شرح زيارة عاشوراء

عبدالرسول النوري الفيروزكوهي [ الفاضل المازندراني ]

شرح زيارة عاشوراء

المؤلف:

عبدالرسول النوري الفيروزكوهي [ الفاضل المازندراني ]


المحقق: السيد حسن الموسوي الدرازي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: وفا
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-8438-70-3
الصفحات: ٢١٥

ورِوَاية (١) : (عَبد الله بن سِنَان) (٢) عَن أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام : «إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَتَبَسَّمَ ـ فِسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ـ قَالَ : نَعَمْ ، عَجِبْتُ لِمَلَكَيْنِ هَبَطَا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، يَلْتَمِسَانِ عَبْداً صَالِحاً مُؤْمِناً فِي مُصَلّىً كَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، لِيَكْتَبَا لَهُ عَمَلَهُ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ ، فَلَمْ يَجِدَاهُ فِي مُصَلَّاهُ فَعَرَجَا إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَا : رَبَّنَا عَبْدُكَ فُلَانٌ المُؤْمِنُ الْتَمَسْنَاهُ فِي مُصَلَّاهُ لِنَكْتُبَ لَهُ عَمَلَهُ لِيَْمِهِ وَلَيْلَتِهِ فَلَمْ نُصِبْهُ ، فَوَجَدْنَاهُ حِبَالِكَ (٣) ، فَقَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : اكْتُبَا لِعَبْدِي مِثْلَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ فِي صِحَّتِهِ مِنَ الخَيْرِ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ مَا دَامَ فِي حِبَالِي ، فَإِنَّ عَلَيَّ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ أَجْرُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ إِذْ حَبَسْتُهُ عَنْهُ» الحديث.

فَانظُر إلى قولِهِ «عَلَيَّ أَنْ أَكْتُبَ لَهُ أَجْرَ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ إِذْ حَبَسْتُهُ عَنْهُ» أي عليَّ تَدارُك مَا فوَّتهُ عَلَيه ، وَكلِمةُ «عَلَيَّ» مُفِيدةٌ لِلالتِزَامِ بِالفِعلِ وقُبحِ التَّرْك.

ونَحوه (خَبَرٌ آخَرٌ) (٤) لابنِ سِنانٍ عَنهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ : «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَكِ المُوَكَّلِ بِالمُؤْمِنِ إِذَا مَرِضَ : اكْتُبْ لَهُ مَا كُنْتَ تَكْتُبُ لَهُ فِي صِحَّتِهِ ، فَإِنِّي الَّذِي صَيَّرْتُهُ فِي حِبَالِي» ، إلى غَيرِ ذَلكَ مِمَّا وَردَ فِي هَذا البَاب ، وَه كَثيرٌ جِدَّاً وَفَيما ذَكرنَا كِفَاية إِن شَاءَ اللهُ.

__________________

(١) رواه الكليني في الكافي (٣ / ١١٣) وعنه الوسائل (٢ / ٣٩٧) والبحار (٢٢ / ٨٣).

(٢) عبد الله بن سنان بن طريف مولى بني هاشم ، يُقال مولى بني أبي طالب ، ويقال مولى بني العباس. كان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد ، كوفيّ ثقة ، من أصحاب الإجماع ، جليل لا يطعن عليه في شيء ، عدّه الشيخ من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام ، وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذمِّ واحدٍ منهم (معجم رجال الحديث ١١ / ٢٢٤).

(٣) أي وجدناهُ ممنوعاً عن أفعالهِ الإرادية كالمربُوط بالحبال (مرآة العقول ١٣ / ٢٦٢).

(٤) الكافي (٣ / ١١٣) وعنه الوسائل (٢ / ٣٩٨).

٦١

[شرح «يَا عَلْقَمَةُ إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ تُومِئَ إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ ...»]

قوله عليه السلام : * (يَا عَلْقَمَةُ إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ تُومِئَ إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ ، وَقُلْتَ عِنْدَ الْإِيمَاءِ إِلَيْهِ وَبَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ هَذَا الْقَوْلَ) *

عِبارَةُ (المِصْباح) هُنا مِن بعدِ التَّكبيرِ وهو الصَّحِيح ، والرَّكعَتان مِن سَهوِ القَلمِ كَما يتَضِحُ فِيما بَعد.

ثُمَّ أنَّه ذَكرَ الرَّكعَتَينِ أَوَّلاً بِصِيغَةِ التَّعرِيفِ لِيكُونَ أّداة التَّعرِيف إِشَارةٌ إِلى مَا سَبقَ ذِكرهُ ، كَقولِهِ تَعالى (أَرْسَلْنَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) [المزمل آية ١٥ ، ١٦] ، ومِن هُنا يتَجِهُ أن يُقال إنَّ ذِكرَ التَّكبِير هُنا أيضَاً بِصِيغةِ التَّعرِيفِ يَقتَضِي سَبق ذِكر «لَهُ» أيضَاً حَتَّى يَكونَ التَّعرِيف إِشَارةٌ إلِيهِ كَما فِي الرَّكعَتَينِ فَيُحتَمل قَويَّاً ، بَل هُو المُتَعيَّن أن تكون العِبارة السَّابِقة هَكذا «بَرَزَ إِلَى الصَّحْرَاءِ أَوْ صَعِدَ سَطْحاً مُرْتَفِعاً فِي دَارِهِ ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ السَّلَامَ» فكَانَ التَّكبِيرُ مَذْكُوراً أوَّلاً أيضَاً كالرَّكعَتَين ، فلِذَا أتَى بِكلٍّ مِنهُما ثانِياً بِصيغَةِ التَّعرِيف ، لأِجلِ سَبقِ الذِّكرِ ، لكِن التَّكبِير سَقَط مِن قَلمِ الرُّواةِ أو النُّسَاخ ، بَل المُحتمل قَويَّاً أَن تكونَ العِبارة «وَكبِّر مِائَةَ مَرَّة» كَما سَيظْهرُ فِيما بَعد.

ولَعمْرِي أنَّ النَّاظرَ فِي العِبارَة أَعنِي قولَهُ «إِذَا أنتَ صَلَّيْتَ الرَّكعَتَين» إلى

٦٢

قولِهِ «مِن بَعْدِ التَّكْبيرِ» كُلَّما ازدَادَ فيها نَظراً وتَأمَّلاً ازْدَاد هَذا الاحتِمال عِندَهُ وضُوحاً وظُهوراً ، ثُمَّ أنَّه يُستفادُ مِن هَذهِ العِبارَة تَرتِيب العَمل بِدلَالَةٍ وَاضِحَة ، وأنَّ أوَّلَهُ التَّكبِير ثُمّ الإيْماء إِليهِ عليه السلام بِهذَا القَولِ ثُمَّ صَلاة الرَّكعَتَين ، إلَّا أنَّهُ عليه السلا سَلكَ فِي بَيانِ التَّرتِيبِ مَسلَكَ القَهقَرَى ، فابْتدَأ بالآخرِ مُنتَهياً إلى الأوَّلِ ، فكأنَّهُ قَال : «إِذَا أَنْتَ صَلَّيتَ الرَّكعَتَين بَعد الإيْمَاء إلِيهِ بِالسَّلَامِ وَأَومَأَت إلِيهِ بِهذَا القَولِ بَعد التَّكبِير فَقد دَعَوت ، فَيكُونَ التَّكبِير أوَّلاً ، والصَّلَاة آخِراً ، والإِيمَاء بِهذَا القَولِ وَسَطاً».

بقِيَ الكَلامُ فِيما وعَدنَاك مِن أنَّ الصَّحيحَ هو التَّكبِير كَما هو فِي (المِصْباح) ، وَأنَّ الرَّكعَتَينِ كَما فِي (الكَامِلِ) مِن سَهو القَلَم ، ولَابُدَّ أوَّلاً مِن نَقلِ كَلام (العلَّامة المَجلِسيِّ قدس سره).

قال رحمه الله في (البحار) (١) ، بَعدَ نَقل مَا فِي (الكَاملِ) و (المِصْباحِ) :

«بَيَانٌ ؛ قَولهُ عليه السلام «إِذَا أنْتَ صَلَّيتَ الرَّكعَتَين» فِي العِبَارَةِ إِشْكالٌ وَإِجْمَالٌ وَتَحْتَمِلُ وُجُوهَاً :

الْأوَّلُ : أَنْ يَكُونَ المُرَاد فِعْل تِلْكَ الْأَعْمَالِ وَالْأَدْعِيةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبَعْدهَا مُكَرَّر.

الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ المُرَادُ الْإِيْمَاء بِسَلَامٍ آخَرٍ بِأَيِّ لَفْظٍ أَرَاد ، ثُمَّ الصَّلَاة ، ثُمَّ

__________________

(١) بحار الأنوار (٩٨ / ٣٠١).

٦٣

قِرَاءَة هَذِهِ الْأَدْعِية المَخْصُوصَة.

الثَّالِثُ : أَن يَكُونَ المُرَادُ بِالسَّلَامِ قَوله السَّلَامُ عَلَيكَ إِلَى أَنْ يَنْتَهِي إِلَى الْأَذْكَارِ المُكَرَّرَةِ ، ثم يُصَلِّي وَيُكَرِّر كُلّاً مِنَ الدُّعَائَينِ مِائةً بَعدَ الصَّلَاة وَيَأْتِي بِمَا بَعْدَهُمَا.

الرَّابِعُ : أَنْ تَكُونَ (١) الصَّلَاةُ بَعْدَ تِكْرَارِ الذِّكْرَينِ مِائَةً مِائَةً ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ الصَّلَاةِ «اللهُمَّ خُصَّ أَنْتَ أَوَّلَ ظَالِمٍ» إِلَى آخِرِ الْأَدْعِيةِ.

الخَامِسُ : أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُتَوسِطَةٌ بَينَ هَذِين الذِّكْرَينِ لِقَولِهِ عليه السلام «وَاجْتَهَدَ عَلَى قَاتِلِهِ بِالدُّعَاءِ ، وَصَلَّى بَعْدَهُ».

السَّادِسُ : أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُتَصِلَةٌ بِالسُّجُودِ ، وَلَعَلَّ هَذِهِ أَظْهَرُ لِمُناسَبَةِ السَّجُودِ للصَّلَاةِ ، وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الخَيْرِ كَون الصَّلَاة بَعْدَ كُلِّ سَلَامٍ وَلَعْنٍ ، واحْتِمال كَون الصَّلَاةِ بَعْدَ الْأَذْكَارِ مِنْ غَيْرِ تَكْرِيرٍ بَعْدَهَا بَعِيْدٌ جِدَّاً.

ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ فِي (المِصْبَاحِ) وَ (مَزَارِ السَيَّدِ (٢)) (٣) مَكَانَ قَولِهِ «مِنْ بَعدِ الرَّكعَتَينِ» قَوله «مِن بَعدِ التَّكبِيرِ» ، فَلَعَلَّ المُرَاد بِالتَّكْبِيرِ الصَّلَاة مَجَازَاً ، وَعَلَى

__________________

(١) في الأصل : «يكون».

(٢) مصباح الزائر وجناح المسافر : للسيد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس ، وهو أول تصانيفه كما يظهر من كتابه كشف المحجة رتبه على عشرين فصلاً ، أوله في مقدمات السفر وآدابه ، والأخير في زيارة أولاد الأئمة والمؤمنين ، طبع محققاً في قم سنة ١٤١٧ ه ـ بتحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لأحياء التراث (الذريعة ٣١ / ١٠٧).

(٣) مصباح الزائر للسيد ابن طاووس قدس سره ص ٢٦٨.

٦٤

التَّقَادِيرِ العِبَارَةُ فِي غَايَةِ التَّشْويشِ ، وَلَعَلَّ فِعْل الصَّلَاةِ فِي المَواضِعِ المُحْتَمِلَةِ كُلَّهَا ، و (الكَفْعَمِيُّ رحمه الله) (١) حَمَلَهُ عَلَى المَعْنَى الثَّانِي ، وَحَمَلَ التَّكْبِيرَ عَلَى التَّكُبِيرِ المُسْتَحَبَّ قَبْلَ الزِّيَارَةِ حَيْثُ قَالَ : «وَيُومِي إِلِيهِ بِالسَّلامِ ، وَيَجتهد فِي الدُّعَاءِ عَلى قَاتِلِهِ» ثُمَّ يُصْلِي رَكْعَتَينِ ، ثُمَّ ذَكَرَ النُّدْبَةَ وَالتَّعْزِيَةَ بِمَا مَرَّ.

ثُمَّ قَالَ : فَإِذَا أّنْتَ صَلَّيتَ الرَّكْعَتَينِ المَذْكُورَتَيْنِ آنِفَاً ، فَكَبِّرِ اللهَ مِائَةَ مَرَّةٍ ، ثُمَّ أَوْمِ إِلِيهِ ، وَقُل : السَّلَامُ عَلَيكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله إِلَى آخِرِ الزِّيَارَةِ ، ثُمَّ قَالَ المَجلِسِيُّ رحمه الله قوله عليه السلام : «أنْ تَزُورهُ فِي كُلِّ يَومٍ» هَذِهِ الرُّخْصَةُ تَسْتَلزِمُ الرُّخْصَةَ فِي تَغْييرِ عِبَارَةِ الزِّيَارَةِ أَيْضَاً كَأَنّْ يَقُولُ : اللَّهُمَّ إِنَّ يَوْمَ قَتْل الحُسَيْنِ يَوْمٌ تَبَركَتْ بِهِ» ، انتَهى فِي (البِحَارِ) كلامُهُ رُفِع في الخُلدِ مقامُهُ.

أقُولُ : لَا رَيبَ أنَّ ما رُويَ عَن البَاقِر عليه السلام فِي الكِتابَين (المِصْبَاحِ) و (الكَامِلِ) حَديثٌ واحِدٌ (٢) ، نَظراً إلى وِحدَةِ السَّائيل والمَسؤول عنهُ والسُّؤال ،

__________________

(١) الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن الكفعمي الجبعي الحارثي : والكفعمي نسبة إلى قرية كفرعيما من توابع جبل عامل ولم يبق منها الآن سوى آثار مهدمة وخالية من السكان ، والحارثي نسبة إلى حارث الهمداني من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، ولد في كفر عيما سنة ٨٤٠ ه ـ ، تتلمذ على يد والده الشيخ علي الكفعمي ، له مؤلفات كثيرة في شتى المجالات منها : جنة الأمان الواقية والجنة الباقية الشهير بمصباح الكفعمي (ط) ، البلد الأمين والدرع الحصين وهو أوسع حجماً من المصباح ولو أنه يشابهه من حيث المحتوى (ط) ، الفوائد الطريفة في شرح الصحيفة السجادية ، محاسبة النفس اللوامة وتنبيه الروح النوامة (ط) ، مجمع الغرائب وموضوع الرغائب (ط) ، توفي قدس سره في سنة ٩٠٥ ه ـ في مسقط رأسه ودفن هناك. (أعيان الشيعة ٢ / ١٨٤).

(٢) ولكن الاختلاف الكثير بين الكتابين في متن الزيارة وألفاظها كما ترى ربما يمنع في الحكم بالاتحاد ، إذ من المستبعد جدّاً أن يكون جميع ذلك من سهو الرواة والنّساخ ، فالحكم بالاتحاد مشكلٌ ، والحكم بالتعدّد أشكل ثم أشكل ، لكن هذا لا يضرّ لما نحن بصدده كما لا يخفى (منه قدس سره).

٦٥

إِذ المُستَدِعي القَائِل عَلَّمني دُعاءً أَدعو بِهِ في الكِتابَين هُو (عَلْقَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ) لَا غَير ، فَلا مَحالة يَكونُ الجَوابُ الصَّادرُ عنهُ لَفظاً واحِداً ، وكلَاماً واحِداً ، وعِبارَةً وَاحِدةً ، وَإنَّما الاختِلافُ مِن سَهوِ الرُّواةِ أو النُّساخ ، فَالصادِرُ منهُ إِمَّا مِن بعدِ التَّكبيرِ كما في (المِصْبَاحِ) ، وإمَّا مِن بَعد الرَّكعتينِ كما في (الكَامِلِ) ، كُلٌّ مُحتملٌ فِي نفسِهِ ، والمعنَى على الثَّاني صَلاة الرَّكعتَين قبلَ الزِّيارة وبعدهَا ، فَتكونُ الزِّيارةُ بَين الصَّلاتَين ، كما أنَّها على الأَوَّل تَكون بَين تَكبيرٍ وصَلاةٍ ، لكِن رِوايةُ صَفوانٍ عَن الصَّادقِ عليه السلام قَرينَةٌ واضِحةٌ صَريحَةٌ على التَّكبِير ، وأنَّهُ الصَّحِيح ، وأنَّ الرَّكعَتين مِن سَهوِ الرَّاوي أو النَّاسخ ، مُضافاً إلى تَأييدِهِ بِما في (مَزَارِ السَّيدِ رحمه الله) كما صرَّح بِهِ ، إِذ قَد عَرفتَ أنَّ معنَى العِبارة عَلى الثَّاني تِكرار الصَّلاة أوَّلاً وآخِراً ، ولَيس فِي رِواية (صَفْوَان) إلَّا صَلاةً واحِدةً بعد الزَِيارة الَّتي رَواها (عَلْقَمَةُ) عَن البَاقِر عليه السلام ، كَما هُو نصُّ قَولِ (سَيفٍ) حيثُ قال : «فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الزِّيَارَةِ ـ يعني زِيارَة أمير المؤمنين عليه السلام ـ صَرَفَ صَفْوَانُ وَجْهَهُ إِلَى نَاحِيَةِ أَبِي عَبْدِ اللَهِ عليه السلام .. فَدَعَا صَفْوَانُ بِالزِّيَارَةِ الَّتِي رَوَاهَا عَلْقَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ [الحَضْرَمِيُّ] ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» ، وهذا كما تَرى صَريحٌ في وحدَةِ الصَّلاة ، وأنَّها بعد جميع ما رواهُ (عَلْقَمةُ) مِن الزِّيَارة ، فَلو كَان فِي عَمل (صَفوان) صَلاة أُخرى قَبل الزِّيارة أيضاً كَما هو مُقتَضى عبارة الرَّكعَتين على مَا مرَّ ، لوجَبَ ذِكرَهَا كَما ذَكَرها بعد الزِّيارة ، وإذ لَيس فَليس ، فَظَهرَ أنَّ مَا فعلهُ (صَفْوانُ) حاكِياً عَن فِعلِ الصَّادق عليه السلام ومَا رواهُ (عَلْقمَةُ) حاكِياً عَن قَولِ البَاقرِ عليه السلام كانَا مُتَطابِقَين مُتَوافِقينَ لَا

٦٦

اختلافَ بَينهُما إلَّا في الدُّعاءِ الَّذي رواهُ (صَفْوانُ) عَن الصَّادق عليه السلام ، فلذا خصَّ (سّيفٌ) السُّؤال بِهِ فقَال : «فَسَأَلْتُ صَفْوَانَ فَقُلْتُ لَهُ : إِنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَأْتِنَا بِهَذَا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام إِنَّمَا أَتَانَا بِدُعَاءِ الزِّيَارَةِ» لكن فِعلُ صفوان خالٍ عَن الصَّلاة قبل الزِّيارة المزبُور ، فيجِبُ خلّو قول (عَلْقَمة) عَنها أَيضاً قضيَّةً للتَّطابق ، فتعيَّن أن يَكونَ لفظُ الرَّكعتين مِن سَهوِ القَلم ، وأنَّ الصَّحيحَ هو التَّكبير كَما في (مَزارِ السَّيدِ ابْنِ طَاووس رحمه الله) أيضاً.

فإِن قُلتَ : إِنَّا نمنَعُ التَّطابُق المَزبُور ، وسَندُ المنعِ خُلوّ فِعل (صَفوان) عَن التَّكبيرِ أيضاً ، فَلو كَان الخُلّو دَليلاً عَلى العَدمِ ، لدَلَّ عَلى نِفي التَّكبيرِ أيضاً ، وأنتَ قد قرَّرتَ إِثباته بِما في (المِصبَاحِ) ، فَيَتحصَّل التَّعارض بَين الخَبرينِ في إثبَاتِ التَّكبِيرِ ونَفيهِ.

قُلتُ : مَا رواهُ (صَفوان) عَن فِعل الصَّادق عليه السلام مِن هذِهِ الزِّيارة قد كَان مُتصلاً بزيارةِ الأميرِ عليه السلام لقولِهِ : «فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الزِّيَارَةِ صَرَفَ صَفْوَانُ وَجْهَهُ إِلَى نَاحِيَةِ أَبِي عَبْدِ اللَهِ عليه السلام» فَقد تَعرَّض لِنقلِ وسَطِ العَملِ وَلم يتعرَّض لابْتدائِهِ ، فَلعلّ التَّكبير كَان قبل الزِّيارَتين مِن بابِ التَّداخل بَينَهُما فِيهِ ، بَل هو الظَّاهِر بِشهادَةِ وقوعِ التَّداخل بَينهُما في الودَاع ، كما هو صَريحُ فَقراتِهِ ، والتَّكبير افتتاحُ العَمل ، والودَاع اختِتامه ، فكَما وقَع التَّداخل بَين الزِّيارتين في الاختتامِ ، فالظَّاهرُ أنَّ الافتتاحَ أيضاً كَذلك ، وأمَّا تَصحِيح

٦٧

العِبارَتينِ أي مِن بعدِ التَّكبيرِ ومِن بعدِ الرَّكعتين ، وتَوجيه أَحدَيهما بحيثُ ترجع إلى الأُخرى ، إمَّا بِحملِ التَّكبيرِ عَلى الصَّلاةِ مجازاً تَسميةً لِلكُلِّ باسمِ الجُزء كَما أشارَ إلِيهِ في (البِحَار) ، وإمَّا بِحملِ الرَّكعَتَينِ عَلى التَّكبيرِ مَجازَاً ، إِطلَاقاً لاسم الكُلّ على الجُزءِ ، كَما اختارَهُ بَعضُ الأجِلّاءُ مِن السَّادةِ الفُحول صاحب كِتاب مطالع الأنوار في بَعضِ أَجوبةِ مسائلِهِ ، فلعلّه خَطأٌ ظَاهِرٌ إِذ ذلك مع بُعدهِ في نفسِهِ كَما لا يخفى إِنّما يَتمُّ إِذا فَرضَ صُدورهُما مَعاً وقَد عَرفت خِلَافه ، فَالمُتعيَّن هُو الحمل عَلى السَّهوِ لا غَير ، ثُمّ لَو فَرضْنَا تَساوي الاحْتِمالَين وفَقد المُرجّح في البَين ، فغايةُ الأمرِ الرُّجوع إلى الاحتياطِ بالجَمعِ بينَ التَّكبير والصَّلاة قبل الزِّيارة حتَّى يَحصل العَمل بالاحْتِمالَين ، وهو أمرٌ سهلٌ هيِّن ، فما احتمله في (البِحَارِ) واختارهُ بعض شُيوخِنا (قَدَّسَ اللهُ أسْرَارَهُم) مِن تَكرِير مَتن الزِّيارة أَيضاً لَا وجه لهُ أصلاً.

وممَّا ذَكرَنا ظَهَرَ أنَّ الصَّادر في الاختلافِ الآخر بَينَ الكتابين أيضاً أحدُ الأمرين ، إمَّا «وقُلْت» كَما في (الكَامِل) ، وإِمَّا «فَقُلْ» كما في (المِصْبَاح) ، وأنَّ الآخر من سَهو القَلم ، وظاهرٌ أنّ الأوّل أولَى بالاعتِبار ، وأقربُ إلى النَّظم ، وأبعدُ عن التكلّفِ والتَّعسفِ فهو أولى بالصُّدورِ مِنه عليه السلام ، بِخلاف الثَّاني فإنَّه لَا يخلو عَن تكلفٍ وتسعفٍ كما لا يَخفى ، وحينَئذٍ فالأولَى أن يَكونَ الواو حَاليّة ، والتَّقدير بَعد أن تُومئ إليهِ بالسَّلامِ قائلاً عِند الإيماءِ إِلِيهِ مِن بَعدِ التَّكبيرِ هضا القَول ، لَا عاطِفة عَلى «تُومِئ» كما اَختارُهُ بعضُ الأجلّاءِ المُتَقدِّم ذِكرهُ فِيما مرَّ مِن كتابِهِ ، لأنَّ المَعطوفَ عَليه مُضارع ، فالأَولى التَّعبيرُ بِه

٦٨

في المَعطُوف أيضَاً ، ولَا وجهَ للعدُولِ إلى الماضِي.

نعم ، العَطفُ على «صَلَّيتَ» وجَيهٌ ، وعليهِ فالتَّقديرُ : «يَا عَلْقَمَةُ إِذَا صَلَّيتَ الرَّكْعَتَينِ بَعدَ الْإِيْماءِ إلِيهِ بِالسَّلَامِ ، وَقُلتَ هَذَا القَولَ عِنْدَ الْإِيمَاءِ مِن بَعْدِ التَّكبِيرِ فَقَد دَعَوتَ بدُعَاءِ زُوَّارِهِ مِنَ المَلَائِكَة» ، فَقد ظهرَ أنَّ المرجِع في أحدِ الاْتِلافَينِ هو (المِصْبَاح) ، وفي الآخر (كَامِلِ الزِّيَارة) ، فهُما في ذَلك مُتَعاكِسان ، وظهَرَ أيضَاً أنَّ الرِّوايةَ أَصلاً بِمُلاحَظةِ القَرينَةِ المزْبُورة لَا تَشْويشٌ ولَا إِجمالٌ فيها أصلاً ، بَل هِي في كمالِ الظُّهورِ في إِفادَةِ المُراد.

والعجَبُ مِن (العَلَّامَةِ المَجْلِسيّ رحمه الله) ومَن يحذُو حّذوهُ ، كيفَ رضُوا مِن أنفًسهِم بأن يَنسُبوا الإجمَال والإِبهام إِلى الرَّوايَة ، مع أنَّه لَا رَيبَ أنَّها ورَدَت في مَقامِ البَيانِ وتَعلِيم الرَّاوي العَظيمِ الشَّأن ، كَيفِية الزِّيارَة الشَّريفَة عَقِيب استدعَائِهِ وسُؤاله إِجابةً لهُ ، ولا يَعقِل هُنالِك جِهةٌ مُقتَضيةٌ لِتعمِية المُراد عَلى السَّائلِ وإبهَامِهِ عَليه ، فيكُون الإبهَام والإِجمال نَقضاً للغَرضِ ، بل دالّاً على عجزِ المُتكلّم وقصُورِهِ عن إفادَة مَرامِه ومُرادِه ، تَعالى وتَعالوا عَن ذلكَ عُلوّاً كَبيراً ، وقد مرَّ سابِقاً أنَّ مفادَ عِبارَة الرِّواية ومُؤدَّاها في تَرتيبِ العمَلِ وكيفَيةِ الزِّيارةِ الشَّريفَة هو التَّكبِير أوَّلاً ، ثُمّ الشُّروع في الزِّيارَةِ المَأثُورةِ المَزبورَةِ على التَّرتيبِ المَعهودِ إلى الفَراغِ عَن السَّجدةِ ، ثُم صَلاة الرَّكعَتين.

وبِذلكَ قد تمَّت زيارَتهُ على روايةِ يا (عَلْقَمَةُ) ، وحَصلَ لهُ الثَّواب المَوعُود ، لِصريحِ قولِهِ عليه السلام في ذَيلِ الرِّوايةِ «يَا عَلْقَمَةُ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَزُورَهُ كُلَّ

٦٩

يَوْمٍ مِنْ دَارِكَ [أَوْ دَهْرِكَ] بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ فَافْعَلْ ، وَلَكَ ثَوَابُ جَمِيعِ ذَلِكَ» ، ومَعلُومٌ أنَّ المُشارَ إليهِ بقولِهِ «بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ» ، هُو هَذا المقدَار الَّذي علَّمهُ السَّائل.

وأمّا الذي رواهُ (صَفْوَان) فَهو وَداعٌ لا زِيارَة ، وفرقٌ ظاهِرٌ بين الودَاعِ وبَين الزِّيارة ، فالزِّيارةً عِند اللِّقاء ، والودَاع عِند الرَّحيلِ والفِرَاق ، وذَلك لِتصريحِ الرَّاوي بِلفظِ الودَاع حيثُ قال : «ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ رَأْسِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَوَدَّعَ فِي دُبُرِهِمَا أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عليه السلام وَأَوْمَى إِلَى الْحُسَيْنِ بِالسَّلَامِ مُنْصَرِفاً بِوَجْهِهِ نَحْوِهِ ، وَوَدَّعَ وَكَانَ فِيمَا دَعَاهُ فِي دُبُرِهَا يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ» ثُمّ قال : «وَرَدْتُ مَعَ سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام إِلَى هَذَا المَكَانِ ، فَفَعَلَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَاهُ فِي زِيَارَتِنَا ، وَدَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ عِنْدَ الْوَدَاعِ ، بَعْدَ أَنْ صَلَّى كَمَا صَلَّيْنَا ، وَوَدَّعَ كَمَا وَدَّعْنَاهُ». فَقد بانَ أنّه لَا تَنافِي بَينَ رِوايَتِي (عَلْقَمة) و (صَفْوَان) في بابِ الدُّعاءِ ، لأنَّ سؤالَ (عَلْقَمَة) إِنَّما كَان عن دُعاءِ الزِّيارَة فَقط ، حيثُ قَال : «عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِذَا أنَا زُرْتُهُ مِنْ قَرِيبٍ» فاقْتصَرَ في جوابِهِ عَلى تَعليمِ خُصُوصِ دُعاءِ الزِّيارَة مِن غيرِ تعَرُّضٍ لِدُعاءِ الودَاع.

وأمَّا رِوايةُ (صَفْوان) فإِنَّها حَاكيةٌ لِفعلِ الإِمَام في مَقامِ الزِّيارَة ، ومَعلُومٌ أنَّهُ لَا يَقتصِر في مَقامِ عَمل نَفسِهِ عَلى الزِّيارَة فَقط ، مِن دُون الودَاعِ مِن الزِّيارَة بِمنزِلَةِ التَّعقِيبِ مِن الصَّلاة ، فَهي بدُونِهِ كالصَّلاةِ بلا تَعقِيب فَافهَم ، واغَتَنِم هَذا.

٧٠

وإِذ قَد عَرَفْتَ : أنَّ التَّكبيرَ هو الصَّواب ، وأنَّ الرَّكعتين خَطأ.

فَنَقُول : الظَّاهرُ أنَّ هذا التَّكبير مِائةَ مرَّة كَما أشَرنا إليهِ سابِقاً ، والَّذي يدلُّ على ذَلك أمورٌ :

مِنْهَا : مَا رُوي مُرسلاً في حاشيةِ (مَزَارِ (١) الشَّهيدِ رحمه الله (٢)) عِند ذِكرِ زِيارة عَاشُوراء ، واللَّفظُ هكَذا : «وَعَنْ بَعْضِ الفُقَهَاءُ رُضوَانُ اللهِ عَلَيهِمْ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنْ يُكَبَّرَ قَبْلَ زِيَارَةِ عَاشُورَاءَ بِمائَةِ تَكْبِيرَة».

وهَذا كَما تَرى يدلُّ على أنَّ ذلِك البَعض قَد وجَد رِوايةً أُخرَى مُرسلةً تدلُّ على ما ذكَرَهُ.

وَمِنْهَا : تَصريحُ (الكَفْعَمِيُّ رحمه الله) (٣) بِأنَّ التَّكبِيرَ مِائةَ مرَّة كَما حكَاه عنهُ في

__________________

(١) كتاب المزار : للشهيد الأول ، رتبه على بابين ، الباب الأول يحتوي على ثمانية فصول ابتدأ بزيارة النبي صلى الله عليه وآله وانتهى بزيارة أم الحجة عليها السلام ، وختم الباب بخاتمة فيها أربعة فصول ، ثم الباب الثاني ويحتوي على سبعة فصول أعمال المساجد كمسجد الكوفة والسهلة ، ختمها بخاتمة فيها زيارة مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة والمختار ، طبع بتحقيق مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام في قم سنة ١٤١٠ ه ـ ، ثم طبع أخرى في قم سنة ١٤١٦ ه ـ بتحقيق محمود البدري ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية.

(٢) أبو عبد الله شمس الدين محمد بن مكي بن محمد المطلبي ، العاملي ، النباطي ، الجزيني ، الشهير بالشهيد الأول ، ولد في جزيّن سنة ٧٣٤ ه ـ ، درس على يد والده ثم ارتحل إلى الحلّة ودرس على يد كبارالعلماء فيها ، له العديد من المؤلفات المهمة منها اللمعة الدمشقية (ط) وقد ألفها في سبعة أيام وهو مسجون في قلعة دمشق ، ذكرى الشيعة (ط) ، الدروس الشرعية (ط) ، البيان في الفقه (ط) ، الأربعون حديثا (ط) ، المزار (ط) ، استشهد في دمشق في التاسع من جمادى الأولى سنة ٧٨٦ ه ـ ، قتل بالسيف ثم صلب ثم رجم ثم أحرق ، بفتوى من برهان الدين المالكي بسبب وشاية كاذبة عليه قدس سره (أمل الآمل ١ / ١٨١ ، أعيان الشيعة ١٠ / ٥٩ معجم رجال الحديث ١٨ / ٢٨٥).

(٣) مصباح الكفعمي ص ٤٨٢.

٧١

(البِحَار) (١) ، وهَذا يَكشِفُ عَن وجودِ نصٍّ عِندَهُ دالٌّ على ما ذَكرهُ ، إمَّا نَفس هذِهِ الرِّواية بِناءً على ما استَظهَرنا ، وإمَّا رِواية أُخرى قد لبَغته كما مرَّ في حاشيةِ (المَزار) ، ولو لَا ذَلك لما جَاز لهُ ما ذَكرهُ ، إِذ لَا مجالَ للنَّظرِ والاجْتِهاد في المَقامِ ، لِأنَّهُ أمرٌ تعبَّديٌّ مَحضٌ ، معَ أنَّ (الكَفْعَمِيَّ) وأمثَالهُ مِن أصحابِ الحَديثِ لا يَتعدَّون عَن مَدالِيل النُّصوص ، فحاشَاهُم أن يَتقوَّلُوا على اللهِ ، ويَقترِحوا في دينِهِ ما لم يَرد نصٌّ مِنهُم عليه السلام.

ومِنهَا : تَتَّبع سائِر الزِّياراتِ الطَّويلةِ المأثُورة عنهُم عليهم السلام في بابِ زِيارة النَّبيِّ صلى الله عليه وآله والأئمَّةِ عليهم السلام فيُستكشف مِن مجموعِها أنَّ الزِّيارةَ الطَّويلة دون المُختصَرات وافتِتَاحُها بالتَّكبيرِ مِائةَ مرَّة أو أَكثر ، مُتواليةً مُتواصِلةً أو بِالتَّفريقِ ، أو ما يقُوم مَقامها كما ستقِفُ عَليه.

فَمِنهَا : ما رواهُ في (البِحار) (٢) في (بَابِ زِيارَة النبيِّ صلى الله عليه وآله) عن المفيد قدس سره أنَّه قال : «إِذَا وَرَدْتَ [إِنْ شَاءَ اللهُ] مَدِينَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله فَاغْتَسِلْ لِلزِّيَارَةِ ، فَإِذَا أَرَدْتَ الدُّخُول فَقِفً عَلَى الْبَابِ وَقُل : «اللَهُمَّ إِنِّي وَقَفْتُ عَلَى بَبِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ نَبِيِّكَ ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ كَبِّرِ اللهَ تعالى مِائَةَ مَرَّة».

ومنها : ما رواهُ فيه (٣) في (باب زيارة أمير المؤمنين عليه السلام) عنِ (ابنِ

__________________

(١) بحار الأنوار (٩٨ / ٣٠١).

(٢) البحار (٩٧ / ١٦٠).

(٣) المصدر السابق ص ٢٩٧.

٧٢

طَاووسٍ قدس سره (١)) (٢) أنَّه قال : «إِذَا وَصَلْتَ إِلَى بَابِ النَّاحِيَةِ المُقَدَّسَةِ فَقُلِ : اللهُ أَكْبَرُ ثَلَاثِينَ مَرَّةً لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثَلَاثِينَ مَرَّةً ، الْحَمْدُ لِلّهِ ثَلَاثِينَ مَرَّةً ، اللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ثَلَاثِينَ مَرَّةً ، ثُمَّ مُقَدِّماً رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَقُولُ : السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، السَّلَامُ عَلَى أَخِيهِ وَوَصِيِّهِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ».

ثم حكى (٣) عن (مُؤلِّف المَزارِ الكَبير (٤)) (٥) أنَّه قال : «زِيَارَةٌ أُخْرَى لَهُ تَقْصُد بَاب السَّلَام ، وَتُكَبِّرُ اللهَ أَرْبَعَاً وَثَلَاثِيْنَ تَْبِيْرَة ، وَتَحْمَدهُ ثَلَاثاً وَثَلَاثِيْنَ تَحْمِيْدَة ، وَتَسَبِّحهُ ثَلَاثَاً وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً ، وَتُهَلِّله أَرْبَعَاً وَثَلَاثِينَ تَهْلِيَة ، ثُمَّ

__________________

(١) السيد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن الطاووس العلوي الحسني : ولُقِّب جدّه الطاووس لحُسنِ وجهه وجماله ، ولد في ١٥ محرم سنة ٥٨٩ ه ـ في الحلّة ، تولى نقابة العلويين سنة ٦٦١ ه ـ إلى حين وفاته ، له مؤلفات عديدة منها : الإقبال بصالح الأعمال (ط) ، جمال الأسبوع (ط) ، الدروع الواقية (ط) ، مهج الدعوات (ط) ، مصباح الزائر (وقد تقدم ذكره) ، الملهوف في قتلى الطفوف (ط) ، الطرائف في مذاهب الطوائف (ط) ، وغيرها الكثير ، توفي في الخامس من ذي القعدة سنة ٦٦٤ ه ـ في بغداد ثم نقل جثمانه ودفن إلى جوار أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف (أعيان الشيعة ٨ / ٣٥٨).

(٢) مصباح الزائر ص ١٤٠.

(٣) البحار (٩٧ / ٣٠٤) عن المزار الكبير ص ٢٥٦.

(٤) أبو عبد الله محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحائري ، ولد حدود ٥١٠ ه ـ وتوفي في حدود ٥٩٤ ه ـ له كتاب المزار الكبير (ط) وبغية الطالب وإيضاح المناسك (فهرس التراث ١ / ٦٠٧).

(٥) المزار الكبير لابن المشهدي كذا سماه العلامة المجلسي قدس سره ، نقل عنه السيد رضي الدين ابن طاووس في مصباح الزائر ، والسيد عبد الكريم ابن طاووس في فرحة الغريّ ، والعلامة المجلسي في البحار ، والنوري الطبرسي في مستدرك الوسائل ، يحتوي الكتاب على فضل وكيفية زيارة أئمة أهل البيت عليهم السلام وعلى أعمال مساجد الكوفة وعلى ثواب الحج وأعمال شهر رمضان وغيرها ، طبع بتحقيق جواد قيومي في قم سنة ١٤١٩ ه ـ.

٧٣

تَسْتَقْبِلُ الضَّرِيْحَ وَتَقُول : سَلَامُ اللَهِ وَسَلَامُ مَلَائِكَتِهِ».

أقول : كأنَّ مجمُوع الأذكَار المزبُورة كُلٌّ بِعددٍ مخصوصٍ فَردٌ آخرٌ ، وطَريقٌ آخر لافتتاح الزِّيارَة بِذكرِ الله تعالى في قِبالِ افتِتاحِها بِمائةِ تكبِيرةً ، كَما أنَّ اختِتامها بالوداعِ قَد ورَدَ بِطُرقٍ مُتكثَّرةٍ ، وأدعيةٍ مُتعددةٍ ، وعِبارَاتٍ مُختلفةٍ.

نَعم ؛ قَد وَردَ فِي زِيارتينِ مِن زياراتِهِ عليهِ السلام الافتتاحِ بِثلَاثينَ تَكبِيرةٍ ، ولَعلَّ الإكتفاءَ فِيهما بهذَا العَددِ لأِجلِ اختصَارِ الزِّيارَة ، أَحَدَهِما ما رَواهُ في (البِحَارِ) (١) عنِ الصَّادقِ عليه السلام أنَّهُ علَّمها (مُحمَّدَ بْن مُسلِمٍ) (٢) فَقَالَ : «إِذَا أَتَيْتَ مَشْهَدَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ فَاغْتَسِلْ لِلزِّيَارَةِ ، وَالْبَسْ أَنْظَفَ قِيَابِكَ وَشَمَّ شَيْئاً مِنَ الطِّيبِ ، وَعَلَيْكَ السَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ ، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَى بَابِ السَّلَامِ فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَكَبَّرِ اللهَ ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً ، وَقُلِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ».

والثَّانية ما رَواهُ فِيهِ (٣) عنِ (الكِتابِ العَتيقِ الغَرَويّ) (٤) وَفيهِ بَعد كَلامٍ

__________________

(١) البحار (٩٧ / ٣٧٣) عن مزار ابن مشهدي ص ٢٠٥ ، عنه الوسائل (١٤ / ٣٩٧).

(٢) قال النجاشي : محمد بن مسلم بن رياح ، أبو جعفر الأوقص الطحان ، مولى ثقيف الأعوز : وجه أصحابنا بالكوفة ، فقيه ، ورع ، صحب أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما السلام ، وروى عنهما ، وكان من أوثق الناس ، عدّه الشيخ أيضا في أصحاب الكاظم عليهما السلام ، وعده الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء ، والأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذم واحد منهم ، توفي سنة ١٥٠ ه ـ (معجم رجال الحديث ١٨ / ٢٦٠).

(٣) البحار (٩٧ / ٣٢٤) وأيضاً راجع ما روي في الكافي (٤ / ٥٧٦) في باب زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام.

(٤) قال العلامة المجلسي في البحار (١ / ١٦) : «والكتاب العتيق الذي وجدناه في الغريّ صلوات الله على مشرّفه تأليف بعض قدماء المحدثين في الدعوات ، وسميناه بالكتاب الغرويّ».

٧٤

طَويل «ثُمَّ اخْطُ عَشْرَ خُطُوَاتٍ ، ثُمَّ قِفْ وَكَبِّرْ ثَلَاقِينَ تَكْبِيرَةً ، وَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكَ».

ومنها : ما رَواهُ (الشَّهِيدُ) في (مَزارِهِ) (١) في زِيارَةِ المَبعثِ ورواهُ في (البِحارِ) أيضاً (٢) عن (المُفيد) و (السيَّد) قالوا : «إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَقِفْ عَلَى بَابِ الْقُبَّةِ الشَّرِيفَةِ مُقَابِلَ ضَرِيحِهِ عليه السلام وَقُلْ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ـ إلى أن قالوا ـ ثُمَّ ادْخُلْ وَقِفْ عَلَى ضَرِيحِهِ عليه السلام مُسْتَقْبِلاً لَهُ بِوَجْهِكَ وَالْقِبْلَةُ وَرَاءَ ظَهْرِكَ ، ثُمَّ كَبِّرِ اللهَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكَ ...».

ومنها : ما رواهُ في (كَاملِ الزِّيارة) (٣) عن (أَبِي حَمزَة الثَّمالي) عنِ الصَّادق عليه السلام أنَّهُ قَال : «إِذَا أَرَدْتَ المَسِيرَ إِلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام فَصُمْ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ ـ إِلى أَن قَال بَعد آدابٍ وأدْعيةٍ كَثيرةٍ ـ ثُمَّ تَأْتِي الشَّطَّ [بِحِذَاءِ نَخْلِ الْقَبْرِ] (٤) فَاغْتَسِلْ ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ الْبَسْ أَظْهَرَ ثِيَابِكَ فَإِذَا لَبِسْتَهَا فَقُلْ : اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ثَلَاثِينَ مَرَّة ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ تَمْشِي قَلِيلاً وَقَصَّرْ خُطَاكَ ، فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى التَّلِّ (٥) وَاسْتَقْبَلْتَ الْقَبْرَ فَقِفْ وَقُلْ : اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ثَلَاثِينَ مَرَّة ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ امْشِ عَشْرَ خُطُوَاتٍ وَكَبِّرْ ثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ امْشِ قَلِيلاً وَقُلِ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ـ إلى أَن قالَ ـ بعد عِدَّة فُصول ـ ثُمَّ كَبِّرْ خَمْساً وَثَلَاثِينَ تَْبِيرَةً إلى

__________________

(١) مزار الشهيد ص ١٣٨.

(٢) البحار (٩٧ / ٣٧٧).

(٣) كامل الزيارات ص ٣٩٣ وعنه البحار (٩٨ / ١٧٥).

(٤) من المصدر.

(٥) في الأصل : «الطل» وما أثبته هو الصحيح كما في المصدر والبحار.

٧٥

آخر الزِّيارة».

ومِنها : ما في (البحار) (١) عن (مُؤلّف المَزار الكبير (٢) عن (صفوان) عن الصَّادِق عليه السلام أنَّه قال : «إِذَا أَرَدْتَ زِيَارَةَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ فَصُمْ قَبْلَ ذَلِكَ ـ إلى أن قال ـ فَإِذَا أَتَيْتَ الْفُرَاتَ فَكَبِّرِ اللهَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَهَلِّلْ مِائَةَ مَرَّةٍ وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله مِائَةَ مَرَّةٍ إلى آخره».

ومنها : ما رواهُ في (البحار) (٣) عن (المُفيدِ) و (السَّيد) رحمهما الله في زِيارتِهِ في أوَّل يَومٍ مِن رَجبٍ ولَيلتِهِ ، ولَيلةِ النِّصفِ مِن شَعبان ، واللَّفظُ هَكذا «فَإِذَا أَرَدْتَ زِيَارَتَهُ عليه السلام فِي الْأَوْقَاتِ المَْكُورَةِ فَاغْتَسِلْ وَالْبَسْ أَظْهَرَ ثِيَابِكَ ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ ادْخُلْ عَلَى ضَرِيحِهِ وَكَبِّرِ اللهَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَقُلْ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللهِ».

ومنها : ما رواهُ في (البِحار) (٤) عن (ابن طاووس) في زَيارة إبِي ابراهيم موسى بن جعفر عليه السلام وفيه : «ثُمَّ تَدْخُلُ مُقَدَّماً رِجْلَكَ الْيُمْنَى ، فَإِذَا دَخَلْتَ فَكَبِّرِ اللهَ تعالى مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ ، وَتَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الضَّرِيحِ وَتَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ».

ومنها : ما رواهُ فِيهِ (٥) في (بَابِ زِيارَةِ العَسكريين) عن (ابن طاووس) أنَّه

__________________

(١) البحار (٩٨ / ٢٥٧).

(٢) المزار الكبير ص ٤٢٧.

(٣) البحار (٩٨ / ٣٣٦).

(٤) البحار (٩٩ / ١٦).

(٥) البحار (٩٩ / ٦٣).

٧٦

قال : «إِذَا وَصَلْتَ إِلَى مَحَلأَّةِ الشَّرِيفِ بِسُرَّ مَنْ رَأَى فَاغْتَسِلْ ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ تَدْخُلُ مُقَدِّماً رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَقِفُ عَلَى ضَرِيحِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْهَادِي عليه السلام مُسْتَقْبِلَ الْقَبْرِ وَمُسْتَدْبِرَ الْقِبَلَةِ وَتُكَبِّرُ اللهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ وَتَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ ـ وساق الزيارة إلى آخرها».

ثُم قال : «فَإِذَا أَرَدْتَ زِيَارَةَ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسنِ العَسْكَريّ فَلْيَكُنْ بَعْدَ عَمَل جَمِيعِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَبِيْهِ الهَادِي عليه السلام ثُمَّ قِفْ عَلَى ضَرِيْحِهِ وَقُل : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلَايَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ الحَسَنِ العَسْكَرِي».

ومِنها : ما رواهُ (١) في زيارتهما أيضاً نقلاً عن (السِّيد) بعد ذكر الزيارة المُتقدّمة فقال : ثم قال السيد رحمه الله «زِيَارَةٌ أُخْرَى لَهُمَا مَعاً سَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا [إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَتَسْتَأْذِنُ بِمَا تَقَدَّمَ] (٢) ، ثُمَّ تَدْخُلُ مُقَدِّماً رِجْلَكَ الْيُمْنَى ، فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى قَبْرَيْهِمَا صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمَا فَقِفْ عِنْدَهُمَا وَاجْعَلِ الْقِبْلَةَ بَيْنَ كَتِفَيْكَ ، وَكَبِّرِ اللهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ وَقُلِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمَا».

ومنها : الزِّيارةُ الجامِعةُ الكَبيرةُ المعروفة (٣) المُفتتحة بمائةِ تكبيرةٍ (٤) على النَّحو المعهود المعروف.

__________________

(١) البحار (٩٩ / ٧٣).

(٢) من المصدر.

(٣) المروية عن الإمام الهادي عليه السلام رواها الصدوق في من لا يحضره الفقيه (٢ / ٦٠٩) وفي عيون أخبار الرضا (٢ / ٢٧٢) ورواها الشيخ في التهذيب (٦ / ٩٥) وعنهم البحار (٩٩ / ١٢٧).

(٤) وهو قوله عليه السلام لموسى النَّخَعِي راوي الزيارة : «... فَإِذَا دَخَلْتَ وَرَأَيْتَ الْقَبْرَ فَقِفْ وَقُل : اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ ثَلَاثِينَ مَرَّةً ، ثُمَّ امْشِ قَلِيلاً وَعَلَيْكَ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَقَارِبْ بَيْنَ خُطَاكَ ، ثُمَّ قِفْ وَكَبِّرِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاقِينَ مَرَّةً ، ثُمَّ ادْنُ مِنَ القَبْرِ وَكَبِّرِ اللهَ أَرْبَعِينَ مَرَّةً تَمَامَ مِائِةِ تَكْبِيرَةٍ ...».

٧٧

ومِنهَا : زِيارةٌ جامِعةٌ كَبيرةٌ أُخرى غير الجامعة المعروفة أوردَها في البحار (١) عقيب الأولى فقال : «أقُولُ رَأَيْتُ مِنْ بَعْضِ تَأْلِيْفَاتِ أَصْحَابِنَا نُسْخَةً قَدِيْمَةً ذََرَ فِيْهَا هَذِهِ الزِّيَارَة وَقَدَّمَ قَبْلَهَا دُعَاءَ الْإِذْن فَقَالَ : إِذَا دَخَلْتَ المَشْهَدَ فَقِفْ عَلَى الْبَابِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَقُلِ : اللَّهُمَّ ـ إلى أن قال بعد دُعاءٍ طويلٍ مُذكورٍ في البِحار ـ ثُمَّ قُل : اللهُ أَكْبَرُ مِائَةَ مَرَّةٍ ، وَقِفْ مُسْتَقْبِلَ الضَّرِيح ، وَاجْعَلِ الْقِبْلَةَ بَيْنَ كَتِفَيْكَ وَقُلِ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتَ النُّبُوَّةِ».

ومِنها : ما رواهُ في (البِحارِ) (٢) في عِدادِ الزِّياراتِ المُطلقَة لمُطلق الإمامِ المعصومِ واللَّفظ هكذا «قَالَ السَّيِّدُ رحمه الله هِيَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عليه السلام ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ تَسْتَقْبِلُ الضَّرِيحَ بِوَجْهِكَ وَتَجْعَلُ الْقِبُلَةَ خَلْفَكَ وَتُكَبِّرُ اللهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ».

إلى غير ذلك مما يجده المُتتبِّعُ ، ولعلِّ فيما ذكرنَا مِن العددِ المَيمون وحدهُ أو بِضميمةِ الأمرينِ السَّابقين كفايةٌ لِما أوردنا.

وَللهُ الحمدُ وليّ كُلّ نِعمةٍ ومُزيل كُلّ شُبهةٍ وظُلمةٍ.

__________________

(١) البحار (٩٩ / ١٤٥).

(٢) البحار (٩٩ / ١٧٨).

٧٨

[شرح «فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتَ بِمَا يَدْعُو بِهِ ...»]

قوله عليه السلام : * (فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتَ بِمَا يَدْعُو بِهِ مَنْ زَارَهُ مِنَ المَلَائِكَةِ) * هذه العِبارة كَما ترى صريحةٌ في أنَّ هذه الزِّيارة بعينِها هي زيارةُ المَلائِكة ، وبِها يُزورونَ الحُسين عليه السلام.

وعلى هذا فيشكل الأمر في قوله عليه السلام «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي» ، إذ هذه العبارة إنَّما تصحُّ مِن البشرِ دونَ الملَك ، إذ ليس له أبٌ وأَمٌ ، اللهُمَّ إِلَّا أن يوجّه ويُقال أنَّ هذا التَّركيب مِن المنقُولاتِ العُرفية ، فهو شبيهٌ بالمَجاز المُركَّب ، كقولهِم : «أَرَاكَ تُقدِّمُ رِجْلاً وَتُؤخِّرُ أُخْرَى» ، «وَفُلَانٌ جَبَانُ الكَلْبِ» (١) ، «مَهْزُولُ الفَصِيْل» ، «طَويلُ النَّجَاد» (٢) ، وإن لم يكن ثمَّة تقدّم رِجْلٌ وتأَخرها ، ولَا كلبٌ ولا فَصيلٌ ولا نجادٌ ، وإنَّما المَقصودُ مِنهَا المَعانِي الثَّواني من التحيَّر والتَّرددِ والجُودِ وطُولِ القَامة وَنحوِ ذلِك.

فكذلِك هذا التَّركيب ، إِذ ليس المُرادُ بقولِ القَائل «بأبِي أنتَ وأُمّي» التَّفدية بأبَويهِ ، بَل المُرادُ بنفسِهِ ، إمَّا حَقيقةً أو مُبالغة فِي التَّواضع

__________________

(١) جبان الكلب : كناية عن الكرم والسخاء (لسان العرب والقاموس المحيط وتاج العروس مادة «جبن») ، ومنها قول حاتم الطائي :

فَإِنِّي جَبانُ الكَلبِ بَيتي مُوَطِّأً

أَجُودُ إِذَا مَا النَّفْسُ شَحَّ ضَمِيرُهَا

(٢) طويل النجاد كناية عن طول القامة ، والنجاد هو السيف (لسان العرب وتاج العروس).

٧٩

وتعظيم المفدى ، كما وقع التصريح بذلك في فقرات دعاء الندبة (١) كقوله «بنفسي أنت من مغيب ، ما غاب عنا بنفسي أنت من نازح ما نزح عنا» ، «بنفسي أنت من عقيد عز لا يسامى ، بنفسي أنت من أثيل مجد لا يجازى (٢)» ، وإنما أقحم الأبوان في بعض المواضع أو أكثرها ، وإن لم يكن هناك أب وأم إما بالأصل أو في الحال تعظيما للفداء ، حتى يفيد تعظيم المفدى بأبلغ وجه وأتمه ، إذ كلما عظم الفداء دل على عظم المفدى.

ولذا ورد هذا التركيب في مورد لا يصح فيه إرادة التفدية بالأبوين ، كقولها عليها السلام (٣) «بأبي العطشان حتى قضى ، بأبي المهموم حتى مضى (٤) ، بأبي من لا هو غائب فيرتجى ، ولا جريح فيداوى».

وأحسن منه قول أمها الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين عليها السلام لثلاث جوار من الحور العين دخلن عليها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله لتعزيتها وتسليتها ، وهي لا تعرفهن فتعجبت منهن فقالت لهن : «بأبي أنتن من أهل مكة أم من أهل المدينة؟! فقلن : يا بنت محمد لسنا من أهل مكة ولا من أهل المدينة ، ولا من أهل الأرض جميعا ، غير أننا جوار من الحور العين من دار السلام ، أرسلنا رب العزة (٥) إليك ، يا بنت محمد إنا إليك مشاقات.

__________________

(١) المروي عن الإمام الحجة (عج) رواه المشهدي في المزار الكبير ص ٥٧٣ ونقله السيد ابن طاووس في الإقبال (١ / ٥٠٤) ولم ينسبه لأحد.

(٢) كذا في المصادر وفي المطبوع «لا يجارى».

(٣) قول زينب عليها السلام بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام راجع الملهوف ص ١٨١ والبحار (٤٥ / ٥٩).

(٤) كذا في الأصل وفي المصادر «بأبي المهموم حتى قضى ، بأبي العطشان حتى مضى».

(٥) كذا في المصادر وفي المطبوع «رب العالمين».

٨٠