الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: ٢٠٩

جعل يطلب شربة من ماء البئر فلم يسق ، ثم أدخلوه سرباً وجصصوا عليه ، فأصبح ميتاً ، وأشهدوا عليه جماعة من الأعيان أنه مات وليس به أثر (١).

ما قاله الإمام العسكري بعد هلاك المعتز :

حينما قتل المعتز خرج توقيع من الإمام العسكري عليه‌السلام يؤكد عزم المعتز على قتل الإمام عليه‌السلام قبل أن يُولَد له ، وفي ذلك دلالة واضحة على اعتقاد بني العباس بأن المولود هو صاحب الزمان عليه‌السلام الذي يقصم الجبّارين ويقيم دولة الحق.

عن أحمد بن محمد بن عبد الله ، قال : « خرج عن أبي محمد عليه‌السلام حين قتل الزبيري : هذا جزاء من اجترأ على الله في أوليائه ، يزعم أنه يقتلني وليس لي عقب ، فكيف رأى قدرة الله فيه ؟ وولد له ولد سمّاه محمداً ... » (٢).

خامساً ـ المهتدي ( ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ه‍ )

هو محمد بن الواثق بن المعتصم ، بويع بالخلافة في رجب سنة ٢٥٥ ه‍ ، وقد نقل المؤرخون في ترجمته أنه كان من أحسن خلفاء بني العباس مذهباً ، وأجودهم طريقة ، وأكثرهم ورعاً وعبادة وزهادة ، وأنه اطّرح الغناء والشراب ، ومنع أصحاب السلطان من الظلم ، وكان يجلس للمظالم ، ويتقلّل في مأكوله وملبوسه (٣).

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٦ : ٢٠٠ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٣ ، البداية والنهاية ١١ : ١٦ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٣.

(٢) أصول الكافي ١ : ٣٢٩ / ٥ ـ باب الاشارة والنص إلى صاحب الدار عليه‌السلام ، إكمال الدين : ٤٣٠ / ٣ ـ باب ٤٢.

(٣) راجع : تاريخ الخلفاء / السيوطي : ٢٨١ ، الكامل في التاريخ ٦ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ،

٨١

وهو بهذا التصرف استطاع الترفع على سيرة أسلافه العباسيين المعروفين بالترف والاسراف والمجون ومعاقرة الخمور وغيرها من مظاهر الانحراف ، لكن ثمة فرقاً بين السيرة الصالحة التي تكون واعزاً للحق والعدل والانصاف وتمنع صاحبها عن الظلم والجور ، والسيرة التي يفتعلها صاحبها أو يتصنّعها لأجل الخروج عن الاطار الشكلي الحاكم على الخلفاء المتقدمين ، وقد صرح بعض المؤرخين بأن المهتدي كان يتشبّه بعمر بن عبد العزيز (١) ، والتشبه غير التطبّع.

ونقل آخر عنه أنه قال لأحد جلسائه حين سأله عما هو فيه من التقشف في الأكل ، فقال : « انّي فكرت في أنه كان في بني اُمية عمر بن عبد العزيز ، وكان من التقلّل والتقشف على ما بلغك ، فغرت على بني هاشم ، فأخذت نفسي بما رأيت » (٢).

فالتزهّد هنا ناتج عن غيرة لا عن طبيعة وفطرة سليمة ، وبنوهاشم هنا خصوص بني العباس لا عمومهم ، لأن فيهم من قال فيه تعالي : ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (٣) وفيهم آل البيت المعصومون عليهم‌السلام ، ويبين ذلك الخصوص في تصريحة بقول آخر : « أما تستحي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز ؟! » (٤) ، فكانوا يطلقون لفظ بني هاشم على العباسيين في مقابل بني

__________________

البداية والنهاية ١١ : ٢٣ ، سير أعلام النبلاء ١٢ : ٥٣٥ ، الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٦.

(١) الفخري في الآداب السلطانية : ٢٤٦.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨١.

(٣) سورة القلم : ٦٨ / ٤.

(٤) `الكامل في التاريخ ٦ : ٢٢٤.

٨٢

اُمية.

ولو كان المهتدي محمود السيرة لخالف أسلافه في التعامل مع الإمام عليه‌السلام وأصحابه وشيعته ، لكنه انتهج نفس أساليبهم ، وكما يلي :

١ ـ مواقفه من الطالبيين :

تعرض نحو عشرين من العلويين للقتل صبراً أو الأسر أو السجن أو الترشيد خلال فترة حكومة المهتدي التي كانت أقلّ من سنة واحدة ، على ما نقله أبو الفرج وحده.

فقد قتل صبراً في أيام المهتدي محمد بن القاسم بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وطاهر بن أحمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقُتل أيضاً الحسين بن محمد بن حمزة بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

وَقَتل أصحاب عبد الله بن عبد العزيز ، يحيى بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد ، قُتل بقرية من قري الري في ولاية عبد الله بن عبد العزيز.

واُسِر محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي ، أسره الحارث بن أسد وحمله إلى المدينة فتوفّي بالصفراء ، فقطع الحارث رجيلة وأخذ قيدين كانا فيهما ورمى بهما.

وقتل جعفر بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ، قتله سعيد الحاجب بالبصرة.

٨٣

وقتل بالسمّ موسى بن عبد الله بن موسى بن عبيد الله بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب ، وكان رجلاً صالحاً ، راوياً للحديث ، قد روي عنه عمر ابن شبّة ، ومحمد بن الحسن بن مسعود الزرقي ، ويحيى بن الحسن بن جعفر العلوي وغيرهم. وكان سعيد الحاجب حمله وحمل ابنه إدريس وابن أخيه محمد ابن يحيى بن عبد الله بن موسى ، وأبا الطاهر أحمد بن زيد بن الحسين بن عيسىٰ ابن زيد بن علي بن الحسين ، إلى العراق ، فعارضه بنو فزارة بالحاجز ، فأخذوهم من يده فمضوا بهم ، وأبى موسى أن يقبل ذلك منهم ، ورجع مع سعيد الحاجب ، فلما كان بزبالة دسّ إليه سمّاً فقتله (١) وأخذ رأسه وحمله إلى المهتدي في المحرم سنة ٢٥٦ ه‍.

وأُسِرَ عيسىٰ بن إسماعيل بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله ابن جعفر ، أسره عبد الرحمن خليفة أبي الساج بالجار (٢) ، وحمله فمات بالكوفة.

وقُتل محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن أبي الكرام بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، قتله عبد الله بن عزيز بين الري وقزوين.

ومات في الحبس علي بن موسى بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حبسه عيسىٰ بن محمد المخزومي بمكة ، فمات في حبسه. ومات في الحبس أيضاً محمد بن الحسين بن عبد الرحمن بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حمله عبد الله بن عبد العزيز عامل طاهر

__________________

(١) ذكر ذلك المسعودي أيضاً في مروج الذهب ٤ : ٤٢٩ وجعله في زمان المعتز.

(٢) الجار : بلدة على البحر الأحمر.

٨٤

إلى سر من رأى ، وحمل معه علي بن موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فحبسا جميعاً حتى ماتا في الحبس.

وكذلك إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، حبسه محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن المنصور عامل المهتدي على المدينة ، فمات في حبسه ، ودفن في البقيع.

وكذلك عبد الله بن محمد بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن ، حبسه أبو الساج بالمدينة ، فبقي بالحبس إلى ولاية محمد بن أحمد بن المنصور ، ثم توفي في حبسه ، فدفعه إلى أحمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله بن داود بن الحسن فدفنه بالبقيع (١).

ولم تكفّه سيرته الصالحة عن التصدي لشيعة الإمام والنكاية بهم ، بل كان مصداقاً للحقد التقليدي الذي يكنّه أسلافه العباسيون تجاهم ، فقد ذكر السيوطي أنه نفى جعفر بن محمود إلى بغداد ، وكره مكانه ، لأنّه نسب عنده إلى الرفض (٢).

٢ ـ سيرة المهتدي مع الإمام العسكري عليه‌السلام :

حاول ( المهتدي ) العباسي التضييق على الإمام العسكري عليه‌السلام بشتى الوسائل ، وكان عازماً على قتل الإمام عليه‌السلام ، وهناك جملة من الروايات التي تؤيد ذلك :

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٣٥ ـ ٤٣٩.

(٢) تاريخ الخلفاء للسيوطي : ٢٨١.

٨٥

عن أبي هاشم الجعفري ، قال : « كنت محبوساً مع أبي محمد عليه‌السلام في حبس المهتدي ، فقال لي : يا أبا هاشم ، إن هذا الطاغية أراد أن يعبث بأمر الله في هذه الليلة ، وقد بتر الله عمره وجعله للمتولي بعده وليس لي ولد ، وسيرزقني الله ولداً بكرمه ولطفه ، فلما أصبحنا شغبت الأتراك على المهتدي وأعانهم العامة لما عرفوا من قوله بالاعتزال والقدر ، فقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد وبايعوا له ، وكان المهتدي قد صحّح العزم على قتل أبي محمد عليه‌السلام ، فشغله الله بنفسه حتى قُتل ومضى إلى أليم العذاب » (١).

ويبدو أن تاريخ اعتقال الإمام عليه‌السلام في أول حكم المهتدي ، لأنّه عليه‌السلام ذكر في هذا الحديث أنه ليس له ولد وسيرزقه الله ولداً بكرمه ولطفه ، وقد ولد الحجة عليه‌السلام في النصف من شعبان سنة ٢٥٥ ه‍ ، وتولّى المهتدي في أول رجب سنة ٢٥٥ ه‍.

وتتشابه أجواء هذا الحديث وتاريخه مع حديث عيسىٰ بن صبيح (٢) الذي اعتقل مع الإمام عليه‌السلام قال : « دخل الحسن العسكري عليه‌السلام علينا الحبس ، وكنت به عارفاً ... إلى أن قال : قلت : ألك ولد ؟ قال : إي والله ، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، فاما الآن فلا » (٣). فلعلّ الجملة المعترضة في حديث أبي هاشم الجعفري المتقدّم « وليس لي ولد ... » هي جواب للإمام عليه‌السلام عن سؤال

__________________

(١) إثبات الوصية : ٢٥٢ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ، ونحوه في المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٦٣ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٠٥ / ١٧٣ و ٢٢٣ / ١٨٧ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٣ / ٧٩.

(٢) في الفصول المهمة : عيسىٰ بن الفتح.

(٣) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٧ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٧٥ / ٤٨ عن الخرائج والجرائح.

٨٦

عيسى بن صبيح الذي كان معهم في السجن.

وكان قبل ذلك قد تهدّد الإمام عليه‌السلام بالقتل وتوعّد شيعته ، فكتب أحمد بن محمد إلى الإمام العسكري عليه‌السلام حين أخذ المهتدي في قتل الموالي : يا سيدي ، الحمد لله الذي شغله عنّا ، فقد بلغني أنه يتهددك ويقول : والله لأجلينّهم عن جديد الأرض (١). فوقّع عليه‌السلام بخطه : ذلك أقصر لعمره ، عد من يومك هذا خمسة أيام ، ويُقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخاف يمرّ به ، وكان كما قال » عليه‌السلام (٢).

هلاك المهتدي :

لقد تنكّر المهتدي للاتراك ، وعزم على تقديم الأبناء ، فلمّا علموا بذلك استوحشوا منه وأظهروا الطعن عليه ، فأحضر جماعة منهم فضرب أعناقهم ، فاجتمع الأتراك وشغبوا ، فخرج إليهم المهتدي في السلاح ، واستنفر العامة ، وأباحهم دماء الأتراك وأموالهم ونهب منازلهم ، فتكاثر الأتراك عليه ، وافترقت العامة عنه حتى بقي وحده ، فسار إلى دار أحمد بن جميل صاحب الشرطة ، فلحقوه وأخذوه وحملوه على بغل وجراحاته تنطف دماً ، فحبسوه في الجوسق عند أحمد بن خاقان ، وقبّل المهتدي يده مراراً عديدة ، فدعوه إلى أن يخلع نفسه فأبى ، فقالوا : إنّه كتب بخطه رقعة لموسى بن بغا وبابكيال وجماعة من القواد أنه لا يغدر بهم ولا يغتالهم ولا يفتك بهم ولا يهمّ بذلك ، وأنه متى فعل ذلك فهم في

__________________

(١) جديد الأرض : وجهها.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥١٠ / ١٦ ، الإرشاد ٢ : ٣٣٣ ، إعلام الورى ٢ : ١٤٤ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٨ / ٥.

٨٧

حلّ من بيعته والأمر إليهم يُقعِدون من شاءوا.

فاستحلوا بذلك نقض أمره ، فداسوا خصييه وصفعوه وقيل : خلعوا أصابع يديه من كفيّه ورجليه من كعبيه حتى ورمت كفاه وقدماه وفعلوا به غير شيء حتى مات في رجب سنة ٢٥٦ ه‍ (١) ، فكان تنكّره للأتراك أقصر لعمره ، وكان قتله بعد هوان واستخفاف كما قال الإمام عليه‌السلام.

سادساً ـ المعتمد ( ٢٥٦ ـ ٢٧٩ ه‍ )

وهو أحمد بن المتوكل بن المعتصم ، بويع سنة ٢٥٦ ه‍ ، وكان هو وأخوه الموفق طلحة كالشريكين في الخلافة ، فله الخطبة والسكة والتسميّ بامرة المؤمنين ، ولأخيه طلحة الأمر والنهي وقيادة العساكر ومحاربة الأعداء وترتيب الوزراء والامراء ، وكان المعتمد مشغولاً عن ذلك بلذّاته (٢).

١ ـ مواقفه من الطالبيين :

لم تخرج سياسة المعتمد عن إطار السياسة العباسية القاضية بمراقبة أهل البيت عليهم‌السلام ومطاردة شيعتهم والقسوة على الطالبيين ، ففي أيام المعتمد قُتل علي بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي ، قُتل بسرّ من رأى على باب جعفر بن المعتمد ولا يدري من قتله ، وكذلك محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي ، ضَرَب عبد العزيز ابن أبي دلف عنقه صبراً بآبة ، وهي قرية بين قم وساوة.

وقُتل حمزة بن الحسن بن محمد بن جعفر بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله

__________________

(١) راجع : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠٦ ، الكامل في التارخ ٦ : ٢٢١ ـ ٢٢٣.

(٢) الفخري في الآداب السلطانية : ٢٥٠.

٨٨

ابن جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، قتله صلاب التركي صبراً ومثّل به.

وقتل في أيام المعتمد أيضاً إبراهيم ومحمد ابنا الحسن بن علي بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، والحسن بن محمد بن زيد بن عيسىٰ بن زيد الحسين ، وإسماعيل بن عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.

وتوفّي في السجن بسرّ من رأى محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم بن الحسن بن زيد الأكبر بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وتوفي أيضاً في السجن بسرّ من رأى موسى بن موسى بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي ، وكان حمل من مصر في أيام المعتز فبقي إلى هذا الوقت ثم مات ، وحمل سعيد الحاجب محمد بن أحمد بن عيسىٰ بن زيد بن علي ابن الحسين بن علي ، وحمل ابنيه أحمد وعلياً ، فتوفي محمد وابنه أحمد في الحبس.

وحُبس الحسين بن إبراهيم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن ابن زيد بن الحسن بن علي ، حبسه يعقوب بن الليث الصفار لما غلب على نيسابور ، ثمّ حمله معه حين خرج إلى طبرستان ، وتوفي في الطريق رضي‌الله‌عنه.

وتوفي في حبس يعقوب بنيسابور محمد بن عبد الله بن زيد بن عبيد الله بن زيد بن عبد الله بن الحسن بن زيد بن الحسن (١).

وفي سنة ٢٥٨ ه‍ اخرج أحمد بن طولون الطالبيين من مصر إلى المدينة ، ووجه معهم من ينفذهم ، وكان خروجهم في جمادي الآخرة ، وتخلف بعضهم حيث أراد أن يتوجه إلى المغرب ، فأخذه أحمد بن طولون وضربه مائة وخمسين

__________________

(١) مقاتل الطالبيين : ٤٤٠ ـ ٤٤٣.

٨٩

سوطاً وأطافه بالفسطاط (١).

٢ ـ موقفه من الإمام العسكري عليه‌السلام :

وفي زمان المعتمد اعتقل الإمام العسكري عليه‌السلام عدّة مرات ، فقد روي أنه سُلّم إلى نحرير ، وكان يضيق عليه ويؤذيه ، فقالت له امرأته : ويلك اتقي الله ، لا تدري من في منزلك ! وعرّفته صلاحه ، وقالت : إنّي أخاف عليك منه. فقال : لأرمينّه بين السباع ، ثم فعل ذلك به ، فرئي عليه‌السلام قائماً يصلي والسباع حوله (٢).

وحُبس عند علي بن جرين سنة ٢٦٠ ه‍ ، وروي « أنه لما كان في صفر من هذه السنة جعلت اُم أبي محمد عليه‌السلام تخرج في الأحايين إلى خارج المدينة وتجسّ الأخبار ، حتى ورد عليها الخبر حين حبسه المعتمد في يدي علي بن جرين ، وحبس أخاه جعفراً معه ، وكان المعتمد يسأل علياً عن أخباره في كلّ مكان ووقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل ، فسأله يوماً من الأيام عن خبره فأخبره بمثل ذلك ، فقال له : أمضِ الساعة إليه وأقرئه مني السلام ، وقل له : انصرف إلى منزلك ... » إلى آخر الرواية وفيها أنه عليه‌السلام أبى أن يخرج من السجن حتى أخرجوا أخاه معه (٣) ، رغم أن جعفراً كان يسيء إليه ويتربّص به.

وروى ابن حجر الهيتمي وغيره أنه عليه‌السلام أخرج بسبب حادثة الاستسقاء ، قال : « لمّا حبس عليه‌السلام قحط الناس بسرّ من رأى قحطاً شديداً ، فأمر المعتمد بن المتوكل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام فلم يسقوا ، فخرج النصاري ومعهم

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥١٠.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥١٣ / ٢٦ ـ باب مولد أبي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام من كتاب الحجة ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٠٩ / ٧.

(٣) إثبات الوصية : ٢٥٣ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ـ ٣١٤ و ٣٣٠ / ٢.

٩٠

راهب كلما مدّ يده إلى السماء هطلت ، ثمّ في اليوم الثاني كذلك ، فشكّ بعض الجهلة وارتدّ بعضهم ، فشقّ ذلك على المعتمد ، فأمر بإحضار الحسن الخالص عليه‌السلام وقال له : أدرك اُمّة جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يهلكوا. فقال الحسن : يخرجون غداً وأنا أزيل الشكّ إن شاء الله ، وكلّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم.

فلمّا خرج الناس للاستسقاء ، ورفع الراهب يده مع النصاري غيّمت السماء ، فأمر الحسن عليه‌السلام بالقبض على يده ، فإذا فيها عظم آدمي ، فأخذه من يده وقال : استسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك ، فقال المعتمد للحسن عليه‌السلام : ما هذا يا ابا محمد ؟ فقال : هذا عظم نبي ، ظفر به هذا الراهب من بعض القبور ، وما كشف من عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر ، فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ، ورجع الحسن عليه‌السلام إلى داره » (١).

وهكذا كان ديدن الحكام العباسيين مع أهل البيت عليهم‌السلام حينما تضيق بهم السبل وتوصد أمامهم الأبواب ، يضطرون إلى اللجوء نحو معدن العلم وثاني الثقلين وباب حطّة وسفينة نوح ، يلتمسون النجاة مما يهدّد عروشهم ويبدّد عرى دولتهم.

لقد شدّد المعتمد على حصار الإمام عليه‌السلام واعتقاله ، لأنه يعلم أنه الإمام

__________________

(١) الصواعق المحرقة / ابن حجر الهيتمي : ١٢٤ ـ مكتبة القاهرة ـ مصر ـ ١٣٨٥ ه‍ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٥ ـ ١٠٨٧ ، نور الأبصار : ٣٣٧ ، وأخرجه في إحقاق الحق ١٢ : ٤٦٤ و ١٩ : ٦٢٠ و ٦٢٥ و ٢٩ : ٦٤ عن عدة مصادر ، وراجع : الخرائج والجرائح ١ : ٤٤١ / ٢٣ ، المناقب لابن شهرآشوب ٤ : ٤٥٨ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٧٠ / ٣٧.

٩١

الحادي عشر ، وأن ما بعده هو آخر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذي يقضي على دعائم الظلم والجور ، ويطيح بدولة الظالمين ، وينشر العدل والقسط ، لهذا أراد أن يطفئ النور الثاني عشر ، ولكن الله أبي إلا أن يتمّ نوره.

روى الصيمري بالاسناد عن المحمودي ، قال : « رأيت بخطّ أبي محمد عليه‌السلام لما خرج من حبس المعتمد ( يُرِيدُون لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ) » (١).

وذكر نصر بن علي الجهضمي في ( مواليد الأئمة عليهم‌السلام ) أن الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام قال عند ولادة محمد بن الحسن عليه‌السلام : « زعمت الظلمة أنّهم يقتلونني ليقطعوا هذا النسل ، كيف رأوا قدرة القادر ؟ » (٢).

وانتهت قصة صراع الإمام العسكري عليه‌السلام مع خلفاء بني العباس بشهادته مسموماً في الثامن من ربيع الأول سنة ٢٦٠ ه‍ ، على المشهور من الأقوال في وفاته (٣) ، وهو في الثامنة والعشرين أو التاسعة والعشرين من عمره الشريف ، ليبدأ بعد هذا التاريخ فصلاً جديداً من المأساة الكبري على يد المعتمد وجهازه الحاكم لم تزل آثاره باقية ولن تزول إلى أن يأذن الله بفرج وليه القائم المؤمّل والعدل المنتظر عليه‌السلام ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

* * *

__________________

(١) مهج الدعوات : ٣٣٤ ، إثبات الوصية : ٢٥٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٤ ، والآية من سورة الصف : ٦١ / ٨.

(٢) مهج الدعوات : ٣٣٤.

(٣) سنأتي على ذكر الأقوال في الفصل الأخير من هذا كتاب.

٩٢

الفصل الثّالث

الهوية الشخصية للإمام العسكري عليه‌السلام

نسبه عليه‌السلام

هو أبو محمد الحسن العسكري بن علي النقي بن محمد الجواد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد باقر العلم بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط الشهيد بن علي أمير المؤمنين وسيد الوصيين صلوات الله عليهم أجمعين.

نَسَبٌ عليه من شَمْسِ الضُّحىٰ

نورٌ ، ومِنَ فَلَقِ الصَّباحِ عمودُ

اُمّه رضي الله تعالى عنها :

أمّ ولد ، يقال لها سوسن ، وتكنى أمّ الحسن ، وتعرف بالجدّة ، أي جدّة الإمام صاحب الزمان عليه‌السلام ، ولها أسماء اُخرى ، فيقال لها : حُديث ، وحُديثة ، وسليل ، وسمانة ، وشكل النوبية وغيرها (١).

__________________

(١) راجع : أصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، التهذيب / الشيخ الطوسي ٦ : ٩٢ ـ باب ٤٢ من كتاب المزار ، الإرشاد ٢ : ٣١٣ ، إكمال الدين : ٣٠٧ آخر باب ٢٧ خبر اللوح ، إثبات الوصية : ٢٤٤ ، دلائل الإمامة : ٤٢٤ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، روضة

٩٣

ورجّح صاحب عيون المعجزات أن اسمها سليل ، حيث قال : « اسم اُمّه عليه‌السلام ـ على ما رواه أصحاب الحديث ـ سليل ( رضي الله عنها ) وقيل : حديث ، والصحيح سليل ، وكانت من العارفات الصالحات » (١).

ولعلّ ذلك مبني على الحديث الوارد عن المعصوم ، وهو يشيد بفضلها وعفتها وصلاحها ، رواه المسعودي عن العالم عليه‌السلام أنه قال : « لمّا اُدخلت سليل اُمّ أبي محمد على أبي الحسن عليه‌السلام ، قال : سليل مسلولة من الآفات والعاهات والأرجاس والأنجاس » (٢).

وبعثها الإمام العسكري عليه‌السلام إلى الحج سنة ٢٥٩ ه‍ ، وأخبرها عما يناله سنة٦٠ ، فأظهرت الجزع وبكت ، فقال عليه‌السلام : « لابد من وقوع أمر الله فلا تجزعي » وفي صفر سنة ٢٦٠ ه‍ كانت في المدينة ، فجعلت تخرج إلى خارجها تتجسّس الأخبار وقد أخذها الحزن والقلق (٣).

وحينما اتصل بها خبر شهادة الإمام عليه‌السلام عادت إلى سامراء ، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إياها بالميراث ، وسعايته

__________________

الواعظين : ٢٥١ ، تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام / ابن الخشاب : ١٩٩ ـ مطبوع ضمن مجموعة نفيسة ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، تذكرة الخواص : ٣٢٤ ، كشف الغمة ٣ : ٢٧١ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، تاج المواليد : ١٣٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٥ / ٢ ، ٢٣٦ / ٥ و ٧ ، ٢٣٨ / ١١.

(١) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ١١.

(٢) إثبات الوصية : ٢٤٤.

(٣) راجع : إثبات الوصية : ٢٥٣ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٣ ، ٣٣٠ / ٢.

٩٤

بها إلى سلطان ، وكشف ما أمر الله عزوجل ستره (١).

وتوفيت في سامراء وكانت قد أوصت أن تدفن في الدار إلى جنب ولدها الإمام العسكري عليه‌السلام ، فنازعهم جعفر وقال : الدار داري لا تدفن فيها (٢).

ولادته : عليه‌السلام

ولد الإمام العسكري عليه‌السلام يوم الجمعة الثامن من شهر ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه‍ في مدينة جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو القول المشهور في ولادته عليه‌السلام (٣).

ويؤيد ما رواه الطبري الإمامي بالاسناد عن الإمام العسكري عليه‌السلام ، أنه قال : « كان مولدي في ربيع الآخر سنة ٢٣٢ من الهجرة » (٤).

ووقع اختلاف في تاريخ الولادة ومكانها ، فقيل : سنة ٢٣٠ ه‍ ، أو ٢٣١ ، أو ٢٣٣ ، وقيل : في شهر رمضان من سنة ٢٣٢ ه‍ ، وقيل : يوم الاثنين الرابع من

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٧٤ / ٢٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٣١ / ٣.

(٢) إكمال الدين : ٤٤٢ / ١٥.

(٣) إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٧٩ ، نور الأبصار : ٣٣٨ ، روضة الواعظين / ابن الفتال : ٢٥١ ـ منشورات الرضي ـ قم ، وذكرت سنة الولادة مع الشهر في المصادر التالية : اُصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، والارشاد ٢ : ٣١٣ ، والتهذيب للشيخ الطوسي ٦ : ٩٢ ـ باب ٤٢ من كتاب المزار ـ دار الكتب الاسلامية ـ طهران ، واقتصر كثيرون على ذكر السنة ، ومنهم ابن الأثير في الكامل ٦ : ٢٥٠ ـ آخر حوادث سنة ٢٦٠ ه‍ ، وابن خلكان في الوفيات ٢ : ٩٤ ـ منشورات الرضي ـ قم ، وابن حجر في الصواعق المحرقة : ١٢٤ ، والسويدي في سبائك الذهب : ٣٤٢ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٣ / ٣٨٤.

٩٥

شهر ربيع الآخر ، أو السادس ، أو العاشر ، من سنة ٢٣٢ ه‍ ، وقيل : في السادس من شهر ربيع الأول ، أو الثامن منه (١).

وذكر الشيخ الحرّ العاملي أهمّ هذه الأقوال في بيتين من منظومته ، أشار فيهما إلى المشهور من الأقوال ، يقول :

مولده شهـر ربيع الآخر

وذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين وقيل الرابعُ

وقيل في الثامـن وهو الشائعُ (٢)

هذا من حيث تاريخ الولادة ، أما من حيث مكانها فقد ذكر بعضهم أنه ولد عليه‌السلام في سامراء سنة ٢٣١ ه‍ (٣) ، أو في ربيع الآخر سنة ٢٣٢ (٤) ، وهذا لا يصح لأنّ الثابت في التاريخ أنّ المتوكل هو الذي استدعى الإمام أبا الحسن الهادي عليه‌السلام إلى سامراء ، وقد تولّى المتوكل ملك بني العباس في ذي الحجة سنة

__________________

(١) راجع : أصول الكافي ١ : ٥٠٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، دلائل الإمامة : ٤٢٣ ، الهداية الكبري / الخصيبي : ٣٢٧ ـ مؤسسة البلاغ ـ بيروت ـ ١٤٠٦ ه‍ ، روضة الواعضين : ٢٥١ ، الأئمة الاثنا عشر لابن طولون : ١١٣ ، مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ـ طبعة اسماعيليان ـ قم ، المنتظم / ابن الجوزي ١٢ : ١٥٨ ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، تذكرة الخواص : ٣٢٤ ، تاريخ أهل البيت لكبار المحدثين والمؤرخين : ٨٧ ـ مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام ـ ١٤١٠ ه‍ ، الانساب / للسمعاني ٤ : ١٩٤ ـ دار الجنان ـ بيروت ، احقاق الحق / للتستري بشرح السيد المرعشي ٢٩ : ٥٩ عن تاريخ الأحمدي ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٦ ـ ٢٣٨.

(٢) الأنوار البهية / الشيخ عباس القمي : ٢٥٠ ـ نشر الشريف الرضي ـ قم.

(٣) تذكرة الخواص : ٣٢٤.

(٤) روضة الواعظين : ٢٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٦ / ٥.

٩٦

٢٣٢ ه‍ ، فكيف تكون ولادة الإمام العسكري عليه‌السلام في سامراء سنة ٢٣١ ه‍ أو في ربيع الآخر سنة ٢٣٢ ه‍ ، وكلا التاريخين في زمان الواثق ، وهو عليه‌السلام لمّا يزل في المدينة.

ويعارض هذا أيضاً ما قدّمناه في الفصل الثاني من أنه عليه‌السلام غادر المدينة مع أبيه عليه‌السلام سنة ٢٣٦ ه‍ على رواية المسعودي ، أو سنة ٢٣٣ ه‍ على رواية الطبري ، أو سنة ٢٤٣ ه‍ على رواية الشيخ المفيد ، أو سنة ٢٣٤ ه‍ على ما حققه بعض الباحثين.

ولدينا بعض الأحاديث الصريحة بولادته في المدينة منها حديث أبي حمزة نصير الخادم (١) ، وحديث أحمد بن عيسىٰ العلوي الذي يصرح برؤيته بصريا وهي قرية على ثلاثة أميال من المدينة (٢) ، كما نصّ المؤرخون والمحدثون الذين قدمنا ذكرهم في ولادته على أنه عليه‌السلام ولد في المدينة ومنهم : الشيخ المفيد ، والشيخ الطوسي ، وابن الفتال ، وابن الصباغ ، والشبلنجي ، والكنجي ، والسويدي وغيرهم (٣) ، وقال ياقوت : « ولد بالمدينة ونقل إلى سامراء » (٤).

ألقابه : عليه‌السلام

أشهر ألقاب الإمام أبي محمد عليه‌السلام هو العسكري ، وقد اُطلق عليه وعلى

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٥٠٩ / ١١ ـ باب ميلاد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٣١ ، إثبات الوصية : ٢٥١ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٣٦ / ٨١٤ ، إعلام الورى ١ : ١٤٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٦٨ / ٢٨.

(٢) الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٩٩ / ١٦٥.

(٣) راجع : إحقاق الحق ١٢ : ٤٥٨ ، ١٩ : ٦١٩ ، ٢٩ : ٥٩ عن عدة مصادر.

(٤) معجم البلدان ـ المجلد الثالث : ٣٢٨ ـ عسكر سامراء.

٩٧

أبيه عليه‌السلام ، لأنهما سكنا عسكر المعتصم الذي بناه لجيشه ، وهو اسم سرّ من رأى (١).

وقيل : هو اسم محلّة في سامراء ، قال الشيخ الصدوق : سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون : إنّ المحلّة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن ابن علي عليه‌السلام بسرّ من رأى كانت تسمّى عسكر ، فلذلك قيل لكلّ واحدٍ منهما العسكري (٢).

وكان هو وأبوه وجده عليه‌السلام يعرف كلّ منهم في زمانه بابن الرضا (٣).

وهناك ألقاب اُخرى تطلق على الإمام العسكري عليه‌السلام وفي كلّ منها دلالة علي كمال من كمالاته أو مظهر من مظاهر شخصيته ، منها : الخالص ، الشافي ، الزكي ، المرضي ، الصامت ، الهادي ، الرفيق ، النقي ، المضيء ، المهتدي ، السراج ، وغيرها (٤) من الألقاب التي تحكي مكارم أخلاقه وخصائصه السامية وصفاته الزكية.

__________________

(١) راجع : الانساب / للسمعاني ٤ : ١٩٤ ـ ١٩٦ ، معجم البلدان ـ المجلد الثالث : ٣٢٨ ، القاموس المحيط / الفيروز آبادي ـ عسكر ـ ٢ : ٩٢ ـ دار الجيل ـ بيروت ، الأئمة الاثنا عشر / لابن طولون : ١١٣.

(٢) علل الشرائع / الصدوق ١ : ٢٣٠ ـ باب ١٧٦ ، معاني الأخبار / الصدوق : ٦٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ١١٣ / ١ و ٢٣٥ / ١.

(٣) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، إعلام الورى ٢ : ١٣١ ، مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٠ ، إكمال الدين : ٣٠٧ باب ٢٧ ، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام : ١٤٢ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨.

٩٨

كنيته عليه‌السلام :

اشتهر الإمام العسكري عليه‌السلام بكنية واحدة عرف بها عند سائر المؤرخين والمحدثين ، هي أبو محمد ، وذكر الطبري الامامي أنه عليه‌السلام يكني أيضاً أبا الحسن (١) ولم أجده في غيره ، بل هي كنية أبيه عليه‌السلام.

حليته عليه‌السلام :

وصفه أحد معاصريه من رجال البلاط العباسي ، وهو أحمد بن عبيد الله بن خاقان (٢) بقوله : « انه أسمر أعين ـ أي واسع العين ـ حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، له جلالة وهيئة حسنة » (٣).

وقال ابن الصباغ : « صفته بين السمرة والبياض » (٤).

وجاء في صفة لباسه : « أنه كان يلبس ثياباً بيضاء ناعمة ، ويلبس مسحاً أسود خشناً على جلده ، ويقول : هذا لله ، وهذا لكم » (٥).

__________________

(١) دلائل الإمامة : ٤٢٤.

(٢) ترجم له النجاشي في رجاله : ٨٧ / ٢١٣ وقال : ذكره أصحابنا في المصنفين ، وأن له كتاباً يصف فيه سيدنا أبا محمد عليه‌السلام ، ولم أر هذا الكتاب ، وقال الشيخ الطوسي : له مجلس يصف فيه أبا محمد الحسن بن علي عليه‌السلام ، أخبرنا به ابن أبي جيد ، عن ابن الوليد ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، الفهرست : ٨١ / ١٠٢ ـ مكتبة المحقق الطباطبايي ـ قم ـ ١٤٢٠ ه‍.

(٣) أصول الكافي ١ : ٥٠٣ / ١ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٢١ ، إكمال الدين ١ : ٤٠ مقدمة المصنف ، إعلام الورى ٢ : ١٤٧ ، الخرائج والجرائح ٢ : ٩٠١.

(٤) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨.

(٥) الغيبة / للشيخ الطوسي : ٢٤٧ / ٢١٦.

٩٩

نقش خاتمه عليه‌السلام :

كان نقش خاتمه : سبحان من له مقاليد السماوات والأرض (١). وقيل : أنا لله شهيد (٢). وفي نسخة من البحار : إنّ الله شهيد (٣).

وقال الطبري الإمامي : « كان له خاتم فصّه : الله وليي » (٤).

بوابه عليه‌السلام :

المشهور أنّ بوابه هو وكيلة الثقة الجليل ، العظيم الشأن عثمان بن سعيد العمري رضي‌الله‌عنه. وقيل : ابنه محمد بن عثمان. وقال ابن شهر آشوب : الحسين بن روح النوبختي ، وقيل : محمد بن نصير ، ورجّح الطبري صحّة الأول (٥).

شاعره عليه‌السلام :

قيل : هو أبو الحسن علي بن العباس ، المعروف بابن الرومي ( ٢٢١ ـ ٢٨٣ ه‍ ) (٦) ولم أجد قصيدة لابن الرومي في الإمام عليه‌السلام ، نعم توجد له قصيدة رائعة في مدح أبي الحسين يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي عليه‌السلام ،

__________________

(١) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ٩.

(٢) مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام : ١٤٢.

(٣) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٨ / ١٢.

(٤) دلائل الإمامة : ٤٢٥.

(٥) راجع : تاريخ الأئمة لابن أبي الثلج : ٣٣ ـ مكتبة السيد المرعشي ـ قم ـ ضمن مجموعة نفيسة ، مصباح الكفعمي : ٥٢٣ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، دلائل الإمامة : ٤٢٥ ، التتمة في تواريخ الأئمة عليهم‌السلام : ١٤٣.

(٦) الفصول المهمة ٢ : ١٠٨١ ، نور الأبصار : ٣٣٨.

١٠٠