القوانين المحكمة في الأصول - ج ٤

الميرزا أبو القاسم القمّي

القوانين المحكمة في الأصول - ج ٤

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: رضا حسين صبح
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٢٢

نقول : إن كان الدّليل على حجيّتها هو أنّه ظنّ المجتهد ، فلا بدّ في المسائل الفقهيّة من الرّجوع الى ما يحصل به الظنّ منها ويترجّح صحّتها وموافقتها للحقّ في نظر المجتهد ، سواء وافق واحدا من تلك الأخبار المذكورة في وجوه التّراجيح أم لا. فإنّ حجّية هذه الأخبار الواردة في العلاج أيضا إنّما هو من جهة أنّه ظنّ المجتهد بالفرض.

فلو فرض حصول الظنّ بأحد طرفي الأخبار الواردة في المسألة الفقهيّة أنّه هو الموافق للواقع ، واقتضى الظنّ الحاصل من جهة بعض هذه الأخبار الواردة في العلاج خلافه ، مثل أنّ الظنّ الاجتهادي اقتضى ترجيح الخبر الدّال على تقديم موافقة الكتاب على ما دلّ على ترجيح ما وافق المشهور في الأخبار العلاجيّة ، لكون راوي الرّواية الأولى أوثق وأعدل.

ثمّ إذا تأمّلنا في المسألة الفقهيّة ورأينا أحد طرفي المسألة أقوى في النّظر والحديث الدالّ عليه أرجح بسبب القرائن الأخر ، مثل علوّ الإسناد (١) وموافقة دليل العقل ، وغير ذلك من المرجّحات الاجتهاديّة ، وإن كان الطّرف الآخر موافقا لظاهر الكتاب ؛ فحينئذ لو اعتمدنا على ظنّنا هذا بأوفقيّة ما وافق مختارنا من الخبرين الواردين في هذه المسألة الفقهيّة لنفس الأمر ، وراجعنا مختارنا في المسألة الأصوليّة وترجيحنا لما دلّ على ترجيح موافق الكتاب على ما وافق المشهور ؛ فلا بدّ من أن نترك الظنّ الأوّل بهذا الظنّ.

وأنت خبير بأنّه لا دليل على ذلك ولا ترجيح بينهما ، بل التّرجيح للأوّل لأنّه ظنّ بالحكم النّفس الأمريّ في المسألة الفقهية أوّلا.

__________________

(١) في نسخة الأصل (الأسناد).

٣٨١

والثّاني : ظنّ بواسطة فرض تقديم اعتبار الظنّ الحاصل في ترجيح الخبر الذي ورد في المسألة الأصوليّة. والأوّل خاصّ والثّاني عامّ ، يعني أنّ الثاني يدلّ بالعموم على ترجيح الموافق للكتاب على غيره ، والأوّل يقتضي ترجيح الخبر الخاصّ بالمسألة الخاصّة الواردة على خلافه.

لا يقال : إذا تأمّل المجتهد في المسألة الفقهيّة فلا بدّ من أن يتأمّل في علاج المتعارضين ويراجع الأخبار الواردة فيه ، وبعد مراجعتها والتّأمّل فيها وترجيح ما دلّ منها على تقديم موافق الكتاب ، على الآخر وحصول الظنّ له بتقديم موافق الكتاب فكيف يحصل الظنّ له بخلافه من تلك الأخبار المتعارضة في المسألة الفقهيّة.

لأنّا نقول : التّأمّل في مسألة الجمع بين الأخبار بقول كلّيّ مغاير للتأمّل في المسألة الفقهيّة المستعقبة لذلك ، ولا ينافي حصول الظنّ في المسألة الأصوليّة عدم حصوله في المسألة الفقهيّة ولا بالعكس ، أما ترى أنّا نثبت في الأصول رجحان الاستصحاب والعمل به ، بل ربّما نستدلّ به عليه بالأخبار الصحيحة ، ثمّ قد يحصل الظنّ في الفقه على خلاف مقتضاه من جهة أخرى.

وكذلك رجحان دلالة صيغة : افعل على الوجوب ، لا ينافي حصول الظنّ بكون المراد منها النّدب في المسألة الفقهيّة ، مع أنّا نقول : التّأمّل في علاج المتعارضين لا ينحصر في ملاحظة الأخبار العلاجيّة حتّى يلزم المحذور ، بل يرجع الى جميع القرائن والأمارات المحصّلة للظنّ كما هو مفروض المسألة من الرّجوع الى ظنّ المجتهد من حيث هو ظنّ المجتهد ، لا الى الخبر العلاجيّ من حيث هو الخبر العلاجيّ ، فلا مانع من حصول الظنّ في المسألة الفقهيّة على خلاف ما اقتضاه المسألة الأصولية ، أعني علاج الخبرين المتخالفين.

٣٨٢

والحاصل ، أنّا نقول : التّأمّل في الأخبار العلاجيّة من حيث هي ومن حيث إنّه علاج للخبرين المتعارضين من حيث إنّهما خبران متعارضان ، يوجب ترجيح ما وافق الكتاب مثلا ، لكثرة الأخبار وأوثقيّة الرّواة مثلا ، مع قطع النّظر عن ملاحظة مسألة من المسائل الفقهيّة. والتّأمّل في المسألة الفقهيّة الخاصّة قد يقتضي خلافه وإن لوحظ الأخبار العلاجيّة أيضا ، ولوحظ الخبران المتعارضان فيه ، فإنّ ملاحظة الخبرين في المسألة الفقهيّة ليس من حيث إنّهما خبران مطلقا ، بل قد يكون من حيث إنّهما دليلان من أدلّة المسألة ، فلا منافاة بين حصول الظنّ من الحديث الدّالّ على تقديم موافق الكتاب إذا لوحظ الخبران من حيث هما خبران متعارضان بتقديمه ، وحصول الظنّ في المسألة الفقهية بتقديم ما يخالفه.

فإن قلت : إنّ مع حصول الظنّ بلزوم العمل على مقتضى الرّواية بتقديم ما وافق الكتاب ، كيف يحصل الظنّ بأحد طرفي المسألة الفقهيّة مع مخالفته للكتاب؟

قلت : يحصل الظنّ بأحد طرفي المسألة الفقهيّة مع كون الطّرف الآخر موافقا للاستصحاب ، فقد تراهم قد يقدّمون الظّاهر على الأصل ، وليس ذلك إلّا لأجل حصول الظنّ في الطّرف الظّاهر ، فهذا الظنّ من أين حصل؟ مع أنّ ظن المجتهد في الاصول العمل على مقتضى الاستصحاب ، والمفروض أنّ العمل على الظّاهر ليس إلّا من جهة حصول الظنّ للمجتهد بسبب الأمارات والقرائن والغلبة.

فإن قلت : مرادنا من البناء على العمل بمقتضى ما رجّحناه من الأخبار العلاجيّة ، هو حصول الظنّ الاجتهادي بتقديم مقتضاه ، مثل تقديم ما وافق الكتاب على غيره من هذه الجهة ، وهذا لا ينافي عدم حصول الظنّ بما وافق مقتضاه في المسألة الفرعيّة من جهة أخرى من الظّنون الاجتهادية.

قلت : مع أنّ هذا رجوع عمّا ذكرت أوّلا ، معنى حصول الظنّ الاجتهادي بتقديم

٣٨٣

الخبر العلاجيّ الخاصّ ، تقديمه تعبّدا من دون ملاحظة أنّ موافقة المسألة الفقهيّة له موجب لرجحانها في نفس الأمر ومورث لحصول الظنّ بموافقتها للواقع أم لا ، وإلّا لما كان عملا بالخبر العلاجيّ ، بل يكون حوالة على حصول الظنّ النّفس الأمريّ ، فلا معنى لاعتبار الجهة وملاحظة الحيثيّة ، لأنّه إنّما يلائم إرادة العمل بالظنّ من حيث إنّه ظنّ كما لاحظوه في المرجّحات الاجتهادية ، لا التعبد.

وأمّا لو انحصر الترجيح في الأخبار الفروعيّة على العمل بمقتضى الخبر العلاجيّ من جهة عدم حصول الظنّ من جهة أخرى فرضا ، فهذا أيضا عمل بالظنّ الاجتهادي ، لأنّ الخبر العلاجيّ أيضا ظنّ بالفرض.

سلّمنا ، لكن مقتضى الخبر العلاجيّ إفادة الظنّ فيما نحن فيه ، مع قطع النّظر عن كونه مقتضاه أيضا ، فلا يبقى ثمرة حينئذ في العمل بالخبر العلاجيّ.

وأيضا إنّ ذلك يستلزم تخصيص الدّليل القطعيّ العقليّ بالظنّي ، وهو باطل كما حقّقنا سابقا أنّه لا يجوز تخصيصه بالقطعيّ فضلا عن الظنّي ، وذلك لأنّ بناء العمل على أخبار الآحاد من جهة كونه ظنّ المجتهد ، مبنيّ على واحد من الأدلّة العقليّة القطعيّة التي ذكرنا في مبحث خبر الواحد.

فعلى هذا ، إذا خصّصنا جواز العمل بالظنّ بما لم يقم ظنّ آخر على عدم حجّية هذا الظنّ [القطعيّة] وقلنا : بأنّ العمل بأحد الخبرين المتعارضين في الفروع مع كونه مظنون الصّدق في نفس الأمر ، مشروط بعدم كونه مخالفا لمقتضى ما هو أقوى من الأخبار المتعارضة الواقعة في علاج التّعارض ومخصّص به يلزم المحذور المذكور ، مع أنّ لنا أن نقول : لا يحصل الظنّ أصلا في الخبر العلاجيّ حينئذ ، ولا يمكننا الحكم بأنّ الخبر الدّال على تقديم موافق الكتاب مطلقا مثلا مظنون الصّدق وراجح العمل في علاج التّعارض بالنّسبة الى الخبر الوارد في ترجيح

٣٨٤

المشهور على موافق الكتاب بسبب أنّ رواته أفقه وأعدل وأوثق ، لأنّ المراد في باب التّراجيح في الفقه والأصول لا بدّ أن يكون اختيار ما هو أقرب الى الحقّ النّفس الأمريّ ، لا ما هو أقرب بالصّدور عن المعصوم ، إذ ليس كلّ ما يصدر عن المعصوم عليه‌السلام موافقا للحقّ النّفس الأمريّ ، بل ربما كان من جهة خوف وتقيّة وغير ذلك. فكيف يحصل الظنّ للمجتهد بترجيح ما دلّ على تقديم ما وافق الكتاب مطلقا ، مع أنّه يحتمل أن يكون الطّرف المخالف في المسألة الفرعيّة مظنون المطابقة لنفس الأمر من جهة القرائن والأمارات الأخر ، إذ المراد بالكتاب هو الأعمّ ممّا علم منه ضرورة من الدّين والظّواهر.

والحاصل ، أنّا نقول : كلّما حصل للمجتهد الظنّ بسبب رواية خاصّة لا معارض لها ، فلا إشكال ، وكذا لو حصل له الظنّ بحقيّة أحد المتعارضين في المسألة الفقهيّة من أيّ وجه يكون ، يجب العمل عليه لما قدّمناه من الأدلّة في وجوب العمل بالظنّ على المجتهد لئلّا يلزم ترجيح المرجوح ، ولغيره من الأدلّة سواء اقتضى بعض الأخبار الواردة في علاج التّعارض حينئذ كونه أقوى بحسب السّند والدّلالة وغيرهما من غيره خلافه أم لا. وإذا تساويا في نظره ، فالمظنون هو أحدهما ، فيتخيّر بينهما.

وإن وافق ظنّه في هذه المسألة الفرعيّة لواحد من الأخبار الواردة في العلاج ، فهو ليس من جهة العمل بذلك الخبر ، بل لأنّه مقتضى ظنّه الواجب الاتّباع وإن كان دليل حجّيتها هو ما استدلوا بها ممّا يدلّ على حجّيتها من حيث هي من الآيتين والإجماع ، فمع ما بيّنا أنّه لا يتمّ ، ومع تسليمها إنّما يدلّ على حجّيتها في الجملة.

فيه : أنّ حجّية تلك الأخبار الواردة في العلاج أيضا لا بدّ أن يكون هو بتلك الأدلّة ، ولا يخفى أنّها لا تدلّ على حجّية مطلق المتعارضات ، لاستحالة العمل بها ،

٣٨٥

فما الدّليل على تقديم بعض تلك الأخبار على بعض وترجيحه.

فإن اعتمدت في التّرجيح على بعض تلك الأخبار تحكّما لأنّه خبر واحد ثبت حجّيته ، فمع منع شمول الدّليل لذلك ، ولزوم التّرجيح من غير مرجّح.

فيه : أنّه قد يستلزم الدّور كما لا يخفى.

وإن اعتمدت على مرجّح خارجيّ فهو ليس إلّا العمل بظنّ المجتهد ، لا الخبر من حيث إنّه خبر ، وهو خروج عن الفرض.

فالتّحقيق في توجيه هذه الأخبار أن يقال : إنّها وردت في تعليم طريقة الاجتهاد في معرفة حقيّة الخبر وموافقته للحقّ النّفس الأمريّ ، لا مجرّد معرفة ما هو صادر عن الإمام عليه‌السلام عن غيره.

وظاهرها أنّ المراد منها الاجتهاد في أخبار الآحاد لا الأخبار القطعيّة ، وتلك الأخبار أيضا من الأدلّة الدّالة على أنّ جلّ أخبارنا ظنيّة.

وما يتوهّم أنّ ذكر هذه المرجّحات في الأخبار من باب التّعبد لا استعلام التّرجيح النّفس الأمريّ ، فهو من الخيالات الفاسدة التي تقطع السّليقة المستقيمة بفسادها ، فحينئذ نقول : مقتضى تعليم طريقة التّرجيح ، ملاحظة جميع الوجوه ، فوجه اقتصار الإمام عليه‌السلام في بعضها بواحد من الوجوه إنّما هو مع فرض التساوي في سائر وجوه التّرجيح ، أو أنّ ذلك الرّاوي كان محتاجا الى الوجه الذي اقتصر الإمام عليه‌السلام وكلّ وجه من الوجوه المذكورة مبنيّ على داع دعا إليه ، فلمّا كان الملاحدة والغلاة والزّنادقة خاصموا دين الله تعالى وكتابه فدعت أهواؤهم الى وضع أخبار مخالفة للكتاب والسنّة ونسبوها الى صاحب الشّرع لتشويه الدّين المبين وترويج طريقة المبطلين ، فنظر الإمام عليه‌السلام في العرض على كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى إرشاد جماعة كانوا مبتلين بمعاشرة أمثال هؤلاء واستماع

٣٨٦

أخبارهم.

ولمّا كان المخالفون متسلّطين في زمن الأئمة عليهم‌السلام وكانوا عليه‌السلام يتّقونهم وربّما كان يفتون موافقا لآرائهم من أجل التّقيّة ، فغرضهم في العرض على فتاوى العامّة ملاحظة الاحتراز عن الأخبار الموافقة لهم ، ويظهر منه مراعاة حال الشّهرة.

ولمّا كثرت الكذّابة والقالة وأهل الغفلة والسّهو والنّسيان فيهم ، ودخلت أخبارهم في أخبار أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، فوضع عليه‌السلام قاعدة الرّجوع الى الأفقه والأعدل والأورع من جهة ذلك ، الى غير ذلك من الوجوه.

فالاقتصار في بعض الرّوايات بالبعض دون البعض ، إمّا بملاحظة حال الرّاوي واحتياجه الى تلك القاعدة بالخصوص ، وإمّا من جهة كون الرّوايتين مفروضي التّساوي في غيره.

وأمّا رواية عمر بن حنظلة فيمكن أن يقال : إنّ مبناها على أنّ المتحاكمين لمّا كان الغالب فيهما أنّهما من العوامّ المقلّدين ، فحكم عليه‌السلام أوّلا برجوعهما الى رجل عارف من أصحابنا بأحكامهم من رواياتهم ، وأمره عليه‌السلام بالرّجوع الى الأفقه الأعدل الأورع الأصدق في الحديث على الاجتماع يكفي معونة الفحص عن حاله وحال حكمه ، إذ الظّاهر من حال مثله أنّه أخذ بما هو الرّاجح لمعرفته بحال المشهور وخلافه ، وموافق الكتاب وخلافه ، وموافق العامّة ومخالفهم ، وموافق الاحتياط ومخالفه.

فوجود هذه الصّفات واجتماعها خصوصا مع الأفقهيّة ؛ يكفي عن التفحّص ، لأنّ المراد أنّك وإن علمت أنّ جامع هذه الصّفات ينتفي بالشّاذّ النّادر أو بما خالف كتاب الله تعالى مثلا ، أو بكليهما أيضا ، فاتّبعه وارجع إليه.

ثمّ لمّا فرض الرّاوي موافقتهما في الصّفات المذكورة ، فحكم الإمام عليه‌السلام حينئذ

٣٨٧

بالرّجوع الى اجتهاد السّائل في الحكم وملاحظة أنّ أيّهما موافق للمشهور المجمع عليه ، وأمر بمتابعته.

وذلك أيضا مبنيّ على أنّ الظّاهر من المشهور المجمع عليه ، أنّه ليس مخالفا للكتاب مثلا ، ويكفي لك الاعتماد على متابعة المشهور عن التّفحّص عن حال الحكم ، لا أنّك وإن علمت أنّه مخالف الكتاب مثلا يجب عليك الاتّباع ، ثمّ فرض الرّاوي التّساوي في ذلك ، وهكذا.

وبالجملة ، الرّجوع الى تلك الأخبار في طريقة التّرجيح ممّا لا يمكن بوجه للاختلافات الحاصلة فيها ، بحيث لا يرجى زوالها ، مع أنّ فيها إشكالات أخر مثل : أنّ الأفقهيّة والأصدقيّة والأورعيّة اشترط اجتماعها في الرّاوي ، فلا يكفي أحدها.

ومثل : أنّ الورع والصّدق لا يستلزم أقربيّة ما قاله الى الواقع ، بل إنّما يستلزم أقربيّة صدوره عن المعصوم عليه‌السلام.

والمقصود في التّرجيح الأوّل ، إذ ربّما كان الحكم صادرا على وفق التّقيّة من العامّة ومذاهبهم ، وإمّا من سلطان العصر المتغلّب ، وإن لم يكن مذهبه في المسألة موافقا لاحدهم ، كما ذكروه في مسألة نجاسة الخمر بحمل الأخبار الدالّة على الطّهارة على التّقيّة من جهة ولوع السّلطان على شربها ، لا من جهة كونها مذهبا للعامّة ، فإنّ عامّتهم على النّجاسة.

ومثل : الإشكال في معرفة التّقيّة بالنّسبة الى حال كلّ واحد من الأحكام والرّواة والأئمة عليهم‌السلام لاختلافها بالنّسبة إليهم كما عرفت.

ومثل : الإشكال في موافقة الكتاب وعدمه ، لأنّ الضّروريّات المستفادة من الكتاب ممّا لا يحتاج الى العرض عليها.

٣٨٨

وأمّا الظّواهر المختلفة فيها ، فلا يناسب هذه التّأكيدات والتّشديدات ، وأنّ مخالفها زخرف وباطل ، سيّما بعد القول بجواز بيان الكتاب بخبر الواحد وتخصيصه به وخصوصا عند الأخباريين المنكرين لحجّية ظواهره القائلين بأنّ تفسيرها إنّما هو بالأخبار ، ومع ذلك كلّه ، فالأحكام المستنبطة من الكتاب التي يمكن موازنة الأخبار معها ، ليس إلّا أقلّ قليل لا يناسب ما ورد في تلك الأخبار من تقديم العرض على كتاب الله في جواب الرّواة في الأحكام المختلف فيها.

نعم ، ما دلّ من الآيات على أصل البراءة والإباحة ، فهو ممّا يكثر فروعها في الأحكام ، لكن مخالفة أصل البراءة ليس ممّا يوجب هذه التأكيدات والتشديدات ، بل يجوز مخالفة مقتضاها بخبر الواحد وغيره من الظّنون ، سيّما عند الأخباريّين الّذين ينكرون حجّيته ويقولون بالتّوقّف والاحتياط.

ومثل : الإشكال في لزوم التّوقّف والإرجاء والعمل بالاحتياط الوارد في بعضها ، لما مرّ من بطلان القول بوجوب الاحتياط أو لإيجابه الحرج والضّيق.

ومثل : الإشكال في الأمر بالتّخيير في كثير منها في أوّل الأمر ، المستلزم لترجيح المرجوح ، إلّا أن يحمل على صورة التّساوي والعجز عن التّرجيح.

ومثل الإشكال في أنّ المسألة الاصولية لا تثبت بأخبار الآحاد وهو ليس بشيء إلّا أن يرجع الى ما ذكرنا من أنّ الدّليل على العمل بالأدلّة الظّنيّة مطلقا هو كونه ظنّ المجتهد لا الخصوصيّة ، فيتمّ الكلام كما مرّ.

وبالجملة ، لا ينكر كون ما ذكر في تلك الأخبار من الوجوه المرجّحة في الجملة ، ولكن لا يتمّ الاعتماد عليها مطلقا ، وبالتّرتيب المذكور في بعضها ، فالمعتمد هو ما ترجّح في نظر المجتهد في الموارد.

٣٨٩

وقد أغرب بعضهم (١) حيث أنكر طريقة المجتهدين في التّرجيح والاعتماد على الوجوه التي ذكروها ، لأنّه لا دليل على حجّية مثل هذه الظّنون ، بل لا بدّ من الرّجوع الى ما ورد في الرّوايات الواردة في العلاج ، ثمّ ذكر الرّوايات المختلفة ، ثمّ لمّا رأى اختلافها أخذ من كلّ منها شيئا ، وقدّم بعض تلك المرجّحات المذكورة فيها على بعض باجتهاده ، وحسب أنّ ذلك رجوع الى الرّوايات وغفل عن أنّ هذا ليس عملا بالرّواية ، بل هو عمل باجتهاده فكرّ على ما فرّ عنه ، لأنّه لا دليل على مطلق الجمع ، فقال : بتقديم العرض على الكتاب لكمال الاهتمام به في الأخبار الكثيرة ، وضمّ به أو السنّة المذكورة في بعضها ، ثمّ ملاحظة الصّفات المذكورة في رواية عمر بن حنظلة إن لم يعلم الموافقة والمخالفة ، ومع التّساوي ، فالترجيح بكثرة الرّاوي وشهرة الرّواية ، ومع التّساوي ، فبالعرض على روايات العامّة ، الى آخر ما ذكره ، ولا يدلّ على ما ذكره بالخصوص وعلى التّفصيل المذكور واحد من الرّوايات.

وأغرب من هذا ما اختاره بعض الأفاضل (٢) من الأخباريين المتأخّرين من حمل هذه الأخبار كلّها على الاستحباب لأجل اختلافها ، وورود إشكالات عليها ، قال : ومن تأمّل فيها وفي قول الصّادق عليه الصلاة والسلام أنّه هو الذي أوقع الاختلاف بين الشّيعة لكونه : أبقى لهم عليهم‌السلام ولنا ، علم أنّ الأصل هو التّخيير في العمل والتّوقّف في الفتوى ومنع وجوب التّرجيح ، مستندا بأنّه لم يثبت لزوم التّكليف بما هو الواقع أو بما حصل الظنّ بأنّه كذلك ، مع كون الحديث المعارض

__________________

(١) يمكن مقصوده صاحب «الوافية» راجعه ص ٣٢٤ و ٣٣٣.

(٢) أراد به السيد صدر الدّين في شرحه على «الوافية» كما في الحاشية.

٣٩٠

جائز العمل مظنون الصّدق فالمكلّف به هو أحد الأمرين بعنوان التّخيير أو التّساقط ، والرّجوع الى الأحاديث المطابقة لمقتضى الأصول.

أقول : وما ذكره من قول الصادق عليه‌السلام معارض بقولهم عليهم‌السلام : «كثرت علينا الكذّابة والقالة وإنّ الملاعين دسّوا في كتب أصحابنا» (١).

وقول أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام (٢) : «إنّ في أيدي النّاس حقّا وباطلا وناسخا ومنسوخا وصدقا وكذبا». وهذه الأخبار مع ما ظهر لنا بالعيان من السّوانح والاختلالات واغتشاش أمر الرّوايات وأخبارهم وكتبهم وتلف بعضها ، تنادي بلزوم التّفحّص والنّقد والانتخاب ، وكلّ الأخبار الواردة في علاج التّعارض ، دليل على وجوب ذلك كلّه ، [وهذا] مع انضمام قاعدة التّحسين والتّقبيح العقليين ، وبطلان التّصويب يقتضي لزوم الاجتهاد والتّرجيح ، فإذا أورد المتعارضان فلا يمكن العمل بهما معا ، فلا بدّ من بذل الجهد في تحصيل الحقّ والتّرجيح لئلّا يكون مقصّرا في تحصيل الحقّ.

قال الفاضل المتقدّم : من قال بالتّخيير ولا يعمل بالمجموع ولا يقول بحقيّتهما معا وقد سعى حتى حصّل حديثين ، يجوز له العمل بهما لو لا التّعارض ، ومع التّعارض قد رخّص الأئمة عليهم‌السلام العمل وإن كان ما يعمل به مخالفا للواقع وقبيحا في نفس الأمر ، وأنتم أيضا تقولون بتجويز العمل بخلاف الواقع ، لأنّكم أيضا

__________________

(١) ومثلها في البحار ٢ / ٢٤٩ ح ٦٢ وفيها : فإنّ المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي. وفيها أيضا : إنّ أبا الخطاب كذب على أبي عبد الله عليه‌السلام ، لعن الله أبا الخطاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسّون هذه الأحاديث الى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) «نهج البلاغة» الخطبة ٢١.

٣٩١

تقولون بالتّخيير ، ولكن بعد العجز عن التّرجيح.

وأنت بعد ملاحظة ما سبق لا يخفى عليك ما فيه ، فإنّ هذه الرّخصة من أين ثبتت ، ومن أين يحكم بأنّ حديث التّخيير في أوّل الأمر من المعصوم عليه‌السلام دون غيره ، وأنّ مراده هو التّخيير قبل العجز عن التّرجيح أيضا ، سيّما بعد ملاحظة الأخبار الكثيرة الآمرة بلزوم التّرجيح.

وكما يجوز لك حمل تلك الأخبار على الاستحباب ، قلنا : إن نحمل هذا على ما بعد العجز عن التّرجيح ، فما وجه ترجيح ما ذكرت ، فإنّا لو سلّمنا عنك جواز العمل بأحد الخبرين من دون المرجّح في الفروع كيف نسلّم عنك في الأصول.

ولو سلّمنا عنك ذلك في الأصول ، قلنا : إنّ تقدّم العمل بوجوب الرّجوع الى التّرجيح بمقتضى واحد من الأخبار الدالّة عليه ، وبعد الأخذ به يجب العمل ، كاختيار أحد المجتهدين للمقلّد ، وقد بيّنا الدّليل على وجوب ترجيح الرّاجح وبطلان قول منكره في بحث خبر الواحد.

بقي الكلام في ترجيح الأقوال الثّلاثة عند التّعادل والعجز عن التّرجيح. والأظهر الأشهر المعروف من محقّقي متقدّمي أصحابنا ومتأخّريهم : التّخيير.

وقيل : بالتّساقط ، ولا رجوع الى الأصل.

وقيل : بالتوقّف ، والكلام في ذلك أيضا مثل الكلام في أصل التّرجيح من عدم جواز الرّجوع الى الأخبار في ذلك ، سيّما مع اختلافها في تأدية المقصود. فربّما حكم فيها بالتخيير أوّلا ، وربّما حكم به بعد العجز عن الترجيح ، لكنّها مختلفة في أنّ التّخيير بعد أيّ التّراجيح ، فلا يعرف من الأخبار موضع التّخيير الخاصّ به بحيث يرتفع الإشكال.

نعم ، يظهر من كثير منها أنّه بعد العجز عن التّرجيح ، فإذا حمل المطلق على

٣٩٢

المقيّد ، فقضيّة الجمع التّخيير بعد العجز ، لكن ذلك يكفي لتمام المقصود وهو التّخيير بعد العجز عن التّرجيح الخاصّ. نعم ، هذه الأخبار مؤيّدة للمختار.

وأمّا ما دلّ على التّوقّف فهو لا يقاوم ما دلّ على التّخيير لأكثريّتها وأوفقيّتها بالأصول وعمل المعظم. وربّما حمل روايات التّوقّف على زمان يمكن تحقيق الحال بالرّجوع الى الإمام عليه‌السلام كما يستفاد من صريح بعضها ، حيث قال عليه‌السلام : «فأرجه حتّى تلقى إمامك» (١). ومقتضى بعضها أنّ الأمر موسّع بعد التوقّف حتّى يلقى الإمام عليه‌السلام فيكون حاصله : أنّك لا تجزم بأحد الطّرفين أنّه حكم الله تعالى وإن جاز لك العمل بكلّ منهما ، حتّى تلقى إمامك ، ويمكن حملها على الاستحباب.

وربّما جمع بعضهم بينهما بحمل التّخيير على العبادات والتّوقّف على الدّعاوي والمداينات كما في رواية ابن [أبي] حنظلة ، ولا وجه له ، لأنّ العبرة بعموم اللّفظ مع أنّ بعض الرّوايات الدالّة على التوقّف ما يشعر بإرادة العبادات ، بل هو الظّاهر منها.

والحاصل ، أنّ هجر جميع أصحابنا المجتهدين لهذه الأخبار في مقام التّراجيح والرّجوع الى المرجّحات الاجتهاديّة التي كثير منها يرجع الى ما ذكروه في المرجّحات الأخباريّة أيضا ، شاهد قويّ على عدم إمكان الاعتماد بشيء من تلك الأخبار في مقام التّرجيح ، ويظهر لك قوّة القول بالتّخيير عند العجز وضعف القول بالتوقّف ، بملاحظة ما مرّ في الأدلة العقليّة أيضا.

وأمّا القول بالتّساقط والرّجوع الى الأصل فهو أيضا ضعيف ، لأنّ بعد ملاحظة

__________________

(١) «الوسائل» ٢٧ / ١٠٧ كتاب القضاء باب ٩ ح ١ [٣٣٣٣٤].

٣٩٣

ورود الشّرع والتّكليف ، وسيّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة في أنّه لم يبق شيء إلّا وورد فيه حكم حتّى أرش الخدش ، وأنّه مخزون عند أهله ، وخصوصا بعد ملاحظة الأخذ بالرّاجح من الأخبار المتعارضة عند إمكان التّرجيح وإمكان وجود المرجّح لما نحن فيه وقد خفي علينا ، يحصل الظنّ بأنّ حكم الله تعالى في هذه المادّة الخاصّة هو مقتضى إحدى الأمارتين لا الرّجوع الى أصل البراءة ، خصوصا بعد ملاحظة الأخبار الواردة في التّخيير ، وفي أنّ الاختلاف منّا وأنّه أبقى لنا ولكم ، فلا يجوز ترك المظنون.

نعم ، أصل البراءة يقتضي عدم التّكليف بواحد معيّن منهما ، وكيف كان فالمذهب هو التّخيير ، هذا الكلام في الأخبار.

وأمّا سائر الأدلّة ، فإن وقع بين آيتين من كتاب الله تعالى ، فإن كان بينهما عموم وخصوص ، أو إطلاق وتقييد ، فيعمل بهما بمقتضى ما مرّ ، فيقيّد ويخصّص إن أمكن ويجعل ناسخا ومنسوخا إن لم يمكن.

وإن لم يكن كذلك : فإن علم التّاريخ ولم يمكن الجمع بينهما بوجه على النّهج الذي بيّناه في معنى الجمع ، فالمتقدّم منسوخ والمتأخّر ناسخ.

وإن لم يعلم التّاريخ ولم يحصل المرجّح بوجه من جهة قوّة الدّلالة وضعفها واعتضاد أحدهما بدليل آخر ، فالمختار التّخيير.

وكذا الكلام في الكتاب والسنّة المتواترة النّبويّة.

وأمّا لو كان من الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ، فلأجل احتمال التّقيّة يمكن تقديم الكتاب ، ومع انتفاء الاحتمال وقطعيّة المراد من السنّة وظنيّة الكتاب ، فلا ريب في تقديم السنّة ، ومع ظنيّة دلالة السنّة فهو أيضا مثل السنّة النبويّة إلّا في احتمال النّسخ.

٣٩٤

وأمّا بين الكتاب وخبر الواحد ، فقد عرفت حال العامّ والخاصّ منهما.

وأمّا غيرهما فالكتاب مقدّم مطلقا والإجماع المنقول كالخبر الواحد ، وكذلك الاستصحاب.

وأمّا التّعارض بين خبر الواحد والإجماع المنقول ، فلا يبعد ترجيح الخبر لأنّه منوط بالحسّ والإجماع بالحدس ، والأوّل أبعد عن الزّلل ، ومع فرض التّساوي فحكمها حكم تعارض الخبرين.

وأمّا الإجماعان القطعيّان ـ وقد أشرنا الى إمكانه ـ وكذلك حينئذ الظنّيان ، فيلاحظ فيهما موافقة العامّة ومخالفتهم ، ومع الجهالة فيرجع الى المرجّحات الخارجة.

وأمّا التّعارض بين الاستصحابين فيلاحظ فيه الأصل الثّابت فيهما ومأخذه ، فرجحان الدّليل الذي ثبت أصل الحكم المستصحب منه يوجب الرجحان ، وكذلك يتفاوت أقسام الاستصحابات بتفاوت الأدلّة على حجّيتها كما أشرنا إليه في محلّه ، وكذلك يلاحظ اعتضاد كلّ منهما بالأصل أو بدليل آخر ، وهكذا ، ومع التّساوي وعدم إمكان التّرجيح وعدم إمكان إعمالهما كما في بعض الصّور التي أشرنا إليها فالتّخيير.

وأمّا التّعارض بين الأصل والظّاهر المتداول في ألسنة الفقهاء والأصوليّين فقد فصّل الشهيد الثاني رحمه‌الله في «تمهيد القواعد» (١) تفصيلا وقال : إنّ الظّاهر إن كان حجّة يجب قبولها شرعا كالشّهادة والرّواية والإخبار ، فهو مقدّم على الأصل بغير إشكال ، وإن لم يكن كذلك ، بل كان مستنده العرف والعادة الغالبة أو القرائن أو

__________________

(١) ص ٣٠٠.

٣٩٥

غلبة الظنّ ونحو ذلك ؛ فتارة يعمل بالأصل ولا يلتفت الى الظّاهر ـ وهو الأغلب ـ وتارة يعمل بالظاهر ولا يلتفت الى هذا الأصل ، وتارة يخرّج في المسألة خلاف.

ومن أمثلة الأوّل : إثبات شغل ذمّة المدّعى عليه بالبيّنة ، وإخبار ذي اليد بطهارة ما في يده بعد العلم بنجاسته أو بالعكس ، ومثل : الإخبار ببلوغ الظّل في موضع يعلم منه دخول الظهر ، لا الإخبار بنفس الظّهر.

ومن أمثلة الثّاني : إباحة الأكل في شهر رمضان مع الشّك في طلوع الفجر ، وثياب من لا يتوقّى النّجاسة ، الى غير ذلك ممّا لا يعدّ.

ومن أمثلة الثّالث : أن يشكّ بعد الفراغ من الصلاة أو الطهارة في فعل من أفعالها ، فإنّ الظّاهر وقوعها على الوجه المأمور به ، والعمل بظنّ دخول الوقت مع عدم إمكان تحصيل العلم ، وتزوّج امرأة المفقود بعد الفحص أربع سنين على التّفصيل المعهود ، الى غير ذلك.

ومن أمثلة الرّابع : غسالة الحمّام وطين الطّريق إذا غلب على الظنّ نجاسته ، وطهارة ما بأيدي المخالفين من اللّحم والجلد ، والمشهور في الأوّل النّجاسة ، وفي الثّاني والثّالث الطهارة.

أقول : وفيما ذكره رحمه‌الله تأمّل ، فإنّ الخلاف والوفاق في المقامات غير مطّرد.

والتّحقيق ، إنّ الأدلّة الشّرعيّة رافعة للأصل.

والقول بأنّ الأصل مقدّم على الظّاهر فيما يستفاد الظّهور من غير الأدلّة الشّرعيّة المعهودة ممّا ذكرنا ، غير ظاهر ، بل الأظهر فيه أيضا تقديم الظّاهر إلّا ما أخرجه الدّليل ، وما يقدّم فيه الظّاهر على الأصل في الشّريعة ، غير محصورة ، منها ما ذكرناه وإن كان تقديم الأصل على الظّاهر أيضا كثيرا سيّما في أبواب الطهارة والنّجاسة والأحداث.

٣٩٦

والحقّ ، أنّ عامة المذكورات ممّا ثبت عليه الدّليل بالخصوص في الموارد في تقديم كلّ منهما على الآخر ، ولذلك اختلفوا في بعضها لتعارض أدلّة الطّرفين ، كغسالة الحمّام وما في أيدي المخالفين من اللّحوم والجلود ، فتنحصر الثّمرة فيما خلا الطّرفين عن دليل خارجيّ ، وقد مرّ التّفصيل في مبحث الاجتهاد.

والحاصل ، أنّ المعيار في التّراجيح هو ما يحصل به الظنّ ، فإذا حصل الظنّ للمجتهد بترجيح أحد الطرفين فهو المتّبع ، سواء كان من الأدلّة المعهودة أو من الظّهور الحاصل بسبب العرف والعادة والقرائن ، وحجّية هذه الظّنون ، مع أنّه ممّا لا مناص عنه ـ كما حقّقناه في محلّه ـ مستفاد من تتبّع الأخبار وتضاعيف المسائل الشّرعيّة.

ثمّ إنّ المرجّحات في الأدلّة المتعارضة قد تتركّب وتختلف ، فلا بدّ من ملاحظة المجموع وموازنة بعضها مع بعض والتزام الرّاجح وترك المرجوح.

رجّح الله تعالى حسناتنا في ميزان المحاسبة على السّيّئات ، ولقّانا حجّتنا يوم يسألنا عن تقصيرنا وعمّا قارفناه من الخطيئات ، وكتب ما أثبتناه في هذه الصّفحات في صحائف الحسنات ، وأقال بها الزّلّات والعثرات ، ونفعنا بها وجميع المؤمنين ، إنّه وليّ الخيرات وغافر الخطيئات.

وصلّى الله على محمّد وأهل بيته الطّاهرين المطهّرين عن الأرجاس والأدناس أفضل الصّلوات.

قد فرغ مؤلّفة الفقير الى الله الغنيّ الدّائم ابن الحسن الجيلاني أبو القاسم.

في بلدة المؤمنين (قم) في سلخ الرّبيع الثّاني من شهور سنة ألف ومأتين وخمس.

حامدا مصلّيا مسلّما ، والحمد لله ربّ العالمين.

٣٩٧
٣٩٨

فهرست الآيات

(وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)................................ ٣٧١ ـ ٤٧ ـ ١٧

(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)............ ٤٣٤ ـ ٤٨ ـ ١٩ ـ ١٧

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها)......................................... ٤٩ ـ ١٧

(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)....................................... ٢٤

(وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)............................................... ٥٧

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ٣١٣ ـ ٣٠٣ ـ ٥٨ ٥١٤ ـ ٣٤٨ ـ ٣٤٥ ـ ٤٠٧

(أَطِيعُوا اللهَ)................................................................. ٦٦

(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)............................................................ ٨٧

(إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)................................................ ٩١

(اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)......................................................... ٩٣

(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)....................................................... ٩٣

(وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ)................................................. ٩٣

(وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).................................... ٤٥٠ ـ ٩٣

(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)......................................... ٩٣

(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)...................................... ٩٤

(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ)................................................... ٩٤

(وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).......................................... ٩٤

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى)............................................. ٩٤

٣٩٩

(لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)................................................. ١٣٩

(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ)........................ ١٨٢

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ)............................................................................ ١٨٢

(فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ).................................................. ١٨٢

(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ).............. ١٨٢

(إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)............... ١٨٣

(إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)..................................... ١٨٩

(فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ)......................................................... ١٩٩

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)............................................. ١٩٩

(وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ)............................................ ١٩٩

(فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)........................................................... ٢٠٨

(وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ)............................................... ٢٠٨

(لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ٢١٣

(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ) ٢١٣

(وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً).................................................. ٢١٤

(يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ)................................................. ٢٢٠

(يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ)...................................................... ٢٢١

(إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)............................................ ٢٢١

(قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا)......................................................... ٢٢١

(ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)........................... ٢٢٣

٤٠٠