القوانين المحكمة في الأصول - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

القوانين المحكمة في الأصول - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: رضا حسين صبح
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٦

فلا بدّ إمّا من دعوى التبادر وهو غير مسلّم في الجميع أو ذكر دليل آخر ، وسيجيء الدّليل في خصوص ما نحن فيه.

واختلفوا في كون الدلالة فيما نحن فيه من باب المفهوم أو المنطوق.

والصّواب ترك هذا النزاع ، لأنّ الحصر معنى مركّب من إثبات ونفي وما له المدلول مذكور في أحدهما ، فيستفاد المجموع من المجموع (١). وإن جعل عبارة عن نفي الحكم المذكور عن الغير ، فلا ريب انّه مفهوم على ما مرّ.

والدليل على إفادة الحصر أمران :

الأوّل : التبادر ، فإنّ المتبادر من قولنا : العالم زيد ، انّ العالميّة لا يتجاوز عن زيد الى عمرو وبكر وغيرهما.

والثاني : أنّه لو لم يفد الحصر للزم الإخبار بالأخصّ عن الأعمّ وهو باطل.

وتقريره انّ المراد بالصّفة إن كان هو الجنس فيستحيل حمل الفرد عليه ، لأنّ الحمل يقتضي الاتّحاد ، والفرد الخاص ليس عين حقيقة الجنس فينبغي أن يراد منه مصداقه وهو ليس بفرد خاصّ لعدم العهد وعدم إفادة العهد الذهني فيحمل على الاستغراق فيصير المعنى انّ كلّ ما صدق عليه العالم فهو زيد ، وهذا لا يصحّ إلّا إذا انحصر مصداقه في الفرد ، لاستحالة اتحاد الكثيرين مع الواحد وذلك إمّا حقيقة كما لو فرض انحصار الإمارة (٢) في الخارج ، وإمّا إدّعاء ومبالغة كما في قولنا : الشجاع عمرو والرّجل بكر.

__________________

ـ مثل : التشويق نحو كما قال الشاعر : ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها شمس الضحى وأبو اسحاق والقمري.

(١) أي مجموع المعنيين الحاصلين من النفي والاثبات من مجموع الإثبات والنفي.

(٢) في مثال الأمير زيد.

٤٢١

فالمراد هو المصداق الكامل وقد لا يحتاج الى صرف الصّفة الى استغراق الأفراد بأن يدّعى وحدة الجنس مع هذا الفرد كما في قولك : هل سمعت بالأسد ، وتعرف حقيقته ، فزيد هو هو بعينه كما ذكره عبد القاهر في الخبر المحلّى باللّام ، وهو الظّاهر من الزمخشري (١) في تفسير قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(٢). وهذا معنى أعلى من الحصر في المبالغة وهو بعينه جار في قولنا : الأمير زيد.

واحتج النافون : بأنّ ذلك لو صحّ لصحّ في العكس. يعني في مثل زيد الأمير وعمرو العالم ، لجريان ما ذكر فيه أيضا.

وبأنّه (٣) لو كان الأصل (٤) مفيدا له دون العكس لتطرّق التغيير في مفهوم الكلمة بسبب التقديم والتأخير مع عدم تطرّق في المفردات ، وإنّما وقع في الهيئة التركيبيّة.

أقول : أمّا الجواب عن الأوّل.

فأمّا أوّلا : فبالقول بالموجب كما صرّح به علماء المعاني ، ويظهر وجهه مما سبق.

وأمّا ثانيا : فبالفرق بين صورة التقديم والتأخير ، فإنّ الموضوع هو الذّات والمعروض والمحمول هو الوصف والعارض ، ولذلك اصطلح المتكلّمون على إطلاق الذّات على المبتدأ والوصف على الخبر.

__________________

(١) في تفسير الكشّاف : ١ / ٤٦ (دار الكتاب العربي).

(٢) البقرة : ٥.

(٣) وهذا دليل آخر على عدم افادة الحصر في قولنا الامير زيد.

(٤) أي الأمير زيد.

٤٢٢

فإذا وقع الوصف مسندا إليه فالمراد به الذّات الموصوفة به ، فالمراد بالأمير في قولنا : الأمير زيد ، الذّات المتّصفة بالإمارة ، فإذا اتّحد الذّاتان بحسب [بسبب] الحمل فيلزم الحصر ، أعني حصر الإمارة في زيد ، وإن اقتضى قاعدة الحمل كون المراد بزيد هو المسمّى ولم يفد انحصار وصفه في الإمارة.

وإذا وقع (١) مسندا فالمراد به كونه ذاتا موصوفة به وهو عارض للأوّل والعارض أعمّ ، والحمل وإن كان يوجب الاتّحاد لكن حمل الأعمّ على الأخصّ معناه صدق الأعمّ على الأخصّ وذلك لا يوجب عدم وجوده في ضمن غيره كما في الكلّي الطبيعي بالنسبة الى أفراده.

فالمراد من الاتّحاد ، أنّ المحمول موجود بوجود الموضوع أو انّ المحمول والموضوع موجودان بوجود واحد ، لا إنّهما موجود واحد.

وبهذا يندفع ما يورد هنا (٢) ، أنّ الحمل لو اقتضى الاتّحاد وأوجب القصر فيما نحن فيه للزم ذلك في الخبر المنكر أيضا مثل زيد إنسان ، فإنّ المراد من إنسان هو مفهوم فرد ما لا مصداقه ، كما اشتهر بينهم انّ المراد بالمحمول هو المفهوم ومن الموضوع هو المصداق ، والمصداق هنا إمّا فرد معيّن هو زيد أو غير زيد ، وإرادة كل منهما محال لاستحالة حمل الشّيء على نفسه وعلى غيره. ومفهوم فرد ما قابل لجميع الأفراد ، فإذا اتّحد مع الموضوع في الوجود بسبب الحمل لزم الحصر لما ذكرنا انّ ذلك لا يفيد إلا اتحاده مع الموضوع في الوجود ، لا إنّهما موجود واحد.

والحق ، أنّ صورة العكس أيضا يفيد الحصر ، لا لإفادة الحمل ذلك من حيث

__________________

(١) هذا عطف على قوله : فإذا وقع الوصف مسندا إليه.

(٢) كما أورده التفتازاني.

٤٢٣

هو حتّى يرد انّ الاتّحاد الحملي لا يقتضي ذلك ، بل لأنّ حمل الجنس أو الاستغراق يفيد ذلك.

أمّا الاستغراق فظاهر ، وأمّا الجنس فلأنّ المقصود منه إن كان مجرّد صدق هذا الجنس ولو من حيث إنّه فرد منه لتمّ ذلك بحمل المنكر مثل زيد أمير ، فيبقى التعريف لغوا ، فعلم منه أنّ المقصود انّ زيدا هو حقيقة الأمير وماهيّته ، فيفيد المعنى الذي هو أعلى من الحصر كما مرّ إليه الإشارة (١) ، وأشار إلى ما ذكرنا المحقّق الشريف في بعض حواشيه.

فظهر من جميع ما ذكر انّ قولنا : الأمير زيد يدلّ على الحصر من وجهين :

أحدهما : تقديم المتأخر بالطبع وإن صار موضوعا الآن.

والثاني : التعريف على ما مرّ بيانه (٢).

وأمّا صورة العكس فمن جهة واحدة هو التعريف.

وأما الجواب عن الثاني (٣) ، فيظهر ممّا تقدم أيضا.

وتوضيحه منه بطلان التالي لو أريد به مجرّد المغايرة في إرادة الذّات والصّفة ، ومنع الملازمة إن أريد غير ذلك ، والتحقيق قد مرّ (٤).

ثم إنّ الكلام لا يختصّ بالمعرّف باللّام ، بل كلّما يراد به الجنس حكمه ذلك مثل قولك : صديقي زيد ، حيث لا عهد خارجي ، فإنّه يحمل على الجنس أو الاستغراق

__________________

(١) في قوله : بأنّ ندعي وحدة الجنس مع هذا الفرد على طريقة عبد القاهر.

(٢) من أنّ التعريف لو لم يفد الحصر لكان لغوا إذ على تقدير عدم إفادة الحصر معناه قبل التعريف وبعده يصير واحدا.

(٣) أي قوله : وبأنّه لو كان الأصل مفيدا له ... الخ.

(٤) وهو انّ صورة العكس أيضا يفيد الحصر.

٤٢٤

كما في قولك : ضربي زيدا قائما ، فالجهتان المتقدّمتان حاصلتان فيه (١).

وأمّا صورة العكس ، فلا يجري ما قدّمنا في المعرّف باللّام فيه ، بل الظاهر انّ معناه زيد صديق لي على طريق الإضافة اللّفظية.

ثم قد ظهر لك ممّا مرّ من تعدّد الجهتين ، أنّ المسند إليه إذا كان معرّفا باللّام يفيد حصره في المسند وإن لم يكن حقّه التأخير أيضا ، كما في قولهم : الكرم التقوى ، والعلماء الخاشعون ، والكرم في العرب ، والإمام من قريش ، كما صرّح به علماء المعاني. ولا يلزم منه كون كلّ ما في العرب كريما ، ولا كلّ من في القريش إماما ، كما لا يلزم في زيد قائم أو انسان انحصار القائم والانسان في زيد.

وأمّا الحصر بإنّما (٢) ، والمراد به نفي غير المذكور أخيرا (٣) كقولك : إنّما زيد قائم في قصر الموصوف على الصّفة وإنّما القائم زيد في العكس.

فالأشهر الأقوى فيه الحجّية للتبادر عرفا ، ونقله الفارسي عن النّحاة

__________________

(١) يعني انّ تقديم ما هو حقه التأخير والتعريف كلاهما حاصلان في قولنا : صديقي زيد فيفيد الحصر من هاتين الجهتين.

(٢) وبالكسر ، والحقّ بها الزمخشري «أنّما» بالفتح ووافقه عليه آخرون ، وإن قيل : إنّه ممّا انفرد به ، لكن لم يثبت.

(٣) قال في «الحاشية» : يعني انّ المراد من الحصر إنّما هو نفي ما سوى ما في المرتبة الأخرى عمّا في المرتبة الأولى ، وقصر على ما في المرتبة الأولى على ما في المرتبة الأخرى. فمعنى قولنا : إنّما زيد عالم ، هو نفي ما سوى العلم من الأوصاف عن زيد ، بمعنى كون زيد مقصورا على العلم وعدم اتصافه بما سوى العلم ، وإن وجد العلم في غيره أيضا. ومعنى إنّما العالم زيد هي نفي ما سوى زيد عن الاتصاف بالعلم ، بمعنى انّ العلم مقصور على زيد ولا يتّصف غيره به ، وإن اتّصف زيد بغير العلم أيضا. ولهذا يسمّون الأوّل من قصر الموصوف على الصّفة والثاني قصر الصّفة على الموصوف.

٤٢٥

وصوّبهم (١). وكذلك لغة أيضا مع أصالة عدم النقل ، ويدلّ عليه أيضا استدلال العلماء بمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما الأعمال بالنيّات (٢) ، و : إنّما الولاء لمن أعتق (٣) ، على نفي العمل من دون نيّة ونفي الولاء لغير المعتق من دون نكير.

وإن كان يمكن القدح فيه ، بأنّه مقتضى التعريف في المسند إليه كما مرّ ، فقوله عليه‌السلام : إنّما الأعمال بالنيّات ، في قوّة الموجبة الكليّة المناقضة للسالبة الجزئية ، وأنت خبير بكمال وضوح الفرق بين الملحوق بإنّما وعدمه ، وإن قلنا بدلالة تعريف المسند إليه أيضا ، ولا أظنّ أنّ من يعتمد على دلالة تعريف المسند إليه على ذلك لا يعتمد على دلالة إنّما عليه مع كمال وضوحه ، وكيف كان ، فالعمدة هو التبادر في سائر الموارد.

وقد يستدلّ بصحّة انفصال الضمير معه (٤) في مثل قول الفرزدق : وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي. فإنّ الوجوه المجوّزة للفصل مفقودة سوى ان يكون الفصل لغرض ، وهو أن يكون المعنى ما يدافع عن أحسابهم إلّا أنا.

وقد يستدلّ أيضا : بأنّ ، إنّ للإثبات وما للنفي ولا يجوز أن يكونا لإثبات ما بعده ونفيه ، بل يجب أن يكونا لإثبات ما بعده ونفي ما سواه أو على العكس ، والثاني

__________________

(١) في «الهداية» : ٢ / ٥٧٩ للمحقّق الاصفهاني : وعن أبي علي الفارسي في «الشيرازيات» : أنّ العرب عاملوا «إنّما» معاملة النفي ، وقد يوهم ذلك ما نسب إليه من القول بأنّها نافية وهو فاسد قطعا ، أو أنّها مركبة من حرفي «إنّ» للإثبات و «ما» للنفي ، فحيث يمتنع تواردهما على أمر واحد يجب تعلّق الأوّل بالمذكور والثاني بما سواه للاتفاق على بطلان العكس ، فيكون ذلك هو الوجه في إفادتها للحصر.

(٢) «الوسائل» : ٦ / ٥ ح ٧١٩٧.

(٣) «عوالي اللّئالي» : ٢ / ٣٠٦ ح ٣٢.

(٤) مع إنّما.

٤٢٦

باطل بالاجماع [باطل] فتعيّن الأوّل وهو ضعيف ، لأنّ إنّ ، إنّما هو لتأكيد الكلام نفيا كان أو إثباتا كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً)(١).

وما النافية لا تنفي إلّا ما دخلت عليه بإجماع النحاة ؛ فهي كافّة كما في ليتما ولعلّما وغيرهما كما صرّح به ابن هشام وغيره.

فالتحقيق ، أنّه كلمة متضمّنة لمعنى ما ، وإلّا بحكم التبادر واستعمال الفصحاء وقد نوقض (٢) بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(٣) لعدم انحصار المؤمنين في المذكور ، و : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ)(٤) لعدم انحصار إرادة الله في إذهاب الرّجس عنهم و : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها)(٥) أي السّاعة لإنذاره غيرهم أيضا.

وفيه : أنّ المراد في الأوّل الكمّل منهم.

وفي الثاني أنّ إرادة إذهاب الرّجس مقصور على أهل البيت عليهم‌السلام في زمانهم لا غيرهم ، لا انحصار مطلق إرادة الله في ذلك ، إذ عرفت أنّ النفي يرجع إلى غير المذكور أخيرا.

وفي الثالث الإنذار النافع ، وعلى فرض التسليم ، فالمجاز خير من الاشتراك ومطلق الاستعمال لا يدلّ على الحقيقة ، وقد أثبت التبادر كونها حقيقة فيما ذكرنا. واحتج منكر الحجيّة : بأنّه لا فرق بين : إنّ زيدا قائم وإنّما زيد قائم. وما زائدة

__________________

(١) يونس : ٤٤.

(٢) فنوقض الاستدلال على دلالة إنّما للحصر بالوجوه المذكورة.

(٣) الأنفال : ٢.

(٤) الاحزاب : ٣٣.

(٥) النازعات : ٤٤.

٤٢٧

فهي كالعدم وقد عرفت الفرق.

واختلف المثبتون (١) أيضا فقيل : انّه بالمنطوق لأنّه لا فرق بين : (إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ)(٢) ، وبين : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(٣).

ويظهر لك بطلانه ممّا مرّ في تعريف المفهوم والمنطوق وقد أشرنا إليه آنفا (٤) أيضا.

وأمّا ما وإلّا فلا خلاف في حجّية مفهومهما ظاهرا.

والظاهر أنّ الدلالة فيهما بالمنطوق ، فلا وجه لجعله من باب المفهوم.

__________________

(١) أي المثبتون الحصر لا المفهوم وإلا فلا معنى حينئذ للاختلاف.

(٢) طه : ٩٨.

(٣) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١٩.

(٤) في أوائل هذا القانون في قوله : انّ الحصر مركب من نفي وإثبات وما له المدلول مذكور في أحدهما ... الخ.

٤٢٨

قانون

الحقّ ، أنّه لا حجّية في مفهوم الألقاب (١) ، لعدم دلالة اللّفظ عليه بإحدى من الدلالات ، ولأنّه لو دلّ لكان قولنا : زيد موجود ، وعيسى رسول الله كفرا ، لاستلزامهما نفي الصّانع ورسالة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

واحتجّ الدّقاق (٣) وبعض الحنابلة (٤) على الدّلالة بأنّ التخصيص بالذّكر لا بدّ

__________________

(١) عند الأكثر كما ذهب إليه وذكره العلّامة في «التهذيب» : ص ١٠٣ ، والآمدي في «الإحكام» : ٢ / ٩٠ : اتّفق الكلّ على أنّ مفهوم اللقب ليس بحجّة.

(٢) لإفادتهما ان ليس غير زيد موجودا ولو كان هو الصانع ، وان ليس غير النبي عيسى رسولا.

(٣) محمّد بن محمّد أبو بكر الدقاق (٣٠٦ ـ ٣٩٢ ه‍) فقيه شافعي أصولي من أهل بغداد وكان يلقّب بخباط. له مصنّفات منها كتابه في الاصول على مذهب الشافعي. وقد اشتهر بقوله بمفهوم اللّقب وهو قول يستنكرونه الاصوليين. وينقل انّ امام الحرمين يرى انّ قول الدقاق هذا لا ينبغي الغلو في ردّه ، وقال : وعندي انّ المبالغة في الردّ عليه سرف ، ونحن نوضح الحق الذي هو ختام الكلام قائلين لا يظن بذي العقل الذي لا ينحرف عن سنن الصواب أن يخصّص بالذكر ملقّبا من غير غرض ... الذي نراه انّ التخصيص باللّقب يتضمن فرضا مبهما. وفي نفس الشأن قال ابن السبكي في كتابه «الابهاج في شرح المنهاج» : ـ فائدة ـ في كتاب الاستاذ أبي اسحاق في اصول الفقه انّ شيخه الدقاق هذا ادّعى في بعض مجالس النظر ـ ببغداد ـ صحة ما قاله من مفهوم اللّقب ، فالزم وجوب الصلاة ، فإنّ الباري تعالى أوجب الصلاة ، فهل له دليل يدلّ على نفي وجوب الزكاة والصوم وغيرهما. قال : فبان له غلطه وتوقف فيه.

(٤) قال في «التمهيد» ص ١١٧ : ذهب الدقاق والصّيرفي من الشافعية وجماعة من الحنابلة وبعض المالكية الى أنّه حجّة ، لأنّ التخصيص لا بد له من فائدة.

٤٢٩

له من مخصّص ونفي الحكم عن غيره صالح له ، والأصل عدم غيره.

وأيضا قول القائل : لست زانيا ولا أختي زانية ، يدلّ على أنّ المخاطب واخته زانيان. وأوجب الحنابلة الحدّ عليه لهذا.

والجواب عن الأوّل : أنّ تعلّق الإرادة مخصّص وليس الإسم واللّقب قيدا زائدا في الكلام حتى يحتاج الى فائدة خاصة في ذكره ، وفائدته فائدة أصل الكلام.

وعن الثاني : أنّ القرينة قائمة على إرادة التعريض.

وأمّا مفهوم العدد ، فمذهب المحقّقين عدم الحجّية (١). فلو قيل : من صام ثلاثة أيام من رجب كان له من الأجر كذا ، فلا يدلّ على عدمه إذا صام خمسة.

نعم يحتاج جوازه الى الرّخصة من الشارع ، لأنّ العبادة توقيفية يحتاج الى

__________________

(١) حجّة عند جماعة من الاصوليين ... وذهب المحقّقون إلى أنّه ليس بحجّة مطلقا إلّا بدليل منفصل كما في التمهيد» للشهيد ص ١١٥ ، فمنها ما اختاره الآمدي في «الإحكام» بعد نقل للخلاف في المسألة من التفصيل بين العدد الذي يكون الحكم فيه ثابتا بطريق أولى وما كان مسكوتا عنه ، ومنها ما ذكره السيد عميد الدين وحكاه عن المحقّقين من أنّ العدد إذا كان علّة كان الزّائد عليه ملزوما للعلّة لاشتماله على الناقص ، إلّا إذا كان موصوفا بوصف وجوديّ فلا يجب حينئذ كون الزّائد عليه موصوفا به ، كما نقله الأصفهاني في «هدايته» : ٢ / ٥٨٣ ، وأمّا السيّد المرتضى : إنّ الحكم إذا علّق بغاية أو عدد فإنّه لا يدلّ بنفسه على ما عداه بخلافه ، هذا في «الذريعة» : ١ / ٤٠٧ ، والعلّامة في «التهذيب» ص ١٠٤ : إذا كان العدد علّة لعدم الحكم كان الزائد علّة لاشتماله على العلّة ولا يلزم من اتصاف الناقص بأمر اتصاف الزّائد به ، وفي «الفوائد» ص ١٨٤ : المفاهيم كلّها حجّة مثل مفهوم الحصر والغاية والعدد والعلّة ومفهوم «ما» و «إلّا» و «إنّما» وغيرهما ، إلّا مفهوم الصفة ومفهوم اللقب.

٤٣٠

التوظيف ، لا لأنّ القول الأوّل ناف له ، فإذا صام الزّائد من باب عموم الصوم فلا ضرر أصلا.

وكذلك الكلام في عدد الأذكار والتسبيحات ، ولكن في بعض الأخبار المنع عن التعدي ، والظّاهر انّه من جهة اعتقاد انّ الزّائدة مثل المأمور به في الأجر لا لعدم الجواز.

وأمّا إذا قيل يجب عليك صوم عشرة أيّام فلا يجوز الاكتفاء بالخمسة لعدم الامتثال بالمنطوق حينئذ ، لا لأنّ المفهوم يقتضي ذلك ولورود الأمر بخمسة أخرى ، فلا يعارض السّابق بأن يقال : انّ مفهوم القول الأوّل يقتضي عدمها ، فلا بدّ من الترجيح.

وامّا في بعض المواضع الذي لا يجوز التعدي الى ما فوق وما تحت فإنّما هو بدليل خارجيّ ، فعدم جواز زيادة الحدّ مثلا على الثمانين أو المائة جلدة فإنّما هو لحرمة الإيذاء من دون إذن من الشّارع ؛ فيقتصر على التوظيف ، وعدم قبول الشاهد الواحد إنّما هو لفقدان الشّرط وهو الشاهدان ، فهو مقتضى المنطوق كما أشرنا.

وكذلك كون الماء أقلّ من كرّ أو قلّتين (١) في النجاسة ، ولذلك ترى انّ الأكثر أيضا لا ينجس ، ولأنّ المناط في الحكم هو الكثرة وعدم نقص الماء عن هذا المقدار لا عدم كونه أكثر من ذلك أيضا.

__________________

(١) القلّة بضم القاف وتشديد اللّام إناء معروف للعرب كالجرّة الكبيرة تسع قربتين أو أكثر.

٤٣١

وبالجملة ، الأعداد المعتبرة في الشّرع قد يتوافق حكمها مع الأقلّ والأكثر ، وقد يتخالف فاستعماله عامّ والعامّ لا يدلّ على الخاصّ.

وقد يتوهّم (١) أنّ تحديد أقل الحيض بالثلاثة وأكثره بالعشرة إنّما أستفيد من مفهوم العدد في قوله عليه‌السلام : أقلّ الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيّام (٢). فإنّه لا يجوز التجاوز ولا الاقتصار بالأقل.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ تحديد الأقل لا يتمّ إلّا بعدم تحقق الحيض في يومين وإلّا لكان هو الأقل ، وبأن لا يكون الأربعة أقلّ وإلّا فلا يتحقّق بثلاثة ، وليس هذا من مفهوم العدد في شيء ، وقس عليه حال الأكثر (٣).

والظاهر أنّ الكلام في المقدار والمسافة وأمثالهما هو الكلام في العدد.

وأمّا مفهوم الزّمان والمكان فهو أيضا كذلك (٤). وذهب الى حجّيتهما جماعة (٥) ، ويظهر الاحتجاج والجواب ممّا تقدّم.

__________________

(١) ربما مقصوده من المتوهم هذا المحقق الوحيد ، لذكره المثال المذكور في «فوائده» : ص ١٨٤.

(٢) «التهذيب» : ١ / ١٥٦ ح ٤٤٩ ، «الاستبصار» : ١ / ١٣١ ح ٤٥٠ ، «وسائل الشيعة» : ٢ / ٣٩٠ ح ٢١٦٠.

(٣) أي قسّ على حال الأقلّ حال الأكثر. فنقول : إنّ تحديد أكثريّة الحيض بعشرة أيّام لا يتمّ إلّا بعد تحققه في أحد عشر وإلّا لكان هو الأكثر لا عشرة أيام ولا في تسعة أيام وإلّا فلا يتحقّق بالعشرة.

(٤) أيّ انّ مفهوم الزّمان والمكان مثل مفهوم اللّقب والعدد في عدم الحجّية.

(٥) حجّة عند جماعة نقله الآمدي عن الحنابلة في «الإحكام» : ٢ / ١٩٩ ، وعن الشافعي في «المنخول» : ص ٢٠٩ ، ومردود عند المحققين كما ذكر الشهيد في «التمهيد» : ص ١١٦.

٤٣٢

فإن قلت (١) : إذا قيل : بعه في يوم كذا ، وخالف الوكيل فالعقد غير صحيح ، وكذا غيره من العقود.

قلت : لأنّ التقييد في الوكالة تابع للّفظ ومختصّ بما قيّده لا من حيث المفهوم ، بل من حيث انحصار الإذن في ذلك ، ولذلك لم يخالف من ردّ المفهوم في اختصاص الوكالة والوقف ونحوهما بما قيّده وصفا وشرطا وزمانا ومكانا وغيرها ، وصرّح بما ذكرنا الشهيد الثاني رحمه‌الله في «تمهيد القواعد» (٢).

__________________

(١) وذكر هذا المثال في «التمهيد» : ص ١١٧.

(٢) في القاعدة ٢٨ ص ١١٧.

٤٣٣

الباب الثالث

في العموم والخصوص

وفيه مقدّمة ومقاصد :

أمّا المقدّمة :

فالعامّ : هو اللّفظ الموضوع للدّلالة على استغراق أجزائه أو جزئيّاته ، كما عرّفه شيخنا البهائي رحمه‌الله (١).

واحترز بقيد الموضوع للدلالة عن المثنّى والجمع المنكر وأسماء العدد ، فإنّها لم توضع للدلالة على ذلك وإن دلّت.

وقوله : أجزائه أو جزئيّاته لدخول مثل الرّجال على كل من المعنيين الآتيين من إرادة العموم الجمعي أو الافرادي.

وهذا اصطلاح ، وإلّا فلا مانع من جعل العشرة المثبتة أيضا عامّا كما يشهد به صحّة الاستثناء.

فالعامّ على قسمين إمّا كلي يشمل أفراده أو كلّ يشمل أجزائه.

والعامّ المعهود الغالب الاستعمال في كلامهم هو المعنى الأوّل ، ولذلك ذكروا انّ دلالة العموم على كلّ واحد من أفراده دلالة تامّة ، ويعبّرون عنه بالكلي التفصيلي والكلي العددي والأفرادي ، وليست من باب الكلّ ، أي الهيئة الاجتماعيّة المعبّر عنه بالكلي المجموعي ، ويظهر الثمرة في المنفي.

__________________

(١) في «الزّبدة» : ص ١٢٥.

٤٣٤

فلو كان الجمع المضاف في قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ)(١). بمعنى الكلي المجموعي ، فلم يدلّ على حرمة قتل البعض ، بخلاف المعنى الأوّل ، نظير ضربت العشرة وما ضربت العشرة.

وسيجيء أنّ العموم قد يستفاد من جهة المقام (٢) لاقتضاء الحكمة ذلك ، وهو أيضا ليس من العامّ المصطلح وإن ترتب عليه أحكامه.

__________________

(١) الأنعام : ١٥١.

(٢) وذلك كقوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ.)

٤٣٥

المقصد الأوّل

في صيغ العموم

قانون

اختلفوا (١) في كون ما يدّعى كونها موضوعا للعموم من الألفاظ موضوعا له (٢) أو مشتركا بينه وبين الخصوص (٣) أو حقيقة في الخصوص (٤) على أقوال : فقيل : بالتوقّف (٥). ثم القائلون بثبوت الوضع للعموم اتّفقوا في بعض الألفاظ واختلفوا في الأخر.

فلنقدّم الكلام في الخلاف في أصل الوضع ، فالأشهر الأظهر كونها حقيقة في العموم.

__________________

(١) قال في «الفصول» ص ١٦١ : وهل يختص النزاع بالألفاظ المخصوصة أعني أسماء الشرط والاستفهام والموصولات والجمع المعرّف والمضاف ومفرديهما والنكرة في سياق النفي أو يجري في مطلق ألفاظه فيدخل فيه مثل لفظ كل واجمع وتوابعه.

والذي نص عليه العضدي هو الأوّل وصاحب «المعالم» هو الثاني ويساعده كلمات بعض الأصحاب وهو المعتمد.

(٢) وهو المحكي عن المحقّق في «المعارج» : ص ٨٢ ، والشيخ في «العدة» : ص ٢٧٩ ، والعلّامة في «التهذيب» : ص ١٢٧ ، وعزاه بعضهم الى الأكثر هنا كما في «الوافية» : ص ١١١.

(٣) وهو للسيد كما في «الذريعة» : ص ٢٠١.

(٤) ذهب إليه قوم حقيقة في الخصوص وإنّما تستعمل في العموم مجازا كما نقل في «المعالم» : ص ٢٥٨.

(٥) ونقل عن الآمدي : التوقف ، وقيل : بالتوقف في الإخبار والوعد والوعيد دون الأمر والنهي كما نقل في «الوافية» : ص ١١٢ ، وفي «التمهيد» ص ١٤٧ : وتوقّف آخرون.

٤٣٦

لنا : التبادر ، فإنّ أهل العرف يفهمون من قولنا : ما ضربت أحدا ، ومن دخل داري فله درهم ، ومتى جاء زيد فأكرمه ، ونحو ذلك العموم. فلو قال السيّد لعبده ، لا تضرب أحدا ، ثم ضرب العبد واحدا لاستحقّ بذلك عقاب المولى.

وللاتّفاق على دلالة كلمة التوحيد عليه ، وللاتّفاق (١) على لزوم الحنث على من حلف أن لا يضرب أحدا بضرب واحد. وانّ من ادّعى ضرب رجل لو أردت تكذيبه قلت : ما ضربت أحدا ، فلولا انّه سلب كلّي لما ناقض الجزئية ، فإنّ سلب الجزئي لا يناقض الإيجاب الجزئي ، ولقصّة ابن الزبعرى (٢) فإنّه لما سمع قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ)(٣) قال : لأخصمنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثمّ جاءه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أليس عبد موسى وعيسى والملائكة ، ففهمه دليل العموم لأنّه من أهل اللّسان ، وأدلّ من ذلك جوابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : ما أجهلك بلسان قومك أما علمت انّ ما لما لا يعقل (٤) ، فلم ينكر العموم وقرّره. وأمّا استعمال كلمة ما في ذوي العقول أو أعلى منهم كما في قوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها)(٥) ، فإنّما هو خروج عن الحقيقة لنكتة.

وفي رواية أخرى أجاب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بأنّ المراد عبادة الشياطين التي أمرتهم بعبادة

__________________

(١) عطف على التبادر.

(٢) بكسر الزّاء المعجمة وفتح الباء الموحدة من تحت الرّاء المهملة الرجل السيئ الخلق ، وقد يطلق على الرجل الكثير شعر الوجه والحاجبين واللّحيين ، وقد يقال الزبعريّ بفتح الزاء المعجمة وإسكان الباء وفتح العين المهملة وآخره ياء مشدّدة هكذا نقل بعضهم.

(٣) الأنبياء : ٩٨.

(٤) «الصراط المستقيم» : ١ / ٤٧.

(٥) الشمس : ٥.

٤٣٧

هؤلاء فنزل قوله تعالى : (الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ)(١).

حجّة القائلين بأنّها حقيقة في الخصوص وجهان :

الأوّل : أنّ الخصوص متيقّن المراد من هذه الألفاظ حيث استعملت سواء أريد منها الخصوص فقط أو في ضمن العموم ، بخلاف العموم فإنّه مشكوك الإرادة. ولمّا كان الوضع مسلّما للخصم ولا بدّ له من مرجّح فالأولى أن يقول انّه موضوع للمتيقّن المراد ، فإنّه أوفق بحكمة الواضع حيث إنّ غرضه من الوضع التفهيم.

وبهذا التقرير (٢) اندفع ما أورد على الدّليل بأنّه إنّما يدلّ على تيقّن الإرادة لا على الوضع.

والجواب : أنّ هذا إثبات اللّغة بالترجيح العقلي وهو باطل لأنّ طريقه منحصر في النقل ، إمّا صريحا محضا بالتواتر أو الآحاد أو بإعانة تصرّف من العقل كما لو استفيد من مقدّمتين نقليّتين وضع مثل عموم الجمع المحلّى باللّام ، فإنّه ثبت بواسطة مقدّمتين مستفادتين من النقل.

أحدهما : ما ثبت من أهلّ اللّغة جواز الاستثناء منه بأيّ فرد أمكن إرادته من الجمع واحتمل شموله له في كل موضع.

وثانيتهما : ما ثبت انّ الاستثناء هو إخراج ما لولاه لدخل ، ويحصل من ذلك أنّه يجوز إخراج كل فرد من الجمع ، ثم العقل يحكم بأنّ الشيء ما لم يكن داخلا في شيء لا يمكن إخراجه منه. فثبت انّ جميع الأفراد داخل فيه ، وهو معنى كونه

__________________

(١) الأنبياء : ١٠١.

(٢) أي بقولنا : فالأولى أن يقول أنّه موضوع للمتيقن المراد ... الخ.

٤٣٨

موضوعا للعموم وهكذا.

وأمّا العقل المحض فلا مدخليّة له في إثبات اللّغات.

وأمّا التبادر وصحّة السّلب ونحوهما ، فإنّما هي أدلّة للفرق بين الحقيقة والمجاز ، لا لاثبات أصل الوضع.

ولا بأس بتوضيح المقام وإن كان خارجا عمّا نحن فيه ، لتنبيه الغافلين.

فنقول : إنّ الوضع لا يثبت إلّا بالنقل عن الواضع لبطلان مذهب عبّاد بن سليمان الصيمري وأصحاب التكسير (١) من أنّ دلالة اللّفظ على المعنى إنّما نشأت من مناسبة ذاتيّة وإلّا لتساوت المعاني بالنّسبة الى اللّفظ فإمّا أن يكون هناك تخصيص وترجيح في الدّلالة على المعنى أو لا. فعلى الثاني يلزم التخصّص من غير مخصّص ، وعلى الأوّل التخصيص بلا مخصّص وهما محالان.

والجواب : امّا بأنّ المرجّح هو الإرادة إمّا من الله تعالى (٢) لو كان هو الواضع كخلق الحوادث في أوقاتها أو من الخلق (٣) لو كان هو الواضع كتخصيص الأعلام

__________________

(١) في «الفصول» ص ٢٣ سليمان بن عبّاد الصيمري وليس كما في المتن ، نعم في «المحصول للرّازي» ج ١ ص ١٨١ و «أوائل المقالات» للشيخ المفيد و «تمهيد القواعد» للشهيد : عباد بن سليمان كما في المتن. هذا وانّ التكسير أي تكسير الحروف بنفسها أو بأعدادها ، وقد يفرّق بين علم التكسير وعلم الأعداد واذا افترقا اجتمعا واذا اجتمعا افترقا.

(٢) اشارة الى ما ذهب اليه أبو الحسن الأشعري من أنّ اللّغات كلها توقيفيّة وضعها الله تعالى ووقفنا عليه بالوحي الى الأنبياء عليهم‌السلام أو بخلق أصوات تدلّ عليه ، وأسمعها واحدا أو جماعة أو بخلق علم ضروريّ بهما في واحد أو جماعة.

(٣) إشارة الى ما ذهب إليه جماعة من أنّها اصطلاحية يعني واضعها البشر واحدا أو ـ

٤٣٩

بالأشخاص أو بمنع انحصار المرجّح فيما ذكروه لم لا يكون شيء آخر مثل سبق المعنى الى الذّهن من بين المعاني في غيره تعالى ، ومصلحة اخرى فيه تعالى مع أنّه يدفعه الوضع للنقيضين والضدّين (١) ، واقتضاء اللّفظ بالذّات لذلك في وقت دون وقت أو شخص دون شخص ممّا لا معنى له ، لأنّ الذّاتي لا يتخلّف ، ولذلك وجّه السّكاكي هذا المذهب وأوّله بأنّ مراده انّ الواضع لم يهمل المناسبة بين اللّفظ والمعنى كما هو مذهب أهل الاشتقاق. فذكروا انّ الفصم ـ بالفاء ـ لكسر الشيء مع عدم الإبانة ، والقصم ـ بالقاف ـ له مع الإبانة ، للفرق بين الفاء والقاف في الشدّة والرّخاء كالقسمين من الكسر. فثبت انّ طريق ثبوت الوضع هو النقل لعدم إمكان حصول العلم به من جهة اخرى.

والمرجّحات العقليّة والمناسبات الذوقية ممّا لم يثبت جواز الاستناد إليها في إثبات الأشياء التوظيفيّة التوقيفيّة كالأحكام الشرعيّة الفرعيّة ، ولذلك لا يجوز إثباته بالقياس أيضا كما جوّزه قوم من العامّة فيما لو دار التّسمية بالاسم مع معنى في المسمّى وجودا وعدما ، كالخمر فإنّها دائرة مع تخمير العقل وجودا وعدما ، فقبله عصير وبعده خلّ والدوران يفيد العليّة ، فكأنّ الواضع قال سمّيت هذا خمرا

__________________

ـ جماعة ثم حصل التعريف باعتبار الإشارة والتكرار والترديد بالقرائن كما أنّ الاطفال يتعلّمون اللّغات. وهاهنا قولان آخران أيضا أحدهما : انّ القدر المحتاج إليه في معرفة الاصطلاح توقفي والباقي اصطلاحي ، وثانيهما : التوقف. وأدلّة الأقوال في كتب القوم في المبادئ اللّغوية فمن شاء الاطّلاع فليعد إليها.

(١) ومما وضع للنقيضين هو (القرء) فإنّه موضوع بوضع متعدّد للطهر والحيض وكل منهما نقيض الآخر ، إذ الحيض عبارة عن عدم الطّهر الذي هو نقيض الطّهر ، وكذا الطّهر عبارة عن عدم الحيض الذي هو نقيض الحيض. ومما وضع للضدين هو (الجون) فإنّه أيضا موضوع بوضع متعدّد للسّواد والبياض واحدهما ضد الآخر لكونهما وجوديين.

٤٤٠