الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

أبو عامر على خيل الطلب :

ونحن لا ننكر أن يكون أبو عامر قد قتل بعض المشركين ، كما أننا لا نريد أن نشكك في أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد كلفه بمهمة من نوع ما في حرب حنين .. غير أننا نقول :

إنه يظهر لنا : أن ثمة تضخيما للأمور أخرج قضية أبي عامر عن سياقها الطبيعي ، ولعل سبب هذا التضخيم هو إرادة منح أبي موسى الذي خان الله ورسوله في التحكيم في صفين نصيبا كان يرغب في الحصول عليه ..

ولعل الذي حصل هو : أن من طبيعة الحروب أن تكون هناك بعض المجموعات التي تتولى ملاحقة المهزومين ، لتفريق شملهم ، وتشتيتهم ، لمنعهم من التجمع مرة أخرى ، ثم العودة لمباغتة الجيش المنتصر ، وإلحاق الأذى به.

وهذا بالذات هو ما حصل فعلا ، فقد تقدم قول أبي موسى : «لما هزم الله المشركين يوم حنين ، بعث «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على خيل الطلب أبا عامر الأشعري ، وأنا معه الخ ..» (١).

ويشير إلى ذلك أيضا قولهم : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بعث أبا عامر «في

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٠٧ عن ابن عائذ ، والطبراني في الأوسط ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٧ ، وراجع : فتح الباري ج ٨ ص ٣٥ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٣٠٢ وراجع : مسند أحمد ج ٤ ص ٣٩٩ ومسند أبي يعلى ج ١٣ ص ١٨٨ وصحيح ابن حبان ج ١٦ ص ١٦٤ والمعجم الأوسط ج ٧ ص ٢٢ والإستيعاب ج ٤ ص ١٧٠٥ وقاموس الرجال للتستري ج ١١ ص ٣٨٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٤ ص ٣١٨.

٢١

آثار فرّار هوازن ، فأدرك بعض المنهزمين فناوشوه القتال الخ ..» (١). فلما ذا إذن يضخمون الأمور ، فيقولون : لما نزلت هوازن عسكروا بأوطاس عسكرا عظيما ..

إلى أن قال : فانتهينا إلى عسكرهم ، فإذا هم ممتنعون.

ثم تذكر الرواية : حديث المبارزة بين أبي عامر وعشرة إخوة من المشركين .. فإن قولهم : إنهم كانوا قد أنشأوا معسكرا هناك بعد هزيمتهم ، لا يصح ، لأن من تقع عليهم الهزيمة ، وتكون الخيل في أثرهم ، لا تكون لديهم فرصة لإنشاء عسكر عظيم ، ثم الإمتناع فيه.

على أن هذا القائل لم يذكر لنا بأي شيء كانوا ممتنعين. إلا إن كان مقصوده بالإمتناع : أنهم متيقظون حذرون ، لا أكثر ..

وإن كان المراد : أن معسكر هوازن الذي أنشأوه قبل الهزيمة ، وقد قتل منه من قتل ، وسبي فيه من سبي ، وتفرق من تفرق ، وبقيت بقية منه قد امتنعت في مواضعها ، ومعسكرها.

فذلك أيضا لا يصح ، لأن المفروض : أن أبا عامر قد لحق بهم بعد هزيمتهم ، وكان يطاردهم على الخيل ، فهم لم يبقوا في مواضعهم ، ليعسكروا ويمتنعوا ..

قتل دريد بن الصمة :

وأما ما ذكر في النص السابق : من أن أبا عامر قد لقي دريد بن الصمة ،

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٧ وراجع : فتح الباري ج ٨ ص ٣٤ وأسد الغابة ج ٥ ص ٢٣٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٨٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٠٢ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٩ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٤١.

٢٢

فقتل دريد ، وهزم الله تعالى أصحابه (١).

فهو أيضا : غير دقيق ، فإن دريد بن الصمة كان أعمى ، وكان طاعنا في السن ، وكان محمولا في شجار له ، ولم يرض بأن يوكل إليه أمر القيادة في ذلك الجيش ، لا عليه كله ، ولا على بعضه .. ولم يكن معه جماعة يقاتل بهم ، أو معهم.

بل تقدم : أن أحد المقاتلين لقيه دريد بن الصمة ـ واسمه قنيع ـ فقتله ، وكان قد ظن في بادئ الأمر أنه امرأة (٢).

خيل الطلب ، والمبارزة ، وقتل أبي عامر :

وعن الرواية التي تزعم : أن أبا عامر قد بارز عشرة من الرجال كلهم إخوة ، فقتل تسعة منهم ، ثم خدعه العاشر ، وأفلت منه ، ثم عاد ذلك الذي

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٠٦.

(٢) راجع : السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٧٢ وشرح الأخبار ج ١ ص ٣١٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٩٢ وشرح معاني الآثار ج ٣ ص ٢٢٤ والإستيعاب ج ٢ ص ٤٩١ والثقات لابن حبان ج ٢ ص ٧٣ والأنساب للسمعاني ج ٤ ص ١٨٥ وكتاب المحبر ص ٢٩٨ وتاريخ مدينة دمشق ج ١٧ ص ٢٣٨ و ٢٤٢ وأسد الغابة ج ٢ ص ١٦٧ والإصابة ج ٢ ص ٣٧٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥١ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٥٨٨ والوافي بالوفيات ج ١٤ ص ٩ والبداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٣٨٦ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٧٨ و ٢٨٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٠١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٤٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٧٢ وخزانة الأدب ج ١١ ص ١٢٦.

٢٣

أفلت إلى أبي عامر ، فقتله ، نقول :

١ ـ إنه إذا كان أبو عامر يقود خيل الطلب ، وهي الخيل التي تطارد فلول المنهزمين ، فلا تسنح الفرصة لتلك الفلول للإصطفاف ، وطلب البراز ، بل تكون همة هؤلاء في النجاة بأنفسهم ، وهمة أولئك في الإمعان بتشتيتهم ، وأخذ من يمكن أخذه منهم.

٢ ـ على أن ما تقدم في حرب حنين ، قد دل على أن جيش المشركين قد ملئ رعبا وخوفا ، بل إن المنهزمين حسب تصريحهم قد أمعنوا في الهرب ، حتى دخلوا حصن ثقيف ، وهم يظنون أن المسلمون خلفهم ، يطاردونهم ، ويوشكون أن يدخلوا معهم إلى الحصن ..

وهذا ما صنعه الله تعالى لنبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حيث إن رؤيتهم للجنود التي أنزلها الله له قد أرعبتهم ، وقد رسخ هذا الرعب وضاعفه لديهم ما عانوه من سيف علي «عليه‌السلام» ، الذي حصد منهم العشرات ، بل المئات حسبما تقدم. مع العلم بأن أحدا غير علي «عليه‌السلام» لم يطعن برمح ، ولم يرم بسهم ، ولم يضرب بسيف ، كما صرحت به النصوص.

وقد قلنا : إن ذلك يدل على : أن جميع قتلى المشركين في حنين قد قتلوا بسيفه «عليه‌السلام» ، ولا يمكنهم إثبات خلاف ذلك ، إلا على سبيل التحكم ، والمكابرة

وقد تقدم : أن راجعة المسلمين ما رجعت من الهزيمة حتى وجدت الأسارى مكتفين عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وهم أكثر من ألف فارس ، وستة آلاف سبية ، وعشرات الألوف من الإبل ، والمواشي المختلفة ..

٣ ـ على أنه قد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع : أن أبا موسى سأل

٢٤

أبا عامر : من رماك؟ فدله عليه أبو عامر بالإشارة .. فلو أن أبا عامر قد بارز الإخوة العشرة ، وقتل في المبارزة ، فلا بد أن يراه كل الناس ، ولا سيما الفرسان المعروفون منهم ، والذين يقفون عادة في الصفوف الأولى ، ويشاهدون ما يجري.

إلا إن كان لم يقتله حين المبارزة ، بل قتله بعد ذلك حين اختلط الناس.

إلا أن ذلك يتعارض مع ما زعموه : من أنه قتل على يد رجلين ، ومن أن أبا موسى قد قتل قاتله ، مع أن ذلك العاشر قد أسلم وحسن إسلامه وغير ذلك.

٤ ـ قولهم : إنه حين نزع السهم نزا من جرحه الماء.

نقول فيه : إن المفروض هو : أن يسيل الدم وليس الماء ، إذ من أين يأتي الماء؟ سواء أكان قد أصاب السهم قلبه ، أو أصاب ركبته ، حسبما ورد في الروايات الأخرى.

دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي موسى :

وعن دعاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأبي موسى نقول :

إن الكلام حول أبي موسى الأشعري واستقامته على جادة الحق يحتاج إلى فرصة أخرى.

غير أننا نكتفي هنا بالقول : إن دعاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مستجاب بلا شك ، ولا يصح لعن من دعا له النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأن يدخله الله يوم القيامة مدخلا كريما.

فكيف كان علي «عليه‌السلام» ـ بعد قضية التحكيم ، التي خان فيها أبو

٢٥

موسى الله تعالى ورسوله ـ يقنت في الفجر والمغرب ويلعن معاوية ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة ، والوليد بن عقبة ، وأبا الأعور ، والضحاك بن قيس ، وبسر بن أبي أرطأة ، وحبيب بن مسلمة ، وأبا موسى الأشعري ، ومروان؟!

وكان هؤلاء يقنتون عليه ، ويلعنونه (١).

وفيما كتبه الإمام الرضا «عليه‌السلام» للمأمون ، من محض الإسلام : أن البراءة من الذين ظلموا آل محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله» واجبة ، وذكر لعن معاوية ، وعمرو بن العاص ، وأبي موسى الأشعري (٢).

وقال أبو موسى لأبي ذر : يا أخي.

فطرده أبو ذر عن نفسه ، وقال له : لست بأخيك ، إنما كنت أخاك قبل

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ٤ ص ٧٩ وعنه إثبات الهداة ج ٤ ص ٣٢٦ ح ١٤٥ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ١١ ص ٣٢٥ وراجع : طرائف المقال للبروجردي ج ٢ ص ١٤١ ومنتهى المقال لأبي علي الحائري ج ٧ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ والغدير ج ١٠ ص ١١٢ وجامع السعادات ج ١ ص ٢٨٠ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ١٧٨ والنصائح الكافية ص ٥٢.

(٢) عيون أخبار الرضا «عليه‌السلام» ج ٢ ص ١٢٦ باب ٢٥ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج ١ ص ١٢٩ والبحار ج ١٠ ص ٣٥٢ ـ ٣٥٩ وج ٦٥ ص ٢٦١ ـ ٢٦٥ ومسند الإمام الرضا ج ٢ ص ٤٩٦ ـ ٥٠٣ ومنتهى المقال ج ٧ ص ٢٥٨ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ٤٥٩ والتفسير الصافي ج ٣ ص ٢٦٨ وطرائف المقال للبروجردي ج ٢ ص ١٤٩ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٣١١ وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم‌السلام» للشيخ هادي النجفي ج ١ ص ٢٥٩ ـ ٢٦٦ وج ٤ ص ٢٠٤ ـ ٢٠٨.

٢٦

أن تستعمل (١).

وقال له الأشتر لما بعثه علي «عليه‌السلام» لإخراج أبي موسى من الكوفة : «فو الله ، إنك لمن المنافقين قديما» (٢).

وقال أبو عمر في الإستيعاب : روي فيه لحذيفة كلام كرهت ذكره.

قال المعتزلي : مراد الإستيعاب : أن أبا موسى ذكر عند حذيفة بالدين ، فقال : أما أنتم فتقولون ذلك ، وأما أنا فأشهد أنه عدو لله ولرسوله ، وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ، ولهم اللعنة ، ولهم سوء الدار (٣).

وكان حذيفة عارفا بالمنافقين ، أسرّ إليه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمرهم ، وعرفه أسماءهم (٤).

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ٢٣٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٦٦ ص ٢١٠ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ٧٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٤٠٨ و ٤١٣ والمنتخب من ذيل المذيل للطبري ص ٣٥.

(٢) تاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ٥٠١ والغارات للثقفي ج ٢ ص ٩٢٢ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢١ وقاموس الرجال ج ١١ ص ٥٢٧ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٤٥٥ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ٥ ص ١٦٠ ومواقف الشيعة ج ٢ ص ٢٤٢.

(٣) قاموس الرجال ج ٦ ص ١٠٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٣١٤ و ٣١٥ والقول الصراح في البخاري وصريحه ص ٢١٣ والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ص ٢٨٦ وأعيان الشيعة ج ٤ ص ٦٠١.

(٤) قاموس الرجال ج ٦ ص ١٠٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٣١٤ و ٣١٥ وراجع : المعجم الكبير للطبراني ج ٣ ص ١٦٥ وتفسير الرازي ج ١٦ ص ١٢٠ و ١٢١ وسبل ـ

٢٧

وروي أيضا : أن عمارا سئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيما ، سمعته يقول : صاحب البرنس الأسود ، ثم كلح منه كلوحا علمت أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط (١).

وروي عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أنه وصفه بالسامري (٢).

__________________

الهدى والرشاد ج ١٠ ص ٢٦٢ وتهذيب الكمال ج ٥ ص ٥٠٢ وراجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٨ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٢٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٣٥ وراجع : الهداية الكبرى للخصيبي ص ٨٢ والمسترشد للطبري ص ٥٩٣ والخرائج والجرائح ج ١ ص ١٠٠ والعمدة لابن البطريق ص ٣٤١ والصوارم المهرقة ص ٧ و ٨ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٣٥ والبحار ج ٢١ ص ٢٣٣ و ٢٣٤ و ٢٤٧ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٨ ص ٢٠٠ ومجمع الزوائد ج ١ ص ١٠٩ والمعجم الكبير للطبراني ج ٣ ص ١٦٤ و ١٦٥ وكنز العمال ج ١ ص ٣٦٩ والدر المنثور ج ٣ ص ٢٥٩ وسماء المقال في علم الرجال للكلباسي ج ١ ص ١٦ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٧٥ وج ٩ ص ٣٢٨ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٤٦.

(١) قاموس الرجال ج ٦ ص ١٠٨ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٣١٥ والدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة ص ٢٨٦ وأعيان الشيعة ج ٤ ص ٦٠١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ لمحمد الريشهري ج ١٢ ص ٤٤.

(٢) قاموس الرجال ج ٦ ص ١٠٩ واليقين لابن طاووس ص ٤٤٤ وأمالي المفيد ص ٣٠ ومعجم رجال الحديث ج ١١ ص ٣٠٦ والمفيد من معجم رجال الحديث ص ٣٤٤ والبحار ج ٣٠ ص ٢٠٨ وج ٣٧ ص ٣٤٢ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٣٨٦ وتفسير نور الثقلين ج ٣ ص ٣٩١ و ٣٩٢ وج ٥ ص ٦٨٤ و ٦٨٥ وغاية المرام ج ٥ ص ٣٤٧.

٢٨

محاولة اغتيال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقال أبو بردة بن نيار : لما كنا بأوطاس ، نزلنا تحت شجرة ، ونظرنا إلى شجرة عظيمة ، فنزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تحتها وعلق سيفه وقوسه ، وكنت أقرب أصحابي إليه ، فما راعني إلا صوته : يا أبا بردة.

فقلت : لبيك يا رسول الله. فأقبلت سريعا ، فإذا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» جالس ، وعنده رجل جالس.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إن هذا الرجل جاءني وأنا نائم ، فسل سيفي ، وقام به على رأسى ، فانتبهت وهو يقول : يا محمد ، من يمنعك مني؟

فقلت : الله تعالى.

قال أبو بردة : فسللت سيفي.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : شم سيفك.

فقلت : يا رسول الله ، دعني أضرب عنق عدو الله ، فإنه من عيون المشركين.

فقال لي : «اسكت يا أبا بردة».

فما قال له رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» شيئا ، ولا عاقبه.

قال : فجعلت أصيح به في العسكر لأشهره للناس ، فيقتله قاتل بغير أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأما أنا فقد كفني رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن قتله.

فجعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقول : «يا أبا بردة ، كف عن الرجل».

فرجعت إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال : «يا أبا بردة ، إن الله

٢٩

مانعي وحافظي ، حتى يظهر دينه على الدين كله» (١).

ونقول :

إن علينا أن ننبه القاري الكريم هنا إلى ما يلي :

١ ـ تشابه الأحداث :

قد يتبادر إلى ذهن القارئ هنا سؤال يقول : إن هذا الحادث قد ذكر في أكثر من غزوة ، وأكثر من مقام .. فلما ذا كان ذلك؟!

وكيف يجب أن نتعامل مع هذه الظاهرة؟!

ونجيب : لعل أحدا لا يستطيع أن يتيقن بعدم تكرار محاولات قتل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ما دام أن الناس يتشابهون في تفكيرهم ، واندفاعاتهم ، حين تتوفر لهم عناصر ذلك ويرونها ماثلة أمام أعينهم ، وفي متناول يدهم ، كما هو الحال في هذه الحوادث. فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في جميع سفراته ، وتحركاته يأتي إليه الناس ، ويحضرون مجالسه ، ويسيرون في ركابه ، وبالقرب منه ، وقد يراه بعض أعدائه وحده ، فتظهر لديه رغبة في اغتنام الفرصة لقتله ، ويزين له الشيطان أنه قادر على ذلك ..

ولا سيما إذا آنس منه غفلة عنه ، أو ظن أنه مستغرق في النوم ، أو أنه لا يراه ، فيبادر إلى فعل مقدمات ذلك ، وإذ به يفاجأ بكرامة الله لنبيه ، ويكون ذلك برهانا لكل جاحد ، وحجة على كل معاند ، وتثبيتا لأهل الإيمان على إيمانهم.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣١٥ و ٣١٦ عن الواقدي. والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٨٩٢ وإمتاع الإسماع ج ٢ ص ١١ وج ١٤ ص ١٤ و ١٥.

٣٠

وقد يقال : إن ذلك ، وإن كان ممكنا في نفسه ، ولكن التحقيق في وقوعه يحتاج إلى وسائل إثبات تكفي لذلك ، وهي لا تكاد توجد ، لأن نقلة هذه الأخبار ليسوا في المستوى المطلوب من حيث الوثاقة ، والدقة والتحري. بل قد وجدنا في نقولاتهم الكثير من أسباب الشك والريب ، وفيها ما يقطع بكذبه ، أو بتحريفه.

غير أننا نقول :

إن ذلك لا يعني : أنه يجب الحكم بسقوط هذه الأخبار عن الإعتبار ، ولزوم صرف النظر عنها جميعها ، فإن الموقف العلمي منها يقضي : بلزوم تصفيتها ، وتنقيتها من كل ما هو موهون ومشكوك ، ومكذوب ، ثم الأخذ بعصارتها ، وصفوتها ، حتى وإن عسر تحديد زمان وقوعها ، أو لم يمكن تحديد الواقع منها. هل هو مرة؟ أو مرات؟ ما دام ان ذلك لا يؤثر على أصل ما ينبغي أن يستفاد منها ، من عبرة أو فكرة ، أو مفهوم إيماني ، أو تربوي ، أو ما إلى ذلك ..

٢ ـ لا يطاع الله من حيث يعصى :

وقد اظهرت الروايات السابقة : أن أبا بردة بن نيار يصر على مخالفة امر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». بل هو يسعى في الناس ليجد من يبادر إلى القيام بعمل ظهر له أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يريده ..

فلما ذا أصبح أبو بردة حريصا على قتل هذا الرجل إلى هذا الحد؟! وهل يريد أن يثبت للناس وللرسول شدة حبه له بهذه الطريقة المؤذية لشخص الرسول ، من حيث إنه يريد أن يثبت أنه يتفانى في حبه؟! وكيف جاز له أن

٣١

يخالف أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» الذي أصدره إليه بالسكوت والكف ..

إن أبا بردة إن كان أراد أن يطيع الله ، فهو قد عصاه بفعله هذا ، ولا يطاع الله من حيث يعصى ..

٣ ـ في حنين ، أم في أوطاس؟! :

وقد صرحت الرواية المذكورة آنفا : بأن هذه القضية جرت في أوطاس ، ومن الواضح : أن التجمع الذي كان في أوطاس قد فضه ـ كما يزعمون ـ أبو عامر الأشعري بأمر من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وإن كنا نعتقد : أن أمر أوطاس أيضا قد حسم على يد علي «عليه‌السلام» دون سواه.

إلا أن يقال : لعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد مرّ من أوطاس حين عودته من الطائف إلى الجعرانة .. كما ربما يشير إليه قول الراواية : لما كنا بأوطاس ، نزلنا تحت شجرة ، ونظرنا إلى شجرة ، فنزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تحتها وعلق سيفه وقوسه ، وكنت أقرب أصحابي إليه الخ .. فإنه ظاهر في أن ذلك كان حين المسير والإستطراق ، وليس حين نزل فيها لأجل الحرب.

٤ ـ أين الحرس؟!

إنهم يزعمون : أن عباد بن بشر ، ومحمد بن مسلمة ، وأبا نائلة (١) كانوا يحرسون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأين كان هؤلاء عنه في هذه اللحظة

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٢٠ وراجع : مجمع الزوائد ج ٦ ص ١٩٦ وأسد الغابة ج ٣ ص ١٠٠.

٣٢

بالذات؟! وهل الحراسة تكون له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلا في هذه الحال؟!

بل أين علي بن أبي طالب «عليه‌السلام»؟ فإنه هو الذي كان يحرس رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في حضره وفي سفره ، كما هو معلوم.

٥ ـ أسئلة تحتاج إلى أجوبة :

ثم إن الرواية لم توضح لنا : كيف ولماذا عدل ذلك الرجل عن تصميمه على قتل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! ولماذا ومتى جلس ذلك الرجل إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله»؟! مع العلم : بأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد نادى أبا بردة لحظة أخذ ذلك الرجل السيف بيده ، ليقتل به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». وهل كان سيف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يزال معه حين جلس إليه؟! أم أخذ منه قهرا ، أو أعاده طائعا مختارا؟! وعلى هذا لماذا اختار أن يعيده؟!

وكيف عرف أبو بردة : أن ذلك الرجل كان من عيون المشركين ، ولم لا يظن أنه كان من المنافقين الحاقدين؟!

ولماذا يدافع الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن ذلك الرجل؟ هل لإنه كان قد اسلم؟! فإن كان الأمر كذلك ، فلما ذا لم يخبر أبا بردة بإسلامه ليفرح بذلك؟ وليكف عنه من أجل إسلامه؟!

وإن لم يكن قد أسلم ، فهل يدافع عنه لأنه يأمل إسلامه؟! أو لأنه كان قد أعطاه أمانا ، ولا يريد أن ينقض ما أعطاه؟!

إن جميع هذه الأسئلة وسواها يحتاج إلى جواب مقنع ومقبول ، وأين؟! وأنى؟!

٣٣
٣٤

الفصل الثاني :

حصار الطائف

٣٥
٣٦

غزوة الطائف بروايتهم :

الطائف بلد كبير ، يقع على ثلاث مراحل ، أو على مرحلتين من مكة ، إلى جهة المشرق (١).

وقالوا : إنه لما فتح رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حنينا لعشر ، أو لأحد عشر من شوال ، خرج إلى الطائف يريد جمعا من هوازن وثقيف ، وكانوا قد هربوا من معركة حنين (٢).

ويذكرون في بيان ما جرى : أنه لما قدم فلّ ثقيف الطائف رمّوا حصنهم ، وأغلقوا عليهم أبواب مدينتهم ، وتهيؤا للقتال.

وكانوا أدخلوا فيه قوت سنة لو حصروا ، وجمعوا حجارة كثيرة ، وأعدوا سككا من الحديد ، ورتبوا عليه المجانيق ، وأدخلوا معهم قوما من العرب من عقيل وغيرهم ، وأمروا بسرحهم أن يرفع في موضع يأمنون فيه.

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٣٠٢ وعون المعبود ج ٨ ص ١٨٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠٨ وتاج العروس ج ١٢ ص ٣٦٠.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ وراجع : عمدة القاري ج ١٢ ص ١٣٧ وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٢٢ وفتوح البلدان ج ١ ص ٦٥ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٢٠٦ وعون المعبود ج ٥ ص ٢٩٥ وتفسير البيضاوي ج ٣ ص ١٤٤ وتفسير الآلوسي ج ١٠ ص ٩٢.

٣٧

وقدّم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بين يديه خالد بن الوليد في ألف من أصحابه إلى الطائف ، فأتى خالد الطائف ، فنزل ناحية من الحصن ، وقامت ثقيف على حصنها بالرجال والسلاح.

ودنا خالد في نفر من أصحابه ، فدار بالحصن ، ونظر إلى نواحيه ، ثم وقف في ناحية من الحصن فنادى بأعلى صوته : ينزل إلي بعضكم أكلمه ، وهو آمن حتى يرجع ، أو اجعلوا لي مثل ما جعلت لكم ، وأدخل عليكم حصنكم أكلمكم.

قالوا : لا ينزل إليك رجل منا ، ولا تصل إلينا.

وقالوا : يا خالد ، إن صاحبكم لم يلق قوما يحسنون قتاله غيرنا.

قال خالد : فاسمعوا من قولي ، نزل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأهل الحصون والقوة بيثرب ، وخيبر ، وبعث رجلا واحدا إلى فدك ، فنزلوا على حكمه.

وأنا أحذركم مثل يوم بني قريظة ، حصرهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أياما ، ثم نزلوا على حكمه ، فقتل مقاتلتهم في صعيد واحد ، ثم سبى الذرية ، ثم دخل مكة فافتتحها ، وأوطأ هوازن في جمعها ، وأنتم في حصن في ناحية من الأرض ، لو ترككم لقتلكم من حولكم ممن أسلم.

قالوا : لا نفارق ديننا.

ثم رجع خالد بن الوليد إلى منزله (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٢ و ٣٨٣ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢.

٣٨

ونقول :

إننا نذكر القارئ الكريم بالأمور التالية :

١ ـ إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أبقى جيشه على نفس التعبئة التي خرج عليها من مكة ، فأبقى خالدا على مقدمته التي كانت تتكون من أهل مكة ، ومن بني سليم ، وكانوا ألف رجل كما يقولون.

والظاهر : أنهم كان معهم مائة فرس.

وقال الحلبي : «وقدّم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» خالد بن الوليد على مقدمته ، أي وهي خيل بني سليم ، مائة فرس ، قدّمها من يوم خرج من مكة ، واستعمل عليهم خالد بن الوليد الخ ..» (١).

أي أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يرد أن يغير في تعبئة الجيش لسببين :

أولهما : أن المصلحة التي اقتضت جعل خالد على مقدمته ، وقبول أهل مكة في المقدمة ، لا تزال قائمة ، بل لعلها أصبحت أكثر إلحاحا من ذي قبل ، لأن الهزيمة التي وقعت على المسلمين. وكانت قد جاءت أولا من المقدمة بالذات ربما تكون قد أعطت الإنطباع للمشركين : بأن حضور أهل مكة في جيش المسلمين قد كان مجاراة منهم. وهذا يجعلهم غير مطمئنين ، ويثير لديهم مخاوف تمنعهم من التفكير بدخول الإسلام ، لأنهم ربما يخشون من عودة فراعنة الشرك إلى ملاحقة من يسلم بالتنكيل والأذى. فلا بد أن تنتهي الحرب ، وأهل مكة في مواقعهم ، ولا بد أن يظهروا حرصا على دعوة الناس للدخول في هذا الدين ، وأن يبذلوا جهدا في الذب عنه ، مهما

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٥ و (ط دار المعرفة) ص ٧٧.

٣٩

اختلفت أهواؤهم ، ودوافعهم. وتباينت ميولهم واتجاهاتهم.

الثاني : لو أدخل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أي تغيير على تركيبة جيشه ، لظن كثير من الناس : أن لا لوم على الذين انهزموا ، لأن سبب الهزيمة هو الخطأ في التعبئة ، ووضع الأمور في غير موضعها الصحيح ، ولبطل أثر الآيات الإلهية التي أنبت المنهزمين ولا متهم ، وحملتهم المسؤولية ..

بل لعل زعماء الهزيمة أنفسهم يثيرون في الناس هذه المعاني ، ويحملون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه مسؤولية الهزيمة ، ويصورون للناس البريء المجاهد الصابر على أنه هو المذنب ، والقاصر والمقصر .. ويظهرون العاصي والمجرم على أنه البريء ، بل هو المظلوم ..

٢ ـ لا ندري مدى صحة قولهم : إنه لما قدم فلّ ثقيف من حنين رمّوا حصنهم ، فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد جاء في أثرهم ، وربما لم يفصل بين وصوله إلى حصنهم ، ووصول فلّ ثقيف إليه إلا اليسير من الوقت قد لا يتجاوز اليوم واحد .. وحتى لو زاد على ذلك ، فإن ترميم الحصن قد يحتاج إلى وقت طويل ، وإلى جهد كبير ..

إلا أن يقال : لعل ترميمه كان لا يحتاج إلى وقت كبير ، لأنه كان جزئيا ويسيرا.

مع أننا نعتقد : أن إدخال الأقوات لسنة ، وإعداد سكك الحديد ، وجمع الحجارة الكثيرة ، وترتيب المجانيق ، الذي يقولون : إنه قد حصل في وقت سابق على حنين ، لا بد أن يرافقه أو يسبقه ترميم للحصن أيضا ، إذ لا معنى لهذا الإعداد والإستعداد العظيم ، إذا كان الحصن نفسه غير صالح لحمايتهم.

وهذا معناه : أن التعبير المتقدم قاصر عن إفادة المراد ، أو أن ثمة غفلة

٤٠