الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

وقطع علي «عليه‌السلام» عطاءه (١).

رد الولاء :

وتقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رد ولاء بعض العبيد الذين نزلوا إليه من حصن الطائف وأعتقهم .. إلى الذين كانوا يملكونهم ، ولكنه أمضى عتقهم. ولم يعدهم إليه .. والمراد برد ولائه أن يجعل لسيده الحق في أن يرثه ، إذا لم يكن للعتيق قرابة قريبة أو بعيدة.

وهذا تفضل من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على أولئك الذين أسلم عبيدهم قبلهم ، حيث لم يجعل إرثهم إليه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حياته ، ثم للإمام «عليه‌السلام» بعد وفاته ..

إلا أن يقال : إن نزولهم من الحصن إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يعني إسلامهم ، لكي يقال : إن المشرك لا يرث المسلم ، فلعلهم نزلوا طمعا بالحرية التي وعدهم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بها ، ثم بقوا على شركهم ..

ويجاب : بأنهم قد أسلموا بلا ريب ، لتصريحهم : بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» دفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين ، وأمرهم أن يقرؤوهم القرآن ، ويعلموهم السنن. وهذا إنما يصح إذا كانوا قد أسلموا ..

وأما الحديث عن : أن عتقهم إن كان قبل إسلامهم ، فعتقهم لا يقطع علاقة الولاء بينهم وبين مواليهم .. فإن كلا الفريقين في تلك الحال كان على حال الشرك ..

__________________

(١) راجع : إختيار معرفة الرجال ص ٣٩ وصفين للمنقري ص ٥٥١ و ٥٥٢.

٦١

وإن كانوا قد أسلموا قبل عتقهم ، فإن إسلامهم قد أزال حكم الولاء ، لأن المشرك لا يرث المسلم.

وفي هذا البحث تفصيلات ومناقشات ليس ها هنا محلها.

مغزى نداء الحرية :

وإذا تأملنا هذا النداء ، أعني : «نداء الحرية» فسنرى : أن فيه سمات وآثارا هامة ، نشير إلى بعض منها فيما يلي :

١ ـ إن العبيد هم الطرف الأضعف والمستضعف في أي مجتمع كان ، فكيف بالمجتمع الجاهلي الذي يعيش الإنحراف ، والظلم والتعدي ، بأجلى صوره ، وأوضح معانيه؟! ولم يكن يعرف معنى للرأفة والرحمة ، حتى على الأب والأخ والولد ، فهل يرحم عبدا اشتراه بماله ، أو قهره بسيفه؟!

إن من يدفن ولده حيا لأنه لا يريد أن يشاركه في طعامه ، ولو بلقمة ، فهل تراه يسخى على عبده بشيء من حطام الدنيا ، فضلا عمن سواه؟! إن من يراجع التاريخ سيجد : أن الناس كانوا في ذلك المجتمع يمارسون سلطتهم على عبيدهم بأبشع صورها وأخبث أشكالها ..

٢ ـ إن الذين كانوا يملكون العبيد هم الرؤساء والأعيان ، وأهل الحول والطول ، دون غيرهم من سائر الناس .. وهؤلاء هم الذين يملكون قرار السلم والحرب وغير ذلك في قبائلهم ، فإذا خرج حتى عبيدهم عن طاعتهم ، فإن الآخرين سوف يكونون أجرأ على الخروج من هذه السلطة ، وسوف ينظرون إلى أولئك الرؤساء والزعماء بشيء من المهانة والإستهانة ، والإستخفاف ، وستهتز الأرض تحت أقدامهم ، وسيضعف موقفهم

٦٢

القيادي بصورة كبيرة ، وهذا يمثل نكسة ، بل ضربة روحية كبرى لهم.

ولذلك يقول المؤرخون ـ حسبما تقدم ـ : «فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة واغتاظوا على غلمانهم».

بل تقدم : أن أولئك الأسياد حتى بعد ان أسلموا قد بذلوا محاولة لإعادة أولئك العبيد إلى الرق ، فلم يفلحوا في ذلك.

تعليم العبيد بعد عتقهم :

ومن البديهي : أن الإسلام لا يرضى باحتكار العلم على فريق من الناس دون سواه ، كما نجده لدى بعض الشعوب ، بل طلب العلم في الإسلام فريضة على كل مسلم.

فطبيعي إذن : أن يرتب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لهؤلاء العبيد معلمين يعلمونهم القرآن والسنن فورا حتى وهم في حال الحرب والحصار ، ولم يؤجل ذلك إلى أن تضع الحرب أوزارها .. لأنه يرى : أن العلم ضروري كالطعام والشراب فمن ترك الطعام والشراب هلك ، لكن من ترك العلم هلك وأهلك.

ولذلك نرى : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رتب لهم كلا هذين الأمرين في آن واحد ، فسلمهم لمن يمونهم ويحملهم ، ولمن يعلمهم القرآن والسنن.

٦٣
٦٤

الفصل الثالث :

المنجنيق في الطائف

٦٥
٦٦

رمي الطائف بالمنجنيق :

قالوا : وشاور رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصحابه في أمر حصن الطائف ، فقال له سلمان الفارسي : يا رسول الله ، أرى أن تنصب المنجنينق على حصنهم ، فإنّا كنّا بأرض فارس ننصب المنجنيقات على الحصون. وتنصب علينا ، فنصيب من عدونا ويصيب منا بالمنجنيق ، وإن لم يكن منجنيق طال الثواء.

فأمره رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فعمل منجنيقا بيده ، فنصبه على حصن الطائف. وهو أول منجنيق رمي به في الإسلام (١).

وعن مكحول : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٥ عن الواقدي ، وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ والسيرة النبوية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ وإعلام الورى ص ١٢٣ والبحار ج ٢١ ص ١٦٨ و ١٦٩ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٤.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ عن المنتقى ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٥ عن ابن سعد وإعلام الورى ص ١٢٣ والبحار ج ٢١ ص ١٦٨ و ١٦٩.

٦٧

ويقال : قدم به يزيد بن زمعة بن الأسود ، وبدبابتين.

ويقال : بل قدم به الطفيل بن عمرو ، لما رجع من سرية ذي الكفين (١).

ويقال : إن خالد بن سعيد قدم من جرش بمنجنيق ، وبدبابتين (٢).

إجراءات حربية أخرى :

ونثر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الحسك ، شقتين من حسك من عيدان حول حصنهم ، ودخل المسلمون من تحت الدبابة ، وهي من جلود البقر. وذلك اليوم يقال له : يوم الشدخة ، لما شدخ فيه من الناس.

ثم زحفوا بها إلى جدار الحصن ليحفروه ، فأرسلت ثقيف بسكك الحديد المحماة بالنار ، فحرقت الدبابة ، فخرج المسلمون من تحتها وقد أصيب منهم من أصيب ، فرمتهم ثقيف بالنبل ، فقتل منهم رجال (٣) ، فأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقطع أعنابهم ونخيلهم وتحريقها.

قال عروة : أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كل رجل من المسلمين أن يقطع خمس نخلات ، وخمس حبلات ، فقطع المسلمون قطعا ذريعا.

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ عن المنتقى ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٥ وإعلام الورى ص ١٢٣ والبحار ج ٢١ ص ١٦٨ و ١٦٩.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٥ وإعلام الورى ص ١٢٣ والبحار ج ٢١ ص ١٦٨ و ١٦٩.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٥ والسيرة النبوية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ وإعلام الورى ص ١٢٣ والبحار ج ٢١ ص ١٦٨ و ١٦٩. وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ وفيه : فقتلوا منهم رجلا.

٦٨

فنادت ثقيف (أو فنادى سفيان بن عبد الله الثقفي) : لم تقطع أموالنا؟ إما أن تأخذها إن ظهرت علينا ، وإما أن تدعها لله وللرحم.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : فإني أدعها لله وللرحم.

فتركها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

وكان رجل يقوم على الحصن ، فيقول : روحوا رعاء الشاء ، روحوا جلابيب محمد ، أتروننا نبتئس على أحبل أصبتموها من كرومنا؟

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم روّح مروّحا إلى النار».

قال سعد بن أبي وقاص : فأرميه بسهم فوقع في نحره ، فهوى من الحصن ميتا. فسر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بذلك (٢).

ونقول :

إننا نتوقف هنا لنسجل ما يلي :

أعتدة حربية ، وأساليب قتالية :

قد ظهر من النصوص المتقدمة : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد استفاد من وسائل حربية لم يكن المسلمون قد استعملوها من قبل ، فقد استعملوا الدبابة لنقب الحصون ، فواجههم عدوهم بسكك الحديد المحماة بالنار ،

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٥ عن ابن سعد ، وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١١ والسيرة النبوية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ و ١١٨ وإعلام الورى ص ١٢٣ والبحار ج ٢١ ج ٢١ ص ١٦٨ و ١٦٩ وراجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٤.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٥.

٦٩

التي تخترق تلك الدبابات ، وتصل إلى من فيها فتؤذيهم.

ونشروا الحسك حول الحصون ، وهي أوتاد من الخشب تزرع في ساحة المعركة بكثافة ، فلا تتمكن الخيل من الجولان فيها ، وهي بمثابة عراقيل وموانع مؤثرة في ردع العدو عن التفكير بالمباغتة السريعة ، وتوجيه الضربات الخاطفة ، التي من شأنها أن تزعزع ثبات الطرف الآخر ، وتشوش تفكيره وتشل حركته ، وتوزع اهتماماته ، وتؤثر عليه من الناحية النفسية.

كما أنه قد استفاد من المنجنيق الذي يجعل العدو حتى وهو في حصونه يترقب الكارثة ، ويخشاها ، ليس على نفسه كمقاتل وحسب ، وإنما هو يخشى أن تصيبه في أهله ، وولده ونسائه ، وكل ما ومن يتعلق به.

ويرى أن هذا الحصن الذي وضع نفسه في داخله غير قادر على حمايته ، ولا يستطيع أن يتترس بأحد ، ويصبح همّ كل مقاتل هو ان يجد لنفسه ولأهله موضعا آمنا.

وهذا يسقط النظرية ، التي أطلقها أهل الطائف ، والخطة التي اعتمدوها في أول الأمر ، والتي تقول :

إنهم قادرون على تحمل الحصار لمدة سنة كاملة ، لأن أقواتهم معهم. فقد ظهر لهم : أن مجرد تحمل الحصار شيء ، وتحمل الخطر الداهم ، والعيش في محيط الرعب والخوف الدائم شيء آخر ، وهم قد خططوا للحصار ، لا لسواه ..

ولم تعد الحرب سجالا بينهم وبين الطرف الآخر. بل أصبحت حربا من طرف واحد ، حيث لم يعد المسلمون بحاجة للإقتراب من الحصن ، لتنالهم نبال أهله .. ولا كان أهل الحصن يقدرون على أية مناورة من شأنها

٧٠

أن تربك حركة المسلمين ، أو تشوش أفكارهم.

بل أصبح بإمكان المسلمين الإستغناء عن طائفة من الجيش ، ليقوم بمهام أخرى تموينية أو غيرها ، مما من شأنه أن يعزز صمود من بقي منهم. بل قد يمكنهم الإنطلاق في مهمات قتالية أو غيرها في مواقع أخرى أيضا ..

أما أهل الطائف فلا حول لهم ولا قوة. بل هم بانتظار قذائف المنجنيقات ، وليس لهم همّ إلا ترميم الخراب ، ومداواة الجراح ، ودفن الأموات ..

ولعل هذا الأمر كان من أهم أسباب سرعة استسلام أهل الطائف ، وإرسال الوفود إلى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليعفوا عنهم ، ويقبل منهم ، ويرضى عنهم.

توضيحات :

المنجنيق : آلة حربية تصنع من جلود ، وخشب وحديد يقذفون الحجارة بها.

والدبابة : آلة حربية توضع الجلود عليها ، ويدخل فيها الرجال ، فيدبون إلى أسوار الحصن لينقبوها.

المنجنيق .. ومشورة سلمان :

تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نصب المنجنيق على الطائف وضربهم به (١).

__________________

(١) راجع بالإضافة إلى ما تقدم المصادر التالية : دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٧٦ ـ

٧١

وقيل : اكتفى بنصبه ، ولم يرم به (١).

__________________

ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٤٩ وتذكرة الفقهاء ج ١ ص ٤١٢ وجواهر الكلام ج ٢١ ص ٦٥ و ٧٠ والمبسوط للطوسي ج ٢ ص ١١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٤٨ والثقات ج ٢ ص ٧٦ ، ومنتهى المطلب ج ٢ ص ٩٠٩ والسرائر ص ١٥٧ وميزان الحكمة ج ٢ ص ٣٣٣ وزاد المعاد ج ٢ ص ١٩٦ وسنن البيهقي ج ٩ ص ٨٤ والمنتقى ج ٢ ص ٧٧١ عن الترمذي ، وكنز العمال ج ١٠ ص ٣٦٢ والمدونة الكبرى ج ٢ ص ٢٥ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ١٥٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٩ والجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٩٤ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٢٧ والأم للشافعي ج ٧ ص ٣١٨ وبداية المجتهد ج ١ ص ٣٩٦ ومختصر المزني (بهامش الأم) ج ٥ ص ١٨٥ ومجمع الأنهر ج ٢ ص ٥٨٩ وقاموس الرجال ج ٤ ص ٤٢٩ عن أنساب البلاذري ، والعبر وديوان المبدأ والخبر (المعروف بتاريخ ابن خلدون) ج ٢ ق ٢ ص ٤٧ وفي تفسير المنار ج ١٠ ص ٦٢ : أن ذلك كان في غزوة خيبر. ونصب الراية ج ٣ ص ٣٨٢ و ٣٨٣ وفي هامشه عن : الترمذي ، والواقدي ، والعقيلي في الضعفاء ، وعن : التراتيب الإدارية ج ١ ص ٣٧٤ و ٣٧٥.

ونقله بعض أهل التتبع عن المصادر التالية ، والعهدة عليه : المهذب ج ١ ص ٣٠٢ والقواعد ص ٢٤٧ والمختصر النافع ص ٢٢٧ والجمل والعقود ص ١١ والمغني لابن قدامة ج ١ ص ٤٩٥ انتهى.

وراجع : نيل الأوطار ج ٨ ص ٧٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٥٨ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٢٦٦ وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ والروض الأنف ج ٤ ص ١٤٩ والنظم الإسلامية ص ٥٠٨ وأنساب الأشراف ج ١ ص ٣٦٦.

(١) راجع : سنن البيهقي ج ٩ ص ٨٤ وتحفة الأحوذي ج ٨ ص ٣٨.

٧٢

وقالوا أيضا : إن هذا الذي وضع على الطائف كان أول منجنيق رمي به في الإسلام (١).

وتقدم قولهم : إن سلمان الفارسي هو الذي أشار به ، وقال : إنهم كانوا بأرض فارس ينصبون المنجنيقات على الحصون.

ومرّ بنا قولهم : إن سلمان عمله لهم بيده.

وقد حاول بعضهم أن يناقش في ذلك : بأنهم وجدوا في أحد حصون خيبر ، وهو حصن الصعب منجنيقات ودبابات .. فما معنى أن يقال : إن سلمان قد صنعه لهم؟!

وأجيب : بأن ما وجدوه في حصن الصعب في خيبر ، لعله بقي في المدينة (٢) ، بل ذلك هو الراجح. وحين احتاجوا إليه في الطائف ، فإنهم سيصنعون ما يكفيهم منه ، ولا يرسلون إلى المدينة من يأتيهم به ، ثم ينتظرون الأيام والأسابيع من أجل ذلك ..

ولكن قولهم : إن سلمان هو الذي أرشدهم إليه ، قياسا على ما كانوا يصنعونه في بلاد فارس ، يبقى موضع ريب أيضا.

إذ قد تقدم : أنهم حين حاصروا حصن الوطيح والسلالم في خيبر ، وطال الحصار ، همّ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يجعل عليهم المنجنيق (٣).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ و (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٨٠ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٣ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٥.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ و (ط دار المعرفة) ص ٨٠ وراجع ج ٢ ص ٧٤٣.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٢٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٣٧٦ و (ط دار المعرفة) ص ٨٠ وراجع ج ٢ ص ٧٤٤.

٧٣

بل تقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نصب المنجنيق على حصن البراء فعلا (١).

إلا أن يقال : إن نصبه لا يستلزم الرمي به. فلعله لم يرم به إلا في حصن الطائف؟ (٢).

ضرب العدو بما يعم إتلافه :

وقد يقال : ما هو المبرر لتجويز النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لجيشه رمي حصن الطائف بالمنجنيق ، وهو قد يصيب الشيوخ والأطفال والنساء ، وقد كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في وصاياه لبعوثه وسراياه ينهى عن قتلهم ، كما أنه قد يصيب بعض المسلمين ، إن كان في البلد أقلية مسلمة من سكان ، أو من تجار ، أو كان فيه أسرى ، وأراد العدو أن يتخذ منهم دروعا بشرية؟!

وأين هي الرأفة والرحمة ، التي لم يزل الإسلام يدعو إليها ، ويحث عليها؟!

ألا يدل هذا : على عدم صحة قولهم : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نصب المنجنيق على الطائف ، ورماهم به؟!

ونجيب :

أولا : أما بالنسبة لقتل الشيوخ من المشركين ، فلا ريب في جواز قتل القادة منهم ، وكذا الحال بالنسبة لأهل الرأي في الحرب ، وقتل دريد بن

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ عن إمتاع الأسماع ، و (ط دار المعرفة) ص ٨٠ وراجع ج ٢ ص ٧٤٣.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٧ و (ط دار المعرفة) ص ٨٠ وراجع ج ٢ ص ٧٤٣.

٧٤

الصمة في حنين خير شاهد على ذلك (١).

إلا أن يقال : إنه لم يقتل بأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

ويجاب : بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد رضي بقتله ، واعتبره من أئمة الكفر الذين لا محذور في قتلهم كما تقدم ..

وكذا لا إشكال في جواز قتل النساء ، إذا شاركن في القتال (٢).

__________________

(١) راجع : تذكرة الفقهاء ج ١ ص ٤١٢ ، والمبسوط للشيخ الطوسي ج ٢ ص ١٢ وتحرير الأحكام ج ١ ص ١٣٦ والكافي لأبي الصلاح ص ٢٥٦ ، والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٩٢ ، وأقضية رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ص ٦٦٠ وكشف الغطاء ص ٤٠٨ ، ومجمع الأنهر ج ١ ص ٥٩١ وراجع : مختصر المزني ص ٢٧٢ والجوهر النقي ج ٩ ص ٩٢ والمحلى ج ٧ ص ٢٩٩ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٢٢٤ والتمهيد لابن عبد البر ج ١٦ ص ١٤٢ ومصادر كثيرة أخرى.

(٢) راجع : كشف الغطاء ص ٤٠٨ والكافي لأبي الصلاح ص ٢٥٦ والنهاية للطوسي ص ٢٩٢ وتذكرة الفقهاء ج ١ ص ٤١٢ والمحلى ج ٧ ص ٢٩٦ ورياض المسائل ج ٧ ص ٤٧١ و ٥٠٧ وبداية المجتهد ج ١ ص ٣٩٤ والشرايع ج ١ ص ٣١٢ والمبسوط ج ٢ ص ١٣ وفتح الباري ج ٦ ص ١٠٣ عن الشافعي ، والكوفيين ، وابن حبيب بن المالكية ، وفيه حكى الحازمي قولا بجواز قتل النساء ، والصبيان.

والوسيلة [المطبوع في الجوامع الفقهية] ص ٦٩٦ ، وجواهر الكلام ج ٢١ ص ٦٨ و ٦٩ و ٧٤ و ٧٥ ومن لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٥٢ والتهذيب ج ٦ ص ١٥٦ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٥ ص ٦٤ و (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٤٧ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ١٤٨ و ٢١٢ والمهذب [ضمن الينابيع الفقهية ، كتاب الجهاد] ص ٩٠ والمختصر النافع ص ١١٢ وقد منع من قتلهن ـ

٧٥

ومثله : ما لو تترس العدو بالأسرى ، ولم يمكن التحرز عن قتلهم ، وتوقف عليه تحقيق النصر ، وحفظ الدين وأهله.

أما بالنسبة للأطفال ، فقد دلت بعض الروايات : على جواز قتلهم أيضا (١).

__________________

ـ حتى مع المعاونة ، إلا مع الضرورة. والسرائر ص ١٥٦. ونقله بعض أهل العلم عن : المختصر النافع ص ٢٢٧ وعن المهذب ج ١ ص ٣٠٣ وعن المغني لابن قدامة ج ١٠ ص ٥٣٤ وقال : لا نعلم فيه خلافا ، وبه قال الشافعي ، والأوزاعي ، وأبو ثور ، والثوري ، والليث ، وأصحاب الرأي ، وعن الأم ج ٤ ص ٢٣٩ وعن القواعد ص ٢٣٧ وراجع : نيل الأوطار ج ٨ ص ٧٣ والبحار ج ١٩ ص ١٧٨ والخراج ص ٢١١ و ٢١٢.

(١) مسند أبي عوانة ج ٤ ص ٩٦ و ٩٥ والسرائر ص ١٥٧ والسنن الكبرى البيهقي ج ٩ ص ٧٨ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١٥ وآثار الحرب في الفقه الإسلامي ص ٥٠٢ عنه وعن : فتح الباري ج ٦ ص ١٠٢ و ١٠٣ وعن إرشاد الساري ج ٥ ١٤١. وراجع أيضا : نيل الأوطار ج ٨ ص ٧٠ والرسالة للشافعي ص ٢٩٨ وكتاب الأم ج ٧ ص ٣٦٩ والمجموع ج ١٩ ص ٢٩٧ ومغني المحتاج ج ٤ ص ٢٢٣ والمغني لابن قدامة ج ١٠ ص ٣٨٦ و ٥٠٣ والشرح الكبير ج ١٠ ص ٣٩٠ وكشاف القناع ج ٣ ص ٥٢ وسبل السلام ج ٤ ص ٤٩ وفقه السنة ج ٢ ص ٦٥٧ وكتاب المسند ص ٢٣٨ ومسند أحمد ج ٤ ص ٧١ و ٧٢ وج ٤ ص ٧٣ وصحيح البخاري ج ٤ ص ٢١ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٤٤ وشرح مسلم للنووي ج ١٢ ص ٤٩ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢٦٠ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٣٤٣ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ١٨٥ والمنتقى من السنن المسندة ص ٢٦٢ وصحيح ابن حبان ج ١ ص ٣٤٥ ومعرفة السنن والآثار ج ٧ ص ١٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ١٣٥.

٧٦

ولكنها ناظرة ـ كما هو صريح الروايات الأخرى ـ : إلى صورة إرادة تبييت العدو إذا توقف التخلص من معرته على هذا التبييت ، وكذا لو احتاج الأمر إلى ضرب العدو بالمنجنيق ، حيث لا يمكن التحرز عن قتل الأطفال في مثل هذه الأحوال (١) ، فيما إذا كان لا يمكن حفظ الدين والإسلام والمسلمين إلا بذلك.

وأما الإثم والمؤاخذة ، فإنما يلحق من تترس بهم ، أو من اعتدى وظلم ، وساق الأمور إلى هذه الحال ، حيث إنه بسوء اختياره قد وضع الإسلام وأهله في خطر ، واضطرهم إلى الدفاع ودرء الخطر عن أنفسهم من دون أن يحترز على أطفاله ، وشيوخه ، ويهيء لهم الموضع الآمن ، فهو الذي فرط فيهم ، وهيأ الظروف لقتلهم ، فهو الظالم والآثم لهؤلاء الأطفال من خلال

__________________

(١) راجع : المبسوط للشيخ الطوسي ج ٢ ص ١١ والمدونة الكبرى ج ٢ ص ٢٥ والمحلى ج ٧ ص ٢٩٦ وصحيح البخاري ج ٢ ص ١١١ وصحيح مسلم ج ٥ ص ١٤٤ و ١٤٥ ومسند أبي عوانة ج ٤ ص ٩٦ و ٩٥ وكنز العمال ج ٤ ص ٢٧٢ عن الطبراني ، وسنن ابن ماجة ج ٢ ص ٩٤٧ والمنتقى ج ٢ ص ٧٧١ وقال : رواه الجماعة إلا النسائي. وسنن البيهقي ج ٩ ص ٧٨ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٣١٦ عن الطبراني ، ونصب الراية ج ٣ ص ٣٨٧ والجامع الصحيح للترمذي ج ٤ ص ١٣٧ ، وسنن أبي داود ج ٣ ص ٥٤ ومسند الحميدي ج ٢ ص ٣٤٣ وشرح الموطأ للزرقاني ج ٣ ص ٢٩٠ عن الستة ، والأم للشافعي ج ٧ ص ٣١٨ ونيل الأوطار ج ٨ ص ٧٠ والمصنف للصنعاني ج ٥ ص ٢٠٢ وعمدة القاري ج ١٤ ص ٢٦٠ وعن المصنف لابن أبي شيبة ج ١٢ ص ٣٨٨ وعن أحكام القرآن للجصاص ج ٥ ص ٢٧٤ وراجع المصادر في الهامش السابق.

٧٧

تجنيه على الدين ، وظلمه لأهله ، والتبييت لاضطرارهم إلى الدفع عن أنفسهم بهذه الطريقة.

ثانيا : إنه لم يظهر من أي نص على الإطلاق : أن أحدا من الشيوخ ، والأطفال ، والنساء ، والأسرى ، قد أصيب في الطائف بسبب المنجنيق.

فلعل ضرب أهل الطائف بالمنجنيق قد اقتصر على المواضع التي يؤمن فيها من إصابة غير المقاتلين ..

فلا يصح قولهم : إن تجويز الضرب بالمنجنيق ينافي الرحمة ، أو أنه يستبطن تجويز ضرب الأقليات المسلمة ، أو الأسرى منهم ، أو الأطفال ، أو الشيوخ والنساء ، فإن النصوص التي توفرت لنا لم تصرح بشروط جواز الضرب بالمنجنيق ، ولا شرحت الظروف التي تم فيها هذا الفعل ، كما أنها تذكر : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد صرح لهم بما دل على إلزامهم ، أو على الإذن لهم بقتل أحد من غير المقاتلين ..

ثالثا : إن الله سبحانه ، قد أخذ بعض الأمم بعذاب الإستئصال ، فقال : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) (١).

وقال عن قوم عاد : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (٢).

__________________

(١) الآية ٨٢ من سورة هود. وراجع الآية ٧٤ من سورة الحجر.

(٢) الآيتان ٢٤ و ٢٥ من سورة الأحقاف.

٧٨

وقال تعالى على لسان نبيه ، نوح عليه وعلى نبينا وآله السلام : (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) (١). فتجويز قتل النساء والأطفال ، والشيوخ ليس بالأمر المستهجن.

وقد دلت بعض النصوص على : أن الله تعالى يقدر قبض أرواحهم في تلك اللحظة ، فلا يكون ما يحل بهم من باب العذاب لهم ..

رابعا : قال القاضي النعمان : «ذكر أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نصب المنجنيق على أهل الطائف ، وقال : إن كان في حصنهم قوم من المسلمين ، وأوقفوهم معهم ، فلا تتعمدوا إليهم بالرمي ، وارموا المشركين. وأنذروا المسلمين ليتقوا ، إن كانوا أقيموا كرها ، ونكبوا عنهم ما استطعتم ، فإن أصبتم أحدا ففيه الدية» (٢).

ولعلك تقول : لكن رواية حفص بن غياث تقول : إنه لا دية ولا كفارة في قتل المسلمين والتجار ، إن أصيبوا بضرب المنجنيق ، او غيره ، فقد قال :

سألت أبا عبد الله «عليه‌السلام» عن مدينة من مدائن الحرب ، هل يجوز

__________________

(١) الآيتان ٢٦ و ٢٧ من سورة نوح.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٢٨ وتهذيب الأحكام للطوسي ج ٦ ص ١٤٢ والوسائل (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٤٦ والبحار ج ١٩ ص ١٧٨ ومختلف الشيعة (ط حجرية) ج ٢ ص ١٥٥ وجواهر الكلام ج ٢١ ص ٦٥ و ٦٦ ومنتهى المطلب ج ٢ ص ٩٠٩ و ٩١٠ وإيضاح الفوائد ج ١ ص ٣٥٧ وتذكرة الفقهاء (ط حجرية) ج ١ ص ٤١٢ ودعائم الإسلام ج ١ ص ٣٧٦ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ١٥٥ ومستدرك الوسائل ج ١١ ص ٤٢ وميزان الحكمة ج ١ ص ٥٦٨.

٧٩

أن يرسل عليها الماء ، أو تحرق بالنار ، أو ترمى بالمنجنيق حتى يقتلوا ، وفيهم النساء والصبيان ، أو الشيخ الكبير ، والأسارى من المسلمين والتجار؟!

فقال : يفعل ذلك بهم ، ولا يمسك عنهم لهؤلاء ، ولا دية عليهم للمسلمين ، ولا كفارة (١).

ويمكن أن يجاب : بأنه لا منافاة بين رواية حفص بن غياث ، وبين رواية القاضي النعمان ، فإن رواية حفص بن غياث قد تكون ناظرة إلى صورة ما لو لم يعلم الرامي بوجود مسلمين ، فصادف وجودهم ، وإصابتهم ، فلا تجب عليه الدية.

أما رواية الدعائم : فهي ناظرة إلى صورة علم الرامي بوجودهم ، فرماهم ، فتجب دية المسلمين الذين أصيبوا منهم.

قطع شجر الطائف :

وتقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شرع بقطع نخيل وشجر الطائف ، وتحريقه. ووكل كل رجل من أصحابه ، بقطع خمس نخلات ، ثم تركها لهم ، لأجل الله وللرحم ، حين ناشدوه ذلك.

مع أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان في وصاياه لسراياه وبعوثه ينهاهم عن ذلك ويقول : «ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها».

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٧٦ ومستدرك الوسائل ج ٢ ص ٢٤٩ والتحفة السنية (مخطوط) ص ١٩٩ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٥ ص ٦٢ و (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٤٦ وتذكرة الفقهاء ج ٩ ص ٦٩ ومختلف الشيعة ج ٤ ص ٣٩١ وتهذيب الأحكام ج ٦ ص ١٤٢.

٨٠