القوانين المحكمة في الأصول - ج ٢

الميرزا أبو القاسم القمّي

القوانين المحكمة في الأصول - ج ٢

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: رضا حسين صبح
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٥

بروايته واحد عن آخر غيرهم أو غريب المتن خاصّة ، بأن ينفرد بروايته واحد ثمّ يرويه عنه جماعة ويشتهر فيسمّى غريبا مشهورا لاتّصافه بالغرابة في طرفه الأوّل ، وبالشهرة في طرفه الآخر.

ومنها : المصحّف ، وهو إمّا في الرّاوي ، كتصحيف بريد بالباء الموحّدة المضمومة والرّاء المهملة بيزيد بالياء المثنّاة التحتانية والزّاء المعجمة ، أو في المتن (١) ، وهو كثير.

ومنها : الغريب لفظا ، وأكثره مذكور في الكتب الموضوعة لغريب الحديث كالنهاية لابن الأثير ، والفائق للزمخشري وغيرهما (٢).

ومنها : المقبول ، وهو ما نقلوه وعملوا به سواء كان رواته ثقة أم لا.

ومنها : المزيد على غيره ، ممّا في معناه (٣) ، إمّا في المتن ، كأن يزيد فيه ما لا يفهم من الآخر ، أو في السند ، كأن يرويه أحدهم من اثنين والآخر من ثلاثة سواء كان في الوسط أو في الآخر.

__________________

(١) كما عن الدار قطني انّ أبا بكر الصوليّ أملى في الجامع حديث أبي أيوب «من صام رمضان واتبعه ستا من شوال» فقال فيه : شيئا ، بالشيء والياء بدل ستا. وهذا فنّ جليل إنّما ينهض بأعبائه الحذّاق من العلماء كما في «الخلاصة» في اصول الحديث.

(٢) قيل أوّل من صنّف فيه النضر بن شميل وقيل ابو عبيدة معمر بن المثنى وبعدهما ابو عبيد القاسم بن سلام ثم ابن قتيبة ثم الخطابي فهذه امّهاته ثم تبعهم غيرهم بزوائد كابن الاثير في «النهاية» ثم الزمخشري في «الفائق» والهرويّ احمد بن محمد بن عبد الرحمن في «غريب القرآن مع الحديث».

(٣) ومن أمثلته حديث : جعلت لنا الأرض مسجدا وترابها طهورا. فهذه الزّيادة تفرّد بها بعض الرّواة ، ورواية الأكثر لفظها : جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا. فما رواه الأكثر يشمل لجميع أصناف الأرض من الحجر والمدر والرّمل والتراب. والذي تفرّد بالزيادة مخصوص بالتراب فقط وهذا نوع من المخالفة يختلف به الحكم.

٥٤١

ومنها : المسلسل وهو ما تتابع فيه رجال الإسناد على صفة أو حالة من قول أو فعل ، كالمسلسل بالتحديث بأن يقول : حدّثنا فلان ، قال : حدّثنا فلان ، وهكذا أو بالأسماء ، نحو : أخبرنا محمّد ، عن محمّد أو بالأباء نحو فلان عن أبيه ، عن فلان عن أبيه عن فلان ، وغير ذلك كالمسلسل بالمصافحة والمشابكة (١) وأخذ الشّعر (٢) وغير ذلك (٣) ، فإن اتّصل السّند كذلك إلى المعصوم عليه‌السلام فتامّ ، وإلّا فبحسبه (٤).

وهذه المذكورات ممّا يشترك فيه أصول الأنواع الأربعة.

وأمّا ما يختصّ بالضعيف.

فمنها : المقطوع ، وقد يقال له المنقطع ، وهو الموقوف على التابعيّ ومن في حكمه (٥) ، وقد يطلق على الأعمّ من ذلك فيشمل المعلّق والمرسل والمنقطع الوسط وغير ذلك. ثمّ إن كان السّاقط من السند أكثر من واحد ، يسمّى معضلا بصيغة اسم المفعول بمعنى المشكل ، وإلّا فمنقطع.

ومنها : المرسل وهو ما رواه عن المعصوم عليه‌السلام أو غيره من لم يدركه أو لم يلقه

__________________

(١) بالأصابع.

(٢) كأخذ شعر اللحية بأن يقول : أخذ فلان شعره ، قال : أخذ فلان شعره ، وهكذا الى أن يقول : أخذ ابو عبد الله عليه الصلاة والسلام شعره وقال : من أرسل شعره او من أصلح شعره كان له كذا وكذا. كما في حاشية السيد علي القزويني.

(٣) كالتلقيم بلقمة في فيه والاطعام والسّقي ونحو ذلك ، فإنّه يتضمّن الوصف بالقول كقول كل واحد : لقمني فلان بيده لقمة لقمة.

(٤) اي بحسب الاتصال فيقال مسلسل النصف أو مسلسل الرّبع أو غيرهما أو بحسب النقص وقدره.

(٥) من المتأخرين.

٥٤٢

من دون واسطة أو بواسطة مبهمة ، كرجل أو بعض أصحابنا. واختصاص هذا القسم بالضعيف مبنيّ على اصطلاح المتأخّرين ، وإلّا فقد عرفت أنّ بعض المراسلات في قوّة الصّحيح في الحجّية.

ومنها : الموقوف ، وهو ما روي عن صاحب المعصوم عليه‌السلام من غير أن يسنده إلى المعصوم عليه‌السلام.

وأمّا المضمر كأن يقول صاحب المعصوم عليه‌السلام : سألته عن كذا ، قال كذا ، فإن كان من مثل زرارة ومحمّد بن مسلم وأضرابهما من الأجلّاء ، فالأظهر حجّيته ، بل الظاهر أنّ مطلق الموثّقين من أصحابنا أيضا كذلك ، لأنّ ظاهر حال أصحاب الأئمّة أنّهم لا يسألون إلّا عنهم عليهم‌السلام.

والذي صار سببا للإضمار إمّا التقيّة أو تقطيع الأخبار من الأصول ، فإنّهم كانوا يكتبون في صدر سؤالاتهم : سألت فلانا عليه‌السلام عن فلان ، قال كذا ، وسألته عن كذا ، قال كذا ، وهكذا ، ثمّ بعد تقطيعها وجمعها في الكتب المؤلّفة صار مشتبها ، والأظهر الاعتماد على القرائن وأشخاص الرّواة.

ومنها : المدلّس ، كأن يقول الرّاوي : قال فلان ، على وجه يوهم روايته عنه بلا واسطة مع أنّه ليس كذلك ، فإن قال : حدّثني ، فهو كذب ، وهكذا إن أسقط عن السّند رجلا مجروحا لتقوية الحديث ، أو يذكر بعض الرّجال باسم أو لقب أو نسبة غير مشتهر به (١) ، فإنّ كلّ ذلك قبيح مذموم إلّا لأجل تقيّة أو غيرها من الأغراض الصحيحة.

ومنها : المضطرب ، وهو ما اختلف فيه الرّواية إمّا بالسّند كأن يرويه تارة بواسطة وأخرى بدونها ، أو في المتن كحديث تميّز الدّم المشتبه بدم الحيض

__________________

(١) كي لا يعرف ضعفه.

٥٤٣

والقرحة ، بأنّ خروجه عن الأيمن علامة الحيض ـ كما في بعض النسخ ـ أو من الأيسر كما في الآخر (١).

ومنها : المعلّل ، وقد مرّ الإشارة إليه.

ومنها : المقلوب ، وهو حديث يروى بطريق فيغيّر كلّ الطريق أو بعض رجاله ليرغب فيه ، وهو مردود إلّا إذا كان سهوا فيغتفر عن صاحبه (٢).

__________________

(١) ففي «الكافي» عن محمد بن يحيى ، رفعه ، عن أبان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فتاة منّا بها قرحة في فرجها والدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة. فقال : مرها ، فلتستلق على ظهرها ، ثم ترفع رجليها ثم تستدخل اصبعها الوسطى ، فإن خرج الدّم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة. في «الذكرى» ذكره الكليني وافتى به ابن الجنيد وفي كثير من نسخ «التهذيب» الرّواية بلفظها بعينه. وقال الشيخ في «النهاية» والصدوق : الحيض من الأيسر. وقال السيد ابن طاوس : هو في بعض نسخ «التهذيب» الجديدة كذلك ، وقطع بأنّه تدليس.

وروى الشيخ في التهذيب ١ / ٤٠٩ ح ١١٨٥ باسناده عن محمد بن يحيى ـ رفعه ـ عن أبان نفس الحديث السّابق إلا انّ فيه : فإن خرج الدّم من الجانب الأيسر فهو الحيض وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة. وقال المحقق الثاني في «جامع المقاصد ١ / ٣٦» واختلف قول شيخنا الشهيد ففي بعض كتبه قال بالأوّل [الأيسر : حيض] وفي بعضها بالثاني.

(٢) وقد يقع القلب في المتن كحديث السبعة الّذين يظلّهم الله يوم لا ظلّ إلّا ظلّه ففيه : ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» فهذا مما انقلب على بعض الرّواة وإنّما الحديث هو : سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه :الامام العادل ، وشاب نشأ في عبادة ربّه ، ورجل قلبه معلّق بالمساجد ورجلان تحابا في الله واجتمعا عليه وتفرّقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال : إنّي ـ

٥٤٤

ومنها : الموضوع (١) ، وهو معلوم.

الثالث :

لا بدّ لراوي الحديث من مستند يصحّ من جهته رواية الحديث ويقبل منه.أمّا الرّواية عن المعصوم عليه‌السلام فله وجوه ، أعلاها السّماع ، ولفظه أن يقول : سمعت المعصوم عليه‌السلام يقول كذا ، أو أسمعني أو شافهني أو حدّثني. ثمّ إن يقول : قال كذا ، لاحتمال كون السّماع حينئذ بواسطة وإن كان خلاف الظاهر ، ثمّ إن يقول : أمر بكذا ونهى عن كذا ، فإنّه يحتمل ـ مضافا إلى احتمال الواسطة ـ الغفلة في فهم الأمر والنّهي أو إطلاق الأمر والنّهي على ما فهمه بالدلالة التبعيّة من النّهي عن ضدّه أو الأمر به ، وإن كان بعيدا.

وأمّا مثل : أمرنا بكذا ، أو نهينا عن كذا ، ونحو ذلك بصيغة المجهول أو من السنّة كذا أو قول الصّحابي كنّا نفعل كذا وأمثال ذلك فهي أدون الكلّ ، ويتبع العمل بها وقبولها الظهور من جهة القرائن.

وأمّا الرّواية عن الرّاوي فله أيضا وجوه ، أعلاها السّماع من الشيخ سواء كان بقراءة من كتابه أو بإملائه من حفظه ، فيقول : سمعته ، أو : حدّثني ، أو : أخبرني إن قصد الشيخ سماعه (٢) ، وإن قصد إسماع غيره فيقول : حدّث (٣) فلانا وأنا أسمع.

__________________

ـ أخاف الله عزوجل ، ورجل تصدق بصدقة أخفاها حتى لا تعلم شماله ما ذا تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه.

(١) وهو المصنوع المكذوب وهو شرّ أقسام الضعيف.

(٢) اي الرّاوي.

(٣) اي الشيخ.

٥٤٥

وعلّل الشهيد (١) كونه (٢) أعلى بأنّ الشيخ أعرف بوجوه ضبط الحديث وتأديته ، ولأنّه خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسفيره إلى أمّته والأخذ عنه كالأخذ منه ، ولأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر الناس أوّلا وأسمعهم ما جاء به ، والتقرير على ما جرى بحضرته صلى‌الله‌عليه‌وآله أولى ، ولأنّ السّامع أربط جأشا وأوعى قلبا ، وشغل القلب وتوزّع الفكر إلى القارئ أسرع.

وفي صحيحة عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «يجيئني القوم فيستمعون منّي حديثكم فأضجر ولا أقوى. قال : فاقرأ عليهم من أوّله حديثا ومن وسطه حديثا ومن آخره حديثا» (٣). فعدوله إلى قراءة هذه الأحاديث مع العجز يدلّ على أولويته (٤) من قراءة الرّاوي وإلّا أمر (لأمر) بها ، انتهى (٥).

وفي دلالة الصحيحة على مدّعاه تأمّل ظاهر.

ثمّ دونه القراءة على الشيخ مع إقراره به وتصريحه بالاعتراف بمضمونه ويسمّى ذلك عرضا ، والظاهر أن يكون السّكوت مع توجّهه إليه وعدم مانع عن المنع والردّ من غفلة أو إكراه أو خوف ، وانضمام القرائن بالرّضا كافيا ، وعبارته : قرأت على فلان وأقرّ به واعترف ، أو : حدّثنا ، أو : أخبرنا فلان قراءة عليه ، وبدون قوله قراءة عليه ، عند جماعة.

والحقّ المنع إذا لم يقم قرينة على إرادة ذلك ، فإنّ ظاهره سماعه من الشيخ ،

__________________

(١) راجع «الرعاية» ص ١٤٨.

(٢) اي السماع.

(٣) «الكافي» ـ الأصول ـ ١ / ٥٢ كتاب العلم باب ١٧ ح ٥.

(٤) يعني السماع.

(٥) الشهيد في «الرعاية».

٥٤٦

وعن السيّد المنع عنه مقيّدا أيضا محتجّا بأنّها مناقضة ، لأنّ معنى الإخبار والتحديث هو السّماع منه.

وقوله : قراءة عليه ، يكذّبه ، وهو مدفوع بأنّ كلّ مجاز كذلك ، فينسدّ باب المجاز.

ومن وجوه التحمّل الإجازة ، وهو إخبار إجمالي بأمور مضبوطة معلومة مأمون عليها من الغلط والتصحيف ونحوهما ، وذلك (١) إمّا بشخص الكتاب كقوله : أجزت لك رواية هذه النسخة المصحّحة ، أو بنوعه المتعيّن في نفس الأمر الصحيح في الواقع مثل «تهذيب» الشيخ أو «استبصاره» مثلا.

ثمّ إنّه لا إشكال في جواز النقل والرواية والعمل بسبب الإجازة ، وعبارته الشائعة : أنبأنا ، ونبّأنا ، ويجوز : حدّثنا وأخبرنا أيضا ، والأظهر عدم الجواز على الإطلاق إلّا مع القرينة ، بل يقول : أنبأنا بهذا الكتاب إجازة ، كما ذكرنا في القراءة على الشيخ.

والإجازة على أقسام :

الأوّل : إجازة معيّن بمعيّن (٢) كقوله : أجزتك التهذيب ، أو هذه النسخة منه. وهذا على أقسام الإجازة.

والثاني : إجازة معيّن بغير معيّن ، كأن يقول : أجزت لك مسموعاتي ، فيقتصر على ما ثبت عنده أنّه من مسموعاته.

الثالث : إجازة غير معيّن بمعيّن ، كقوله : أجزت التهذيب لكلّ الطلبة ، أو : لأهل زماني.

__________________

(١) اي الاجازة.

(٢) وهي أعلاها كما ذهب الشهيد الثاني في «الرعاية» وذلك لانضباتها بالتعيين حتى زعم بعضهم انّه لا خلاف في جوازها وإنّما الخلاف في غير هذا النوع.

٥٤٧

الرابع : إجازة غير معيّن بغير معيّن ، ك : أجزت مسموعاتي لكلّ أحد من أهل زماني.

الخامس : إجازة المعدوم إمّا منفردا أو عطفا على الموجود ، وفي جوازه خلاف.

وفائدة الإجازة إنّما تظهر في صحّة الأصل الخاصّ المعيّن وحصول الاعتماد عليه ، أو ما لم يثبت تواتره من المروي عنه ، وإلّا فلا فائدة فيها في المتواترات ، كمطلق الكتب الأربعة عن مؤلّفيها.

نعم ، يحصل بها بقاء اتّصال سلسلة الإسناد إلى المعصوم عليه‌السلام وذلك أمر مطلوب للتيمّن والتبرّك.

ويظهر ممّا ذكرنا (١) الكلام في قراءة الشيخ والقراءة عليه أيضا ، فيحصل منه التصحيح والخلاص من التصحيف والتحريف وغير ذلك (٢).

ومن أنحاء التحمّل المناولة (٣) ، وهي إمّا مقرونة بالإجازة أو خالية عنها. فالأوّل : هو أن يدفعه كتابا ويقول : هذا سماعي ، أو : روايتي عن فلان فاروه عنّي ، أو : أجزت لك روايته عنّي ، ولا إشكال في جواز روايته (٤).

والثاني : أن يناوله الكتاب مقتصرا على قوله : هذا سماعي من فلان ، والأكثر على عدم جواز الرّواية عنه بذلك حينئذ.

ومنها : الكتابة ، وهو أن يكتب مسموعه لغائب أو حاضر بخطّه أو يأذن لثقة أن

__________________

(١) في فائدة الاجازة.

(٢) من انواع التعبيرات.

(٣) يقال ناولت فلانا شيئا مناولة إذا عاطيته.

(٤) واعلم انّ المناولة أعلى أنواع الاجازة.

٥٤٨

يكتبه أو كتب : إنّ الفلان (١) سماعي ، فإن انضمّ ذلك بالإجازة وكتب : فاروه عنّي ، أو أجزت لك روايته ، فلم ينقل خلاف في جواز الرّواية بشرط معرفة الخطّ والأمن من التزوير ، وإن خلا عن ذكر الإجازة ، ففيه خلاف (٢) ، والأكثر على الصحّ حدّثنا مكاتبة.

ومنها : الوجادة ، وهي أن يجد الإنسان أحاديث بخطّ راويها ، معاصرا كان له أو لا. ولم يجوّزوا الرّواية بمجرّد ذلك ، بل يقول : وجدت ، أو : قرأت بخطّ فلان ، وفي جواز العمل به قولان (٥).

__________________

(١) أي انّ الكتاب الفلاني من كتب الأخبار.

(٢) قال الطيبي : وهو أن يناوله كتابا ويقول : «هذا سماع» مقتصرا عليه. فالصحيح : انّه لا يجوز له الرّواية بها ، وبه قال الفقهاء وأهل الأصول وعابوا من جوّزه من المحدثين.

(٣) في «الرعاية» وجوّزها بعض المحدثين وأما صاحب «الرعاية» فلم يجوّزها فقال :فالصحيح أنّه لا يجوز الرّواية بها. وعن أبي نعيم الاصبهاني والمرزباني وغيرهما جوازه في الاجازة المجرّدة عن المناولة كما في «الخلاصة» في أصول الحديث ، وحكى الخطيب عن بعضهم جوازها ، وقال الشيخ الحارثي : وقيل بجوازها وهو غير بعيد لحصول العلم بكونه مرويّا له مع اشعارها بالإذن له في الرّواية ، كما في «وصول الأخيار» ص ١٤٠.

(٤) عن محمد بن يعقوب باسناده عن أحمد بن عمر الحلّال قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول : أروه عنّي يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال : فقال : إذا علمت أنّ الكتاب له فاروه عنه. «الكافي» كتاب فضل العلم باب ١٧ ح ٦ وضمير له أي من مسموعاته ومروياته.

(٥) للمحدّثين والاصوليّين ، فنقل عن الشّافعي وجماعة من نظّار أصحابه جواز العمل ـ

٥٤٩

المطلب الثاني

في الفعل والتقرير

قانون

فعل المعصوم عليه‌السلام حجّة كقوله ، لكن الشّأن في تحقيق محلّه وتعيين ما يحكم بمتابعته.

فنقول : أمّا الأفعال الطبيعة [الطبيعيّة] كالأكل والشرب والنوم والاستيقاظ ، فالكلّ مباح له ولنا بلا إشكال ، وذلك إذا لم يلحقه حيثيّة واعتبار وخصوصيّة كالاستمرار على القيلولة وأكل الزبيب على الرّيق مثلا ، فإنّها بذلك تندرج في الأقسام الآتية.

وأمّا ما يتردّد بين كونه من أفعال الطبائع أو من الشرع ، ففي حمله على أيّهما وجهان ، نظرا إلى أصالة عدم التشريع ، وإلى أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث لبيان الشرعيّات.

قال الشهيد رحمه‌الله في «القواعد» (١) : وقد وقع ذلك في مواضع.

__________________

ـ بها ووجّهوه بأنّه لو توقف العمل فيها على الرّواية لانسد باب العلم بالمنقول لتعذّر شرط الرّواية فيها ، ونقل عن معظم المحدثين والفقهاء المالكيّين وغيرهم أنّه لا يجوز. وحجّة المانع حيث لم يحدّث به لفظا ولا معنى وهي واضحة ، وممن لا يرى طريقيّتها الشيخ عبد النبي الكاظمي ؛ حيث ذكر في تكملة الرجال ١ / ١٣٢ «... والوجادة ليست طريقا الى تحمّل للرّواية».

(١) «القواعد والفوائد» ١ / ٢١١ ـ ٢١٢ في القاعدة ٦١.

٥٥٠

منها : جلسة الاستراحة (١) ، وهي ثابتة من فعله عليه‌السلام وبعض العامّة زعم أنّه عليه‌السلام إنّما فعلها بعد أن بدّن وجمل (٢) [حمل] اللّحم فتوهّم (٣) انّه للجبلة (٤).

ومنها : دخوله في ثنيّة كداء (٥) وخروجه من ثنيّة كدا [كداء] ، فهل ذلك لأنّه صادف طريقه أو لأنّه سنّة؟ ويظهر الفائدة في استحبابه لكلّ داخل.

ومنها : نزوله بالمحصّب (٦) لمّا نفر في الأخير ،

__________________

(١) وهي الجلسة على الورك الأيسر وقد يطلق عليها الجلسة التي بعد السجدتين.

(٢) بمعنى ذاب الشّحم.

(٣) يجوز فيه قرأته معلوما فضمير الفاعل راجع الى بعض العامة أو مجهولا فما بعده نائب فاعله وعلى الثاني داخل في الزّعم وعلى الأوّل عطف على قوله زعم. هذا كما في الحاشية.

(٤) بالكسر الخلقة قال قيس بن الخطيم : بين شكول النساء خلقتها قصد فلا جبلة ولا قضف. قال الشكول الضروب ؛ قال ابن بري : الذي في شعر قيس بن الخطيم جبلة بالفتح ، قال : وهو الصحيح ، قال : وهو اسم الفاعل من جبل بجبل فهو جبل حبل إذا غلظ ، والقضف : الدّقة وقلّة اللحم. وفي الحاشية : اي لفعل الطبيعة.

(٥) بفتح أوّله مع المدّ وهي الثنيّة العليا بها مما يلي المقابر وهي المعلّى وخروجه من ثنية كدا بالضم والقصر الثنية السّفلى مما يلي باب العمرة كذا في «تمهيد القواعد» منه رحمه‌الله كما في الحاشية.

(٦) وفي الحديث فرقد رقدة بالمحصّب وهو بضم الميم وتشديد الصّاد موضع الجمار عند أهل اللغة والمراد به هنا كما نص عليه بعض شراح الحديث الأبطح ، إذ المحصّب يصح أن يقال لكل موضع كثيرة حصاؤه ، والأبطح ميل واسع فيه دقاق الحص. وهذا الموضع تارة يسمى بالأبطح واخرى بالمحصّب ، أوّله عند منقطع الشعب من وادي منى وآخره متصل بالمقبرة التي تسمى عند أهل مكة بالمعلّى. وليس المراد المحصّب موضع الجمار بمنى وذلك لأنّ السّنة يوم النفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمّار وأوّل ـ

٥٥١

وتعريسه (١) لمّا بلغ ذا الحليفة ، وذهابه بطريق في العيد ورجوعه بآخر (٢). والصحيح حمل ذلك كلّه على الشرعي. انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : ويرجع الكلام فيه إلى ما لم يعلم وجهه ، وسيجيء التفصيل والتحقيق ، ثمّ إنّه لا إشكال أيضا فيما علم اختصاصه به عليه‌السلام كوجوب التهجّد وإباحة الوصال (٣)

__________________

ـ وقته بعد الزّوال وليس له أن يلبث حتى يمسي ، وقد صلى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب والعشاء الآخرة وقد رقد به رقدة. والتحصيب المستحب هو النزول في مسجد المحصبة والاستلقاء فيه وهو في الأبطح وهذا الفعل مستحب تأسّيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس لهذا المسجد أثر في هذا الزمان ، فتتأدى السّنة بالنزول بالأبطح قليلا ثم يدخل البيوت من غير ان ينام بالأبطح. هذا كما صرّح به صاحب «مجمع البحرين» الطريحي ، وأردت ان اشبع الكلمة هنا بالشّرح لعموم الفائدة.

(١) التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة والمعرس هو موضع التعريس ، وبه يسمى معرس ذي الحليفة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عرس فيه وصلّى الصبح فيه ثم رحل والمعرس فرسخ من المدينة بقرب مسجد الشجرة بإزائه مما يلي القبلة ـ ذكره في «الدروس». ففي الكافي : إذا أتيت ذا الحليفة فأت معرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعرس فيه ويصلّي. وفي «من لا يحضره الفقيه» قلنا أي شيء نصنع؟ قال : تصلّي وتضطجع قليلا ليلا أو نهارا وإن كان التعريس بالليل. وفي «معجم البلدان» المعرس مسجد ذي الحليفة على ستة أميال من المدينة كان رسول الله يعرس فيه ثم يرحل للغزاة أو غيرها.

(٢) فبالاسناد الى أبي هارون بن موسى التلعكبري عن علي بن موسى بن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : قلت له يا سيّدي إنّا نروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه كان إذا أخذ في طريق لم يرجع فيه ورجع في غيره ، فقال : هكذا كان نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفعل وهكذا أفعل أنا وهكذا كان أبي عليه‌السلام يفعل وهكذا فافعل فإنّه أرزق لك. وكان نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : هذا أرزق للعباد. كما في «الوسائل» و «الكافي» و «البحار».

(٣) بثلاثة أيام أو أقلّ.

٥٥٢

في الصّوم ، والزّيادة على أربع في النكاح الدّائم.

وأمّا غيرهما (١) ، فإمّا أن لا نعلم وجهه وقصده به من الوجوب أو الندب أو غيرهما ، أو نعلم وجهه.

وعلى الأوّل فإمّا أن نعلم أنّه قصد به التقرّب أم لا. وعلى الأوّل فيتردّد فعله لنفسه بين الواجب والمندوب.

وعلى الثاني فيتردّد فعله لنفسه بينهما وبين المباح والمكروه لو قلنا بصدوره عنهم ، لاستحالة صدور المحرّم عنهم عندنا ، فهذه أقسام ثلاثة.

وهذا كلّه إذا لم يكن فعله بيانا لمجمل ، وسيجيء الكلام فيه.

فأمّا ما لم يعلم وجهه (٢) ، فهل يجب علينا متابعته مطلقا أو يستحبّ مطلقا أو يباح أو يجب التوقّف (٣)؟

فيه أقوال ، أقواها القول الثاني.

لنا : أصالة البراءة من الوجوب وعدم دليل قائم عليه كما ستعرف ، واحتمال الإباحة مقهور بأكثريّة الرّاجح في أفعالهم ، ولأنّ ذلك (٤) مقتضى الاحتياط لاحتمال الوجوب ، بل والندب أيضا ؛ فيستحبّ ، ولأنّ ذلك مقتضى عمومات ما دلّ على حسن التأسّي بعد نفي دلالتها على الوجوب.

__________________

(١) أي غير الأفعال الطبيعية وغير ما علم اختصاصه به صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) بكلا قسميه او بالقسم الثاني او بالقسم الأوّل ، ولعلّ الأوّل هو الأظهر بل المتعين.

هذا كما في الحاشية.

(٣) يبدو أنّه من حيث الفتوى وإلّا فالمدار في مقام العمل على الاشتغال والاحتياط أو على البراءة فيبنى على الاباحة.

(٤) أي القول بالاستحباب.

٥٥٣

واحتجّ القائل بالوجوب : بوجوه ضعيفة أقواها الآيات الآمرة باتّباعه عليه‌السلام مثل قوله تعالى : (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.)(١)

وفيه : أنّ المتابعة والتأسّي هو الإتيان بمثل فعل الغير على الوجه الذي فعله ، لأنّه فعله ، ففعل ما فعله بقصد الندب بعنوان الوجوب ، ليس متابعة له.

فكما يمكن التجوّز في مادّة الصيغة لإبقاء هيئتها على حقيقتها (٢) ، يمكن العكس بإرادة الطلب الرّاجح ، سيّما والأوّل مستلزم للتخصيص أيضا جزما ، لعدم الوجوب في كثير من الأفعال ، وفي خصوص الخواصّ (٣) إجماعا ، مع أنّه إذا بقي الاتّباع على معناه الحقيقي ، وهو إتيان الفعل على ما فعله لأجل أنّه فعله على الوجه الذي فعله ، فالوجوب المتعلّق بهذا المعنى من جهة صيغة الأمر إنّما يتعلّق بالقيد لا بالمقيّد ، فلا مجاز أصلا.

ومنه يظهر الجواب عن قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي)(٤).

ووجه الاستدلال بها : أنّه جعل وجوب المتابعة معلّقا على محبّة الله التي هي واجبة اتّفاقا.

وما أجيب : بأنّ وجود الشرط غير مستلزم للمشروط ، فهو فاسد لابتنائه على الخلط بين معاني الشرط ، وجعله هنا عبارة عن الشرط الأصوليّ.

ومثل قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا

__________________

(١) الاعراف : ١٥٨.

(٢) وهو الوجوب.

(٣) ما ثبت اختصاصه بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٤) آل عمران : ٣١.

٥٥٤

اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ.)(١) وتقديره : من كان يرجو الله واليوم الآخر فله فيه أسوة حسنة ، ويلزمه بعكس النقيض أنّ من لم تكن فيه أسوة حسنة ، فليس ممّن يرجو الله واليوم الآخر ، وهذا تهديد ووعيد على ترك الأسوة ، وهو دليل الوجوب.

ويظهر الجواب عنه ممّا تقدّم ، فإنّ التأسّي هو متابعة الفعل لأجل أنّه فعله على الوجه الذي فعله لا بعنوان الوجوب مطلقا ، والقدح في عموم أسوة في مقام الجواب ممّا لا كرامة فيه ، لإرجاعه إلى العموم في أمثال هذا المقام في العرف والعادة.

والجواب عن سائر الآيات مثل : (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ،)(٢)(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ،)(٣)(فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ)(٤) أوضح.

فإنّ إطاعة موافقة الأمر هو حقيقة في القول.

والمراد بالمأتيّ القول بالتبادر سيّما مع مقابلة قوله : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(٥).

وغاية ما يدلّ عليه الآية الأخيرة الإباحة ، سيّما وهو في مقام توهّم الحظر ، وأين هو من الوجوب.

وأمّا الاستدلال بالاحتياط ، ففيه مع أنّه لا يتمّ لأجل احتمال الحرمة ، لاحتمال كون ما فعله من الخصائص ، لا دليل على وجوبه ، بل إنّما يتمّ لو سلّم فيما ثبت

__________________

(١) الاحزاب : ٢١.

(٢) النساء : ٥٩.

(٣) الحشر : ٧.

(٤) الاحزاب : ٣٧.

(٥) الحشر : ٧.

٥٥٥

التكليف يقينا وتوقّف براءة الذمّة على العمل ، وهو أوّل الكلام.

وأنت بعد التأمّل في جميع ما ذكرنا تقدر على استنباط دليل القائل بالإباحة والتوقّف.

والجواب عنهما : فالقائل بالإباحة يقول أنّ تعارض الاحتمالات من الرّجحان والحظر يوجب الرجوع إلى الأصل ، وهو الإباحة ، والمتوقّف يتوقّف.

ويظهر الجواب ممّا مرّ (١) ، مضافا إلى أنّ احتمال الحظر من جهة كونه من الخصائص نادر ولا يلتفت إليه ، فإنّ الغالب موافقة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام لأمّتهم وتابعيهم ، فالأصل هو المشاركة ، إلّا ما أخرجه الدليل.

وأمّا ما علم وجهه ، بمعنى أنّه يعلم أنّه واجب عليه أو مندوب أو غيره ولم يعلم أنّه من خصائصه ، فالأظهر لزوم اتّباعه ، بمعنى اشتراكنا معه على الوجه الذي يفعله.

وذهب بعضهم لذلك في العبادات دون المناكحات والمعاملات ، وآخر إلى إنكار ذلك كلّه.

لنا : الأدلّة المتقدّمة للقائلين بالوجوب في المسألة السّابقة وضعف احتمال الاختصاص فيما لم يعلم كونه من الخصائص. وأمّا ما علم أنّه ليس منها ، فلا إشكال فيه.

وضعف قول المنكر مطلقا فيها (٢) أيضا ، أظهر.

وجوابه فيما يحتملها عدم الالتفات إلى النادر ، سيّما مع قيام الأدلّة على حسن التأسّي.

__________________

(١) مما مرّ من الاستدلال على ما اختاره ، فلا وجه للرجوع الى الأصل أو التوقف.

(٢) أي في العبادات والمعاملات.

٥٥٦

وأمّا المفصّل (١) فلا دليل يعتدّ به.

وقد استدلّ على المختار مضافا إلى ما مرّ بإجماع العصابة على الرجوع في الأحكام إلى أفعاله كقبلة الصّائم ، لما روته [رواه] أمّ سلمة عن فعله عليه‌السلام ، والغسل بمجرّد التقاء الختانين وإن لم ينزل ، لما روته [رواه] عائشة عن فعله عليه‌السلام ، نظرا إلى أنّ وجه الأوّل معلوم ، فإنّه للإباحة ، وأنّ الغسل من التقاء الختانين ظاهر في أنّه كان يفعله بعنوان الوجوب ، لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يجعله غسل الجنابة ويترتّب عليه أحكامه ، وغسل الجنابة واجب جزما.

والظاهر أنّ الحكم في الترك هو الحكم في الفعل.

وممّا يتفرّع على هذا التأسّي به صلى‌الله‌عليه‌وآله في التباعد عن الناس عند التخلّي المعلوم أنّه كان على سبيل الاستحباب.

ثمّ إنّ معرفة وجه فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله إمّا يعرف بنصّه بأنّ هذا الذي فعلته ؛ فعلته بعنوان الوجوب ، أو يعلم أنّه كان امتثالا لأمر يدلّ على الوجوب ، مثل قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ ،)(٢) الدالّ على الوجوب أو أمر يدلّ على مجرّد الرّخصة ، أو أمر ندبي ، والتمثيل لذلك بقوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا.)(٣)(فَكاتِبُوهُمْ)(٤) سهو لعموم الخطاب فيهما ، أو يعلم بانضمام القرائن كما أشرنا في قبلة الصّائم والتباعد عند التخلّي أو غير ذلك من القرائن.

ومنها : أصالة عدم الوجوب الدالّة على الإباحة إليه إذا فقد الدليل على الوجوب والندب.

__________________

(١) الذي فصّل بين العبادات والمعاملات.

(٢) الاسراء : ٧٨.

(٣) المائدة : ٥.

(٤) النور : ٣٣.

٥٥٧

قانون

إذا وقع الفعل بيانا لمجمل فيتبعه في الوجه ، ويظهر منه وجهه ممّا سبق.

ثمّ إنّك قد عرفت في باب المجمل والمبيّن حكم كون الفعل بيانا ، وأقسام ما يدلّ على بيانيّته (١).

فاعلم أنّ المعصوم عليه‌السلام إذا صدر منه فعل في مقام البيان ، فما علم مدخليّته ، وما علم عدم مدخليّته فيه من الحركات والسّكنات وغيرهما ، فلا كلام فيه.

وما لم يعلم ، فإن كان ممّا استحدثه (٢) ولم يكن متلبّسا به قبل الفعل ، فالظاهر دخوله في البيان.

وما كان متلبّسا به قبله ، كالسّتر في الصّلاة ، بل مثل الطهارة لصلاة الميّت إذا كان فعلها في حالة توضّأ قبلها للصلاة اليومية ، فالظّاهر عدم المدخليّة ، إلّا أن يثبت بدليل من خارج.

وكذلك الكلام في عوارض ما استحدثه ، مثل التقصير والتطويل والسّرعة والبطء الغير المعتدّ بها (٣) عرفا ، فمثل تفاوت القراءة بسبب طلاقة اللّسان وعدمها في التكلّم ، ومثل تطويل الغسل في كلّ واحد من أعضاء الوضوء وتعجيلها بحيث يتفاوت في المصداق العرفيّ غالبا لا يعتدّ بها ، لاقتضاء العرف ذلك وعدم انضباط ذلك تحت حدّ محدود لا يتجاوز عنه ، فالتكليف به تكليف بما لا يطاق.

__________________

(١) من قول او اشارة او فعل كمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، صلوا كما رأيتموني أصلي.

(٢) فعله لأوّل مرّة أمام الآخرين مثلا.

(٣) كغير الكثير الفاحش.

٥٥٨

وأمّا التفاوت الفاحش الخارج عن حدّ متعارف الأوساط ، فالظّاهر اعتباره ، فيشكل الاكتفاء بوضوء يغسل كلّ واحد من أعضائه في ظرف ساعة مثلا.

وأمّا ما يشكّ في دخوله في البيان وعدمه مثل التوالي بين الأعضاء في الوضوء بحيث إذا فرغ من عضو شرع في الآخر بلا فصل ، وكذلك غسل الوجه من الأعلى ، وكذلك اليد ، وكذلك المسح من الأعلى ، فإنّ ذلك كلّه ممّا يشكّ في دخوله ، لأنّ الغسل العرفيّ للأعضاء يصدق مع الفصل وعلى أيّ وجه اتّفق ، لكن اختيار هذا الفرد من الماهيّة هنا ممّا يشكّ في أنّه هل هو بمجرّد الاتّفاق لأنّه فرد من ماهيّة الغسل ، أو أنّه معتبر.

وكذلك الكلام فيما لو علم اشتمال المجمل على واجبات ومندوبات وحصل الشكّ في بعضها أنّه من الواجبات أو المندوبات ، كالسّورة في الصلاة ، ففيه الإشكال المتقدّم في أوائل الكتاب ، من أنّه يمكن الاعتماد على الأصل ونفي الجزئيّة والوجوب بأصالة عدمهما أم لا.

وقد بيّنا أنّ التحقيق إمكان جريان الأصل في ماهيّة العبادات كنفس الأحكام الشرعية ، وأنّه لا فرق بينهما ، فاعتبار المذكورات في الماهيّة موقوف على ثبوتها من دليل خارجي.

وممّا حقّقنا لك في القانون السّابق ، يظهر أنّ الأقوى في أمثال المذكورات هو البناء على الاستحباب لدخوله في الفعل الذي لم يعلم وجهه.

وقد عرفت أنّ التحقيق فيها الاستحباب لحسن التأسّي والاحتياط ، وأمّا الوجوب (١) فلا دليل عليه.

__________________

(١) فيها.

٥٥٩

وما يتوهّم من أنّ اشتغال الذمّة بالمجمل يقينيّ (١) ، وتحصيل البراءة اليقينيّة واجبة ، فيحكم بالوجوب.

فقد عرفت جوابه في أوّل الكتاب ، وأنّ الاشتغال بأزيد ممّا يقتضيه ظنّ المجتهد فيما لا يمكن تحصيل العلم به بشخصه ، ممنوع ، ولا دليل على وجوب الاحتياط.

ومن ذلك يظهر أنّ مقتضى ما ذكره الشهيد من حمل الأفعال المتردّد في كونها من أفعال الجبلّة والعادة أو الشرع والعبادة (٢) على الشرعيّ ، هو الحمل على الاستحباب لا غير ، لعدم الدليل على ما فوقه.

__________________

(١) هذا هو قول الظنّ الخاص في الأغلب وان كان بعضهم أيضا يجري البراءة هنا أيضا.

هذا كما في الحاشية.

(٢) أي ولو لم يكن عبادة إذ الشرعية أعم من العبادة. كما ذكر في الحاشية.

٥٦٠