفسه والظهور في حالات استعراضيه .. وانتفاخات بهلوانية عن ذلك ليكون إخباره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذا من موجبات إسقاط دعاويه ، وإظهار أنه كاذب مفتر فيها ، وهذا ما حصل بالفعل.

__________________

(١) البحار ج ١٨ ص ١٣٨ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١١٤ و (ط المكتبة الحيدرية) ج ١ ص ١٠٠.

١٣٦

مهمات أبي زيد ومهمة عمرو :

وقد رأينا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد وزع المهمات بطريقة لها مغزاها ومرماها.

فهؤلاء أناس يدخلون في الإسلام للتو ، فهم بحاجة إلى أن يتذوقوا طعم الإسلام في روحانيته ، وفي إنشاء العلاقة مع الله ، وأن يعرفوا شيئا من حقائق هذا الدين ، واحكامه ، وسننه ، وتعاليمه.

وقد كان أبو زيد أقدر على إنجاز هذه المهمة ، وأعرف بجزئياتها وتفاصيلها ، وأميل إلى تحقيق الغاية المرجوة.

أما عمرو بن العاص فقد لا يهتم بهذا الأمر كثيرا ، بل قد يكون أبعد الناس عن المعرفة بتفاصيل الدين ، بل وبكلياته أيضا ، لأنه قد أسلم أو تظاهر بالإسلام في نفس تلك السنة ، فهو يحتاج إلى ما يحتاجون إليه.

وأما الإمارة التي تعني تدبير الأمور الدنيوية ، فهو أكثر اندفاعا إليها ، ورغبة بها وحرصا عليها ..

يضاف إلى ذلك : أنه لا مجال للإطمئنان إلى أنه كان يملك المواصفات التي تخوله لحمل أمانة الصلاة بالناس .. أو أنه كان أمينا على دين الناس بالقدر الذي يسمح بإفساح المجال له لتعليمهم أحكامه ، حتى لو كان على علم بها.

مهاجري وأنصاري :

وكان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ كما يقولون ـ كلما أرسل رجلا من المهاجرين قرنه برجل من الأنصار ، وهكذا فعل في هذه المناسبة أيضا.

١٣٧

الجلندى كيف تلقى الدعوة :

وقال : ذكروا أيضا أن الجلندى حين جاءه كتاب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال : «والله ، لقد دلني على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول من أخذ به ، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له ، وأنه يغلب فلا يبطر ، ويغلب فلا يضجر (يهجر) ، وأنه يفي بالعهد ، وينجز بالموعود (بالوعد) ، وأنه لا يزال سرا قد اطلع عليه يساوى فيه أهله ، وأشهد أنه نبي» (١).

ثم أنشد أبياتا منها :

أتاني عمرو بالتي ليس بعدها

من الحق شيء والنصيح نصيح

فقلت له : ما زدت أن جئت بالتي

جلندى عمان في عمان يصيح

فيا عمرو قد أسلمت لله جهرة

ينادي بها في الواديين فصيح (٢)

وقفات مع كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للجلندى :

وقد تضمن الكتاب المذكور : الكثير من الإشارات والدلالات التي ينبغي التوقف عندها لاستفادة السلوك والموقف ، والمفهوم الإيماني والسياسي

__________________

(١) الإصابة ج ١ ص ٢٦٢ و (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٦٣٧ والروض الأنف ج ٤ ص ٢٥٠ والشفا لعياض ج ١ ص ٤٨٤ وراجع : نسيم الرياض ج ٢ ص ٤٤٧ و ٤٤٨ وشرح الشفا لملّا علي القاري (بهامش نسيم الرياض) في نفس الجزء والصفحة. وراجع : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٤ و ٣٦٥.

(٢) الإصابة ج ١ ص ٢٦٢ و (ط دار الكتب العلمية) ج ١ ص ٦٣٧ وراجع : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٤ و ٣٦٥.

١٣٨

منها. وبما أن كتابنا هذا ليس محل ذكر ذلك ، فإننا نكتفي بالإلماح إلى ما ذكره بعضهم منها ، وهو كما يلي :

ذكر العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» عدة نقاط مفيدة هنا ، وهي :

١ ـ «وتظهر نبوتي الخ ..» هذه الجملة تعطينا درسا إضافيا ، ومعنى حقيقيا كاملا عن السلطنة والفتوحات الإسلامية ، إذ المستفاد منها : أن الفتوحات الإسلامية يجب أن تكون فتحا إلهيا ، وظهورا روحانيا ، تحكم على القلوب ، وتفتح الضمائر والصدور ، محفوفة بالإيمان ، ومشفوعة بالتقوى (قبل أن تكون مغالبة القدرة الظاهرة بالقوة ، ورباط الخيل) لا مغالبة على الدنيا ، كما قال أمير المؤمنين «عليه‌السلام» :

«اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منافسة في سلطان ، ولا التماس شيء من فضول الحطام ، ولكن لنرد المعالم من دينك ، ونظهر الإصلاح في بلادك ، فيأمن المظلومون من عبادك ، وتقام المعطلة من حدودك» (١).

وقال الحسين «عليه‌السلام» : «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ، وإنما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أريد أن آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر الخ ..» (٢).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٦ عن : نهج البلاغة (بشرح عبده) خطبة ١٢٩ وشرح النهج للمعتزلي (ط بيروت) ج ٨ ص ٢٦٤ و (البحراني) ج ٣ ص ١٤٨.

(٢) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٦ عن : المناقب لابن شهرآشوب (ط قم) ج ٤ ص ٨٩ وراجع : مقتل الحسين «عليه‌السلام» للخوارزمي ج ١ ص ١٨٨ ونفس المهموم ص ٣٧ والبحار ج ٤٤ ص ٣٢٩ ومكاتيب الأئمة «عليهم‌السلام» ج ٢ ص ٤٠ ولمعة من بلاغة الحسين «عليه‌السلام» ص ١٠٦ وشرح إحقاق الحق ـ

١٣٩

وسلطنة الإسلام سلطنة عقيدة وإيمان ، وروحانية ونبوة ، وليست ملكا وإمبراطورية مادية ، والفرق بينهما واضح لمن عقل وتدبر ، وكذلك الحكومات التي أسسها الأنبياء العظام ، صلوات الله عليهم.

وإذا شئت أن تعرف الحقيقة فقس بين فتوحات ملوك العالم ، والفتوحات التي وقعت في عصر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولاحظ حكومة علي «عليه‌السلام» ومعاوية ، هذا يعفو عن أعدى أعدائه ، وذاك يقتل على الظنة والتهمة» (١).

٢ ـ وقال العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» أيضا : «لأنذر من كان حيا» أي فهما عاقلا ، كنى عن العاقل بالحي ، إيعازا إلى أن الذي لا يعقل ولا يفهم فهو كما قال تعالى : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) (٢) و (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٣).

٣ ـ في الكتاب تصريح بعموم دعوته بقوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إني رسول الله إلى الناس كافة» ، وأنه لا تختص نبوته بالعرب ، أو أم القرى ومن حولها.

٤ ـ ثم وعدهما ببقاء ملكهما إن أسلما وذهابه إن لم يسلما ، وأخبر بأن خيله تحل بساحتهما ، وتغلب نبوته على ملكهما (٤).

__________________

ـ (الملحقات) ج ١١ ص ٦٠٢.

(١) مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٦ و ٣٦٧.

(٢) الآية ٨٠ من سورة النمل.

(٣) الآية ٨ من سورة فاطر.

(٤) راجع ما تقدم في : مكاتيب الرسول ج ٢ ص ٣٦٥ و ٣٦٦.

١٤٠