شرح زيارة عاشوراء

عبدالرسول النوري الفيروزكوهي [ الفاضل المازندراني ]

شرح زيارة عاشوراء

المؤلف:

عبدالرسول النوري الفيروزكوهي [ الفاضل المازندراني ]


المحقق: السيد حسن الموسوي الدرازي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: وفا
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-8438-70-3
الصفحات: ٢١٥

[الزيارة برواية كامل الزيارات]

وَقَالَ الشَّيْخُ (أَبُو القَاسِمِ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن قَوْلَويه) (١) في كتاب (كَامِلِ الزِّيَارَةِ) (٢) : حَّدَثَنِي (حَكِيمُ بْنُ دَاوُدَ) (٣) وَغَيْرُهُ ، عَنْ (مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الهَمْدَانِيِّ) (٤) ، عَنْ (مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّيَالِسِيِّ) ، عَنْ (سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ) وَ (صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ) مَعاً ، عَنْ (عَلْقَمَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيِّ) وَ (مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ) ، عَنْ (صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ) ، عَنْ (مَالِكٍ الجُهَنِيِّ) (٥) ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ

__________________

(١) قال النجاشي : جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه أبو القاسم : وكان أبوه يلقّب مسلمة من خيار أصحاب سعد ، وكان أبو القاسم من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الحديث والفقه ... له كتاب كامل الزيارات وهو أشهر كتبه ، توفي سنة ٣٦٨ أو ٣٦٩ ه ـ (معجم رجال الحديث ٥ / ٧٦).

(٢) للشيخ ابن قولويه المتقدم ذكره ، عبّر عنه النجاشي بالزيارات والشيخ في الفهرست بجامع الزيارات لكن المشهور كامل الزيارة ، ذكر فيه : زيارات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وثوابها وفضلها ، طبع على الحجر بتحقيق الشيخ عبد الحسين الأميني في النجف سنة ١٣٥٦ ه ـ ثم طبع في قم بتحقيق الشيخ جواد القيومي (الذريعة ١٧ / ٢٥٥).

(٣) حكيم بن داود بن حكيم من مشايخ الشيخ ابن قولويه روى عن سلمة بن الخطاب (معجم رجال الحديث ٧ / ١٩٦).

(٤) هو محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمَّان (معجم رجال الحديث ١٨ / ٣٠٣).

(٥) مالك بن أعين الجهني : عربي ، كوفي وقيل بصري ، عدّه الشيخ في أصحاب الباقر تارة وفي أصحاب الصادق تارة أخرى ، توفي في زمن الصادق عليه السلام (معجم رجال الحديث ١٥ / ١٦١).

٤١

الْبَاقِرِ عليه السلام قَالَ : «مَنْ زَارَ الحُسَينَ عليه السلام يَوْمَ العَاشِرِ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى يَظَلَّ عِنْدَهُ بَاكِياً لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِثَوَابِ أَلْفَيْ أَلْفِ حَجَّةٍ ، وَأّلْفَيْ أَلْفِ عُمْرَةٍ ، وَأَلْفَيْ أَلْفِ غَزْوَةٍ ، وَثَوَابُ كُلِّ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَغَزْوَةٍ ، كَثَوَابِ مَنْ حَجَّ وَاعْتَمَرَ وَغَزَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَمَعَ الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ».

قَالَ : قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَمَا لَمِنْ كَانَ فِي بَعِيدِ الْبِلَادِ وَأَقَصِيهَا ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ المَصِيرُ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؟

قَالَ : «إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ بَرَزَ إِلَى الْصَّحْرَاءِ ، أَوْ صَعِدَ سَطْحاً مُرْتَفِعاً فِي دَارِهِ ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِالسَّلَامَ ، وَاجْتَهَدَ عَلَى قَاتِلِهِ بِالدُّعَاءِ ، وَصَلَّى بَعْدَهُ (١) رُكْعَتَيْنِ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ ، ثُمَّ لْيَنْدُبِ الحُسَيْنَ عليه السلام وَيَبْكِيهِ ، وَيَأْمُرُ مَنْ فِي دَارِهِ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ ، وَيُقِيمُ فِي دَارِهِ مُصِيبَتَهَ بِإِظْهَارِ الجَزَعِ عَلَيْهِ ، وَيَتَلَاقَوْنَ بِالْبُكَاءِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِمُصَابِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، فأَنَا ضَامِنٌ لَهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ هّذَا الثَّوَابِ».

فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، وَأَنْتَ الضَّامِنُ لَهُمْ ذَلِكَ وَالزَّعِيمُ بِهِ؟!

قَالَ : «أَنَا الضَّامِنُ لَهُمْ ذَلِكَ ، وَالزَّعِيمُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ».

قَالَ : قُلْتُ : فَكَيْفَ يُعَزَّي بَعْضُهُمْ بَعْضاً؟!

قَالَ : «يَقُولُونَ : عَظَّمَ اللهُ أُجُورَنَا بِمُصَابِنَا بِالحُسَيْنِ عليه السلام ، وَجَعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنَ

__________________

(١) في نسخة أخرى : «بعد» (منه قدس سره).

٤٢

الطَّالِبِينَ بِثَأْرِهِ مَعَ وَلِيِّهِ الْإِمَامِ المَهْدِيِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَنْتَشِرَ يَومَكَ فِي حَاجَةٍ فَافْعَلْ ، فَإِنَّهُ يَوْمٌ نَحْسٌ لَا نُقْضَى فِيهِ حَاجَةُ مُؤْمِنٍ ، وَلإِنْ قُضِيَتْ لَمْ يُبَارَكْ فِيهَا ، وَلَمْ يَرَ رُشْداً ، وَلَا تَدَّخِرَنَّ لِمَنْزِلِكَ شَيْئاً ، فَإِنَّهُ مَنِ ادَّخَرَ لِمَنْزِلِهِ شَيْئاً فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيمَا يَدَّخِرُهُ ، وَلَا يُبَارَكُ لَهُ فِي أَهْلِهِ ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ أَلْفِ أَلْفِ حَجَّةٍ ، وَأَلْفِ أَلْفِ عُمْرَةٍ ، وَأَلْفِ أَلْفِ غَزْوَةٍ ، كُلُّهَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وَكَانَ لَهُ ثَوَابُ مُصِيبَةِ كُلِّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ وَصَدِيقٍ وَشَهِيدٍ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ، مُنْذُ خَلَقَ اللهُ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ».

قَالَ (صَالِحُ بْنُ عُقْبَةَ الجُهَنِيُّ) ، وَ (سَيْفُ بْنُ عَمِيرَةَ) قَالَ : (عَلْقَمَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيُّ) فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : عَلَّمَنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِذَا أَنَا زُرْتُهُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَدُعَاءً أَدْعُو بِهِ إِذَا لَمْ أَزُرْهُ مِنْ قَرِيبٍ ، وَأَوْ مَأْتُ إِلَيْهِ مِنُ بُعْدِ الْبِلَادِ وَمِنْ [سَطْح] (١) دَارِي.

قَالَ فَقَالَ : «يَا عَلْقَمَةُ ؛ إِذَا أَنْتَ صَلَّيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ تُومِئَ إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ ، وَقُلْتَ عِنْدَ الْإِيمَاءَ إِلَيْهِ وَمِنْ الرَّكْعَتَيْنِ هَذَا الْقَوْلَ ، فَإِنَّكَ هَذَا الْقَوْلَ ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتَ بِمَا يَدْعُو بِهِ مَنْ زَارَهُ مِنَ المَلَائِكَةِ ، وَكَتَبَ اللهُ لَكَ بِهَا أَلْفَ أَلْفَ حَسَنَةٍ ، وَمَحَا عَنْكَ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ ، وَرَفعَ لَكَ مَائَةَ أَلْفِ أَلْفِ دَرَجَةٍ ، وَكُنْتَ كَمَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام حَتَّى تُشَارِكَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ ، لَا تُعْرَفُ إِلَّا فِي الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا مَعَهُ ، وَكُتِبَ لَكَ ثَوَابُ كُلِّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ ، وَزِيَارَةِ كُلِّ مَنْ زّارَ الحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عليه السلام مُنْذُ يَوْمَ قُتِلَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ، تَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ الله ...».

__________________

(١) من نسخة أخرى (منه قدس سره).

٤٣

[مقدمة الشرح]

وأَعْلَم أَنّي قَد كُنتُ شَرعتُ أوَّلاُ في شرحِ عِباراتِ رواية أالكَامِلِ) لذكرِها في (البِحَارِ) (١) ، وعَدم ذِكر رِوَاية (المِصْبَاح) فِيه سَوى مَتن الزِّيارة ، ولَم تكُن يومئذٍ يحضُرني الكِتابان ، فلمّا وجدتُهما في عدَّة نُسخٍ قدُّمتُ رِواية (المِصباح) ، لكونِ مَتن الزِّيارةِ فيها أتمّ وأكمَل وأكْثَر تَداولاً بين النَّاس في العَمَل وأَشهر ، وَلِذا اقْتصَرَ عليه (العَلَّامَةُ المَجلِسِيُّ) (٢) في (زَادِ المِعَادِ) (٣)

__________________

(١) بحار الأنوار الجامعة لِدُرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام : للعلامة محمد باقر المجلسي الآتي ذكره ، وهو الجامع الذي لم يكتب قبله ولا بعده جامع مثله لاشتماله مع جمع الأخبار على تحقيقات دقيقه وبيانات وشروح لها غالباً لا توجد في غيره ابتدأ كتابه بكتاب العقل والجهل وانتهى بالأجازات ، وقد جَمعَ في كتابه هذا جميع ما وصل إليه من تراث أهل البيت عليهم السلام ، طبع أوّلاً على الحجر سنة ١٣٠١ في تبريز ، ثم طبع حروفي بعناية عدد من المحققين منهم محمد باقر البهبودي وهي أشهر طبعاته ، وطبع مؤخراً في ٤٤ مجلداً بتحقيق الشيخ محمود درياب مع صف كمبيوتري جديد في دار التعارف ببيروت.

(٢) محمد باقر بن محمد تقي الأصفهاني المجلسي الثاني ولد في أصفهان سنة ١٠٣٧ ه ـ ولي منصب شيخ الإسلام في زمانه ، له تصانيف كثيرة أشهرها البحار المتقدم ذكره ، ومرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول في شرح الكافي (ط) ، وملاذ الأخيار في شرح تهذيب الأحكام (ط) وغيرها من الكتب النافعة ، وقد تَرجم قدس سره الكثيرَ من الكتب والأدعية إلى الفارسية ، توفي سنة ١١١١ وقيل ١١١٠ ه ـ ، ودفن في أصفهان وقبره الآن مزار معروف (الفيض القدسي في ترجمة العلامة المجلسي المطبوع في ج ١٠٢ من البحار ، أعيان الشيعة ٩ / ١٨٥).

(٣) زاد المعاد : في أعمال السنة فارسي في خمسة عشر ألف بيت ، للعلامة المجلسي المتقدم ذكره ، كتبه باسم الشاه سلطان حسين ١١٠٧ ه ـ مرتب على أربعة عشر باباً وخاتمة ، وله عليه حواش كثيرة لم تطبع على هوامش الأصل المطبوع بل توجد على بعض النسخ الخطية منها ، وقد ترجمه إلى العربية علاء الدين الأعلمي وطبع في مؤسسة الأعلمي (الذريعة ١٢ / ١١).

٤٤

و (التُّحْفَة) (١) مَع اشْتِمالها على دُعَاء (صَفْوان) ، فَشرَعتُ في شَرحِ هذا المَتنِ فشَقَّ عليّ المُراجعة ثانياً ، وتَغيير العُنوان والتَّطبيق مع هذ الرِّواية ، فَحصَل الاخْتِلاف بَين شَرح عِباراتِ الرِّواية ومَتن الزِّيارة ، فَصارَ الأوَّل لِرواية (الكَامِلِ) ، والثَّانِي لِروَاية (المِصْباحِ) ، لَكن قَد تَعرَّضتُ في مَواضِع الاختلاف لِما يَحتاج إلى التَّعرضِ فنقول :

__________________

(١) تحفة الزائر : فارسي للعلامة المجلسي ، أورد في كتاب مزار البحار الذي فرغ منه سنة ١٠٨١ جميع ما ظفر به من الزيارات المذكورة في كتب المزار ثم ألف تحفه الزائر سنة ١٠٨٥ بالفارسية لعموم النّفع مقتصراً فيه على خصوص الزيارات المروية بطرق معتبرة عنده في مقدمه واثني عشر باباً وخاتمة وأسقط فيه جملة من الزيارات المخصوصة وغيرها ، وقد طبع كذلك مراراً ، ولما رأى شيخنا العلّامة النوري اعتبار أسانيد جملة من تلك المخصوصات أشار إلى ابن أخته وصهره على كريمته الحاج الشيخ فضل الله بن المولى عباس النوري المصلوب الشهيد ١٣ رجب سنة ١٣٢٧ بتجديد طبعه مع ملحقات من تلك الزيارات المعتبرة فأمر بطبعه في غاية الصحة والجودة في طهران سنة ١٣١٤ (الذريعة ٣ / ٤٣٨).

٤٥

[شرح سند الزيارة]

قولُهُ : * (مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) *

قال بَعضُ (السَّادة الفُحول) (١) صَاحِب كِتَاب (مطالع الأنوار) (٢) فِي أجوُبة مسائِلِه فيما كَتبهُ في شَرح زِيارةِ العاشوراء : «الظَّاهِرُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ) عَطْفٌ عَلَى (مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ) عن (سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ) ، و (صَالِحُ بْنُ عُقْبَة) مَعَاً عَنْ (عَلْقَمَةَ) ، وَالْأُخُرَى (مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل) ، عَنْ (صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ) عن (مَالِكٍ)».

__________________

(١) السيد محمد باقر بن محمد تقي الموسوي الشفتي الجيلاني الأصفهاني الشهير بحجة الإسلام الأصفهاني : ولد في رشت سنة ١١٧٥ ه ـ ، الفقيه الإمام الرئيس في أصفهان ، هاجر إلى العراق في أبان الطلب ، وأخذ في النجف عن بحر العلوم الطباطبائي ، وفي كربلاء عن صاحب الرياض ، وفي الطاظمية عن صاحب المحصول ، وفي رجوعه إلى إيران مر بقم فأخذ عن صاحب القوانين ، ولما عاد إلى أصفهان كان فقيراً لا يملك شروى نقير ، ثم نال من الثروة والمال والأملاك ما لم ينل أحد من العلماء ، وكان رئيساً مبسوط إليه في أصهان وسائر إيران ، يقيم الحدود الشرعية وله آثار فخمة لا يشيدها إلا الملوك ، مثل : مسجده في شق بيدآباد الذي بناه سنة ١٢٤٥ ه ـ ، توفي في أصفهان سنة ١٢٦٠ ه ـ ، من آثاره مطالع الأنوار (ط) ، الرسائل الرجالية (ط) ، وتحفة الأبرار (فارسي) (أعيان الشيعة ١٣ / ٤٤٢).

(٢) مطالع الأنوار المقتبسة من آثار الأئمة الأطهار ، وهو في شرح شرائع الإسلام ، خرج منه إلى آخر صلاة الأموات في خمس مجلدات طبع في قم ١٤٠٢ ـ ١٤٠٦ ه ـ (الذريعة ٢١ / ١٤٣ ، فهرس التراث ٢ / ١٣٨).

٤٦

أقُولُ : لَيتَ شِعرِي مَا الذِي دعَاهُ إلى العطفِ على (مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ)؟!

لِمَ لَا يَكُونُ العَطفُ على (حَكِيمِ بْنِ دَاود) مَع أَنَّهُ الظَّاهِر ، فيكونُ صَاحب (كامِل الزِّيارة) قد رَواهُ أَوَّلاً عن (حَكيمَ بْنِ دَاودَ) إلى (عَلْقَمَةَ) عن أبي جعفر عليه السلام ، وَثانِياً عن (مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل) إلى (مَالِكٍ) عَنه ، ولَا يلزمُ أن يكونَ روايَتهُ عن (مُحَمَّد بْنِ إِسْمَاعِيل) بالسَّماع مِنه ، حتَّى يُشكل بِأنّهُ لم يُدرِكهُ ، بَل يَكونُ بِالوجْدانِ (١) في كَتابِه ، لأنّ (الشَّيخ) قَد صرّحَ في محكِيّ (فَهرستِهِ (٢)) (٣) بِأنّ (محمد بن إسماعيل) لهُ كتابٌ ، والذي يدلّ على ذَلك أنَّ الشَّيخَ في (المِصباح) قد رواهُ عن (محمِد بن إِسماعيل) بِلا واسِطة ، والظَّاهر أنَّه كان بِالوجدانِ في كِتابِه ، لأنَّ كتَابهُ يومئذٍ كَان معْرُوفاً عندهم ككِتابِ (الشِّيخِ) عندنا ، فقول (الشَّيخ : «رَوَى الشَّيخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ» كقولنا : «رَوَى الشَّيخُ عَنِ المُفِيد» ، فَإِذا جَاز ذلك مِن الشَّيخ مَع أنَّه مُتأخِر عَن صاحِب (الكَامِل) لِأنَّه يروي عن (المُفِيد) (٤) ، و (المُفِيدُ) يروي

__________________

(١) الوجادة : هي أن يجدَ إِنسانٌ كِتاباً أو حدِيثاً مرويّ إنسَانٍ بخَطّهِ ، مُعاصر لهُ أو غير مُعاصر ، وَلم يَسمعهُ مِنه هذا الواجِد ولَا له إِجازةٌ مِنه ولَا نحوها (معجم مصطلحات الرجال والدراية ص ١٨٧).

(٢) أحد الأصول الأربعة الرجالية لشيخ الطائفة الطوسي ، ذكر فيه أسماء الرواة مع فهرست بأسماء كتبهم وطرقه إلى هذه الكتب ، طبع مراراً في النجف وإيران.

(٣) الفهرست ص ٢١٥ ت ٦٠٥ وس ٢٣٦ ت ٧٠٦ وعنه معجم رجال الحديث (١٦ / ١٠٤).

(٤) هو محمد بن محمد بن النّعمان بن عبدالسَّلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير ، أبو عبد الله ، ابن المعلم ، ولد في ١١ ذي القعدة سنة ٣٣٨ ه ـ على قول الشيخ و ٣٣٦ ه ـ على قول النجاشي ، فضله أشهر من أن يوصف ، من جملة متكلمي الإمامية ، انتهت إليه رياسة الإمامية في وقته ، وكان مقدماً

٤٧

عن صاحب (الكامل) كَان ذَلكَ مِن صاحب (الكامل) أوْلى بِالجَواز.

هَذا ولَكن هُنا إشكالٌ نسألُ اللهَ حلَّه ، وهوَ أنَّ المُستفاد مِن مجموعِ الكِتَابين (الكامِل) و (المِصباح) ، أنَّ (صالِح بن عُقْبَة) قَد سَمِع الرِّوايةَ مِن ثلاثةِ رجالٍ مِن أصحابِ أبي جعفر عليه السلام من أبيه (عُقْبَة) ، ومِن (عَلْقَمَةَ الحَضْرَمِيُّ) ومِن (مَالِكِ الجهْنِيّ) ، وحينَئذٍ كَان اللَّازِم عليهِ في مَقامِ الرِّوايةِ والتَّحدِيثِ أن يرويَها عَنهُم جَميعاً لِكلِّ مَن يُحدّثه فيقول : حَدَّثَنِي أَبِي ، وَمَالِكُ الجهْنِيّ وَعَلْقَمَةُ الحَضْرَمِيّ جَميعاً عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلامم ، كما هُو الدَّأبُ والدَّيدَن والطَّريقَة الجَارية المَعرُوفة المَأْلُوفة عِند الرُّواة ، ولِذا وقَع في سنَدِ هذِهِ الرِّواية (مُحمَّد بن خَالِد الطِيَالِسِي) عن (سَيفِ بْن عَمِيرة) و (صَالِح بن عُقبة) معاً عن (عَلْقَمة) ، فلم يَكتفِ (مُحمَّدُ بن خَالِد) ب ـ (سَيفٍ) أو (صَالِحٍ) بل ذَكرهُما معاً ، ولِأجلِ ذلك أيضاً قد أكثر ثِقةُ

__________________

= في العلم وصناعة الكلام ، وكان فقيهاً متقدماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ، روى عن الشيخ الصدوق ، وتخرج على يديه ثلة كبيرة من الفقهاء والعلماء أشهرهم الشريفين الرضي والمرتضى وشيخ الطائفة الطوسي ، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار منها الإرشاد (ط) ، أوائل المثالات (ط) ، تصحيح الاعتقاد (ط) ، مسار الشيعة (ط) ، المقنعة (ط) وقد جمعت مؤلفاته التي وصلت إلينا في مجموعة واحدة تقع في ١٤ مجلد نشرت سنة ١٤١٢ ه ـ في إيران وبيروت وذلك في المؤتمر الذي أقيم بمناسبة الألفية على وفاته ، توفي ليلة الجمعة لثلاث ليال خلون من شهر رمضان ، سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ، وكان يوم وفاته يوماً لم يُر أعظم منه من كثرة النَّاس للصلاة عليه وكثرة البكاء من المخالف والموافق ، وصلى عليه الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بميدان الأشناان ، وضاق على الناس مع كبره ، ودفن في داره سنين ، ونقل إلى مقابر قريش بالقرب من السيد أبي جعفر عليه السلام ـ معجم رجال الحديث ١٨ / ٢١٣ وفهرس التراث ١ / ٤٦٩).

٤٨

الإسلام (١) في (الكافي) (٢) مِن قولِ : «عدّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا» ، وليس من سُنّة الرِّواية وشَريعَة التَّحديث ، أنّ الرَّاوي إِذا سَمِع الرِّواية عَن جَماعةٍ يَرويها عَن واحدٍ مِنهم لِواحدٍ ، وعَن آخرٍ لِآخر ، وهكَذا كما وقَعَ في هذِهِ الرِّواية ، إِذ كُلّما كَثر المَروي عنهُ قويت الرِّواية ، فَإِذا اقْتَصر على النَّقل عن واحدٍ فاتَ تلك القُوَّة ، وهذَا مع كونِه خِيانةٌ في الرِّوايةِ عن (عَلْقَمَة) كَما في أوَّلِ سَنَدي (الكَامل) ، و (مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل) بالرِّوَاية عن (مَالِك الجُهَنِيّ) كما في ثَانِي سَندِيه ، أو عَن أبيهِ كما في (المِصبَاح) ، نعم إِذا كان الرَّاوي مِمَّن لَا يَرويَ إِلّا عَن ثِقةٍ ، وقَد سَمِعَ عَن جمَاعةٍ بَعضُهم ثِقة ، فلَهُ أَن يخَصَّ الثِّقةَ بالنَّقلِ عَنه ، وليسَ المَقامُ مِن هذا القضبيلِ ، إِذ المَفروض أنَّ (صَالِحَاً) قَد رَوى عنهُم جَميعاً بالتَّفرِيق ، ومِن هُنا يتجِهُ إشكالٌ آخَر ، وهو أنَّ صاحِبَ (الكَامِلِ) قَد رَوى

__________________

(١) ثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق أبو جعفر الكليني الرازي ، وكان خاله علَّان الكُليني الرَّازي ، شيخ أصحابنا في وقته بالرّي ووجههم ، وكان أوثق النّاس في الحديث وأثبتهم ، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمى الكافي في عشرين سنة ، وله أيضاً تعبير الرؤيا ورسائل الأئمة ، من أجل تلامذته الشيخ ابن قولويه صاحب كامل الزيارات ، توفي قدس سره ببغداد سنة ٣٢٩ ه ـ [وقيل سنة ٣٢٨ ه ـ] ، سنة تناثر النجوم ، وصلّى عليه محمد بن جعفر الحسيني أبو قيراط ، ودفن بباب الكوفة (معجم رجال الحديث ١٩ / ٥٤).

(٢) الكافي : وهو أجلُّ الكتب الأربعة الأصول المعتمدة عليه لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول. لثقة الإسلام الكليني المتقدم ذكره ، مشتمل على ٣٤ كتاباً ، و ٣٢٦ باباً وأحاديثه حصرت في ١٦ ألف حديث ، أزيد من جميع صحاح الست ، لأن الصحيحين أقل من ٧ آلاف ، كتبه في الغيبة الصغرى في مدة عشرين سنة ، ولم يصنف مثله في الإسلام ، طبع مكرراً وأشهر طبعاته في ٨ مجلدات بتحقيق علي أكبر غفاري ، وله شروح كثيرة أشهرها مرآة العقول للعلامة المجلسي (الذريعة ١٧ / ٢٤٥).

٤٩

الحدِيثَ عن (ابْنِ بزِيعٍ) عن (صَالِحِ بْنِ عُقْبَةَ) عن (الجُهَنِيّ) عن أبيه ، وقَد مرَّ أنهُما أخذَاهُ مِن كتابِ (ابْنِ بزِيعٍ) ، فكَان رِواية (صَالِح) عَن كُلِّ مِن (أَبِيه) ومِنَ (الجُهَنِيّ) مَوجُوداً في ذلك الكِتابِ لا مَحَالة ، وكَان اللَّازِم على (الشَّيخِين) عَلى ما مرَّ أن يَرويَ كلُّ واحدٍ منهما عن (ابْنِ بزِيعٍ) عن (صَالِح) عن (أَبِيهِ) و (الجُهَنِيِّ) معاً عن أبي جعفر عليه السلام.

فَلِمَ اقْتصرَ (الشَّيخُ) على (أَبِيهِ) و (صَاحِبُ الكَامِل) على (الجُهَنِيِّ)؟! فَقد وردَ عليهما ما ورد على (صَالِح بْن عُقْبَة).

ولَكن هذِهِ كُلّها مُناقَشاتٍ تَرُدّ عَلى عِباراتِهِم وكَلماتِهِم ، ولَا رَبطَ لها فِيما هو الغَرضُ الأصلِيّ المَقصودُ بِالذَاتِ في المقامِ مِن إحرازِ مَتنِ الزِّيارةِ الشَّريفة ، وصُورتِها المَخصُوصةِ المأثورةِ عَن المَعصومِ بِشرائِطهَا ، إّذ ذَلك إِنَّما يُستفادُ مِن ابتداءِ سُؤالِ (عَلْقَمَةَ) إلى آخرِ العملِ ، والطُّرق الثَّلاثة المّذكُورة في الكِتابينِ مُتوافِقةٌ فِي ذلكَ مُتَّفقةٌ عَليه ، مُضافاً إلى أنَّ هذِهِ الزِّيارةِ الشَّريفَة صارتْ عندَ الشِّيعةِ مِن الأُصولِ الموضُوعةِ المُقَرَّرةِ والشَّعائرِ العَظِيمة ، بِحيث لَا تَحتاجُ إلى مُلاحَظةِ السَّندِ ك ـ (ـ ا الصَحِيفَةِ الكَامِلة) (١) ، والمُناجَاة

__________________

(١) الصحيفة السجادية الكاملة : المُنتهي سندها إلى الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام المُعبّر عنها أخت القرآن وإنجيل أهل البيت وزبور آل محمد ، ويُقال لها الصحيفة الكاملة أيضاً ، وللأصحاب اهتمام بروايتها ويخصونها بالذكر في إجازاتهم. وعليها شروحٌ كثيرةٌ ، وهي مِن المتواترات عند الأصحاب لاختصاصها بالإجازة والرّواية في كُلّ طبقة وعصر ، ينتهي سند روايتها إلى الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام وزيد الشهيد ابني علي بن الحسين عن أبيهما علي بن الحسين عليهم السلام والمتوفى مسموماً ٩٥ من الهجرة (الذريعة ١٥ / ١٨).

٥٠

الأنجَليَّة الطَّويلة (١) ، ودعاء أبي حمزة الثمالي (٢) (٣) وأمثَال ذلك ، ومَا هذا شَأنهُ لا يُنظرُ في سَندِه ، لأنَّه مِن القضَايَا التِي قِياساتُها مَعها ، ومِن هُنا تَبيَّن الغِنى عَن النَّظرِ في أحوالِ رجالِ السَّندِ تَزكيةً ، وتوثِيقاً ، وتضعيفاً.

ثُمَّ هذا كُلّه مَع قطعِ النَّظرِ عن أخبارِ البُلوغِ ، أمَّا مع مُلاحظَتها فالأمرُ أوضَع ، ثُمّ أوضح ، ثُمَّ لَا يَخْفَى عليكَ أنَّ أحسَن الطُّرقِ الثَّلاثة هو الطَّريقُ الْأَوَّل في (الكَاملِ) ، وهو الَّذي أختصَّ بِه (سَيفُ بن عَمِيْرَة) ، فإنَّهُ طريقٌ سَلِيمٌ ، وسَنَدٌ مُنتظِمٌ مُستقيمٌ ، حَيثُ أَنَّ الرَّاويَ عَنِ الإِمامِ وَسائله والمُخاطب معه هُو (عَلْقَمَة بْن مُحَمَّد) مِن أوَّل الأمرِ إلى آخِرهِ ، حتَّى أنَّ المّذكورَ في كلام (سَيف) مع (صَفْوَان) أيضاً هو (عَلْقَمَة) لا غير ، فَهو طَريقٌ لا غُبارَ عَليه ، لكنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ اعتبارَ الطَّرِيق إنَّما هو مُقدِّمةٌ لاعتبارِ المَتن ، فَإذا كان مَتنُ الزِّيارة مَأخُوذاً مِن رواية (المِصْبَاح) لما سَيأتي ببيانُهُ ، فأَيُّ فَائدَةٍ في هذَا الطَّريقِ وإِن بَلغَ في الاعتِبارِ مَا بَلغَ فَتأمَّل.

__________________

(١) مروية عن الإمام السجاد عليه السلام ، نقلها العلامة المجلسي قدس سره في البحار (٩١ / ١٥٣) وراجع أيضاً الصحيفة السجادية (تحقيق الأبطحي) ص ٤٦٨.

(٢) أبو حمزة الثُّمالي هو ثابت بن دينار توفي سنة ١٥٠ ه ـ وهو ثقةٌ عدلٌ إماميٌ لقي أربعةً من الأئمة السجَّاد والباقِر والصَّادق والكاظم عليهم السلام (معجم رجال الحديث ٤ / ٢٩٢).

(٣) رواه الشيخ في مصباح المتهجد ص ٥٨٢ والسيد في الإقبال (١ / ١٥٧) والكفعمي في المصباح ص ٥٨٨ ، وأيضاً البحار (٩٥ / ٨٢) ومفاتيح الجنان.

٥١

[شرح عبارات الزيارة]

[شرح «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ أَلْفِي أَلْفِ حَجَّةٍ ...»]

قوله عليه السلام : * (فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ أَلْفِي أَلْفِ حَجَّةٍ ...) *

لا يخفى أنَّ صدرَ الخبرِ «ثَوَابُ أَلْفِي أَلْفِ حَجَّةٍ» بلفظِ التَّثنِية في المواضِعِ الثَّلاثة ، وذيله ، «ثَوَابُ أَلْفِي أَلْفِ حَجَّةٍ» بالإفرادِ في تلك المواضع ، ولابُدّ مِن التَّوافقِ والتَّطابقِ بينهُما إمَّا بالإفراد ، وإمَّا بالتثنية ، فأحدُهُما من سِهو القلَمِ لا مَحالة ، وذلكَ لتَصرِيحِهِ عليه السلام بقوله : «فَأَنّا ضَامِنٌ لهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ جَمِيعَ هّذَا الثَّوَابِ».

ثُمَّ أكَّده بقولِهِ : «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ أَلْفِي أَلْفِ حَجَّةٍ» فالصَّدرُ والذَّيلُ مُتوافقان في بيانِ مقدارِ الثَّواب البتَّة ، ولا يُمكن تخالفهُما فيهِ ، والعجبُ مِن (العلَّامةِ المَجلِسِيِّ) قدس سره حيثُ أوردَ الخبرَ هكذا مُختلف الصَّدرِ والذَّيلِ في (البحار) ، مِن دونِ تعرَّضٍ للاختلافِ المزبُور ، وأعجبُ مِنه أنَّه قدس سره هكذا ترجَمهُ في (التُّحفَةِ) و (زَادِ المَعاد) ، فترجم الصَّدرَ بالتَّثنِية ، والذَّيلَ بالإِفرادِ ، هذا عَلى ما فِي (الكَامِل) ، وأمَّا مَا في (المِصْباحِ) فصدْرُ الخبرِ ثواب «أَلفَيْ أَلْفِ حَجَّةٍ وَأَلْفَيْ أَلْفِ عُمْرَةٍ وَأَلْفَيْ أَلْفِ غَزْوَةٍ» تثنيةً ، وذيلهُ «ثَوَابُ أَلْفِ أَلْفِ حَجَّةٍ ، وَأَلْفِ أَلْفِ عُمْرَةٍ ، وَأَلْفِ أَلْفِ غَزْوَةٍ» إِفْراداً مِن دونِ

٥٢

تكريرٍ في الألفِ ، بالإضَافةِ في المقامينِ كما في (الكَامِلِ) فَفِي المقامِ اختِلافٌ بينَ صدرِ الخَبرِ وذَيلِهِ في الكِتابَينِ بالتَّثنِيةِ والإِفرادِ ، واختِلافٌ آخرٌ بَين الكِتابَينِ بِإفرَادِ الألِفِ وتكريرِهِ بالإِضافةِ ، ولا طَريقَ لنا إلى تعيينِ الوَاقِع ، ولَا يهمُنا ذلِك أيضاً ، لأنَّ الأَكثر ثواباً وهو صدرُ رِوايةِ (الكَامِلِ) ، ممَّا يَصدِقُ عَليهِ بُلوغ الثَّواب على عَمَلٍ فَيَشملهُ عمُوم إِخبار البُلوغ ، فيَثبُتُ ذلك الثَّوابُ الجَزيلُ البَالِغ المَوعُود في هذِهِ الزِّيارَةِ على كُلِّ حالٍ ، إِذ لَا يخلُو إِمَّا أن يَكونَ صدْرُ الرِّواية قَد صَدَرَ عنِ المَعصُومِ أو لَا؟

وعَلى الأوَّل فَثبوت هَذا الثَّواب بِنفس هذِه الرِّواية.

وعلى الثَّاني فَبإِخبارِ البُلوغِ ، لِأنَّها قَد ضَمِنَت إِعطاءَ الثَّواب البَالغ الموعود وإِن لَم يكنِ الحَديثُ كما بَلَغ ، كَما هو المُصرَّح بِه في تلكَ الأخْبار.

وهذا التَّقرِيرُ جَارٍ في جميعِ مَواردِ والمُعوَّل في ثَوابِ هذِهِ الزِّيارةِ الشَّريفة ، فَيُحكمُ بِسقوطِ ذَيلِها وَإن كان هُو الصَّادِر ، وكذا رواية (المِصْباح) صَدراً وذَيلاً.

٥٣

[شرح «وَكَانَ لَهُ ثَوَابُ مُصِيبَةِ كُلِّ نَبِيٍّ وَصِدِّيقٍ وَشَهِيدٍ مَاتَ أَوْ قُتِلَ»]

قولُهُ عليه السلام : (وَكَانَ لَهُ ثَوَابُ مُصِيبَةِ كُلِّ نَبِيٍّ وَصِدِّيقٍ وَشَهِيدٍ مَاتَ أَوْ قُتِلَ) *

وعبارة المصباح : «كُلِّ نَبِيٍّ وَصِدِّيقٍ وَشَهِيدٍ» ، وليسَ هَذا الثَواب ثواباً آخر زائدٌ على ما ذَكَرَهُ سابِقاً ، وإلَّا كان اللَّازِم ذِكرهُ أوَّلاً في حقِّ القَريبِ الحاضِر ، ثُمَّ تَسْرِيَته البَعِيْدَ الغَائِب ، لَا تخْصِيصَهُ بِالبَعِيد ، إِذ لَا يَجُوز أن يكُون البَعيد الصَّاعد إلى سَطْحِ دَارِهِ أو البَارزِ إِلى الصَّحْراءِ كَمَا هُوَ المَفْرُوض فِي مَورِدِ هَذَا الثَّواب أكْثر ثَواباً مِنَ القَريبِ الحَاضرِ ، سِيّما مع مَصيره إِليه مِن البِلادِ النَّائِيةِ ، وتحمله لمِشاقِّ السَّفرِ بَدَناً وَمَالاً كما هو الغالِبُ في الزَّائرِ القَريبِ ، بَل هَذا الثَّواب إِجمالٌ لِما فصلَّه بِقولِهِ : «بِثَوَابِ أَلْفَيْ أَلْفِ حَجَّةٍ» فهو هو بعينه ، وفائدةُ ذِكرهُ التنبيه على أنَّ مُصيبَتَهُ عليه السلام بِاعْتِبَارِ تَشَتَّت جِهاتها ، وتفرّق أَطرافِها ، وتكثّر وَقائِعهَا ، وَتضَاعف فَجائِعُهَا ، وَتَرادف لَوَاذِعُها (١) ، وَتَواتر فَظائعُهَا ، وَتتَابع شَدائِدها ، وَتزايد فَوادِحهَا (٢) ، لَا مِن نَوعٍ وَاحِدٍ وَلونٍ وَاحدٍ ، بَل أنواعٍ شَتَّى ، وَألوان مُخْتلِفة ، بِحيثُ خَرجت تَفَاصِيلهَا عَن حَدَّ الضَّبظِ وَالإِحصاءِ ، حيّز الحَصر وَالإستِقصاء ، وَحارَتْ فِيهَا العُقُولُ ، وضلَّت فيها الأَحلَامُ ، كَما لَا يَخْفى عَلى آحادِ الْأَنامِ ، قَد بَلغَت

__________________

(١) اللذع : حرقة النار (لسان العرب مادة (لذع)).

(٢) الفادح : الأمر الثقيل والفادحة : النازلة (لسان العرب مادة (فدح)).

٥٤

مَبلغَاً تُعادل مُصِيبة كُلّ نَبِيّ ، وَرَسولٍ وَوصيّ وَصدِّيق وَشَهيد مَاتَ أَو قُتِل مُنذ خَلق اللهُ الدُّنيا إلى أن تقوم السَّاعة ، فَالمُصابُ بِهَذهِ المُصِيبةِ العَظيمةِ بِمنزِلَةِ المُصابِ بِجَميعِ تِلكَ المَصائب ، فَلِأَجْل ذَلكَ «كَانَ لَهُ ثَوَابُ مُصِيبَةِ كُلِّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ» أي مِثل ثوابها ، ومِقدَار ثَوابها ، إِذ الثَّواب المَزبور مِن آثارِ المُصِيبة ، والتَّساوي في الآثَار ، يَستلزِم التَّساوي فِي مبادِئِها.

فَإِن قُلتَ : مَا ذَكَرَهُ عليه السلام أوَّلاً هُو ثَواب الزِّيارة ، وَمَا ذَكرهُ أَخيراً ثَواب المُصيبة ، والزِّيارَة غير المُصِيبة ، وليسَ بِوَاجبٍ إِرجاع ثَواب أَحدَيهما إلى ثوابِ الأُخْرى ، بَل قَضِية تَعدُّد الأَسبابِ تعدَّد مُسبِّباتِها ، والمَفرُوض في كلامِهِ عليه السلام كون البعيد جامِعاً بينَ الزِّيارةِ والمُصِيبة حَيثُ قال : «وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِالسَّلَامِ وَاجْتَهَدَ عَلَى قَاتِلِهِ بِالدُّعًاءِ ـ إلى أن قال ـ ثُمَّ لْيَنْدُبِ الحُسَيْنِ عليه السلام وَيَبْكِيهِ وَيَأْمُرُ مَن فِي دَارِهِ بِالبُكَاءِ عَلَيْهِ ، وَيُقِيمُ فِي دَارِهِ مُصِيبَتَهُ بِإِظْهَارِ الجَزَعِ عَلَيْهِ».

فقلوه : «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ أَلْفِ أَلْفِ حَجَّةٍ ، وَأَلْفِ أَلْفِ عُمْرَةٍ» كلمة «ذَلِكَ» إشارةٌ إلى مجموعِ الأمرين مِن زيارتِهِ ومُصيبَتِه ، فالمذكورُ أوَّلاُ ثوابُ الزِّيارة ، والمذكورُ أخيراً ثواب المُصِيبة ، فَلِمَ حَكَمتَ بِاتَّحدِهما؟!

قلتُ : ما ذكرَهُ عليه السلام هو ثوابُ مجموع الزِّيارةِ والمُصيبةِ لقولِهِ عليه السلام : «مَنْ زَارَ الحُسَيْنَ عليه السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ حَتَّى يَظَلَّ عِنْدَهْ بَاكِياً».

فقوله عليه السلام : «وَيُقِيمُ فِي دَارِهِ مُصِيبَتَهُ بِإِظْهَارِ الجَزَعِ عَلَيْهِ» إشارةٌ إلى حديثِ مُصيبتَهِ إِذ قد بَيّنَ المُصيبةَ بقولِهِ : «وَيُقِيمُ فِي دَارِهِ بِإِظْهَارِ الجَزَعِ عَلَيْهِ» وهذا المعنى مِمَّا

٥٥

تضمَّنهُ مدخولٌ ، حتَّى وعَلى هذَا فقوله : «وَكَانَ لَهُ ثَوَابُ مُصِيبَةِ كُلِّ نَبِيٍّ» مع زِيَارتهم حتَّى يكونُ الثَّواب لِمجموعِ الأمرَين ويحصلُ التَّطابقُ بين الصَّدرِ والذَّيل ، ويدَلُّ عليهِ أَيضاً قولهُ فِيما بعد «وَكُتِبَ لَكَ ثَوَابُ كُلِّ نَبِيٍّ وَرَسُولٍ» فَذكَر أوَّلاً مُصِيبَتَهُم ، وثانياً زيارَتهُم ، والمقصودُ فِي الموضِعينِ مجموعُ الأَمرَين مَعاً ، لكنَّهُ أكتَفى بِذكرِ أحَدهمَا في أحدِ المَوضِعينِ عن ذِكره في المَوضعِ الآخرِ تَعويلاً على ظهُورِ مجموعِ الكَلامِ صدْراً وذَيلاً في ذَلك ، فَجعلَ المّذكور قَرِينةٌ على المحذُوف فالتَئمَ بِما ذَكرنَا أجزاءُ الكَلامِ صَدراً وذَيلاً والحَمدُ لله.

والحاصلُ : أنّ المُشبّه هو ثوابُ مجموعِ الأمرَين مِن زيارَتِهِ عليه السلام ومُصِيبَتِهِ ، والمُشبّهُ بِهِ أيضاً ثوابُ مجْموع الأمرينِ مِن مُصيبةِ «كُلِّ نَبِيٍّ وَرًسُولٍ وَوَصيٍّ» وَزيارَتِهِم ، وَقد ذَكَرَ المُشبَّهُ بِهِ في مَوضِعينِ ، اقْتَصرَ في أحدِهِمَا على أَحدِ شقِّيهِ ، وَفي الآخِرِ على الآخَرِ فتَدبّر.

فَإن قُلتَ : لا رَيبَ أنَّ القريبَ المُسافر إِليهِ عليه السلام مِن مكانٍ بَعيدٍ كَما هوَ الغَالِبُ في الزَّائرِ القَريب لهُ مَزّيةٌ وَفضلٌ وَرجحانٌ على البَعِيد ، وَكَمَا أَنَّ تَرْجيحَ المَرْجُوح عَلى الرَّاجِحَ قَبِيحٌ كَمَا ضّكرتَ فِي قَولِكَ لَا يَجوزُ أنْ يَكونَ البَعيدُ أَكْثر ثَوابَاً مِنَ القَريبِ ، كَذلِكَ التَّسُوية بَينَ الرَّاجحِ وَالمَرْجُوح أَيْضَاً قَبِيْحٌ ، غَايَةَ الْأَمرِ أَنَّ الْأَوَّل أَشدّ قُبْحاً وَأَوْضحُ فَسَاداً ، فَمَا وَجْهُ حُكْمه بِالتَّسويةِ بَنَهُما في قوله : «فَأَنَا ضَامِنٌ لهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ جَمِيعَ هّذَا الثَّوَابِ»؟!

قُلتُ : المَفرُوضُ في السّؤالِ هو البَعيدُ غير المَتَمكِّن مِن المَصيرِ إليهِ ، حَيث قَالَ

٥٦

الرَّاوي «وَلَم يُمْكنهُ المَصِيرُ إِليهِ» فأجابَه بِقولِهِ : «إِذّا كَان كَذلِكَ بَرزَ إلى الصَّحْراءِ» ، فّهذّا الجَوابُ مِنْهُ مُخْتصّ بِهِ ، لَكن يَجبُ تَنزيلُ الجَواب على غَيرِ المُتَمَكِن الذي نَيّتهُ وَعَزمهُ وإِرادتهُ أَنَّهُ كَان مُتَمكِّناً لَصارَ إليهِ ، فَلا مانِعَ لهُ مِنَ المصيرِ إِلَّا عجزه وعَدِم تمَكُنِهِ وقُدرَتِه ، ومِثل هّذا العَاجِز المَحرُوم مِن الطَّاعَةِ لعجزِهِ بِحيث لو كَانَ قادِرَاً لأطَاع يجب التَّسويَة بينَهُ وبينَ القَادر المُطيع في الثَّواب ، حتَّى فيما لو فَرض بِإزاءِ مُقدِّماتِ الأفعَالِ كَما وردَ فِي أخْبارِ زائِرهِ عليه السلام أنَّهُ يُكتبُ لهُ بِكُلِّ خُطْوةٍ حَجَّةٌ (١) ، ولَا يجوزُ التَّرجِيح بَينَهُما فِيهِ.

بيَانُ ذَلِك ؛ أنَّ التفاوتَ بينهما بالقُدرةِ والعَجز يَرجعُ إِليهِ عليه السلام فتمكن القادِرُ مِن تَمكِينِهِ وإِقدَاره ، كما أنَّ عَجْزَ العَاجز مِن تَعْجِيزِهِ وَتَرك تَسْبيب الْاسبَاب لَهُ ، وإلَّا فَهُما مِن حَيث ذَواتهمَا وَمَاهِياتهمَا عَلى حَدٍّ سوَاءٍ لَا يَملِكان نَفْعَاً وَلَا ضَرَّاً وَلَا مَوتَاً وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورَاً ، فَكلّ فِعليّةٍ وَكَمالٍ ينَالُهُ المُمْكِنُ ، فَإِنَّمَا هُو مِن تِلقاءِ فَيضِ الوَاجِب تعالى ، وإلَّا فهو في نَفْسِهِ لَيْسٌ مَحْضٌ وَعَدَمٌ صِرْفٌ ، لا يخبر عنهُ بِالعجزِ فضلاً عنِ القُدرةِ ، فَتِهيئةُ الأَسبَاب وتَوجِيهها مِن مَراتبِ إعْظَائِهِ ، كَما أنَّ فَقدهَا مِن قبلِ مَنعِهِ ، لِأَنَّهُ وَليُّ الإِعْظاءِ وَالمَنع ، فَكُلٌّ يَرْجِعُ إِلَيهِ ، فَلَو فَرضنَا أنَّ عَبداً مُؤمِنَاً كَان مًسْتَعِدَّاً لِبعضِ الطَّاعَاتِ والقُرباتِ مُتهيَّئاً لهُ ، عازِماً عَليه ، مُتشوِّقاً إليه ، إِلّا أنَّه عاثَهُ عن ذلك عجزُهُ وَعدَمِ قُدرتِهِ وفقد أسبَابهِ ،

__________________

(١) راجع ما رواه الكليني في الكافي (٤ / ٥٨٠) ح ١ ، والصدوق في الفقيه (٢ / ٥٨٠) ح ٣١٦٩ ، والشيخ الطوسي في التهذيب الجزء السادس ص ٤٤ ح ٨ وص ٤٦ ح ١٦ وص ٥٠ ح ٣٠ ، وابن قولويه في كامل الزيارات ص ٢٧٣ ح ٢٤٢ والمفيد في المزار ص ٣٦ والمقنعة ص ٤٦٨ ، والسيد المرتضى في رسائله (١ / ٢٩١) وراجع أيضا الوسائل ج ١٤ ب ٤٥ والبحار ج ٩٨ ص ١٩ و ٨٥ و ٩٠ و ١٤٣ و ٦٩٧.

٥٧

بحيث لَو كانَ قادِراً لفعلَ لا مَحالة ، وَجب فِي عدلِ الله تعالى وحِكمتِهِ وجودِهِ المُطلقِ أن يُعطيَهُ ما أعدَّ بِإزاءِ هذا العمَلِ مِن الأجرِ والثَواب ، إذِ المفرُوض أنّ هذا الفوتَ لَيس مِن قبَلِهِ ، ومُستندٌ إلى تَقصِيرِهِ ، بلِ اللهُ هو الَّذي فوَّتهُ عَليهِ بِتركِ تَسبِيبِ الأسبَاب ، لِأَنَّهُ مُسبِّبُ الأَسبَاب ، ومُسهِّل الصِّعَاب ، فيجِبُ عليهِ تَدَارُك ما فوّتَه ، وإِلّا لَزِم البُخل ، تعالى اللهُ عن ذَلكَ عُلوَّاً كَبيراً.

فإِن قُلتَ : مَا نفقَهُ كَثيراً مِمَّا تقول ، أليس القَادِرُ الفَاعِلُ رُبَّما يُصيبه ظَمَأٌ وَنَصَبٌ وَمَخْمَصَةٌ وَتَعَبٌ (١) ، والعاجِزُ التَّارِك فارغٌ عَن جميعِ ذَلك ، فالإشكَالُ بِحالِهِ ، والجوابُ المَذكورُ لا يُسمِنُ ولَا يُغنِي مِن جُوعٍ.

قلتُ : نَعم ؛ ولكِنَّ العَاجِز التَّارِك رُبَّما يُصيبُه لِأجْلِ حُرمَانِه عن فَضيلَةِ الطَّاعةِ مع شِدَّة شوقِهِ ومحبَّتِهِ وعزمِهِ وإرَادتِهِ ، كما هو المفرُوضُ في محلِّ الكلَامِ هَمٌّ وَغمٌّ شَديد ، وحُزنٌ طَويلٌ وحسْرَةٌ وانكِسارٌ وانقِباضٌ ، بَل رُبَّما كان التَّعبُ الرَّوحَانيّ أشدُّ مَن التَّعبِ البَدنِيّ ، ورُبَّما يُؤدِّي ذَلكَ إلى البُكاءِ والأَنِين والعَويل ، والقَادِرُ الفَاعلُ رُبَّما يَلحَقُهُ بِسَبَبِ فَوزِهِ بِفَضيلَةِ فَرحٌ وسَرورٌ ونَشاطٌ وابتِهاجٌ وانبِسَاطٌ ، لِأنَّ ذلكَ مِن عَلامةِ الإيمَان كَما في الخَبرِ المَرويّ عَن أمِيرِ المُؤمنينَ عليه السلام : «مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ ، وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ» (٢) وَبعد تَعارض

__________________

(١) الظمأ : العطش ، النَصَب : التعب ، المخمصة : الجوع وهي مقتبسة من الآية ١٢٠ من سورة التوبة.

(٢) رواه الكليني قدس سره في الكافي (٢ / ٢٣٢) عن الصادق عليه السلام ، ورواه الصدوق في الأمالي ص ٢٦٧ والتوحيد ص ٤٠٧ والخصال ص ٤٧ عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونسبه ابن فهد الحلّي في عدّة الداعي ص ٢٧٢ إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

٥٨

الجِهات ، وتَزَاحم الحَيثِيات مِن الطَّرَفينِ فلعَلَّ الأمرُ يَنتهي إلى التَّسَاوي.

وَقد أَخبَرَ بِهِ المُخبِر الصَّادِق عليه السالم فيجِبُ تَصدِيقهُ ، ويَشهدُ لِما ذَكَرنَاهُ مَا وَرَدَ مِن السَّمعِ ، فَفي (رِوايةِ أَبي بَصيرٍ (١)) (٢) عَن أبِي عَبدِ الله عليه السلام أنَّه قَال : «إِنَّ الْعَبْدَ المُؤمِنَ الْفَقِيرَ لَيَقُولُ : يَا رَبِّ ؛ ارْزُقنِي حَتَّى أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْبِرِّ وَوُجُوهِ الخَيْرِ ، فَإِذَا عَلِمَ اللهُ عّزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ بِصِدْقِ نِيَّةٍ ، كَتَبَ اللهُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلَ مَا يَكْتُبُ لَهُ لَوْ عَمِلَهُ ، إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ» الحديث.

قَولهُ عليه السلام «فَإِذَا عَلِمَ اللهُ ذَلِكَ مِنْهُ بِصِدْقٍ نِيَّةٍ» إِشَارةً إِلى ما ذَكرْنَا مِن المُلَازَمةِ بِأَن يَكُونَ العَاجز التَّارِك ، بِحيثُ لَو كَان قَادِراً لَفعلَ فَلا مَانِع مِن الفِعل إلّا عَجزه.

قولهُ عليه السلام «إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ» تَعلِيلٌ الحُكمِ بِسعتِهِ وكرمِهِ ، إِشارَةٌ إلى مَا ذَكرنَا مِن لزُومِ البُخلِ عَلى تَقديرِ المَنعِ والحرمَان ، إِذ ذَلك يُنافِي سِعته وكَرمه وجُوده المُطلَق.

__________________

(١) يحيى بن القاسم ، أبو بصير الأسدي ، وقيل أبو محمد : كوفي ، تابعي ، ثقة ، وجيه ، عُدّ في أصحاب الصادق والباقر عليهما السلام ، ولد مكفوفاً ، رأى الدُّنيا مرَّتين ، «مَسحَ أبو عَبدِ الله عليه لاسلام على عينيه ، وقَالَ انْظُرْ مَا تَرَى؟ قال : أَرَى كُوَّةً فِي البَيتِ ، وقَد أَرَانِيهَا أَبُوكَ مِن قَلبِكَ» ، توفي سنة ١٥٠ ه ـ (معجم رجال الحديث ٢١ / ٧٩).

(٢) رواها الكليني في الكافي (٢ / ٨٥) والبرقي في المحاسن (١ / ٢٦١) وابن همام الإسكافي في التمحيص ص ٤٧ ، وعنهم الوسائل (١ / ٤٩) والبحار (٦٧ / ١٩٩) و (٦٨ / ٢٦١) و (٦٩ / ٥١).

٥٩

ورواية (١) : (عَلِيّ بْن أَبِي حَمْزَةَ) (٢) عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى عليه السلام أنّه قال : «رَحِمَ اللهُ فُلَاناً ، يَا عَلِيُّ ؛ لَمْ تِشْهَدْ جَنَازَتَهُ؟ قُلْتُ : لَا ، قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَشْهَدَ جَنَازَةَ مِثْلِهِ ، فَقَالَ : قَدْ كُتِبَ لَكَ ثَوَابُ ذَلِكَ بِمَا نَوَيْتَ».

ورواية (٣) : (زَيد الشَحَّام) (٤) عَن أَبِي عَبدِ الله عليه السلام أنَّهُ قَالَ : «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَنْوِي مِنْ نَهَارِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِاللَّيْلِ ، فَتَغْلِبُهُ فَيَنَامُ ، فَيُثْبِتُ لَهُ صَلَاتَهُ ، وَيَكْتُبُ نَفَسَهُ تَسْبِيحاً ، وَيَجْعَلُ نَوْمَهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً».

ورواية (٥) : (جَابِر) (٦) عَن أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام : «يَا جَابِرُ ؛ يُكْتَبُ لِلْمُؤْمِنِ فِي سُقْمِهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، مَا كَانَ يُكْتَبُ فِي صِحَّتِهِ».

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات ص ٢٨١ ـ ٢٨٢ والوسائل (١ / ٥٢) عن البصائر ولم أجده في البصائر المطبوع.

(٢) علي بن أبي حمزة ـ واسم أبي حمزة سالم ـ البطائني أبو الحسن مولى الأنصار ، كوفي ، وكان قائد أبي بصير يحيى بن القاسم ، واقفي ، عدّه الشيخ في أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام (معجم رجال الحديث ١٢ / ٢٣٤).

(٣) علل الشرائع (٢ / ٥٢٤) وعنه الوسائل (١ / ٥٤) والبحار (٦٧ / ١٩٠) و (٦٧ / ٢٠٦).

(٤) زيد بن يونس وقيل ابن موسى أبو أسامة الشحّام ، مولى شديد بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي الغامدي ، كوفي ، ثقة ، عده الشيخ في أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام ، وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذمِّ واحدٍ منهم (معجم رجال الحديث ٨ / ٣٧٤).

(٥) رواه البرقي في المحاسن (٢ / ٢٦٠) وابن همّام الإسكافي في التمحيص ص ٤٢ وعنهما الوسائل (١ / ٥٨) ومستدركه (٢ / ٦٣).

(٦) جابر بن يزيد ، أبو عبد الله وقيل أبو محمد ، الجعفي ، عربي ، قديم ، كوفي ، نسبه : ابن الحرث بن عبد يغوث بن كعب بن الحرث بن معاوية بن وائل بن مرار بن جعفي ، عدّ في أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام ، وعدّه الشيخ المفيد في رسالته العددية من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام ، والفتيا والأحكام ، الذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق لذمِّ واحدٍ منهم ، وتوفي في سنة ١٢٨ ه ـ وقيل سنة ١٣٢ ه ـ (معجم رجال الحديث ٤ / ٣٣٦).

٦٠