القوانين المحكمة في الأصول - ج ١

الميرزا أبو القاسم القمّي

القوانين المحكمة في الأصول - ج ١

المؤلف:

الميرزا أبو القاسم القمّي


المحقق: رضا حسين صبح
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المرتضى
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٦

اختصاصه بحالة الإمكان ، ومع وجود الصّارف عن فعل المأمور به لا يمكن التوصّل إليه بترك الضّد.

وفيه : ما لا يخفى ، إذ اختيار الصّارف بالاختيار لا ينفي إمكان تركه ، واختيار الفعل والتوصّل إليه بالمقدّمة كما في تكليف الكافر بالعبادة ، فكما انّه مكلّف بأصل الواجب مكلّف بإتيان ما يتوصّل إليه على القول بوجوب المقدّمة ، وقد مر في المقدّمة الثانية ما ينفعك هنا.

وقد أجيب أيضا : بأنّ دليل القول بوجوب المقدّمة لو سلّم فإنّما يسلّم في حال إرادة الفعل ، وإذا كان له صارف فلا يريد الفعل فلا يلزم تكليف ما لا يطاق أو خروج الواجب عن الوجوب.

وفيه : أنّه يدلّ على الوجوب في حال إمكان الإرادة ولا يشترط فعليّتها.

نعم وجودها لا بدّ أن يكون في حال الإرادة فهو غير محل النزاع.

ويظهر ما ذكرنا ايضا من التأمّل في المقدّمة الثانية (١).

الثاني : أنّ فعل الضدّ مستلزم لترك المأمور به المحرّم ، والمستلزم للمحرّم محرّم (٢).

وقد أجيب (٣) : بأنّ الاستلزام إن أريد به محض المقارنة في الوجود وعدم الانفكاك في الوجود الخارجي فنمنع الكبرى ، وإلّا لثبت قول الكعبي بانتفاء المباح.

__________________

(١) حيث ذكر في أواخرها أنّ المقدمة ما لو فعل الواجب كان موقوفا عليه ، وعدم وجود الواجب وعدم التأثير في الوجود في الخارج وفي نظر المكلّف لا يضرّ.

(٢) نقله في «المعالم» : ص ١٨٩.

(٣) وهذا الجواب لصاحب «المعالم» فيه ص ١٩٠ ـ ١٩١ ولكن مع تصرّف وتلخيص في العبارة من المصنّف.

٢٤١

وإن أريد به كونه من جملة مقدّماته وإن لم يكن سببا وعلّة.

ففيه : أيضا منع الكبرى ، بل الصغرى أيضا.

وإن أريد عليّة فعل الضّدّ لترك المأمور به أو كونهما معا معلولين لعلّة ثالثة ، فهو وإن كان يستلزم ذلك لاستبعاد حرمة المعلول من دون العلّة كوجود المسبّب من دون السّبب (١) ، ولأنّ انتفاء التحريم في أحد المعلولين يستدعي انتفائه في العلّة فيختصّ المعلول الآخر الذي هو المحرّم بالتحريم من دون علّته ، ولكنّهما ممنوعان فيما نحن فيه ، إذا العلّة في ترك المأمور به إنّما هو الصّارف وهو عدم الإرادة فهو المانع أبدا ، سيّما بملاحظة أنّه مقدّم على فعل الضّدّ طبعا ، إلّا أن يجبر على فعل الضّدّ وكان الصارف منتفيا وهو خارج عن محلّ النزاع لسقوط التكليف حينئذ. فليس فعل الضدّ علّة ولا هو مع ترك المأمور به معلولا لعلّة ثالثة ، إذ ما يتصوّر كونه علّة لهما هو الصّارف عن المأمور به وهو ليس علّة لفعل الضدّ ، بل قد يكون من مقدّماته.

أقول : الظاهر أنّ مراد المجيب من العلّة هو السّبب ، والتحقيق أنّ ما ذكره ايضا لا يستلزم التحريم لو ثبت فكيف ولم يثبت. فإنك قد عرفت أن وجوب المسبّب لا يدلّ على وجوب السّبب ومثله الكلام في علّة الحرام ، بل الظّاهر أنّه كذلك لو أراد من العلّة ، العلّة التامّة أيضا. وكذلك إذا كانا معلولين لعلّة واحدة ، إذ انتفاء التحريم في معلول إنّما يقتضي عدم تحريم علّته من حيث إنها علّته ، فلا يلزم عدم تحريمها مطلقا فيكون حراما بالنسبة الى المعلول الآخر.

__________________

(١) إنّ هذا وما قبله من الترديد الثاني مبني على مختار المجيب من تخصيص الوجوب والحرمة بالمقدمات السببيّة دون غيرها.

٢٤٢

وبالجملة ، لا دليل على كون علّة الحرام حراما ، فإنّ ذلك إمّا من جهة كونها مقدّمة للحرام ، فيدلّ على حرمتها النّهي عن ترك الواجب.

وفيه : أنّ توقّف تحقيق ترك الواجب عليها ممنوع أوّلا.

سلّمنا ؛ لكن الخطاب تبعي توصّلي عقلي ، وقد تقدّم أنّه لا يثبت التحريم المقصود ، نظير وجوب المقدّمة.

وإمّا من جهة استفادة ذلك من سائر أحكام الشرع وتتبّع مواردها.

وفيه : أنا لم نقف على ما يفيد ذلك ، بل المستفاد من تتبّعها خلافه ، ويرشدك الى ذلك ملاحظة فتوى الفقهاء بكراهة صنائع تنجرّ الى الحرام (١).

وإما من جهة حكم العقل صريحا وهو أيضا ممنوع ، لأنّ العقل لا يستحيل كون الشيء حراما من دون علّته ، بل لا يستبعد ، فلا مانع من الحكم بحرمة الزّنا مع حليّة أكل الطّعام الذي يوجب القوّة عليه إلّا من باب التكليف التبعي.

الثالث : لو لم يحرم الضّد وتلبّس به كالصلاة بالنسبة الى إزالة النّجاسة مثلا ، فإن بقي الخطاب بالإزالة لزم التكليف بالمحال ، وإلّا خرج الواجب المضيّق عن وجوبه

. وقد أجيب : بأنّ الأوامر الدالة على وجوب الإزالة ونحوها فورا مخصوصة بما لم يكن المكلّف متلبّسا بواجب.

والأولى في الجواب اختيار الشّق الأوّل ، وتسليم جواز هذا التكليف لكون المكلّف هو الباعث عليه فيعاقب على ترك الإزالة ويحكم بصحّة الصلاة ولا منافاة.

__________________

(١) كالتصريف الذي يمكن أن لا يسلم صاحبه من الربا.

٢٤٣

تنبيهان

الأوّل :

أنّ بعض المحقّقين (١) ذكر أدلّة المثبتين والنافين وضعّفهما ، ثم قال : ولو أبدل النّهي عن الضدّ الخاص بعدم الأمر به فيبطل لكان أقرب.

وحاصله ، أنّ الأمر بالشيء وإن لم يقتض النّهي عن ضدّه لكن يقتضي عدم الأمر بالضدّ اقتضاء عقليّا لامتناع الأمر بالمتضادين في وقت واحد ، فإذا لم يكن الضدّ مأمورا به فيبطل لأنّ الصحّة إنّما هو مقتضى الأمر وبدونه يبطل ، فإنّ الأصل عدم الصّحة.

وفيه : أوّلا : أنّ ذلك على تسليم صحّته إنّما يتمّ في العبادات ، وأمّا في المعاملات فلا يتم مطلقا (٢).

وثانيا : منع اقتضائه عدم الأمر مطلقا إذ الذي يقتضيه الأمر بالشيء عدم الأمر بالضدّ إذا كان مضيّقا ، وأمّا إذا كان موسّعا كما هو المفروض فلا ، ولا استحالة في اجتماع الأمر المضيّق والأمر الموسّع ، فإنّ معنى الموسّع إنّه يجب أن يفعل في مجموع ذلك الوقت ، بحيث لو فعل في أيّ جزء منه امتثل ولم يتعيّن عليه الإتيان

__________________

(١) هو الشيخ البهائي في «زبدته» : ص ١١٨ وتبعه السيّد في «الرياض» على ما حكي عنه.

(٢) أي في جميع الصّور ، بل يتمّ في بعضها كالّذي ورد فيه أمر من الشارع نحو : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ). ولا يتمّ في بعض الآخر الذي لم يرد فيه أمر من الشارع نحو : البيّعان بالخيار ما لم يفترقا. ويحتمل أن يكون معناه لا يتمّ في المعاملات بأنّ النهي في المعاملات يوجب الفساد.

٢٤٤

في آن معيّن من أناته.

وهذا نظير ما سيجيء تحقيقه من جواز اجتماع الأمر والنّهي في الشيء الواحد مع تعدّد الجهة ، فإنّ ذلك من سوء اختيار المكلّف كما إذا اختار المكلّف إيقاع مطلق الصلاة في خصوص الدّار الغصبي.

الثاني :

أنّ النزاع في أن النّهي عن الشيء هل هو أمر بضدّه أم لا بعينه ، هو النزاع في الأمر في إدّعاء العينيّة والاستلزام ، ويمكن استنباط الأدلّة بملاحظة ما سبق.

والحق عدم الاقتضاء ، ولو دلّ لدلّ على الأمر بضدها ، بخلاف الأمر فإنّه يقتضي النّهي عن جميع الأضداد ، والأمر الندبي أيضا فيه قولان.

وقد يقال : لو دلّ على النّهي عن الضدّ تنزيها لصار جميع المباحات مكروهة ، لاستحباب استغراق الوقت بالمندوبات فتأمّل (١).

والحق عدم الدّلالة فيه أيضا.

ويظهر من ذلك الكلام في المكروه وضدّه أيضا.

__________________

(١) اشارة الى ضعف هذا الاستدلال لعدم تسليم استحباب استغراق الوقت بالمندوبات لظهور عدم جريان عادة الشارع بأمر المكلّفين ندبا ، بأن يستغرقوا جميع أوقاتهم بالمندوبات لعدم الامكان عادة للمكلّفين صرف جميع أوقاتهم بأداء المستحبات ، ألا ترى أنّ المقرّبين مع شدة اهتمامهم بشأن المستحبات لم يصرفوا جميع أوقاتهم بالمندوبات ، والأمر بالنسبة الى الأبرار بطريق الأولى.

٢٤٥

قانون

لا خلاف (١) في ورود الأمر بواحد من أمرين أو أمور على سبيل التخيير ظاهرا (٢).

، فذهب أصحابنا وجمهور المعتزلة (٣) الى أنّه كل واحد منها على البدل ، فلا يجب الجميع ولا يجوز الإخلال بالجميع وأيّها فعل كان واجبا في نفسه ، لا أن يكون بدلا عمّا هو واجب.

وذهب الأشاعرة الى انّه أحد الأبدال لا بعينه (٤).

__________________

(١) بل وعليه الاجماع كما عن صريح «المنية» وظاهر «التهذيب» : ص ١٠٥ حيث نفى الرّيب عنه ، و «الزبدة» : ص ٧١ في طيّ الاستدلال.

(٢) قال في الحاشية : الظاهر أنّ كلمة ظاهرا قيد لقوله : لا خلاف ، ويمكن أن يكون قيدا للتخيير أو الورود ، ولكن حكي عن المصنف في «الدرس» أنّه قال : هو قيد للتخيير لا لغيره.

(٣) قيل هم أصحاب واصل بن عطاء اعتزل عن مجلس الحسن البصري وذلك أنّه دخل رجل على الحسن البصري فقال : ما تقول في جماعة يكفّرون صاحب الكبيرة وفي جماعة أخرى يقولون لا يضرّ مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة.

فتفكّر الحسن وأجاب الواصل بن عطا قبل جوابه قال : أنا أقول انّ صاحب الكبيرة لا مؤمن مطلق ولا كافر مطلق ، فاثبت له منزلة بين المرتبتين وشرع على تقرير هذه الواسطة. فأمر الحسن البصري بإخراجه. فقال : اعتزل عنّا. ولذا سمي هو وأصحابه معتزلة. هذا وأنّهم يسندون أفعال العباد الى اختيار قدرتهم.

(٤) والمراد بأحد الأبدال لا بعينه هو مفهوم الأحد لا مصداقه وإلّا يرجع الى إيجاب هذا أو هذا وهو بعينه ايجاب كل واحد على البدل ، فيكون راجعا الى قول المعتزلة ، وهكذا ـ

٢٤٦

وهناك أقوال أخر شاذة.

فمنها : أنّه هو الجميع ويسقط بفعل البعض.

ومنها : أنّه معيّن عند الله ولكن يسقط به وبالآخر ، وهما أيضا للمعتزلة.

ومنها : ما تبرأ كل من الفريقين منه ونسبه الى الآخر ، وهو انّ ما يفعله المكلّف ويختاره فهو الواجب عند الله ، فيختلف باختلاف المكلّفين.

وكلّها باطلة مخالفة للإجماع والاعتبار (١). فأجود الأقوال (٢) القولان الأوّلان (٣).

ولكنّ الاشكال (٤) في تحقق معنى التخيير على مذهب الأشاعرة من جهة انّ الكلّي لا تعدّد فيه ، ولا تخيير فيه وإلّا لزم التخيير بين فعل الواجب وعدمه.

ويندفع : بأن المراد المخيّر (٥) ، في أفراده فالوصف بحال المتعلّق [التعلّق] ،

__________________

ـ يكون النزاع بينهما لفظيا. وهذا القول ذكره الشيخ في «العدة» راجع هناك ص ٢٢٠ ، ونسب على ما نقل الى العلّامة في بعض كتبه ، راجع «نهاية الوصول» : ص ١٣٦ ، و «مبادي الوصول» : ص ١٠٢ ، فلا وجه الى القول باختصاصه بالأشاعرة. واعلم أنّ الاشاعرة منسوبون الى أبي الحسن الأشعري ، ونسبه يرجع الى جدّه أبو موسى الأشعري. واعلم إنّهم يقولون بأنّ أفعال العباد مخلوق الله تعالى.

(١) أي الدليل العقلي.

(٢) وصفه بالأجود ليس بمعنى التفضيل ، وإلّا لزم أن يكون كل واحد من الأقوال السابقة جيدا مع أنّه قد حكم سابقا ببطلان جميعها ، ويمكن كان الأجود له أن يقول فصيح الأقوال.

(٣) والقولان هما قول جمهور المعتزلة وجمهور الأشاعرة.

(٤) هذا الاشكال من الكاظمي في شرح «الزبدة».

(٥) أي عدم وجود معنى التخيير فيه مندفع بوجود معناه فيه بهذا المعنى.

٢٤٧

ويشكل هذا بالواجبات العينيّة ، فإنّها أيضا كلّيات مخيّر في أفرادها.

ويمكن دفعه : بأنّ الكلي في المخيّر جعلي منتزع من الأفراد تابع لها في الوجود كأحد الأبدال ، بخلافه في العينيات ، فإنّه متأصّل وعلّة للأفراد سابق عليها طبعا.

وقد يجتمع الاعتباران كالكفّارة بالنسبة الى الخصال ، فالخطاب بالكفّارة عينيّ يستتبع التخيير في أفرادها ، والخطاب بإحدى الخصال تخييريّ.

ويبقى الكلام في ثمرة النزاع بين الفريقين ، فربّما قيل : إنّ النزاع لفظيّ (١) وليس كذلك ، ولكنّه قليل الفائدة (٢) في الفقه.

وممّا يمكن أن يكون ثمرة النزاع أنّه إذا نذر أن يأتي بثلاث واجبات شرعيّة تعلّق الوجوب من الشّارع بها بنفسها ، فيبرّ نذره بالإتيان بخصال الكفّارة الثلاث مطلقا على الأوّل ، بخلاف مذهب الأشاعرة ، فإنّ الخطاب لم يتعلّق بالخصال ، بل بالمفهوم الكلّي المنتزع منها.

وأمّا الدّليل على المذهبين ، فالأوّلون (٣) يتمسّكون بالتبادر من قوله تعالى : (فَكَفَّارَتُهُ)(إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(٤). فإنّ الظّاهر منه إيجاب الإطعام والكسوة والتحرير على سبيل

__________________

(١) نسب هذا القول الى العلّامة راجع «نهاية الوصول» : ص ١٣٦ ، و «المعالم» : ص ٢٠١ وفخر الرّازي ، وهذا ناشئ من إرادة المصداق من الأحد في قوله : أحد الأبدال لا بعينه ، كما أشرنا إليه سابقا.

(٢) كما صرّح به جماعة منهم صاحبي «المعارج» : ص ٧٢ ، و «المعالم» : ص ٢٠٢ الّذي استحسن قوله المحقق.

(٣) أي من أصحابنا وجمهور المعتزلة.

(٤) المائدة : ٨٩.

٢٤٨

البدليّة. والأشاعرة يقولون : كلمة (أو) لأحد الشيئين أو الأشياء مبهما ، وإذا جاز تعلّق الأمر بواحد مبهم كما هو محقّق ومستقيم ، والنصّ (١) دلّ بظاهره عليه ، يجب العمل بمقتضى ظاهره ، ولكلّ وجه.

ولمّا كان أصل هذا المبحث قليل الفائدة ، فلنقتصر على ذلك ولا نطيل الكلام بالكلام في سائر الأقوال وعليها ، وقد أطلنا الكلام في تعليقاتنا على «التّهذيب».

فائدة

قد عرفت أنّ المكلّف بالواجبات العينيّة أيضا مخيّر في إتيانها في ضمن أيّ فرد شاء ، وهذا التخيير عقليّ.

فاعلم أنّ الأفراد قد يكون بعضها أزيد من بعض ، فالامتثال بالأمر بالتصدّق يمكن بدرهم وبدينار ، وبمطلق الذّكر في الركعتين الأخيرتين على القول به يحصل بتسبيحة وبأكثر ، وهكذا.

وكذا الواجبات التخييريّة فقد تكون متّفقات في الحقيقة مختلفات في الزّيادة والنقصان ، كالقصر والإتمام في المواطن الأربعة ، والأربعين والخمسين في بعض منزوحات البئر ، والستّة والخمسة في ضرب التأديب.

واختلفوا في اتّصاف الزّائد بالوجوب على أقوال (٢) :

أظهرها ثالثها ، وهو : أنّه إن كان حصوله تدريجيّا ، بحيث يوجد الناقص قبل

__________________

(١) الآية المذكورة. واعلم انّ كلمة (فَكَفَّارَتُهُ) أي كفارة اليمين كما يدلّ عليه آخر الآية وهو قوله تعالى : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ).

(٢) أي على أقوال ثلاثة ، القول بوجوب الزّائد مطلقا واستحباب الزّائد مطلقا وثالثها التفصيل بين التدريجي الحصول وغيره.

٢٤٩

القدر الزّائد ، كما في التّسبيحة في الأوّل ، والأربعين في الثاني ، فالمتّصف بالوجوب هو الأوّل لا غير لحصول الطبيعة في الأوّل ، وبه يحصل الامتثال ، وحصول أحد الأفراد في الثاني ، وإن لم يكن ذلك فواجب كلّه ، لكونه فردا من الواجب.

نعم اختياره (١) مستحبّ ، لكونه أكمل الأفراد ، فيكون ثوابه أزيد. وهذا هو دليل من أطلق الوجوب ، وغفل عن صورة التدريج.

وأمّا القائل باستحباب الزّائد ، فيستدلّ بأنّه : يجوز تركه (٢) لا إلى بدل ، فلا يجب(٣).

وفيه : أنّ الأقلّ بدل عن المجموع (٤) ، وعلى ما ذكره (٥) يلزم تكرار المسح ، فيمن يمسح بثلاث أصابع ، إذا قصد كون الاثنين مستحبّا ، والواحد واجبا.

وعلى ما ذكرنا فالواجب واحد وهو أكمل أفراده ، ويمكن جعل التمام ماهيّة مخالفة للقصر ، فلا يكون تخييرا بين مجرّد الزّائد والناقص ، ولذلك لا يجوز الاكتفاء بالرّكعتين إذا نوى التمام أوّلا ، فتدبّر في الأمثلة والأمكنة ، فلا تغفل.

__________________

(١) اختيار الزّائد.

(٢) يجوز تركه أي الزائد.

(٣) وفي «العدة» : ١ / ٢٢٤ ومن الناس من قال : إنّه يستحق الثواب على الأشقّ ثواب الواجب والعقاب على الأخف.

(٤) يعني كون القصر مثلا بدلا عن الأربع ، فالركعتان تبرئان ذمّة المكلّف كما تبرأ الأربع ، فلا تكون ترك الأخيرتين بلا بدل لأنّ الركعتين في القصر كما أنّهما بدلان عن الأوليين في الأربع كذلك بدلان عن الأخيرتين فيها.

(٥) هذا جواب آخر نقضي على مطلق الاستحباب.

٢٥٠

قانون

لا خلاف في جواز الأمر بالشيء في وقت يساويه ، كصوم رمضان ، كما لا إشكال في عدم جواز الأمر بشيء في وقت ينقص عنه للزوم المحال ، وإطلاق الأداء على مجموع الصلاة المدرك ركعة منها في الوقت اصطلاح ، أو من جعل الشارع ؛ للنصّ الصحيح المستفيض بأنّ : «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» (١) ، فيكون ذلك شرعا بمنزلة إدراك الوقت أجمع. ويتفرّع عليه كونه مؤدّيا للجميع ، ويضعّف كونه قاضيا مطلقا (٢) أو لما وقع في خارج الوقت (٣) كما صرّح به في «تمهيد القواعد» (٤).

واختلفوا في جواز الأمر بشيء في وقت يزيد عليه ، ويطلق عليه الواجب الموسّع.

والحقّ ، وقوعه وفاقا لأكثر المحقّقين ؛ لإمكانه عقلا ووقوعه شرعا.

أمّا جوازه عقلا ؛ فلأنّه لا مانع منه إلّا ما تخيّله [يختلّه] الخصم ، من لزوم ترك الواجب ، وهو باطل جزما ، لأنّه يلزم لو ترك في جميع الوقت ، فكما أنّه يجوز تخيير الشارع بين أفراد مختلفة الحقائق ، فيجوز تخييره بين أفراد متّفقة الحقائق

__________________

(١) «المعتبر» : ٢ / ٤٧ ، «منتهى المطلب» : ٤ / ١٠٩ ، «مسالك الافهام» : ١ / ١٤٦.

(٢) أي كون المكلّف قاضيا في الصّورة المذكورة في جميع الرّكعات حتى في الركعة المدركة في الوقت ، أعني الركعة الأولى بملاحظة أنّها قد تأخرت عن وقتها وصارت في وقت الركعة الرابعة مثلا ، وكذا البواقي ونسب هذا القول الى السيد المرتضى. راجع «الذريعة» : ١ / ١٤٧.

(٣) بأن يقصد الأداء في الرّكعة الأولى المدركة في الوقت والقضاء في الركعات الباقية.

وقد ظهر لك في المقام ثلاثة أقوال الأداء مطلقا والقضاء مطلقا والتفصيل.

(٤) في القاعدة ١٦ ص ٧٠.

٢٥١

متمايزة بخصوصيات أجزاء الوقت.

ونظير ذلك التوسعة في المكان كوقوف عرفات وغيرها (١).

وأمّا وقوعه (٢) فللأمر بصلاة الظهر ، وصلاة الزّلزلة وغيرهما ، فلمّا كان تطبيق أوّل جزء من الفعل بأوّل جزء من الوقت ، وآخره بآخره غير مراد إجماعا ، وغير ممكن عادة في الأغلب ، وكذا تكريره الى انقضاء الوقت ولا مرجّح لأحد من الأجزاء على الآخر ، فينبغي أن يراد ما ذكرنا جوازه عقلا هو التخيير بين الإيقاعات الممكنة في أجزاء ذلك الوقت.

والخصم لمّا أحال التوسيع للزوم خروج الواجب عن الوجوب ، فيلزمه التجشّم في تأويل أمثال هذه الأوامر. فافترقوا على مذاهب : فذهب بعض الشافعيّة الى اختصاص الفعل بأوّل الوقت (٣) ، ونقل ذلك عن ظاهر المفيد (٤) وابن أبي عقيل (٥) ، بل نقل عنهما العقاب على التأخير وصيرورته قضاء (٦).

__________________

(١) وغير عرفات كوقوف المشعر وكالصلاة بالنسبة الى أمكنتها بالقياس الى المسجد والبيت والصحراء والحمّام وغير ذلك.

(٢) أي وقوعه شرعا.

(٣) وحكي أيضا عن جماعة من الأشاعرة وبعض الحنفيّة كما في «هداية المسترشدين» : ٢ / ٣٣٠.

(٤) على ما ذكره العلّامة كما في «المعالم» : ص ٢٠٢.

(٥) وهو أحد القدماء وثانيهما ابن جنيد الاسكافي.

(٦) قال ابن إدريس في «السرائر» وابن الجنيد كما عنه في «المعتبر» : ٢ / ٢٦ : الأوّل وقت الفضيلة والثاني وقت الإجزاء ، وهو الحقّ كما في قول العلّامة في «المختلف» : ٢ / ٤ وصيرورة الفعل قضاء بالتأخير قد حكاه العلّامة في «النهاية» صريحا عن القائل بهذا القول كما ذكر المحقّق الاصفهاني في «هدايته» : ٢ / ٣٣٠ وقال الشيخ كما في –

٢٥٢

والظاهر أنّ مرادهم بالعقاب هو إذا تركه رأسا ، لا بمعنى كون العقاب على الترك في الجميع ، لكي يرتفع النزاع ، بل بمعنى العقاب على الترك في الأوّل ، ولكنّهم يقولون بالعفو حتما بعد فعله ثانيا ، ولا كذلك المضيّقات ، فإنّه لا عفو حتميّا فيها ، فالتوسعة في وقت العفو.

احتجّوا (١) : بأنّه لو لم يكن الوقت هو الأوّل ، للزم كونه قبل الوقت ، وهو باطل ، كما في الصلاة قبل الزّوال.

وفيه : أنّه إنّما يتمّ في مقابل من خصّه بالآخر مع انّ بطلان التالي على قوله أيضا ممنوع للنقض بتقديم الزّكاة نفلا وتقديم غسل الجمعة يوم الخميس.

وأمّا نحن ففي فسحة (٢) عن ذلك وغيره (٣).

__________________

ـ «المختلف» : ٢ / ٤٣ : الصلاة تجب بأوّل الوقت وجوبا موسّعا ، والأفضل تقديمها في أوّل الوقت. قال : ومن أصحابنا من قال : يجب بأوّل الوقت مضيّقا إلّا أنّه متى لم يفعله لم يؤخذ به عفوا من الله تعالى والأوّل أبين في المذهب ـ والمفيد رحمه‌الله ـ يذهب إلى أنّه إن أخّرها ثمّ اخترم في الوقت قبل أن يؤديها كان مضيّقا لها ، وإن بقي حتّى يؤدّيها في آخر الوقت أو فيما بين الأوّل والآخر عفي عن ذنبه وهو يشعر بالتضييق كما في «المقنعة» : ص ٩٤. وقال ابن عقيل كما في «المعتبر» ٢ / ٢٩ : إن أخّر الصحيح السليم ـ الّذي لا علّة به من مرض ولا غيره ولا هو مصلّ سنّة ـ صلاته عامدا من غير عذر إلى آخر الوقت فقد ضيّع صلاته وبطل عمله ، وكان عندهم إذا صلّاها في آخر وقتها قاضيا لا مؤدّيا للفرض في وقته.

(١) ونقل مضمونه في «المعالم» : ص ٢٠٥.

(٢) أي لا يحتاج الى الجواب عن بطلان التالي. وفسحة بضم الفاء بمعنى السعة كما في «القاموس».

(٣) قال في الحاشية : المراد من غيره مثل اشكال من خصه بالآخر مثلا ، لأن نعمم الوقت ـ

٢٥٣

وبعض الحنفيّة الى اختصاصه بالآخر ، محتجّا بلزوم المعصية في التأخير لولاه ، وهو منفي (١) بالإجماع.

وفيه : أنّ الإجماع ممنوع لو أريد أصل المعصية ، ومع حصول العفو فلا يضرّ.

كما ورد أنّ : «أوّل الوقت رضوان الله وآخره عفو الله» (٢) ، فحصل الفارق (٣).

__________________

ـ الى الأوّل والآخر والوسط جميعا. فلا يرد علينا الاشكال الوارد على القول بالتخصيص مطلقا. فإنّ عالم الاطلاق والعموم أعلى من عالم التقييد والتخصيص لأنّ الماهية لا بشرط تجمع مع ألف شرط ، بخلاف الماهية بالشرط فيناقض الشرط الآخر البتة ، وما نحن فيه نظير ذلك قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) أي والحال انّك كنت في مقام عال شامخ فارغ خال عن قيد الكتاب والايمان لا إنّك كنت فيما دون ذلك العالم مع عدم العلم بالكتاب او الايمان فتأمل.

(١) أي لزوم المعصية.

(٢) محمّد بن عليّ بن الحسين قال : قال الصادق عليه‌السلام : «أوّله رضوان الله وآخره عفو الله والعفو لا يكون إلّا عن ذنب». «الوسائل» الباب ٣ استحباب الصلاة في أوّل الوقت ح ١٦.

(٣) قال في الحاشية : قد اختلفت الأنظار في فهم هذه العبارة فقيل : إنّه حصل الفارق بين الإجماعين المذكورين لكون الأوّل ممنوعا والآخر مسلّما غير مضرّ كما عرفت. وقيل : إنّه ظهر الفارق بالعفو وعدمه بين الموسّع إذا أخّر مع القول بأنّ أصل الوقت هو الأوّل ، وبين تأخير سائر الموقّتات المضيّقات عن أوقاتها. والفارق هو النص المذكور ، إذ العفو في الأوّل ثابت دون الثاني ، وقد أشار المصنف الى هذا التقرير سابقا بقوله : ولا كذلك المضيّقات .. الخ. وقيل : انّه حصل الفارق بين القول بالتوسعة على المشهور ، وقول من خصّ الوقت بالأوّل إذا اخّر الصلاة الى آخر الوقت ، والفارق هو ثبوت المعصية ثم العفو في الثاني وعدمه في الأوّل. وقيل : انّه حصل الفارق بين أوّل الوقت ـ

٢٥٤

وقيل : إنّه مراعى (١) ، فإن أدرك آخر الوقت ظهر كونه واجبا ، وإلّا فهو نفل ، ففعله في الأوّل نفل ، لكنّه قد يسقط الفرض.

ولعلّه أراد أنّ الوجوب مشروط بإدراك مجموع الوقت ، وهو في غاية الوهن بعد ما بيّنا(٢).

وقد ذكروا في تفسيره وجوابه وجوها ذكرناها في حواشي «التهذيب» (٣) لا فائدة في ذكرها.

وعلى ما اخترناه من كونه من باب التخيير في الإيقاعات ، فهل يجب في كلّ من التروك بدليّة العزم (٤) عليه ثانيا حتى يتضيّق الوقت فيتعيّن الواجب أو لا؟ قولان : أظهرهما العدم (٥) ، لعدم الدّليل ، وعدم دلالة الأمر عليه بأحد من

__________________

ـ وما بعده ، بكون الأوّل وقت الوجوب والثاني على تقدير الفعل فيه وقت العفو ، والفارق هو النص المذكور.

(١) نسب هذا القول الى الكعبي. وفي «المعارج» : ص ٧٤ وقال أبو الحسين : هو مراعى وفي «التهذيب» : ص ١٠٨ وبالمراعاة كمذهب الكرخي.

(٢) من قولنا : فلما كان تطبيق أوّل جزء من الفعل بأوّل جزء من الوقت وآخره بآخره إجماعا غير مراد وغير ممكن عادة في الأغلب ... الخ.

(٣) للمصنّف حواشي قيّمة على «تهذيب الاصول» للعلّامة.

(٤) قال به السيد في «الذريعة» : ١ / ١٤٣ واختاره الشيخ في «العدة» : ١ / ٢٢٧ ، وتبعهما السيّد أبو المكارم ابن زهرة والقاضي ابن البرّاج وجماعة من المعتزلة كما في «المعالم» : ص ٢٠٤ والمراد هو جعل العزم بدل الفعل في آن تركه.

(٥) وعلى ذلك المحقق في «المعارج» : ص ٧٥ ، والعلّامة في «التهذيب» : ص ١٠٨ والأكثرين ومنهم صاحب «المعالم» : فيه ص ٢٠٤ وذلك لأصل البراءة حيث لا دليل هنا رافع للأصل.

٢٥٥

الدّلالات ، وأمّا سائر الأدلّة فمدخولة (١) ، مثل أنّه لا بدّ من مساواة البدل والمبدل ، والفعل واحد والعزم متعدّد ، ومن لزوم تساويهما في الحكم ، والفعل مسقط للتكليف دون العزم.

وفيهما معا ، أنّ المبدل منه هو الإيقاعات إلى أن يتضيّق ، فيتعيّن. ومثل دعوى القطع بأنّ الامتثال بالفعل يحصل من غير جهة البدليّة.

وفيه : أنّ ثبوت البدليّة لا يقتضي قصد الفعل من جهتها.

وقد يجاب (٢) أيضا : بأنّ البدل هاهنا تابع مسبّب عن ترك مبدله ، كالتيمّم بدل الوضوء ، وكخصال الكفّارة على القول بالترتيب ، وكتحصيل الظّنّ بوقوع الكفائي عند تركه ، فإطلاق البدل عليه اصطلاح ، وجهة البدلية لا يعتبر في مثل ذلك.

احتجّوا (٣) : بأنّه لو جاز الترك بلا بدل ، لما فصل عن المندوب.

وفيه : أنّه لا كلام لنا في الفرد الأخير ، وأمّا في الباقي فالبدل محقّق ، وهو كلّ واحد من الجزئيّات المتمايزة بالوقت ، وبلزوم خلوّ الترك عن بدل فيما إذا مات فجأة ولا إثم لجواز التأخير.

وفيه : أنّ الواجب ما يستحقّ تاركه العقاب في الجملة ، ويصدق عليه (٤) أنّه لو

__________________

(١) أي معيوبة لأنّ الدّخل في اللّغة بمعنى العيب.

(٢) على هذه الدعوى ، علما انّه قد أورد أحد المحشين على هذا الجواب بأنّ التيمم بدل اضطراري بخلاف ما نحن فيه فتدبر.

(٣) القائلون بوجوب العزم بدلا عن الفعل ، بأنّه لا فرق بين الواجب والمندوب إلّا من جهة المندوب ، يجوز تركه بلا بدل ، بخلاف الواجب ، فلو كان صلاة الظهر جائز الترك بلا بدل أيضا لما فصّل عن المندوب.

(٤) اي على الواجب الموسّع.

٢٥٦

لم يفعله ولا سائر الأفراد مع ظنّ الموت أو مع فرض بقائه إلى آخر الوقت ، لاستحقّ العقاب.

وسيجيء أنّه يجوز التأخير مع ظنّ السّلامة ، فالموت فجأة مع عدم التقصير لا يخرجه عن الوجوب ، وبأنّه لولاه لزم تساويه في الوقت وقبله ، فيخرج عن الوجوب.

وفيه : أنّ تركه في الوقت ليس بدون البدل ، وهو الجزئي الآخر من جنسه بخلاف ما قبل الوقت.

وبأنّه : ثبت فيه حكم خصال الكفّارة لسقوط كلّ بفعل الآخر وحصول العصيان بتركهما.

وفيه : أنّ سقوط كلّ بفعل الآخر بمجرّده لا يستلزم الوجوب إن أريد مجرّد الرّخصة في الترك. وإن أريد حصول العصيان أيضا بتركهما ، فهو أوّل الكلام (١) ، فإنّ الكلام إنّما هو قبل تضييق الوقت ، مع أنّ كون الرخصة في الترك لأجل اختيار العزم لا الفرد الآخر ، أوّل الكلام. ومع تسليم وجوب العزم ، فقد يقال أنّه ليس من جهة أنّه بدل الفعل ، بل لأنّ غير الغافل يجب عليه العزم على الواجبات ، إجمالا أو تفصيلا حين استشعرها كذلك (٢) ، وهو من أحكام الإيمان ولوازم المؤمن ، ولا اختصاص له بالواجب الموسّع ولا بها بعد الوقت ، بل يجب ولو قبل عشرين سنة. فوجوب العزم ليس من جهة أنّه بدل الواجب ، ولكن لمّا كان العزم على الفعل بعد وقوعه ممتنعا ، فيتوهّم بعد الفعل أنّه كان أحد الواجبين التخييريّين وأسقطه الآخر ،

__________________

(١) أوّل الكلام خبر لأنّ في قوله : مع أنّ كون الرخصة.

(٢) أي إجمالا أو تفصيلا.

٢٥٧

مع أنّه قد يتأمّل في أصل وجوبه أيضا ، لأنّ غاية الأمر أنّه يجب على المؤمن أن لا يعزم على الترك حين الالتفات.

وأمّا وجوب العزم على الفعل ، ففيه إشكال (١) ، ولا تلازم بينهما كما توهّم لثبوت الواسطة. ويؤيّده ما قيل أنّه لو وجبا لعزم ، فيلزم انضمام بدل آخر في بعض الأحيان مثل العزم على صوم رمضان أو اختيار سفر مباح ولم يقل به أحد.

تتميم

التوسعة في الوقت إمّا محدود كالظهر ، أو غير محدود مثل : ما وقته العمر كالحجّ وصلاة الزّلزلة والنذر المطلق. ويتضيّق الأوّل بتضيّق وقته أو بظنّ الموت ، والثاني بظنّ الموت. ومثل ظنّ الموت الظنّ بعدم التمكّن ، فيعصي من ضاق عليه الوقت بالتأخير اتّفاقا ، لأنّ اليقين بالبراءة لا يحصل إلّا بذلك ، وتحصيله واجب عند اشتغال الذمّة يقينا. والمراد اليقين في موافقة الأمر والإطاعة ، لا إنّ براءة الذمّة لا يحصل بالإتيان فيما بعد لو ظهر بطلان الظنّ ، فافهم ذلك.

ثمّ لو ظهر بطلان الظّنّ ، فالظاهر بقاء المعصية ، لأنّه مكلّف بالعمل بالظنّ وقد خالفه ؛ فصار عاصيا ، كما لو وطء امرأته بمظنّة الأجنبيّة ، وشرب خلّا بمظنّة الخمر ونحو ذلك ، فلا ريب في العصيان ، إنّما الإشكال في أنّه قضاء أو أداء.

الأشهر الأقوى الثاني ، لأنّه وقع في وقته.

__________________

(١) وجه الاشكال على ما قيل : إنّ معنى العزم على الفعل هو قصد الاتيان به ، فإن أريد به القصد المقارن له أعني النسبة فوجوبه وإن كان مسلّما ولكنّه غير محلّ النزاع ، وإن أريد به القصد الغير المقارن فلا نسلّم وجوبه لعدم الدليل عليه.

٢٥٨

وقيل : إنّه قضاء (١) لوقوعه بعد الوقت بحسب ظنّه ، وضعفه ظاهر.

وأمّا ظانّ السّلامة الذي فاجأه الموت ، فلا عصيان عليه بالتأخير.

وقيل : بالعصيان فيما وقته العمر (٢) للزوم خروجه عن الوجوب لولاه ، بخلاف الموقّت ، فإنّه يجوز التأخير فيه إلى تضيّق الوقت وتعيّن الوجوب ، وهو تحكّم بحت ، لأنّ ذلك يرد في المحدود لو ظنّ السّلامة الى آخر الوقت ، مع أنّ غير المحدود أيضا يتضيّق وقته ، ويتعيّن عند ظنّ الموت.

تنبيه

فى التخيير في اللوازم وممّا يتفرّع على توسيع الوقت والتخيير فيه ، التخيير في لوازمه ، بدلالة الإشارة ، فلا يمكن التمسّك باستصحاب ما يلزم المكلّف في أوّل الوقت في جزء آخر ، فالمكلّف في أوّل الظهر إنّما هو مكلّف بمطلق صلاة الظهر ، فعلى القول باعتبار حال الوجوب في مسألة القصر في السّفر ، لا يمكن التمسّك باستصحاب وجوب التمام أوّل الوقت ، لأنّ المكلّف مخيّر في أوّل الوقت بأداء مطلق الظّهر في أيّ جزء من الأجزاء.

__________________

(١) وهو لأبي بكر الباقلاني من العامة راجع «المستصفى» : ١ / ٩٤ وهذا القول غير مرضي عنده ، ودليله (الباقلاني) تعيين الوقت بحسب ظنّ المكلّف وإذا أتى به بعد الوقت فهو اتيان في خارجه. وجوابه : انّ هذا مشروط باستمراره ومع ظهور الفساد لا عبرة به. هذا كما في الحاشية. وذكر قول للحاجبي بأنّه لا ينوي القضاء البتة وانّما الكلام في مجرّد التسمية ، وهذا قول منه بأنّه أداء ولا وجه للنزاع في التسمية حينئذ كما لا ثمرة له.

(٢) والقائل لهذا القول هو ابن الحاجب وكذا العضدي.

٢٥٩

ويمكن المخالفة في الأجزاء في نفس الأمر بالقصر والإتمام ، والصّلاة بالتيمّم والغسل والوضوء وصلاة الخوف وصلاة المريض وغير ذلك ، فتخيير المكلّف بإيقاعها في هذه الأجزاء تخيير في لوازمها ، فافهم ذلك واضبطه.

وإن شئت تقريرا أوضح فاعتبر الإشارة من ملاحظة ما دلّ على توسيع الظهر مع ما دلّ على إباحة السّفر مطلقا مثلا ، كما يستفاد أقلّ الحمل من الآيتين ، فتأمّل.

٢٦٠