الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

الشيماء في محضر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

قال محمد بن عمر : وأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بطلب العدو ، وقال لخيله : إن قدرتم على «بجاد» ـ رجل من بني سعد بن بكر ـ فلا يفلتن منكم ، وقد كان أحدث حدثا عظيما ، كان قد أتاه رجل مسلم ، فأخذه فقطعه عضوا عضوا ، ثم حرقه بالنار (١).

وكان قد عرف جرمه فهرب ، فأخذته الخيل ، فضموه إلى الشيماء بنت الحارث بن عبد العزى ، أخت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الرضاعة ، وأتعبوها في السياق ، فتعبت الشيماء بتعبهم ، فجعلت تقول : إني والله أخت صاحبكم ، فلا يصدقونها.

وأخذها طائفة من الأنصار ، وكانوا أشد الناس على هوازن ، فأتوا بها إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقالت : يا محمد!! إني أختك.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «وما علامة ذلك»؟

فأرته عضة بإبهامها ، وقالت : عضة عضضتنيها وأنا متوركتك بوادي السرر ، ونحن يومئذ نرعى البهم ، وأبوك أبي ، وأمك أمي ، وقد نازعتك الثدى ، وتذكر يا رسول الله حلابي لك عنز أبيك أطلان.

فعرف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» العلامة ، فوثب قائما ، فبسط رداءه ، ثم قال : «اجلسي عليه» ، ورحب بها ، ودمعت عيناه ، وسألها عن أمه وأبيه ، فأخبرته بموتهما.

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٣ و ٩١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٣ عنه وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ١٨.

١٨١

فقال : «إن أحببت ، فأقيمي عندنا محببة مكرمة ، وإن أحببت أن ترجعي إلى قومك وصلتك ، ورجعت إلى قومك» (١).

قالت : بل أرجع إلى قومي ، فأسلمت ، فأعطاها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ثلاثة أعبد وجارية ، وأمر لها ببعير أو بعيرين ، وقال لها : «ارجعي إلى الجعرانة تكونين مع قومك ، فأنا أمضي إلى الطائف».

فرجعت إلى الجعرانة ، ووافاها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالجعرانة ، فأعطاها نعما وشاء ، ولمن بقي من أهل بيتها ، وكلمته في بجاد أن يهبه لها ويعفو عنه ، ففعل «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

شفاعة الشيماء ، ووفد هوازن بالسبايا :

وقالوا : «فاستأنى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالسبي بضع عشرة ليلة ، لكي يقدم عليه وفدهم ، ثم بدأ بقسمة الغنائم ، ثم قدم عليه الوفد مسلمين» (٣).

__________________

(١) المغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٣ و ٩١٤ وسبل الهدى والرشاد ج ١ ص ٣٨٠ وج ٥ ص ٣٣٣ عنه ، وراجع : مكارم الأخلاق ص ١٢٢ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٨٩ والإصابة ج ٨ ص ٢٠٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٢ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٦ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤١٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٠٥ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٢١ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٨٩ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ١ ص ١٧٠ وج ٣ ص ٩٣.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٣ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١٠٨ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩١٤ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٣.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٠ عن ابن إسحاق ، وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ـ

١٨٢

وقالوا أيضا : «وقد كان فيما سبي أخته بنت حليمة ، فلما قامت على رأسه قالت : يا محمد ، أختك شيماء بنت حليمة.

قال : فنزع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» برده ، فبسطه لها ، فأجلسها عليه ، ثم أكب عليها يسائلها ، وهي التي كانت تحضنه ، إذ كانت أمها ترضعه.

وأدرك وفد هوازن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالجعرانة ، وقد أسلموا (وكانوا أربعة عشر رجلا) ، فقالوا : يا رسول الله ، لنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا منّ الله عليك.

وقام خطيبهم زهير بن صرد ، فقال : يا رسول الله ، إنا لو ملكنا الحارث ابن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر ، ثم ولي منا مثل الذي وليت لعاد علينا بفضله وعطفه ، وأنت خير المكفولين ، وإنما في الحظائر خالاتك وبنات خالاتك ، وحواضنك ، وبنات حواضنك اللاتي أرضعنك ، ولسنا نسألك مالا ، إنما نسألكهن.

وقد كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قسم منهن ما شاء الله ، فلما كلمته أخته قال : «أما نصيبي ، ونصيب بني عبد المطلب فهو لك ، وأما ما كان للمسلمين فاستشفعي بي عليهم».

فلما صلوا الظهر ، قامت فتكلمت ، وتكلموا ، فوهب لها الناس أجمعون ، إلا الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن. فإنهما أبيا أن يهبا ، وقالوا : يا رسول الله ، إن

__________________

ـ ص ١٥٢ وراجع : إمتاع الأسماع ج ٢ ص ٢٨ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨١ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٩.

١٨٣

هؤلاء قوم قد أصابوا من نسائنا ، فنحن نصيب من نسائهم مثل ما أصابوا.

فأقرع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بينهم ، ثم قال : «اللهم توّه سهميهما» ، فأصاب أحدهما خادما لبني عقيل ، وأصاب الآخر خادما لبني نمير ، فلما رأيا ذلك وهبا ما منعا.

قال : ولو لا أن النساء وقعن في القسمة لوهبهن لها كما وهب ما لم يقع في القسمة. ولكنهن وقعن في انصباء الناس ، فلم يأخذ منهم إلا بطيبة النفس (١).

وفي نص آخر : أن أبا جرول ، زهير بن صرد بعد أن خطب بنحو ما تقدم ، أنشأ يقول :

امنن علينا رسول الله في كرم

فإنك المرء نرجوه وننتظر

امنن على بيضة قد عاقها قدر

مشتت شملها في دهرها غير

أبقت لنا الدهر هتافا على حزن

على قلوبهم الغماء والغمر

إن لم تداركها نغماء تنشرها

يا أرجح الناس حلما حين يختبر

امنن على نسوة قد كنت ترضعها

إذ فوك مملؤة من مخضها الدرر

إذ أنت طفل صغير كنت ترضعها

وإذ يزينك ما تأتي وما تذر

لا تجعلنّا كمن شالت نعامته

واستبق منا فإنا معشر زهر

إنا لنشكر للنعما إذا كفرت

وعندنا بعد هذا اليوم مدخر

__________________

(١) إعلام الورى ص ١٢٦ و ١٢٧ و (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث) ج ١ ص ٢٣٩ و ٢٤٠ والبحار ج ٢١ ص ١٧٢ و ١٧٣ وراجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣ وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٤٨.

١٨٤

فالبس العفو من قد كنت ترضعه

من أمهاتك إن العفو مشتهر

يا خير من مرحت كمت الجياد به

عند الهياج إذا ما استوقد الشرر

إنا نؤمل عفوا منك تلبسه

هادي البرية إن تعفو وتنتصر

فاعف عفا الله عما أنت راهبه

يوم القيامة إذ يهدى لك الظفر

فلما سمع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذا الشعر قال : «ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم».

وقالت قريش : ما كان لنا فهو لله ولرسوله (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٠ ـ ٣٩٢ ، وذكر لهذا الحديث أسانيد مفصلة ، وقال في هامشه : أخرجه البيهقي في السنن ج ٦ ص ٣٣٦ وج ٩ ص ٧٥ وفي الدلائل ج ٥ ص ١٩٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٥٣ وراجع : الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي ج ١ ص ٩٢ وحلية الأبرار ج ١ ص ٣٠٥ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٦ و ١٨٧ ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص ١١٧ والمعجم الأوسط ج ٥ ص ٤٥ والمعجم الصغير ج ١ ص ٢٣٧ والمعجم الكبير ج ٥ ص ٢٧٠ و ٢٧١ والإستيعاب ج ٢ ص ٥٢١ والأربعين البلدانية لابن عساكر ص ١٣٧ وكتاب الأربعين العشارية لعبد الرحيم العراقي ص ٢٣٤ وتغليق التعليق ج ٣ ص ٤٧٤ و ٤٧٥ وتفسير البحر المحيط ج ٥ ص ٢٨ وتاريخ بغداد ج ٧ ص ١٠٩ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٠٨ و ٢٠٩ ولسان الميزان ج ٤ ص ١٠١ وراجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٦ والكامل في التاريخ لابن الأثير ج ٢ ص ٢٦٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٠٧ والوافي بالوفيات ج ١٤ ص ١٥٥ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ٣١ و ٣٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٦٨ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٢٣ و ٢٢٤ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٤ و ٩٥.

١٨٥

هذا حديث جيد الإسناد عال جدا ، رواه الضياء المقدس في صحيحه ، ورجح الحافظ بن حجر : أنه حديث حسن. وبسط الكلام عليه في بستان الميزان (١).

قال ابن إسحاق : فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «نساؤكم وأبناؤكم أحب إليكم أم أموالكم»؟ (٢).

وفي الصحيح ، عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم : «فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : فيمن ترون؟ وأحب الحديث إلي أصدقه ، فاختارو إحدى الطائفتين ، إما السبي ، وإما المال. وقد كنت إستأنيت بكم».

وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف ، فلما تبين لهم أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» غير راد عليهم إلا إحدى الطائفتين ، قالوا : يا رسول الله ، خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا؟ بل أبناؤنا ونساؤنا أحب إلينا ، ولا نتكلم في شاة ولا بعير.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب (في نص آخر : لبني هاشم) فهو لكم ، وإذا أنا صليت بالناس فأظهروا إسلامكم ، وقولوا : إنّا إخوانكم في الدين ، وإنّا نستشفع برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فإني

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٢ والسنن الكبرى البيهقي ج ٦ ص ٣٣٦ وج ٩ ص ٧٥ وعمدة القاري ج ١٢ ص ١٣٦ السنن الكبرى النسائي ج ٤ ص ١٢٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٢٦ وراجع : عيون الأثر ج ٢ ص ٢٢٣.

١٨٦

سأعطيكم ذلك ، وأسال لكم الناس» (١).

وعلمهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» التشهد ، وكيف يكلمون الناس.

فلما صلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالناس الظهر قاموا فاستأذنوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الكلام ، فأذن لهم ، فتكلم خطباؤهم بما أمرهم به رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأصابوا القول ، فأبلغوا فيه ، ورغبوا إليهم في رد سبيهم.

فقام رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين فرغوا ليشفع لهم.

وفي الصحيح ، عن المسور ، ومروان : أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قام في المسلمين ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٢ و ٣٩٣ والبحار ج ٢١ ص ١٨٤ و ١٨٥ عن خط الشيخ محمد علي الجبعي ، عن خط الشهيد «قدس‌سره» ، من طرق العامة. وقال أيضا : قال ابن عساكر : هذا غريب ، تفرد به زياد بن طارق عن زهير. وراجع : المجموع للنووي ج ١٩ ص ٣٠٧ ونيل الأوطار ج ٨ ص ١٤٩ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٢٦ وصحيح البخاري ج ٣ ص ٦٢ و ١٢٢ و ١٣٩ وج ٤ ص ٥٤ وج ٥ ص ٩٩ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٠٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٣٦٠ وج ٩ ص ٦٤ وعمدة القاري ج ١٢ ص ١٣٧ وج ١٣ ص ١٠١ و ١٦٣ وج ١٥ ص ٥٦ وج ١٧ ص ٢٩٧ وعون المعبود ج ٧ ص ٢٥٥ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٦٤ وكنز العمال ج ٣ ص ٣٤٥ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٨٠ وتاريخ الإسلام الذهبي ج ٢ ص ٦٠٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٧٠ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٤.

١٨٧

«أما بعد .. فإن إخوانكم قد جاءونا تائبين ، وإني قد رأيت أن أرد عليهم سبيهم ، فمن أحب أن يطيّب ذلك فليفعل ، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول فيء يفيئه الله علينا فليفعل».

فقال الناس : قد طبنا ذلك يا رسول الله.

فقال لهم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إنّا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن ، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم».

فرجع الناس [فكلمهم] عرفاؤهم ، فكلموه : أنهم طيبوا وأذنوا (١).

وقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم».

فقال المهاجرون : وما كان لنا فهو لله ولرسوله.

__________________

(١) راجع : صحيح البخاري (ط سنة ١٣٠٩ ه‍) ج ٢ ص ٥٤ و ١٢٦ و ٢٨ وج ٣ ص ٤٣ و ٤٤ وج ٤ ص ١٥٤ و (ط دار الفكر ـ سنة ١٤٠١ ه‍) ج ٣ ص ١٢٢ و ١٣٩ وج ٤ ص ٥٤ وج ٥ ص ١٠٠ وج ٨ ص ١١٥ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٢٧ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٠٩ والسنن الكبرى للبيهقي ج ٦ ص ٣٦٠ وعمدة القاري ج ١٣ ص ١٠١ و ١٦٤ وج ١٥ ص ٥٧ وج ١٧ ص ٢٩٧ وج ٢٤ ص ٢٥٤ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ٢٧٦ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٦٤ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٨٠ وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٢ و ٣٩٣ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٥٢ وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٥٠٢ و (ط دار الكتاب العربي) ج ٢ ص ٦٠٥ وأحكام القرآن لابن العربي ج ٢ ص ٨٣ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٧٠ وفتح الباري ج ١٣ ص ١٤٩ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ٢٣٥.

وراجع : البحار ج ٢١ ص ١٨٢ ومجمع البيان ج ٥ ص ٢٠.

١٨٨

وقالت الأنصار : وما كان لنا فهو لله ولرسوله.

فقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم فلا.

وقال عيينة بن حصن : أما أنا وبنو فزارة فلا.

وقال العباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا.

فقالت بنو سليم : ما كان لنا فهو لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقال العباس بن مرداس : وهنتموني.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «من كان عنده منهن شيء فطابت نفسه أن يرده فسبيل ذلك ، ومن أمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء يفيئه الله ، فرد المسلمون إلى الناس نساءهم وأبناهم ، ولم يتخلف منهم أحد غير عيينة بن حصن ، فإنه أخذ عجوزا فأبى أن يردها ، كما سيأتي» (١).

قالوا : وكسى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» السبي قبطية ، قال ابن

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٣ عن ابن إسحاق ، وراجع : البحار ج ٢١ ص ١٧٣ و ١٨٤ و ١٨٥ وإعلام الورى ص ١٢٧ و (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث) ج ١ ص ٢٩٣ وراجع : كتاب الأم ج ٧ ص ٣٥٨ ونيل الأوطار للشوكاني ج ٨ ص ١٥٢ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢١٨ وسنن أبي داود ج ١ ص ٦٠٩ وسنن النسائي ج ٦ ص ٢٦٣ ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٨٨ وفتح الباري ج ٨ ص ٢٧ ومكارم الأخلاق ص ١١٧ والسنن الكبرى للنسائي ج ٤ ص ١٢٠ والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٥٣ وأسد الغابة ج ٢ ص ٢٠٩ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٦ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٠٧.

١٨٩

عقبة : كساهم ثياب المعقد (١).

قائد هوازن يقدم ، ويسلم :

قالوا : وكلمته أخته شيماء في مالك بن عوف ، فقال : إن جاءني فهو آمن.

فأتاه ، فرد عليه ماله ، وأعطاه مائة من الإبل (٢).

قالوا : وقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لوفد هوازن : «ما فعل مالك بن عوف»؟

قالوا : يا رسول الله ، هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أخبروه أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله ، وأعطيته مائة من الأبل» (٣).

وكان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أمر بحبس أهل مالك بمكة عند عمتهم أم عبد الله بنت أبي أمية.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٣ عن الواقدي ، وابن سعد ، وابن عقبة ، وراجع :

الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٤ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٢٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٧ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٦ ص ٤٨٤.

(٢) إعلام الورى ص ١٢٧ و (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث) ج ١ ص ٢٤٠ والبحار ج ٢١ ص ١٧٣ وقصص الراوندي ص ٣٤٨.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠٥ والسيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٦ ص ٤٨٦ وإمتاع الأسماع ج ٢ ص ٣٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٧ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٩ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨١ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٢٧ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٧.

١٩٠

فقال الرفد : يا رسول الله ، أولئك سادتنا ، وأحبنا إلينا.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «إنما أريد بهم الخير».

فوقف مال مالك فلم يجر فيه السهام.

فلما بلغ مالكا ما فعل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في قومه ، وما وعده رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وأن أهله وماله موفور ، وقد خاف مالك ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قال له ما قال ، فيحبسونه ، فأمر راحلته ، فقدمت له حتى وضعت لديه بدحنا ، وأمر بفرس له فأتي به ليلا ، فخرج من الحصن ، فجلس على فرسه ليلا ، فركضه حتى أتى دحنا فركب بعيره حتى لحق برسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأدركه بالجعرانة (أو بمكة).

فرد عليه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أهله وماله ، وأعطاه مائة من الإبل ، وأسلم فحسن إسلامه ، فقال مالك حين أسلم :

ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

في الناس كلهم بمثل محمد

أوفى وأعطى للجزيل إذا احتذي

ومتى تشأ يخبرك عما في غد

وإذا الكتيبة عردت أنيابها

بالسمهري وضرب كل مهند

فكأنه ليث على أشباله

وسط الهباءة خادر في مرصد

فاستعمله رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على من أسلم من قومه ، ومن تلك القبائل من هوازن ، وفهم ، وسلمة ، وثمالة.

وكان قد ضوى إليه قوم مسلمون ، واعتقد له لواء ، فكان يقاتل بهم من كان على الشرك ويغير بهم على ثقيف فيقاتلهم بهم ، ولا يخرج لثقيف سرح إلا أغار عليه ، وقد رجع حين رجع ، وقد سرح الناس مواشيهم ،

١٩١

وأمنوا فيما يرون حين انصرف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» عنهم ، وكان لا يقدر على سرح إلا أخذه ، ولا على رجل إلا قتله.

وكان يبعث إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالخمس مما يغنم ، مرة مائة بعير ، ومرة ألف شاة ، ولقد أغار على سرح لأهل الطائف ، فاستاق لهم ألف شاة في غداة واحدة (١).

ونقول :

إن لنا مع ما تقدم العديد من الوقفات ، نذكر منها ما يلي :

قيمة المرأة في الإسلام :

قد عرفنا : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قبل شفاعة الشيماء في مالك بن عوف ، فقد ذكر اليعقوبي : أن الشيماء بنت حليمة السعدية هي التي كلمت النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في مالك بن عوف النصري ، رئيس جيش هوازن ، وآمنه ، فجاء فأسلم. ووجهه رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لحصار الطائف (٢).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٤٠٥ و ٤٠٦ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٠٩ وتاريخ مدينة دمشق ج ٥٦ ص ٤٨٤ ـ ٤٨٨ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤١٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٨٣ وراجع : مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص ١٢٣ وتفسير القرآن العظيم ج ٢ ص ٣٥٩ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٩٧ وراجع : أسد الغابة ج ٤ ص ٢٩٠.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣.

١٩٢

ولنا هنا ملاحظات هامة ، وهي :

أولا : إن الشيماء امرأة من النساء لم تكن أكرم ولا أعز عند الله تعالى ، ورسوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من فاطمة «عليها‌السلام» ، ولم يكن لها قدم في الإسلام ولا تاريخ في نصرة دين الله ، أو في الدفاع عن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. بل هي لم تكن قد أسلمت بعد ..

ثانيا : إنها أخذت أسيرة ولا تزال في الأسر في نفس حربه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» هذه مع هوازن في حنين.

ثالثا : لم نعهد في رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أنه يحابي أقاربه ، أو أصدقاءه ، ويميزهم على غيرهم. بل قد تقدم في غزوة بدر في قضية أسر عمه العباس ، ما يدل على : أنه كان يعاملهم كغيرهم ، حتى إنه لم يرض بالإرفاق بعمه ، ولا أن يرخى من وثاقه ، حتى فعل ذلك بالأسرى كلهم ..

كما أنه لم يرض بإطلاقه من الأسر إلا بعد أن أعطى الفداء ، كسائر الأسرى الذين افتدوا أنفسهم ، أو افتداهم أهلوهم ..

مع أن العباس كان عم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فهو أقرب إليه من الشيماء ..

أما الشيماء فكانت ابنة حليمة السعدية التي أرضعته ، بأجرة بذلها لها جده عبد المطلب ، ولم ترضعه تكرما وتفضلا. وإن كان الإسلام قد جعل هذا الرضاع منشأ لحقوق ، ورتب عليه تعاملا إنسانيا وأخلاقيا يرقى به إلى درجة لحمة النسب ، كما ظهر من طريقة تعامل رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مع الشيماء.

رابعا : إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أطلق سراح جميع أسرى حرب حنين بما فيهم قائدهم الأول ، وجميع الأسرى والسبايا ، والذراري بشفاعة

١٩٣

هذه المرأة الأسيرة والمسنة التي لم يرها النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» منذ ما يقرب من ستين عاما ، حيث كان رضيعا عند أمها حليمة السعدية ..

خامسا : إن ذلك يعطي : أن للمرأة مكانة عظيمة في الإسلام ، حتى لو كانت عجوزا ولا تزال أسيرة ، ولم تظهر ما يدل على قبولها الإسلام ، وليس لها أي فضل أو يد عنده «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. بل غاية ما ظهر منها مجرد إظهار رغبتها بإطلاق سراح الأسرى .. فاعتبرها «صلى‌الله‌عليه‌وآله» مبادرة إنسانية منها تشير إلى أنها تملك بعض التوازن ، وتختزن قدرا من الإحساس بما يعانيه الآخرون ، وذلك يدل على نبل عاطفتها ، وعلى صدق مشاعرها ، حين حاولت أن تستفيد من مكانتها وموقعها من أجل حل مشكلة الآخرين ، فعرف لها رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ذلك.

سادسا : والأهم من ذلك : أن بدرا لا تزال تقترن بحنين ، وقد حاول أبو بكر أن يتوسط لأسرى بدر ، فرفض الله ورسوله وساطته ، ولم يستجب له إلا بعد أن أثار عاصفة من الإعتراض لدى سائر المسلمين.

ولكنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يعلّم الشيماء كيف تكلّم المسلمين ، لكي تقنعهم بقبول إطلاق سراح الأسرى ..

هل قسمت نساء هوازن؟! :

وقد قرأنا فيما سبق : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قسم من السبايا ما شاء الله ، فلما كلمته أخته فيهن ، قال لها : أما نصيبي ونصيب بني عبد المطلب ، فهو لك الخ ..

غير أننا نشك في صحة ذلك ، فقد ذكروا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله»

١٩٤

استأنى بالسبي بضع عشرة ليلة ، لكي يقدم عليه وفد هوازن ، ثم بدأ بقسمة الغنائم ، ثم قدم عليه الوفد مسلمين ، فقال لهم : أيهما أحب إليكم : السبي أم الأموال؟! فاختاروا السبي (١). إذ لا معنى لتخيير الوفد بين الأمرين إذا كان قد قسم السبي بين المقاتلين.

بل لا معنى لذلك إن كان قد قسم الأموال أيضا ..

هل استجاب للوفد أم للشيماء؟! :

ولا نرى أن ثمة تعارضا بين أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أرجع السبي إجابة لطلب الشيماء ، أو إجابة لطلب وفد هوازن .. إذ الظاهر هو :

أن وفد هوازن قد جاء حين شفعت الشيماء في السبي ، فشفع الوفد في السبي أيضا بنفس الطريقة ، وعبّر عن نفس الفكرة .. فاستجاب «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لها ولهم ، وعلمها وعلمهم كيفية الكلام مع المسلمين ، الذين كانوا يعتقدون أن لهم في السبي حقا .. وفق ما شرحناه في موضع سابق ..

فاستجاب الناس .. ووهبوا ما رأوا أنه نصيبهم ، إلا الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن ..

منطق الأجلاف :

وقد برر عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس امتناعهما عن هبة سهميهما :

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٠ عن ابن إسحاق ، وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٤ وراجع : البحار ج ٢١ ص ١٨٢ وتفسير مجمع البيان ج ٥ ص ٣٧ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٢٣٣ وراجع المصادر المتقدمة.

١٩٥

بأنهما يريدان أن يصيبا من نساء هوازن ، على سبيل المعاملة بالمثل ..

ونقول :

إن المعاملة بالمثل ، وإن كانت عدلا في بعض الأحيان ، لكنها تصبح على درجة من الهجنة والقبح ، حين تتضمن استهانة ورفضا لطلب أشرف الخلق وأكرمهم على الله ، وهو رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، الذي لا (يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (١).

وهذا ما حصل بالفعل ، من قبل عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، اللذين كانا من الأعراب الأجلاف ، فاستحقا أن يعاملهما رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بالرفق ، وبطرف من العدل ، فقد كان رفيقا بهم حين لم يؤاخذهما بمنطقهما المسيء ، بل أعلن أنه يريد أن يقر العدالة أيضا في تحديد نصيبهما من السبي ، وذلك عن طريق إجراء القرعة ، إقرارا منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لمبدأ المساواة ودعا الله أن يتوّه سهميهما .. فخرجت القرعة على عجوزين كما أوضحته الروايات ..

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مهتم بإطلاق السبي :

وعن إرشاد النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لوفد هوازن ، وللشيماء إلى ما يقولونه للناس ، لإقناعهم بالتخلي عما يرون أنه حقهم في السبي ، نقول :

إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان ظاهر الرغبة في إطلاق سراح السبي والذرية ، حتى إنه استأنى بوفد هوازن بضعة عشر يوما ، وقد أرشد أخته إلى أن

__________________

(١) الآيتان ٣ و ٤ من سورة النجم.

١٩٦

تستشفع به «صلى‌الله‌عليه‌وآله» على الناس ليهبوا حصتهم من السبي ، وطلب من الوفد أن يظهروا إسلامهم أمام الناس ، ليأنفوا من استرقاق نساء وذرية إخوانهم من المسلمين ، ووعدهم بأن يكلم المسلمين ، ويشفع لهم ..

ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين كلم الناس بادر أولا إلى هبة سهمه وسهم بني هاشم ، وطلب من الناس أن يهبوا نصيبهم طوعا ، ومن كره ذلك فليأخذ الفداء من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» نفسه ، لا من السبي ، وأهله وعشيرته .. وجعل فداء كل إنسان ست فرائض من أول فيء يصيبه ..

ويلاحظ : أنه قال : من أول فيء يصيبه ، ولم يقل : «من أول غنيمة» ، لأن الفيء يكون خالصا لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، أما الغنيمة فللمقاتلين حق فيها.

ويبقى سؤال يقول : لماذا يهتم رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بإطلاق سراح السبي إلى هذا الحد ، حتى إنه ليتكفل هو بإعطاء الفداء؟!

وربما يكون من جملة ما يصح أن يجاب به : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان يعرف : أن قضية العرض حساسة جدا في المجتمع العربي ، وإذا كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يرغب في إسلام هوازن وسائر القبائل في المنطقة ، فإن صيرورة نسائهم وذراريهم رقيقا ، سيكون عارا وسبة عليهم ، وسوف يشكل ذلك عقدة كبيرة جدا في هذا السياق ، وقد يستفيد المنافقون واليهود وغيرهم من أعداء الله ورسوله لإثارة حفيظة تلك القبائل ضد الإسلام ، وأهله. أو على الأقل سوف يعطيهم الفرصة لإثارة نزاعات ، وإيجاد بؤر توتر ، في مختلف المواقع والمواضع ، ولربما تتطور الأمور إلى حدوث جرائم ،

١٩٧

وحروب بين القبائل.

وهذا خطر كبير ، يجب أن لا يفسح المجال له. ولا بد من القضاء على كل مكوناته في مهدها.

لماذا وهب نصيب بني هاشم؟! :

وقد رأينا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد وهب نصيبه ، ونصيب بني هاشم ، وفي رواية أخرى نصيب بني عبد المطلب من السبي .. ونشير إلى :

١ ـ أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وقد كان يمكنه أن يهب جميع السبي بالإستناد إلى هذه الولاية ، المعطاة له من الله تعالى. ولكنه اقتصر على نصيبه ، ونصيب بني هاشم ، أو بني عبد المطلب.

٢ ـ ويمكنه أيضا أن يهبهم جميع السبي استنادا إلى : أنه لا حق لأحد بالسبي والغنائم ، سوى علي «عليه‌السلام» ، لأنه هو وحده الذي ثبت في حنين ، وهزم جموع المشركين.

ولكنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يعامل الناس بالرفق والرحمة والكرم. ولذلك لم يستند إلى أي من هذين الأمرين ، بل وهب سهم بني هاشم ، اعتمادا على أنهم لا يردون له كلمة ، ولا يخالفون له أمرا ، ويبتغون رضاه. وأراد بذلك تشجيع سائر الناس على التأسي ببني هاشم ، وبذل أموالهم في رضا الله تعالى ، ورضاه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

ولعل سبب ذلك هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد من الناس أن يعتبروها يدا عنده هو ، لكي لا يمن أحد على أهل السبي بشيء. وبذلك يكون قد جنّبهم الكثير من الإحراجات التي ربما يتعرضون لها في حياتهم مع الناس.

١٩٨

ارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم :

وقد ذكرت النصوص المتقدمة : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكتف بإعلان الأنصار رضاهم بقسمة الغنائم على المؤلفة قلوبهم ، بل أرجأ الحسم في هذا الأمر إلى حين يرفع عرفاؤهم هذا الأمر عنهم ، رغم أننا نعلم أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يكن بحاجة إلى العرفاء ، ليعرف حالهم ، لأنه كان مسددا بالوحي.

ومع غض النظر عن ذلك ، فقد كان يمكنه الإكتفاء بما أظهروه. خصوصا مع ما قلناه من أنهم لم يكن لهم حق في تلك الغنائم ، ولعل هذا كان واضحا لكثيرين منهم ، إن لم يكن لأكثرهم ، أو جميعهم ..

ولكن الظاهر هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أراد أن يعرف الأجيال كلها أنه لم يأخذ الأنصار على حين غرة ، ولم يفرض عليهم قراره ، كما أنه لم يأخذ الأموال منهم بواسطة التخجيل والإحراج ، بل هو قد فتح لهم أبواب التخلص المشرّف ، الذي لا إحراج فيه ، كما أنه قد توغل في استكناه سرهم وكشف دخائلهم ، مع أنه لم يكن بحاجة إلى ذلك كله.

وعلى كل حال ، فإننا لا نريد أن ندخل في موضوع نظام العرفاء بالتفصيل ، غير أننا نكتفي بالقول : بأن النصوص قد دلت على : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أنشأ أنظمة في المجتمع الإسلامي ، وأوكل إليها مهمات محددة ، وقد عمل بهذه الأنظمة علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» من بعده أيضا.

فكان هناك :

١٩٩

١ ـ النقباء (١).

٢ ـ المناكب ، وهم رؤساء العرفاء (٢).

أو يكونون مع العرفاء كالأعوان (٣).

__________________

(١) راجع : البحار ج ١٩ ص ٢٤ وج ٧٨ ص ٣٧٦ ومستدرك سفينة البحار ج ١ ص ٤٥٨ وج ٢ ص ١٣ ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٢٥٨ القواعد الفقهية للبجنوردي ج ١ ص ٢٠٦ والفصول المهمة لابن الصباغ ج ١ ص ٢٨٥ وتفسير مجمع البيان ج ٤ ص ٤٩٤ وتفسير القرآن للصنعاني ج ١ ص ١٢٩ ونقد الرجال ج ١ ص ٢٠٣ وتاريخ مدينة دمشق ج ٩ ص ٧٦ وج ٢٠ ص ٢٤٠ و ٢٤١ و ٢٤٨ وج ٢٥ ص ٤٧٥ وج ٢٦ ص ١٨٩ وج ٢٨ ص ٨٢ والصراط المستقيم ج ٢ ص ١٠٣ والغدير ج ١ ص ٤٢ وج ٢ ص ٦٩ ومكاتيب الرسول ج ١ ص ١٠٧ وشرح مسند أبي حنيفة للملا علي القاري ص ٥٨٧ والمصنف لابن أبي شيبة ج ١ ص ٣٦٤ والآحاد والمثاني ج ٤ ص ١٢٩ ومسند أبي يعلى ج ٢ ص ٢٤٣ ومسند الشاميين ج ٢ ص ٤٣١ وسنن الدارقطني ج ١ ص ٣٦٢ وج ٣ ص ١٥٠ وكنز العمال ج ١ ص ٣٢٥ و ٣٢٦ وج ٨ ص ٥٢ وج ١٣ ص ٤٢١ و ٥٥٦ وج ١٤ ص ٥٨ وفتوح البلدان ج ١ ص ٥ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٩٦ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٩٣ و ١٩٨ و ٢٠٤ و ٢٨٠ وج ٤ ص ٣٠ و ٤٤ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج ٣ ص ٤٧٢.

(٢) الصحاح ـ مادة نكب ـ ج ١ ص ٢٢٨ وراجع : النهاية في غريب الحديث ج ٥ ص ١١٣ ولسان العرب ج ١ ص ٧٧٢ وتارج العروس ج ٢ ص ٤٥١.

(٣) جامع البيان ج ٦ ص ٢٠٣ وراجع : النهاية في غريب الحديث ج ٥ ص ١١٣ ولسان العرب ج ١ ص ٧٧٢ وتارج العروس ج ٢ ص ٤٥١.

٢٠٠