الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

٣ ـ العرفاء (١).

وما يعنينا هنا هو : هذا النظام الأخير ، وهو نظام العرافة والعرفاء ..

فقد ذكرت النصوص : أنه قد كان هناك عرفاء للقبائل (٢) ، وعريف أيضا لكل خلية تتألف من عشرة أشخاص ، وقد عرّف «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عام خيبر وحنين على كل عشرة عريفا (٣) ، مما يعني : أنه «صلى الله عليه

__________________

(١) مغني المحتاج ج ٣ ص ٩٦ وكنز العمال ج ٥ ص ٧٨٠ و ٧٩٨ وروضة الطالبين ج ٥ ص ٣١٩ حواشي الشيرواني ج ٧ ص ١٣٥ وأحكام القرآن ج ٢ ص ٤٩٧ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٨٣ والخصال للصدوق ص ٤٩٢ وتفسير غريب القرآن ص ١٢٦ ومجمع البيان ج ٣ ص ٢٩٤ وجامع البيان ج ٦ ص ١٠٣ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ١١٢ وجواهر العقود ج ١ ص ٣٧٨ وزاد المسير ج ٢ ص ٢٥١ وأصول السرخسي ج ١ ص ٣٨٠ والكامل لابن عدي ج ٦ ص ٤٦١ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٩٤ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٤٥٢ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٤٣.

(٢) راجع : تهذيب الكمال ج ١٧ ص ٤١٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ١١ ص ٣١٩ وج ٣٥ ص ٤٤٤ والإصابة ج ١ ص ٦١٧ والشرح الكبير ج ١٠ ص ٦١١ وروضة الطالبين للنووي ج ٥ ص ٣١٩ وكشاف القناع ج ٣ ص ١١٧ و ١٤٣ ومغني المحتاج للشربيني ج ٣ ص ٩٦ والمغني لابن قدامة ج ٧ ص ٣١٠ وجواهر العقود ج ١ ص ٣٧٨ وفتح الباري ج ٥ ص ٢٠٢ وج ١٣ ص ١٤٩ وراجع :

بصائر الدرجات ص ٥١٦ والبحار ج ٣٤ ص ٢٥٠.

(٣) المبسوط للشيخ الطوسي ج ٢ ص ٧٥ ومنتهى المطلب (ط ق) ج ٢ ص ٩٥٨ و ٩٧٠ وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج ١ ص ٤٣٧ و (ط ج) ج ٩ ص ٢٧٠ و ٣٢٣ وتحرير الأحكام (ط ق) ج ١ ص ١٥١ و (ط ج) ج ٢ ص ٢١١ وجواهر الكلام ـ

٢٠١

وآله» قد بنى المجتمع بناء هرميا يبدأ من هذه الخلية وينتهي بالنقباء ، وهو «صلى‌الله‌عليه‌وآله» رأس الهرم الذي تنتهي الأمور إليه وتصدر الأوامر والتوجهات والقرارات عنه.

وقد ورد : أنه كان إذا جاءه تسعة أشخاص يرفض أن يعقد لهم لواء ، حتى يأتوه بعاشر (١).

ويمكن أن يفهم من النصوص : أنه قد كان لدى المسلمين قبول ورضا ، ورغبة في الإنخراط في هذا النظام ، أعني نظام العرفاء ، فكانوا هم الذين يسعون للحصول على عريف لهم.

ومعنى هذا : أنهم يشعرون بحاجتهم إلى نظام كهذا ، وأنه مقتنعون بفائدته لهم.

وقد ورد : أنه لا بد للناس من عريف (٢).

__________________

ـ ج ٢١ ص ٢١٥ وكتاب الأم للشافعي ج ٤ ص ١٦٦ ومختصر المزني ص ١٥٤ والمجموع ج ١٩ ص ٣٨٠ و ٣٨٣ ومعرفة السنن والآثار ج ٥ ص ١٦٨ ومغني المحتاج للشربيني ج ٣ ص ٩٦ والمغني لابن قدامة ج ٧ ص ٣١٠ وج ١٠ ص ٦٢١ والشرح الكبير ج ١٠ ص ٥٥١ وكشاف القناع ج ٣ ص ٧٢ و ١١٧ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٤٣ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٢ ق ٢ ص ٩٢ وراجع : تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج ٣ ص ٤٣٧ و ٤٨٧ و ٤٨٨.

(١) راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ٢٩٥ و ٢٩٦ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٩ ص ٣٥٩ والإصابة ج ٣ ص ٢٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٦ ص ٣٧٥ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٠٣ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٧٠.

(٢) المطالب العالية ج ١ ص ٢٣٧ ودعائم الإسلام ج ٢ ص ٥٣٨ ونيل الأوطار ج ٨

٢٠٢

وورد في مقابل ذلك : النهي عن التصدي لهذا الأمر ، فلا يكونن عريفا (١).

ولعل النهي الوارد عن العرافة ، إنما هو لمن تولاها من قبل سلطان

__________________

ـ ص ١٥٢ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٣٤ وفتح الباري ج ١٣ ص ١٤٩ ومسند أبي يعلى ج ٣ ص ٥٧ وج ٧ ص ١٦٣ وفيض القدير ج ٦ ص ٤٩٧ والعهود المحمدية ص ٧٣٣ وكشف الخفاء ج ٢ ص ٥٩ وطبقات المحدثين بإصبهان ج ١ ص ٣٤٣ وذكر أخبار إصبهان ج ٢ ص ١١٧ ومستدرك الوسائل ج ١٣ ص ١١٠ والمصنف لابن أبي شيبة ص ٢٦٦ والمعجم الصغير وكنز العمال ج ٦ ص ٩٠ وج ٩ ص ٣١٧ وفيض القدير ج ٦ ص ٤٩٦ والكامل ج ٥ ص ٣٧٤ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٨٩ و ٥٩٥.

(١) المطالب العالية ج ١ ص ٢٣٧ وراجع ص ٢٣٦ والأمالي للصدوق ص ١٨٥ والبحار ج ٧٤ ص ٣٩٩ وج ٧٢ ص ٣٤٢ و ٣٤٣ وج ٧٣ ص ٣٥٩ والخصال ج ١ ص ٣٣٧ و ٣٣٨ ومروج الذهب ج ٤ ص ١٩٣ وكمال الدين ، ونهج البلاغة ، وحلية الأولياء ج ١ ص ٧٩ وج ٦ ص ٥٣ والأمالي للمفيد ص ٧١ وربيع الأبرار ج ٢ ص ٢٥٦ ومستدرك الوسائل ج ١٣ ص ١١٢ ودستور معالم الحكم ص ٩٢ وكنز الفوائد ص ٣٠ والوسائل ج ١٢ ص ٢٣٤ و ٢٣٥ وغرر الحكم ج ١ ص ٢٠٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٧ ص ١٩٩ وج ١٧ ص ٢٥١ ونور الثقلين ج ٤ ص ٥٣٣ وراجع : مسند أحمد ج ٤ ص ١٣٣ وسنن أبي داود ج ٢ ص ١٤ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٣٣ و ٢٤٠ وعون المعبود ج ٨ ص ١٠٨ والمصنف للصنعاني ج ٢ ص ٣٨٣ وج ١١ ص ٣٢٦ ومسند الشاميين ج ٢ ص ٢٩٧ و ٣٠٠ والجامع الصغير ج ١ ص ١٩٦ والعهود المحمدية ص ٧٣٣ و ٧٨٤ وكنز العمال ج ٦ ص ١٥ والجامع لأحكام القرآن ج ٢ ص ٣١٢ ومعجم رجال الحديث ج ٢٠ ص ٢٠٣ وتاريخ مدينة ج ٦٠ ص ١٩٤ وج ٦٢ ص ٣٠٥ وسير أعلام النبلاء ج ٣ ص ٤٢٨ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٦ ص ٢٠٤.

٢٠٣

جائر كما يظهر من الحديث عن الإمام الباقر «عليه‌السلام» عن عقبة بن بشير الأسدي قال : دخلت على أبي جعفر «عليه‌السلام» ، فقلت : إني في الحسب الضخم من قومي ، وإن قومي كان لهم عريف فهلك ، فأرادوا أن يعرفوني عليهم فما ترى لي؟

قال : فقال أبو جعفر «عليه‌السلام» : تمن علينا بحسبك؟ إن الله تعالى رفع بالإيمان من كان الناس سموه وضيعا إذا كان مؤمنا ، ووضع بالكفر من كان يسمونه شريفا إذا كان كافرا ، وليس لأحد على أحد فضل إلا بتقوى الله.

وأما قولك : إن قومي كان لهم عريف فهلك ، فأرادوا أن يعرفوني عليهم ، فإن كنت تكره الجنة وتبغضها فتعرف على قومك ، ويأخذ سلطان جائر بامرئ مسلم لسفك دمه ، فتشركهم في دمه وعسى لا تنال من دنياهم شيئا (١).

ودل عليه أيضا : قول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ، ووزراء فسقة ، وقضاة خونة ، وفقهاء كذبة ، فمن أدرك منكم ذلك الزمن فلا يكونن لهم جابيا ، ولا عريفا ، ولا شرطيا (٢).

__________________

(١) راجع : الكافي ج ٢ ص ٣٢٨ وشرح أصول الكافي ج ٩ ص ٣٧٣ وإختيار معرفة الرجال ج ٢ ص ٤٥٩ وجامع أحاديث الشيعة ج ١٣ ص ٤٦٣ وج ١٧ ص ٢٥٠ والوسائل ج ١١ ص ٢٨٠ و ٢٨١ والبحار ج ٧٠ ص ٢٢٩ وج ٧٢ ص ٣٤٩ ومستدرك الوسائل ج ١٣ ص ١١٣ ونور الثقلين ج ٥ ص ٩٨ ومعجم رجال الحديث ج ١٢ ص ١٦٥ وجامع السعادات للنراقي ج ١ ص ٣١٥.

(٢) المعجم الصغير ج ١ ص ٢٠٤ والمعجم الأوسط ج ٤ ص ٢٧٧ والمعجم الكبير ج ٩ ص ٢٩٩ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ٢٤٠ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٣٦٢ وصحيح ـ

٢٠٤

وبعض الأحاديث ناظر إلى تعدي العرفاء على عن حدود الشرع. كما ورد في حديث علي «عليه‌السلام» عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ألا ومن تولى عرافة قوم حبسه الله عزوجل على شفير جهنم بكل يوم ألف سنة ، وحشر يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه ، فإن قام فيهم بأمر الله أطلقه الله ، وإن كان ظالما هوى به في نار جهنم وبئس المصير (١).

ولعل مما يؤكد هذه الحقيقة : أن المهمات التي كانت توكل إلى العريف كانت حساسة وهامة ، فمثلا قد ذكرت النصوص أن :

١ ـ العريف : هو القائم بأمر طائفة من الناس ، وهو من ولي أمر سياستهم ، وحفظ أمورهم وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم حتى يعرّف بها من فوقه عند الإحتياج (٢).

٢ ـ أن العريف كان هو الذي يتولى تقسيم العطاء على من عرّف

__________________

ـ ابن حبان ج ١٠ ص ٤٤٦ وموارد الظمآن ج ٥ ص ١٢٧ والعهود المحمدية ص ٧٩٤ وكنز العمال ج ٦ ص ٧٧ وسبل الهدى والرشاد ج ١٠ ص ١٣٨ وتاريخ بغداد ج ١٢ ص ٦٣.

(١) راجع : أمالي الصدوق ص ٣٨٨ و (ط دار المعرفة) ص ٥١٨ وعقاب الأعمال ص ٣٣٩ والبحار ج ٧ ص ٢١٦ وج ٧٢ ص ٣٤٣ و ٣٧٣ وج ٧٣ ص ٣٣٧ والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج ١٥ ص ٣٥٣ و (ط دار الإسلامية) ج ١١ ص ٢٨٢ ومن لا يحضره الفقيه ج ٤ ص ١٨ وروضة المتقين ج ٩ ص ٤٣٢ وكتاب المكاسب ج ٢ ص ٧٢ ومستدرك سفينة البحار ج ٧ ص ١٣٥ و ١٩٢.

(٢) فتح الباري ج ١٣ ص ١٤٨ وإرشاد الساري ج ١٠ ص ٢٤٦ وعمدة القاري ج ٢٤ ص ٢٥٤ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٥١.

٢٠٥

عليهم ، ويوصل إليهم عطاءهم (١).

٣ ـ كان العريف هو الذي يتولى هدم بيوت بعض الذين يخونون الإمام العادل ، ويذهبون إلى عدوه ، فقد ورد : أنه لما هرب حنظلة أمر علي «عليه‌السلام» بداره فهدمت ، هدمها عريفهم بكر بن تميم ، وشبث بن ربعي (٢).

٤ ـ إن العريف هو الذي يتولى معرفة دخائل الناس ، وحقيقة نواياهم ، إذا احتاج الإمام إلى معرفة ذلك ، فقد ورد : أن أبا زيد الهلقام سأل الإمام الباقر «عليه‌السلام» عن تفسير قول الله عزوجل : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) (٣) ما يعني بقوله : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ)؟!.

قال : ألستم تعرّفون عليكم عريفا على قبائلكم ، لتعرفوا من فيها من صالح أو طالح؟

قلت : بلى.

قال : فنحن أولئك الرجال الذين يعرفون كلا بسيماهم (٤).

٥ ـ العريف ، الذي يتعرف به أحوال الجيش (٥) أو القائم بأمور القبيلة

__________________

(١) الطبقات الكبرى ج ٦ ص ١٩٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٣ ص ١٥٢ وتاريخ الكوفة ص ١٦٠.

(٢) صفين ص ٩٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ٣ ص ١٧٧ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٤٧٤.

(٣) الآية ٤٦ من سورة الأعراف.

(٤) بصائر الدرجات ص ٤٩٥ و ٤٩٦ و (ط الأعلمي) ص ٥١٦ والبحار ج ٨ ص ٣٣٦ وج ٢٤ ص ٢٥٠ وتفسير نور الثقلين ج ٢ ص ٣٣ وتفسير الميزان ج ٨ ص ١٤٥ وتفسير العياشي ج ٢ ص ١٨ وأهل البيت «عليهم‌السلام» في الكتاب والسنة ص ١٥٩ وغاية المرام ج ٤ ص ٤٥.

(٥) التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٣٥ عن الباجي في المنتقى.

٢٠٦

والجماعة من الناس ، يلي أمورهم ، ويتعرف الأمير منه أحوالهم (١).

٦ ـ فسرت العرافة بالرياسة (٢).

٧ ـ العريف : القيم والسيد ، لمعرفته بسياسة القوم (٣).

٨ ـ وربما يكون من مهماته أيضا : أن يكون هو المسؤول عن حضور وغياب من هم في نطاق مسؤوليته ، والإخبار عن أسباب ذلك ، وربما عن مرضهم وصحتهم ، وحياتهم ، وموتهم ، وكل ما يعرض لهم من مشاكل وأزمات ، وباختصار : إنه يمثل همزة الوصل بينهم وبين إمامهم ..

وقد ورد : أنه حين جاء إلى علي «عليه‌السلام» عسل وتين من همدان ، أمر العرفاء أن يأتوا باليتامى ، فأمكنهم من رؤوس الأزقاق يلعقونها (٤).

وورد أيضا : أنه كان الرجل إذا قدم المدينة ، وكان له بها عريف نزل

__________________

(١) التراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٣٥ عن النهاية ، وراجع : كشاف القناع ج ٣ ص ٧٢ ونيل الأوطار ج ٩ ص ١٦٦ والقاموس الفقهي للدكتور سعدي أبو حبيب ص ٢٤٩ والبحار ج ٢ ص ١٠٧ وج ٣٢ ص ٤٠ وج ٥٢ ص ١٩٥ وج ٨٤ ص ١٦٦ وعون المعبود ج ٨ ص ١٠٨ وسبل الهدى والرشاد ج ٧ ص ١٠٦ والنهاية في غريب الحديث ج ٣ ص ٢١٨ ولسان العرب ج ٩ ص ٢٣٨ وتاج العروس ج ٦ ص ١٩٥.

(٢) راجع : روضة المتقين ج ٩ ص ٤٣٢ وشرح السير الكبير للسرخسي ج ١ ص ١٤٢.

(٣) لسان العرب ج ٩ ص ٢٣٨.

(٤) الكافي ج ١ ص ٤٠٦ والبحار ج ٢٧ ص ٢٤٨ وج ٤١ ص ١٢٣ وشرح أصول الكافي ج ٧ ص ٢٩ ومجمع البحرين ج ٤ ص ١٢٤ ومستدرك سفينة البحار ج ١٠ ص ٥٨٤.

٢٠٧

على عريفه ، فإن لم يكن له بها عريف نزل الصفة (١).

وأما بالنسبة للنقباء : فنقباء بني إسرائيل هم الذين أرسلهم موسى «عليه‌السلام» ليأتوا بني إسرائيل بأخبار الشام وأخبار الجبارين فيها ، وكان بنو إسرائيل اثنا عشر سبطا ، فاختار من كل سبط رجلا ليكون لهم نقيبا ، أي أمينا كفيلا (٢).

وكان النقباء في المدينة اثنا عشر نقيبا أيضا : ثلاثة من الأوس ، وتسعة من الخزرج. أمر «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أهل المدينة في بيعة العقبة أن يختاروهم ، فلما اختاروهم قال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : أبايعكم كبيعة عيسى بن مريم للحوارين كفلاء على قومهم بما فيه ، وعلى أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه على ذلك (٣).

__________________

(١) المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٥ وج ٤ ص ٥٤٨ وصحيح ابن حبان ج ١٥ ص ٧٧ ودلائل النبوة للإصبهاني ج ٣ ص ٩٩٣ وتاريخ المدينة لابن شبة ج ٢ ص ٤٨٦ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٤٠٠ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢ ص ٤٨٦ وإمتاع الأسماع ج ١٠ ص ١٥٨ وشعب الإيمان ج ٧ ص ٢٨٤ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٢ ص ٤٤٥ وكنز العمال ج ٧ ص ٢٠٠ ومجمع الزوائد ج ١٠ ص ٣٢٣ والمعجم الكبير ج ١٨ ص ٣٢٠ وإمتاع الأسماع ج ١٠ ص ١٥٨ وج ١٢ ص ٣١٨.

(٢) راجع : مجمع البيان ج ٣ ص ١٧١ و (ط مؤسسة الأعلمي) ص ٢٩٥ والتبيان ج ٣ ص ٢٦٥ و ٤٦٦ والخصال ج ٢ ص ٤٩٢ والتفسير الكبير للرازي ج ١١ ص ١٨٤ وجامع البيان ج ٦ ص ٩٥ و ٩٦ والكشاف للزمخشري ج ١ ص ٦١٥ والبحار ج ١٣ ص ٢٠١.

(٣) مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٥٧ والبحار الأنوار ج ١٩ ص ٢٦ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج ١ ص ٦٩٥ وراجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٨ ومسند ـ

٢٠٨

وقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : الخلفاء بعدي اثنا عشر ، كعدة نقباء بني إسرائيل (١).

ونقول أخيرا :

قال الصدوق : النقيب : الرئيس من العرفاء.

وقيل : إنه الضمين.

وقد قيل : إنه الأمين.

وقد قيل : إنه الشهيد على قومه.

وأصل النقيب في اللغة من النقب وهو الثقب الواسع ، فقيل : نقيب القوم لأنه ينقب عن أحوالهم كما ينقب عن الأسرار ، وعن مكنون الأضمار (٢).

__________________

ـ أحمد ج ٣ ص ٤٦٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٥٨ والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ١ ص ٣١١.

(١) الأمالي للصدوق ص ٣٧٨ والخصال ص ٤٦٨ وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٥٤ وكفاية الأثر ص ٢٧ وكمال الدين وتمام النعمة ص ٢٧٢ وكتاب الغيبة للنعماني ص ١١٧ و ١١٨ والبحار ج ٣٦ ص ٢٣٠ و ٢٧١ وينابيع المودة ج ٢ ص ٣١٥ وغاية المرام ج ٢ ص ٢٧١ وراجع : مقتضب الأثر ص ٨ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٢٥٨ والصوارم المهرقة ص ٩٣ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ٣٨١ وكتاب الأربعين للماحوزي ص ٣٨٣ ومسند أحمد ج ١ ص ٣٩٨ و ٤٠٦ ومجمع الزوائد ج ٥ ص ١٩٠ وفتح الباري ج ١٣ ص ١٨٣ وتحفة الأحوذي ج ٦ ص ٣٩٤ وكنز العمال ج ١٢ ص ٣٣ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣٤ وكشف الغمة ج ١ ص ٥٨ وج ٣ ص ٣٠٩ وكشف اليقين للحلي ص ٣٣١ وشرح إحقاق الحق ج ١٣ ص ٤٤ و ٤٥.

(٢) الخصال ج ٢ ص ٤٩٢ والتبيان ج ٣ ص ٤٦٥ وراجع : التفسير الكبير ج ١١ ص ١٨٤ وراجع : مجمع البيان ج ٣ ص ١٧٠ والجامع لأحكام القرآن ج ٦ ص ١١٢.

٢٠٩

وقفة مع إسلام مالك بن عوف :

ولنا مع حديث إسلام مالك بن عوف بعض الملاحظات ، نذكر منها :

١ ـ إن إغارة مالك بن عوف على ثقيف تبقى موضع ريب ، فقد تقدم : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تركهم وذهب إلى مكة حتى لحقه وفدهم بإسلامهم ..

إلا أن يقال : إن الذين أسلموا هم جماعة منهم ، فحقنوا بذلك دماءهم وبقيت بعض الجماعات ، التي لم تكن قادرة على المقاومة ، فسكتت على مضض ، فكان مالك بن عوف يلاحقهم بعد ذلك ، حين تظهر منهم بوادر العصيان ، ويصيب منهم بعض الغنائم.

ثم إنهم بعد عدة أشهر وفدوا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المدينة ، فأعلنوا إسلامهم ، وأمنوا من أن يتعرض إليهم مالك بن عوف ، أو غيره بأذى ..

٢ ـ قد تقدم : أن الشيماء ، قد شفعت في مالك بن عوف ، ولعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ذكره أيضا لوفد هوازن ، فبلغه هذا وذاك ، فخاف على نفسه من ثقيف ، فجاء إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٣ ـ إن خوف مالك من أن تحبسه ثقيف ، لو علمت بأن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد ذكره يدل على أن هؤلاء الناس لا يثقون ببعضهم. فإذا اجتمعوا لحرب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فلا يعني ذلك : أنهم يحبون بعضهم بعضا ، أو أن بعضهم يثق ببعض ، بل هم وفقا لما حكاه القرآن عن اليهود : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) (١).

__________________

(١) الآية ١٤ من سورة الحشر.

٢١٠

٤ ـ ويلاحظ : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حفظ مالكا في أهله وماله ، ولم يأخذ رأي أحد من المسلمين ، فلو كان للمسلمين حق في السبي والغنائم ، لاستجازهم في ذلك ..

حليمة .. أو الشيماء؟! :

وقد رووا عن أبي الطفيل أنه قال : كنت غلاما أحمل عضو البعير ، ورأيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يقيم بالجعرانة ، وامرأة بدوية ، فلما دنت من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بسط لها رداءه فجلست عليه ، فقلت : من هذه؟

فقالوا : أمه التي أرضعته (١).

ونقول :

قد تقدم في حديث الشيماء : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد سألها عن أمه وأبيه ، فأخبرته بموتهما (٢).

فالصحيح هو : أن هذه المرأة هي الشيماء بنت حليمة السعدية ، التي

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠٦ عن أبي داود ، والبيهقي ، وأبي يعلى ، وراجع :

تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٩ والإصابة ج ٤ ص ٢٧٤ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤١٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٩٠ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٦١٨ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٥٩ وكنز العمال ج ١٢ ص ٤٤٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٦ ص ١١٥ وتهذيب الكمال ج ٢١ ص ٢٣٢ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦١٠.

(٢) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٣ و ٩١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٣ عنه والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٣.

٢١١

أرضعته «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

قسوة بجاد :

١ ـ إننا يمكن أن نتعقل : أن يصر إنسان على موقفه ، أو أن يتمسك بدينه ومعتقده ، حتى لو كان بمستوى الخرافة.

ونتعقل أيضا : أن يعادي ، وأن يقاتل من يخالفه دينه.

ولكنننا لا نتعقل ، ولا نرى مبررا لهذه القسوة التي أظهرها بجاد تجاه إنسان مسلم ظفر به ، إذ ما هو المبرر لأن يقطّعه عضوا عضوا ، ويحرقه بالنار؟!

٢ ـ ولكن لنرجع إلى الإجراء الذي اتخذه النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تجاه هذا الشخص بالذات ، لكي نرى : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أوصى مقاتليه بأن لا يفلت منهم ، ولذلك أخذوه واحتفظوا به حيا ، حتى يكون رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هو الذي يحكم فيه بحكمه ..

٣ ـ إن إصدار الأمر لأصحابه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بهذه الصيغة ، يمثل إرفاقا بذلك الشخص ، لأن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يريد أن يحرم حتى هذا الرجل القاسي من سماحة الإسلام ، ويريد أن يمنحه فرصة للتوبة والأوبة ، فلعل الله يقبل بقلبه ويدخل في دين الله تعالى ، أو يكرم به من يستحق التكريم ؛ إذا رغب بالعفو عنه.

حديث أبي جرول :

وقد ذكروا : أن أبا جرول هو الذي ترأس وفد هوازن ، وكلم النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في السبايا ، وأنشد الشعر.

٢١٢

ونقول :

إن رواية ذلك عن أبي جرول غير دقيقة ، فإن أبا جرول قد قتل على يد أمير المؤمنين «عليه‌السلام» قبل ذلك حسبما تقدم. ولو كان المقصود به شخصا آخر ، لكان عليه البيان.

والظاهر : أن الصحيح هو : أبو صرد ، وهو زهير بن صرد الجشمي السعدي (١).

وقال ابن عبد البر : زهير بن صرد أبو صرد الجشمي السعدي من بني سعد بن بكر وقيل : يكنى أبا جرول (٢).

__________________

(١) راجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ١ ص ١١٤ و ١٥٣ والإصابة ج ٢ ص ٤٧٤ وج ٧ ص ٤٨ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٣١ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٢٣ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨٢ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٠ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٤ وراجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ١٣٤ وإعلام الورى ج ١ ص ٢٣٩ والتاريخ الصغير للبخاري ج ١ ص ٣١ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٨ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٠٦ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٣٣٨ وج ٤ ص ٤٠٤ و ٤١٩ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٠٨ والسيرة النبوية لابن كثير ج ١ ص ٢٣٣ وج ٣ ص ٦٦٧ و ٦٩٠ والفرج بعد الشدة ج ١ ص ٩٢ والبحار ج ٢١ ص ١٧٢ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٩ ص ٧٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٧ وفتح الباري ج ٨ ص ٢٧ ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص ١١٦ والمعجم الكبير للطبراني ج ٥ ص ٢٧٠ وتغليق التعليق ج ٣ ص ٤٧٣ وتفسير البحر المحيط ج ٥ ص ٢٧.

(٢) راجع : الإستيعاب ج ٢ ص ٥٢٠.

٢١٣

إنتظار الوفد :

قال الصالحي الشامي : في انتظار رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بقسم غنائم هوازن إسلامهم ، جواز انتظار الإمام بقسم الغنائم إسلام الكفار ودخولهم في الطاعة فيه ، ورده عليهم غنائمهم ومتاعهم (١).

ونلاحظ على كلامه هذا : أن انتظار النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لوفد هوازن لم يتضمن تصريحا منه ، بأنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد انتظر أن يأتوه بإسلام قومهم .. فلعله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» انتظرهم لأجل الحديث عن فدائهم ، أو لأجل أن يطلبوا هم من المسلمين ومن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» المن على السبايا ، وإطلاق سراحهم ..

فقد قدمنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يترقب إسلام هوازن في وقت قريب. ولو أن السبي انتقل إلى أيدي الناس ، فلربما يشكّل ذلك مانعا لدى الكثيرين منهم عن الدخول في هذا الدين ، بصدق نية ، وسلامة طوية.

بل إن القبائل التي لها سبي بهذه الكثرة ـ حتى إن كل بيت فيها كانت له بنت ، أو أخت ، أو زوجة ، أو ولد ـ حتى لو دخلت في الإسلام .. فلربما تحدث أمور لا تحمد عقباها ، ولا سيما إذا أراد أهل النفاق استغلال هذا الأمر ، الذي يتحسس منه الإنسان العربي بصورة كبيرة ..

وقد أوضحنا ذلك فيما سبق ، فلا حاجة للإعادة.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٥٠ و ٥٨١.

٢١٤

عيينة والعجوز :

عن عطية السعدي : أنه كان ممن كلم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في سبي هوازن ، وكلم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أصحابه ، فردوا عليهم سبيهم إلا رجلا واحدا ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «اللهم أخس سهمه».

فكان يمر بالجارية ، فيدع ذلك حتى مر بعجوز ، فقال : آخذ هذه فإنها أم حي ، فيفدونها عليه.

فكبر عطية وقال : خذها. خذها والله ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا زوجها بواحد ، عجوز يا رسول الله ما لها أحد.

فلما رأى أنه لا يعرض لها أحد تركها (١).

وذكر ابن إسحاق ، ومحمد بن عمر ـ واللفظ له ـ : أن عيينة بن حصن حين أبى أن يرد حظه من السبي خيروه في ذلك ، فنظر إلى عجوز كبيرة ، فقال : هذه أم الحي ، لعلهم أن يغلوا فداءها ، فإنه عسى أن يكون لها في الحي نسب.

فجاء ابنها إلى عيينة ، فقال : هل لك في مائة من الإبل؟

فقال عيينة : لا ، فرجع عنه وتركه ساعة.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٤ وج ١٠ ص ٢١٩ عن أبي نعيم ، وراجع : مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٧٣ والبحار ج ١٨ ص ١٦ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٨ والمعجم الكبير ج ١٧ ص ١٦٨ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٤٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٠ ص ٤٦٥.

٢١٥

فقالت العجوز : ما أربك فيّ ، بعد مائة ناقة ، أتركه فما أسرع أن يتركني بغير فداء ، فلما سمعها عيينة قال : ما رأيت كاليوم خدعة.

قال : ثم مر عليه ابنها ، فقال له عيينة : هل لك في العجوز لما دعوتني إليه؟

قال ابنها : لا أزيدك على خمسين.

قال عيينة : لا أفعل.

قال : فلبث ساعة ثم مر به أخرى وهو يعرض عنه ، فقال له عيينة : هل لك في العجوز بالذي بذلت لي؟

قال الفتى : لا أزيدك على خمس وعشرين فريضة ، هذا الذي أقوى عليه.

قال عيينة : لا أفعل والله ، بعد مائة فريضة خمس وعشرون!!

فلما تخوف عيينة أن يتفرق الناس ويرتحلوا ، جاء عيينة فقال : هل لك إلى ما دعوتني إليه إن شئت؟

فقال الفتى : هل لك في عشر فرائض أعطيكها.

قال عيينة : والله لا أفعل.

قال الفتى : والله ما ثديها بناهد ، ولا بطنها بوالد ، ولا فوها ببارد ، ولا صاحبها بواجد ، فأخذتها من بين من ترى.

قال عيينة : خذها لا بارك الله لك فيها.

فقال الفتى : إن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد كسا السبي فاخطأها من بينهم بالكسوة ، فهل أنت كاسيها ثوبا؟

فقال : لا والله ، ما ذلك لها عندي.

قال : لا ، وتفعل ، فما فارقه حتى أخذ منه سمل ثوب ، ثم ولى الفتى

٢١٦

وهو يقول : والله إنك لغير بصير بالفرض (١).

وذكر محمد بن إسحاق : أنه ردها بست فرائض (٢).

وروى البيهقي عن الشافعي : أنه ردها بلا شيء (٣).

ونقول :

١ ـ إننا لا نستطيع أن نؤيد صحة أي من هذه الروايات .. غير أننا نقول :

لعل النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أجرى القرعة ، فخرجت تلك العجوز في سهم عيينة ، فلم يرض بها ، ثم لما خيروه اختارها هي ، لأجل هذه الإعتبارات التي ذكرت في رواية ابن إسحاق ، ورواية عطية ..

٢ ـ إن طمع عيينة قد دعاه إلى رفض إجابة طلب النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ونفس هذا الطمع هو الذي أرداه ، وجعله أضحوكة ، وحجزه عن الوصول إلى ما أمله.

بل هو قد خسر ثقة الناس أيضا ، وأظهر نفسه على أنه إنسان لا يهتم إلا بحطام الدنيا ، حتى لو كان الذي يتمنى عليه هو أفضل الأنبياء ، وأكرمهم. وقد أظهر أنه على درجة من الفظاظة والجفاء حين رد طلب

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٤ عن ابن إسحاق ، وراجع : تاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٣٥٠ وراجع : البداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٢٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٧١.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٤ وراجع : كتاب الأم للشافعي ج ٧ ص ٣٥٨ ومعرفة السنن والآثار ج ٦ ص ٥٢٦ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٧ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٢٧.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٤.

٢١٧

النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٣ ـ ثم إنه عرض نفسه لفتى ليتلعب به ، ويسخر منه ، ويجعله أضحوكة بين الناس. وهذا جزاء من تصغر نفسه أمام حفنة من المال ، ولا يبالي بكرامته ، ولا يهتم لصون ماء وجهه ، ولا يراعي مقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

٤ ـ قد ذكرنا فيما تقدم : أنه لا حق لعيينة ، ولا لغيره في هذا السبي ، بل هو للنبي العظيم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولوصيه الكريم «عليه‌السلام» ، وحتى لو كان لأحد فيه نصيب فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فله أن يأخذ ذلك منهم ، ولكنه الكرم والسخاء ، والشمم ، والإباء ، والرحمة ، والرأفة منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأصحابه.

عمر يأمر بقتل أسيرين ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يغضب :

١ ـ قالوا : وكانت هذيل بعثت رجلا يقال له : ابن الأكوع أيام الفتح عينا على النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حتى علم علمه ، فجاء إلى هذيل بخبره ، فأسر يوم حنين ، فمر به عمر بن الخطاب ، فلما رآه أقبل على رجل من الأنصار ، وقال : عدو الله الذي كان عينا علينا ، ها هو أسير ، فاقتله.

فضرب الأنصاري عنقه.

وبلغ ذلك النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فكرهه ، وقال : «ألم آمركم ألا تقتلوا أسيرا»؟.

٢ ـ وقتل بعد جميل بن معمر بن زهير ، وهو أسير.

فبعث النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى الأنصار ، وهو مغضب ، فقال :

٢١٨

«ما حملكم على قتله ، وقد جاءكم الرسول : ألا تقتلوا أسيرا»؟!.

فقالوا : إنا قتلناه بقول عمر.

فأعرض رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، حتى كلمه عمير بن وهب بالصفح عن ذلك (١).

ونقول :

إننا نلاحظ ما يلي :

أولا : إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان باستمرار ينهى عن قتل الأسرى ، وقد ضمّن اعتراضه على قتلة الأسيرين تذكيرا لهم بنهيه هذا ، فقال : «ألم آمركم ألّا تقتلوا أسيرا»؟!

ثانيا : لماذا لم يبادر عمر إلى قتل ذلك الأسير بنفسه؟

ولماذا طلب من أنصاري في المرة الأولى ، وفي المرة الثانية أيضا. ولم يطلب من مهاجري؟!

هل أراد أن ينصبّ غضب النبي على الأنصار فقط ، ويجنب نفسه والمهاجرين هذا الأمر؟!

أم أنه أراد أن تكثر ثارات الناس عند الأنصار ، وتتوسع وتنتشر العداوات لهم؟!

أم أن الأمر كان محض صدفة ، حيث لم يكن ثمة مهاجري قريبا منه حين رأى ذلك الأسير؟!

__________________

(١) الإرشاد للمفيد ج ١ ص ١٤٤ و ١٤٥ والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص ٨٧ والبحار ج ٢١ ص ١٥٨ والنص والإجتهاد ص ٣٢٤.

٢١٩

وما هو المبرر لهذه العجلة؟ فإن الرجل أسير غير قادر على الهرب ، فليبحث عن مهاجري ويكلفه بقتله.

ثالثا : لماذا لم يرتدع عمر عن هذا الأمر حين رأى كراهة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له في المرة الأولى؟!

فهل كان هناك مبرر أو داع لمعاودة قتل الأسير الثاني؟!

وعلينا أن نتوقع أن تكون الإجابة ستكون بالنفي قطعا ، إذ لو كان هناك مبرر لم يغضب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لقتله.

إلا أن يقال : إن عمر كان يتلذذ بقتل الأسرى ، فلم يكن يمكنه امتثال أمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولكن هل كان يتلذذ بقتلهم أيام خلافته ، أو في أيام خلافة أبي بكر أيضا؟!

فلما ذا إذن اعترض على خالد حين قتل مالك بن نويرة بعد أسره ونزا على امرأته في نفس ليلة قتل زوجها؟!

السبايا .. لم تقسم على الناس :

وأصاب المسلمون يومئذ السبايا ، فكانوا يكرهون أن يقعوا عليهم ولهن أزواج ، فسألوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عن ذلك ، فأنزل الله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (١).

وقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يومئذ : «لا توطأ حامل من

__________________

(١) الآية ٢٤ من سورة النساء.

٢٢٠