تراثنا ـ العدد [ 5 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أمّا بعد :

فهذه زهرة ناضرة تبهج النواظر ، وباقة عَطِرة تفرح الخواطر ، وطُرفةٌ أدبيّة كانت مطمورة في زوايا الخمول ، أبرزتُها من خِدْرها كما يراها القرّاء الأفاضل ، علَّها تُرضي ذوقهم الأدبي وتنال منهم الرضى والقبول.

والله تعالى من وراء القصد.

قم ـ إيران

السيّد أحمد الحسيني

١٨١

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUETurathona-part005imagesimage004.gif

بداية مخطوطة الرسالة

١٨٢

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUETurathona-part005imagesimage005.gif

نهاية مخطوطة الرسالة

١٨٣

المفاضلة بين الرضي والهروي

ذكر المولى بالتقديم أولى

أفاضلَ أهل نَيسابورَ أصغُوا

إلى دُرر كأمثالِ الدَّراري

وقولوا واحكموا بالعَدلِ فيها

فإنّ العدلَ مُتَّضَحُ المَنار

بحكمِ فَيصل أبدى ضياءاً

لذي عينينِ من وَضَحِ النهار

ءأشعار الرضيّ لديكمُ ارْضى

وأدخل في نظام الاختيار

أم القاضي أحقُّ بذاك منه

وأسبق في مَيادين الفخار

فأنتم كالنجوم الزُّهْرِ ضَوءاً

وإنّ الفضلَ كالفَلَكِ المُدار

لم أجد إلّا (٦) كلمتين (٧) على قافية واحدة من بحر واحد في معنى معيّن ، بَيْدَ أنّي تخيّرتُ قصيدتين من بحر الكامل وإن اختلفت القوافي والمعاني ، فإنّه يُستدَلُّ بمباني الكلام ومعانيه وصيغة ألفاظه على درجة الشاعر في معرفة جيِّده من رديّه ومعوجَّه من مستقيمه ، والرجلان فَحْلا خراسانَ والعراق ومن يُثنى عليهما الخَناصِرُ (٨) بالإتّفاق.

فليرجِّح كلُّ واحد مَن هو أشعرُ عنده وأجزلُ لفظاً وأصحُّ معنى ، فإنّ للناس في الشعر طرائقَ ومذاهبَ ، والكلام فنونٌ وأساليبُ.

والله المستعان ، وصلّى الله على نبيّه محمّد وآله الطاهرين.

________________________________

(٦) كذا في الأصل ، ولعلّ الصحيح «الآن».

(٧) يريد : قصيدتين ، فإنّ الكلمة هي القصيدة بطولها.

(٨) الخِنْصِرَ بكسر الخاء وسكون النون وكسر الصاد أو فتحها : الأصبع الصغرى ، وقيل الوسطى ، يقال : «فلان تثنى عليه الخناصر» أي يبتدأ به إذا ذكر أشكاله.

١٨٤

[ ١ ]

قال القاضي أبو أحمد منصور بن محمد الأزدي الهروي :

قد زار طَيفُك لو ألَمَّ (٩) براقِدِ

أهلاً به من زائر بل عائد

ما كان طَيْفاً طافَ لكن خَطْرة

خَطَرَتْ على قلبي المُعَنّى الواجد (١٠)

فتماثَلَتْ فيهِ خَيالاً زائراً

أوْ لا فكيف يصحّ رؤيا السّاهِدِ (١١)

أفدي الذي وَدّعتُ يومَ وداعهِ

قلبي وصبري في نظام واحد

رشَأ (١٢) حكى بَدْرَ السماء طَلاقة

بِطلاقة وتَباعُداً بِتَباعُد

إمّا رَنا (١٣) خَجِلَ الغزالُ ، وإنْ مشى

لَم يعتَدِلْ قَدُّ القضيب المائد (١٤)

يا هاجراً ذِكراه تأبى هَجْرَهُ

وَمُباعِداً والطيفُ غيرُ مباعِد

لو شئتَ علَّلْتَ المحبَّ بموعدٍ

لا تَبْخَلَنَّ فلستَ أصْدَقَ واعِد

خَلّفْتَني أعْدُو بصبر ناقص

وجوى (١٥) على مرِّ الليالي زائد

وإذا عَزَمتُ على التَجلُّدِ رَدَّني

شَرْخُ الشبابِ (١٦) وثقلُ حُبٍّ راكد

ولربَّما لاقَيتُ أسبابَ الهَوى

بجَوانح (١٧) صُمٍّ وطَرْفٍ جامد

________________________________

(٩) الإلمام : النزول ، وقد ألَمَّ به أي نزل به.

(١٠) المُعَنّى : المُتعَب ، من عَني الإنسان ـ بالكسر ـ عَناءاً : أي تعب ونصب.

الواجد : المحبّ ، يقال له بها وجد وهو المحبّة.

(١١) الساهد : الذي يطوي الليل متيقّظاً لا ينام لعارض عرضه ، وهو من السهاد بمعنى الأرق.

(١٢) الرشأ ـ بالتحريك ـ : ولد الظبية الذي قوي وتحرّك ومشى مع اُمّه.

وبه يشبّه الإنسان الجميل المعتدل في مشيه ، الذكر والاُنثى.

(١٣) رنا : نظر طويلاً ، يقال رنا إليه يرنو : إذا أدام النظر.

(١٤) المائد : المتحرّك ، مِن مادَ الشيء يميد ميداً : تحرّك ، ومادت الأغصان : تحرّكت وتمايلت.

(١٥) الجوى : إصابة الحرقة وشدّة الوجد من عشق أو حزن.

(١٦) شرْخ الشباب ـ بسكون الراء ـ : أوّله وريعانه.

(١٧) الجوانح جمع الجانحة : الأضلاع تحت الترائب ممّا يلي الصدر.

١٨٥

ولقد تركتُ لك المذاهبَ كلَّها

وهجرتُ فيك طرائقي ومقاصدي

حسبِي جَميلُ تَصَبُّري وَتَجلُّدي

إنْ صابَني دَهرٌ بِصَوْبِ شدائد (١٨)

أنسَيْتُ أنْ مَدَّ الظَلامُ رِواقَهُ

منّا على شَفْع كشخص فارِدِ

بُتْنا وحارِسُنا الدُّجى وكأنّنا

صَفْوُ المُدامَةِ بالزَّلالِ البارد

ولقد عزمتُ على السِّحاب الجَونِ (١٩) في

سُقْيا رُسوم بالحِمى ومعاهد

دَمِنٌ صَحِبْتُ الدهرَ في عَرَصاتِها

نَشْوانَ مُشتَمِلاً بثبوبِ مُساعد (٢٠)

حينَ الصِّبا وافى الذوائبَ والهَوى

عَذْبُ المَواردِ مُعْرِض للوارد

زَمَنٌ تَصَرَّمَ وانْقضى فكأنَّهُ

طَيْفُ الخَيال رأتهُ عينُ الهاجد (٢١)

رَقَّتْ حواشيهِ كما رَقّ النَّدى

في أخضَر نَضِر وَأحمرَ جاسِد (٢٢)

وَصَفا فَلَوْ أنّي عدلتُ عدلتُه

بشمائلِ الشيخ الجليل الماجدِ

قَدْ فَلّ صَرْفُ الدهر حَدَّ عزائمي (٢٣)

جِدّاً وكدَّرتِ الخطوبُ مَواردي

وَأرى الليالي قَصَّرَتْ باعي وَلوْ

اُنْصِفْتُ ألْفَتْني طويلَ الساعِد

وَثَنَتْ عِناني جُهْدَها وَلَو انّها

أطْلَقْنَ مِنهُ بانَ سَبْقُ الذائد (٢٤)

وَغَدا الزمانُ مُعاندي وَلَو انّهُ

عَرَفَ الرجالَ لكانَ غَيْرَ مُعاندي

وَسَعى يَرومُ ليَ الفسادَ وَلَوْ دَرى

منْ عُدَّتي لَسَعى لِيُصْلِحَ فاسدي

وَأنا الشِّهابُ خَفَيْتُ في أرضي وإنْ

سافرتُ لاحَ سَنا الشِّهابِ الواقد (٢٥)

________________________________

(١٨) صابني : أصابني ، وصوب شدائد : سهام شدائد ، أي إن أصابني دهر بسهام من شدائده (صحاح اللغة : صوب).

(١٩) الجون يطلق على اللون الأبيض والأسود ، والمناسب هنا أن يراد منهما الثاني ، لأنّ السحاب الحامل للمطر الكثير يضرب لونه إلى السواد.

(٢٠) الدَّمِن : المدمن للشراب ولم يقلع عنه. ونشوان : سكران ، من نشي الرجل من الشراب نشواً : إذا سكر (لسان العرب : دمن ـ نشا).

(٢١) الهاجد : الساهر بالليل ، والنائم ـ من الأضداد ـ ، ويراد في البيت المعنى الثاني منهما.

(٢٢) الجاسد : شديد الحمرة ، وأصله الدم اليابس ، والجاسد من كل شيء : ما اشتدّ ويبس.

(٢٣) فلّ السيف : ثلمه يريد أنّ تغيّر الدهر سبب في أن يُثنى عمّا عزم عليه ولم يُبق له تلك الإرادة القوية التي كانت تدفعه سابقاً لملاقاة المكاره.

(٢٤) الذائد : اسم فرس نجيب جداً.

(٢٥) الشهاب ـ بكسر الشين ـ : الكوكب المضيء ، السنان ، لما فيه من البريق. ويراد هنا المعنى الثاني.

١٨٦

وَأنا الحُسامُ انقَضَّ عَنّي رَوْنَقي

وَبُلِيتُ مِنْ صَرْفِ الزمانِ بغامِدِ (٢٦)

وَلَقدْ صَعُبْتُ فما تَلينُ معاجِمي

للعاجِمينَ ولا تُحَلُّ معاقِدي (٢٧)

وَاشْتَطَّ حُسّادي وَإنْ ظَفَرَت يَدِي

بِأبي المظفَّر ثاخَ نجمُ الحاسدِ (٢٨)

لقد اهتدَيتُ من الوزير بكوكب

في ظُلمة الأيام ليس بخامد

وَمَن اغْتدى الشيخُ الجليلُ عَمِيدَهُ

لَمْ يَخْشَ عاديَة الزمان المارد (٢٩)

وَمَن اسْتَظَلَّ ذَراهُ (٣٠) أدرك ماارْتجى

في ظِلِّ فضل منهُ باد عائد

رجلٌ يُجيرُ على الحوادثِ جارَهُ

وَيُبيحُ خِصْبَ جَنابهِ للرائد

وَيُفيضُ في طَوْرَيْهِ (٣١) صَوْبُ سَمِينِه

كالغيثِ [ بَيْنَ ] (٣٢) بَوارق وَرَواعِدِ

مُتَدَرِّعٌ حُلَلَ الأمانةِ باذلٌ

لِلْمُلْكِ إشفاقَ النصيح الجاهد

وإذا دَجَتْ قُحَمُ الخطوب سِمالَها (٣٣)

بِعَزائم لدُجى الخطوب طَوارِد

وإذا بنى اُكرومَة بلغَ المَدى

تَثبيتَ أركان ورفعَ قواعد

خُلْقٌ كما ابتسمَ الربيعُ وطَلْعَةٌ

كالبَدر أشرقَ في الظلام الحاشد

وَأغَرُّ رَحْبُ الباع نالَ مَراتباً

في المَجدِ طالِبُهنَّ ليسَ بواجد

يا مَنْ لَوْ انَّ الناسَ أيامُ الهوى

كان الوصالُ عَقيبَ هُجْر آمِد (٣٤)

وَلَوْ انَّهم كانوا فُصولَ زَمانِهِمْ

كانَ ابتساماً في الربيع الوافد

لمّا ذَكرتُكَ في القريض أفَدْتُهُ

فخراً يدومُ على الزمان الخالد

________________________________

(٢٦) الغِمْد ـ بكسر الغين ـ جفن السيف ، والغامد : واضح السيف والحسام في الغمد.

(٢٧) المعاجم جمع المعجم ، وهو موضع الإختبار ، ويقال «رجل صلب المعجم» أي صابر ذو صلابة عزيز النفس عند الحوادث. وللعاجمين : العاضين للإختبار والتجربة. والمعاقد : موضع عقد الإزار ، كناية عن صلابته وشجاعته وعدم خضوعه.

(٢٨) اشتط حسّادي : أمعنوا في الحسد والعداوة. ثاخ : غاب وخفي.

(٢٩) الزمان المارد : العاتي.

(٣٠) الذرى : الملجأ وكل ما يستتر به.

(٣١) طوريه : حالتيه ، حالة الرضا والغضب ، أو حالة الإعسار والإيسار.

(٣٢) كلمة لا تقرأ واضحاً في نسخة الأصل.

(٣٣) دجت : أظلمت. القُحم جمع القَحمة ـ بفتح القاف ـ : الاُمور الشاقّة المظلمة. الخطوب جمع الخَطْب ـ بفتح الخاء وسكون الطاء ـ : الاُمور العظيمة المكروهة. السِّمال : الأثواب.

(٣٤) يمكن قراءة الكلمة في النسخة «آفد» ، وهو بمعنى الإستعجال.

١٨٧

وَلَقدْ عَقدتُ على القوافي مِنّة

بلْ طُلْعَة ليست لها بجواحِد

كانتْ شواردَ نُفّراً حتّى دَرَتْ

مَنْ ذا مدحتُ فَجِئنَ غيرَ شوارد

وَتَزاحَمتْ فَلَو انّها مُختارةٌ

لَتَبَدَّلَتْ كلماتُها بقصائد

خَلّصْتُها وَنَقدْتُها لكنّها

نُقِدَتْ مِنَ الشيخ الجليل لِناقِد

أصْدَرتُها وَلَو انَّني نِلتُ المُنى

لَصَحَبْتُها في ضمنِ لَفظ شارد

وَلقدْ بَذَلتُ لكَ المودَّة مَحْضة

والله والقولُ المُنَقَّحُ شاهِدي

وَوَثِقْتُ مِنكَ بنيلِ ما أنا آمِلٌ

وَلَو انّهُ لَمْسُ النُّجوم لِقاعِد

[ ٢ ]

وقال الشريف الرضي :

رُدُّوا الرُّقادَ إلى المَشوق الساهر

لِيَعُودَهُ طيفُ الخَيال الزائر

لَو كانَ عندي منهُ ما اُقْري به

طَيفَ الخيال لكانَ غيرَ مُهاجر

لِمَنِ الطُّلولُ بِمنحني الأجزاع مِنْ

ذات الأراكة والكثيب العاقر (٣٥)

دارٌ بمُنعرَج اللِّوى والدَّيْرة الحمـ

ـراء مِنْ وادي الغضا لِتُماضِر (٣٦)

ألقى مراسِيَهُ بها وَتَهدَّلَتْ

منهُ العَزالى كلُّ مُزْن هامر (٣٧)

وَعَفَتْ معالِمَها الرياحُ فما بِها

إلّا أثاف كالحَمام الواكِر

في كلّ يوم أرْسُمٌ مِنْ تُوضح

تَعفُو وَتَقْوى أرْبُعٌ مِن حاجر (٣٨)

حتى اُسائلَ كلَّ رَسْم دارس

عنهم وأبكي كلَّ رَبْع داثِر

________________________________

(٣٥) الأجزاع ، جمع جزع ـ بكسر الجيم وسكون الزاي ـ : منقطع الوادي. العاقر من الرمل : ما لا ينبت ، يشبّه بالمرأة التي لم تلد ، ويقصد هنا موضعاً خاصاً تصوّره مسكن حبيبته.

(٣٦) تماضر : اسم امرأة يتشبّب بها الشعراء ، مأخوذ من قولهم «خذ الشيء خِضْراً مِضْراً وخَضِراً مَضِراً» : أي غضيّاً طريّاً.

(٣٧) تهدّلت : استرخت وأرسلت إلى أسفل. والعزالى ـ بالياء والقصر ـ : العزلاء مؤنث الأعزل : مصبّ الماء من القربة ونحوه. المزن : المطر.

(٣٨) توضح وحاجر : اسم لموضعين معروفين من منازل العرب.

١٨٨

كانتْ محلَّ أوانس وخرائد

فَغَدتْ مَرادَ كوانِس وَجآذِر (٣٩)

ولرُبَّما آنَسْتُ في حُجُراتِها

بيضاء تُؤلمُها لحاظُ الناظر

رَيّا المَعاصم خَدْلَةٌ (٤٠) أزرارها

عُقِدَتْ بخوط الخيزُران الناضر

عَجْزاء ماضَمَّ الإزار كأنّهُ

رملٌ تخاذلَ مِن كثيب هاير (٤١)

عَرَّجتُ في عَرصاتِهنّ فلم أعُج

إلّا على طَلَل كرَقْم الزابر (٤٢)

وذكرتُ أياماً هناك نَضَوْتُها (٤٣)

والذكرُ يُضعِفُ من عَناء الذاكر

فالله جارُهُمُ فإنْ شَطَّتْ بِهمْ

يومَ النّوى نُؤَبَ الزمان الجائر

مِنْ مُومن (٤٤) أو مُشْئِم أو مُتْهِم

أو مُعْرق أو مُنْجِد أو غائر

ولقد زَجرْنا الراقصات نَواجياً

يَشْرَدْنَ أمثال النَّعام النافر

مِنْ كلّ ضاربة بعرْق واشِج (٤٥)

في السرِّ مِنْ آل الجَديل وداعر (٤٦)

وكأنّما قَد شُدٌ مِنها مَيْسُها (٤٧)

مابينَ خافيَتَيْ عُقاب كاسر

مَحْفِيَّةٌ ترمى بنا كَحَنِيَّة

تُرمى إلى غرض بسهْم ناقر

حتى نزلْنا ساحة نِلْنا بِها

عهدَ الأمان مِنَ الزمان الغادر

بمُوَطَّأ الأكناف مُقْتَرب الجنى

مُستغرب الجدوى سعيد الطائر

عالي بسامي لحظِ عين المُجْتلى

مِنهُ إلى قمر السماء الزاهر

________________________________

(٣٩) الأوانس ، جمع الآنسة : طيّبة النفس. الخرائد ، جمع الخريدة : البكر التي لم تمسّ قطّ ، أو الحييّة الطويلة السكوت. الكوانس ، جمع الكانس : الجواري المحتجبات. الجآذر : ولد البقرة الوحشية ، ويكنّى بها عن الجوار الحسان.

(٤٠) خدلة الساق : ممتلئة ضخمة.

(٤١) الهاير : الساقط.

(٤٢) كرقم الزابر : خطّ الكاتب ، يريد خلوّ المكان من البيوت المتكاملة.

(٤٣) نَضَوْتُها : قَضَيْتُها.

(٤٤) لعل الصحيح «من ميمن» ، أي متوجّه إلى اليمن.

(٤٥) عرق واشج : مشتبك.

(٤٦) لعلّ الصحيح «داغر» بالغين المعجمة ، و «آل الجديل» و «داغر» من بطون وأفخاذ العرب. اُنظر معجم قبائل العرب ١ / ١٧٣ و٣٧١.

(٤٧) الميس : الخشبة التي تشدّ على الرحال.

١٨٩

وَأغَرُّ يَجلو الحادثات كما جَلا

كِسْفَ الدُّجى فَلَقُ الصباح الباهر

ومجيل أتراء يحدِّث حدُّها

في الخَطْب عن حدِّ الصفيح الباتر

وَألَدُّ إنْ عَلَكَ الهدير مُجرجراً

تخرَس شَقاشقُ كلّ فحل هادر

عزم له في كلّ خطب مُسْدِف

لألاء ذي شُطَب بِكَفِّ الشاهر

يرمي العِدى منهُ بنجم ثاقب

ينقضُّ من فَلَكِ البروج الدائر

وَشمائل قيسيّة اُدَدِيّة

كالروض غِبَّ سُرى النَّشاص الماطر (٤٨)

ويَدٌ تفيض لمستميح نوالهِ

بجمام رَجّاف الغَوارب زاخر

ذوشيمة عَبِقَتْ بريَحْان العُلى

كالورد في نَفَس الصديع النائر

صافي النَّدى يدنيك من أقصى المُنى

بسَماحة والنائل المتواتر

من كان لا يرضى بوَفْر ناقص

في الناس لم يظفَر بِعرْض وافر

قَرْمٌ إذا ماالحرب شُبَّ ضَرامُها

والموتُ ينظُر نَظْرة المُتَحاذِرِ

وتَخالُ أسيافَ الكُماة كواكباً

يَطْلَعْنَ في ليل العَجاج الثائر

يغشى الكريهة تحت غاب من قنا

يَعْسِلْنَ منه فوق ليث خادر (٤٩)

يغتال جهد مساجليه عَنوَة

بفعاله والسؤدد المتواتر

قومٌ حَموا خِطَطَ المكارم والعُلى

عن كلّ باد في الأنام وحاضر

فتداولوها آخراً عن أول

وتوارثوها كابراً عن كابر

إن يجلِسوا كانوا بُدورَ أهِلَّة

أو يخطبوا كانوا شموسَ منابر

تالله أي مَدى لمجدِكَ لم يغل

فيه مَدى شوط العتيق الضامر

ترقى إلى قلل العُلى بمعارج

لك من أنابيب الوشيج الخاطر

ومُهنَّد مامجَّه فمُ غِمْدِهِ

إلّا اكتسى عَلَقَ النجيع المائر

فتعاطَها مِن كفِّ نَشْوان الشما

يل يستبيك بلَحْظِ طَرْف ساحر

فلقد تجلَّت قَرَّة المَشْتا لنا

عن وجنتي وَرْد الربيع الباكر

وتبسّم النيروزُ يوقظ بالنَّدى

نَوْرَ الرياض من النعاس الفاتر

فكأنّما ينهلُّ من قطر الحيا

فيها صغارُ اللؤلؤ المتناثر

________________________________

(٤٨) النشاص ـ يفتح النون وكسرها ـ : السحاب المرتفع بعضه فوق بعض.

(٤٩) يعسلن : يضطربن ويشتدّ اهتزازهنّ. الليث الخادر : المقيم في عرينه.

١٩٠

وكأنّما قد نُجِّدتْ أكنافُها

بسباسب (٥٠) من كلّ وشي فاخر

وتَمرَّحتْ وُرْقُ الحَمام وطَرَّبتْ

بتراق لحن العندليب الصافر

________________________________

(٥٠) في الأصل «بسبابب».

١٩١

[ ٣ ]

الخطوط عن الثقات :

الفرق بين القصيدتين لا يخفى على الفضلاء ، ولا يقاس شعر الرضي بشعر غيره من أهل العصر.

وكتبه الفضل بن إسماعيل بخطّه.

* * *

لم تزل بلاغةُ العراق أسوغ في الآذان ، وأحلى في النظام على تقادم الزمان من بلاغة خراسان ، لرقّة هوائها وسلاسة مائها وقرب خطّتها من جزيرة العرب وباحتها ومتاخمتها بلاد الفصاحة والبيان ، ومجاورة سكّانها أهل البلاغة واللسان.

فالعراق وما والاها تقاسم (٥١) نجداً [ في ] (٥٢) صحّة هوائها واعتلال نسيمها ، وهنّ لها عين قسيمها. وإذا هبّت الرياح شَمالاً بسطت في نجدد العراق يميناً وشِمالاً ، وطابت في لياليها الأسحار ، وتنفّست بنفحات المسك الرياضُ والأشجار.

وهذه الأسبابُ تفيد أهلَها صحّة في الطباع ، وسلامة من الأوجاع ، فتصحّ أفهامُهم ، وتعذب للسامعين كلامُهم.

وخراسان نأت عن ديار البلاغة بقعتُها ، وخلت عن المتحلِّين بالفَصاحة ساحتُها ورقعتُها ، فأهلُها عُجْمٌ لغتُهم الرَّطانة (٥٣) ، وقلّما توجد فيهم الكِيَسُ والفطانة ، وفصاحتُهم تُزري بها اللُّكْنَةُ والفَدامة (٥٤) ، ويغلب عليها التكلُّفُ والإختلال ، وعلى نظم قلائد هم التهافتُ والإنحلال.

________________________________

(٥١) في الأصل «يقاسم».

(٥٢) الزيادة منّا.

(٥٣) الرطانة : التكلّم بالأعجمية ، تراطن القوم وتراطنوا فيما بينهم : تكلّموا بالأعجمية.

(٥٤) الفدم : العيّ عن الكلام في رخاوة وقلّة فهم.

١٩٢

فشعر العراق أبعد شَأواً في حَلَبَةِ الشعر ، وأهدى إلى الإصابة في طريق النظم والنثر ، لأنّهم ارتضعوا أفاويْق (٥٥) دَرّ الفصاحة لباناً ، ونطقوا بألفاظها صبياناً ، فكانت لهم لَدوداً ونَشوعاً (٥٦) ، يَردُون مناقِعَها يَنْبُوعاً فَينبوعاً ، حتى نشأوا وقد مَرنَتْ على الفصيح لسانهم ، وأفصحوا باللغة التي ملأت آذانهم ، وراثة عن الاُمّهات والآباء ، والعصبات والأقرباء. لا كمن سمع البلاغة بعد البلوغ مُتَرَعْرعاً ، واحتلبها متمحِّلاً متكلِّفاً متتبِّعاً ، وليس التخلُّق كالخليقة ، والتلهوق (٥٧) كالسليقة ، ولا الدُّرْبَة كالكلفة.

وهيهات أن يكونَ للضباب صَوْبُ السحاب ، وللغراب قاب (٥٨) العُقاب ، وأن يكون من تَبَوَّأ خراسان كمن تَربَّع بالدَّهْناء (٥٩) ، وتَشَتّى الصمان (٦٠) وشرب أحاليب اللقاح ، وهبّت عليه صَبا نجد في الرياح ، واستظلّ في العِكاك (٦١) ، بظلّ السَّمُرات والأراك ، واستاك بفروع البشام (٦٢) ، وظلَّل وِطابَه بالتُّمام (٦٣) ، وبكى بِنَوْح الحَمام ، وخاطب الربوعَ بعد الإقواء ، وساءل تقاطيع الظباء ، واحترش الضبابَ مغتدياً بالكشى والمَكْنِ (٦٤) ، وندب الأطلال وبكى على السكن ، ونطق بالفصيح ، وسكن منابت القَيْصُوم والشِّيْح (٦٥). هل يستوي هو ومن تَدرَّبَ بلغة نيسابور وهراة ، هيهات أن يكون ذلك هيهات. هذا هو القول عموماً في شعر الفريقين ، عند الإتحاد باللسان العربي ، ولغة إسماعيل النبي.

فأمّا خصوصاً في الفحلين : فإنّ فتى الأزد منصوراً ، وإن أصبحت الآذان إلى كلامه

________________________________

(٥٥) الأفاويق جمع الفيقة ، بمعنى خيار اللبن.

(٥٦) اللدود : الدواء. النشوع : السعوط ، الدواء الذي يصبّ في فم المريض.

(٥٧) تلهّق الرجل : أكثر من الكلام.

(٥٨) القاب : المقدار ، مابين نصف طرف القوس ووتره.

(٥٩) الدهناء : الفلاة.

(٦٠) الصمّان : أرض غليظة دون الجبل ، وهي محاددة للدهناء في شرقي الجزيرة العربية.

(٦١) العكاك : شدّة الحرّ مع سكون الريح.

(٦٢) البشام : شجر طيّب الرائحة تتّخذ عيدانه لإخراج ما دخل بين الأسنان من الطعام.

(٦٣) الوطاب : الثدي العظيم.

(٦٤) الكشى ـ بضم الكاف ـ جمع الكشية : شحمة مستطيلة في جنبي الضبّ من العنق إلى أصل الفخذ.

والمكن ـ بفتح الميم وسكون الكاف وكسرها ـ : بيض الجرادة ونحوها.

(٦٥) القيصوم : ما طال من العشب. الشيخ : نبات أنواعه كثيرة كلّه طيّب الرائحة ، واحده «شيحة».

١٩٣

صَوْراً (٦٦) ، استحلاءاً لنظامه ، وتعجّباً من بُعد غَوْره في الفصاحة ومرامه ، وبلغ من درجات الشعر مناط العَيّوق والنسر ، وأبدع في صنعته كلّ الإبداع ، حتى أروى بماء كلامه الرقراق ظمأ الأسماع ، ولم يُبق في قوس البلاغة منزعاً ، متحقِّقاً فيها لا متشبِّعاً ، تضاهي قلائدُه أوْشحَة المجرَّة والجوزاء ، يكاد يَخْبُو لديها دَراري السماء ، يقرطس (٦٧) سِهامَ البلاغة أهدافُها ، ويقشر عن لآلىء البحر من أصدافها ، ويمتري مستوعباً أخلافَها ، متربّعاً في أوساطها ، جامعاً أطرافَها.

فإنّ الشريف الرضيّ أعذبُ كلاماً ، وأحلى نظاماً ، وأندى بمحاسن الشعر غماماً ، وأتمّ فيها تُماماً. بحر لا تكدره الدلاء ، ونطق يقصر عنه لو نطق الجوزاء ، وقصائد تبهى بمزاينها جبين الأيام ، ويتوضّح بضيائها سُدْفُ الظلام ، وشواردهنّ بُعدهنّ قريبة من الأفهام ، إذا حصلت على البياض بين المداد وألسنة الأقلام ، يخوض بها لجج البلاغة أتمّ الخوض ، ويَفتنُّ في أنواعها تفنّن الصفراء والحمراء من قطع الروض. فما من باب شَرَع فيه إلّا عَلَكَ الفصاحة بأشدّ لِحى ، حتى كأنّه ألهم الصواب بأسدّ وَحى ، وما من بحر ركب سفينه ، إلّا غاص على دُرِّه وانتزع دفينَه.

وإن من ولدته هاشم وانتسب إلى مضر الحمراء لَعريقٌ في الفصاحة رأس في الفصحاء ، إذا عُضِد بما عُضِد به الرضي من سَلاسة ألفاظ ، وبُعد مرمى في المعاني والأغراض.

وليس يستحيي مفضولٌ فَضَله الشريفُ وإن كان أميرَ المنطق ، بليغَ المشرق ، فلا إزراء بالقمر وإن بَهَرته الشمسُ ، وللعرب الفَصاحةُ مسلَّمةٌ ليست تُنكِرُ ذلك الفُرْسُ.

وهذا حكم يحكم به حكّامُ الفضل ، ويسجّل به اُولو التمييز والعقل. ومن تأمّل الكلمتين لم يَطُل به الزمانُ حتى ينقادَ لحكمي وإن كان أبيّاً ، ويحطب في حبلي وإن كان بايناً (٦٨). ولو لا خوف الملال لوازنتُ بين كل بيتين من الكلمتين ، حتى يتبيَّنَ الصبحُ لذي عينين.

كتبه علي بن أحمد الواحدي.

________________________________

(٦٦) أي مائلة ملتفّة إليه ، يقال «صار عنقه أو وجهه إلي» : أي أماله وأقبل به عليَّ.

(٦٧) قرطس السهم : أصاب القرطاس ، أي الغرض.

(٦٨) لعلّه «بايناً».

١٩٤

تأمّلتُ هاتين القصيدتين فألفَيتُ كلَّ واحدة منهما كالروض الزاهر ، غبَّ السحاب الماطر ، وكالدُّرِّ المنظوم ، والوَشْي المرقوم. إلّا أنّ التفاوت بين شعريهما كالتفاوت بين أبويهما.

وكتبه أبو نصر صاعد بن الحسين الزوزني بخطّه.

*  *  *

تأمّلتُ هاتين القصيدتين فوجدتُهما أرقَّ من دمع المستهام ، ومن الراح رُقرق بماء الغَمام ، ومعانيهما أحسن من دُرِّ الطَّلِّ في أعين الدهر ، إذا تفتّحت عيون الرياض غبّ المطر. إلّا أنّ شعر الرضيّ أرضى ، وأقرب إلى الرضا.

وكتبه زكريّا بن الحسن بن زكريّا الزوزني.

*  *  *

الفاضلُ الفاصلُ بين القَرْمين ، حقُّه أن يكون عادلاً مجادلاً عن سَنَن المين ، واجتَلَيْتُ الجريدتين فألفَيْتُهما من العُرُب الأتراب ، مُعربتين في الإنتساب عن أنساب الأعراب ، كلتا تحكي بغرّتها ومقلتها الغزالة والغزال ، وتروي برقّتها وعذوبتها الخمرَ والزلالَ. لا يتمكّن من ترجيح إحداهما على الاُخرى ، إلّا من صَعِد في معرفة رسوم الشعر إلى الدرجة الكبرى ، فَسِرُّ الشعر عندي أبعد مَنالاً من سُرَّة الشِّعْرى ، ومن خال أنّه اكسى من البصل فهو أعرى من المِغْزَل ، ونحن بعدُ في العَنُوق ولم نبلغ فيه إلى النُوق ، والقَرْمان جاوزا دون العَيُّوق. فالإمساك عن الترجيح بمثلي أحقّ ، وشريا من هو من الضبّ أعقّ. ولو لا اقتراح هذا الفاضل المحتوي على أجناس الفضل ، المتشبّث بأفنان فنون الأدب لَما أثبتُ هذا الفصل.

وكاتبه إسماعيل بن الحسن الأديب.

الحمد لله ، والصلاة على رسوله محمّد وآله أجمعين.

١٩٥

ملف مؤتمر الشريف الرضيّ

عقد في طهران للفترة من ١٣ إلى ١٧ رجب ١٤٠٦ هـ مؤتمر خاصّ بمناسبة الذكرى الألفيّة لوفاة الشريف الرضيّ ، الذي أقامته مؤسسة نهج البلاغة.

ونقوم هنا بنشر ما انتخبته المؤسسة المشرفة من البحوث والمقالات العربية التي اُلقيت في المؤتمر باتّفاق خاصّ مع المؤسسة ذاتها.

تراثنا

١٩٦

الشاعر الطموح

الدكتور السيّد محمّد بحرالعلوم

حين نستعرض ـ في مدخل البحث ـ معالم من حياة الشريف الرضيّ ، فإننا نستطيع أن نضع ـ من خلالها ـ أيدينا على مفاتيح شخصيته العامة ، ونحدّد الزاوية التي نهدف اليها من وراء بحثنا هذا ، وهي باختصار :

أوّلاً ـ الرضي واُسرته :

وإذا أردنا أن نجمع شتات هذا العنوان ، ونضيق دائرته على أساس شهرة مترجمنا الكبير ، واُسرته العريقة ، فمن الضروري أن نمرّ عليها جدولة دون توسع ، ونحصرها بالآتي :

١ ـ إسمه ونسبه :

هو : أبو الحسن ، محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم سابع ائمة أهل البيت عليهم السلام الذي يرتفع نسبه الطاهر الى الإمام الحسين بن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السّلام (١).

من المحتد الأصيل انحدر الشريف الرضي من أب ينتهي نسبه إلى الإمام موسى

________________________________

(١) راجع : أحمد بن علي بن عنبة ، عمدة الطالب : ٢٣٦ ، ط دار مكتبة الحياة ـ بيروت ، وابن خلّكان ، وفيات الأعيان : ٤ / ٤٤ ، ط القاهرة ، والسيد محسن الامين ، أعيان الشيعة ٩ / ٢١٦ ، ط دار التعارف ـ بيروت.

١٩٧

الكاظم ومن أم ينتهي نسبها الى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ـ عليهما السّلام .

فهي : فاطمة بنت الناصر الصغير ، أبي محمد ، الحسين بن أحمد بن الحسن الناصر الكبير ـ صاحب الديلم ـ بن علي العسكري بن الحسن بن علي الأصغر بن عمر الأشرف ابن علي زين العابدين بن الإمام الحسين (ع) (٢).

و لهذا كان الرضي يلقب بـ «ذي الحسبين» ، لقّبه بذلك بهاء الدولة لأنه علوي الطرفين وكان جدّ اُمه الناصر الكبير «شيخ الطالبيين ، وعالمهم ، وزاهدهم ، وأديبهم ، وشاعرهم ، ملك بلاد الديلم والجبل ، لقب بالناصر للحق ، جرت له حروب عظيمة مع السامانية ، وتوفي بطبرستان سند ٣٠٤ هـ وله من العمر تسع وسبعون سنة» (٣).

٢ ـ ولادته ووفاته :

لم يختلف المؤرخون في سنة ولادته ، فقد أجمعوا على أنها في عام ٣٥٩ هـ وأنها كانت في بغداد (٤) ، وعاش فيها طيلة عمره الذي لم يتجاوز نصف قرن.

ولم يشذّ عما ذهب اليه المؤرخون في سنة وفاته التي كانت عام ٤٠٦ هـ (٥) ، إلّا مصدر واحد ، ذهب الى أنه في عام ٤٠٤ هـ (٦) ، وقد يكون ذلك خطأ من الناسخ أو المطبعة.

ومما يؤكد هذا القول ان الرضي رثا صديقاً له توفي عام ٤٠٥ هـ وهو أحمد بن علي البتي أبوالحسن (٧) ، جاء فيها :

________________________________

(٢) عبدالحميد بن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة ١ / ١١ ، ط اُوفست على الطبعة القديمة ، إصدار دار احياء التراث العربي ـ بيروت.

(٣) ابن أبي الحديد ـ المصدر السابق والجزء والصفحة.

(٤) أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد ٢ / ٢٤٧ ، ط دار الكتب العلمية ـ بيروت ، وأحمد بن محمد ابن خلّكان ، وفيات الأعيان ٤ / ٤٨ ، ط القاهرة ـ مكتبة النهضة المصرية ، تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد ، وعلي بن احمد بن معصوم الحسيني ، المعروف بـ «علي خان» ، الدرجات الرفيعة : ٤٦٦ ، اُوفست ـ قم ـ إيران ١٣٩٧ هـ على طبعة النجف.

(٥) اُنظر المصادر المتقدمة.

(٦) إبن أبي الحديد ـ شرح النهج : ١ / ١٣.

(٧) ترجمه الزركلي ـ الأعلام : ١ / ١٦٥.

١٩٨

مَا لِلهموم كأنَّها نارٌ على قَلبي تشبُّ

لِودَاع إخوان الشبَاب مضت مَطاياهُم تَخبُّ (٨)

وودّع الشريف الرضي دنياه ، وهو ابن سبع وأربعين سنة ، في حين عرف بيته ـ خاصة ـ بطول العمر ، فقد توفّي والده الحسين وقد بلغ من العمر السابعة والتسعين ، وانتقل أخوه علي المرتضى الى جوار ربه وله من العمر إحدى وثمانين سنة ، ولبّت إحدى شقيقتيه نداء ربها عن نيف وتسعين سنة (٩).

٣ ـ اُسرته :

اُسرة الشريف الرضي عريقة المجد في العراق ، تمتدّ اُصولها الشامخة الى الإمام موسى الكاظم عليه السّلام ـ كما أشرنا ـ ، وكان والده أبو أحمد الحسين من أعلام البصرة وشخصياتها اللامعة ، فقد وصفته بعض المصادر بأنه «أجلّ مَن وضع على رأسه الطيلسان وجرّ خلفه رمحاً أريد ، وأجل من جمع بينهما. وكان قوي المنّة ، شديد العصبية ، يتلاعب بالدول ، ويتجرأ على الاُمور ، وفيه مواساة لأهله» (١٠).

كما ذكرت المصادر أن الحسين والد الرضي انتقل مع أخيه أحمد الى بغداد (١١) ، غير أنها لم تذكر تاريخ انتقاله ، ولكنّ بعض المصادر قالت : إنّ أبا أحمد الحسين ولّي المظالم ببغداد في أيام المطيع العباسي (٣٣٤ ـ ٣٦٣ هـ) (١٢) ، وآخر يقول : إنّ معز الدولة أحمد بن بويه (١٣) على صلة به أيام حكم المستكفي العباسي (٣٣٣ هـ) (١٤) ، وكان يترصد له أخبار الخلافة ، والجند والقواد ، وتجري المراسلات بينهما سراً في ذلك (١٥).

________________________________

(٨) د. زكي مبارك ـ عبقرية الشريف الرضي : ٢ / ٨ ـ ٩ ط العصرية ـ لبنان.

(٩) د. عبدالفتاح محمد الحلو ـ مقدمة ديوان الشريف الرضي : ١ / ٢١ و١١٨ / ط وزارة الإعلام العراقية عام ١٩٧٧ م.

(١٠) إبن عنبة ـ عمدة الطالب : ٢٣٣.

(١١) د. الحلو ـ المصدر المتقدم : ١٣.

(١٢) د. الحلو ـ المصدر المتقدم : ١٥ هـ ٢ عن ابن حزم ـ جمهرة الأنساب : ٥٦.

(١٣) إمتلك بغداد سنة ٣٣٤ هـ ودام في حكمه قرابة ٢٢ سنة. اُنظر : الأعلام : ١ / ١٠١.

(١٤) تقول المصادر : ان «آل بويه» دخلوا بغداد في أيامه. راجع : الأعلام : ٤ / ٢٤١.

(١٥) الشريف الرضي ـ كاشف الغطاء : ١٤٦ / طبع النجف ، ثم د. الحلو ـ المصدر السابق : ١٥ / هـ ٢.

١٩٩

وعلى هذا التقدير فإن والد الرضي كانت له المكانة عند العباسيين من قبل عام ٣٣٣ هـ ، خاصة إذا أخذنا رواية ولايته المظالم في عهد المطيع العباسي بنظر الإعتبار ، فمعناه أنه كان ذا جاه ومنزلة لدى الحكّام العباسيين ، وهو في فتوة العمر ولم يبلغ الثلاثين من حياته ، فقد ذكر أن ولادته كانت في سنة ٣٠٤ هـ (١٦).

ولقد عاصر والد الرضي عدداً كبيراً من حكّام بني العباس ابتداء من المقتدر بالله جعفر بن أحمد ، الذي كانت أيام حكمه من (٢٩٦ ـ ٣٢٠ هـ) الى نهاية القادر بالله العباسي (٣٨١ ـ ٤٢٢ هـ).

كما عاصر من أمراء دولة البويهيين من معز الدولة أحمد بن بويه (٣٣٤ هـ) الى عهد بهاء الدولة بن عضد الدولة (٣٧٩ ـ ٤٠٣ هـ) ، وتقلّد نقابة الطالبيين خمس مرات ، ومات وهو متقلدها (١٧) إضافة الى كثير من المراتب العالية ، كإمارة الحجّ وولاية المظالم.

تقول الرواية : كان «أبو أحمد جليل القدر عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه ، ولقّب بالطاهر ذي المناقب ، وخاطبه بهاء الدولة أبو نصر بن بويه بالطاهر الأوحد ، وكان السفير بين الخلفاء وبين الملوك من بني بويه والاُمراء من بني حمدان وغيرهم» (١٨).

ولكن هذه المكانة المرموقة لم تمنع من أن يغضب عليه عضد الدولة ، ويحمل عليه موجدة تؤدي به الى إبعاده عن بغداد ، واعتقاله في قلعة بفارس ومصادرة أملاكه ، وذلك عام ٣٦٩ هـ ، وبقي معتقلاً سبع سنين رغم أن عضد الدولة توفي عام ٣٧٢ هـ (١٩) ، لكنه بقي قيد الإقامة في شيراز حتى عام ٣٧٦ هـ ، حيث أطلقه شرف الدولة ، أبو الفوارس شير ذيل ابن عضد الدولة ، واصطحبه إلى بغداد (٢٠) ، وعادت اليه نقابة الطالبيين والمظالم ، وإمارة الحج عام ٣٨٠ هـ (٢١) ، وبقي ببيته شامخاً حتّى وفاته عام ٤٠٠ هـ (٢٢).

________________________________

(١٦) إبن أبي الحديد ـ شرح النهج : ١ / ١٠.

(١٧) إبن أبي الحديد ـ المصدر السابق : ١ / ١٠.

(١٨) إبن أبي الحديد ـ المصدر المتقدم : ١ / ١٠.

(١٩) إبن أبي الحديد ـ شرح النهج : ١ / ١٠.

(٢٠) إبن أبي الحديد ـ المصدر السابق : ١ / ١٠.

(٢١) إبن الأثير ـ الكامل في التاريخ : حوادث سنة ٣٨٠ هـ.

(٢٢) إبن أبي الحديد ـ المصدر المتقدم : ١ / ١٠.

٢٠٠