تراثنا ـ العدد [ 5 ]

المؤلف:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم


الموضوع : مجلّة تراثنا
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٠٤
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

(١٣)

نور الأبرار من حكم أخي الرسول حيدر الكرّار

لمحمد بن غياث الدين الشيرازي الطبيب.

نسخة من القرن العاشر ، في مكتبة سالار جنگ ، رقم ١٠٤٢ ، مذكورة في فهرسها ص ٩٦.

١٦١

وثائق تاريخية

رسائل ...

هذه خمس رسائل تغتنم «تراثنا» الفرصة في هذا العدد لتقدّمها إلى المهتمّين والدارسين ، وهي :

* فصولٌ من المخمَّس للشريف الرضيّ.

* رسالةُ الشريف الرضيّ إلى أبي القاسم سليمان بن أحمد.

* رسالةٌ من الملك بهاء الدولة بن بويه إلى الشريف الرضيّ.

* رسالة الشّريف الرضيّ إلى الوزير سابور بن أردشير.

* فصل من رسالة الشريف الرضي.

وفي هذه الرسائل إضاءات على التراث الأدبي للسيّد الشريف الرضيّ ، وإشارات إلى علاقته بالملك بهاء الدولة بن بويه والوزير سابور بن أردشير. إضافة إلى فصول في المخمّس ، الذي هو لون من ألوان النثر الفنّي.

وقد اعتمدنا في الأربعة الاُولى على مصوّرة كتاب «جمهرة الإسلام ذات النثر والنظام» للشيخ الفقيه أمين الدين أبي الغنائم مسلّم بن محمود بن نعمة بن رسلان بن يحيى الشيزري (كان حيّاً سنة ٦١٧ هـ).

وهي من مصورات مجمع اللغة العربية بدمشق عن مخطوطة جامعة ليدن ، رقم ٤٨٠ ، تاريخ النسخة سنة ٦٩٧ هـ ، بخطّ جيّد ، في ٥٢٦ ورقة.

وفي الخامسة على نسخة رسالة للشريف الرضيّ في مجموعة من القرن الثامن ، برقم ٥٩١ ، في الورقة ٤٤ ، في خزانة الدكتور أصغر مهدوي ـ اُستاذ جامعة طهران ـ.

١٦٢

ويحدونا الأمل أن تنال رسائل هذا العَلَم اهتماماً واسعاً من المحقّقين لما في العناية بها من حفاظ على ثروة أدبية وفنّية متميّزة ، خصوصاً وأنّ الشريف الرضيّ من اُولئك الّذين اعتنوا عناية بالغة بأدبهم وفنّهم ، وأعطوا لذلك أهمّية كبيرة في حياتهم الزاخرة بالعلم والمعرفة.

هيئة التحرير

١٦٣

(١)

رسالة الشّريف الرضيّ إلى أبي القاسم سليمان بن أحمد ، وهي :

كتابي ـ أطال الله بقاء الاُستاذ ـ عن سلامة ألبسه الله نطاقها ، وضرب عليها رواقها ، وما بيننا من علائق الإخاء وغرائس الصفاء ، يجدّد جدّة وعنفواناً ، وغضارة وريعاناً ، فلا تُخشى الفوادحُ على عوده ، ولا النكائث على عهوده ، وقد علم الله ـ سبحانه ـ من قلق الجأش ، وعظيم الإستيحاش ، ولما جرت به الأقدار من ذلك الحادث الذي استرط (١) فيه نفسه ، وأخطر مهجته ، وركب له كاهل الغرر ، وأمل الخوف والحذر ، إلى أن اُجلي عن مراده ، وانجلى بعد سواده ، وأعاده الله ـ سبحانه ـ إلى وطنه إعادة النصل إلى غمده ، بعد ما أبلى في الضّراب ، وأثّر في الجماجم والرقاب ، وردّه ردّ السهم إلى كنانته ، بعدما اهتزّ في الغرض المطلوب ، وانتظم (٢) حبّات القلوب.

والحمد لله ، على ذلك يخرج إلى النعمة من حقِّها ، ويعين على حمل أوقها (٣) ويكون أماناً من خوف النقيصة ، وسبباً لمأمول الزيادة.

ولم أخل في أثناء بعده ـ أدام الله عزّه ـ على الحال التي أخلّت باُنسي وبلغت من نفسي ، لمواصلة المكاتبة إلى من يختصّ بودّه ، ويتألّم لبعده مستطلعاً منه درر أخباره ، ومتفرّد آرائه ، ومكلّفاً له مكاتبته إلى مستقرّه ، بذكر ما أنا عليه من لواعج الإشتياق وزوابع الإشفاق ، والدّعاء بأن يجعله الله سبحانه في ذمام وقايته ، وضمان كفايته ، وأن يحرسه حراسة الناظر بجفونه ، والقلب بحيزومه ، وأن يخير له فيما يقدم عليه رأيُه ، ويجري عليه عزمُه ، من معاودة المركب الذي انتقل عنه ، ولزوم المقعد الذي انتقل إليه خيرة تدلّه من مضانّ (٤) الخطب بصوابها ، وتقدح في ظلام النوائب بشهابها ، وتجلو له من وجوه الآراء أوضحها ، وتصحبه من مقاود العزائم أسمحها ، حتّى يكون من عقال الحيرة مطلقاً ،

________________________________

(١) إسترط : ابتلع ، وهو كناية عن عظم الخطر.

(٢) في الأصل : وانتقم ، وما أثبتناه هو المناسب.

(٣) الأوق : الثقل ، (الصحاح ـ أوق ـ).

(٤) المضان : مفردها مضنّة ـ بكسر الضاد وفتحها ـ أي النفيس الذي يضن به ، (الصحاح ـ ضنن ـ).

١٦٤

ولمفصل الحزم مطبّقاً ، فيكون على جلية الرأي ومفرقه ، ووضح الأمر وفلقه ، فيما يأتي ويذر ، ويقدّم ويؤخّر.

ولمّا تواترت إليَّ البشائر بعوده إلى وطنه مكنوفاً بالسّلامة ، محفوفاً بالسعادة ، ومقذياً به كل ناظر طمح إلى عثرته ، ومجدوعاً به كل مارن (٥) شمخ بعد مفارقته ، وكان المتخطّون في سعيه ، والمنحازون إلى ودِّه ، بين مسرّة ممّا أعلى الله من نعمته ، ومكّن من يده وقدمه ، وبين غمّة بالحال التي أخرجته من الإستزادة ، من الثقل الباهر (٦) والعبء الفادح ، الذي ربّما أصحر بحمله ، وآدَ (٧) الناهضين حمله ، إلّا أنا فإنّ سروري من بينهم كان صرفاً غير ممزوج ، وخالصاً غير ممذوق ، ثقة بأنّ الله تعالى قد أجاب فيه الدّعوة التي دعوتها ، والرغبة التي رفعتها ، إذ كانت مشروطة بالخيرة في الأمرين معاً ، ومعلّقة بالصلاح في الوجهين جميعاً.

فلمّا أنعم الله سبحانه بتسهيل أحدهما مسبّباً أبوابه ، ومسهّلاً صعابه ، علمت أنّ فيه الصلاح النيّر ، والرشاد المقمر ، وأن سلامة الموارد والمطالع واعدة بسلامة المصادر والمراجع ، فسكنت نفسي واثقة بحميد الخواتم وجميل العواقب ، وراجية أن يكون رذاذ هذه النعمة قطراً ، وشرارها جمراً ، وبدو غراسها جَناً وثمراً ، إن شاء الله.

وكيف لا يكون ذلك ونعمته ـ أدام الله عزّه ـ آمنة غير مروّعة ، وسالمة غير منازعة ، لأنّه قد خصّها بالفعل الجميل وأسقط عنها تبعات المنازعين ، ومهّد لأعجازها قبل هواديها (٨) ، ونظر لعواقبها قبل بَواديها ، فأصبحت مطنّبة بأسباب (٩) متينة ، ومستلئمة بدرع حصينة ، ولا طريق عليها لحادث ، ولا حجّة في ثلمها لنابث (١٠) ولا طارق ، فهي مستقرّة غير قلقة ، ومقيمة غير مفارقة ، والزوائد مرجوّة لها ، والنقائص مأمونة عليها.

فإن رأى ـ أدام الله تأييده ـ أن يتأمّل ما كتبت به ، ويجعل الجواب منه مفصّلاً لا

________________________________

(٥) المارن : الأنف.

(٦) بهره الحمل : ثقل عليه حتى انبهر ، أي تتابع نَفَسَه ، (الصحاح ـ بهر ـ).

(٧) آده الحمل : ثقل عليه ، وفي الأصل (ادى) وهو غير مناسب.

(٨) الهوادي : جمع الهادي ، وهو العنق.

(٩) الطنب : الحبل ، والمطنّبة : المشدودة ، السبب : الحبل أيضاً.

(١٠) النبث : الغضب ، والشر.

١٦٥

مجملاً ، ومبسوطاً لا مختصراً ، لتكون الإفاضة في ذكر النّعم المتجدّدة والعوارف المترادفة ، أشفى للغليل ، وأجدر بالشكر العريض الطويل.

١٦٦

(٢)

رسالة من الملك بهاء الدولة بن بويه إلى الشريف الرضيّ

أطال الله ـ أيُّها الشريفُ الجليلُ الرضيّ ذوالحسبين ـ بقاءك ، وأدام عزّك وتأييدك وسعادتك وسلامتك ، وأتمّ نعمته عليك ، وزاد في فضله وإحسانه إليك وعندك ، وجميل مواهبه وسنيّ فوائده لك.

كتابنا ـ أدام الله تأييده ـ عن سلامة ملابسها ضيافة سابغة ، ونعمة مشارعها صافية سائغة ، والحمدلله ربّ العالمين ، وصلّى على سيّدنا محمّد وآله الأخيار الطاهرين.

ونحن ـ أدام الله تأييدك ـ لمّا اكنفنا (١) الله ـ جلّ وعزّ ـ به من توفيقه ، ووقفنا عليه من جدد الصواب وطريقه ، نرى أوجب الواجبات ، ونعدّ ألزم اللازمات ، موالاة الإنعام على الفضلاء ، معرفة بأقدارهم ، وإدامة الإكرام للنُبلاء الفصحاء زيادة في منازلهم وأخطارهم.

وتحلّيت عليه النهى (٢) ، ورقت بالمعجب من مناقبك ، المتصفّح لأحوالك وأفعالك ، وفُقْتَ بالمهذَّب من ضرائبك الأقرب والأبعد من أمثالك وأشكالك ، حتّى نطق بقريضك كل لسان ، واتّفق على تفضيلك كل إنسان ، آثرنا أن ننتهي في النّباهة إلى غاية موازية لفضائلك ، وفي الجلالة والوجاهة إلى نهاية مضاهية لشرف خصائلك ، فرفعناك عن التسمية إعظاماً لما عظّمه الله من قدرك ، ورقّيناك إلى رتبة السكينة إعلاء لما أعلاه الله من ذكرك.

ثم لقّبناك بالرضيّ ذي الحسبين ، لقبين بك لائقين ، ولمعناك مطابقين موافقين ، تنبيهاً على جليل موقعك ، وتمييزاً لما قد ميّزه الله من مكانك وموضعك ، والذي أمددناك به من متجدّد الافضال الذي تستحقّه بزكيّ أصلك ، ثمّ بالموقوف به من موالاتك ، واعتمدناك بحمالة من مؤتنف هذا الإحسان الذي تستوجبه ببارع فضلك ، ثمّ السكون

________________________________

(١) أكنفنا : أعاننا.

(٢) كذا.

١٦٧

إليه من إخلاصك وموالاتك عاجل يتبعه آجل ، وطلّ يشفعه وابل ، إذ كانت ذرائعك الذرائع الوجيهة التي تستدعي لك الموادّ من الميزاب ، وشوافعك الشوافع النبيهة التي تستدني لك الأقدار من الكرامات.

وأنت ـ أدام الله تأييدك ـ تشكر ما قدّمناه محسناً لتقبله ، وتنتظر ما أخّرناه واثقاً بإسراعه وتعجيله ، فعندنا من الإعجاب بك ما يدعو إلى متابعة الفواضل عليك ، ومن الإيجاب لك ما يحدو على مظاهرة العوارف لديك ، ويدوم على ما أحمدنا منك ، وتقيم على ما تسرّنا محاسنه عنك لتزداد الميامن بك احتفافاً ، وتتضاعف العوائد منّا لك أضعافاً ، وتواصل كتبك بما نتطلّعه من أنبائك ، وتواترها بما نترقّبه ونتوقّعه من تلقائك.

١٦٨

(٣)

رسالة الشّريف الرضي إلى الوزير سابور بن أردشير (١) يهنّئه بعودة الوزارة إليه وهي في الدفعة الرابعة :

كتابي أطال الله بقاء سيّدنا الوزير ـ أدام الله تأييده ـ يوم كذا (٢) عن حمد الله تعالى أستدرّ شارقه ، وأستفتح مغالقه ، على ما شمل جميع النّاس عموماً وشملني من بينهم خصوصاً الإستبشار بيُمْن نظره ، وتمكين يده ، واستئناف دولته ، ورجوع أمره ونهيه ، فإنّ المنّة في ذلك استغرقت شكر الشّاكرين ، وفاتت حمد الحامدين ، ولم يخل أحدٌ من قسم ازلّ (٣) إليه منها ، أو سهم ضرب له فيها. فكان عود سلطانه ـ أدام الله تمكينه ـ نعمة على جميع الكافّة ، كما كان خلوّ مكانه ـ [ لا ] (٤) أخلاه الله أبداً منه ـ غُمَّة على الخاصّة والعامّة.

وإلى الله أرغب في أن يجعل هذه الموهبة راهنة غير ظاعنة ، ودائمة غير رائمة ، ولا ينقله عنها إلّا إلى ما هو أجلّ منها مطمحاً ، وأشرف موكباً ومقعداً ، متوقّلاً (٥) به في مراق من العِزِّ كلّما وضع قدمه على بعضها رأى ما يجاوزه دون ما وصل إليه ، وما خطاه مقصّراً عمّا استولى عليه ، حتى يبلغ إلى نهاية لا مرمى وراءها ، وغاية لا مطلع خلفها ، ولا منزلة بعدها ، آمناً من هفوات الزّمان ونبوات الأيام وسهام الضراء ومكائد الأعداء ، بمنّه ولُطفه.

ولو لم يكن لسيّدنا الوزير ـ أدام الله علوّه ـ من المزايا التي يفوق بها الأكْفاء ويجوز

________________________________

(١) أبو نصر سابور بن أردشير ، الملقّب بهاء الدولة وزير بهاء الدولة أبي نصر ابن عضد الدولة ابن بويه الديلمي ؛ كان من أكابر الوزراء ، واماثل الرؤساء ، جمعت فيه الكفاية والدراية ، وكان بابه محطّ الشعراء. وكان قد صرف عن الوزارة ثم اُعيد إليها. وكانت وفاة سابور في سنة ست عشرة وأربعمائة ببغداد ، ومولده ليلة السبت خامس عشر ذي القعدة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. اُنظر وفيات الأعيان ٢ : ٣٥٤.

(٢) لم يذكر إسم اليوم ولا تاريخه ، واستعيض عنه بلفظ (كذا).

(٣) اُزل : اُعطي ، وأزللت إليه نعمة : أسديتها. (الصحاح ـ زلل ـ).

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

(٥) التوقّل : الصعود.

١٦٩

النظراء ، إلّا بلوغه إلى ما [ لم ] (٦) يبلغ (٧) إليه أحدٌ ممّن نُحِل اسم الوزارة ، واُجريَ مجراه في مقعد الرئاسة ، من تدبير هذا الأمر أربع دفعات متغايرات ، وتلك منزلة ما وصل إليها أحدٌ من الوزراء على سوالف الأوقات وخوالفها ، لكفى بذلك فضيلة غرّاء ، ومنقبة علياء ، فكيف وقد جمع الله سبحانه فيه من شرف الضّرائب ، ويُمن النقائب ، وكرم الطبائع ، وطيب الغرائز ، وسلامة العقائد ، واحتصاد (٨) المعاقد ما هو بمنزلة الكمال الذي يتفرّق في الأشخاص ولا يجتمع في أحد من الناس ، وقد علم القريب والبعيد والشريف والمشروف ، أنّ هذه المنزلة كانت ثلمة لا تُرأب إلّا به ، وفرجة لا يسدّها إلّا شخصه ، وأنّ لهذا الأمر باباً لا يفتحه إلّا من أغلقه ، وستراً لا يرفعه إلّا من أسدله ، وثغراً لا يسدّه إلّا من داوسه (٩) ، وجدّاً لا يصبرُ عليه إلّا من مارسه.

وسيّدنا الوزير ـ أدام الله عزّه ـ هو كفؤه وكافيه ، وطبيبه وآسيه ، فالله تعالى يتمّم ما خوّله ، ويُعينه على ما قلّده ، ويُجريه على أجمل ما عوّده ، إنّه على ذلك قدير ، وبه جدير.

ولست أدلّ على شدّة ارتياحي وابتهاجي ، وانبساط رجائي وآمالي ، ما يجدّد له ـ أدام الله تمكينه ـ بأكثر من اطّلاعه على حقائقه ووقوفه على ظواهره وبواطنه ، فإنْ رأى سيّدنا الوزير ـ أدام الله علوّه ـ أن يأمر ـ أعلى الله أمره ـ بإجابتي عن كتابي هذا بما أعلم معه أنّ موضعي من حُسن رعايته محروسٌ ، ومكاني من مكين رأيه مكين في ذلك على عوائد إنعامه وعوارف إحسانه ، التي لم أخلّ بالشكر لها ، ولم أذهل عن الإشادة بها ، على بعد الدار وقربها ، وتغيّر الحال ورجوعها ، فعل إن شاء الله تعالى.

وما أحدثَ الدهرُ من نبوة

وقَطَّعَ ما بينَنا من سَبَبْ

فإنَّ النفوسَ إليكُم تُشاق

وإنّ القُلوب عليكم تجبْ

وتَسفُر أرحامُنا بينَنَا

فتعلي طوائلنا أو تَهبْ

فإنّا نرى لجوار الدِّيار

حُقوقاً فكيف جوار النَّسبْ

________________________________

(٦) زيادة يقتضيها السياق.

(٧) في الأصل : يبلغه ، وما أثبتناه أنسب.

(٨) حبل محصد : محكم مفتول ، والمعاقد : هي معاقد الإزار ، ويراد بها قرب المنزلة واستحكامها. اُنظر : (الصحاح ـ حصد وعقد ـ).

(٩) داوسه : أرسل إليه الجند والخيل يتبع بعضها بعضاً ولم يفتر عنه.

١٧٠

(٤)

من المخمّس (١) فصول الشريف الرضيّ

فصل : وأما فُلان فما عندي أنك تقرب عرضه إلّا شامّاً صادِفاً (٢) وذائقاً باصقاً ، فأما أن تجعله لوكة لفيك وعُرضة لقوافيك ، فتلك حالٌ أرفعك عن الإسعاف إليها والرّضا بها ، واجلّ سهمك أن يصيب غير غرضه وحدَّكَ أن يُطبِّقَ غير مفصله ، فما كل رميّة تَصَرَّدُ (٣) فيها النبال ولا كلّ فريسة تنشب فيها الأظفار.

فصل : قد كاد الرّسول يا أخي وسيّدي ـ أطال الله بقائك ـ من كثرة الترداد تتظلم قدماه ، وكاد المرسل من امتداد الطرف لانتظاره تزور عيناه ، فلا تجعل للّوم طريقاً إليك ولا للعتاب متسلّقاً عليك ، وكن مع مواصلتك إلباً على مقاطعتك وأحمل لمفارقتك كثيراً على مباعدتك ، فان ذلك أحصف لمعاقد العهود وأعطف لتآلف القلُوب.

فصل : إن رأى الشريف ـ أطال الله بقاءه ـ أن يلقي إليَّ طرفاً من حال سلامته ، وما جدّده الله تعالى من حسم شكايته ، فحرامٌ على جنبي الهدوء إذا نبا جنبه ومحصّن عن عيني الرّقاد إذا سهر طرفه ، لأنَّ النفس واحدة وإن اقتسمها جسمان واستهم فيها جسدان ، ولستُ أشكّ في هزيمة الداء ونقيصة الألم لما أجده من سُكون النّفس وطمأنينة القلب ، ولو كان غير ذلك لقلقت نفسي لقلق قسيمتها وتألّمت مهجتي لألم مساهمتها ، والله يقيه ويقيني فيه الأسواء بمنّه وقدرته إن شاء.

فصل : وراودتُ نفسي في إنفاذ رسول إليه يسأله الحضور ، ثم أضربت عزيمة الرأي خوفاً من إزعاجه في مثل هذا الوقت ، ولئلا ينسبني إلى نقض الشرائط وفسخ العهُود اللوازم ، لأنه يشارطني في ليلة يومنا هذا في داره ، وكان عزمي في الإنفاذ إليه بين رأيين ؛ جاذب الى أمام ، وممسك الى وراء ، فالجاذب يحضّه السوق ويحرّضه النزاع الى رؤيته

________________________________

(١) المخمّس : يعني به الفصل المشتمل علىٰ خمس سجعات.

(٢) صادفاً : معرضاً.

(٣) صَرد السهم : نفذ حدّه في الرمية.

١٧١

فيجذب دائباً ، والممسك يمنّيه الوفاء بعهده والمحافظة على ودّه فيقف هائباً ، والذي أمكنني عند غيبته أني حرّمت القراءة على نظري ، وصرفت مستأذن الحديث عن دخول سمعي ، وفزعت الى المضجع وإن كان نابياً لِنُبُوِّه ، والنّوم وإن كان نائباً لنأيه ، فإن رأى ـ أدام الله عزّه ـ أن يجعل شخصه الكريم جواباً عن هذه الأحرف لينشر من نسائمي ما انطوى لفراقه ، ويطفىء من حناني ما اضطرم من نار أشواقه فعل إن شاء الله.

فصل : وان اتّسق الأمر الذي الى الله أرغب في تمامه ، وأسألهُ العون على لمِّ شمله وتأليف نظامه ، كان فلان عندي في المنزلة التي إن أشرف منها وجد الناس جميعاً تحته ، والمكان الذي إذا طمح فيه بطرفه لم يَرَ أحداً من الرجال فوقه ، والله يعين على مشاطرته كرائم النعمى ويجعل الرشد مقروناً بصحبته في الدّين والدنيا ، إنّه ولي ذلك والقادر عليه.

فصل : قرأت ماكتب به مولاي الاُستاذ ـ أطال الله بقاءه ـ وملّكني الإبتهاج بما وقفت عليه من علم خبره ، واقتسمتني أيدي الإرتياح لما أنست به من دوام سلامته ، والله يقيه الهمّ ويكفيه المهم بمنّه وقدرته ، وأما خبري فأنا الآن في منزلة من العافية بعد أن كنتُ في نازلة من المنزلة (٤) وتحت ظل من السلامة بعد حصولي في هجير من عارض العلّة ، ولله الحمد على الإبتلاء بالأوّل والإنعام في الآخر ، ولولا شغلي بما ذكرت وانغماسي فيما وصفت ، لم أقنع لنفسي بالتأخر عنه طول هذه المدّة ، مع السرور الذي يهفو بي إليه ، والجواذب التي تسرع بي نحوه ، والله يحرسه ويحرسني فيه بمنّه ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

فصل : فإن رأى ـ أطال الله مدّته ـ أن يجيبني إلى ما التمسته ، ويحتمل ما اقترحته ، فإنّه أهل لنزول الحوائج به ، وموضع لتكاثر المسائل عليه ، فما يسأل إلّا باذل ، ولا يحمَّل إلاّ حامل ، فعل إن شاء الله.

فصل : أخلفَ ميعاداً وصدق بعاداً ، اُعيذك ـ أطال الله بقاءك ـ من ذلك ، وعدتني أنّك تصير النصب فيه على قولك أحشفاً وسوء كيله ؟ والمعنى يجمع هذا وذا ، إلَيَّ فأخلفت ، وأوعدتني أنّك تجازيني على مافعلته بالقطيعة فقدّمت وأسلفت ، [ وعادة ]

________________________________

(٤) في الأصل : (المنزلة) ، ولعلّ ما أثبتناه هو المناسب لما قبل الفقرة وما بعدها. والنزلة : مرض الزكام.

١٧٢

الكريم إنجاز الوعد وإخلاف الوعيد ، فإن لابدّ فالصدق في كليهما ليتوارد الفعلان ويعتدل الأمران ، ولا يكون الشرّ أغلب الطبعين عليك ، والخير أبغض الحظّين عندك ، والذي أسالك ـ أدام الله عزّك ـ أن تسرع النهضة إليَّ ، وتعجّل الطلوع عليَّ ، إن شاء الله.

فصل : فلو شئت ـ أطال الله بقاءك ـ لا لتثمت الخجل من قبيح ما ترتكبه وقعة بعد اُخرى ، وأنا دائب أتلافاك بالصّعب والذلول والدقيق والجليل ، وأستميلك استمالة النافر ، وأستعطفك استعطاف الشارد ، واُداريك مداراة الولد الوالد ، بل مداراة الناظر الرمد ، وأنت ماض على غلوائك في البعد ، وجار على سننك في القطعية والهجر ، ولو رمت شرح جميع اُموري منك لطال الكلام ، وكثر الخصام.

والآن فالذي أسالك ـ أدام الله عزّك ـ أن تخرج من لباس الخلق الجافي ، وتشرع في غدير الودّ الصافي ، فانه أولى بك وأشبه بمثلك ، إن شاء الله.

فصل : إذا كان إنعام سيّدنا الوزير ـ أطال الله بقاءه ـ عريض الأكناف ، بعيد الأقطار والأطراف ، ينال المحروم والمرزوق سَجْله (٥) ، ويسع القاضي والدّاني فضله ، كان أحق من ضرب فيه بسهم ، واُخذ منه بنصيب وقسم ، من سبقت منه خدمة ، وتوكّدت له حرمة ، وقد شمل أفضال سيّدنا الوزير ـ أدام الله عزّه ـ أشكالي وأمثالي من أهل هذا البيت ، وأنا أعوذ بغامر فضله أن يعزبني الزمان من ملابس طوله ، فإن رأى ـ حرس الله مدّته ـ أن ينعم عليَّ بالتوقيع في معنى كيت وكيت فعل إن شاء الله.

* * *

________________________________

(٥) السجل : الدلو إذا كان فيه ماء.

١٧٣

(٥)

فصل من رسالة الشريف أبي الحسين الموسوي رحمة الله عليه :

وإذا كنت ـ أدام الله عزّك ـ لا ترع العلائق الواشجة ، ولا تجيب الأرحام المناشدة ، ولا تتعطف بالأسباب العواطف ، ولا تهتزّ للأعراق الضوارب ، وأنتَ أنتَ في كمال البصائر والتجارب ، وسداد الآراء والعزائم ، فأين موضع السكن التي عسا (١) عودها ، ونبا (٢) على العواجم عمودها ، واعتقبتها الأيام رافعة وخافضة ، وتداولتها الخطوب رائشة (٣) وناهضة (٤).

وإنّما تكون آراء ذي السنّ الغالب أسَدّ وأصوب ، وعزائمه أنفذ وأدرب ، وأفعاله مستضيئة لشعاع الحزم الثاقب ، ومتنكّبة عن ظلم الهوى الغالب ، لأنّ الزمان قد يجده (٥) بطول صحبته ، وأخلصه بطوارئ خيره وشرّه ، وغالبه ثمّ دان له ، وخاشنه ثمّ لاينه ، فأفاده ارتياءً في المشكلات ، ووقوفاً عند الشبهات ، واستشفاءً للعواقب ، ونظراً من الموارد إلى المصادر ، واطلاعاً على مجاني الغروس قبل إيراقها ، ومحاصد الزروع قبل إطلاعها ، فهو أبداً مُغالب عزمه بحزمه ، ومستعبد هواه لرأيه ، وأخلق به ألّا تنشط عقاله الحوادث ، ولا تزلق قدمه النوائب ، ولا يَسري إلّا على مَنار ، ولا ينقاد إلّا بأزمّة الإستبصار ، ولا يرمي إلّا على إشارات التوفيق ، ولا يحذو إلّا على مثال الرأي الأنيق (٦).

________________________________

(١) عسا : يبس واشتدّ وصلب (الصحاح ـ عسا ـ ٦ / ٢٤٢٥).

(٢) نبا : عسر وتباعد (الصحاح ـ نبا ـ ٦ / ٢٥٠٠).

(٣) راشه : أصلح حاله (الصحاح ـ ريش ـ ٣ / ١٠٠٨).

(٤) ناهضة : ظالمة (الصحاح ـ نهض ـ ٣ / ١١١٢).

(٥) كذا.

(٦) في الأصل كلمة غير واضحة ، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.

١٧٤

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUETurathona-part005imagesimage003.gif

١٧٥

المفاضلة بين الرضيّ والهرويّ

السيّد أحمد الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد والمجد

الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي البغدادي ، شاعر طالبيّ مُفْلِق مكثر ، سار شعرُه في دنيا الأدب سيرَ الشمس عند الظهيرة ، وأذعن معاصروه ـ بما فيهم من وفرة الشعراء والممتازين من أرباب القول والكلام ـ بتقدّمه في الشعر وإمامته في الأدب ، مع ما عُرف قديماً بأنّ الشارع المكثر تقلّ محاسن شعره ويكثر المبتذَل في نظمه.

«إبتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل ، وهو أبدع أبناء الزمان ... ثمّ هو أشعر الطالبيّين ، من مضى منهم ومن غَبَر ، على كثرة شعرائهم المُفْلِقين ... ولو قلتُ إنّه أشعر قريش لم أبعُد عن الصدق ، وسيشهد بما اُجريه من شعره العالي القِدْح الممتنع عن القَدْح ، الذي يجمع إلى السلاسة متانة ، وإلى السهولة رصانة ، ويشتمل على معان يقرب جَناها ويبعد مداها» (١).

«وله شعر إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه ، وعقد بالنجم نواصيه ، وإذا نُسب انتسب الرقة إلى نسيبه ، وفاز بالقِدْح المعلّى من نصيبه ... وورد شعرُه دِجْلَتها ـ أي بغداد ـ فشرب منها حتى شَرَقَ ، وانغمس فيها حتى كاد أن يقال غَرَقَ» (٢).

________________________________

(١) يتيمة الدهر ٣ / ١٣٦.

(٢) دمية القصر ١ / ٢٨٨.

١٧٦

وقد «يسمّيه الاُدباء النايحة الثكلى لرقّة شعره ... ويقال : أشعر قريش. قلت : معناه أنّه ليس لقرشيّ كثرة جيّدة» (٣).

قال الخطيب البغدادي : سمعت أبا عبدالله محمد بن عبدالله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ ـ وكان أحد الرؤساء ـ يقول : سمعتُ جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون : الرضيّ أشعرُ قريش. فقال ابن محفوظ : هذا صحيح. وقد كان في قريش من يُجيد القول إلّا أنّ شعره قليل ، فأمّا مجيد مكثر فليس إلّا الرضيّ (٤).

نعم «إنّ شعر الشريف الرضي ـ وإن يكن قديم الاُسلوب ـ ظاهرُ البلاغة ، عالي النَفَس مديده ، قويُّ النسج ، واضحُ التعابير ، فيه مَتانة وسهولة ورَصانة ، تظهر فيه شخصية صاحبه ، شخصية نبيلة عزيزة النفس أبيّة طموح ، وقلّما قرأت له قصيدة ـ في أي نوع من أنواع الشعر ـ إلّا أحْسَسْتَ فيها روحَ الفخر وشكوى الزمان والشيب» (٥).

* * *

من طريف ما صنعه أديب متذوّق من أُدباء القرن الخامس الهجري ، أن أجرى مفاضلة بين شاعرين فحلين لهما شهرة وصيت في عالم الأدب العربي في تلك الحَقْبَة الزمنية وما تلتها من الأحقاب ، هما الشريف الرضي محمد بن الحسين الموسوي البغدادي والقاضي أبو أحمد منصور بن محمد الأزدي الهروي ، شاعرا العراق وخراسان وفحلا القطرين المتسابقين في حلبة الأدب.

قدم أديبنا الذوّاقة قصيدة رائيّة للرضيّ وقصيدة دالية للهرويّ ، معتذراً عن عدم وقوفه على قصيدتين لهما من قافية واحدة في غرض مشترك حتى تتمَّ عناصر المفاضلة بين الشاعرين ، فاختار هاتين القصيدتين وقدّمهما للمفاضلة بين الشاعرين لأنّه يعلم أنّ الأديب يستدلّ بمباني الكلام ومعانيه وصيغة ألفاظه على درجة الشاعر ، ويميز بين المتقدّم الفاضل عن المتأخّر المفضول.

أمّا الأديب الذي أجرى المفاضلة وأتحفنا بهذه الدرّة اليتيمة من هو ؟

فهذا سؤال لم نهتد إلى جوابه ، إلّا أنّه يبدو من تقديمه المقتضب للقصيدتين رفيع أدبه

________________________________

(٣) الوافي بالوفيات ٢ / ٣٧٤.

(٤) تاريخ بغداد ٢ / ٢٤٦.

(٥) ديوان الشريف ، المقدمة ١ / ٦.

١٧٧

الشعري والنثري ، بالإضافة إلى قول إسماعيل الأديب فيه عند حكومته بين الشعرين : «ولولا اقتراح هذا الفاضل ، المحتوي على أجناس الفضل ، المتشبّث بأفنان فنون الأدب ، لما أثبتُّ هذا الفصل».

وأمّا المشاركون في هذه الحكومة الأدبية ، فهم :

١ ـ الفضل بن إسماعيل.

٢ ـ أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ، المتوفّى سنة ٤٦٨.

٣ ـ أبو نصر صاعد بن الحسين الزوزني.

٤ ـ زكريا بن الحسن بن زكريا الزوزني.

٥ ـ إسماعيل بن الحسن الأديب.

إتّفق هؤلاء الاُدباء على تقدّم شعر الرضي على شعر الهروي ، وأنّه أعلى شأواً ، وأسنى مقصداً ، وأشرق لفظاً ، وأعمق معنى ، مع اختلافهم في تعابيرهم واحتياط بعضهم في الحكومة.

ويزيدُ في قيمة هذه المفاضلة أنّ قصيدة الرضيّ من شعره غير المنشور ، فإنّها لم ترد في ديوانه المطبوع في مطبعة نخبة الأخبار بالهند سنة ١٣٠٦ ، ولا في طبعة دار صادر ببيروت. ويكفي لإثبات نسبتها إليه أنّ هؤلاء الاُدباء المعاصرين له أو المقاربين لعصره سجّلوا حكومتهم من غير شكّ أو ترديد في صحّة النسبة.

* * *

الشريف الرضي محمد ابن الطاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام ، الموسوي العلوي البغدادي.

نشأ في كنف والده أبي أحمد منشأ جمع كل صفات النبوغ والتقدّم ، وعُني بتربيته شيخ الشيعة محمد بن محمد بن النعمان المفيد التلعكبري البغدادي عناية جعلته من الأعلام البارزين الّذين يفتخر بهم التاريخ الإسلامي عبر القرون.

كان مبرزاً فاضلاً ، عالماً ورعاً ، عارفاً بالفقه والفرائض معرفة قوية ، إماماً في اللغة والعربية لا يُشقُّ غبارُه ، مترسّلاً ذا كتابة جيدة ، أوحدَ الرؤساء ، عظيمَ الشأن ، رفيعَ المنزلة ، له المكانة العالية عند خلفاء زمانه وملوك عصره.

١٧٨

بدأ دراسته على الشيخ المفيد في سنّ مبكرة ، وقرأ عند أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد ابن محمد الطبري ، وابن السيرافي النحوي ، وغيرهما.

وكان شاعراً مُفْلِقاً ، فصيحَ النظم ، ضخمَ الألفاظ ، قادراً على القريض ، متصرّفاً في فنونه ، وهو أشعر الطالبيّين ، ويقال أشعر قريش. إبتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل ، وجُمع شعرُه في ديوان ضخم يتداوله دارسو الشعر العربي.

وكان عفيفاً شريف النفس ، عالي الهمّة ، ملتزماً بالدين وقوانينه ، ولم يقبل من أحد صلة ولا جائزة ، حتى انّه ردّ صلات أبيه. وقد اجتهد بنو بويه على قبوله صلاتهم فلم يقبل منهم شيئاً.

من مؤلفاته «نهج البلاغة» و «تلخيص البيان عن مجازات القرآن» و «المتشابه في القرآن» و «مجازات الآثار النبويّة» و «خصائص الائمة» و «رسائله إلى الصابي».

توفّي رحمه الله في شهر محرّم الحرام سنة ستّ وأربعمائة ـ وقيل أربع وأربعمائة ـ وحضر الوزير فخرالملك وجميع الأعيان والأشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه ، ودفن في داره بمسجد الأنباريّين بالكرخ ، ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام ، لأنّه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته ودفنه ، وصلّى عليه فخر الملك أبو غالب ، ومضى بنفسه آخر النهار إلى أخيه المرتضى بالمشهد الشريف الكاظمي ، فألزمه بالعود إلى داره.

(اُنظر : يتيمة الدهر ٣ / ١٣٦ ، دمية القصر ١ / ٢٨٨ ، رجال العلامة الحلّي ص ١٦٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ / ٣١ ، الدرجات الرفيعة ص ٤٦٦ ، وفيات الأعيان ٤ / ٤١٤ ، الوافي بالوفيات ٢ / ٣٧٤ ، شذرات الذهب ٣ / ١٨٢ ، روضات الجنّات ٦ / ١٩٠ ، رياض العلماء ٥ / ٧٩).

* * *

القاضي أبو أحمد منصور ابن القاضي أبي منصور محمد ـ ويقال أحمد ـ الأزدي الهروي.

كان فقيهاً ، كثيرَ الفضائل ، حسنَ الشمائل ، قاضي هراة.

تفقّه على أبي أحمد الاسفرايني في بغداد ، وسمع أبا الفضل بن حمدويه والعباس بن الفضل النضروي وغيرهما.

١٧٩

وكان شاعراً مجيداً ، كثيرَ الشعر مختلفَ الأغراض ، يبلغ ديوانه أربعين ألف بيت. كما أنّه كان ناثراً بليغاً ، له رسائل في منتهى البلاغة والفصاحة.

قال الباخرزي في دُمية القصر : «أفضلُ مَن بخراسان على الإطلاق وأطبعهم بالإتّفاق ، يرجع إلى نظم أحسن من انتظام الأحوال ، ونثر كما يهيّء الدرّ عن اللآل ... وقد اُوتي حظّاً وافراً من حياته ، وبلغ أرذلَ العمر من وفاته ، فانطعن تحت رحيّاته ، وأثّر فيه الهرم تأثيراً نشف ريَّه وأطر سَمْهَريَّه ، وحجب طرفَه وإن لم يحجب ظرفه ، وكفَّ ألحاظه وإن لم يكفّ ألفاظه ، وقصَّر من خطواته وإن لم يقصّر من خطراته».

توفّي سنة أربعين وأربعمائة.

(اُنظر : دمية القصر ٢ / ٨٩ ، معجم الاُدباء ٩ / ١٩١ ، يتيمة الدهر ٤ / ٣٤٧ ، الأعلام للزركلي ٧ / ٣٠٣).

* * *

نسخة «المفاضلة» المخطوطة التي رجعنا إليها ، من نوادر مكتبة آية الله المرعشي العامة في قم ، وهي في مجموعة برقم (٤٠٤٧) معها رسائل اُخرى كما يلي :

١ ـ ديوان شعر ، لم نعرف صاحبه.

٢ ـ المفيد في التصريف ، للزمخشري.

٣ ـ المفاضلة بين الرضي والهروي.

٤ ـ الزاجرة للصغار عن معارضة الكبار ، للزمخشري.

٥ ـ اُدباء الغرباء ، لأبي الفرج الإصبهاني.

٦ ـ نزهة العشّاق ونهزة المشتاق ، لعين القضاة الهمداني.

٧ ـ حسيب النسيب للحسيب النسيب ، للراوندي.

هذه المجموعة النادرة كتبت في القرن السابع الهجري بخطوط أشخاص يظهر أنهم كانوا من المعنيّين بالأدب العربي. ورسالة «المفاضلة» بخطّ أبي نصر عتيق بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن بن خليل بن عمر بن سنان الصدّيقي ، كتبها في جمادى الاُولى سنة ٦٥٧ ، وهي بخط نسخ مشكول لا يخلو من قوّة. والرسالة مع وضوح خطّها بقي فيها كلمات لم يتبيّن لنا وجه الصواب فيها ، فقوّمنا بعضَها بالقياس والتخمين وأبقينا بعضَها كما هي ، مع الإشارة في التعليق إلى ما قوّمناه وإلى ما أبقيناه.

* * *

١٨٠