علي موسى الكعبي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-8629-10-2
الصفحات: ٢٠٩
الذي ثار في أيام المتوكل وقُتِل في أيام المستعين ( ٢٥٠ ه ) ، وذكر في تلك القصيدة ظلم بني العباس لأهل البيت عليهمالسلام ، وقارن بين النهجين ، وهي طويلة ، يقول في مطلعها :
إمامك فانظر أي نهجيك تنهجُ |
|
طريقان شتى مستقيم وأعوج (١) |
عمره ومدة إمامته عليهالسلام :
عمره يوم وافاه الأجل (٢٨) عاماً ، فقد ولد في سنة ٢٣٢ ه واستشهد سنة ٢٦٠ ه ، وهو بذلك يعدّ أصغر آبائه المعصومين عليهالسلام عمراً ، وعاش ٢٢ عاماً في ظلّ أبيه الإمام أبي الحسن الهادي عليهالسلام الذي استشهد سنة ٢٥٤ ه ، ووصفه بقوله : « أبو محمد ابني أنصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف ، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها » (٢).
ومدّة إمامته ست سنوات ( ٢٥٤ ـ ٢٦٠ ه ) عاصر فيها من سلاطين بني العباس المعتز ( ٢٥١ ـ ٢٥٥ ه ) والمهتدي ( ٢٥٥ ـ ٢٥٦ ه ) والمعتمد ( ٢٥٦ ـ ٢٧٩ ه ) (٣).
__________________
(١) ديوان ابن الرومي ٢ : ٤٩٢ / ٣٦٥ تحقيق الدكتور حسين نصار ، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
(٢) أصول الكافي : ٣٢٧ / ١١ ـ باب الاشارة والنص على أبي محمد عليهالسلام من كتاب الحجة.
(٣) راجع : تاج المواليد : ١٣٤ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، دلائل الإمامة : ٤٢٣ ، إعلام الورى ٢ : ٣١ ، التتمة في تواريخ الأئمة عليهمالسلام : ١٤٢ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٦ / ٥ و ٢٣٨ / ٨.
زوجته عليهالسلام :
وهي اُمّ ولد يقال لها نرجس عليهاالسلام ، وكان الإمام أبو الحسن الهادي عليهالسلام قد أعطاها إلى أخته حكيمة بنت محمد الجواد عليهالسلام وقال لها : « يا بنت رسول الله ، اخرجيها إلى منزلك ، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد واُمّ القائم » (١).
وكما اختلفت الروايات في اسم أم الإمام العسكري عليهالسلام كما مرّ ، فقد اختلفت أيضاً في اسم زوجته ، ويستفاد من أخبار أسرها وجلبها إلى بغداد وابتياعها (٢) ، أنّ اسمها مليكة بنت يشوعا بن قصير ملك الروم ، واُمّها من ولد الحواريين ، تنسب إلى شمعون وصيّ المسيح عليهالسلام ، ولما اُسرت سمّت نفسها نرجس لئلا يعرف الشيخ الذي وقعت في سهمه من الغنيمة أنّها من سلالة الملوك.
وقد تعدّدت أسماؤها ، فجاء في رواية : أنها ريحانة ، ويقال لها نرجس ويقال لها صقيل ، ويقال لها سوسن ، إلا أنه قيل لها بسبب الحمل صقيل (٣).
ويستفاد من الأخبار أنه بعد شهادة الإمام العسكري عليهالسلام هجم جند السلطان لتفتيش دار الإمام عليهالسلام طلباً للولد ، ولما لم يعثروا على شيء وجّه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل ، وحملوها إلى داره ، فطالبوها بالولد فانكرته
__________________
(١) إكمال الدين : ٤٢٣ / ١ ـ باب ٤١.
(٢) راجع : إكمال الدين : ٤١٧ / ١ ـ باب ٤١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٧٢ الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٠٨ / ١٧٨ ، روضة الواعظين : ٢٥٢ ، دلائل الإمامة : ٤٨٩ / ٤٨٨.
(٣) إكمال الدين : ٤٣٢ / ١٢ ـ باب ٤٢ ، الغيبة للشيخ الطوسي : ٣٩٣ / ٣٦٢.
وادّعت الحبل تغطية على حاله ، فجعلت نسوة وخدم المعتمد والموفق والقاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كلّ وقت ، إلى أن دهمهم أمر يعقوب بن الليث الصفار ، وصاحب الزنج ، وموت عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، فشغلوا عنها ، وخرجت عن أيديهم (١).
وُلْدُه عليهالسلام :
ذكر بعض النسابة والمؤرخين أنه عليهالسلام لم يخلف ولداً غير الإمام الحجة القائم المهدي عليهالسلام (٢).
قال الشيخ المفيد : كان الإمام بعد أبي محمد عليهالسلام ابنه المسمّي باسم رسول الله صلىاللهعليهوآله المكّني بكنيته ، ولم يخلف ولداً غيره ظاهراً ولا باطناً ، وخلفه غائباً مستتراً ، وكانت سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين ، أتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب ، وجعله آية للعالمين ، وآتاه الحكمة كما آتاها يحيى صبياً ، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسىٰ بن مريم عليهالسلام في المهد نبياً (٣).
وقال الطبرسي وغيره : خلّف ولده الحجة القائم المنتظر لدولة الحقّ ، وكان قد أخفى مولده لشدّة طلب سلطان الوقت له ، واجتهاده في البحث عن أمره ،
__________________
(١) راجع : إكمال الدين : ٤٣ ـ مقدمة المصنف ، ٤٧٦ / ٢٥ باب ٤٢ ، دلائل الإمامة : ٤٢٥ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٣٣١ / ٣.
(٢) راجع : المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، كفاية الطالب / الكنجي : ٤٥٨ ـ دار إحياء تراث أهل البيت ـ طهران ـ ١٤٠٤ ه ، دلائل الإمامة : ٤٢٥ ، نور الأبصار : ٣٤١.
(٣) الإرشاد ٢ : ٣٣٩.
فلم يره إلا الخواص من شيعته (١).
وقيل : إنّ للإمام العسكري ذكراً واُنثي (٢) ، وجاء في رواية للشيخ الصدوق أن له ولدين هما محمد عليهالسلام وموسى (٣) ، وعدّ بعضهم سبعة أولاد للإمام العسكري عليهالسلام وهم : القائم عليهالسلام وهو الإمام بعد أبيه ، وموسى ، وجعفر ، وإبراهيم ، وعائشة ، وفاطمة ، ودلالة (٤).
واذا سلّمنا بصحة هذه الأقوال فلا بدّ أن نفترض كونهم ممن درجوا في حياة أبيهم عليهالسلام ، ويدلّ عليه ما رواه الشيخ الطوسي بالاسناد عن إبراهيم بن إدريس ، قال : « وجّه إلىّ مولاي أبو محمد عليهالسلام بكبش ، ثمّ لقيته بعد ذلك فقال لي : المولود الذي ولد لي مات ، ثمّ وجّه إلي بكبشين ، وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، عقّ هذين الكبشين عن مولاك ، وكُل هنأك الله ، واطعم إخوانك ، ففعلت ولقيته بعد ذلك فما ذكر لي شيئاً » (٥).
اخوته عليهالسلام :
ذكر المؤرخون أن له ثلاثة اخوة ، وهم : محمد المتوفّي في حياة أبيه ، والحسين ، وجعفر المعروف بالكذاب ، وقيل : إن له من الإخوة اثنين وحسب وهما : جعفر وإبراهيم ، وهذا غلط واضح لشهرة السيد محمد بن الإمام الهادي عليهالسلام في كتب الانساب والتاريخ والحديث. وله اخت واحدة مختلف في
__________________
(١) إعلام الورى ٢ : ١٥١ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥.
(٢) مصباح الكفعمي : ٥٢٣.
(٣) راجع : إكمال الدين : ٤٤٦ / ١٩ باب ٤٣ و ٤٦٧ / ٢١ من نفس الباب.
(٤) التتمة في تواريخ الأئمة عليهمالسلام : ١٤٣.
(٥) الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٢١٤.
اسمها فقيل : حكيمة ، أوعائشة ، أو علية ، أو عالية.
وقيل : له اختان وهما : عائشة ودلالة (١).
السيد محمد :
وهو أبو جعفر محمد بن الإمام أبي الحسن الهادي ، المتوفي نحو سنة ٢٥٢ ه (٢) ، وقال السيد محسن الأمين : جليل القدر ، عظيم الشأن ، وكان أبوه خلّفه بالمدينة طفلاً لما اُتي به إلى العراق ، ثم قدم عليه في سامراء ، ثمّ أراد الرجوع إلى الحجاز ، فلمّا بلغ القرية التي يقال لها ( بلد ) على تسعة فراسخ من سامراء ، مرض وتوفّي ودفن قريباً منها ، ومشهده هناك معروف مزور ، ولمّا توفي شقّ أخوه أبو محمد ثوبه ، وقال في جواب من لامه على ذلك : « قد شق موسى على أخيه هارون » (٣).
وجاء في الرواية : « أن أبا الحسن عليهالسلام قد بسط به في صحن دار ، يوم توفي محمد ابنه ، والناس جلوس حوله يعزّونه ، من آل أبي طالب وبني هاشم
__________________
(١) راجع : الإرشاد ٢ : ٣١٢ ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٣٣ ، دلائل الإمامة : ٤١٢ ، إعلام الورى ٢ : ١٢٧ ، الفصول المهمة ٢ : ١٠٧٦ ، التتمة في تواريخ الأئمة عليهمالسلام : ١٣٨.
(٢) ورد في حديث أن عمر الإمام العسكري عليهالسلام يوم وفاة أخيه السيد محمد نحو عشرين سنة ، وبما أنه عليهالسلام ولد سنة ٢٣٢ ، فتكون وفاة السيد محمد نحو سنة ٢٥٢ هـ. راجع : أصول الكافي ١ : ٣٢٧ / ٨ ـ باب الاشارة والنص على أبي محمد عليهالسلام من كتاب الحجة.
(٣) أعيان الشيعة ١٤ : ٢٩١ ـ دار التعارف للمطبوعات.
وقريش ومواليه ومن سائرالناس » (١).
جعفر الكذاب :
أما جعفر الكذاب ، فكان صاحب فتنة وضلالة ، وقد أخبر أئمة أهل البيت عليهمالسلام عنه قبل ولادته ، وحذّروا شيعتهم من فتنته ، ففي حديث عن أبي خالد الكابلي« أنه سأل الإمام علي بن الحسين صلوات الله عليه : من الحجة والإمام بعدك ؟ فقال : ابني محمد ، واسمه في التوراة الباقر يبقر العلم بقراً ، وهو الحجة والإمام بعدي ، ومن بعد محمد ابنه جعفر ، واسمه عند أهل السماء الصادق.
فقلت له : يا سيدي ، كيف صار اسمه الصادق ، وكلكم صادقون ؟ فقال : حدّثني أبي عن أبيه عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، فسمّوه الصادق ، فإنّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه ، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله عزوجل والمدّعي لما ليس له بأهل ، المخالف على أبيه ، والحاسد لأخيه ، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة ولي الله عزوجلّ ... ثم قال : كاني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله ، والمغيب في حفظ الله ، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته ، وحرصاً على قتله إن ظفر به ، طمعاً في ميراث أبيه حتى
__________________
(١) أصول الكافي ١ : ٣٢٦ / ٨ باب الاشارة والنص على أبي محمد عليهالسلام من كتاب الحجة.
يأخذه بغير حقّه ... » (١).
وحينما ولد جعفر فرح أهل الدار بولادته ، ولم يروا أثراً للسرور على أبي الحسن الهادي عليهالسلام ، فقيل له في ذلك ، فقال : « يهون عليك أمره ، فإنّه سيضلّ خلقاً كثيراً » (٢).
وقد تحقق ما قاله أهل البيت عليهمالسلام عن فتنته وضلالته ، حيث كانت له بعد شهادة أخيه الإمام العسكري عليهالسلام ثلاثة أدوار سيئة :
١ ـ ادعاء الإمامة بعد أخيه الحسن عليهالسلام كذباً وزوراً ، ولهذا خرجت عن الإمام المهدي عليهالسلام عدّة تواقيع تنبه الشيعة على بطلان ادعائه وكذبه وعصيانه وظلمه ، وجهله بالأحكام وتركه الواجبات ، منها على يد أحمد بن إسحاق الأشعري ، وعلى يد محمد بن عثمان العمري (٣) ، فجفته الشيعة بعد أن بان كلّ ما ذكره ، ممّا اضطره إلى التوسل برجال الدولة ومنهم الوزير عبيد الله بن يحيى ابن خاقان في أن يجعلوا له مرتبة أخيه فزبره بالقول « يا أحمق ، السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أن أباك وأخاك أئمة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيأ له ذلك ، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة لك إلى السلطان ليرتبك
__________________
(١) علل الشرائع / الصدوق ١ : ٢٣٤ / ١ ـ المطبعة الحيدرية ـ النجف ـ ١٣٨٥ ه ، إكمال الدين : ٣١٩ / ٢ باب ٣١.
(٢) إكمال الدين : ٣٢١ / آخر الحديث ٢ باب ٣١ ، الغيبة / للشيخ الطوسي : ٢٢٦ / ١٩٣.
(٣) راجع : إكمال الدين : ٤٨٣ / ٤ ـ باب ٤٥ ، الغيبة / للشيخ الطوسي : ٢٩٠ / ٢٤٧ ، بحار الأنوار ٥٠ : ٢٣٠ / ٣ عن احتجاج الطبرسي : ١٦٢ ـ ١٦٣.
مراتبهم ولا غير السلطان ، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا ... » (١).
وحمل عشرين ألف دينار إلى المعتمد ، طالباً منه أن يجعل له مرتبة أخيه ومنزلته. فأجابه بنحو جواب ابن خاقان (٢).
٢ ـ ادعاؤه التركة وبالتالي حيازته إياها مناصفة مع اُم العسكري عليهالسلام بإذن من السلطات الحاكمة.
٣ ـ افشاء سر أخيه العسكري عليهالسلام إلى الدولة من خلال الايعاز لهم بولادة الإمام المهدي عليهالسلام ، ومن هنا بدأت سلسلة من المطاردات والاعتقالات لعيال الإمام عليهالسلام ، ولم يتمكنوا من العثور على الإمام المهدي عليهالسلام ، وبذلك يكون جعفر قد كشف ما أوجب الله تعالى ستره وكتمانه.
وقد أجمل الشيخ المفيد رحمهالله جملة هذه الأدوار المشينة وغيرها التي قام بها جعفر الكذاب تعد شهادة أخيه الحسن عليهالسلام بقوله : « تولّى جعفر بن علي أخو أبي محمد عليهالسلام أخذ تركته ، وسعى في حبس جواري أبي محمد عليهالسلام واعتقال حلائله ، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته ، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشرّدهم ، وجرى على مخلّفي أبي محمد عليهالسلام بسبب ذلك كلّ عظيمة ؛ من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل.
وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد عليهالسلام ، واجتهد في القيام عند الشيعة
__________________
(١) أصول الكافي ١ : ٥٠٥ / ١ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام من كتال الحجة ، الإرشاد ٢ : ٣٢٤.
(٢) راجع : إكمال الدين : ٤٧٩ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٠٩.
مقامه ، فلم يقبل أحد منهم ذلك ، ولا اعتقده فيه ، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه ، وبذل مالاً جليلاً ، وتقرّب بكلّ ما ظنّ أنه يتقرّب به ، فلم ينتفع بشيء من ذلك » (١).
وهكذا كان جعفر كإخوة يوسف الصديق عليهالسلام يوم قالوا لأبيهم كذباً : ( يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ) (٢).
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، ونحوه في المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٥ ، إعلام الورى ٢ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، الفصول المنهمة ٢ : ١٠٩٣.
(٢) سورة يوسف : ١٢ / ١٧.
الفصل الرابع
امامته عليهالسلام
قال الشيخ المفيد : كان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمد عليهالسلام ابنه أبا محمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه ، وتقدّمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرئاسة ، من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة والشجاعة والكرم وكثرة الأعمال المقربة إلى الله ، ثمّ لنصّ أبيه عليهالسلام عليه وإشارته بالخلافة إليه (١). وفيما يلي نذكر طرفاً من النصوص الواردة في إمامته عليهالسلام وكما يلي :
أولاً : نص آبائه عليه عليهالسلام
وردت المزيد من النصوص عن النبي صلىاللهعليهوآله والآل المعصومين عليهمالسلام تصرح بتعيين أوصياء النبي صلىاللهعليهوآله وخلفائه من عترته واحداً بعد واحد باسمائهم وأوصافهم ، بشكل يجلو العمى عن البصائر وينفي الشك عن القلوب ، وسنذكر هنا حديثين عن آبائه المعصومين عليهمالسلام كنموذج على تلك النصوص ، ونحيل القارئ إلى مظانّ بقيتها (٢).
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٣١٣.
(٢) راجع : أصول الكافي ١ : ٢٨٦ ـ باب ما نص الله عزوجل ورسوله صلىاللهعليهوآله على
١ ـ عن عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : « سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى عليهالسلام قصيدتي التي أولها :
مدارس آيات خلت من تلاوة |
|
ومنزل وحي مقفر العرصات |
فلما انتهيت إلى قولي :
خروج إمام لا محالة خارج |
|
يـقوم على اسم الله والبركات |
يميز فينا كلّ حـقّ وباطل |
|
ويجزي على النعماء والنقمات |
بكى الرضا عليهالسلام بكاءً شديداً ، ثم رفع رأسه إليّ فقال لي : يا خزاعي ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي ، إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ، ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً.
فقال : يا دعبل ، الإمام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته ، المطاع في ظهوره ... » (١).
٢ ـ وعن الصقر بن أبي دلف ، قال : « سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهالسلام يقول : إن الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والامام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ،
__________________
الائمة عليهمالسلام واحداً فواحداً ، إكمال الدين : ٢٥٠ ـ ٣٧٨ ـ الأبواب ٢٣ ـ ٣٦ ، بحار الأنوار ٣٦ : ١٩٢ ـ ٤١٨ ـ باب ٤٠ ـ ٤٨.
(١) إكمال الدين : ٣٧٢ / ٦ باب ٣٥.
وطاعته طاعة أبيه ... » (١).
ثانياً : نص أبيه عليه عليهالسلام
فيما يلي نعرض أهم النصوص الواردة عن أبيه عليهالسلام في النص عليه والإشارة إليه بالإمامة من بعده.
١ ـ روى ثقة الإسلام الكليني بالإسناد عن يحيى بن يسار القنبري ، قال : « أوصى أبو الحسن عليهالسلام إلى ابنه الحسن عليهالسلام قبل مضيه بأربعة أشهر ، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي » (٢).
٢ ـ وعن علي بن عمر النوفلي ، قال : « كنت مع أبي الحسن عليهالسلام في صحن داره ، فمرّ بنا محمد ابنه ، فقلت له : جعلت فداك ، هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال : لا ، صاحبكم بعدي الحسن » (٣).
٣ ـ وعن عبد الله بن محمد الأصفهاني ، قال : « قال أبو الحسن عليهالسلام : صاحبكم بعدي الذي يصلّي عليّ. قال : ولم نعرف أبا محمد قبل ذلك. قال : فخرج أبو محمد فصلى عليه » (٤).
٤ ـ وعن علي بن مهزيار ، قال : « قلت لأبي الحسن عليهالسلام : إن كان كون ـ وأعوذ بالله ـ فإلى من ؟ قال : عهدي إلى الأكبر من ولدي » (٥). وكان الإمام العسكري عليهالسلام أكبر وُلد الإمام الهادي عليهالسلام.
__________________
(١) إكمال الدين : ٣٧٨ / ٣ باب ٣٦.
(٢) أصول الكافي ١ : ٣٢٥ / ١ ـ باب الإشارة والنص على أبي محمد عليهالسلام من كتاب الحجة.
(٣) أصول الكافي ١ : ٣٢٥ / ٢ من نفس الباب المتقدم.
(٤) أصول الكافي ١ : ٣٢٦ / ٣ من نفس الباب المتقدم.
(٥) أصول الكافي ١ : ٣٢٦ / ٦ من نفس الباب المتقدم.
٥ ـ وعن علي بن عمرو العطار ، قال : « دخلت على أبي الحسن العسكري عليهالسلام وأبو جعفر ابنه في الأحياء ، وأنا أظنّ أنه هو ، فقلت له : جعلت فداك ، من أخصّ من ولدك ؟ فقال : لا تخصوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري. قال : فكتبت إليه بعد : فيمن يكون هذا الأمر ؟ قال : فكتب إليّ : في الكبير من ولدي. قال : وكان أبو محمد أكبر من أبي جعفر » (١).
٦ ـ وعن أبي بكر الفهفكي قال : « كتب إليّ أبو الحسن عليهالسلام : أبو محمد ابني انصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي وهو الخلف ، وإليه تنتهي عرىٰ الإمامة وأحكامها ، فما كنت سائلي فسله عنه ، فعنده ما يحتاج إليه » (٢).
٧ ـ وعن داود بن القاسم ، قال : « سمعت أبا الحسن عليهالسلام يقول : الخلف من بعدي الحسن ، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : ولم جعلني الله فداك ؟ فقال : إنكم لا ترون شخصه ولايحلّ لكم ذكره باسمه » (٣).
٨ ـ وروى الشيخ الصدوق بالاسناد عن عبد العظيم الحسني قال : « دخلت على سيدي علي بن محمد عليهالسلام ، فلمّا بصر بي قال لي : مرحباً بك يا أبا القاسم ، أنت وليّنا حقاً. قال. فقلت له : يابن رسول الله ، إنّي اُريد أن أعرض عليك ديني فإن كان مرضياً ثبتُّ عليه حتى ألقى الله عزوجل. فقال : هات يا أبا القاسم ، فقلت : إنّي أقول : إنّ الله تبارك وتعالى واحد ليس كمثله شيء ... وإن
__________________
(١) أصول الكافي ١ : ٣٢٦ / ٧ من نفس الباب المتقدم.
(٢) أصول الكافي ١ : ٣٢٧ / ١١ من نفس الباب المتقدم.
(٣) أصول الكافي ١ : ٣٢٨ / ١٣ من نفس الباب المتقدم.
محمداً صلىاللهعليهوآله عبده ورسوله ... وإن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى ، ثمّ محمد بن علي ، ثمّ أنت يا مولاي. فقال عليهالسلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ؟ قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال : لأنه لا يرى شخصه ولا يحلّ ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. قال : فقلت : أقررت » (١).
٩ ـ وعن علي بن عبد الغفار ، قال : إن الإمام الهادي عليهالسلام كتب إلى شيعته : « الأمر لي مادمت حياً ، فإذا نزلت بي مقادير الله عزوجل آتاكم الله الخلف مني ، وأنّى لكم بالخلف بعد الخلف ؟ » (٢).
١٠ ـ وعن الصقر بن أبي دلف قال : « سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليهالسلام يقول : إنّ الإمام بعدي الحسن ابني ، وبعد الحسن ابنه القائم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (٣).
١١ ـ وروى شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي بالإسناد عن علي بن عمر النوفلي ، قال : « كنت مع أبي الحسن العسكري عليهالسلام في داره ، فمرّ عليه أبو جعفر ، فقلت له : هذا صاحبنا ؟ فقال : لا ، صاحبكم الحسن » (٤).
__________________
(١) إكمال الدين : ٣٧٩ / ١ ـ باب ٣٧.
(٢) إكمال الدين : ٣٨٢ / ٨ ـ باب ٣٧.
(٣) إكمال الدين : ٣٨٣ / ١٠ ـ باب ٣٧.
(٤) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٩٨ / ١٦٣.
١٢ ـ وعن أحمد بن محمد بن رجاء صاحب الترك ، قال : « قال أبو الحسن عليهالسلام : الحسن ابني القائم [ أي بأمر الإمامة ] من بعدي » (١).
١٣ ـ وعن أحمد بن عيسىٰ العلوي من ولد علي بن جعفر ، قال : « دخلت على أبي الحسن عليهالسلام بصريا فسلمنا عليه ، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي محمد قد دخلا ، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلم عليه ، فقال أبو الحسن عليهالسلام : ليس هذا صاحبكم ، عليكم بصاحبكم ، وأشار إلى أبي محمد » (٢). إلى غير هذا من النصوص الكثيرة التى انتخبنا منها تلك الأحاديث.
مزاعم بعض المرتابين بإمامة العسكري عليهالسلام :
أصّر بعض المرتابين بإمامة أبي محمد عليهالسلام على تبنّي اعتقادهم حتى بعد سماعهم النص عليه ووفاة أبي جعفر في حياة أبيه ، فقالوا بإمامة أبي جعفر المعروف بالسيد محمد بن الإمام الهادي عليهالسلام وتوقفوا عنده ، واعتقد بعضهم بغيبته وهم المحمدية ، واعتقد آخرون بوفاته وإمامة جعفر بن علي بعده. وهم لم يعتمدوا في ذلك سوى الأراجيف والأباطيل التي كان يبثها ضعاف النفوس والمتربصين بالتشيع ، ولم تكن لديهم في أقوالهم تلك أدنى حجة أو برهان ، ومما يدل على فساد قولهم أمور عديدة ، وهي :
١ ـ عدم وجود النص الذي يثبت مدّعاهم.
٢ ـ ثبوت النص على أبي محمد عليهالسلام وولده الإمام المهدي عليهالسلام ، كما في الأحاديث التي قدمناها ، ومنها ما يصرح بالنص على إمامة الإمام الحسن
__________________
(١) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٩٩ / ١٦٤.
(٢) كتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٩٩ / ١٦٥.
العسكري عليهالسلام في حياة أبي جعفر ، والملاحظ أن النص على أبي محمد عليهالسلام كان في فترات تاريخية تستغرق معظم الاعوام الاثنين والعشرين التي قضاها مع أبيه ، فقد نص عليه بصريا ولمّا يزل صغيراً في المدينة كما مرّ ، ونص عليه بعد وفاة أبي جعفر أي نحو سنة ٢٥٢ ه ، كما تقدم في جملة من الأحاديث ، ونص عليه قبل وفاته بأربعة أشهر كما في الحديث الأول ، وأخبر بعض أصحابه أن الإمام هو الذي يصلي عليه ، فصلى عليه أبو محمد عليهالسلام ، ونحو هذا مما تقدم في أحاديث النص عليه بالإمامة.
٣ ـ ثبوت موت أبي جعفر في حياة أبيه الإمام الهادي عليهالسلام موتاً ظاهراً معروفاً ، وقد ورد خبر موته رضياللهعنه متواتراً (١). ومن هنا قال : شيخ الطائفة : وأما المحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي العسكري وأنه حي لم يمت ، فقولهم باطل لما دللنا به على إمامة أخيه الحسن بن علي أبي القائم عليهالسلام ، وأيضاً فقد مات محمد في حياة أبيه عليهالسلام موتاً ظاهراً ، كما مات أبوه وجده ، فالمخالف في ذلك مخالف في الضرورات (٢) ، ثم أورد ما يدلّ على وفاته من الحديث.
٤ ـ شهادة المخالفين بإمامة أبي محمد العسكري عليهالسلام وإقرارهم بفضله ، ومنهم المعتمد الذي قصده جعفر الكذاب بعد وفاة أبيه عليهالسلام ملتمساً دعم السلطة له في دعواه الإمامة ، فقال له المعتمد : « إن منزلة أخيك لم تكن بنا ، إنّما كانت
__________________
(١) راجع علي سبيل المثال : أصول الكافي ١ : ٣٢٦ ـ ٣٢٨ الأحاديث رقم ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٢ باب الاشارة والنص علي أبي محمد عليهالسلام من كتاب الحجة ، وإكمال الدين : ٣٢٨ / ٨ باب ٣٧ ، وكتاب الغيبة / الشيخ الطوسي : ٢٠٣ / ١٧٠ وغيرها كثير.
(٢) الغيبة / الشيخ الطوسي : ١٩٨ و ٢٠٠ ، وراجع ص : ٨٣.
بالله ، ونحن كنا نجتهد في حط منزلته والوضع منه ، وكان الله يأبى إلا أن يزيده كلّ يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة ، وحسن السمت ، والعلم والعبادة ، فان كنت عند شيعة أخيك بمنزلته ، فلا حاجة بك إلينا ، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ، ولم يكن فيك ما كان في أخيك ، لم نغن عنك في ذلك شيئاً » (١).
ومن رجال البلاط عبيد الله بن يحيى بن خاقان ، الذي كان للإمام العسكري عليهالسلام مجلس معه ، فتعجب ابنه أحمد بن عبيد الله لمظاهر الحفاوة والإكرام والتبجيل التي حظي بها الإمام عند أبيه عبيد الله فقال له : « يا أبه من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبيك ؟ فقال عبيد الله ابن خاقان : يا بني ذاك إمام الرافضة ، ذاك الحسن ابن علي المعروف بابن الرضا. فسكت ساعة ، ثم قال : يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا ، وإن هذا ليستحقّها في فضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً.
قال أحمد : فازددت قلقاً وتفكراً وغيظاً على أبي وما سمعت منه واستزدته في فعله وقوله فيه ما قال : فلم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره والبحث عن أمره ، فما سألت أحداً من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس ، إلا وجدته عنده في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على جميع أهل بيته ومشايخه ، فعظم قدره
__________________
(١) إكمال الدين : ٤٧٩ ـ آخر باب ٤٣ ، الخرائج والجرائح ٣ : ١١٠٩.
عندي إذ لم أر له ولياً ولا عدواً إلا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه ... » (١).
٥ ـ انقراض هذه الفرقة وكذلك تلك التي تفرّعت عنها ، في وقت متقدم من نشأتها ، وفي هذا دليل على بطلانها ، وفي هذا قال الشيخ المفيد : « فلما توفي [ الإمام أبو الحسن عليهالسلام ] تفرّقوا بعد ذلك ، فقال الجمهور منهم بامامة أبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام ونقلوا النص عليه وأثبتوه.
وقال فريق منهم : إن الإمام بعد أبي الحسن ، محمد بن علي أخو أبي محمد عليهالسلام ، وزعموا أن أباه علياً عليهالسلام نص عليه في حياته ، وهذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه ، فدفعت هذه الفرقة وفاته ، وزعموا أنه لم يمت ، وأنه حيّ ، وهو الإمام المنتظر.
وقال نفر من الجماعة شذوا أيضاً عن الأصل : إن الإمام بعد محمد بن علي ابن محمد بن علي بن موسى عليهالسلام ، أخوه جعفر بن علي ، وزعموا أن أباه نص عليه بعد مضي محمد ، وأنه القائم بعد أبيه.
فيقال للفرقة الاولى : لم زعمتم أن الإمام بعد أبي الحسن عليهالسلام ابنه محمد. وما الدليل على ذلك ؟ فإنّ ادّعوا النص طولبوا بلفظه والحجة عليه ، ولن يجدوا لفظاً يتعلقون به في ذلك ، ولا تواتر يعتمدون عليه ، لأنهم في أنفسهم من الشذوذ والقلّة على حدّ ينفي عنهم التواتر القاطع للعذر في العدد ، مع أنّهم قد انقرضوا ولا بقية لهم ، وذلك مبطل أيضاً لما ادّعوه.
__________________
(١) أصول الكافي ١ : ٥٠٤ / ١ باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهالسلام من كتاب الحجة ، إكمال الدين : ٤٢ مقدمة المؤلف ، الإرشاد ٢ : ٣٢٢ ، روضة الواعظين : ٢٥٠ ، إعلام الورى ٢ : ١٤٧.
ويقال لهم في ادعاء حياته ، ما قيل للكيسانية والناووسية والواقفة ، ويعارضون بما ذكرناه ، ولا يجدون فصلاً ، فأما أصحاب جعفر فإنّ أمرهم مبني على إمامة محمد ، وإذا سقط قول هذا الفريق لعدم الدلالة على صحّته وقيامها على إمامة أبي محمد عليهالسلام ، فقد بان فساد ما ذهبوا إليه » (١).
موقف الإمام العسكري عليهالسلام تجاه المدعيات الباطلة
يمكن تلخيص موقف الإمام العسكري عليهالسلام حيال تلك الشرذمة القليلة التي حاولت عبثاً التشكيك بإمامته ، بأمرين وهما :
الأول : الرسائل والتوقيعات التوجيهية
بعث الإمام العسكري عليهالسلام عن طريق وكلائه المزيد من الرسائل والوصايا التوجيهية إلى شيعته ومواليه في مختلف ديار الإسلام ، وبعضها مفصلة نسبياً ، وهي تحمل في طياتها الدعوة إلى التمسك بمبادئ الاسلام والعمل بشريعته السامية ، والتعلّق بسبيل الحق المتمثل بولاية أهل البيت عليهمالسلام ، واعتقاد إمامته عليهالسلام (٢). وكان لتلك الرسائل دور فاعل في ازالة شكوك من كان يبحث عن الحجة والبرهان من المرتابين في إمامته عليهالسلام ، وحيثما التقوا بالحجة والبرهان في عمق بصيرتهم ، انفتحوا على نتائج الحقيقة ، فزال شكّهم ، والتحقوا بركب التشيع العريض الواسع.
عن أحمد بن إسحاق ، قال : « دخلت على مولانا أبي محمد الحسن بن علي
__________________
(١) الفصول المختارة / السيد المرتضي : ٣١٧ ، دار المفيد ـ ٤١٤ ه.
(٢) راجع : تحف العقول : ٢٥٨ وما بعدها ، المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩ بحار الأنوار ٧٨ : ٣٧٠ باب ٢٩.