الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

علي موسى الكعبي

الإمام الحسن العسكري عليه السلام سيرة وتاريخ

المؤلف:

علي موسى الكعبي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: ٢٠٩

العسكري عليه‌السلام فقال : يا أحمد ، ما كان حالكم فيما كان فيه الناس من الشك والارتياب ؟ فقلت له : يا سيدي لما ورد الكتاب لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال بالحق. فقال عليه‌السلام : أحمد الله على ذلك يا أحمد ، أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة ، وأنا ذلك الحجة ، أو قال : أنا الحجة » (١).

الثاني : اظهار الدلالة

فقد طالب بعض المشككين الإمام عليه‌السلام بالدلالة ، وكان عليه‌السلام يستجيب بما اُوتي من الحكمة وفصل الخطاب ، لمن يعتقد أنه يسكن إليها. ويدل عليه ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن القاسم الهروي ، قال : خرج توقيع من أبي محمد عليه‌السلام إلى بعض بني أسباط ، قال : « كتبت إليه عليه‌السلام أخبره عن اختلاف الموالي وأسأله إظهار دليل. فكتب إليّ : إنّما خاطب الله عزوجل العاقل ، ليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلاً أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين ، فقالوا : ساحر وكاهن وكذاب ، وهدى الله من اهتدى ، غير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس ، وذلك أن الله عزوجل يأذن لنا فنتكلم ، ويمنع فنصمت ، ولو أحب أن لا يُظهِر حقاً ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين ، فصدعوا بالحقّ في حال الضعف والقوة ، وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه ».

ثمّ أشار عليه‌السلام إلى طبقات الناس في أخلاصهم له أو ابتعادهم عنه ، مبيناً أن بعضهم يعيش البصيرة في عقله وفي قلبه وفي روحه من أجل أن ينجو عندما يقف بين يدي الله ، وهذا متمسك بهدي الإمام وسبيله ، وبعضهم أخذ العلم ممن

__________________

(١) إكمال الدين : ٢٢٢ / ٩ باب ٢٢.

١٢١

يملك مسؤولية العلم وعمقه وممن لا يملكهما ، أو ممن يملك تقوي الحقيقة وممن لا يملكها ، وهؤلاء مذبذبون ليس لديهم قاعدة ثابتة ينطلقون منها ولا أرض يقفون عليها ، وبعضهم استحوذ عليهم الشيطان فأعمى بصيرتهم ، وليس لهم شأن إلا مواجهة أهل الحق.

قال عليه‌السلام : مواصلاً كتابه الأول : « الناس فيَّ طبقات شتّى ، فالمستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق ، متعلق بفرع أصيل ، غير شاك ولا مرتاب ، لا يجد عنه ملجأً ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله ، فهم كراكب البحر يموج عند موجه ، ويسكن عند سكونه. وطبقة استحوذ عليهم الشيطان ، شأنهم الردّ على أهل الحقّ ودفع الحقّ بالباطل ، حسداً من عند أنفسهم ، فدع من ذهب يميناً وشمالاً ، فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي.

ذكرت ، ما اختلف فيه مواليّ ، فإذا كانت الوصية والكبر فلا ريب ، ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم ، احسن رعاية من استرعيت ، وإياك والاذاعة وطلب الرئاسة ، فانهما يدعوان إلى الهلكة.

ذكرت شخوصك إلى فارس ، فاشخص خار الله لك ، وتدخل مصر إن شاء الله آمناً ، واقرأ من تثق به من موالي السلام ، ومرهم بتقوى الله العظيم ، وأداء الأمانة ، وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا. قال : فلما قرأت : وتدخل مصر إن شاء الله ، لم أعرف معنى ذلك ، فقدمت إلى بغداد ، وعزيمتي الخروج إلى فارس ، فلم يتهيأ ذلك فخرجت إلى مصر » (١).

__________________

(١) إثبات الوصية : ٢٤٧ ، الخرائج والجرائح ١ : ٤٤٨ / ٣٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٩٦ / ٧٠.

١٢٢

وهكذا كان عليه‌السلام يثبت إمامته لبعض المشككين باظهار الدلالة ، مما يسكّن قلوبهم ، ويكون له الأثر في هدايتهم إلى سواء السبيل.

روى علي بن جعفر عن الحلبي ، قال : « اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لأبي محمد عليه‌السلام يوم ركوبه ، فخرج توقيعه : ألا لا يسلمنّ عليّ أحد ، ولا يشير إليّ بيده ولا يؤمئ ، فانكم لا تأمنون على أنفسكم. قال : وإلى جنبي شاب فقلت : من أين أنت ؟ قال : من المدينة. قلت : ما تصنع هاهنا ؟ قال : اختلفوا عندنا في أبي محمد عليه‌السلام فجئت لأراه وأسمع منه ، أو أرى منه دلالة ليسكن قلبي ، وإني لولد أبي ذرّ الغفاري.

فبينما نحن كذلك ، إذا خرج أبو محمد عليه‌السلام مع خادم له ، فلما حاذانا نظر إلى الشاب الذي بجنبي. فقال : أغفاري أنت ؟ قال : نعم. قال : ما فعلت اُمك حمدويه ؟ فقال : صالحة ، ومرّ. فقلت للشاب : أكنت رأيته قط وعرفته بوجهه قبل اليوم ؟ قال : لا. قلت : فينفعك هذا ؟ قال : ودون هذا » (١).

وعن يحيى بن المرزبان ، قال : « التقيت مع رجل من أهل السيب سيماه الخير ، فأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه في الإمامة والقول في أبي محمد عليه‌السلام وغيره ، فقلت : لا أقول به أو أرى منه علامة ، فوردت العسكر في حاجة فأقبل أبو محمد عليه‌السلام فقلت في نفسي متعنتاً : ان مدّ يده إلى رأسه ، فكشفه ثمّ نظر إليّ ورده قلت به. فلما حاذاني مدّ يده إلى رأسه فكشفه ، ثم برق عينيه فيّ ثم ردّها ، وقال يا يحيى ، ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة ؟ فقلت : خلّفته

__________________

(١) الخرائج والجرائح ١ : ٤٣٩ / ٢٠ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٦٩ / ٢٤.

١٢٣

صالحاً. فقال : لا تنازعه ، ثم مضىٰ » (١).

كما كان عليه‌السلام يحذّر من لايعتقد بإمامته إلا ببرهان ثم يعطى ذلك ويبقى على عناده بمصير وخيم يوم يفد على الله فرداً بلا ناصر أو معين.

روى المسعودي بالاسناد عن الربيع بن سويد الشيباني ، قال : حدثني ناصح البارودي ، قال « كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام اُعزيه بأبي الحسن عليه‌السلام وقلت في نفسي وأنا أكتب : لو قد خبر ببرهان يكون حجة لي. فأجابني عن تعزيني ، وكتب بعد ذلك : من سأل آية أو برهاناً فاُعطي ، ثمّ رجع عمن طالب منه الآية ، عذب ضعف العذاب ، ومن صبر أعطي التاييد من الله ، والناس مجبولون على جبلة إيثار الكتب المنشرة ، فاسأل السداد ، فإنّما هو التسليم أو العطب ، ولله عاقبة الأمور » (٢).

* * *

__________________

(١) الخرائج والجرائح١ : ٤٤٠ / ٢١ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٧٠ / ٢٥.

(٢) إثبات الوصية : ٢٤٧ ، تحف العقول : ٣٦٠ مختصراً.

١٢٤

الفصل الخامس

منزلته عليه‌السلام ومكارم أخلاقه

منزلته عليه‌السلام:

حظي الإمام العسكري عليه‌السلام كسائر آبائه المعصومين عليهم‌السلام بمنزلة رفيعة ومكانة اجتماعية مرموقة ، تتمثّل بوافرٍ من مظاهر التعظيم والتبجيل والاحترام التي يكنّها له غالب من عاصره بمن فيهم الذين خاصموه وناوؤه وسجنوه ، وذلك للدرجات العالية من صفات الكمال ومعالي الأخلاق التي يتحلّى بها من العبادة والعلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من مظاهر العظمة التي ميزت شخصه الكريم.

ولو استعرضنا ما نقله كتّاب سيرته عليه‌السلام يتبيّن لنا سموّ مكانته في المجتمع الاسلامي آنذاك ، وأنّ أعداءه وأصدقاءه أجمعوا على تعظيمه وتقديره وإكباره ، بما في ذلك الوزراء والقوّاد والقضاء والفقهاء وطبقات المجتمع كلّها.

وهناك وثيقة تاريخية معتبرة تنقل لنا بعض أجواء ومظاهر ذلك التقدير والاحترام والمكانة والإجلال ، صادرة من بعض رجال الدولة ، وهو أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، عامل السلطان على الضياع والخراج في قم ، وكان

١٢٥

أبوه وزير المعتمد (١) ، فقد جرىٰ يوماً ذكر العلوية ـ أي المنتسبين إلى الإمام علي عليه‌السلام ـ ومذاهبهم ، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم‌السلام ـ والفضل ما شهدت به الأعداء ـ فقال : « ما رأيت ولا عرفت بسرّ من رأى من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا في هَديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة ، وتقديمهم إياه على ذوي السنّ منهم والخطر ، وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس ».

فأنت ترى أن له عليه‌السلام امتداداً من التعظيم في مواقع المجتمع كلّها ، سواء الذين يدينون بإمامته أو الذين يقفون ضدها ، وهو أمر يستحقّ التأمّل ، فكيف يستطيع شاب في مقتبل العمر أن يحظىٰ بالتقديم على ذوي السن والخطر ؟ وأن يتمتع بهذه المنزلة العالية والمكانة الكبيرة عند القواد والوزراء ، وعامة الناس ، وهو في خط مضاد لموقع الخلافة ، بل ويزدحم حوله الذين ينصبون له ولآبائه عليهم‌السلام العداوة ويكنّون لهم البغضاء ؟ لقد فرض الإمام عليه‌السلام نفسه على الواقع كلّه ، بسموّه الروحي والخلقي ، وعناصر العظمة التي يختزنها في شخصه ، ونشاطه الحركي في أوساط الاُمّة.

ويتابع ابن خاقان حديثه فيقول : « فأذكر أنني كنت يوماً قائماً على رأس أبي ، وهو يوم مجلسه للناس ، إذ دخل حجّابه فقالوا : أبو محمد ابن الرضا بالباب ، فقال بصوتٍ عالٍ : ائذنوا له ، فتعجّبت ممّا سمعت منهم ، ومن جسارتهم

__________________

(١) وهو عبيد الله بن يحيى بن خاقان التركي ، ولد سنة ٢٠٩ ه‍ ، واستوزره المتوكل والمعتمد ، واستمر في الوزارة إلى أن توفّي سنة ٢٦٣ ه‍ ، وكان عاقلاً سمحاً جواداً حازماً. سير أعلام النبلاء ١٣ : ٩ / ٥ ، أعلام الزركلي ٤ : ١٩٨.

١٢٦

أن يكنّوا رجلاً بحضرة أبي ، ولم يكن يُكنّى عنده إلا خليفة ، أو وليّ عهد ، أو من أمر السلطان أن يكنّى » ذلك لأن ذكر الكنية مظهر من مظاهر التكريم والإجلال ، فكيف يكنّى رجل بحضرة الوزير ، وليس هو خليفة ولا ولي عهد ولا ممن أمر السلطان بتكنيته ؟ إنّه أمر ملفت للنظر ومثير للتعجّب.

ويواصل فيقول : « فدخل رجل أسمر ، حسن القامة ، جميل الوجه ، جيد البدن ، حديث السنّ ، له جلالة وهيئة حسنة ، فلما نظر إليه أبي قام فمشىٰ إليه خُطىً ، ولا أعلمه فَعَل هذا بأحدٍ من بني هاشم والقوّاد ، فلمّا دنا منه عانقه وقبّل وجهه وصدره ، وأخذ بيده ، وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه ، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه ، وجعل يكلّمه ويفدّيه بنفسه ، وأنا متعجّب مما أرى منه ، إذ دخل الحاجب فقال : الموفق ـ وهو أخو المعتمد العباسي ـ قد جاء ، وكان الموفّق إذا دخل على أبي يقدمه حجّابه وخاصّه قوّاده ، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سِماطين إلى أن يدخل ويخرج ، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد يُحدّثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذٍ له : إذا شئتَ جعلني الله فداك ، ثم قال لحجّابه : خذوا به خلف السماطين لا يراه هذا ـ يعني الموفق ـ فقام وقام أبي فعانقه ومضى.

فقلت لحجّاب أبي وغلمانه : ويلكم من هذا الذي كنّيتموه بحضرة أبي ، وفعل به أبي هذا الفعل ؟ فقالوا : هذا علويّ يقال له : الحسن بن علي ، يعرف بابن الرضا ، فازددت تعجّباً ، ولم أزل يومي ذلك قلقاً مفكراً في أمره وأمر أبي وما رأيته منه حتى كان الليل ، وكانت عادته أن يصلّي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج إليه من المؤامرات ـ أي المراجعات ـ وما يرفعه إلى السلطان.

١٢٧

فلما صلى وجلس جئت فجلست بين يديه ، وليس عنده أحد ، فقال لي : يا أحمد ، ألك حاجة ؟ فقلت : نعم يا أبه ، فإن أذنت سألتك عنها ، فقال : قد أذنت. قلت : يا أبه ، من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والكرامة والتبجيل وفدّيته بنفسك وأبويك ؟

فقال : يا بني ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي ، المعروف بابن الرضا ، ثم سكت ساعة وأنا ساكت ، ثم قال : يا بني ، لو زالت الإمامة عن خلفائنا بني العباس ، ما استحقّها أحد من بني هاشم غيره ، لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ، ولو رأيت أباه ، رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً ، فازددت قلقلاً وتفكّراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه فيه ، ورأيت من فعله به ، فلم يكن لي هِمّة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره. فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره عندي ، إذ لم أر له ولياً ولا عدوّاً إلا وهو يُحسن القول فيه والثناء عليه ... » (١).

ولسنا نريد من خلال شهادة أحد رجال الدولة أن ندخل في تقييم الإمام لمجرد أنّ هذا الرجل شهد له ، لأنّه عليه‌السلام يختص من موقع إمامته بالدرجة الرفيعة عند الله ، ويتمتّع بملكات قدسية في جميع جوانب المعرفة والروحانية والصلاح

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٥٠٣ / ١ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : ٤٠ ـ مقدمة المصنف ، الإرشاد ٢ : ٣٢١ ، روضة الواعظين : ٢٤٩ ، إعلام الورى ٢ : ١٤٧.

١٢٨

والخلق الرفيع ، وهي التي جعلت هذا الرجل وسواه يذعن لشخصيته عليه‌السلام ويظهر له الإكبار والاحترام والثناء.

الذي نريد أن نقوله من خلال هذه الشهادة ، أنه ليس ثمة شخصية كبيرة وفاعلة في المجتمع إلا وهناك من يسيء القول فيها ، كما أنّ هناك من يحسن القول فيها ، لكننا نجد أنّ الغالبية العظمى قد اتفقت على تقدير الإمام عليه‌السلام واحترامه وإجلاله ، وعلى حسن القول فيه ، بحيث أخذ بمجامع قلوب وعقول الأعداء والأصدقاء ، هذا مع أنه عليه‌السلام عاش في مجتمع يقف من الناحية الرسمية ضد خطّ ولايته ، ويعمل على محاصرته ويضيق عليه ويسعى إلى أن ينقص من قدره.

وتلك المنزلة لم تكن مفروضة بقوة السلاح وصولة السلطان ، ولا هي وليدة التعاطف الجماهيري العفوي مع الإمام عليه‌السلام ، بل هي إحدى مظاهر التسديد الإلهي الذي لا تعمل معه جميع محاولات السلطة الساعية إلى الحطّ من منزلته والوضع منه ، الأمر الذي اعترف به رأس السلطة آنذاك.

فقد روى الشيخ الصدوق والقطب الراوندي أنه ورد في ردّ الخليفة المعتمد على جعفر الكذاب حينما جاء بعد وفاة أخيه الإمام عليه‌السلام يطلب مرتبته ، قوله : « إن منزلة أخيك لم تكن بنا ، إنّما كانت بالله ، ونحن كنا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه ، وكان الله يأبى إلا أن يزيده كلّ يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة وحسن السمت والعلم والعبادة ... » (١).

ويقع بعض النصارى في دائرة التقدير والاحترام للإمام عليه‌السلام ، ومنهم أحد رجال الدولة الذي كان يتولّى الكتابة للسلطان ، واسمه أنوش النصراني ، الذي

__________________

(١) إكمال الدين : ٤٧٩ ـ آخر باب ٤٣ ، الخرائج والجرائح٣ : ١١٠٩.

١٢٩

سأل السلطان أن يدعو الإمام عليه‌السلام إلى بيته ليشارك في مناسبة خاصة يدعو فيها لولديه بالسلامة والبقاء ، فأرسل السلطان خادماً جليل القدر إلى دار الإمام كي يدعوه إلى حضور دار كاتبه أنوش ، فأخبر الخادم الإمام عليه‌السلام أن أنوش يقول : « نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة والرسالة. فقال الإمام عليه‌السلام : الحمد لله الذي جعل النصراني أعرف بحقنا من المسلمين. ثم قال : اسرجوا لنا. فركب حتى ورد دار أنوش ، فخرج إليه مكشوف الرأس ، حافي القدمين ، وحوله القسيسون والشمامسة (١) والرهبان ، وعلى صدره الانجيل ، فتلقّاه على باب داره وقال : يا سيدنا ، أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعرف به منا إلا غفرت لي ذنبي في عنائك. وحق المسيح عيسىٰ بن مريم وما جاء به من الانجيل من عند الله ، ما سألت أمير المؤمنين مسألتك [ في ] هذا إلا لأنّا وجدناكم في هذ الانجيل مثل المسيح عيسىٰ بن مريم عند الله. فقال عليه‌السلام : الحمدُ لله ... » (٢).

ولعلّ أبرز وأصدق مظاهر التبجيل والتعظيم التي تعبّر عن مكانة الإمام عليه‌السلام عند سائر الناس ، هو ازدحام الناس على جنازته عليه‌السلام إلى حدّ وصفه بعض الرواة بالقيامة ، فقد قال أحمد بن عبيد الله ابن خاقان في حديثه الذي قدّمناه : « لمّا ذاع خبر وفاته صارت سرّ من رأى ضجّه واحدة ( مات ابن الرضا ). وعطلت الاسواق ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب وسائر الناس

__________________

(١) الشسامة : جمع شماس ، وهو خادم الكنيسة بالسريانية.

(٢) مدينة المعاجز / السيد هاشم البحراني ٧ : ٦٧٠ / ٢٦٥٥ عن الهداية الكبرى للخصيبي.

١٣٠

الى جنازته ، فكانت سرّ من رأى يومئذٍ شبيهاً بالقيامة » (١).

هيبته عليه‌السلام

يحظى الإمام العسكري عليه‌السلام بهيبة حقيقية فرضت نفسها على الناس وسواهم من خلال اجتماع الملكات الروحانية ومقومات الصلاح والاخلاص والخلق الرفيع فيه عليه‌السلام.

وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : « المؤمن يخشع له كلّ شيء ويهابه كلّ شيء » وقال عليه‌السلام : « إذا كان مخلصاً أخاف الله منه كلّ شيء حتى هوام الأرض والسباع وطير الهواء » (٢). فهذا حال المؤمن المخلص ودرجته ، فكيف إذا كان إماماً معصوماً وحجةً على الخلق ؟

قال القطب الراوندي في صفة الإمام العسكري : « ... له بسالة تذلّ لها الملوك ، وله هيبة تسخّر له الحيوانات كما سخّرت لآبائه عليهم‌السلام بتسخير الله لهم إياها ، دلالة وعلامة على حجج الله ، وله هيئة حسنة ، تعظّمه الخاصة والعامة اضطراراً ، ويبجّلونه ويقدّرونه لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وصلاحه وإصلاحه ... » (٣).

من هنا فقد وصف أحد خَدَم الإمام عليه‌السلام في حديث له ، حضور الناس يوم ركوبه عليه‌السلام إلى دار الخلافة في كلّ اثنين وخميس ، بأن الشارع كان يغصّ

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٥٠٥ / ١ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : ٤٣ ـ المقدمة ، الإرشاد ٢ : ٣٢٤.

(٢) الدعوات / الراوندي : ٢٢٧.

(٣) الخرائج والجرائح ٢ : ٩٠١.

١٣١

بالدواب والبغال والحمير ، بحيث لا يكون لأحد موضع قدم ، ولا يستطيع أحد أن يدخل بينهم ، فإذا جاء الإمام عليه‌السلام هدأت الأصوات وسكنت الضجّة وتفرّقت البهائم وتوسّع له الطريق حين دخوله وخروجه (١).

وقد امتدت آثار هيبته عليه‌السلام حتى إلى ساجنيه ، فكانوا يرتعدون خوفاً وفزعاً بمجرد أن ينظر إليهم ، حيث قال بعض الأتراك الموكلون به في سجن صالح ابن وصيف : « ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله ، ولا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة ، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا » (٢).

مكارم أخلاقه

نأتي هنا إلى ذكر مقومات تلك المنزلة والهيبة التي تتمثل بالملكات القدسية والخصال الروحانية التي اجتمعت في شخصه عليه‌السلام من العلم والعبادة والزهد والكرم والشجاعة وغيرها من معالي الفضيلة وعناصر العظمة التي تحلّىٰ بها أهل هذا البيت عليهم‌السلام.

وقد وصفه أبوه علي الهادي عليه‌السلام بقوله : « أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة ... وهو الخلف ، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها » (٣).

__________________

(١) راجع الحديث في غيبة الشيخ الطوسي : ٢١٥ / ١٧٩.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥١٢ / ٢٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٣٤.

(٣) أصول الكافي ١ : ٣٢٧ / ١١ ـ باب الاشارة والنص على أبي محمد عليه‌السلام من كتاب الحجة.

١٣٢

وشهد له عليه‌السلام بخلال الفضل ومعالي الأخلاق بعض المعاصرين له وغيرهم ، ومنهم وزير المعتمد عبيد الله بن يحيى بن خاقان ( ت ٢٦٣ ه‍ ) الذي وصفه فيما تقدم بالفضل والعفاف والهدي والزهد والعبادة وجميل الأخلاق والصلاح والنبل.

وذكر ابن أبي الحديد عن أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( ت ٢٥٥ ه‍ ) في تعداد صفاته وصفات آبائه المعصومين عليهم‌السلام قوله : « من الذي يعدّ من قريش أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ؛كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ ؟ فمنهم خلفاء ، ومنهم مرشّحون : ابن ابن ابن ابن ، هكذا إلى عشرة ، وهم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم‌السلام ، وهذا لم يتّفق لبيتٍ من بيوت العرب ولا من بيوت العجم » (١).

وذلك لأنهم غرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفرعه النامي ، ومنه استوحوا رساليته وروحانيته وأخلاقيته ، وتجسدت فيهم شخصيته ، فكانوا اختصاراً لجميع عناصر الأخلاقية والروحية والانسانية ، وصاروا رمزاً للفضيلة والمروءة وقدوةً صالحة للانسانية.

قال قطب الدين الراوندي : « أما الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام ، فقد كانت خلائقه كأخلاق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ... وكان جليلاً نبيلاً فاضلاً كريماً ، يحتمل الأثقال ولا يتضعضع للنوائب ... أخلاقة على طريقة واحدة ، خارقة

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٥ : ٢٧٨.

١٣٣

للعادة » (١).

وفيما يلي نذكر ما يسمح به المقام من مناقبة الفذّة وخصاله الفريدة :

١ ـ العلم

كان الإمام العسكري عليه‌السلام أعلم أهل زمانه ، وقد بدت عليه مظاهر العلم والمعرفة منذ حداثة سنه ، فقد روى المؤرخون « أنه رآه بهلول (٢) وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون ، فظنّ أنه يتحسّر على ما في أيديهم ، فقال : اشتري لك ما تلعب به ؟ فقال : ما للعب خُلِقنا. فقال له : فلماذا خلقنا ؟ قال : للعلم والعبادة. فقال له : من أين لك هذا ؟ قال : من قوله تعالى : ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ) (٣) ثمّ وعظه بأبيات من الشعر حتى خرّ مغشياً عليه » (٤).

وشهد للإمام عليه‌السلام برجاحة العلم طبيب البلاط بختيشوع ، وكان ألمع شخصية في علم الطبّ في عصره ، فقد احتاج الإمام عليه‌السلام إلى طبيب فأرسل اليه

__________________

(١) الخرائج والجرائح ٢ : ٩٠١.

(٢) لعلّ المراد به بهلول بن إسحاق بن بهلول ( ٢٠٤ ـ ٢٩٨ ه‍ ) أو أخوه المعروف بابن بهلول ، وهو أحمد بن إسحاق بن بهلول ( ٢٣١ ـ ٣١٨ ه‍ ) وكلاهما من العلماء المعاصرين له. عليه‌السلام راجع : سير أعلام النبلاء ١٣ : ٥٣٥ / ٢٦٨ و ١٤ : ٤٩٧ / ٢٨١ ، أعلام الزركلي ١ : ٩٥.

(٣) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١١٥.

(٤) راجع : إحقاق الحق ١٢ : ٤٧٣ و ١٩ : ٦٢٠ و ٢٩ : ٦٥ عن عدة مصادر منها : الصواعق المحرقة لابن حجر ، ونور الأبصار للشبلنجي ، ووسيلة المآل للحضرمي ، وروض الرياحين لعفيف الدين اليافعي وغيرها.

١٣٤

بختيشوع بعض تلامذته وأوصاه قائلاً : « طلب مني ابن الرضا من يفصده ، فصر إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء ، فاحذر أن لا تعترض عليه فيما يأمرك به » (١).

واستطاع الإمام عليه‌السلام بعلمه الذي لا يجارى وفكره الثاقب ونظره الصائب أن يكشف الحقائق ويظهر الدقائق ، ومن ذلك أن السلطة أخرجته من السجن بعد أن شكّ الناس في دينهم وصبوا إلى دين النصرانية ، لأن أحد الرهبان كان يستسقي فيهطل المطر ، بينما يستسقي المسلمون فلم يسقوا ، فكشف الإمام عليه‌السلام عن حيلة الراهب الذي كان يُخفي عظماً لأحد الأنبياء عليهم‌السلام بين أصابعه ، فأزال الشك عن قلوب الناس وهدأت الفتنة (٢).

قال الحرّ العاملي في ارجوزته :

وفي حديث الراهب النصراني

معجـزة من أوضح البرهانِ

إذ كان في الحبس فصار جدب

وكان سؤال المسلمين الخصب

فخرجوا يدعون للاستسقا

ثلاثة والأرض ليس تسقي

فخرج الراهـب والنصاري

يستمطرون الصيّب المـدرارا

فجـاءهم غيثٌ غزيـر هاطل

وكلّمـا دعوا أجاب الوابل

فافتتن النـاس وراموا الـردّة

لـمّا رأوا مـن فرجٍ وشـدّة

فطلـبوا الإمام حتى خرجا

ثمّ دعـا الله فنـال الفرجا

وعندمـا أراد يدعـو الراهب

وقرب الغيث وفاز الطالب

__________________

(١) الخرائج والجرائح ١ : ٤٢٢ / ٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٦٠ / ٢١.

(٢) راجع تخريجات الحادثة في آخر الفصل الثاني.

١٣٥

أمر عبده الإمام فأخذ

من يده عظماً فعندهما نبذ

انقشع الغيم وزال المطر

وزال عن دين الإله الخطر

قال الإمام إنه عظم نبيّ

فليس ما رأيتم بعجبِ

إذ كلّما أظهر للسماء

أمطرت الغيث بلا دعاء (١)

وللإمام عليه‌السلام رصيد علمي وعطاء معرفي على صعيد ترسيخ أصول الاعتقاد والأحكام والشرائع ، والتصدي لبعض الدعوات المنحرفة والشبهات الباطلة ، سنأتي إلى ذكره في الفصل السادس باذن الله.

٢ ـ العبادة

كان دأب الإمام العسكري عليه‌السلام التوجّه إلى الله تعالى والانقطاع إليه في أحلك الظروف وأشدّها ، فقد كان يحيى الأيام التي أمضاها في السجن بالصيام والصلاة وتلاوة القرآن على رغم التضييق عليه.

قال الموكلون به في سجن صالح بن وصيف : « أنه يصوم النهار ويقوم الليل كلّه لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة » (٢).

وحينما أودع في سجن علي بن جرين ، كان المعتمد يسأله عن أخباره في كلّ وقت ، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل (٣).

وكان عليه‌السلام معروفاً بطول السجود ، فقد روي عن أحد خدمه المعروف

__________________

(١) إحقاق الحق ١٢ : ٤٦٢ ـ ٤٦٣.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥١٢ / ٢٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٣٤.

(٣) إثبات الوصية : ٢٥٢ ، مهج الدعوات : ٣٤٣ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣١٤.

١٣٦

بمحمد الشاكري أنه قال : « كان استاذي أصلح من رأيت من العلويين والهاشميين ... كان يجلس في المحراب ويسجد ، فأنام وانتبه وأنام وهو ساجد » (١).

٣ ـ الزهد

كان الإمام العسكري عليه‌السلام مثالاً للزهد والاعراض عن زخارف الدنيا وحطامها ، والرغبة فيما أعدّه الله له في دار الخلود من النعيم والكرامة.

قال كامل بن إبراهيم المدني ، وهو أحد أصحابه عليه‌السلام : « لما دخلت على سيّدي أبي محمد عليه‌السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي : وليّ الله وحجّته يلبس الناعم من الثياب ، ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله ؟ فقال : متبسماً : يا كامل ـ وحسر عن ذراعية ، فإذا مسح أسود خشن على جلده ـ هذا لله وهذا لكم ... » (٢).

وجاء في حديث خادمه محمد الشاكري « أنه عليه‌السلام كان قليل الأكل ، وكان يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله ، فيأكل منه الواحدة والثنتين ، ويقول : شل هذا يا محمد إلى صبيانك ، فأقول : هذا كلّه ؟ فيقول : خذه » (٣).

٤ ـ الكرم والسماحة

كان الإمام العسكري عليه‌السلام معروفاً بالسماحة والبذل ، وهي خصلة بارزة في سيرته وسيرة آبائه المعصومين عليهم‌السلام. قال خادمه محمد الشاكري : « ما رأيت قطّ

__________________

(١) الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢١٧ / ١٧٩ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٥٣.

(٢) الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٤٧ / ٢١٦.

(٣) الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢١٧ / ١٧٩.

١٣٧

اسدىٰ منه ». وقال الشيخ الطوسي : « كان عليه‌السلام مع إمامته من أكرم الناس وأجودهم » (١).

وكان عليه‌السلام يحثّ أصحابه على المعروف ، فقد روى أبو هاشم الجعفري عنه عليه‌السلام أنه قال : « إن في الجنّة باباً يقال له المعروف ، لا يدخله إلا أهل المعروف ، قال : فحمدت الله تعالى في نفسي وفرحت بما أتكلّف به من حوائج الناس ، فنظر إليّ أبو محمد عليه‌السلام فقال : نعم فَدُم على ما أنت عليه ، فإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، جعلك الله منهم يا أبا هاشم ورحمك » (٢).

وسجل الإمام العسكري عليه‌السلام دوراً بارزاً في الانفاق والبذل في سبيل الله وإعانة المعوزين والضعفاء من أبناء المجتمع الاسلامي آنذاك ، رغم حالة الحصار والتضييق الذي مارسته السلطة ضدّه ، وكان مصدر تلك العطاءات والمساعدات الأموال والحقوق الشرعية التي تجلب إليه أو إلى وكلائه من مختلف بقاع الاسلام التى تحتوي على قواعد شعبية تدين بإمامته ، وكان يسدّ بها حاجة ذوي الفاقة على قدر ما يزيل عنهم حالة العوز دون إسراف في العطاء والبذل ، فهو عليه‌السلام يقول : « إن للسخاء مقداراً ، فإن زاد عليه فهو سرف » (٣).

ومن جملة عطاءاته التي سجلتها كتب الحديث ، أنه أعطى علي بن إبراهيم ابن موسى بن جعفر مائتي درهم للكسوة ، ومائتي درهم للدَّين ، ومائة درهم

__________________

(١) الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢١٧.

(٢) المناقب / لابن شهر آشوب ٤ : ٤٦٤ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٨٢.

(٣) بحار الأنوار ٧٨ : ٣٧٧ / ٣.

١٣٨

للنفقة ، وأعطى لابنه محمد بن علي بن إبراهيم مائة درهم في ثمن حمار ، ومائة للكسوة ، ومائة للنفقة (١).

وشكا إليه أبو هاشم الجعفري الحاجة فأعطاه مرة خمسمائة دينار ، وأرسل إليه مرة اُخرى مائة دينار حينما أخلي سبيله من السجن (٢).

وشكا إليه إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس الفاقة والحاجة ، فأعطاه مائة دينار (٣).

وأعطى برذونه الكميت إلى على بن زيد بن علي بن الحسين بعد موت فرسه (٤) ، وأكرمه مائة دينار في ثمن جارية بعد أن ماتت جاريته (٥).

ووهب حمزة بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين ثلاثمائة دينار ، وكان مصاباً بالشلل ، على رغم عدم قوله بإمامته عليه‌السلام (٦).

وبعث إلى عمرو بن أبي مسلم خمسين ديناراً على يد محمد بن سنان الصوّاف في ثمن جارية (٧) ، وغير ذلك كثير.

* * *

__________________

(١) أصول الكافي ١ : ٥٠٦ / ٣ ـ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام من كتاب الحجة.

(٢) أصول الكافي ١ : ٥٠٧ / ٥ و ٥٠٨ / ١٠ من الباب المتقدم.

(٣) أصول الكافي ١ : ٥٠٩ / ١٤ من الباب المتقدم.

(٤) أصول الكافي ١ : ٥١٠ / ١٥ من الباب المتقدم.

(٥) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٦٤ / ٢٣.

(٦) الثاقب في المناقب : ٥٧٣ / ٥٢٠.

(٧) بحار الأنوار ٥٠ : ٢٨٢ / ٥٨ ، عن فرج المهموم لابن طاوُس.

١٣٩
١٤٠