الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-198-X
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥٥

دليل على صحة رواية الشيخ الطوسي في أماليه ، والتي صرحت : بحصول هذا النصر للنبي الكريم «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ..

شهداء المسلمين في الطائف :

قالوا : واستشهد من أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في الطائف اثنا عشر رجلا (١) ، سبعة من قريش ، وأربعة من الأنصار ، ورجل من بني ليث (٢) ، وهم :

سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية.

وعرفطة ـ بضم العين المهملة ـ بن حباب ، حليف لهم من الأسد بن عوف.

ويزيد بن زمعة بن الأسود. جمح به فرسه إلى حصن الطائف فقتلوه.

وعبد الله بن أبي بكر الصديق. رماه أبو محجن بسهم ، فلم يزل جريحا

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٢ وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٨ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٥ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٦٧ وعيون الأثر ج ٢ ص ٢٣١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٢٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٦٤ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٥٦ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٣ ص ٧٨.

(٢) تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٢ وراجع : السيرة النبوية لدحلان (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ١١٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٥٥ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٢ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٢٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٦٤.

١٢١

حتى مات بالمدينة بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو غير شهيد عند الشافعية ، لأنه توفي بعد انقضاء الحرب بمدة مديدة.

وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، رمي في الحصن.

وعبد الله بن عامر بن ربيعة. حليف لهم.

والسائب بن الحارث بن قيس السهمي ، وأخوه عبد الله بن الحارث بن قيس.

وجليحة بن عبد الله.

وثابت بن الجذع (أو سالم بن الجذع) واسمه ثعلبة السلمي.

والحارث بن سهل بن أبي صعصعة.

والمنذر بن عبد الله بن نوفل (١).

وذكر في العيون هنا : رقيم بن ثعلبة ، مع ذكره له فيمن استشهد بحنين ، تبع هناك ابن إسحاق ، وهنا ابن سعد (٢).

وقيل : وكان من استشهد بالطائف أحد عشر رجلا (٣).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٨ و ٣٨٩ وراجع : تاريخ الخميس ج ٢ ص ١١٠ و ١١٢ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٥٥ و ٥٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٤ ص ٩٢٣ و ٩٢٤ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٦٣ الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٢ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٢.

(٢) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٩ وراجع : الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٢ ص ١٥٢.

(٣) إمتاع الأسماع ج ٢ ص ٢٥.

١٢٢

ابن أبي بكر مع الشهداء :

وقد عدّوا عبد الله بن أبي بكر في جملة شهداء الطائف ، بدعوى : أنه أصابه سهم أبي محجن ، وطاوله ذلك الجرح إلى أن مات في خلافة أبيه (١).

ونقول :

إننا لا ندري مدى صحة ما زعموه من أمر جرح عبد الله بسهم أبي محجن بالطائف. ولا مانع من أن يصح هذا الزعم منهم ، مع احتمال أن يكون ذلك من مصنوعات محبي أبي بكر ، لكي لا يفوته فضل تقديم الشهداء من الأهل والأبناء ، بعد ان فاتته فضائل الصمود في ساحات الجهاد ، حيث ابتلي بالفرار من الزحف في مختلف المقامات التي فر فيها الناس ، مثل : أحد ، وخيبر ، وحنين ، وسواها مما ذكرنا في ثنايا هذا الكتاب طائفة منه عن المصادر الموثوقة عند السنة والشيعة على حد سواء ..

وما دمنا نتحدث عن موت عبد الله بن أبي بكر ، متأثرا بسهم أبي محجن ، يحسن بنا أن نشير إلى أمر ينسبونه إلى أمير المؤمنين ، دون أن يبينوا وجه الصواب فيه ..

وهذا الأمر هو : أن عمر بن الخطاب تزوج عاتكة بنت زيد في سنة ١٢

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٨ و (ط دار المعرفة) ص ٨٢ والآحاد والمثاني ج ١ ص ٤٦٨ والإستيعاب ج ٣ ص ٨٧٤ والثقات ج ٢ ص ١٧١ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٧٤ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٤١ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٣ ص ٤٩ والوافي بالوفيات ج ١٧ ص ٤٩ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٣٧٢.

١٢٣

للهجرة ، وقبل وفاة زوجها عبد الله ، فأولم عليها ودعا أصحاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، وفيهم علي «عليه‌السلام» ، فاستأذن عمر أن يكلمها ، فقال : نعم.

فقال لها «عليه‌السلام» يا عدية نفسها ، أين قولك؟! (أي في رثائها لزوجها عبد الله) :

فآليت لا تنفك عيني حزينة

عليك ولا ينفك جلدي أصفرا

فقالت : لم أقل هكذا ، وبكت ، وعادت إلى حزنها.

فقال له عمر : يا أبا الحسن ، ما أردت إلا إفسادها علي.

أو قال : ما دعاك إلى هذا يا أبا حسن ، كل النساء يفعلن هذا.

فقال : قال الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (١)» (٢).

ونقول :

إن هذا اتهام خطير من عمر ، يوجهه إلى علي أمير المؤمنين ، يتضمن من الطعن في دينه وفي استقامته «عليه‌السلام».

والحقيقة هي : أن ثمة أمورا هامة دعت أمير المؤمنين «عليه‌السلام» إلى هذه المبادرة ، التي نحتمل قويا أنها لم تنقل إلينا بدقة وأمانة.

__________________

(١) الآيتان ٢ و ٣ من سورة الصف.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٨ والإصابة ج ٤ ص ٣٥٧ والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج ٤ ص ٣٦٥ و ٣٦٦ و (ط دار الجيل) ص ١٨٧٨ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٩٨ وكنز العمال ج ١٦ ص ٥٥٣ والفائق في غريب الحديث ج ٣ ص ٢٠٣ وخزانة الأدب ج ١٠ ص ٤٠٥.

١٢٤

ولعل من هذه الأمور :

١ ـ أن عاتكة كانت قد آلت ألا تتزوج بعد عبد الله بن أبي بكر (١).

ولعل متعلق هذا اليمين كان راجحا إذا كانت تعلم أن زواجها سيكون ـ بحكم ظروف معينة ـ سيكون من رجل سوف يؤثر على دينها ، أو على مكانتها ..

٢ ـ إن عاتكة كانت قد أخذت طائفة من مال عبد الله بن أبي بكر ـ أو حديقة أو أرض ـ مقابل أن لا تتزوج أحدا بعده.

فقد روى بسند حسن ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، قال : «كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل تحت عبد الله بن أبي بكر الصديق ، فجعل لها طائفة من ماله على أن لا تتزوج بعده ومات.

فأرسل عمر إلى عاتكة : إنك قد حرمت عليك ما أحل الله لك.

فردي إلى أهله الذي أخذتيه ، وتزوجي ، ففعلت ، فخطبها عمر فنكحها» (٢).

وحكى يحيى بن حاطب رؤيا عن ربيعة بن آمنة بعد موت عبد الله ، وقيل وفاة أبي بكر ، مفادها : أن أبا بكر مات وأن عمر بعث إلى عاتكة.

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٨ ص ٢٣ و (ط دار إحياء التراث) ص ٢٦ والغدير ج ١٠ ص ٣٨ وكنز العمال ج ١٣ ص ٦٣٣ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٨ ص ٢٦٥ والإصابة ج ٨ ص ٢٢٨.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٨ ص ١٩٣ و ١٩٤ و (ط دار صادر) ص ٢٦٥ و ٢٦٦ والإصابة ج ٤ ص ٣٥٧ و (ط دار الكتب العلمية) ج ٨ ص ٢٢٨ ومنتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج ٥ ص ٢٧٩ وكنز العمال ج ١٣ ص ٦٣٣.

١٢٥

ليتزوجها .. وأن منامه قد تحقق فزجره عمر.

قال : «وكانت تحت عبد الله بن أبي بكر ، فأصيب يوم الطائف ، فجعل لها طائفة من ماله على أن لا تنكح بعده» (١).

لكن ما ذكرته الرواية : من أن عاتكة قد ردت المال إلى أهله ، ثم خطبها عمر ، وتزوجها ، غير صحيح.

والصحيح هو : أنها بقيت محتفظة بتلك الأراضي والأموال حتى طالبتها عائشة بها.

فقد روي عن خالد بن سلمة : «إن عاتكة بنت زيد كانت تحت عبد الله بن أبي بكر ، وكان يحبها ، فجعل لها بعض أرضيه على أن لا تزوج بعده ، فتزوجها عمر بن الخطاب ، فأرسلت إليها عائشة : أن ردّي علينا أرضنا» (٢).

وكانت عاتكة قد قالت حين مات عبد الله بن أبي بكر :

آليت (٣) لا تنفك نفسي حزينة

عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

قال : فتزوجها عمر بن الخطاب ، فقالت عائشة :

آليت (٤) لا تنفك عيني قريرة

عليك ولا ينفك جلدي أصفرا

ردي علينا أرضنا (٥).

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٨ ص ١٩٤ و (ط دار صادر) ص ٢٦٥ و ٢٦٦ وكنز العمال ج ١٣ ص ٦٣٣ والإصابة ج ٨ ص ٢٢٨.

(٢) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٨ ص ١٩٤ و (ط دار صادر) ص ٢٦٦.

(٣) الصحيح : فآليت.

(٤) الصحيح : فآليت.

(٥) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٨ ص ١٩٤ و (ط دار صادر) ص ٢٦٦.

١٢٦

٣ ـ روى ابن سور ، عن عفان بن مسلم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد : أن عاتكة بنت زيد كانت تحت عبد الله بن أبي بكر ، فمات عنها ، واشترط عليها أن لا تزوج بعده ، فتبتلت ، وجعلت لا تزوج ، وجعل الرجال يخطبونها ، وجعلت تأبى ، فقال عمر لوليها : اذكرني لها.

فذكره لها ، فأبت عمر أيضا.

فقال عمر : زوجنيها. فزوجه إياها.

فأتاها عمر ، فدخل عليها ، فعاركها حتى غلبها على نفسها ، فنكحها ، فلما فرغ قال : أف ، أف ، أف. أفف بها. ثم خرج من عندها ، وتركها لا يأتيها.

فأرسلت إليه مولاة لها : أن تعال ، فإني سأتهيأ لك (١).

وهذه الرواية على جانب كبير من الأهمية ، حيث تضمنت : إتهاما خطيرا للخليفة الثاني عمر بن الخطاب بأحد أمرين :

إما الجهل الذريع أحكام الله ، الذي أوقعه في وطء الشبهة .. ويتبع ذلك اتهام الصحابة بذلك ، حيث سكتوا جميعا عن عمله هذا ، باستثناء علي أمير المؤمنين «عليه‌السلام» ، إما جهلا منهم بالحكم ، وإما ممالأة له ، خوفا ورهبة منه.

وإما أنه كان يعلم بالحكم ، وقد أقدم على مخالفته ، وارتكاب جريمة الزنى. وهذا أمر خطير بالنسبة لخليفة لمسلمين ، الذي يتلقى الناس أفعاله

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج ٨ ص ١٩٤ و (ط دار صادر) ص ٢٦٥ وكنز العمال ج ١٣ ص ٦٣٣ ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج ٥ ص ٢٧٩ والغدير ج ١٠ ص ٣٨.

١٢٧

بالرضا والقبول والتسليم ، ويأخذونها عنه على أنها موافقة لشرع الله تبارك وتعالى .. ويتبع ذلك إلقاء قدر كبير من اللوم على الصحابة الذين سكتوا ولم يعلنوا بالنكير عليه ..

وأما محاولة الإيحاء بسلامة تصرفه هذا من خلال تصريح الرواية : بأنه أمر وليها بأن يزوجه إياها ، ففعل فلذلك جاءها عمر فعاركها حتى غلبها على نفسها ، فنكحها ، فيكون قد فعل ذلك بمن هي زوجته شرعا ..

فيجاب عنها : بأنهم قد صرحوا : بأنه ليس للولي أن يزوج المرأة الثيب بدون إذنها. ولا بد في إذنها من تصريحها بالرضا. ولو فعل ذلك ، فإن رفضت بطل العقد (١).

والمفروض : أن عاتكة قد رفضت قبل العقد وبعده ، حتى لقد اضطر عمر إلى العراك معها حتى غلبها على نفسها. فكيف يمكن تصحيح هذا العقد ، أو الحكم بمشروعية هذا الوطء؟!

__________________

(١) راجع : الفقه على المذاهب الأربعة ج ٤ ص ٣٠ حتى ٣٧ وراجع : حاشية الدسوقي ج ٢ ص ٢٢٧ والمجموع للنووي ج ١٦ ص ١٦٥ و ١٧٠ وبدائع الصنائع ج ٢ ص ٢٤٤ ونيل الأوطار ج ٦ ص ٢٥٢ و ٢٥٣ وصحيح البخاري ج ٨ ص ٦٣ وعمدة القاري ج ٢٠ ص ١٢٨ وكتاب الأم للشافعي ج ٥ ص ٢٠ والجوهر النقي ج ٧ ص ١١٥ و ١١٦ والمحلى ج ٩ ص ٤٥٩ ومعرفة السنن والآثار ج ٥ ص ٢٤١ والإستذكار ج ٥ ص ٣٩٨ و ٤٠٢ والتمهيد ج ١٩ ص ٧٩ و ١٠٠ و ٣١٨ والكافي لابن عبد البر ص ٢٣٢ وفيض القدير ج ١ ص ٧٦ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٢٧٩ والآحاد والمثاني ج ٤ ص ٣٨٦ والجامع الصغير ج ١ ص ٧.

١٢٨

علي عليه‌السلام يخطب عاتكة ، والحسين عليه‌السلام يتزوجها :

وزعموا : أن عاتكة تزوجت بعدة أشخاص كلهم مات عنها ، تزوجها زيد بن الخطاب فقتل باليمامة. فتزوجها عمر فقتل ، ثم الزبير فقتل.

وزعموا أيضا : أن عليا «عليه‌السلام» خطبها بعد موت الزبير ، فقالت : إني لأضن بك عن القتل ..

أو قالت : يا أمير المؤمنين ، أنت بقية الناس ، وسيد المسلمين ، وإني أنفس بك عن الموت ، فلم يتزوجها (١).

بل لقد قالوا أيضا : إن الحسين «عليه‌السلام» قد خطبها ، وتزوجها ، بعد الزبير ، فقتل عنها ، فرثته كما رثت عبد الله بن أبي بكر ، وعمر بن الخطاب والزبير ، فقالت :

واحسينا ولا نسيت حسينا

أقصدته أسنة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعا

جادت المزن في ذرى كربلاء (٢)

__________________

(١) الإصابة ج ٤ ص ٣٥٧ و (ط دار الكتب العلمية) ج ٨ ص ٢٢٧ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٤ ص ٣٦٦ و (ط دار الجيل) ١٨٧٦ ـ ١٨٨٠ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٩٩ والدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص ٣٢١ والبداية والنهاية ج ٨ ص ٦٤ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٦ ص ٣٨٩ وراجع ص ٢٦ ج ٧ ص ١٥٧ والأعلام ج ٣ ص ٢٤٢ وراجع : المعارف لابن قتيبة ص ٢٤٦ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ١١٢ وأنساب الأشراف ص ٢٦٠ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٣.

(٢) راجع : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص ٣٢١ و ٣٢٢ ومعجم البلدان للحموي ج ٤ ص ٤٤٥ وشرح إحقاق الحق ج ٢٧ ص ٤٩١ وراجع : الإستيعاب ـ

١٢٩

ويقولون : إن مروان خطبها بعد الحسين «عليه‌السلام» ، فقالت : ما كنت متخذة حما بعد رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

بل لقد زعموا : أن عمر قال : من أراد الشهادة ، فليتزوج عاتكة (٢).

ونقول :

إن ذلك لا يصح ، فلاحظ ما يلي :

أولا : بالنسبة لما نسبوه إلى عمر من أنه قال : من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة .. نلاحظ : أنه لم يكن قد مات عن عاتكة إلا عبد الله بن أبي بكر ، أما زيد بن الخطاب ، فيشك في أن يكون قد تزوجها من الأساس (٣).

فما معنى أن يقول عمر : من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة؟!

ثانيا : إن زواجها بالحسين بن علي «عليهما‌السلام» ، واستشهاده عنها ، ثم رثاءها إياه ، ثم خطبة مروان لها بعده ، يقتضي : أن تكون قد عاشت إلى ما بعد سنة ستين أو إحدى وستين. مع أن هناك من يصرح : بأنها قد ماتت في

__________________

ـ ج ٤ ص ١٨٨٠ وراجع : الوافي بالوفيات ج ١٦ ص ٣١٩.

(١) راجع : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص ٣٢١ و ٣٢٢ وعن تذكرة الخواص ص ١٤٨.

(٢) الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص ٣٢١ وراجع : الطبقات الكبرى ج ٣ ص ١١٢ والوافي بالوفيات ج ١٦ ص ٣١٩ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٨٣.

(٣) الإصابة ج ٤ ص ٣٥٧ والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٤ ص ٣٦٥ و (ط دار الجيل) ص ١٨٧٨ وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٩٨. وراجع أغلب المصادر المتقدمة فإنها ذكرت أن عمر تزوج عاتكة بعد عبد الله بن أبي بكر ، إضافة إلى روايات استفتاء علي «عليه‌السلام» في أمر زواجها بعمر.

١٣٠

أوائل خلافة معاوية ، أي في سنة اثنتين وأربعين للهجرة (١) ، أي قبل استشهاد الحسين «عليه‌السلام» ، بما يقرب من عشرين سنة.

تزوجها بعد أن استفتى عليا عليه‌السلام :

وقالوا : «إن عمر استفتى عليا «عليه‌السلام» في أمر عاتكة ، فأفتاه : بأن تردّ الحديقة لورثة عبد الله بن أبي بكر ، وتتزوج ، ففعلت ، وتزوجها عمر ، فذكرّها علي «عليه‌السلام» بقولها :

آليت لا تنفك نفسي حزينة

عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

ثم قال : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) (٢)» (٣).

ونقول :

إن من الواضح : أن موقف علي «عليه‌السلام» من عاتكة ، وقراءته للآية الكريمة : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) يدل على : أنه يرى أن ما فعلته كان أمرا بالغ السوء ، وأنه مما يمقته الله تعالى ، وهذا لا ينسجم مع القول : بأنه «عليه‌السلام» قد أفتى لها بجواز ذلك ، إذا ردت الحديقة إلى ورثة زوجها عبد الله بن أبي بكر. فإن الله لا يمقت من يفعل الحلال ، فضلا عن أن يكون ذلك من المقت الكبير عند الله تعالى.

يضاف إلى ذلك : أنه لم يأمرها بالتكفير عن قسمها ، ولا أشار في تلك

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٨ ص ٢٦.

(٢) الآية ٣ من سورة الصف.

(٣) راجع : الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ص ٣٢١ وراجع : أسد الغابة ج ٥ ص ٤٩٨ وكنز العمال ج ١٦ ص ٥٥٣ ، وفيه أن عاتكة هي التي استفتته.

١٣١

الفتوى إلى هذا القسم بشيء!!

عمر مغرم بالنساء :

وقد ذكرنا في بعض فصول هذا الكتاب : أن عمر بن الخطاب كان مغرما بالنساء بشكل غير مألوف ، وقد قال محمد بن سيرين : إن عمر قال : ما بقي فيّ شيء من أمر الجاهلية إلا أني لست أبالي أي الناس نكحت ، وأيهم أنكحت (١).

وقد أتى جارية له ، فقالت : إني حائض ، فوقع بها فوجدها حائضا ، فأتى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأخبره ، فقال : يغفر الله لك يا أبا حفص! تصدق بنصف دينار (٢).

وهو الذي نزل فيه قوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ..) (٣) ، وذلك أنه قبل حلية الرفث إلى النساء ليلة الصيام ، واقع أهله في إحدى الليالي ، ثم غدا على رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، فأخبره.

__________________

(١) راجع : كنز العمال ج ١٦ ص ٥٣٤ والمصنف للصنعاني ج ٦ ص ١٥٢ والطبقات الكبرى ج ٣ ص ٢٨٩ والغدير ج ١٠ ص ٣٧ والمصنف لابن أبي شيبة ج ٣ ص ٤٣٣ و ٤٦٦.

(٢) راجع : المحلى ج ٢ ص ١٨٨ وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٢١٣ وكنز العمال ج ١٦ ص ٥٦٦ والسنن الكبرى للبيهقي ج ١ ص ٣١٦ والغدير ج ١٠ ص ٣٧ وبغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ص ٤٦.

(٣) الآية ١٧٨ من سورة البقرة.

١٣٢

فقال له «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لم تكن حقيقا بذلك يا عمر» ، فنزلت الآية» (١).

والكلام حول هذا الموضوع يطول ، فالإكتفاء بهذه الإشارة أولى وأجمل ، إن شاء الله تعالى ..

في الطريق من الطائف إلى الجعرانة :

قالوا : لما دخل ذو القعدة (٢) ، خرج رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الطائف فأخذ على دحنا ، ثم على قرن المنازل ، ثم على نخلة ، ثم خرج إلى الجعرانة ، وهي على عشرة أميال من مكة (٣) ، وقيل : على سبعة أميال من مكة (٤).

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ج ٢ ص ٢١٠ وجامع البيان للطبري ج ٢ ص ٩٦ و (ط دار الفكر) ص ٢٢٥ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٢٢٠ والغدير ج ١٠ ص ٣٨ وتخريج الأحاديث والآثار ج ١ ص ١١٥ والدر المنثور ج ١ ص ١٩٧ وتفسير الآلوسي ج ٢ ص ٦٤.

(٢) البحار ج ٢١ ص ١٨١ ومجمع البيان ج ٥ ص ١٨ و ١٩ و (ط دار الفكر) ص ٣٥ وتفسير الميزان ج ٩ ص ٢٣٢ وتفسير الثعلبي ج ٥ ص ٢٤ وتفسير البغوي ج ٢ ص ٢٧٩ وتفسير القرآن العظيم ج ١ ص ٢٣٥ ومجمع البحرين ج ١ ص ٥٩٠.

(٣) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٩.

(٤) سبل الهدى والرشاد ج ٢ ص ٢٦٢ وج ٥ ص ٣٦٠ ومجمع البحرين ج ٣ ص ٢٤٧ و (ط سنة ١٤٠٨ ه‍) ج ١ ص ٣٧٦ وتارج العروس ج ٦ ص ٢٠١ وكشف اللثام (ط ق) ج ١ ص ٣٠٧ (ط ج) ج ٥ ص ٢١٩ والحدائق الناضرة ج ١٤ ص ٤٥٦ وكشف الغطاء (ط ق) ج ٢ ص ٤٤٨ والمصباح المنير ج ١ ص ١٤١ مادة «جعر».

١٣٣

قال سراقة بن جعشم : لقيت رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» وهو منحدر من الطائف إلى الجعرانة ، فتخلصت إليه ، والناس يمضون أمامه أرسالا ، فوقفت في مقنب من خيل الأنصار ، فجعلوا يقرعونني بالرماح ويقولون : إليك إليك ، ما أنت؟ وأنكروني.

حتى إذا دنوت ، وعرفت أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يسمع صوتي ، أخذت الكتاب الذي كتبه لي أبو بكر ، فجعلته بين إصبعين من أصابعي ، ثم رفعت يدي به ، وناديت : أنا سراقة بن جعشم ، وهذا كتابي.

فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «هذا يوم وفاء وبر ، ادنوه».

فأدنيت منه ، فكأني أنظر إلى ساق رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» في غرزه كأنها الجمارة ، فلما انتهيت إليه سلمت ، وسقت الصدقة إليه ، وما ذكرت شيئا أساله عنه إلا أني قلت : يا رسول الله ، أرأيت الضالة من الإبل تغشى حياضي وقد ملأتها لإبلى هل لي من أجر إن سقيتها؟

قال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «نعم ، في كل ذات كبد حرى أجر».

قال محمد بن عمر : وقد كان رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كتب لسراقة كتاب موادعة ، سأل سراقة إياه ، فأمر به فكتب له أبو بكر ، أو عامر بن فهيرة (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٨٩ وراجع : السيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ١١٤ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٩ والبداية والنهاية ج ٥ ص ١٨ و ٣٤٨ و ٣٥١ والجامع للقيرواني ص ٢٦٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٣٤ والمغازي للواقدي ج ٣ ص ٩٤١ والترتيب الإدارية ج ١ ص ١٢٣ والمعجم الكبير ج ٧ ص ١٥٨ و ١٥٩ ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ٢٧٨ وراجع : أسد الغابة ج ٢ ص ٢٦٥ وإمتاع الأسماع للمقريزي ج ٢ ص ٢٦ و ٢٧.

١٣٤

ونقول :

كتاب سراقة :

وسراقة هو الذي تبع رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» حين الهجرة ، فساخت قوائم فرسه بالأرض ، فطلب من النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» أن يكتب له كتاب أمان ، وهو هذا الكتاب الذي نتحدث عنه.

وقد أظهر النص المتقدم : أن ثمة خلافا حول الشخص الذي كتب الكتاب لسراقة بأمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» .. هل هو أبو بكر ، أو غيره؟!

وقد شكك العلامة الأحمدي «رحمه‌الله» في صحة ما يدّعى : من أن أبا بكر كان من كتّاب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله». إذ لا يوجد أي شاهد على ذلك سوى ما يزعمونه من كتابته لكتاب سراقة الآنف الذكر ، وهذا مشكوك لسببين :

أحدهما : أن ابن عبد ربه ، وغيره لم يذكروا أبا بكر في جملة من كان يحسن الكتابة في صدر الإسلام (١).

الثاني : أنه قد قال جمع : إن الكاتب لهذا الكتاب هو عامر بن فهيرة (٢).

__________________

(١) مكاتيب الرسول ج ١ ص ١٠٦ و ١١٧ وراجع : العقد الفريد ج ٤ ص ١٥٧ و ١٥٨ وراجع : فتوح البلدان ص ٦٦٠ و (ط مكتبة النهضة المصرية) ج ٣ ص ٥٨٣ والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٨ ص ١٢٠ و ١٩٩ و.

(٢) مكاتيب الرسول ج ١ ص ١٤٦ و ١٦٨ عن المصادر التالية : المصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٣٩٤ والشفاء للقاضي ج ١ ص ٦٨٧ ومسند أحمد ج ٤ ص ١٧٦ والدر ـ

١٣٥

وما ذكر في السيرة الحلبية : أنه «يمكن أن يكون كتب عامر بن فهيرة أولا ، فطلب سراقة أن يكون أبو بكر هو الذي يكتب ، فأمره «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بكتابة ذلك (١).

فأحدهما كتب في الرقعة من الأدم ، والآخر كتب في العظم أو الخرقة.

ولا يخفى بعد ما في هذا التأويل ، مع عدم الدليل على ذلك».

بل لو صح هذا لتناقله الناس ، ورووه لنا ، لأن الإصرار على أن يكون ابا بكر هو الكاتب للكتاب أمر لافت للنظر.

__________________

ـ المنثور ج ٣ ص ٢٤٤ عن عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق الزهري عن عروة عن عائشة. وراجع :

البخاري ج ٥ ص ٧٦ والمستدرك للحاكم ج ٣ ص ٧ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٨٥ وج ٥ ص ٣٤٨ وراجع : فتح الباري ج ٧ ص ١٨٨ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٤٨ وعمدة القاري ج ١٧ ص ٤٨ والتراتيب الإدارية ج ١ ص ١٢٣ والمعجم الكبير للطبراني ج ٧ ص ١٥٧ و (ط دار إحياء التراث) ص ١٣٣. وراجع : تاريخ مدينة دمشق ج ٤ ص ٣٤٢ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج ٥ ص ٣٧٠ و ٣٧٣ وإمتاع الأسماع ج ١ ص ٦٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ٦٨٥ و ٦٩١ وسبل الهدى والرشاد ج ٣ ص ٢٤٨ وج ٥ ص ٣٨٩ وج ١١ ص ٣٨٥ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ٢٢٠ وصحيح ابن حبان ج ١٤ ص ١٨٦ والثقات ج ١ ص ١٢٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ١ ص ٣٢٦.

(١) مكاتيب الرسول ج ١ ص ١٤٦ عن الحلبي ، وراجع : السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج ٢ ص ٢٢٠.

١٣٦

الإقتصاص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

عن أبي رهم الغفاري قال : بينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يسير وأنا إلى جنبه ، وعليّ نعلان غليظان ، إذ زحمت ناقتي ناقة رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ويقع حرف نعلي على ساق رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» فأوجعته ، فقال رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «أوجعتني أخر رجلك» ، وقرع رجلي بالسوط.

فأخذني ما تقدم من أمري وما تأخر ، وخشيت أن ينزل فيّ قرآن لعظم ما صنعت.

فلما أصبحنا بالجعرانة ، خرجت أرعى الظهر وما هو يومي ، فرقا أن يأتي رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ورسول الله يطلبني ، فلما روّحت الركاب سألت.

فقيل لي : طلبك رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله».

فقلت : إحداهن والله ، فجئت وأنا أترقب.

فقال : «إنك أوجعتني برجلك ، فقرعتك بالسوط فأوجعتك ، فخذ هذه الغنم عوضا عن ضربي».

قال أبو رهم : فرضاه عني كان أحب إليّ من الدنيا وما فيها.

وقال : فأعطاني ثمانين نعجة بالضربة التي ضربني (١).

__________________

(١) سبل الهدى والرشاد ج ٥ ص ٣٩٠ عن الواقدي ، وابن إسحاق ، وراجع : مكارم الأخلاق لابن ابي الدنيا ص ١٢٣ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٣٦٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٤٠٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ٦٧٢ والطبقات الكبرى لابن سعد ج ٤ ص ٢٤٤.

١٣٧

ونقول :

١ ـ كيف يصح هذا وهم يقولون : إن أبارهم الغفاري لم يحضر غزوة الفتح ، وحنين والطائف ؛ لأن النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» كان قد استخلفه على المدينة ، فلم يزل بها حتى انصرف رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» من الطائف (١). فإما أن يكون المقصود أبارهم آخر ، وتكون كلمة «الغفاري» مقحمة من الرواة ، جريا على عادتهم في إضافة توضيحات ، بالاستناد إلى ما هو مرتكز في أذهانهم.

أو تكون هذه الرواية مكذوبة من الأساس.

أو يقال : إن أبارهم لم يتول المدينة في مناسبة الفتح. بل تولاها رجل آخر حسبما تقدم.

٢ ـ إن إعطاء النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» لأبي رهم ثمانين نعجة بالضربة التي ضربه إياها يثير أسئلة عديدة ، حيث يقال : إذا كان قد أعطاه هذه النعاج. لأجل إبراء ذمته من ضربته ، فكيف يبادر النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» إلى إعطاء عوض بهذا الحجم؟!

وهل كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يضرب الناس بالإستناد إلى ردة فعل لا شعورية ، غير مدروسة ، ولا خاضعة لضابطة؟!

وإذا كان ذلك الرجل قد أوجع النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ولم يكن

__________________

(١) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج ٤ ص ٦٩ و (ط دار الجيل) ج ٣ ص ١٣٢٧ وراجع : الإصابة ج ٤ ص ٧١ وتاريخ خليفة بن خياط ص ٦٠ والبحار ج ٢٨ ص ١٧٠ والوافي بالوفيات ج ٢٤ ص ٢٧٠ وأسد الغابة ج ٥ ص ١٩٧.

١٣٨

لدى النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» سبيل إلى التخلص من معرته إلا بقرعه بالسوط ، فما هو الضير في ذلك؟! شرط أن يبقى في الحدود المسموح بها شرعا وهي إشعار ذلك الرجل : بأن عليه أن يلتفت إلى نفسه ، ولا يؤذي الآخرين ..

٣ ـ بالنسبة لتخوف أبي رهم من نزول القرآن فيه نقول :

إننا لم نجد مبررا لهذا التخوف ، فإن القضية لا تعدو أن تكون أمرا غير مقصود لا يؤاخذ الله عليه ، فكيف إذا كان قد أوجب لهم الضيق والألم حين ظهر لهم وعرفوه؟! إن الله تعالى أكرم وأحلم وأرحم مما يظنون ..

إنفراج السدرة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ويقولون : بينا رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يسير ليلا ، بواد بقرب الطائف ، وذلك حين منصرفه عنها ، إذ غشي سدرة في سواد الليل ، وهو في وسن النوم ، فانفرجت السدرة له نصفين ، فمر رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» بين نصفيها ، وبقيت منفرجة على حالها (١).

ونقول :

بديهي : أن المعجزات والكرامات كانت تحدث وفق خطة إلهية هادفة ، ولم تكن مجرد هبات تأتي على غير انتظار ، ومن دون وجه مصلحة ، بل المصلحة كانت هي المحور الأساس لها ..

ويلاحظ : أنه كلما كان النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله» يريد ان يقدم على أمر

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١١٩ و (ط دار المعرفة) ص ٨٣ والبحار ج ١٧ ص ٣٧٥ ومستدرك سفينة البحار ج ٥ ص ٨ وإعلام الورى ج ١ ص ٨٨.

١٣٩

حساس وكبير ، ربما تأخذ الناس الشبهات والأوهام فيه يمينا وشمالا ، أو كلما أراد أن يعالج أمرا يشكّل خطرا على إيمان الناس ، فإنك تجد المعجزة أو الكرامة تظهر لهم ، وتضبط حركتهم ، وتعطيهم السكينة والطمأنينة ، وتعيدهم على حالة التوازن ، وهي من مظاهر رحمة الله تعالى بهم.

وقضية السدرة التي انفرجت لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» تأتي في هذا السياق. فهي أمر صنعه الله تعالى لنبيه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، لكي تتهيأ القلوب لتقبّل الإجراء الذي سيتخذه في أمر الغنائم ، فلا يعطي منها الأنصار ، ويخص بها المؤلفة قلوبهم. فإنه أجراء سيكون قاسيا على المسلمين ، الذين يرون أنهم أحق بها من كل أحد ، لأنهم تحملوا أعباء الأسفار ، ولاقوا الأهوال والأخطار في حروب أثارها ضدهم نفس هؤلاء الذين يأخذون غنائمها الآن ، كما تؤخذ الغنيمة الباردة.

فإذا رأى هؤلاء هذه المعجزة لرسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، ثم بقيت آثارها ماثلة أمامهم ، ويرونها بأعينهم ، ويتحسسونها بكل جوارحهم ، فإن ذلك سيسهل عليهم قبول ذلك القرار الذي سيكون في غاية الصعوبة عليهم ، حيث سيشعرون في أجواء هذه المعجزة أنه ليس قرارا من شخص الرسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، بقدر ما هو قرار إلهي حكيم ، وإن لم يعرفوا وجه الحكمة فيه ..

٢ ـ إن ما ذكرته الرواية : من انه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» قد اقتحم السدرة وهو في وسن النوم مما لا يمكن قبوله .. فإن قائل ذلك إنما يتحدث عن حدس وتخمين ، لا عن حس ويقين .. فإن المفروض : أنهم يسيرون في ظلمة الليل ، فكيف رأى ذلك الشخص هذا الوسن في عين رسول الله «صلى الله

١٤٠