الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

تحركات ، وتهديدات مؤثرة :

عن المطلب بن عبد الله ، عن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حاصر أهل الطائف إلى عشرة أو سبعة عشر ، فلم يفتحها ، ثم أوغل روحة أو غدوة ، ثم نزل ، ثم هجّر ، فقال :

«أيها الناس ، إني لكم فرط ، وإن موعدكم الحوض ، وأوصيكم بعترتي خيرا ..».

ثم قال : «.. والذي نفسي بيده ، لتقيمنّ الصلاة ، ولتأتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليكم رجلا مني ، أو كنفسي ، فليضربنّ أعناق مقاتليكم ، وليسبين ذراريكم».

فرأى أناس : أنه يعني أبا بكر أو عمر.

فأخذ بيد علي «عليه‌السلام» ، فقال : هو هذا.

قال المطلب بن عبد الله : فقلت لمصعب بن عبد الرحمن بن عوف : فما

__________________

ـ وكتاب الأربعين للشيرازي ص ١٢٨ والبحار ج ٢٢ ص ٤٧٣ وج ٣٨ ص ٣١٢ ومسند أحمد ج ٦ ص ٣٠٠ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٢ وكتاب الوفاة للنسائي ص ٥٢ والمعجم الكبير للطبراني ج ٢٣ ص ٣٧٥ والسنن الكبرى للنسائي ج ٥ ص ١٥٤ وخصائص أمير المؤمنين «عليه‌السلام» للنسائي ص ١٣٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٧ ص ٤٩٤ ومسند أبي يعلى ج ١٢ ص ٣٦٤ وكنز العمال ج ١٣ ص ١٤٦ ومعجم الرجال والحديث ج ٢ ص ١٧٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٤٢ ص ٣٩٤ و ٣٩٥ وذكر أخبار إصبهان ج ١ ص ٢٥١ والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٩٧ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٣٥٨ وسبل الهدى والرشاد ١٢ ص ٢٥٥ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١ ص ٣٠٥.

١٦١

حمل أباك على ما صنع؟!

قال : أنا ـ والله ـ أعجب من ذلك (١).

وعن أبي ذر قال : قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ـ وقد قدم عليه وقد أهل الطائف ـ : يا أهل الطائف ، والله لتقيمنّ الصلاة ، ولتؤتنّ الزكاة أو لأبعثنّ إليكم رجلا كنفسي ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يقصعكم بالسيف.

فتطاول لها أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأخذ بيد علي «عليه‌السلام» ، فأشالها ، ثم قال : هو هذا.

فقال أبو بكر وعمر : ما رأينا كاليوم في الفضل قط (٢).

أفعال أفصح من الأقوال :

وقد ذكرت النصوص المتقدمة : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حاصر الطائف أسبوعين أو ثلاثة أو أكثر .. ثم إنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أوغل روحة ، أو غدوة ، ثم نزل ، ثم هجّر ، ثم أطلق تهديداته القوية : بأنه سوف يرميهم بعلي «عليه‌السلام» ، ليضرب أعناق مقاتليهم ، ويسبي ذراريهم ، أو يقيمون

__________________

(١) البحار ج ٢١ ص ١٥٢ وج ٤٠ ص ٣٠ والأمالي للطوسي ص ٥١٦ و (ط دار الثقافة) ص ٥٠٤.

(٢) أمالي الطوسي ص ٥٩٠ و (ط دار الثقافة) ص ٥٧٩ والبحار ج ٢١ ص ١٧٩ و ١٨٠ وج ٣٨ ص ٣٢٤ ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج ١ ص ٤٦٣ وج ٢ ص ٢٤ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» في الكتاب والسنة والتاريخ ج ١١ ص ٢٢٤.

١٦٢

الصلاة ، ويؤتون الزكاة .. فهل من تفسير لذك كله؟!

ونجيب : إننا نلاحظ هنا ما يلي :

١ ـ أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بتحركاته تلك ، حيث كان يتركهم ثم يعود إليهم في أوقات مختلفة ، وبعضها لم يعتد الناس على التحرك فيها ، مثل : وقت الهاجرة ـ كأنه يريد أن يفهم أهل الطائف عملا ، لا قولا : أنهم غير متروكين ، وأن عليهم أن يتوقعوا مفاجأتهم في كل وقت وزمان. وإن عليهم أن يبقوا على أهبة الإستعداد ، والحذر ، والإحتماء بالأسوار ، والإحتفاظ بإبلهم وبما شيتهم ، وبكل شيء في داخلها .. إلى ما شاء الله ..

وبديهي : أنه لا يمكنهم العيش في مثل هذه الأجواء الصعبة ، والمرهقة ، والمخيفة ..

٢ ـ أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أطلق تهديداته لهم : بأنهم إن لم يستجيبوا لنداء المنطق ، والعقل ، فسوف يرميهم بأخيه علي «عليه‌السلام» الذي أذاقهم وحده طعم الهزيمة المرة ، والذليلة ، والمخزية قبل أيام يسيرة ، وحين كانوا قد جمعوا عشرات الألوف. فهل يمكنهم الصمود في وجهه بعد أن تفرق الناس عنهم ، وأصبحوا وحدهم؟! وقد قطعت عنهم كل الإمدادات ، وانصرف عن نصرتهم جميع المعارف والأصحاب؟!

٣ ـ وبعد .. فإن الحصار الذي يعانون منه لم يكن سهلا ، وقد أضرّت بهم قذائف المنجنيق ، مع العلم بأن عليا «عليه‌السلام» لم يكن مشاركا في ذلك الحصار ، وأهل الرأي منهم يعرفون : أن السبب في استمرار صمودهم هو انشغال علي «عليه‌السلام» عنهم بتصفية الجيوب ، المنتشرة في المنطقة ، ومنها جماعات من مقاتليهم قضى عليها علي «عليه‌السلام» ، وأخضع سائر

١٦٣

المناطق أيضا لحكم الله ، ولم يعد لهم أمل في وصول أي معونة لهم ، من أي جهة كانت ..

٤ ـ وفوق ذلك كله ، فإن مصيتبهم العظمى إنما تكون حين يأذن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لعلي «عليه‌السلام» فيهم .. فإنه لا شيء يقف في وجهه «عليه‌السلام» ، ولا تجدي الحصون ، ولا غيرها في دفعه عنهم.

وقد رأى الناس كلهم ما جرى على يديه لحصون خيبر ، وكيف قتل فرسانها ، واقتلع أبوابها ، وكانت من الحجارة ، التي لا يقوى على تحريكها عشرات الرجال .. واقتحمها ، وحطم كل مقاومة فيها ..

٥ ـ ولأجل ذلك جاء التهديد لهم من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بأن يبعث إليهم برجل منه ، أو كنفسه ، ليضرب أعناق مقاتليهم ، ويسبي ذراريهم.

٦ ـ ويلاحظ هنا : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اقتصر على هذين الأمرين ، وهما : قتل المقاتلين ، وسبي الذراري .. وذلك وفقا لأحكام الشرع الشريف ، وانسجاما مع أهدافه ومراميه ، في التخلص من الظلم والظالمين ، وإفساح المجال للناس ليتمتعوا بحرية اختيار معتقداتهم بالإستناد إلى الدليل القاطع ، وطريقة عيشهم ، من دون تسلط من أحد ، أو انقياد لأي كان ، إلا للإرادة الإلهية ، والإلتزام بشرع الله ، وحده لا شريك له ..

٧ ـ ومن جهة أخرى : فإنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد احتفظ في بادئ الأمر باسم ذلك الذي يريد أن يرميهم به ، بطريقة تدعو كل الناس لإطلاق خيالها للبحث عنه ، والتعرف عليه ، لا سيما وأنه قد وصفه بأوصاف جليلة وهامة جدا ، حيث جعله كنفسه ، أو منه ..

ومن شأن ذلك : أن يوجه الأنظار إلى أولئك الناس الطامحين والطامعين ،

١٦٤

ويحرجهم ، من حيث إنهم ما فتئوا يوحون للناس : بأنهم هم الأقرب إلى الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، والأكثر اختصاصا به ، والأخص منزلة منه ..

٨ ـ فإذا سأل سائل عن اسم ذلك الشخص المعني ، مصرحا بالترديد بين أسماء بعينها ، وهم أولئك الناس بالتحديد ..

يأتي الجواب : بأن المقصود لا هذا ولا ذاك ، بل هو علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» ، وذلك يمثل صدمة قوية ، وخيبة قاتلة ، وتصحيحا لتوهم باطل .. لا بد أن يبقى في ذاكرة كل إنسان ، مقترنا بمزيج من المشاعر التي سوف تقتحم كل وجوده ، وتغير الكثير من معالم فكره ، وتوجهاته ، وارتباطاته ، وما إلى ذلك ..

٩ ـ وهذا يوضح لنا مغزى سؤال المطلب بن عبد الله لمصعب بن عبد الرحمان بن عوف : فما حمل إباك على ما صنع؟

ويؤكد لنا بعمق معنى جواب مصعب : وأنا والله أعجب من ذلك.

والمقصود هو : الإشارة إلى ما صنعه ابن عوف في قضية الشورى ، حيث سعى في إبعاد الخلافة عن علي «عليه‌السلام».

فك الحصار .. لتسهيل الإستسلام :

وعن الإمام الصادق «عليه‌السلام» أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لما واقع ـ وربما قال : فزع (١) ـ رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من هوزان ، سار حتى نزل الطائف ، فحصر أهل وج (٢) أياما ، فسأله القوم أن يبرح عنهم ليقدم

__________________

(١) الصحيح : فرغ.

(٢) وجّ : موضع بناحية الطائف. أو اسم جامع حصونها. أو اسم واحد منها.

١٦٥

عليه وفدهم ، فيشترط له ، ويشترطون لأنفسهم.

فسار حتى نزل مكة ، فقدم عليه نفر منهم باسلام قومهم. ولم يبخع القوم له بالصلاة ولا الزكاة.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : إنه لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود. أما والذي نفسي بيده ليقيمنّ الصلاة ، وليؤتنّ الزكاة ، أو لأبعثنّ إليهم رجلا هو مني كنفسي ، فليضربنّ أعناق مقاتليهم ، وليسبينّ ذراريهم ، وهو هذا.

وأخذ بيد علي «عليه‌السلام» فأشالها.

فلما صار القوم إلى قومهم بالطائف أخبروهم بما سمعوا من رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأقروا له بالصلاة ، وأقروا له بما شرط عليهم.

فقال «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : ما استعصى عليّ أهل مملكة ، ولا أمة إلا رميتهم بسهم الله عزوجل.

قالوا : يا رسول الله : وما سهم الله؟

قال : علي بن أبي طالب. ما بعثته في سرية إلا رأيت جبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، وملكا أمامه ، وسحابة تظله ، حتى يعطي الله عزوجل حبيبي النصر والظفر (١).

وهذا معناه : أن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد حقق نصرا عظيما ،

__________________

(١) الأمالي للطوسي ص ٥١٦ و ٥١٧ و (ط دار الثقافة ـ قم) ص ٥٠٥ والبحار ج ٢١ ص ١٥٣ وج ٣٨ ص ٣٠٥ وج ٣٩ ص ١٠١ وج ٤٠ ص ٣٢ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٣١٥ ومناقب أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ج ١ ص ٣٥٩ وشرح الأخبار ج ٢ ص ٤١٤ والثاقب في المناقب ص ١٢١ ومناقب آل أبي طالب ج ٢ ص ٦٧ و ٧٧ ومدينة المعاجز ج ٢ ص ٣٠٨.

١٦٦

يوازي ما حققه في غزوة الخندق وخيبر وسواهما ..

ويدل على ذلك أيضا : ما تقدم من أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد قال لأصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا عن الطائف : «قولوا : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده» (١).

فلو لم يكونوا منتصرين ، لم يكن وجه لأمرهم بأن يقولوا ذلك ، فإن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لا يطلق الشعارات جزافا.

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٨ عن الواقدي ، وتاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٢ والسيرة النبوية لدحلان ج ٢ ص ١١٤ وراجع المصادر المتقدمة.

١٦٧
١٦٨

الباب الخامس

الأنصار .. والسبي .. والغنائم

الفصل الأول : الأسرى والسبايا أحداث وتفاصيل

الفصل الثاني : قبل قسمة الغنائم

الفصل الثالث : قسمة الغنائم وعتب الأنصار

الفصل الرابع : المستفيدون .. والمعترضون

الفصل الخامس : نهايات السفر الطويل .. إلي المدينة

١٦٩
١٧٠

الفصل الأول :

الأسرى والسبايا .. أحداث وتفاصيل

١٧١
١٧٢

السبايا والغنائم :

قالوا : كان السبي ستة آلاف رأس ، والإبل أربعة وعشرين ألف بعير ، والغنم أكثر من أربعين ألف شاة ، وأربعة آلاف أوقية فضة (١).

وعن سعيد بن المسيب قال : سبى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يومئذ ستة آلاف سبي ، بين امرأة وغلام (٢).

__________________

(١) راجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٢ و ١١٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٩ و (ط دار المعرفة) ص ٨٤ وعن الواقدي ، وسبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٨ و ٣٩٠ عن الحلبية ، وابن سعد ، وقال في هامشه : أخرجه أبو داود (٢١٥٧) وأحمد ج ٣ ص ٦٢ والحاكم ج ٢ ص ٩٥ والبيهقي في السنن الكبرى ج ٥ ص ٣٥٩ ، ج ٧ ص ٤٤٩ وج ٩ ص ١٢٤ والدارمي ج ٢ ص ١٧١ وانظر نصب الراية ج ٣ ص ٢٣٣ وراجع : تخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٦٥ وإمتاع الأسماع ج ٩ ص ٢٩٥ وراجع : عمدة القاري ج ١٢ ص ١٣٦ وج ١٥ ص ٦١ وج ١٧ ص ٢٩٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٢ وأعيان الشيعة ج ١ ص ٢٨١ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢١٩ وفتح الباري ج ٨ ص ٣٨.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٣٩ عن عبد الرزاق ، وص ٣٩٠ عن ابن إسحاق ، وراجع : المصنف للصنعاني ج ٥ ص ٣٨١ وتخريج الأحاديث والآثار ج ٢ ص ٦٥ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٤٧ وتفسير القرآن للصنعاني ج ٢ ص ٢٧٠ وجامع ـ

١٧٣

ومثله عند الزهري ، وزاد قوله : ومن البهائم ما لا يحصى ولا يدرى (١).

وعند اليعقوبي : «سبى منهم سبايا كثيرة ، بلغت عدتهم ألف فارس ، وبلغت الغنائم اثني عشر ألف ناقة ، سوى الأسلاب» (٢).

ولكن المروي عن الإمام الصادق «عليه‌السلام» قوله : «سبى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يوم حنين أربعة آلاف فارس ، واثني عشر ألف ناقة ، سوى ما لم يعلم من الغنائم» (٣).

الأمين على السبايا :

وقد تقدم : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد جعل بديل بن ورقاء على السبي الذين أرسلهم من حنين إلى الجعرانة.

ولكن السهيلي يقول : «كان سبي حنين ستة آلاف رأس قد ولى أبا

__________________

ـ البيان ج ١٠ ص ١٣١ وتفسير الثعالبي ج ٥ ص ٢٥ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٩ والجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ١٠٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٥ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٣ ص ٤٦٠ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٦٠٦ وإمتاع الأسماع ج ٩ ص ٢٩٥ وراجع : المجموع للنووي ج ١٩ ص ٣١٤.

(١) البحار ج ٢١ ص ١٨٣ و ١٨١ عن المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١٨١ وعن مجمع البيان ج ٥ ص ١٨ ـ ٢٠ والدر النظيم ص ١٨٣.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣.

(٣) إعلام الورى ص ١٢٣ و (ط مؤسسة آل البيت) ج ١ ص ٢٣٣ والبحار ج ٢١ ص ١٦٨ و ١٨٣ عنه ، وعن المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١٨١ والدر النظيم ص ١٨٢ والأنوار العلوية ص ٢٠٥.

١٧٤

سفيان بن حرب أمرهم ، وجعله أمينا عليهم» (١).

غير أن ذلك غير صحيح ، فإن أبا سفيان قد حضر الطائف مع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢). إلا أن يكون «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد وكله بحفظهم في بعض الليالي ، بعد عودته إلى الجعرانة ، في الأيام التي كان ينتظر فيها قدوم وفد هوازن .. (٣).

الأمين على الأنفال :

وقالوا : إن أبا جهم بن حذيفة العدوي كان على الأنفال يوم حنين ، فجاءه خالد بن البرصاء ، وأخذ من الأنفال زمام شعر ، فمانعه أبو جهم ، فلما

__________________

(١) الروض الأنف ج ٤ ص ١٦٦ عن الزبير بن بكار ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٥ و (ط دار المعرفة) ص ٧٦.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٥ و (ط دار المعرفة) ص ٧٦ وعمدة القاري ج ١ ص ٧٩ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٣ وفيات الأعيان ج ٦ ص ٣٥١ وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ١٠٦ وراجع : الإفصاح للمفيد ص ١٠٣ وأسد الغابة ج ٢ ص ٣١٣ وج ٣ ص ١٢ و ٥١ وج ٥ ص ٢١٦ وتهذيب الكمال ج ١٣ ص ١٢٠ والإصابة ج ٣ ص ٩٤ و ٢٣٧ و ٣٣٤ و ٤٤٨ والآحاد والمثاني ج ١ ص ٣٦٣ والإستيعاب ج ٢ ص ٧١٤ وج ٤ ص ١٨٦٠ وكنز العمال ج ١٠ ص ٥٥٤ وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص ١٧٢ والأعلام للزركلي ج ٣ ص ١٠٢ والمعارف ص ٥٨٦ وكتاب المحبر ص ٣٠٢ وفتوح البلدان ج ١ ص ١٦٠ والإكمال في أسماء الرجال ص ١٠٤ وتاريخ مدينة دمشق ج ٢٣ ص ٤٣٥ و ٤٣٧ و ٤٥٦ و ٤٦٥ و ٤٦٨ وج ٢٤ ص ٤٦٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٣٦٨.

(٣) الروض الأنف ج ٤ ص ١٦٦.

١٧٥

تمانعا ضربه أبو جهم بالقوس فشجه منقلة (وهي شجة تكسر العظم حتى يخرج منها فراش العظم) ، فاستعدى عليه خالد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فقال له : خذ خمسين شاة ودعه.

فقال : أقدني منه.

فقال : خذ مائة ودعه.

فقال : أقدني منه.

فقال : خذ خمسين ومائة ، ودعه. وليس لك إلا ذلك. ولا أقيدك من وال عليك.

فقوّمت المائة والخمسون بخمس عشرة فريضة من الإبل ، فمن هنا جعلت دية المنقلة خمس عشرة فريضة (١).

ونقول :

١ ـ إن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد جعل على الغنائم مسعود بن عمرو الغفاري كما تقدم ، وليس أبا جهم العدوي.

إلا أن يكون المقصود : أنه قد كانت هناك أنفال أخذت من دون حرب أيضا ، فجعل عليها أبا جهم المذكور. ولكن ذلك لم يتضح لنا من خلال ما توفر لدينا من نصوص.

٢ ـ لقد كان أبو الجهم مسؤولا ومؤتمنا على الغنائم ، وأمره نافذ على

__________________

(١) السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٨٦ والروض الأنف ج ٤ ص ١٦٦ والمصنف للصنعاني ج ٩ ص ٤٦٣ وكنز العمال ج ١٥ ص ٩٢ وتاريخ مدينة دمشق ج ٣٨ ص ١٧٥.

١٧٦

جميع الناس ، فيما يرتبط بعدم أخذ شيء منها ، ما دام النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لم يأذن ، فليس لخالد بن البرصاء أن يأخذ شيئا منها.

فضلا عن أن يحاول أخذ شيء منها بالقوة ، ففي هذه الحالة يحق لأبي جهم أن يدفعه عن نفسه ، وعنها ، حتى لو أدى ذلك إلى استعمال القوة ..

فإذا نشأت عن ذلك جراحة لم يكن لذلك المعتدي الحق بالمطالبة بالقصاص ، ولذلك قال النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لخالد بن البرصاء : ليس لك إلا ذلك ..

٣ ـ إن إعطاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» له مائة وخمسين شاة لم يكن لأجل أن الدية هي ذلك. بل هو قد جاء على سبيل التفضل والتكرم منه «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

والدليل على ما نقول : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد عرض عليه أولا : أن يأخذ خمسين شاة ، ثم عرض عليه مائة شاة ، ثم ترقى إلى مائة وخمسين .. فهذا التدرج في العرض ، يدل على : أنه لا يعطيه ما هو حقه ، من حيث إن ذلك هو مقدار دية المنقلة ..

وذلك يدل على عدم صحة قولهم : «فلذلك جعلت دية المنقلة خمس عشرة فريضة» (١). باعتبار : أن كل فريضة من الإبل تقابل بعشرة من الغنم .. إذ لو صح ذلك لكانت دية المنقلة مخيرة بين الخمسين شاة ، والمائة شاة ،

__________________

(١) الروض الأنف ج ٤ ص ١٦٦ وراجع : السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٨٧ والإستذكار ج ٨ ص ٩٤ و ٩٥ وكتاب الموطأ ج ٢ ص ٨٥٨ وسنن النسائي ج ٨ ص ٦٠ والسنن الكبرى للنسائي ج ٤ ص ٢٤٦.

١٧٧

والمائة وخمسين شاة .. وليس الأمر كذلك.

غنائم حنين للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام :

ونريد أن نستبق الحديث عن أمر الغنائم والسبايا ، فنقول :

قد تقدم : أن المسلمين انهزموا جميعا عن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وأن راجعتهم حين رجعت وجدت الأسارى مكتفين عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. وأن المسلمين المهزومين لم يضربوا بسيف ، ولم يطعنوا برمح ..

وتقدم أيضا : أن الذين بقوا عند رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كانوا تسعة أشخاص ، أو اقل من ذلك ، كلهم من بني هاشم .. فكان ثمانية منهم أو أقل ، قد احتوشوا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لكي لا يصل إليه أحد من المشركين بسوء ، والمهاجم الوحيد لجيوش المشركين كان علي بن أبي طالب «عليه‌السلام» .. فهزم الله المشركين على يديه شر هزيمة.

فالنصر إنما تحقق بجهاد علي «عليه‌السلام» ، وبالتأييد الإلهي للنبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بإنزال الملائكة ..

وهذا يبين السبب في أن الله سبحانه رد أمر الغنائم والسبي إلى رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ليعطيها لمن يشاء ، فأعطاها لمن أراد أن يتألفهم ، ولم يعط منها حتى أقرب الناس إليه ، وهم الأنصار .. لأنهم لم يكن لهم ، ولا للمهاجرين ، ولا لغيرهم حق فيها .. ولكنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد طيب نفوس الأنصار ، بعد ما نفّذ ما أمره الله تعالى به (١).

__________________

(١) الروض الأنف ج ٤ ص ١٦٧.

١٧٨

المرونة في التعامل النبوي :

غير أننا نلاحظ : أن النبي الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، قد عامل الأنصار ، وغيرهم من الذين شاركوا معه في حرب حنين ، وكأنهم اصحاب حق في الغنائم والسبايا ، مغمضا نظره عن الهزيمة التي بدرت منهم ، وكأن شيئا لم يحدث ..

ولعل سبب ذلك هو : أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يريد حفظ ماء وجوههم ، ومعالجة الجرح الروحي والمعنوي الذي أحدثته تلك الهزيمة ، حيث إن التكرم عليهم ، ومعاملتهم وكأن لهم الحق في الغنيمة والسبايا .. يعيد إليهم الثقة بأنفسهم ، والشعور بأن ما حدث لم يترك أثرا سلبيا في قلب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ولم يبدّل نظرته إليهم ، ولم يغير من تعامله معهم ..

ولو أنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد أعلن لهم : بأنهم لا حق لهم في الغنيمة وفي السبي .. لبقي ذلك جرحا نازفا في قلوبهم إلى ما شاء الله ، وقد تنشأ عنه عقد نفسية ومشكلات وتعقيدات يصعب علاجها.

بل لعل إعلانا من هذا القبيل سيكرس انقساما عميقا في صفوف المسلمين وقد يكون سببا في بدء سلسلة من الإتهامات ، والتعييرات تتسبب بنشوء أحقاد ، ومشكلات يختزنها السابق ليورثها للاحق .. وهيهات ان يتمكن أحد من استئصالها واقتلاعها بعد ذلك!!

وقد لا يسلم من رياح الحقد والضغينة حتى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وعلي «عليه‌السلام» ، وهنا سوف تكون الكارثة أكبر ، والمصيبة أعظم ، لأن الفساد يكون قد سرى إلى دين الناس ، وإلى الأساس الذي يقوم عليه إيمانهم.

١٧٩

ولا يتوهمن أحد أن هذه السياسة النبوية ستكون مضرة بسلامة المعرفة الدينية لأحكام الشرع ، من حيث إنها توجب وقوع الناس في خلل معرفي ، والجهل بالحكم الشرعي الذي يخص الغنائم ، بل قد يفهمون أن الغنائم إنما تكون لمن شارك في الحرب دون سواه ..

فإنه توهم باطل ، لأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد بين الحكم الشرعي للغنائم بصورة قاطعة لعذر أي كان من الناس. وما فعله في حنين هو أنه أغفل عمدا تنبيههم إلى كيفية تطبيق الحكم على الوقائع التي جرت .. وهذا لا يوجب نقصا ولا خللا في معرفتهم للأحكام ، .. بدليل أن الحكم الشرعي الصحيح والصريح بقي محفوظا فيما بين المسلمين إلى يومنا هذا .. وكان نفس أولئك الذين جرى لهم في حنين ما جرى عارفين به ، واقفين عليه ، وهم الذين نقلوه للأجيال.

نتائج ما سبق :

وما ذكرناه آنفا يوضح لنا : المسار الذي كان «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد فرضه على حركة الأحداث في قبوله بشفاعة الشيماء ، وإطلاق سراح الأسرى ، والسبايا من النساء والغلمان ، ثم قبول شفاعتها بمالك بن عوف قائد هوازن ، وذلك بعد انتظاره لوفد هوازن بضعة عشر يوما ، وقبوله طلبهم الذي انضم الى طلب الشيماء ، ثم ساعدت هي وذلك الوفد على إقناع الناس بالتخلي عن السبايا.

وسيأتي ذلك كله بالتفصيل إن شاء الله تعالى ..

١٨٠