شرح زيارة عاشوراء

عبدالرسول النوري الفيروزكوهي [ الفاضل المازندراني ]

شرح زيارة عاشوراء

المؤلف:

عبدالرسول النوري الفيروزكوهي [ الفاضل المازندراني ]


المحقق: السيد حسن الموسوي الدرازي
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: وفا
الطبعة: ٠
ISBN: 978-964-8438-70-3
الصفحات: ٢١٥

المعروفة (١) «لقد أصبح كتاب الله فيك مهجورا ، ورسول الله فيك محزونا».

ومنه قوله عليه السلام يوم الطف (٢) وهو واقف على رأس ابن أخيه (القاسم) (٣) «هذا (٤) يوم كثر واتره ، وقل ناصره» أي كثر فيه قاتل الحميم ولم يؤخذ بدمه.

والثاني معنى اسم العين ، وهو دم المقتول ظلما وبغير حق ، لأنهم فسروه بالذحل ، وقد مر سابقا أن الذحل يطلق على معان ثلاثة : العداوة ، ودم

__________________

(١) نقلها العلامة المجلسي قدس سره في البحار (٩٨ / ٣٧٦) وصدرها بقوله رحمه الله «وجدت بخط بعض الأفاضل نقلا عن خط الشهيد ابن مكي قدس سره عنه عن أبي الحسن الفارسي قال : كنت كثير الزيارة لمولانا أبي عبد الله عليه السلام فقل مالي وضعف من الكبر جسمي ، فتركت الزيارة فرأيت ذات ليلة رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام ، ومعه الحسن والحسين عليهما السلام فمررت بهم فقال الحسين : يا رسول الله ؛ هذا الرجل كان يكثر زيارتي فانقطع عني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعن مثل الحسين تهاجر وتترك زيارته؟! فقلت : يا رسول الله ، حاشا لي أن أهجر مولاي ، لكني ضعفت وكبرت ، ولهذا عزت زيارته ، ولقلة مالي تركت زيارته ، فقال عليه السلام : اصعد كل ليلة على سطح دارك ، وأشر بإصبعك السبابة إليه وقل : السلام عليك ... إلخ» وعن البحار نقله مستدرك الوسائل (١٠ / ٤٠٤).

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٨٨ ومثير الأحزان ص ٥٢ والملهوف ص ١٦٧ وعنهم البحار (٤٥ / ٦٧) وورد هذا القول أيضا في زيارة الشهداء المنسوبة للناحية لامقدسة التي رواها السيد رحمه الله في الإقبال (٣ / ٧٥) والمشهدي في المزار الكبير ص ٤٩٠ والبحار (٩٨ / ٢٧١) ، وأيضا انظر مقتل الحسين لأبي مخنف ص ١٧٠ ، والمحن ص ١٤٦ والطبقات الكبرى (٥ / ٤٧٢) ، وتاريخ الطبري (٥ / ٤٤٧). والكامل في التاريخ (٤ / ٧٥) ، وإعلام الورى (١ / ٤٦٦) ، والدر النظيم ص ٥٥٦ ، والبداية والنهاية (٨ / ٢٠٢) ط. شيري وحاشية ١١ / ٥٤٧ من ط. التركي ، والعقد الفريد (٤ / ٣٦٠) ونهاية الأرب (٢٠ / ٢٨٦) وجواهر المطالب (١ / ٢٦٩).

(٣) هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام أمه أم ولد يقال لها رملة ، لم يبلغ الحلم ، استشهد مع عمه الحسين في واقعة الطف قتله عمرو بن سعيد الأزدي (مقاتل الطالبيين ص ٨٨).

(٤) في بعض المصادر «هذا والله يوم» وفي بعضها «صوت كثر واتره».

١٠١

المقتول ظلما ، وطلب هذا الدم.

والمناسب للوتر من بين هذه المعاني هو الدم ، بقرينه إيقاع الطلب عليه في عبارة الدعاء المتقدم ، وفي عبارة (المجمع) و (الطراز) ، هذا مضافاً إلى أن إرادة الدم المزبور في المقام ، أعني عبارة الزيارة الشريفة مما لا بد منه ولا محيص عنه ، لكونه عطفا على المنادى ، ومن المعلوم عدم صحة إرادة شيء من المعنيين الآخرين.

ثم صريح عبارة (الطراز) أن الوتر بمعنى الدم أو قتل الحميم ، مأخوذ من الوتر بمعنى الفرد ، وهذا مما لا يساعد عليه جميع موارد الاستعمالات الواردة في الخطابات ، إذ منها قوله عليه السلام في الزيارة المعروفة «لقد أصبح كتاب الله فيك مهجورا ، ورسول الله فيك محزونا» ، ولا يصح إرادة الإفراد في هذا الموضع ، لأن قتله عليه السلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله صار سببا لاجتماعهما لا للإفتراق بينهما ، كما هو معنى الإفراد لأنه إنما يتحقق إذا كان صاحب القتيل حيا موجودا في الدنيا.

ومنها قوله عليه السلام في الدعاء المتقدم المذكور في (زاد المعاد) (١) في أدعية شهر رمضان : «اللهم اطلب بذحلهم ، ووترهم ودمائهم» ، ولا يخفى أنه لا يمكن توجيه الفرد والأفراد هنا بوجه من الوجوه ، بل المتعين هو إرادة الدم المزبور لا غير.

__________________

(١) زاد المعاد ص ١١٣ ، رواه في تهذيب الأحكام (٣ / ١٢٠) ومصباح المتهجد ص ٦٢٢ ، الإقبال (١ / ٢٩٥) ومصباح الكفعمي ص ٦٣٠ والبلد الأمين ص ٢٣١ والبحار (٩٥ / ١٠٠).

١٠٢

وبالجملة فإرجاع «الوتر» بالمعنيين الأخيرين إلى الوتر بمعنى الفرد تكلف وتعسف مستدرك ، لا يستقيم ولا ينطبق على جميع موارد الاستعمال ، فلا داعي إليه.

نعم ، إرجاع أحد الأخيرين إلى الآخر تقليلا للإشتراك لا مانع منه بأن يقال أنه وضع في الأصل مصدرا معناه سفك دم الحميم ظلما بلا قصاص ، ثم نقل منه وأطلق على نفس ذلك الدم المسفوك كسائر المصادر المنقولة ، كالرهن والقربان وغيرهما ، إذ كل منهما وضع أولا مصدرا ثم نقل وأطلق على نفس العين المرهونة ، ونفس الهدى المتقرب به.

ثم إنك قد عرفت مما نقلنا أن لفظ «الوتر» بالمعنيين الأخيرين بالفتح في لغة قوم من العرب ، وبالكسر في لغة آخرين ، وعرفت أن الاحتياط يقتضي الجمع بينهما محافظة على خصوص ما ورد ، ومن العجب أن المشهور المعروف في «الوتر» لفظا وكتبا بالكسر في عبارة الزيارة ، وبالفتح في عبارة الدعاء المتقدم ، مع أن المعنى في الموضعين واحد ، وعرفت أن صاحب (المجمع) ضبطه بالفتح فقط.

١٠٣

[شرح «عليكم مني جميعا سلام الله أبدا ...»]

قوله عليه السلام : * (عليكم مني جميعا سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار) *.

«عليكم» خبر مقدم ، و «سلام الله» مبتدأ مؤخر ، و «مني» ظرف لغو (١) متعلق بعامل مقدر خاص ، كالسؤال والالتماس والاستدعاء ، وهو حال للمبتدأ ولو باعتبار ضميره المستتر في الخبر.

و «جميعا» حال مؤكد لضمير الجمع ، قال (البيضاوي (٢)) (٣) في قوله تعالى (قلنا اهبطوا منها جميعا) [البقرة ٣٨] : (جميعا) : «حال في اللفظ ، تأكيد في المعنى ، كأنه قيل اهبطوا أنتم أجمعون ، ولذلك لا يستدعي اجتماعهم على الهبوط في زمان واحد كقولك جائوا جميعا».

والتقدير «عليكم مني جميعا سلام الله» سؤالا أو التماسا أو استدعاء مني كأنه قال أسئل الله أن يسلم عليكم جميعا ، وإنما أضاف السلام إلى الله ، وجعل نفسه سائلا ولم يضفه إلى نفسه فيقول : عليكم مني السلام ، تعظيما وتبجيلا للسلام والتحية لأجل تعظيم المسلم عليه ، لأن سلام الخالق وتحيته فوق سلام المخلوقين وتحيتهم ، وتحقيرا لسلام نفسه ، بدعوى أن سلامه وتحيته لا تليق بعلو مقامهم صلوات الله عليهم.

__________________

(١) الظرف اللغو : هو ما كان العامل فيه مذكورا نحو : «زيد حصل في الدار». (التعريفات ص ١٤٧).

(٢) ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي : ولد في البيضاء قرب شيراز ، أحد مفسري القرآن ، ولي قضاء شيراز مدة ، له تصانيف في مختلف العلوم أشهرها تفسيره أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، ومنهاج الوصول إلى علم الأصول ، وطوالع الأنوار في التوحيد ، توفي في تبريز سنة ٦٨٥ ه ـ.

(٣) تفسير البيضاوي (١ / ٣٠٢).

١٠٤

ثم إنك قد عرفت أن «جميعا» قيد لضمير الجمع ، وكلمة «مني» قيد للمبتدأ ، فحق كل واحد منهما أن يتصل بمقيدة فيقال : «عليكم مني جميعا سلام الله» ، ولم يظهر لي وجه تقديم «مني» ، فيحتمل كونه من سهو الرواة ، فلا تترك الاحتياط.

ثم إن قوله «أبدا» يفيد التأبيد ، وقوله «ما بقيت» يفيد التوقيت بناء على ظاهره من البقاء في الدنيا ، وكذا قوله «وبقي الليل والنهار» ، إلا أن مدة البقاء في الأول قصيرة ، وفي الثاني طويلة فيقع التنافي بين التأبيد والتوقيت ، وفيه بين الطويل والقصير.

لكن يمكن إبقاء «أبدا» على ظاهره من التأبيد ، والتصرف الباقي بإرادة بقاء النفس الناطقة أبدا في الدنيا والآخرة ، وإرادة التأبيد من بقاء الليل والنهار بجعله من مصطلحات العرف وكناياتهم في إفادة التأبيد ، نظير قوله تعالى (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) [التوبة ٨٠] ، قوله عليه السلام (١) في الصلوات الطويلة في أيام شهر رمضان «على محمد وآله السلام كلما طلعت شمس أو غربت ، على محمد وآله السلام كلما طرفت عين أو برقت ، على محمد وآله السلام كلما طرفت عين أو ذرفت ، على محمد وآله السلام كلما ذكر السلام ، على محمد وآله السلام كلما سبح الله ملك أو قدسه» ، فتعليق «السلام» على طلوع الشمس وغروبها وإن كان توقيتا بحسب اللفظ ، إلا أن الفقرات الباقية قرينة على إرادة التأبيد.

__________________

(١) رواه الشيخ في التهذيب (٣ / ١١٩) ومصباح المتهجد ص ٦٢١ ونقله السيد في الإقبال (١ / ٢١٣) والكفعمي في المصباح ص ٦٢٨ والبلد الأمين ص ٢٢٩ والبحار (٩٥ / ١٠٩).

١٠٥

[شرح «لقد عظمت الرزية وجلت وعظمت المصيبة ...»]

قوله عليه السلام : * (لقد عظمت الرزية وجلت وعظمت المصيبة لك علينا وعلى جميع أهل الإسلام) *

«الرزية» بالتشديد أصله الرزيئة بالهمز ، لأنه مهموز مشتق من الرزء فخففت الهمزة بالقلب والإدغام ، قال في (القاموس) (١) : «والرزيئة المصيبة ، كالرزء».

وأما «المصيبة» ففي (مجمع البيان) (٢) في تفسير آية الاسترجاع (٣) : «المصيبة المشقة الداخلة على النفس لما يلحقها من المضرة ، وهو من الإصابة كأنها تصيبها بالنكبة».

وفي (تفسير النيشابوري) عند الآية المزبورة : «المصيبة من الصفات الغالبة التي لا تكاد تستعمل موصوفاتها وتختص من بين ما يصيب الإنسان بحالة مكروهة كالنازلة والواقعة والمملة».

وكل من الحرفين متعلق بالأفعال الثلاثة على سبيل التنازع ، ومعنى «وعظمت المصيبة بك علينا» أنا مصابون بمصيبتك وأنا أهلها

__________________

(١) القاموس المحيط ص ٤١ (مادة رزء).

(٢) مجمع البيان (١ / ٢٣٨).

(٣) الآية ١٥٦ من سورة البقرة قوله تعالى : (ا لذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون).

١٠٦

وصاحبوها بقرينة ما يأتي من قوله «لقد عظم مصابي بك».

ويفهم من قوله «وعلى جميع أهل الإسلام» أن من لم يتحزن بمصيبته ولم يتألم كالنواصب وأشباههم ، فهو خارج عن الإسلام.

١٠٧

[شرح «ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم ...»]

قوله عليه السلام : * (ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم) *.

المراد بالمقام والمرتبة هنا هو التصرف في أمور الأمة ، والتسلط على إجراء الأحكام وإقامة الحدود والجمعة والجماعة ، وبالجملة بسط يدهم في كل ما يريدون من أمور الخلق وقد منعوا من ذلك ، كما قال العسكري عليه السلام في دعاء القنوت (١) «وابتز أمور آل محمد (٢) معادن الأبن (٣)».

__________________

(١) رواه عن الإمام العسكري عليه السلام السيد في مهج الدعوات ص ١٤٣ وعنه البحار (٨٢ / ٢٣٠) ورواه الشيخ في مصباح المتهجد ص ١٥٧ ولم ينسبه لأحد.

(٢) كذا في الأصل وفي جميع المصادر «وابتز أمورنا معادن».

(٣) قال العلامة المجلسي قدس سره في البحار في بيانه لهذا الدعاء : «معادن الأبن : أي الذين هم محال العيوب الفاضحة من العلة المعروفة وغيرها ، كما اشتهر بها رؤساؤهم ، وقد ورد في الخبر أنه لا يتسمى بأمير المؤمنين بغير استحقاقه إلا من ابتلي بتلك العلة الشنيعة التي تذهب بالحياء رأسا ، وبه أول قوله تعالى (إن يدعون من دونه إلا إناثا) [النساء ١١٧] كما مر في موضعه وفي (القاموس) : أبنه بشيء يأبنه ويأبنه اتهمه فهو مأبون بخير أو شر ، فإن أطلقت فقلت : مأبون فهو للشر ، وأبنه تأبينا عابه في وجهه والأبنة بالضم العقدة في العود والعيب والرجل الخفيف والحقد» (البحار ٨٢ / ٢٥٠).

١٠٨

[شرح «لقد عظم مصابي»]

قوله عليه السلام : * (لقد عظم مصابي) *.

كلمة (مصابي) مصدر ميمي مبني المفعول ، أو بمعنى الفاعل ، وهو المصيبة مضاف إلى اسم المفعول ، أي لقد عظم إصابتي وابتلائي بك ، أو مصيبتي وبليتي بك.

ولقد أغرب بعض الشارحين في جواز كون (مصابي) مفعولا به ، وأنه من باب الحذف والإيصال ، كالمشكوك والمولود ، والأصل «مصاب به» ، فحذف الجار واتصل الضمير بناء على أنه من باب [من] أصابه الله بالمرض ، فالمريض مصاب ، والمرض مصاب به ، كما أنه قبل التعدية بالباء كان نفس المصيبة التي هي الفاعل ، ثم قد يحذف الفاعل ويقام المفعول مقامه ، فيقال هي الفاعل ، ثم قد يحذف الفاعل ويقام المفعول مقامه فيقال : أصيب زيد بالمرض ، هذا حاصل كلامه.

وهو يدل على أنه لم يفرق بين باء الصلة وباء التعدية ، والحذف والإيصال ، إنما هو في حروف الصلة التي لا تغير معنى الفعل ، كقوله :

* أمرتك الخير فافعل ما أمرت به * (١)

__________________

(١) من البسيط وعجز البيت * فقد تركتك ذا مال وذا نشب * وقد اختلف في قائل هذا البيت فقد نسب لعمرو بن معدي الزبيدي (ت ٢١ ه ـ) وللعباس بن مرداس السلمي (ت ١٨ ه ـ) ولزرعة بن السائب والخفاف بن ندبة السلمي (ت ٢٠ ه ـ) راجع خزانة الأدب (١ / ٣٤٣).

١٠٩

والأصل أمرتك بالخير ، وبقرينة ما ائتمرت به.

وقوله :

* تمرون الديار ولم تعوجوا * (١)

والأصل تمرون على الديار أو بالديار ، وكقوله تعالى (سيدخلون جهنم داخرين) [غافر ٦٠] حذف فيه كلمة «في» لقوله (يدخلون في دين الله أفواجا) [النصر ٢] وكقوله تعالى : (فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي) [الفجر ٢٩ ، ٣٠] حذف كلمة «في» في الثاني بقرينة ذكرها في الأول ، ونحو ذلك وهو كثير.

وأما باء التعدية وهي التي تغير معنى الفعل وتبدله وتنقله إلى المتعدي ، وتتضمن معنى الجعل والتصيير كقوله (ذهب الله بنورهم) [البقرة ١٧] (وإنا على ذهاب به لقادرون) [المؤمنون ١٨] ، وقوله عليه السلام في الدعاء (٢) : «اللهم أدرك بنا ثأره» ، والمعنى جعل الله نورهم ذاهبا باطلا ، وإنا على جعله ذاهبا فإنا لقادرون ، اللهم اجعلنا مدركين ثاره ونحو ذلك ، وهو أيضا كثير ، فلا يجوز حذفها لئلا يفوت معنى التعدية ، كما لا يجوز حذف همزة التعدية لذلك ، فالباء والهمزة متعاقبتان في تعدية معنى الفعل ، تقول : أذهب ال له نورهم كما

__________________

(١) عجزه * كلامكم علي إذا حرام * والبيت لجرير راجع الكامل في الأدب (١ / ٥٠).

(٢) لم أجد دعاء بهذا اللفظ ، نعم روى الشيخ قدس سره في مصباح المتهجد ص ٦٧١ والسيد في الإقبال (٢ / ٢٩) والكفعمي في البلد الأمين ص ٢٤٤ والمصباح ص ٦٥٩ في دعاء اليوم الخامس والعشرين من ذي الحجة ما لفظه «اللهم أدرك بنا قيامه».

١١٠

تقول : (ذهب الله بنورهم) [البقرة ١٧] ، فكما لا يجوز حذف الهمزة ، لا يجوز حذف الباء ، وهو ظاهر ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، لأن الباء في قولك : «أصابه الله بالمرض» باء التعدية ، والمعنى جعل الله المرض مصيبا له ، هذا مضافا إلى أن الحذف والإيصال إنما هو مع إمكان ذكر المحذوف كما عرفت في الأمثلة المذكورة ، وعدم الإمكان في عبارة الزيارة مما لا يخفى.

١١١

[شرح «واسئل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك»]

قوله عليه السلام : * (واسئل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك) *.

عبارة (كامل الزيارة) (١) هنا هكذا «فاسئل الله الذي أكرم مقامك أن يكرمني بك ويرزقني طلب ثارك» لكن عبارة (المصباح) أوفق بما يأتي من قوله «فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ـ إلى قوله ـ أسئله أن يرزقني طلب ثاركم» إذ منه يظهر أن إكرام الزائر بالمزور ليس داخلا في حيز السؤال ، بل متعلق السؤال أن يرزقه طلب الثار ، ولكن أمر الاحتياط بالجمع بين العبارتين واضح ، والمراد ب ـ (أكرمني بك) ، بالقرينة المزبورة أكرمني بمعرفتك.

__________________

(١) كامل الزيارات ص ٣٢٩.

١١٢

[شرح «وأجرى ظلمه وجوره عليكم»].

قوله عليه السلام : * (وأجرى ظلمه وجوره عليكم) *.

هكذا في الكتابين ، وما شاع في بعض النسخ (١) من قوله «وجرى في ظلمه وجوره عليكم» فالظاهر أنه بلا أصل.

__________________

(١) كما في مصباح الزائر والبحار راجع ص ٢٥ من هذا الكتاب.

١١٣

[شرح «وأن يرزقني طلب ثاركم»]

قوله عليه السلام : * (وأن يرزقني طلب ثاركم) *.

في بعض نسخ الزيارة (١) هنا «طلب ثاري» بدل «ثاركم» ، وهو غلط محض شاع بين الناس لا أصل له ، فيما رأينا من الأصول ، وإن أورده في (البحار) في رواية (المصباح) ، وكذا في (زاد المعاد) و (التحفة) ، لكن الظاهر أنه من طغيان قلم الناسخين لا من قلمه رحمه الله.

__________________

(١) كما في بعض نسخ مصباح المتهجد راجع ص ٢٥ من هذا الكتاب.

١١٤

[شرح «مع إمام مهدي»]

قوله عليه السلام : * (مع إمام مهدي) *

عبارة (كامل الزيارة) (١) «مع إمام هدى» (٢) إما بالإضافة أو بالتوصيف ، والجمع بينهم أولى ، كما أن الجمع بين النسختين كذلك.

__________________

(١) المثبت في متن مطبوعة كامل الزيارات المحققة «مع إمام مهدي».

(٢) كذا ورد في بعض نسخ مصباح المتهجد أيضا كما جاء في حاشية مصباح المتهجد الطبعة المحققة ص ٣٣٠ وأيضا في متن مزار المشهدي ص ٤٨٣.

١١٥

[شرح «أن يعطيني بمصابي بكم»]

قوله عليه السلام : * (أن يعطيني بمصابي بكم) *

قد مر (١) في قوله «لقد عظم مصابي» أن المصاب مصدر ميمي بمعنى الفاعل ، أو مبني للمفعول مضاف إلى اسم المفعول ، والتقدير هنا بمصيبتي وبليتي بكم ، أو بإصابتي وابتلائي بكم ، على حذو ما مر هناك.

__________________

(١) ص ١٠٩.

١١٦

[شرح «أفضل ما يعطي مصابا بمصيبته»]

قوله عليه السلام : * (أفضل ما يعطي مصابا بمصيبته) *.

عبارات نسخ (المصباح) (١) هنا مختلفة ، ففي بعضها «بمصيبته» (٢) مضافا إلى الضمير ، وفي بعض آخر «بمصيبته» (٣) منكرا منونا ، وعلى الأول فالباء متعلق ب ـ (يعطي) والضمير للمصاب.

وعلى الثاني فالباء متعلق بالمصاب ، وهو باء التعدية الذي تضمن معنى الجعل والتصيير كما مر عند قوله : «لقد عظم مصابي» ، أي أفضل أجر وثواب ، يعطى من أصيب بمصيبة من مصائب الدنيا ، أي من أصابه الله بها وجعلها بحيث تصيبه.

ثم إن التعبير عن الشدة والصدمة بوصف المصيبة حين إسناد فعل الإصابة ، مع أن الإتصاف بعد تعلق الفعل ، وبعبارة أخرى التعبير عن ذات الفاعل بوصف الفاعلية حين إسناد الفعل ، مع أن الإتصاف بذلك

__________________

(١) لم يشر إلى هذا الاختلاف في حاشية الطبعة المحققة.

(٢) ورد بهذا اللفظ في رواية مصباح المتهجد وكامل الزيارات ومصباح الزائر ومصباح الكفعمي ومزار المشهدي.

(٣) ورد في نسخة أخرى من كامل الزيارات راجع حاشية الطبعة المحققة منه ص ٣٣٠ والمثبت في متن مزار الشهيد والبحار.

١١٧

الوصف متأخر عن تعلق الفعل مجاز شائع بعلاقة المشارفة كقوله تعالى : (الذين أصابتهم مصيبة) [البقرة ١٥٦] ، (قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف) [يوسف ١٠] ، (قال قائل منهم كم لبثتم) [الكهف ١٩] ، (يوم يناد المناد) [ق ٤١] ، (يوم يدع الداع) [القمر ٦] ، (سأل سائل بعذاب واقع) [المعارج ١] ، وفي عدة مواضع من (أصول الكافي) في (باب مواليد الأئمة) : «أتى آت» (١) و «أتاني آت» (٢) وبالجملة ورود هذا التجوز في الكلام الفصيح كثير ، ومنه «من قتل قتيلا فله سلبه» (٣).

__________________

(١) أصول الكافي (١ / ٣٨٥) وعنه البحار (١٥ / ٢٩٧ و (٢٥ / ٤٢) ورواه في بصائر الدرجات ص ٤٤٠.

(٢) نفس المصادر.

(٣) مروي عن النبي صلى الله عليه وآله عوالي الئالئ (١ / ٤٠٣) وعنه البحار (٤١ / ٧٣) ومن طرق العامة رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم.

١١٨

[شرح «يا لها من مصيبة ما أعظمها»]

قوله عليه السلام : * (يا لها من مصيبة ما أعظمها) *.

كلمة (يا) حرف نداء ، والمنادى محذوف ، واللام للتعجب ، والضمير مبهم مفسر بما بعده قصدا للتفخيم والتعظيم في ذلك ، فيذكر أولا مبهما حتى تتشوق نفس السامع إلى معرفته ، ثم يفسر فيكون أوقع في النفس ، وأيضا يكون ذلك المفسر مذكورا مرتين بالإجمال أولا ، والتفسير ثانيا ، فيكون آكد.

صرح بذلك كله (نجم الأئمة الرضي) (١) رضي الله عنه ثم نقل عن (مصنفه (٢)) (٣) أنه قال : «أنك إذا قصدت الإبهام للتفخيم ، فتعقلت المفسر في ذهنك ولم تصرح به للإبهام على المخاطب ، وأعدت الضمير إلى ذلك المتعقل ، فكأنه راجع إلى المذكور قبله ، وذلك المتعقل في حكم المفسر المتقدم».

__________________

(١) الشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاسترآبادي : (نجم الأئمة) ، كان فاضلا ، عالما ، محققا ، مدققا ، له كتب منها : شرح الكافية (ألفه في النجف) ، شرح الشافية ، شرح قصائد ابن أبي الحديد ، وغير ذلك ، وكان فراغه من تأليف شرح الكافية سنة ٦٨٣ ه ـ ، ووفاته سنة ٦٨٦ ه ـ (معجم رجال الحديث ١٦ / ٢١٢).

(٢) شرح الكافية [الكافية في النحو هو متن مختصر في النحو يقال له المقدمة من تأليف العلامة الشهير بابن الحاجب المتوفى سنة ٦٤٨ ه ـ] : للشيخ نجم الأئمة الأسترآبادي ، وهو شرح مزجي كبير في غاية التحقيق والتدقيق ، لم يصنف مثله في النحو باعتراف المخالف والمؤالف ، نقل في كشف الظنون ج ٢ ص ٢٤٩ عن السيوطي أنه قال : «لم يؤلف شرح على الكافية بل ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا» وذكره السيوطي في بغية الوعاة ص ٢٤٨ (الذريعة ١٤ / ٣٠).

(٣) شرح الرضي على الكافية (٢ / ٤٠٧).

١١٩

والتقدير : يا قوم أو يا عباد الله تعجبوا من مصيبة عظيمة بلغت في الشدة والعظمة إلى حد يقال في حقها «ما أعظمها وأعظم رزيتها» وعبارة (كامل الزيارة) هنا هكذا «أن يعطيني بمصابي بكم أفضل ما أعطى مصابا بمصيبة (١) ، أقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا لها من مصيبة ما أعظمها إلخ».

وجملة «أقول» إما حال لفاعل اسئل ، أو لمفعول «يعطيني» أو للضمير المضاف إليه في «مصابي» ، وهذا أقرب لفظا وأوفق بقوله تعالى (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله) [البقرة ١٥٦] ومنه يظهر أن عبارة (الكامل) أحسن وأولى وأتم من عبارة (المصباح) لاشتمالها على استرجاع هذا المصاب ، فيكون داخلا في من مدحهم الله تعالى بقوله : (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) [البقرة ١٥٦].

ثم إنك قد عرفت مما ذكرنا أن قوله (يا لها من مصيبة) موجود في الكتابين جميعا ، ومع ذلك فالعجب من (العلامة المجبسي) حيث أورد في (البحار) (٢) عبارة (المصباح) هكذا «أفضل ما يعطي مصابا بمصيبة (٣) مصيبة ما أعظمها» وهكذا أورد في (زاد المعاد) (٤) و (التحفة) ثم قال في البيان (٥) : «قوله مصيبة منصوب بفعل مقدر كأذكر أو أعني».

__________________

(١) المثبت في متن كامل الزيارات ـ الطبعة المحققة ـ : «بمصيبته» ، وورد «بمصيبة» في الحاشية عن نسخة أخرى راجع الحاشية رقم (٣) في ص ٣٣٠ من الطبعة المحققة.

(٢) البحار (٩٨ / ٢٨٣).

(٣) في البحار وزاد المعاد : «بمصيبته».

(٤) زاد المعاد ص ٢٣٥.

(٥) البحار (٩٨ / ٣٠٢).

١٢٠